المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة11%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45032 / تحميل: 4732
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

مات‏ الرضا وصارت زلازل في أرض طوس

والحور حطوله عزه ولطمن على الروس

حطت عزيه فاطمه الزهرا بالجنان

اعله غريبٍ مات في بلدة خراسان

والسم ضاگه في عنب مع حب رمان

سم الرضا المأمون وخله الگلب محموس

* * *

واحر گلبي اعلى الذي سمّه الميشوم

وگطع فؤاده وكبدته من حر السموم

____________________

إليها الخدمة القلمية والخدمة بالبيان فقد ألف كثيراً وخلّفَ آثاراً لها قيمتُها منها:

١- البابليات وهو ثلاثة أجزاءٍ في تراجم الشعراء من أهل الحلّة طبع في سنة ١٣٧٢ه.

٢- المقصورة العلية وهي قصيدة تناهز (٤٥٠) بيتاً في سيرة أمير المؤمنين(ع) طبعت سنة ١٣٤٤ه.

٣- عنوان المصائب في مقتل الامام علي بن أبي طالب(ع) طبع سنة ١٣٤٧ه.

٤- ديوانه الذي يحتوي على ما نظمه من الشعر خلال مدة تتجاوز الأربعين عاماً طبع سنة ١٣٧٦ه.

٥- الذخائر وهو ديوان شعرٍ خاص يحتوي على حوالي خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها في أهل البيت: مدحاً ورثاءاً وقد طبعت سنة ١٣٦٩ه وأوصىرحمه‌الله أن يدفن معه في قبره وقد صدره بالبيتين التاليين:

سرائرُ ودٍّ للنبيِّ ورهطهِ

بقلبي ستبدو يوم تُبلى السرائرُ

وعندي ممّا قلتُ فيهم ذَخائِرٌ

ستنفعني في يوم تفنى الذّخائرُ

توفي في فجر يوم الأحد ٢١ جمادى الثانية سنة ١٣٨٥ه الموافق ١٩٦٥/١٠/١٧م فرحمةُ اللَّه تعالى عليه.

٣٠١

وخلاه مرمي اعله الفرش ما يگدر يگوم

وذوب فؤاده من ونينه شمس الشموس

* * *

واحر گلبى اعله الذي في الفرش مطروح

مرمي على فراشه يعالج نزعة الروح

ناحت على مصابه البتوله بگلب مجروح

ياليت روحي اله فده وسكنت الرموس(١)

* * *

عن الإمام أبي الحسن علي بن محمّد الهادي(ع) قال: (من كانت له إلى اللَّه عزّوجلّ حاجة فليزر قبر جدّي الرّضا(ع) بطوس وهو على غسل، وليصلِّ عند رأسه ركعتين، وليسأل اللَّه تعالى حاجته في قنوته، فإنّه يستجيبُ له، ما لم يسأل في مأثم أو قطيعة رحم فإنّ موضعَ قبره لبقعةٌ من بقاع الجنة لايزورها مؤمنٌ إلّا أعتقَهُ اللَّهُ تعالى من النار وأحلّه دار القرار)(٢) .

ولد الإمام أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا(ع) في الحادي عشر من ذي القعدة يوم الخميس أو الجمعة بالمدينة سنة ١٤٨ ثمان وأربعين ومائة. وذلك بعد وفاة جدّه الإمام الصادق(ع) بأيّامٍ قليلة(٣) ، وكان الإمام الصادق(ع)

____________________

(١) الفائزيات الكبرى: ص١٨٤.

(٢) الأنوار البهيّة للمرحوم الشيخ عباس القمي(ره) ص٢٠٣.

(٣) أقول: قضى الإمام الصادق(ع) شهيداً في سنة ١٤٨هأ. وذلك في شهر شوال، إلّا أنّ

٣٠٢

يتمنى إدراكه، ففي الخبر عن الإمام موسى بن جعفر(ع) قال: سمعت أبي جعفر بن محمد(ع) غير مرّة يقول لي: إِنّ عالمَ آلِ محمّد(ص) لفي صلبك وليتني أدركتُهُ فإنّه سميّ أمير المؤمنين(ع).

أمّه ذات العلى والمجد السيّدة نجمة، ويُقالُ لها تُكْتَمْ أيضاً، وكنيتُها أمّ‏البنين، ولما ولدت الإمام الرّض(ع) لقّبها الإمام الكاظم(ع) بـ(الطاهرة)(١) .

وأمّا عبادته ومكارم أخلاقه ومعالي أموره فقد روي أنه كان يجلس في الصيف على حصير، وفي الشّتاء على مُسُحْ(٢) ، وكان يلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم، وكان(ع) إذا صلّى الغداة - الفجر - وكان يصلّيها في أول الوقت - يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشّمس، وكان(ع) يكلّم الناس قليلاً، وكان كلامه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختم القرآن في كلّ ثلاث ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني ما مررتُ بآيةٍ قط إلّا فكّرت فيها وفي أيِّ شي‏ءٍ أنزلت، وفي أيِّ وقت ولذلك صرتُ أختم في كلِّ ثلاثةِ أيام.

وقال إبراهيم بن العباس: ما رأيت أبا الحسن الرّضا(ع) جفا أحداً بكلامه قط، ولا شتمَ أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيتُهُ يقهقهُ في

____________________

المشهور والذي عليه العمل خصوصاً في العصور المتأخرة هو يوم ٢٥ من شوال، فعلى هذا تكون المدة بين وفاة الإمام الصادق(ع) وميلاد الإمام الرضا(ع) هي ١٥ أو ١٦ يوماً واللَّه العالم.

(١) الأنوار البهيّة ص١٧٧.

(٢) المـُسُح: واحدُه المِسْح وهو الكساءُ من الشَّعْر، لسان العرب

٣٠٣

ضحكه قط بل كان ضحكُهُ التبسّم، وكان(ع) قليلَ النوم بالليل كثير السّهر، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصّبح، وكان كثيرَ الصّيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشّهر ويقول ذلك صوم الدّهر(١) ، وكان(ع) كثير الصّدقةِ والمعروف في السرّ وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، وكان(ع) إذا جلس على الطعام أتي له بصحفة فتوضع قرب المائدة فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به فيأخذ من كلّ شي‏ء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين ثمّ يتلو هذه الآية:( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) (٢) .

ثمّ يقول: علمَ اللَّهُ عزّوجلّ أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيلاً إلى الجنة(٣) .

أقول: أراد(ع) أنّ اللَّه تعالى يعلم أن ليس كلّ أحد من خلقه قادراً على عتق رقة في سبيله، فجعل لهم طريقاً آخر أقل مؤنة وهو إطعام اليتامى والمساكين.

وعن موسى بن سيّاررحمه‌الله تعالى قال: كنت مع الإمام الرّضا(ع) وقد أشرف على حيطان طوس وسمعتُ واعيةً فاتبعتُها فإذا نحنُ بجنازة،

____________________

(١) قال المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظلّه) في كيفيّته: هو صوم أول خميس من الشّهر، وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشر وسط الشّهر، الأحكام الفقهيّة ص١٧٤.

(٢) سورة البلد، الآيات: ١١ - ١٤.

(٣) الأنوار البهيّة ص١٨٠.

(٤) قال في (لسان العرب): قال ابن الأثير: الواعيةُ: هو الصراخ على الميّت ونعيُهُ.

٣٠٤

فلمّا بصرتُ بها رأيت سيّدي وقد ثنى رجلَهُ عن فرسه ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها ثمّ أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلةُ بأمِّها، ثمّ أقبل عليّ وقال: ياموسى بن سيّار من شيّعَ جنازةَ وليٍّ من أوليائنا خرج من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ لا ذنبَ عليه. حتى إذا وضع الرّجل على شفير قبره رأيت سيّدي قد أقبل فأفرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميّت فوضع يده على صدرِهِ ثمّ قال: يافلانَ بن فلان أبشر بالجنة فلا خوفٌ عليك بعد هذه الساعة فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فواللَّه إِنّها بقعةٌ لم تطأها قبل يومكَ هذا؟ فقال لي: ياموسى بن سيّار أما علمتَ أنّا معاشر الأئمة تُعرض علينا أعمالُ شيعتنا صباحاً ومساءاً، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا اللَّهَ تعالى الصّفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا اللَّه تعالى الشكر لصاحبِهِ(١) .

أقول: إذا كانت أعمالنا تعرض على الإمام(ع) في الصّباح والمساء فالحريُّ بنا التدقيق في أفعالنا وأقوالنا حتى لا يصل إليه منّا إلّا ما يحبّه ويؤنسُه، فإنّ ما يصل إليه من أعمال أهل العالم ممّا لا يسرّه ولا يُرضيه الكثير الكثير.

ومن غرر كلماته الخالدة ما روى الشيخ القمّي(ره) عنه حيث قال(ع):

صديقُ كلِّ امرئ عقلُهُ، وعدوُّهُ جهلُهُ.

وقال(ع): (التودّدُ إلى النّاس نصفُ العقل).

وقال(ع): (يأتي على الناس زمانٌ تكون العافيةُ فيه عشرةَ أجزاء، تسعةً في اعتزال الناس، وواحدةً في الصّمت).

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٤ ص٣٤١.

٣٠٥

وقال(ع): (إنّ اللَّه يبغض القيل والقال، وإضاعةِ المال، وكثرةِ السؤال).

أقول: أراد(ع) بكثرة السؤال طلب الحوائج من الناس بكثرة.

