المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة11%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45037 / تحميل: 4732
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

روي أنّ الإمام الحسين(ع) قال قبل خروجه من مكّة إلى العراق: (الحمدُ للَّه ما شاءَ اللَّه ولا قوّة إلّا باللَّه، وصلّى اللَّه على رسوله وآله وسلم، خُطّ الموتُ على وُلْدِ آدَمَ مخطَّ القِلادةِ على جيدِ الفتاة، وما أولهني(١) إلى أسلافي اشتياقَ يعقوبَ إلى يوسفَ، وخيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه كأنّي بأوصالي تقطّعُها عسلان(٢) الفلوات بين النواويس وكربلا، فيَمْلأنَّ منّي أكراشاً جوْفاً وأجربة سُغُباً، لا محيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم، رضى اللَّهِ رضانا أهلَ البيت، نصبرُ على بلائه ويوفّينا أجورَ الصّابرين لن تَشذّ عن رسول اللَّهِ لُحمتُه، بل هي مجموعةٌ له في حضيرةِ القدس تَقَرُّ بهم عينُهُ، ويُنجزُ بهم وعدُهُ، مَن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً على لقاءِ اللَّهِ نفسه فليرحلْ معنا فإنّي راحلٌ مصبحاً إن شاء اللَّه تعالى)(٣) .

وكان خروج الإمام الحسين(ع) من مكّة متوجّهاً إلى العراق يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجّة فطاف بالبيت سبعاً وسعى بين الصّفا والمروة وأحلّ من إحرامِهِ وجعلها عمرةً لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يقبض عليه بمكّة ويرسل إلى يزيد بن معاوية، فخرج(ع) مبادراً بأهله وولده ومن انضمّ إليه من أهل البصرة والحجاز من شيعته ولم يكن قد بلغه بعدُ خبر مسلم بن عقيل(ع)(٤) .

وهذه الخطبة الشريفة صريحةٌ في تكذيب من يدّعي أن الإمام الحسين(ع) لم يكن يعلم بالمصير الذي ينتظرُهُ، وأنّه خرج طالباً للحكم والسلطان.

____________________

(١) ما أولهني: ما أشدّ اشتياقي.

(٢) عسلان الفلوات: ذئابُها.

(٣) الملهوف للسيّد ابن طاووس: ص١٢٦.

(٤) جلاء العيون: ج٢ ص١٤٢ بتصرّف.

٦١

فقوله(ع): (وكأنّي بأوصالي تقطّعها عُسلانُ الفلوات بين النواويس وكربلاء) لهوَ تصريح واضح وإِخبارٌ أكيد عن المـُستقبل الذي ينتظرُه وأهل بيته وليس فيه إلّا القتل في سبيل اللَّه تعالى، وإعلاء كلمته، وسقي شجرة الإسلام الذّابلة - ببدع الأمويينَ - بدمه ودماءِ أهل بيته وأصحابه.

وأمّا أنّه خرج طالباً للخلافة والزّعامة فادّعاءٌ باطلٌ بعد علم الإمام(ع) - كما صرّح في خطبته المتقدّمة - بالمصير الذي سيؤولُ إليه أمرُهُ وهو الشهادة ثمّ أنَّ الخلافة والسلطنة قد ترفع من كان دانياً، وتقدّم من كان متأخّراً، وتظهر نسبَ من كان خاملاً وأين هذا من بعض فضائل الإمام الحسين(ع) فلقد كان - لعمري - سلطانَ الدهر، وإمامَ الزّمان، وحجّة اللَّه على عباده ناهيك عن نسبه الوضّاح فهو ابن النبيّ المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء وخديجة الغرّاء، وهو مع أخيه المجتبى سيدا شباب أهل الجنّة، وريحانتا رسول اللَّه(ص)، وما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيرُهُ بينهم:

من معشر حبُّهُمْ دينٌ وبغضهُمُ

كفرٌ وقربُهُمُ منجىً ومعتَصمُ

إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتهم

أو قيلَ مَنْ خيرُ أهل‏ الأرض قيل: هُمُ

مقدّمٌ بعد ذكر اللَّهِ ذكرُهُمُ

في كلِّ بدءٍ ومختومٌ به الكَلِمُ(١)

وما أحسن ما تنبّه إليه ونبّه عليه المرحوم الشّهيد السيد محمّد الصدر

____________________

(١) أبيات من قصيدة الفرزدق الخالدة في مدح الإمام زين العابدين(ع).