وروى السيد الجليل المرحوم عبدالعظيم الحسيني(ره) عن الإمام أبي‏الحسن الرّضا(ع) قال هذه الوصيّة الشريفة للشيعة: (ياعبدالعظيم أبلغ أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً، ومرهم بالصّدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوتِ وتركِ الجدال فيما لا يعنيهم، واقبالِ بعضهم على بعض والمزاورة فإنّ ذلك قربة إِليّ، ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً، فإني آليت على نفسي أنّه من فعل ذلك وأسخط وليّاً من أوليائي دعوتُ اللَّهَ ليعذّبه في الدّنيا أشدّ العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين)(١) .

ومن كريم أخلاقه(ع) ما رواه الشيخ المجلسي(ره) في البحار بسنده إلى اليسع بن حمزة قال: كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرّضا(ع) أحدّثه وقد اجتمع إليه خلقٌ كثير يسألونه عن الحلالِ والحرام، إذ دخل عليه رجلٌ فقال له: السلامُ عليك ياابن رسول اللَّه(ص) أنا رجل من محبيك ومحبّي آبائك وأجدادك: مصدري من الحج وقد افتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحله، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي، وللَّه عليّ إذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تعطيني عنك فلستُ موضعَ صدقة فقال له: اجلس رحمك اللَّه، وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرّقوا، وبقي هو وسليمان والجعفري وخثيمة وأنا فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان: قدّم اللَّهُ أمرك،

____________________

(١) الأنوار البهيّة ص١٨٦.

٣٠٦

فقام فدخل الحجرة وبقي مدّة ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يدَه من أعلى الباب وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا فقال: خذ هذه المأتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تتصدّق بها عنّي، واخرج فلا أراك ولا تراني ثمّ خرج(ع) فقال له سليمان: لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافةَ أن أرى ذلّ السؤال في وجهِهِ لقضائي حاجته أما سمعت حديث رسول اللَّه(ص): المستترُ بالحسنة تعدلُ سبعين حجّة، والمذيعُ بالسيئةِ مخذولٌ والمستتر بها مغفورٌ له، أما سمعتَ قول الأوّل:

متى آتِهِ يوماً لأطلُبَ حاجةً

رجعتُ إلى أهلي ووجهي بمائه(١)

أقول: هنا قَضَى الإمام(ع) حاجة رجلٍ من محبيه في حياته، وهناك كرامة أخرى حيث قضى الإمامُ(ع) حاجةَ امرأة مريضة من محبيه بعد وفاته وإليك الكرامة، ففي كتاب - كرامات رضوية - تأليف المرحوم الشيخ علي أكبر مروّج الإسلام، وتحت عنوان - الكرامة السادسة - قال: تزوّج أحد المؤمنين واسمه علي أكبر النجار امرأةً شابةً مؤمنة في مدينة مشهد المقدسة الإيرانية وذلك في حدود سنة ١٩٦٤م، ولم تمضِ على زواجهما مدّة حتى مرضت المرأة بالمرض المعروف - بالحصبة - ولازمت على أثر ذلك الفراش، وبعد مراجعة الأطباء واستعمال الدواء تحسّنت حالتُها ولكن وبسبب ترك الحمية ومخالفة ارشادات الأطباء عاد إليها المرضُ ثانيةً

____________________

(١) البحار ج٤٩ ص١٠١، ح ١٩.

٣٠٧

وبشكلٍ قوي هذه المرة حيث انتهى الحال بها إلى موت - توقّف - قدميها ويدها اليمين حتى عجزت عن الحركة فضلاً عن القيام والقعود.

وبقيت على هذا الحال مدة ٧ أشهر قضتها في مراجعة الأطباء ولم تحصل على الفائدة المرجوّة حتى وُصِفَ لها طبيب ألماني يمتاز بالخبرة ويستعمل الآلات الطبية الحديثة، وبعد مراجعته كتب لها دواءاً تستعمله ظناً منه أنه شخّص المرض وسيدفعه بهذا الدواء إلّا أن حالتها تدهورت أكثر حتى اُصيب وجهها بالشلل ولم تستطع فتح فمها حيث أطبقت الأسنان على الأسنان وتحيّروا في طعامها ودوائها، فأرجعوها إلى الطبيب الألماني فلمّا نظر إليها قال ليس لهذه المرأة دواء عند الأطباء خذوها إلى الأطباء الروحانيين ليعالجوها بالأدعية والتوسلات الشرعية.

واستمرت هذه الحالة عندها (ع) أيام ما كانت تقدر على تناول الطعام والدواء ولا حتى الكلام وكادت أن تهلك من شدّة المرض وصعوبة العلاج.

يقول الزوج ونحن في هذه الفترة لم نترك مراجعة الأطباء ومشاورتهم حتى استقرّ رأيهم على إعطائها جرعة قوية من الدواء عن طريق الوريد باستعمال الأبر لعلّهم يوفّقوا في ارجاع الوجه إلى حالته الطبيعيّة، وفعلاً تمكنوا من ذلك حيث عاد وجهها إلى حالته الأولى وتمكنت من فتح فمها لأجل الطعام والدواء وحتى الكلام أيضاً غير أنّ بقية البدن بقي على حاله حيث ما كانت تقدر أن تحرّك يدها ولا قدميها وباتت ملقاة في احدى زوايا المنزل يائسة من شفائها، وقد تركنا مراجعة الأطباء لأجل أنهم عجزوا عن مداواتها يقول الزوج وفي ليلةٍ من الليالي نادتني زوجتي وشكرتني على

٣٠٨

صبري معها وهي مريضة واعتذرت لي بسبب المتاعب التي سببتها لي وقالت إنك لم ترَ مني خيراً أبداً ولكنك طوقتني بجميلٍ لا أنساه لك أبداً، ولي منك طلبٌ أخير إن سمحت به قلت وما هو؟ قالت الليلة المقبلة هي ليلة الجمعة وأريد منك أن تنقلني إلى حرم سيدي ومولاي الامام أبي الحسن الرّضا(ع) وتضعني قريب الضريح الشريف وتتركني هناك لأطلب من الامام(ع) شفائي أو موتي ونجاتي ممّا أنا فيه فقلت يكون إن شاء اللَّه تعالى ما تريدين.

وفعلاً حملتها في الليلة المقبلة ومعنا أمّها حتى أوصلتها إلى حرم الامام أبي الحسن الرضا(ع) ووضعتها قرب ضريح الامام(ع) وعدت إلى المنزل، وقالت لها أمّها أنا ذاهبة إلى مسجد النساء لأستريح قليلاً تقول الزوجة المريضة فبقيت وحدي وتوجّهت إلى الإمام(ع) بقلبي وروحي وجميع حواسي وقلت له سيّدي ياأبا الحسن أيّها الامام الرؤوف أطلب منك شفائي أو موتي وخلاصي ممّا أنا فيه ثمّ بكيتُ كثيراً فبينا أنا كذلك ولا أدري أنائمة أنا أم مستيقظة إذ رأيت الضريح الشريف قد انفتح وخرج منه سيّدٌ جليل عليه ثيابٌ خضرٌ تعلوه الهيبة والنور تكلّم معي بلغتي - التركية - وقال: قومي فلم أجبه فقال ثانيةً: قومي فلم أجبه فقال ثالثة: قومي قلت سيدي كيف أقوم وأنا مريضة لا أقدر الوقوفَ على قدمي قال: قومي واذهبي إلى مسجد -گوهرشاد واسبغي الوضوء وصلّي هناك ثمّ عودي واجلسي هنا.

تقول سمعت منه هذا وعدت إلى نفسي وإذا أنا لا زلت قريب الضريح

٣٠٩

والنساءُ الزائرات حولي ولكني لم أجد في بدني ألماً أبداً، ورأيت يدي اليمنى تتحرّك حتى أني قمت ووقفت على قدمي كأيّ إنسان سالم معافى ولم أصدق ذلك حتى مشيت خطوات داخل حرم الامام(ع) عندها تيقّنت أنّ الامام الرضا(ع) نظر إليّ ثمّ ذهبت مسرعةً لاُبشّر أمي فعندما نظرت إليّ قلت لها أماه إنَّ ضامن الغرباء منّ عليّ بالشفاء فقامت وضمّتني إلى صدرها طويلاً غير مصدّقة ما تشاهده عيناها، وبكينا من شدّة الفرح والسرور ساعةً كاملة(١) .

أقول: عاش الامام الرضاعليه‌السلام في خراسان مدّة قصيرة من عمره الشريف، ولكنّها كانت من أشدّ الفترات وطأةً عليه حتى أنه(ع) تمنى الموت لأجل الخلاص ممّا هو فيه، روى الشيخ الصدوق(ره) عن علي بن إبراهيم عن ياسر الخادم قال: كان الرض(ع) يقول في دعائه: اللهمّ إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة، ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قبض صلوات اللَّه وسلامه عليه(٢) .

أمّا كيفيّة مقتله(ع) فقد روى الشيخ الصدوق(ره) في (عيون الأخبار) عن أبي الصلت الهروي قال قال لي الإمام(ع): ياأبا الصلت غداً أدخلُ على هذا الفاجر - يعني المأمون فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرّأس فتكلّم أكلّمك، وإن أنا خرجت وأنا مغطى الرّأس فلا تكلّمني قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه وجلس في محرابه ينتظر فبينما هو كذلك إذ

____________________

(١) كرامات رضوية ج١ ص٩٩.

(٢) الأنوار البهيّة ص١٩٥.