٦٢

حيث حذَّر من تخيّل أهداف لنهضة الإمام الحسين(ع) كان مصيرها الفشل حيث لم تتحقّق فإنّ ذلك يقلّل من رفعة وسمو واقعة الطفّ فقال: أن يكون الهدفُ أمراً متحقّقاً إمّا في الحال أو في الاستقبال، ولا يجوز أن نطرح - لنهضة الإمام الحسين(ع) - هدفاً فاشلاً وغير متحقِّق أو غير قابل للتحقيق، فإنّ ذلك خلاف الحكمة الإلهيّة ولا يمكن أن ننسب ما هو فاشل وعاطل إلى الحكمة الإلهيّة، مثال ذلك: انّ الإمام الحسين(ع) لو كان قد استهدف من - نهضته المباركة النصر العسكري العاجل أو إزالة حكم بني‏اُميّة أو ممارسة الحكم في المجتمع فعلاً فهذه ونحوها من الأهداف التي لم تتحقّق وكان مصيرها الفشل وذلك لأنّها لم تحدث ولم يكن من الممكن أن تحدث، اذن فهذه كلّها لم تكن هدفاً للإمام وإِنْ تخيّلها البعض(١) .

روى الشيخ المفيد؛ في (الإرشاد) عن الفرزدق أنّه قال: حججتُ بأمّي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين(ع) خارجاً من مكّة فأتيتُهُ وسلّمت عليه وقلت له: أعطاك اللَّه سؤلك وأمّلك فيما تحب بأبي أنت واُمّي ياابن رسول اللَّه ما أعجلك عن الحج؟ قال: (لو لم أعجل لأُخذت ثمّ قال لي من أنت)؟ قلت: رجلٌ من العرب ولا واللَّه ما فتّشني - ما سألني - أكثر من ذلك، ثمّ قال: (أخبرني عن النّاس خلفك) فقلت: الخبيرَ سألت، قلوبُ الناس معك وسيوفهم عليك والقضاء ينزل من السماء واللَّهُ يفعل ما يشاء قال: (صدقتَ للَّهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ وكلّ يوم ربّنا هو في شأن إن نزل القضاء بما

____________________

(١) اُنظر: كتاب أضواء على ثورة الإمام الحسين(ع): ص٥٨.

٦٣

نُحب فنحمد اللَّه على نعمائه وهو المُستعانُ على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرّجاء فلم يُبعَدْ(١) مَن كان الحقُّ نيّتَهُ والتقوى سيرتَهُ)، فقلت له: أجل بلّغك اللَّهُ ما تُحب وكفاك ما تحذر وسألتهُ عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني وحرّك راحلته وقال: السلام عليك ثمّ افترقنا(٢) . ثمّ سار(ع) حتى إذا وصل إلى (زرود) علم بمقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وقد شوهدا وهما يجرّان في السوق بأرجلهما فقال(ع): (إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون). فنظر إلى بني عقيل فقال: (ما ترون فقد قُتلَ مسلم) فقالوا: واللَّه لا نرجع حتى نصيبَ ثارَنا أو نذوق ما ذاق فقال الإمام: (لا خير في العيش بعد هؤلاء) ثمّ سار حتى انتهى إلى (زبالة) فأتاه خبر عبداللَّه بن يقطر فأخرج كتاباً فقرأه عليهم:

(بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم أما بعد فإنّه قد أتانا خبرٌ فضيع قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبداللَّه بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف في غير حرج ليس معَهُ ذمام) فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه وإنّما فعل ذلك لأنّه(ع) علم أنَّ الأعراب الّذين اتّبعوه إنّما اتّبعوه وهم يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعةُ أهله فكره أن يسيروا معهُ إلّا وهم يعلمون على ما يقدمون، ثمّ سار(ع) حتى نزل (شِراف) فلمّا كان في السّحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ثمّ سار منها حتى انتصف النّهار فبينا هو يسير اذ كبّر رجلٌ من أصحابه فقال له الإمام الحسين(ع):

____________________

(١) أي من الخير والنجاح والفلاح. (من الحاشية)

(٢) جلاء العيون: ج٢ ص١٤٤.