٣١٠

دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعلَهُ ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعُهُ حتى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلمّا أبصر الرضا(ع) قام إليه فعانقه وقبل بين عينيه وأجلسه معه ثمّ ناوله العنقود وقال ياابن رسول اللَّه ما رأيت عنباً أحسنَ من هذا فقال له الامام(ع): ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنة فقال له كل منه فقال له: تعفيني منه فقال لابُدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتهمُنا بشي‏ء فناوله العنقود فأكل منه الإمام الرضا(ع) ثلاث حبّات ثمّ رمى به وقام فقال المأمون إلى أين؟ فقال: إلى حيث وجهتني، فخرج(ع) مغطى الرّأس فلم أكلّمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب ثمّ نام على فراشه مهموماً محزوناً فبينما أنا كذلك إذ دخل عليّ شابٌ حسن الوجه قطط(١) الشّعر أشبه الناس بالامام الرّضا(ع) فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق فقلت له: ومَن أنت؟ فقال لي: أنا حجة اللَّه عليك ياأبا الصّلت، أنا محمّد بن علي ثمّ مضى نحو أبيه فلمّا نظر إليه الامام الرّضا(ع) ضمّه إلى صدره وقبّل ما بيه عينيه(٢) .

أويلي اعله الرضا من طاح بخراسان

بعيد الدار والأحباب والخوّان

اجه بهمّه الجواد او من حضر يمّه

شاف السم يولي مأثّر بجسمه

شبگ فوگه يودعه او قبله وشمه

وغده دمع العيون امن الحزن غدران

____________________

(١) قال الفيومي في (المصباح المنير) شعرٌ قَطَطْ بفتحتين: شديد الجعود.

(٢) عيون أخبار الرّضا للشيخ الصدوق(ره) ج٢ ص٢٤٣.

٣١١

قال أبو الصلت الهروي: رأيت الامام الرضا(ع) يسارُّ ولده - وكأنه يوصيه بوصاياه - لم أفهم ما يقول له آجركم اللَّه فلم يقم الامام الجواد من عند والده المفدّى إلى أن قضى نحبَهُ ومضى إلى ربّه مسموماً غريباً شهيداً واإماماه واسيّداه:

فائزي

لمن گضه ضامن الجنة تزلزل الكون

والمصطفى أمسى ابوسط الگبر محزون

* * *

او مكسورة الأضلاع في الروضة حزينه

اتنادي الرضا ثامن اولادي سامينه

مدري شحال ابنه محمد عگب عينه محزون

ومصاب الأبوا عله الولد ميهون

* * *

ضاگت على اولادي بلاد اللَّه الوسيعة

كل يوم ينصابون بمصيبة وفجيعه

نصبوا مآتمكم على أولادي يشيعه

وخلّوا الدمع يهمل او فوگ الخد مهتون

بوجهي هل دهر ما يوم بسّم

ومن وجدي غديت انلظم بالسم(١)

مثل الرضا الضامن مات بالسم

يحگ نبكي عليه صبح ومسيه

* * *

وقبرٌ بطوسٍ يالها من مصيبةٍ

ألحّت على الأحشاءِ بالزفراتِ

إلى الحشرِ حتى يبعث اللَّه قائماً(٢)

يفرّج عنّا الهمَّ والكُرباتِ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) السّم هنا بمعنى ابرة الخيّاط.

(٢) من المناسب تبديل هذا اللقب الشريف إلى لقب (حجّةً) تخفيفاً على المستمعين من القيام، وحتى يبقى خشوع المستمعين وشجاؤهم إذا أراد الخطيب إطالة المجلس أكثر من هذا.

٣١٢

العشرون من صفر المجلس الخامس

يوم الأربعين

قم جدّدالحزنَ ‏في‏ العشرينَ من ‏صفرِ

ففيه ردّت رؤوسُ الآلِ للحفرِ

يازائري بقعةً أطفالُهُم ذُبحت

فيها خذوا تربَها كحلاً إلى البصرِ

والهفتا لبناتِ الطهرِ حين رنت

إلى مصارعِ قتلاهنّ والحفرِ

رمينَ بالنفسِ من فوقِ النياقِ على

تلك القبورِ بصوتٍ هائلٍ ذَعِر

فتلك تدعو حسيناً وهي لاطمةٌ

منها الخدودَ ودمعُ العين كالمطرِ

وتلك تصرخُ واجدّاه واأبتاه

وتلك تصرخُ وايتماه في الصغرِ

فلو تروا أمَّ كلثومٍ مناشدةً

ولهى وتلثمُ تربَ الطفِّ كالعِطْرِ

يادافني الراس عند الجثة احتفظوا

باللَّهِ لا تنثروا ترباً على قمرِ

لا تغسلوا الدمَ عن أطرافِ لحيتهِ

خلّوا عليه خضابَ الشيبِ والكِبَرِ

لا تُخرجوا أسهماً في جسمِهِ نشِبَتْ

خوفاً يفورُ دماً يطمو على البشرِ(١)

نعي

من لاح الگبر سحت دموع العين

ونادت ويل گلبي ذاك گبر حسين

الجثة بالگبر والراس اصيحن وين

على راس الرّمح مدّه يبارينه

* * *

اويلي لاح گبر حسين لعيوني

يهلنه للمدينة امشوا وخلّوني

أخافن لن بني هاشم ينشدوني

شگولن لليگول حسينكم وينه

____________________

(١) هذه القصيدة العصماء من نظم المرحوم السيّد هاشم السبتري البحراني(ره).

٣١٣

لفن يم الگبر ودموعهن تهمي

وزينب صارخه وتصيح يابن امي

وسكنه تندب العباس ياعمي

من ذل اليسر لگبوركم جينه

* * *

روي عن الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع) أنه قال: (علاماتُ المؤمن خمسٌ: صلاةُ احدى وخمسين، والجهرُ ببسمِ اللَّه الرّحمن الرّحيم، والتختّمُ في اليمين، وتعفيرُ الجبين، وزيارةُ الأربعين)(١) .

الأولى: وهي صلاة احدى وخمسين في اليوم والليلة عبارة عن سبعة عشرة ركعة فريضة، وأربعة وثلاثين ركعة نافلة، والفرائض هي الصبح والظهرين والعشاءين واعدادها معروفة واضحة، وأما النوافل فهي ثمان للظهر قبلها وثمان للعصر قبلها، وأربع للمغرب بعدها، واثنان من جلوس للعشاء بعدها تعدّان ركعة واحدة، وركعتان للصبح قبلها، وإحدى عشرة ركعة نافلة الليل ثمان هي نافلة الليل ثمّ الشفع والوتر، وبإضافاتها إلى الفرائض يكون المجموع احدى وخمسين ركعة، وهذا ما اختصت به الفرقة الناجية التابعة لأهل البيت:، فإنّ أهل السنة - المخالفين - وإن وافقوهم بعدد الفرائض إلّا أنهم افترقوا في النوافل ففي كتاب (فتح القدير) لإبن همام الحنفي ج١ ص٣١٤ قال إنها ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، واثنان بعدها، وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وأربع بعدهاوإن شاء ركعتين فهذه ثلاثة وعشرون ركعة، واختلفوا في نافلة الليل إنها ثمان ركعات أو ركعتان أو ثلاث عشرة ركعة أو

____________________

(١) مقتل المقرم١ ص٤٧٣ عن تهذيب الشيخ الطوسي(ره).

٣١٤

أكثر، فالمجموع من نوافل الليل والنهار مع الفرائض لا يكون احدى وخمسين، فاذا تكون احدى وخمسين من مختصات الفرقة الحقة الإمامية لا غير(١) .

الثانية: وهي الجهرٌ بالبسملة فإنّ الشيعة - الإماميّة - تديّنوا إلى اللَّه تعالى به وجوباً في الصلاة الجهرية واستحباباً في الصلاة الاخفاتية تمسكاً بأحاديث أئمتهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول الفخر الرازي: ذهبت الشيعة إلى أنّ من السنّةِ الجهرُ بالتسمية - البسملة - في الصلاة الجهريّة والإخفاتية وجمهور الفقهاء - السنّة - يخالفونهم، وقد ثبت بالتواتر أنّ عليّ بن أبي طالب كان يجهرُ بالتسمية ومن اقتدى في دينه بعليِّ فقد اهتدى والدليل عليه قول النبيّ(ص): (اللهمّ أدر الحقّ مع عليٍّ حيث دار).

وخالف أهلُ السنّة في مسألةِ الجهر بالبسملة وقالوا: الجهرُ غير مسنون في الصلاة(٢) .

الثالثة: وهي التختّم باليمين وقد التزم به الإماميّةُ تديّناً برواياتِ أئمتهم: وخالفهم جماعةٌ من أهل السنّة.

هذا وقد وردت الروايات الشريفة المروية عن النبيّ وآله (ص) وهي تحثّ المؤمنين التختّمَ باليمين، وأن لا تخلو اليد من خاتم فصّه عقيق منها:

عن الامام الصادق(ع): (ما رفع كفٌّ إلى اللَّه عزّوجلّ أحبّ إليه من كفّ فيها خاتمٌ عقيق)(٣) .

____________________

(١) و(٢) مقتل المقرّم ص٤٧٧.

(٣) عدّة الدّاعي لابن فهد الحِلّي(ره) ص١١٨.

٣١٥

وعن أمير المؤمنين(ع): (تختّموا بالعقيق يبارك اللَّهُ عليكم وتكونوا في أمنٍ من البلاء)(١) .