٦٤

(اللَّهُ أكبر لمَ كبّرت)؟ قال رأيت النّخل فقال له جماعة من أصحابه واللَّه إنّ هذا المكان ما رأينا فيه نخلةً قط فقال له الإمام: (فما ترونَه)؟ قالوا نراه واللَّه آذان الخيل وأسنّة الرّماح قال(ع): (أنا واللَّه أرى ذلك مالنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجهٍ واحد)؟ فقلنا له: بلى هذا هو ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل وإذا هو جيش زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي حتى وقف هو وخيلُهُ مقابل الحسين(ع) في حرّ الظهيرة والإمام وأصحابه متقلّدون أسيافهم فقال لفتيانه: (اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا) ففعلوا وكان آخر من وصل من أصحاب الحرّ هو عليّ بن الطعّان المحاربي فلمّا رأى الإمام الحسين ما به وبفرسه من العطش قال له: (أنِخ الرّاوية) - والراوية تعني الجمل بلغة الحجاز، والسِّقاء بلغة الكوفة - فلم يعرف كيف يشرب فقال له(ع): (أنِخ الجمل) ففهمَ ولكنه لم يستطع الشرب فقال له الإمام: (اخنث السّقاء) أي اعطفه فلم يدر كيف فقام الإمام بنفسه وسقاه الماء فارتوى وارتوى فرسُهُ، وهنا يخاطب أحد العلماء الإمام الحسين(ع) في ذلك فيقول:

سقيتَ عِداكَ الماءَ منكَ تحنُّناً

بأرضِ فلاةٍ حيثُ لا يُوجَدُ الماءُ

فكيف إذا تلقى مُحِبِّيكَ في غدٍ

عَطاشى من‏ الأجداثِ ‏في‏ لهفةٍ جاؤوا(١)

ثمّ حضر وقت صلاة الظّهر فأمر الإمام الحسين(ع) الحجّاج بن مسروق

____________________

(١) هذان البيتان للسيّد الحجّة ثقة الإسلام السيد محمّد الكشميري١. مقتل الحسين للمقرّم.

٦٥

أن يؤذّن فلمّا حضرت الإقامة خرج الإمام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: (أيّها النّاس إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسُلُكم أن أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ اللَّه أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئتُ منه إليكم) فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحدٌ منهم بكلمة فقال الإمام(ع) للمؤذّن: (أقم)، فأقام الصلاة فقال للحرّ: (أتريد أن تصلّي بأصحابك)؟ قال: لا بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك فصلّى بهم الإمام(ع) فدخل الإمام وانصرف الحُرُّ إلى مكانه ثمّ صار وقت العصر أمر الإمام الحسين(ع) أن يتهيَّأوا للرحيل ففعلوا ثمّ أمر مناديه فنادى بصلاة العصر وأقام فصلّى الإمام ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد أيّها النّاس فإنّكم ان تتّقوا اللَّه وتعرفوا الحقّ لأهلهِ تكن أرضى للَّه عنكم ونحن أهل بيت محمّد(ص) وأولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلّا الكراهية لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم) فقال له الحر: أنا واللَّه لا أدري ما هذه الكتب والرّسل التي تذكر فقال الإمام(ع) لعقبة بن سمعان: (أخرج الخرجين الذين فيهما كتبهم إليّ)، فأخرج خُرجين مملوئين صحفاً فنثرت بين يديه فقال الحرُ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك إلّا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيداللَّه بن زياد فقال له الإمام(ع): (الموتُ أدنى إليك من ذلك) ثمّ قال لأصحابه: (قوموا فاركبو) فركبوا

٦٦

وانتظروا حتى ركبت نساؤهم، فلمّا أرادوا الانصراف حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الإمام(ع) للحرّ: (ثكلتكَ اُمُّكَ ما تريد)؟ قال له الحرّ: أما لو غيرُك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكرَ اُمّه بالثُّكل كائناً مَن يكون، ولكن واللَّه مالي إلى ذكر اُمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدرُ عليه فقال له الإمام: (فما تريد)؟ قال: إذن واللَّه لا أدعُك فترادّ القول ثلاث مرّات فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إني لم أومر بقتالك إنّما أمرت إلّا أُفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة تكون بيني وبينك وسطاً حتى أكتب إلى الأمير عبيداللَّه فلعلّ اللَّه أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشي‏ءٍ من أمرك، فتياسرَ عن الطريق والحرُّ يسايرُهُ وهو يقول للإمام(ع): إني أذكرّك اللَّه في نفسك فإني أشهدُ لئن قاتلت لتُقْتَلَنّ فقال له الإمام(ع): (أفبالموت تخوّفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه):