وعن سليمان الأعمش قال: كنت مع أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد(ع) على باب أبي جعفر المنصور فخرج من عنده رجلٌ مجلود بالسوط فقال لي الامام(ع): ياسليمان انظر ما فصّ خاتمه؟ فقلت يابن رسول اللَّه فصّه غير عقيق فقال: ياسليمان انه لو كان عقيقاً لما جُلِد بالسوط قلت: يابن رسول اللَّه زدني قال: هو أمانٌ من قطع اليد قلت: يابن رسول اللَّه زدني قال: هو أمانٌ من إراقة الدم - القتل - قلت: زدني قال: إنّ اللَّه يحبّ أن ترفع إليه في الدعاء يدٌ فيها فصٌّ عقيق قلت: زدني قال: العجب كلّ العجب من يدٍ فيها فصّ عقيق كيف تخلو من الدنانير والدراهم قلت: زدني قال: إنّه أمانٌ من كلّ بلاء قلت: زدني قال: إنّه أمانٌ من الفقر(٢) .

الرابعة: وهي تعفيرُ الجبين، والتعفيرُ في اللغة هو وضع الشي‏ء على العَفَرْ(٣) وهو التراب، سواء كان في سجود الصلاة - حيث لابدّ من وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه والتراب أفضل - أو سجدة الشكر التي تكون بعد كل فريضةٍ أو نافلة قال السيد الحكيم في (الأحكام الفقهيّة):

يستحبّ سجدة الشكر بعد كلّ فريضة أو نافلة، وفي الخبر الصحيح عن الصادق(ع) أنه قال: (سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم تُتِمُّ بها

____________________

(١) عدّة الدّاعي ص١١٨.

(٢) المصدر السابق.

(٣) العَفْر والعَفَر مصدران: ظاهر التراب، المنجد.

٣١٦

صلاتك وترضي بها ربّك وتَعجَبُ الملائكةُ منك). والأفضل سجدتان يفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع مقدّماً الأيمن على الأيسر، ويجزي أن يقول فيها: (شكراً للَّه) ثلاث مرّات(١) .

وأهل السنّة لم يلتزموا بالتعفير في الصلاة أو سجدة الشكر بعدها(٢) .

الخامسة: وهي زيارة الأربعين التي أرشد أئمة أهل البيت: شيعتهم ومواليهم إلى الحضور في مشهد الغريب المظلوم سيّد الشهداء(ع) لإقامة العزاء وتجديد العهد بذكرِ ما جرى عليه من القساوةِ التي لم يرتكبها أيُّ أحدٍ يحمل شيئاً من الإنسانية فضلاً عن الدين، والحضور عند قبر الامام الحسين(ع) يوم الأربعين من مقتله من أظهر علائم الإيمان.

والعجبُ كلّ العجب ممن يحاول صرف هذه العبارة الشريفة (وزيارة الأربعين) عن معناها - وهو زيارة الامام الحسين(ع) يوم الأربعين وهو العشرين من صفر - إلى زيارة أربعين مؤمناً مع عدم وجود إشارة تشير إليه، ولا قرينة تساعدُ عليه ليصحّ الإتيان بالألف واللام للعهد وذلك في كلمة (الأربعين) مع أنّ زيارة أربعين مؤمناً ممّا حثّ عليها الإسلام فهي من علائمه عند الشيعة والسنّة وليست هي من مختصات الشيعة ليمتازوا بها عن غيرهم، وأمّا زيارة الامام الحسين(ع) يوم الأربعين من قتله فهي من مختصات المؤمنين الموالين لأهل البيت:، وممّا يدعو إليها الإيمان الخالص، ويؤكدها الشوق الحسيني، ومعلوم عند الجميع أن الذين يحضرون

____________________

(١) الأحكام الفقهية لمرجع الطائفة السيّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظلّه) ص١١٦.

(٢) مقتل المقرّم ص٤٨٠.

٣١٧

في كربلاء لزيارة الأربعين هم خصوص شيعة الامام الحسين(ع) السائرين على أثره.

ولم يفهم العلماء الأعلام من السلف الصالح من هذا الحديث المبارك (وزيارة الأربعين) غير زيارة الامام الحسين(ع) بعد مضيّ أربعين يوماً على مقتله منهم: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في (التهذيب)، والعلامة الحلي في (المنتهى)، وابن طاووس في (الإقبال)، والعلامة المجلسي في (البحار)، والشّيخ يوسف البحراني في (الحدائق)، والشيخ عباس القمّي في (المفاتيح).

وقد نصّ الشيخ المفيد(ره) على استحباب زيارة الامام الحسين(ع) في العشرين من صفر في كتابه (مسار الشيعة)، والعلّامة الحلي(ره) في (التذكرة)، وملا محسن الفيض الكاشاني(ره) في (تقويم المحسنين) وغيرهم(١) .

أقول: ما زال المؤمنون (بيض اللَّه وجوههم) يتجمعون حول قبر أبي‏عبداللَّه الحسين: في كلّ عام يوم الأربعين وهم يتزاحمون على استلام الضريح الشريف بكلّ شوق ولهفة:

يتزاحمونَ على استلامِ مشاعِر

من دون روعتها الصفا والمشعَرُ

ركبوا لها الأخطارَ حتى لو غدت

تُبرى الأكفّ أو الجماجمُ تُنثَرُ

وافوكَ (يومَ الأربعين) وليتهم

حضروكَ يوم الطفِّ إذ تستنصر

____________________

(١) مقتل المقرّم ص٤٨٠ - ٤٨٢ بتصرّف.

٣١٨

وجدوا سبيلَكُمُ النجاةَ وإنّما

نصبوا لها جسرَ الولاءِ ليعبُروا(١)

وفي مثل هذا اليوم وصل الامام زين العابدين(ع) ومعه العائلة إلى كربلاء فوجدوا جابر بن عبداللَّه الأنصاري هناك قد ورد لزيارة قبر الامام الحسين(ع).

قال الأعمش بن عطية، خرجت مع جابر بن عبداللَّه الأنصاري زائراً قبر الحسين(ع)، فلمّا ورد كربلاء دنا من شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ خرج وقد ائتزر بإزار وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها طيب فنثرها على بدنه ثمّ مشى إلى القبر الشريف حافياً، وكان لا يخطو خطوة إلّا ذكر اللَّهَ تعالى فيها، حتى إذا دنا من القبر قال: المسنيه يابن عطيه قال: فألمستُهُ القبر فخرَّ على القبر مغشياً عليه، فرششتُ عليه الماء فلمّا أفاق صاح: ياحسين ياحسين حتى قالها ثلاثاً ثمّ قال: حبيبٌ لا يجيبُ حبيبَه ثمّ قال: وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجُكَ على أثباجك(٢) وفُرّقَ بين رأسِكَ وبدنك. أشهدُ أنك ابنُ سيّدِ النبيين، وابنُ سيّدِ الوصيين، وابنُ حليفِ التقى وسليلِ الهدى، وخامسُ أصحابِ الكسا، وابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، وكيف لا تكون كذلك، وقد غذّتك كفُّ سيّدِ المرسلين، وربّيتَ في حجور المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفُطمت بالإسلام، فَطِبتَ حيّاً وطبت ميّتاً، غيرَ أن قلوبَ المؤمنين غيرُ طيّبةٍ لفراقكَ، ولا شاكّةٍ في حياتكَ فعليك سلامُ اللَّهِ ورضوانه، وأشهد أنك قد مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا

____________________

(١) من قصيدة للعلامة الشيخ عبد المهدى مطر النجفي.

(٢) الثبج: ما بين الكاهل إلى الظهر - الحاشية -

٣١٩

ثمّ أجال ببصره نحو قبور الشهداء وقال: السلامُ عليكم أيتها الأرواحُ التي حلّت بفناء قبر الحسين(ع) وأناخت برحله، أشهدُ أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحسدين وعبدتم اللَّه حتى أتاكم اليقين.

قال ابن عطية: رأيت سواداً قد أقبل فقلت لجابر اني أرى سواداً عظيماً مقبلاً علينا من ناحية الشام فالتفت جابر إلى غلامِهِ وقال له: انطلق وانظر ما هذا السواد، فإن كانوا من أصحاب عبيداللَّه بن زياد ارجع إلينا حتى نلتجئ إلى مكان، وإن كان هذا سيدي ومولاي زينَ العابدين فأنت حرٌّ لوجه اللَّه، فانطلق الغلام فما كان بأسرع من أن عاد وهو يلطم وجهَهُ وينادي: قم ياجابر واستقبل حُرَمَ اللَّه وحُرَمَ رسولِهِ فهذا سيدي ومولاي عليّ بن الحسين قد أقبل بعمّاتِهِ وأخواته ليجدّدوا العهدَ بزيارةِ الحسين(ع)، فقام جابر ومن معَهُ واستقبلوهم بالبكاء والعويل الذي يكاد الصخر أن يتصدّع منه، فلمّا وقع بصر الامام على جابر قال له: أنت جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال نعم سيدي أنا جابر قال: ياجابر هاهنا ذُبحت أطفالُنا(١) ، ياجابر هاهنا أُحرقت خيامُنا ياجابر هاهُنا قُتلت رجالُنا، هاهنا سُبيت نساؤُنا:

يجابر شگلك ما لي لسان

على وجوههن فرّن النسوان

وبثيابهن تلهب النيران

لبالهن بالهيمة وليان

لگنهم ضحايا على التربان

____________________

(١) ثمرات الأعواد للمرحوم السيد علي الهاشمي١ ج٢ ص٥٥ - ٥٧.

٣٢٠

يجابر أيست وانگطع ظنّي

وصار البكه والنوح فنّي

راح حسين والعباس منّي

وقاسم راح مني وعلي الأكبر

هذا ما كان من جابر مع الامام زين العابدين، ولكن ما حال العقيلة زينب(ع) يقولون عندما رأت القبور رمت بنفسها من على ظهر الدابة وأقبلت ناعية باكية:

يانازلينَ بكربلاء هل عندكم

خبرٌ بقتْلانا وما أعلامُها

ما حالُ جثّةِ ميّتٍ في أرضِكُم

بقيت ثلاثاً لا يُزارُ مقامُها

باللَّهِ هل دُفنت جنازتُهُ وهل

صلّى صلاةَ الميّتينَ إمامُها

ورمت بنفسها على القبر ولسان الحال:

كنت غايبه والآن إجيتك

أربعين ليله فارگيتك

وسفه باللحد خويه لگيتك

يحسين لو بيدي الأمر كان

بنيت اعله گبرك بيت الأحزان

اويلاه يخويه المات عطشان

ولعبت عليه الخيل ميدان

يخويه وجوهكم نزهه

من الشام(١)

أشم گبوركم ما مل

من الشام

يخويه احكيلكم حزني

من الشام

حزن مثله أبد ما مرّ عليه

____________________

(١) من الشام هنا بمعنى نزهة من الشؤم.

٣٢١

سمعت بعض الرّاثين وهو يتصوّر الحسين(ع) وقد دار عينيه يتفقّد العيال والأطفال فلم تقع عينه على ابنته رقية فأخذ يسأل العقيلة بلسان الحال:

سمعت صوت ينشده يخيّه

وين عزيزتي وبنتي رقيه

صاحت والدمع يجري امن العين

ماتت ياعزيز الروح يحسين

من شافتك محزوز الوريدين

بالشام ودفناها بعزيه

يقولون دارت العقيلة زينب(ع) على جميع القبور التي عند قبر الحسين(ع) ثمّ قامت وهي تنظر يميناً وشمالاً فقال لها الإمام زين العابدين(ع): عمه زينب أنا أعلم عمّ تبحثين قالت خذ بيدي إلي قبر ابن والدي أبي الفضل، فجاء بها ورمت بنفسها على القبر الشريف:

شگولن لليناشدني من الناس

اخوك حسين وينه اوين عباس

اگول حسين ظل جثه بلا راس

وعباس البطل گطعوا يمينه

أخي انّ في قلبي أسىً لا أُطيقُهُ

وقد ضاقَ منّي في تحمّله الصّدرُ

أخي إن سرى جسمي فقلبي بكربلا

مقيمٌ إلى أن ينقضي منيَ العمر

باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٣٢٢

الثامن والعشرون من صفر المجلس السادس

شهادة النبيِّ الأكرم محمّد(ص)

وأحسّت جزيرةُ العُربِ أنّ ال

بدرَ يمشي في جوّها مشلولا

شاحبَ اللونِ كالعليلِ براهُ

الداءُ بَرياً فردّهُ مهزولا

رجّةٌ هزّت الحجازَ ومادَ ال

ـقُطرُ منها شوامخاً وسهولا

كلُّ حيٍّ سوى المهيمنِ فانٍ

سنّةُ اللَّهِ لن ترى تبديلا

ماتَ ما بين فاطمٍ وعليٍّ

يالَقطبينِ يشهدانِ الأفولا

يادموعاً من الدّماءِ تلظت

وتهامت على الخدودِ شعيلا

يابكاءَ الحبيبةِ أبكى

كلَّ عينٍ دماً ودمعاً طليلا

فأميرُ الأحياءِ يغسلُ خيرَ

الناسِ حيّاً وخيرَ مَيْتٍ غسيلا

وحثَتْ فاطمُ الترابَ وداعاً

وأكَبّت على الثرى تقبيلا

كان يَبْساً فأمطرتهُ من ال

أجفانِ دمعاً فعادَ رطباً بليلا(١)

____________________

(١) ملحمةُ عيد الغدير / للشاعر اللبناني المسيحي بولس سلامة ص١٣٣ - ١٣٤.

وُلد في قرية (تبدين اللقش) لأبٍ ريفي وذلك سنة ١٩٠٢م، والتحق بمدارس القرية لتلقّي مبادئ العربية، ثمّ واصل دراسته بمعاهد الإرساليات في صيدا وبيروت وجونية ليتخرّج عام ١(ص)٥٠م من مدرسة الحقوق الفرنسية بشهادة (الليسانس).

وقد كانت المطالعة المنهلَ الآخر لثقافته، فقد تميّز بثقافةٍ متنوّعة تتعدّى السّير الشعبية إلى الدين والأدب والتأريخ والفلسفة، فانعكس كلّ ذلك بقوّةٍ على نتاجه الشعري.

اشتهر بملاحمِهِ منها: ملحمةُ عيد الرّياض، وملحمةُ عيد الغدير، وفي مقدمة ملحمة عيد الغدير يقول: قد يقول القائل، ولِمَ آثرتَ عليّاً دون سواه من أصحاب محمّد(ص) بهذه

٣٢٣

لبو ابراهيم من وافه المحتم

عليه الكون كلّه انرجن واظلم

* * *

أبو ابراهيم لمن فارگ الروح

عليه عجّت املاك السبع بالنوح

بكه عليه العرش والقلم واللوح

وما ظل گلب ما ذاب اوتولّم

* * *

____________________

الملحمة؟ ولا أُجيب على هذا السؤال إلّا بكلمات فالملحمةُ كلُّها جوابٌ عليه، وسترى في سياقها بعض عظمة هذا الرّجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضي‌الله‌عنه ، وكرّم وجهه، وعليه‌السلام ) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثّلون بحكمه ويخشعون لتقواه، ويتمثّل به الزهّادُ في الصوامع فيزدادون زهداً وقنوتاً، وينظر إليه المفكّر فيستضي‏ء بهذا القطب الوضاء، ويتطّلع إليه الكاتب الألمعي فيأتمُّ ببيانهِ، ويعتمده الفقيه فيسترشد بأحكامه، وأما الخطيب فحسبه أن يقف على السفح ويرفع الرأس إلى هذا الطود لتنهلّ عليه الآيات من عَلو، وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين.

بقي لك بعد هذا أن تحسبني شيعيّاً، فإذا كان التشيّعُ تنقصّاً لأشخاص، أو بغضاً لفئات، أو تهوّراً في المزالق الخطرة فلستُ كذلك، أما إذا كان التشيّعُ حُبّاً لعليٍّ وأهل بيته المطيّبين الأكرمين، وثورة على الظلم وتوجعاً لما حلّ بالحسين وما نزل بأولادِهِ من النكبات في مطاوي التأريخ فإني شيعي.

ومن شعره في (ملحمة الغدير):

هاتِ ياشعرُ من عيونك واهتف

باسم من أشبعَ السباسبَ رَيّا

باسمِ زينِ العصورِ بعد نبيٍّ

نوّرَ الشَّرْقَ كوكباً هاشميا

باسمِ ليثِ الحجازِ نسر البوادي

خيرِ من هزّ في الوغى سمهريّا

خير من جلّلَ الميادينَ غاراً

وانطوى زاهداً ومات أبيّا

كان ربَّ الكلام من بعد طه

وأخاه وصهرَهُ والوصيّا

بطلُ السيفِ والتقى والسجايا

ما رأت مثلَهُ الرّماحُ كميّا

ياسماءُ اشهدي ويا أرضُ قرّي

واخشعي انني أردتُ عليّا

توفي سنة ١٩٧٩م.

٣٢٤

تصيح ام الحسين بدمع جاري

يبويه اظلم على افراگك نهاري

يبو ابراهيم يارحمة الباري

عگب عيناك ريت الكون يعدم(١)

* * *

قال اللَّه تبارك وتعالى في القرآن الكريم:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) (٢) .

قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي(ره) في تفسيره (التبيان) في ذيل هذه الآية الكريمة: هذا خطابٌ من اللَّه تعالى للمكلفين (فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي اقتداءٌ حسن في جميع ما يقوله ويفعلُهُ متى فعلتم مثله كان ذلك حسناً، والمراد بذلك الحثّ على الجهاد والصبر عليه في حروبه، والتسلية لهم في ما ينالهم من المصائب فإنّ النبيَّ(ص) شُجّ رأسُه وكسرت رَباعيتُه(٣) في يوم أحد وقتل عمُّه حمزة، فالتأسي بهِ في الصّبر على جميع ذلك من الأسوة الحسنة، وذلك يدلّ على أنّ الإقتداء بجميع أفعال النبيّ(ص) حسنٌ جائز إلّا ما قام الدليلُ على خلافه، ولا يدلّ على وجوب الإقتداء به وإنّما يعلم ذلك بدليلٍ آخر، فالأسوةُ حال لصاحبها يقتدي بها غيرُهُ في ما يقول به، فالأسوة تكون في إنسان أسوةٌ لغيره، فمن تأسى بالحسن ففعلُهُ حسن (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ) فالرّجاء توقّع الخير، فرجاءُ اللَّه توقّع الخيرِ من قِبَلِهِ(٤) .

____________________

(١) منهل الشرع للمرحوم السيّد عبدالحسين الشرع ص٣.

(٢) سورة الأحزاب / ٢١.