سأمضي ومابالموت عارٌ على‏ الفتى

إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

وواسى الرّجالَ الصّالحين بنفسهِ

وفارق مثبوراً وخالفَ مجرما

فإن عُشتُ لم أندم وإن مِتُّ لم أُلَمْ

كفى بك ذُلاً أن تعيشَ وتُرْغما(١)

ثمّ التفت الإمام الحسين(ع) لأصحابِهِ وقال: (من منكم يعرف الطريق على غير الجادّة فقال الطرمّاح أنا ياابن رسول اللَّه(ص) فقال له الإمام: تقدّم أمام الرّكب فتقدّم وجعل يرتجز ويقول:

____________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد(ره): ص٢٢٢ - ٢٢٤.

٦٧

ياناقتي لا تذعَري من زجري

واسر بنا قبل طلوعِ الفجرِ

بخيرِ فتيانٍ وخيرِ سفرِ

آلِ رسولِ اللَّهِ آلِ الفخرِ

السادةِ البيضِ الوجوهِ الزُّهَرِ

الضاربينَ بالسيوفِ البترِ

الطاعنينَ بالرِّماحِ السُّمر

يامالكَ النّفعِ معاً والضُّرِ

أيّد حسيناً سيّدي بالنصر

على الطّغاةِ من بقايا الكفرِ

حتى وصلوا كربلاء ونزلوا بها ولسان حال العقيلة زينب:

طلعنة بشملنه امن المدينة

والناس كانوا حاسدينه

وللغاضريه من لفينه

اجتنه العده ودارت علينه

والكاتبتنه اغدرت بينه

وروحي بگت ولهه وحزينه

ناديت ياعزنه وولينه

يحسين سدّر بالضعينه

وشوف الجموع اگبلت لينه

اوما غير قتلك رايدينه

ومن تنقتل ياهو يحمينه

ناداها يختي اوجرت عينه

هيهات نرجع للمدينه

لابد يزينب تشوفينه

فوگ الرّمال امذبّحينه

وتتيسّر عزيزتي سكينه

* * *

نزل وبكربلا خيامه نصبها

ولعد الموت راياته نصبها

عليه امقدّر من اللَّه نصبها

مصارعهم بهل التربه الزكيّه

* * *

ياقوم مااسم الأرض قالوا نينوى

قال اوضحوا عنها بغيرِ خفاءٍ

٦٨

قالوا تسمّى كربلا فتنفَّسَ الصُّعَدا

وقالَ هُنا حلولُ فناءِ

حطّوا الرّحالَ فذا محطُّ رحالِنا

وهنا تكونُ مصارعُ الشُّهداءِ

وبهذه الأطفالُ تذبحُ والنّسا

تعلوا على قَتَبٍ بغيرِ وطاءِ

وبهذِهِ تتفتّتُ الأكبادُ مِن

حرِّ الظّما وحرارةِ الرَّمضاءِ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٦٩

الليلة الرابعة المجلس السابع

حياة مسلم بن عقيل(ع)