(٣) الرَّباعِية: هي السن بين الثَّنية والناب. المنجد

(٤) التبيان في تفسير القرآن ج٨ ص٣٢٨.

٣٢٥

كان رسول اللَّه(ص) أحلمَ الناس، وأشجع الناس، وأعدلَ الناس، وأعفّ الناس لم تمس يدُهُ يدَ امرأةٍ قط لا يملك رقّها أو عصمة نكاحِها أو لاتكون ذاتَ رحمٍ مَحْرَمٍ عليه، وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولادرهم، وان فَضُل ولم يجد مَن يعطيه فجاءه الليل لم يأوِ إلى منزلِهِ حتى يبرأ منه - يوصله - إلى من يحتاجُ إليه.

وكان(ص) يخصفُ النعلَ ويرقّعُ الثوب ويخدم مصالحَ أهلِهِ ويقطعُ اللحمَ معهنَّ، ويقبل الهدية ولو كانت جرعةَ لبن ويكافئ عليها، ويغضب لربّه ولا يغضب لنفسِهِ، وكان يعود المرضى، ويَشهدُ الجنائز، ويمشي بين أعدائه وحده من غير حارس كان أشدَّ الناسِ تواضعاً، وأسكنهم(١) في غير كبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشراً.

وكان يعصبُ الحجرَ على بطنه من الجوع، ولم يشبع من خبز بُرٍّ ثلاثة أيام متوالية حتى لقيَ اللَّه تعالى إيثاراً على نفسِهِ لا فقراً ولا بخلاً، وكان يأكلُ ما حضَرَ ولا يردّ ما وجد.

وكان(ص) يركب ما أمكَنَه مرّةً فرساً ومرّة بعيراً ومرّةً بغلة ومرّة حماراً ومرّة يمشي راجلاً ليعود المرضى في أقصى المدينة، كان يحبّ الطِيب ويكره الروائح الكريهة.

وكان(ص) يجالس الفقراء، ويواكل المساكين، ويكرمُ أهلَ الفضل في أخلاقهم، ويتألّفُ(٢) أهلَ الشرفِ بالبرّ لهم، ويصلُ ذوي رحمِهِ من غير أن

____________________

(١) السكينة: الوقار والطمأنينة والمهابة. المنجد

(٢) تألّف: تكلّف الألفة والمداراة.

٣٢٦

يؤثرهم على من هو أفضلُ منهم، ولا يجفو أحداً، ويقبل معذرةَ المعتذرِ إليه، ولا يجزي بالسيّئةِ السيّئة ولكن يعفو ويصفح.

وكان(ص) يمزح ولا يقول إلّا حقّاً، ويضحك من غير قهقهة، وما لعنَ امرأةً ولا خادماً، وما كان يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر اللَّه تبارك وتعالى، ولم يكن يعرف مجلسُهُ من مجلسِ أصحابه لأنه حيث ما انتهى به المجلس جلس فيه (وكان الأعرابي إذا دخل المسجد لا يميّز النبيّ(ص) حتى يسأل من منكم محمّد(ص)) وكان أكثر ما يجلس مستقبلَ القبلة، وكان يكرمُ مَن يدخل عليه حتى ربّما بسط ثوبَهُ لمن ليست بينه وبينه قرابة، وكان يؤثرُ الداخلَ عليه بالوسادة التي تكون تحته فإن أبى الضيف أن يقبلها عزم عليه حتى يقبل.

وعن أمير المؤمنين(ع) قال: لقد رأيتني يوم بدر ونحنُ نلوذُ بالنبيِّ(ص) وهو أقربنا إلى العدوِّ، وكان من أشدّ الناس يومئذٍ بأساً.

وعنه(ع) قال: كنّا إذا حميَ البأسُ ولقي القومُ العدوَّ اتقينا برسولِ اللَّه(ص) فما يكونُ أحدٌ أقربَ إلى العدوِّ منه.

وجاء النبيّ(ص) رجلٌ من الأعراب فلما نظر إليه ارتعد لهيبته فقال له النبيّ(ص) هوِّن عليك فلست بمَلَك، إنما أنا ابنُ امرأة من قريش كانت تأكلُ القديد(١) .

وكان(ص) إذا جلس مع الناس إن تحدثوا في معنى الآخرة أخذَ معهم، وإن تحدّثوا في طعامٍ أو شرابٍ تحدّث معهم، وإن تكلموا في الدنيا

____________________

(١) القديد: هو اللحم المقطّع المجفّف.

٣٢٧

تحدّث معهم رفقاً بهم وتواضعاً لهم صلوات اللَّه عليه وعلى أهل بيته الطاهرين(١) .

قال حسان بن ثابت فيه عليه وآله الصلاة والسلام:

وأجملَ منك لم ترَ قطّ عينٌ

وأحسنَ منك‏لم تلدِ النساءُ

خلقت مبرّءاً من كلِّ عيبٍ

كأنك قد خُلقت كما تشاءُ

ومن معاجزه(ص) ما في (إثبات الهداة) عن الامام أبي محمد الحسن العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين: في حديثٍ أنه أرى بعض اليونانيين معجزات تعجّب منها فقال اليوناني: أمثلك كان محمّد(ص)؟ فقال أميرُ المؤمنين(ع): وهل علمي إلّا من علمه، وعقلي إلّا من عقله، وقوّتي إلّا من قوته؟ ولقد أتاه ثقفي كان أطبّ العرب فقال له: إن كان بكَ جنون داويتُك؟! فقال له محمّد(ص) أتحبّ أن أريك آيةً تعلم بها غناي عن طبّك وحاجَتَك إلى طبّي؟ فقال: نعم قال: فأيّ آية تريد؟ قال: تدعو ذلك العِذْق(٢) وأشار إلى نخلةٍ بعيدة، فدعاها رسول اللَّه(ص)، فانقلع أصلُهُ من الأرض وجاءت وهي تخدّ الأرض خدّاً حتى وقفت بين يديه فقال النبيّ(ص): أكفاك؟ فقال: لا قال: فتريد ماذا؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت وتستقرّ في مقرّها الذي انقلعت منه، فأمرها النبيّ(ص) فرجعت واستقرّت في مقرّها(٣) .

____________________

(١) الأخلاق للمرحوم السيد عبداللَّه شبّر ص٦ - ٩.

(٢) العِذق: كلّ غصن له شُعب. المنجد

(٣) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحرّ العاملي(ره) م ١ ص٣٤٢.

٣٢٨

ومن غرر كلماته الحكمية الخالدة التي رواها العلّامة المجلسي(ره) في البحار: قوله(ص): (تركُ الغيبةِ أحبُّ إلى اللَّه عزّوجلّ من عشرة آلاف ركعة تطوّع)(١) .

أقول: نعلم من هذا الحديث الشريف شدّة مبغوضية إظهار عيوب الخلق للخالق تبارك وتعالى.

وقوله(ص) وقد جاءه أحد الأعراب فأخذ بغَرْز(٢) راحلته وهو يريد بعض غزواته فقال: يارسول اللَّه(ص) علّمني عملاً أدخلُ به الجنة؟ فقال: (ما أحببت أن يأتيه الناسُ إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتيه إليك الناس فلاتأته إليهم خلّ سبيلَ الرّاحلة)(٣) .

وقوله(ص): (المؤمن بين مخافتين بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما اللَّه صانعٌ فيه، وبين أجلٍ قد بقي لا يدري ما اللَّهُ قاضٍ فيه)(٤) .

وقوله(ص): (صديقُ عدوِّ عليٍّ عدوُّ عليٍّ(ع))(٥) .

أقول: الصديق يكون على شاكلةِ صديقه، فاذا انكشف لأحدهم عداوةَ صديقه لأمير المؤمنين(ع) ولم يقاطعه بل بقي على صداقته ومودّته عندها صار عدوّاً لأمير المؤمنين(ع) كصديقه، فإنّا أمرنا أن نحبّ ونصادق في

____________________

(١) البحار ج٧٥ ص٢٦١.

(٢) الغَرْز: ركاب الرّحل من جلد.

(٣) البحار ج٧٧ ص١٣٦.

(٤) البحار ج٧٧ ص١٧١.

(٥) البحار ج٧٧ ص١٧٢.

٣٢٩

اللَّه، ونبغض ونعادي في اللَّه تعالى، وتفسير ذلك هو الحبّ والمودّة لمحبّ أمير المؤمنين(ع)، والبغض والعداوة لمبغض أمير المؤمنين(ع) وكما في حديثٍ آخر مرويٍّ عن رسول اللَّه عندما سُئل عن معنى الحب والبغض في اللَّه قال: كن محبّاً لمحبٍّ هذا، ومبغضاً لمبغض هذا، وأشار إلى أمير المؤمنين(ع).

وعن سلمان المحمّدي ( رحمه‌ الله تعالى) قال: أوصاني خليلي رسول اللَّه(ص) بسبعة خصال لا أدعَهُنّ على كلّ حال، أوصاني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أحبّ الفقراء وأدنوَ منهم، وأن أقول الحقّ وإن كان مرّاً، وأن أصلَ رحمي وإن كانت مدبرة، ولا أسأل الناس شيئاً، وأوصاني أن أكثر من قول (لا حول ولا قوّةَ إلّا باللَّهِ العليِّ العظيم) فإنها من كنوز الجنة(١) .

أقول قوله: (وأن أحبّ الفقراء، وأدنوَ منهم) خصلتان لا واحدة، فيتمّ بهما العدد، وتكون الخصال سبعة، وقوله (أن أنظر إلى من هو دوني.. الخ) وذلك في الأمور الدنيوية لا الأخروية، من مال ومعاش ومكانه.