حَكَمَ الإلهُ بما جرى في مسلمٍ

واللَّهُ ليسَ لحكمهِ تبديلُ

خذلوهُ وانقلبوا إلى ابنِ سميّةٍ

وعن ابنِ فاطمةٍ يزيدُ بديلُ

آوتهُ طوعةُ مذ أتاها والعِدى

من حولِهِ عدواً عليه تجولُ

فأحسَّ منها إبنُها بدخولها

في البيت أنّ البيتَ فيه دخيلُ

فمضى إلى ابنِ زيادَ يُسرعُ قائلاً

بشرى الأمير فتىً نماهُ عقيلُ

فدعى الدعيُّ جيوشَه فتحزّبت

يقفو على أثرِ القبيلِ قبيلُ

وأتت إليه فغاص في أوساطها

حتّى تفلّلَ عرضُها والطوّلُ

يسطو بصارمه الصّقيلِ كأنّه

بطُلى الأعادي حدُّهُ مصقولُ

حتى هوى بحفيرةٍ صُنَعت له

أهوت عليه أسنّةٌ ونصولُ

فاستخرجوهُ مثخَناً بجراحِهِ

والجسمُ من نزفِ الدّماءِ نحيلُ

سل ما جرى جُمَلاً ودع تفصيلَه

فقليلُهُ لم يُحصِهِ التّفصيلُ

قتلوهُ ثمّ رموهُ من أعلى البِنا

وعلى الثّرى سحبوهُ وهو قتيلُ

ربطوا برجليه الحبالَ ومثَّلوا

فيه فليتَ أصابني التمثيلُ

مذ فاجأ النَّاعي الحسينَ علت على

فقدانِ مسلم رنّةٌ وعويلُ

وله ابنةٌ مسحَ الحسينُ برأسها

واليتمُ مسحُ الرأسِ فيه دليلُ

لمـّا أحسّت يتمَها صرخت ألا

ياوالدي حزني عليك طويلُ

قال الحسينُ أنا زعيمٌ بعدَه

لا تحزني وأبٌ لكِ وكفيلُ

٧٠

قد مات والدُها فأمّلت البقا

في العمِّ لكن فاتها المأمولُ(١)

لسان حال اليتيمة حميدة بنت مسلم مع الحسين(ع):

يعمي اعله ابويه أرد أنشدك

سولفلي عنّه وآنه عندك

أشوفن خبر منّه مضهدك

مقتول كأنّه وحگ جدّك

لـمّن سمعها جذب ونّه

وگال اِلها جاني الخبر عنّه

مقتول بالكوفه أظنّه

وگطعت الرّجه وأيّست منّه

* * *

____________________

(١) من قصيدة للمرحوم السيّد صالح الحلي، الشهيد مسلم للمقرّم، ص٢١٦.

قال الأديب الخطيب الحاج الشيخ محمد باقر الإيرواني النجفي في ترجمة المرحوم السيد صالح الحلي في كتابه (ديوان شعراء الحسين(ع)):

هو أبو المهدي السيد صالح بن محمد بن حسين الحسني الحسيني الحِلي خطيبٌ شهير، وأديبٌ جري‏ء، وأستاذ متبحّر، ولد في مدينة الحِلّة في العراق عام ١٢٩٠ه، وبعد أن نشأ وترعرع وبلغ الثامنة عشر من العمر هاجر إلى دار العلم - النجف الأشرف - واتّجه لطلب العلم من أهلِهِ وذويه فقرأ المقدّمات على أساتذة أعلام منهم الشيخ عبدالحسين الجواهري والشيخ سعيد الحلّي، ثمّ درس علم الأصول على السيد عدنان السيد شبّر والشيخ علي بن الشيخ باقر الجواهري والشيخ ملّا كاظم الخراساني - صاحب الكفاية - ، وتناول الفقه من فقهاء بارزين منهم الشيخ جواد محيي الدين وغيره، ويقول في مكان آخر من ترجمته:

وقد وصفه العلّامة المرحوم الشيخ محمّد السماوي في كتابه (الطليعة) فاضلٌ مشاركٌ في العلوم شديد العارضة، وخطيبٌ بارعٌ في فنّ الخطابة، ونائحٌ إذا ذكر الحسين(ع) أذاب القلب وأجراه من العين، ومحاضرٌ حسن المحاضرة لطيف المذاكرة جميل المعاشرة وتكفيه فخراً شهادة بعض العباقرة فيه بقوله: انه خطيب العلماء، وعالم الخطباء.

توفّي في النجف الأشرف في ٢٩ شوال ليلة السبت عام ١٣٥٩ه، ودفن في (مقام المهدي) بوادي السلام في النجف الأشرف.

٧١

روى الشيخ الصدوق؛ في (الأمالي) عن ابن عباس قال: قال عليٌّ أمير المؤمنين(ع) لرسول اللَّه(ص): يا رسول اللَّه إنّك لتحبّ عقيلاً قال: اي واللَّه إني لأحبُّهُ حبّين حبّاً له وحبّاً لحبِّ أبي طالب له، وإنّ ولَده لمقتولٌ في محبّة ولدك فتدمع عليه عيونُ المؤمنين وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول اللَّه(ص) حتّى جرت دموعُهُ على صدره ثمّ قال إلى اللَّهِ أشكو ما تلقى عترتي من بعدي(١) .