ومن جميل قصص الموعظة على عهد رسول اللَّه(ص) ماعن أبي ‏بصير قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر(ع) يقول: كان على عهدِ رسولِ ‏اللَّه(ص) مومنٌ فقيرٌ شديد الحاجة من أهل الصفّة(٢) ، وكان ملازماً

____________________

(١) البحار ج٧٧ ص١٣١.

(٢) أهل الصفّة: الصُفَّة: سقيفة في مسجد رسول اللَّه(ص) كانت مسكن الغرباء والفقراء، وأهل الصفّة من المهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال. (مجمع البحرين)

٣٣٠

لرسول اللَّه(ص) عند مواقيت الصلاة كلّها لا يفقده في شي‏ء منها، وكان رسول اللَّه(ص) يرقُّ له وينظر إلى حاجته وغربته فيقول: ياسعدُ لو جاءني شي‏ءٌ لأغنيتك قال: فأبطأ ذلك على رسول اللَّه (ص) فاشتدّ غمّ رسول اللَّه(ص) لسعد، فعلم اللَّه تعالى ما دخل على رسوله(ص) من الغمِّ لسعد، فأهبط عليه جبرائيل(ع) ومعه درهمان فقال له: يامحمّد إنّ اللَّه عزّوجلّ قد علم ما دخلك من الغمّ بسعد أفتحبّ أن تغنيه؟ فقال: نعم فقال له: فهاك هذين الدرهمين فأعطهما إيّاه، ومرهُ أن يتجرَ بهما قال: فأخذهما رسول اللَّه (ص) ثمّ خرج لصلاة الظهر، وسعد قائم على باب حجرات رسول اللَّه(ص) ينتظره، فلمّا رآه النبيّ(ص) قال: ياسعد أتحسنُ التجارة؟ فقال: واللَّه ما أصبحتُ أملكُ مالاً أَتّجرُ به، فأعطاه رسول اللَّه(ص) الدرهمين وقال له: إِتّجرْ بهما وتصرّف لرزق اللَّه تعالى، فأخذهما سعد ومضى مع النبيّ(ص) حتى صلّى معهُ الظهر والعصر فقال له النبيّ(ص): قم فاطلب الرزق فقد كنت بحالك مغتماً ياسعد.

قال: فأقبل سعد لا يشتري بدرهم شيئاً إلّا باعَهُ بدرهمين، ولا يشتري شيئاً بدرهمين إلّا باعه بأربعة، وأقبلت الدنيا على سعد فكثر مالُهُ ومتاعُهُ وعظمت تجارتُهُ، فاتخذ على باب المسجد موضعاً وجلس فيه وجمع تجارته إليه، وكان رسول اللَّه(ص) إذا أذّنَ بلال للصلاة يخرج وسعد مشغول بالدنيا لم يتطهّر ولم يتهيّأ كما كان يفعل قبل أن يتشاغل بالدنيا، فكان النبي(ص) يقول له: ياسعد شغلتك الدنيا عن الصلاة فكان يقول ما أصنع أضيّع مالي؟ هذا رجلٌ قد بعتُهُ فأريدُ أن أستوفي منه، وهذا رجلٌ قد اشتريت منه فأريدُ أن أوفيه.

٣٣١

قال: فدخل رسولَ اللَّه(ص) من أمر سعد غمٌّ أشدُّ من غمّه بفقره، فهبط عليه جبرائيل(ع) فقال: يامحمّد(ص) إنّ اللَّهَ قد علمَ غمّك بسعد فأيما أحبّ إليك حاله الأولى أو حاله هذه؟ فقال له النبيّ(ص): ياجبرائيل بل حالُه الأولى قد ذهبت دنياه بآخرته فقال له جبرائيل(ع): إنّ حبّ الدنيا والأموال فتنةٌ ومشغلةٌ عن الآخرة قل سعد يردّ عليك الدرهمين اللذين دفعتهما إليه، فإن أمرَه سيصير إلى الحال التي كان عليها أوّلاً قال: فخرج النبيّ(ص) فمرّ بسعد فقال له: ياسعد أما تريد أن تردّ عليَّ الدرهمين اللذينَ أعطيتكهما؟ فقال سعد بلى ومأتين فقاله له: لست أريد منك ياسعد إلّا الدرهمين، فأعطاه سعد درهمين قال: فأدبرت الدنيا على سعد حتى ذهب ما كان معَهُ وعاد إلى حاله التي كان عليها(١) .

أقول: أدى النبيّ(ص) الأمانة التي حمّلها إيّاه ربّه تعالى على أحسن وجه، وأوصى إلى أمير المؤمنين(ع) بوصاياه، ودلّ الناس عليه على أنه خليفته بعده،وكان قد حجّ حجّة الوداع(ص) وإذا به قد وقع على فراش المنية وقد ثقل المرض عليه، ففي الرواية الشريفة أنّ رسول اللَّه(ص) قال لبلال: يابلال هلمّ عليَّ بالناس، فاجتمع الناس فخرج رسول اللَّه(ص) متعصّباً متوكياً حتى صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: معاشرَ أصحابي أيُّ نبيٍّ كنت لكم؟ ألم أجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم يعفَّرْ جبيني؟ ألم تسِلْ الدّماءُ على وجهي ولحيتي؟ ألم أكابد الشدّة والجهدَ

____________________

(١) البحار ج٢٢ ص١٢٢.

٣٣٢

مع جهّال قومي؟ ألم أربط حجرَ المجاعةِ على بطني؟ قالوا: بلى يارسول اللَّه، لقد كنت للَّهِ صابراً، وعن المنكر ناهياً، فجزاك اللَّه عنّا أفضلَ الجزاء ثمّ قال: إنّ ربّي عزّوجلّ حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلمُ ظالم فناشدتكم باللَّه أيّ رجلٍ منكم كانت له قبلي مظلمة إلّا قام واقتصّ مني، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء، فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال له فداك أبي وأمي يارسول اللَّه إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك، وبيدك القضيب الممشوق(١) فرفعته وأنت تريد الناقة فصار على بطني فقال النبيّ(ص): معاذ اللَّه أن أكونَ قد تعمّدت ذلك ثمّ قال: يابلال قم إلى منزل فاطمة فائتني القضيب الممشوق، فذهب بلال وجاء به فأخذه رسول اللَّه(ص) وقال: أين الشيخ؟ فقال ها أنا ذا يارسول اللَّه بأبي أنت وأمي فقال: تعال فاقتصّ مني حتى ترضى فقال: اكشف لي عن بطنكَ يارسول اللَّه، فكشف(ص) عن بطنه، فقال له بأبي أنت وأمي يارسول اللَّه أتأذنُ لي أن أضع فمي على بطنك؟ فأذنَ له فقال أعوذُ بموضع القصاص من بطن رسول اللَّه من النار فقال النبيّ(ص): ياسوادة بن قيس أتعفو أم تقتص فقال: بل أعفو يارسول اللَّه فقال: اللهمّ اعفُ عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيّك(ص)(٢) .

ثمّ عاد(ص) إلى منزله فاشتدّ عليه المرض ونعيت إليه نفسُهُ فغمّض عينيه فجاء الحسنان(ع) وهما يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول اللَّه(ص)

____________________

(١) القَضيب: جمعه قُضبان هو الغصن المقطوع. المنجد

(٢) البحار ج٢٢ ص٥٠٧ ضمن ح ٩.

٣٣٣

فأراد أمير المؤمنين(ع) أن ينحيهما عنه ففتح النبيّ عينيه وقال: ياعلي دعني أشمهما ويشماني، وأتزوّد منهما ويتزوّدان مني أما انهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلماً فلعنةُ اللَّه على من يظلمهما يقول ذلك ثلاثاً، ثمّ نظر النبيّ(ص) فرأى فاطمة(ع) باكية فأومى إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً فتهلّلَ وجهُها، ثمّ نزل جبرائيل وقال السلام عليك ياأبا القاسم فقال وعليك السلام ياجبرائيل ادنُ مني فدنى منه فقال له: عند الشدائد لا تخذلني ثمّ نزل ملكُ الموت وأقبل مستأذناً حتى وقف بين يدي رسول اللَّه(ص) وقال: إنّ اللَّه أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها وإن كرهت كرهتُها، فجلس جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت بين يديه فقال النبي لملك الموت: امضِ لما أُمِرْتَ به، فتقدّم أمير المؤمنين(ع) ووضع فمه على فم رسول اللَّه(ص) وجعل يناجيه حتى فارقت روحه الشريفة جسدَه فانسلّ عليّ(ع) باكياً وقال: عظم اللَّه أجوركم في نبيّكم فإنه قد قبضه اللَّه إليه، فارتفت الأصوات بالضجّة والبكاء، وضجّ أهل المدينة وهم ينادون واسيّداه وامحمّداه وأبا القاسماه(١) وأنشأ أمير المؤمنين(ع):

الموتُ لا والداً يبقي ولا ولَداً

هذا السبيلُ إلى أن لا ترى أحدا

هذا النبيُّ ولم يخلد لأمّتِهِ

لو خلّدَ اللَّهُ خلقاً قبلَهُ خَلُدا

للموتِ فينا سهامٌ غيرُ خاطئةٍ

من فاتهُ اليومَ سهمٌ لم يفتهُ غدا

____________________

(١) الكوكبُ الدريّ للمرحوم الشيخ المازندراني ص١١٤.

٣٣٤

بعد وفاة النبي(ص) سئلت الصديقة فاطمة(ع) ماالذي أسرّ إليك رسول اللَّه(١) فسرى عنك به ما كنت عليه من الحزن قالت: إنّه أخبرني أنني أولُ أهلِ بيته لحوقاً به وانه لن تطول المدّةُ بي بعده حتى أدركه فسرى ذلك عني(٢) .

أقول: نعم ما بقيت بعد أبيها إلّا أياماً قليلة وكانت دائمة البكاء عليه في ليلها ونهارها حتى تأذّى أهل المدينة من بكائها، وجاء الشيخان إلى أمير المؤمنين وقالا: إن فاطمة آذتنا ببكائها فإمّا أن تبكي ليلاً وتدع البكاء نهارا، وإمّا أن تبكي نهاراً وتدع البكاء ليلاً.

ولما ذاكرها أمير المؤمنين قالت: ياأبا الحسن ما أقلّ مكثي بينهم فلاأسكت عن البكاء على أبي لا في الليل ولا في النهار فلم يمنعها عن ذلك ولكن بنى لها بيتاً آخر سماه (بيت الأحزان)(٣) .

مَن لحاها إذ بكت والدَها

قائلاً فلتبكِ ليلاً أو نهاراً

ويلهم ما ضرّهم لو بكيت

بضعةُ المختارِ أياماً قصارا

من سعى في ظلمها مَن راعها

مَن على فاطمةَ الزهراء جارا

____________________

(١) البحار ج٢٢ ص٥٢٢.

(٢) الكوكب الدري ص١١٥.

(٣) وفاة الصديقة الزهراء للمرحوم السيد عبدالرزاق المقرّم ص٩٧.

٣٣٥

نعي

بعد أبوهه شلون ذلّت

امن البكا ما يوم ملّت

وحين بالشجرة استظلت

عمدوا عليها گطعوها

* * *

طلعت البره المدينه

ناحله وتبكي وحزينه

ليت أبوها تشوف عينه

شلون من بعده ظلموها

* * *

وما برحت مظلومةً ذاتَ علّةٍ

تؤرّقها البلوى وظالمُها مغفي

إلى أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقطا

جنينٌ لها بالضربِ مسوّدةَ الكتفِ

لاحول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٣٣٦

فهرس المصادر

- القرآن الكريم.

- أمالي الصّدوق، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين، مؤسسة الأعلمي - بيروت.

- أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين العاملي، دار التعارف - بيروت.

- أدب الطفّ، للسيّد جواد شبر، دار المرتضى - بيروت.

- أصول الكافي، للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية - طهران.

- الأخلاق، للسيّد عبداللَّه شبّر، مكتبة بصيرتي - قم ١٣٩٥ه

- أضواء على ثورة الإمام الحسين(ع)، السيد محمد الصدر، الشريف الرّضي - قم.

- إبصار العين في أنصار الحسين(ع)، للشيخ محمد السماوي، مكتبة بصيرتي - قم.

- اقناع اللائم على إقامة المآتم، للسيّد محسن الأمين العاملي، مؤسسة المعارف - قم.

- الإرشاد، للشيخ المفيد، مكتبة بصيرتي - قم.

- بحار الأنوار، للشيخ المجلسي، المكتبة الإسلامية - طهران.

- بطل العلقمي، للشيخ عبدالواحد المظفّر، منشورات الشريف الرضي - قم.

- تذكرة الخواص، للعلامة سبط ابن الجوزي الحنفي، مكتبة نينوى - طهران.

- جلاء العيون، للسيّد عبداللَّه شبّر، مكتبة بصيرتي - قم.

- چهرة درخشان، للشيخ علي ربّاني خلخالي، فارسي.

- خلاصة الأسرار من بحار الأنوار، للسيّد أحمد الحكيم، ذوي القربى - قم.

٣٣٧

- الخصال، للشيخ محمد بن علي بن الحسين الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي - قم.

- رياض المدح والرّثاء، للشيخ حسين علي البحراني، منشورات الكاظمين - قم.س

- سفير الحسين، للشيخ عبدالواحد المظفر، منشورات الشريف الرّضي - قم.

- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، المكتبة العامة لآية اللَّه المرعشي النجفي - قم.

- الشهيد مسلم، للسيد عبدالرزاق المقرّم، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

- شجرة طوبى، للشيخ محمد مهدي المازندراني، منشورات الشريف الرّضي - قم.

- شرح رسالة الحقوق، للسيد حسن القبانچي، مؤسسة إسماعيليان - قم.

- الصحيفة المهدية، للسيّد مرتضى مجتهدي، الناشر حاذق - قم.

- الطفل بين الوراثة والتربية، للشيخ محمد تقي الفلسفي، دار المرتضى - مشهد.

- قمر بني هاشم، للسيّد عبدالرزاق المقرّم، منشورات الشريف الرّضي - قم.

- الكنى والألقاب، للشيخ عباس القمّي، مكتبة الصدر - طهران.

- كامل الزيارات، للشيخ جعفر بن قولويه القمّي، مؤسسة النشر الإسلامي - قم.

- الكامل في التاريخ، لإبن الأثير، دار صادر - بيروت.

- لسان العرب، لإبن منظور، دار إحياء التراث العربي - بيروت.

- لئالىُ الأخبار، محمد نبي التوسيركاني، مكتبة العلامة - قم.

- مجمع البيان، للشيخ الفضل بن حسن الطبرسي، منشورات مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي - قم.

- مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي، المكتبة المرتضوية - طهران.

- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمّي، انتشارات سيد الشهداء - قم.

- معالي السبطين، للشيخ محمد مهدي المازندراني، مكتبة القرشي - تبريز.

٣٣٨

- الملهوف على قتلى الطفوف، للسيّد ابن طاووس، دار الأسوة للطباعة والنشر.

- المصباح، للكفعمي إبراهيم بن علي بن الحسن العاملي، مؤسسة الأعلمي - بيروت.

- مقتل الكعبي، للشيخ عبدالزهراء الكعبي، الشريف الرّضي - قم.

- مقتل المقرّم، للسيد عبدالرزاق المقرّم، مكتبة بصيرتي - قم.

- مقاتل الطالبيّين، لأبي الفرج الأصفهاني، مؤسسة دار الكتاب - قم - إيران.

- المصباح المنير، للفيومي أحمد بن محمد المقري، منشورات دار الهجرة - قم.

- معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار صادر - بيروت.

- الإمام زين العابدين، للسيد عبدالرزاق المقرّم، دار الشبستري للمطبوعات - قم.

- المنجد في اللغة، لويس معلوف، انتشارات إسماعيليان - طهران.

- الميزان في تفسير القرآن، للسيد محمد حسين الطباطبائي، جماعة المدرسين - قم.

- المقبولة الحسينيّة، للشيخ هادي كاشف الغطاء، منشورات أنوار الهدى - قم.

- مسار الشيعة، للشيخ المفيد، مكتبة بصيرتي - قم.

- مناقب آل أبي طالب، لإبن شهرآشوب رشيد الدين محمد بن علي، مؤسسة انتشارات علامه - قم.

- مع الحسين في نهضته، للشيخ أسد حيدر، دار التعارف للمطبوعات - بيروت.

- من لا يحضره الخطيب، للسيّد داخل السيّد حسن، انتشارات المكتبة الحيدرية - قم.

- علي الأكبر، عبدالرزاق المقرّم، انتشارات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

- علل الشرائع، للشيخ الصّدوق محمد بن علي بن الحسين، المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف.

٣٣٩

- ثمرات الأعواد، للسيّد علي الهاشمي، الشريف الرّضي - قم.

- النصاريات، للشيخ محمد نصار، انتشارات الشريف الرّضي - قم.

- النظام التربوي في الإسلام، للشيخ باقر شريف القرشي، دار التعارف للمطبوعات - بيروت.

- ديوان مع النبيّ وآله، للسيّد محمد جمال الهاشمي - قم.

- الفصول المهمّة، لإبن الصبّاغ المالكي علي بن محمد، منشورات الأعلمي - طهران.

- فوائد المشاهد، للشيخ جعفر الشوشتري، دار الإعتصام - قم.

- نور الحقيقة، لوالد الشيخ البهائي.

- نفس المهموم، للشيخ عباس القمي، مكتبة بصيرتي - قم.

- المجالس السَّنيّة، للسيّد محسن الأمين، الشريف الرّضي - قم.

- البابليات، للشيخ محمد عليّ اليعقوبي، دار البيان - قم.

- المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني، دفتر انتشارات إسلامي - قم.

- الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع)، انتشارات كتابخانه أروميه - قم.

- كشكول البحراني، للشيخ يوسف البحراني، مؤسسة الوفاء ودار النعمان.

- أعلام‏الدين في صفات‏المؤمنين، للديلمي الحسن بن أبي الحسن، مؤسسة آل البيت - قم.

- وسيلة الدارين الكبرى، الشيخ علي بازي، منشورات الشريف الرّضي - قم.

- الدُّر النَّضيد في معالي الشهيد، للسيّد محسن الأمين، مكتبة الداوري - قم.

- أبو الحسين زيد الشهيد، للسيّد محسن الأمين، مؤسسة آل البيت - قم.

- الأنوار البهيّة في ترجمة الحجج الإلهية، للشيخ عبّاس القمّي، دار الأضواء - بيروت.

- الفائزيات، للملا علي بن فايز، منشورات الشريف الرضي - قم.

٣٤٠

341

342

343