السّفير مسلم هو ابن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلّب الهاشمي، وعقيل والد مسلم علّامة نسّابة كان أنسب قريش وأعلمهم بأيّام الناس وأخبارهم وكان سريع البداهة حاضرَ الجواب، فطناً ذكيّاً يتوقّد فطنةً ويُقطّر حماسة، وكان من الأساتذة المدرّسين لعلوم العرب الرّائجة في ذلك العصر توضع له طنفسة - سجّادة - في مسجد رسول اللَّه(ص) ويستند إلى سارية من سواري المسجد فيجتمع إليه طلّاب هذه العلوم العربيّة فيحملون عنه علمَ النّسب والشعر وأخبار الناس وأيّامها يعني علم التأريخ العربي، ولعقيل يداً في الحديث والفقه والتفسير، وكان مكفوفاً مديدَ القامة مفخراً للأماجد، يقول حسّان بن ثابت الأنصاري في رثاء جعفر الطيّار:

وما زال في الإسلام من آلِ هاشمٍ

دعائمُ عزٍّ لا تُرامُ ومفخرُ

بهاليلُ منهم جعفرٌ وابنُ اُمهِّ

عليٌّ ومنهمُ أحمدُ المتخيَّرُ

وحمزةُ والعبّاسُ منهُمْ ومنهُمُ

عقيلٌ وماءُ العودِ من حيثُ يُعصَرُ(٢)

____________________

(١) آمالي الشيخ الصدوق؛ المجلس السابسع والعشرون: ص١١١ الحديث ٣.

(٢) سفير الحسين للعلّامة الشيخ عبد الواحد المظفّر: ص٥ - ٦.

٧٢

ويقول المحقّق المقرّم في حقّه: لقد كان عقيلُ بن أبي طالب أحد أغصان الشجرة الطيّبة ومّمن رضي عنهم رسول اللَّه(ص)، فإنّ النظرة الصحيحة في التأريخ تفيدنا اعتناقه الإسلام أوّل الدعوة وكان هذا مجلبةً للحبِّ النبوي حيث اجتمعت فيه شرائط الولاء، من رسوخ الإيمان بجوانحه، وعمل الخير بجوارحه، ولزوم الطاعة في أعماله، واقتفاء الصّدق في أقواله فقول النبيّ(ص): (إنّي أحبّ عقيلاً حبّين حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي‏طالب له)، إنّما هو لأجل هاتيك المآثر، اذاً فحسب عقيل من العظمة هذه المكانة الشامخة(١) .

واُمّه أُمّ ولد تسمّى (عُليّة) أصلها من النبط ومن أشرافهم، والنبطُ هم سكّان العراق القدماء(٢) .

ولد مسلم بن عقيل(ع) في دار أبيه المعروفة (بدار عقيل) في المدينة ثمّ صارت بعد ذلك مقبرة لآل أبي طالب وهي في أوّل البقيع، ولم تعرف سنةُ ولادته تحقيقاً(٣) ، نعم لم ينص ولا واحد من المؤرّخين على سنة ميلاده ولكنّ المحقّقين حاولوا معرفة ذلك - ولو تقريباً - فكانت النتيجة هي انّ عمر الشهيد مسلم حين بعثه الإمام الحسين(ع) سفيراً له إلى أهل الكوفة قد تجاوز الخمسين عاماً.

يقول المحقّق المرحوم السيد عبدالرزاق الموسوي المقرّم:

____________________

(١) الشهيد مسلم للعلّامة المرحوم السيّد عبدالرزاق المقرّم: ص٢٥.

(٢) سفير الحسين: ص٧.

(٣) سفير الحسين: ص١٢.

٧٣

جعل الإمام أمير المؤمنين(ع) على ميمنةِ جيشهِ في صفّين الإمامين الحسن والحسين وعبداللَّه بن جعفر ومسلم بن عقيل ومن المعلوم أنّ مَن يجعله أمير المؤمنين(ع) في صفّ الحسن والحسين(ع) البالغين نحواً من خمس وثلاثين سنة لابُدّ وأن يقاربَهم في السّن، وحينئذٍ لا أقل أن يقدّر عمر مسلم ابن عقيل بالثلاثين وتكون ولادته سنة سبع أو تسع للهجرة وله يوم شهادته أكثر من خمسين سنة(١) . ويقول أيضاً: وإذا أخذنا بنصّ الواقدي كانت المسافة أبعد قال: لما دخل المسلمون مدينة (البهنسا)(٢) بعد حصارٍ طويل دخل مسلم بن عقيل في جملة الهاشميين وهو يقول:

ضناني الحربُ والسهرُ الطّويلُ

وأقلقني التسهّدُ والعويلُ

فواثارات جعفر مع عليٍّ

وما أبدى جوابُكَ ياعقيلُ

سأقتلُ بالمهنّد كلَّ كلبٍ

عسى في الحربِ أن يَشفى الغليلُ

وكان فتح البهنسا أيام عمر بن الخطّاب، فإنّ من يخرج في صفّ المجاهدين أيام ابن الخطّاب لابُدّ وأن يبلغ على الأقل عشرين سنة وحينئذٍ تكون ولادته في أوائل الهجرة.

وأما وصفه فقد قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة): بنفسي شجاعاً.

____________________

(١) الشهيد مسلم بن عقيل: ص٥٠ - ٥٢.

(٢) قال الحموي في (معجم البلدان) البَهْنَسا: مدينة بمصر من الصعيد الأدنى غربي النيل.

٧٤

ويقول الصّديق في شأنه: أرسلَ الحسين(ع) مسلم ابن عقيل إلى الكوفة وكان مثلَ الأسد، ولقد كان من قوّته أنّه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت، ويقول العدوُّ في حقّه(١) : ياابن زياد أتظنّ أنّك بعثتني إلى بقّالٍ من بقاقلةِ الكوفة أو جرمقان(٢) من جرامقةِ الحيرة، ألم تعلم أنّك بعثتني إلى أسدٍ ضرغام وسيفٍ حسام في كفِّ بطلٍ همام من آل خير الأنام، وقال الزركلي في الأعلام: مسلمُ بن عقيل المقتول سنة ٦٠ه الموافق سنة ٦٨٠م تابعي من ذوي الرأي والعلم والشجاعة.

هذا هو إذن مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين(ع) إلى أهل الكوفة. الفقيه، والمجاهد، والشجاع، والثابت على المبدأ الحقّ، قال الشاعر في حقّه:

تصفّحتُ أخبارَ السّفارةِ لم أجد

سفيراً يداني مسلمَ بن عقيلِ

أرى ذكرَهُ حيّاً وإن غابَ شخصُهُ

لدى كلِّ دورٍ في الحياةِ وجيلِ

فتىً ينتقيه السبطُ سبطُ محمّدٍ

متى تسمحُ الدّنيا له بمثيلِ(٣)

فعلى مثلِ مسلم فليبكِ الباكون ويضجّ الضاجّون كيف لا وقد بكى عليه الرسول الأعظم(ص) قبل أن يقتل وعدّ البكاءَ عليه من علائم الإيمان كما في الحديث الّذي صدّرنا به هذا المجلس حيث قال أمير المؤمنين(ع) لرسول اللَّه(ص):

____________________

(١) هذه الكلمة قالها محمّد بن‏الأشعث قائدالجيش الذي قاتل مسلم بن عقيل(ع). الشهيد مسلم: ص١٦٥.

(٢) جرامقةُ الشام: أنباطُها، واحدهم جُرْمُقاني. (لسان العرب)

(٣) سفير الحسين للشيخ عبد الواحد المظفّر، وأبيات الشعر له(ره).

٧٥

(أتحبُّ عقيلاً؟ قال: اي واللَّه أحبّه حبّين حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالبٍ له وإنّ ولده -أي مسلم لمقتولٌ في محبّة ولدك - أي الحسين(ع) - تدمع عليه عيون المؤمنين وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون) ثمّ بكى رسول اللَّه وقال: (إلى اللَّه أشكو ما تلقى عترتي من بعدي)، وهذا النصّ كافٍ في رجحان البكاء عليه، فإنَّ إخبار النبي(ص) عن بكاء المؤمنين وارد لبيان كون البُكاء محبوباً للرسول حيث رتّب البُكاء على شهادة مسلم النّاتجة عن محبّة الإمام الحسين(ع)، ثمّ قرن النبيّ(ص) البُكاء على مسلم بصلاةِ الملائكة المقرّبين، وهل يصحّ القول بأنّ صلاةَ الملائكة عليه غير محبوبة للَّه سبحانه، فإذاً بكاء المؤمنين وصلاة الملائكة على مسلم بن عقيل المترتبان على شهادته ممّا يرغب فيه الرّسول وهو محبوبٌ للَّه سبحانه(١) .

فعلى مثل مسلم فليبكِ المؤمنون كما بكى رسول اللَّه(ص)، فإنّه(ع) قُتل غريباً، وقُتل وحيداً، وقُتل عطشاناً وذلك عند ما جي‏ء به إلى قصر الإمارة فرأى على باب القصر قُلّةً(٢) مبرّدة فقال: اسقوني من هذا الماء فقال له مسلمُ بن عمرو الباهلي: لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنّم قال مسلم(ع): من أنت؟ قال: أنا مَن عرف الحقّ إذ أنكرتَهُ ونصحَ لإمامِهِ اذ غششتَهُ فقال له ابن عقيل: لاُمِّك الثُّكل ما أقساك وأفظّك!! أنت ياابن باهله أولى بالحميم ثمّ جلس وتساند إلى حائط القصر، فبعث عمارة ابن عقبة بن أبي معيط غلاماً له يدعى قيساً فأتاه بالماء وكلّما أراد

____________________

(١) الشهيد مسلم: ص١٩٣.

(٢) القُلّة: الجرّة أو الكوز.

٧٦

مسلم(ع) أن يشرب امتلأ القدح دماً وهكذا الثانية وفي الثالثة ذهب ليشرب فامتلأ القدح دماً وسقطت فيه ثناياه(١) فتركه وقال: لو كان من الرزق المقسوم لشربتُهُ.

وخرج غلام ابن زياد فأدخله عليه فلم يسلّم فقال له الحرسي: ألا تسلّم على الأمير؟ قال له: اسكت إنّه ليس بأمير فقال ابن زياد: سلّمت أو لم تسلّم إنّك مقتول فقال مسلم: إن قتلتني فلقد قَتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ منّي وبعد فإنّك لا تدع سوءَ القتلة ولا قُبح المـُثلة وخبثَ السَّريرة ولؤمَ الغلبة لأحدٍ أولى بها منك فقال ابن زياد: لقد خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة قال مسلم: كذبت إنّما شقّ العصا معاوية وابنُه يزيد، والفتنة ألقحها أبوك، وأنا أرجو أن يرزقني اللَّهُ الشهادة على يد شرّ بريّته، ودار بينهما كلام مثل ما تقدّم حتى أمر ابن زياد رجلاً شاميّاً أن يصعد بمسلم(ع) إلى أعلا القصر ويضرب عنقه ويرمي رأسَهُ وجَسدَهُ إلى الأرض، وفعلاً أصعَدهُ إلى أعلا القصر وهو يسبّح اللَّه ويهلّلُهُ ويكبّر ويقول: اللّهمَّ احكم بيننا وبين قومٍ غرّونا وخذلونا وكذّبونا، وتوجّه نحو المدينة وسلّم على الحسين(ع)(٢) .

صعدوا بمسلم والدّمع يجري من العين

اتوجّه بوجه للحجاز يخاطب حسين

____________________

(١) الثّنايا: هي أسنان مقدّم الفم.

(٢) الشهيد مسلم: ص١٨٦ - ١٨٨.

٧٧

يحسين انا مقتول ردّوا لا تجوني

خانوا هل الكوفه عگب ما بايعوني

وللفاجر ابن زياد كلهم سلّموني

محزون ونتو ياهلي عنّي بعيدين

* * *

ياليت هل الدّم الذي يجري على الگاع

مسفوح بين ايديك يامكسور الضلاع

يحسين منّك ما حضيت بساعة وداع

بيني وبينك ياحبيبي فرّگ البين

وأشرف به الشامي على موضع الحذّائين وضرب عنقَهُ ورمى برأسه وجسدهِ إلى الأرض، وامسلماه، واسيّداه، واشهيداه، واغريباه.

المگدّر جره وشاعت أخباره

رموه الگوم من قصر الإماره

وهاني انقتل بعده وبگت داره

مظلمة ولا بعد واحد يصلها

* * *

مصيبتهم مصيبه تصدع الأجبال

ومن گبل المشيب تشيب الأطفال

شفت ميّت يجرّونه بالحبال

يصاحب لا تظن صارت مثلها

* * *

عگب هذااطلعت مذحج امن الدّور

وشگت لعد هاني ومسلم گبور

بس جثة حسين بيوم عاشور

ظلّت بالشمس والدم غسِلْها

* * *

٧٨

ياسائلاً وشظايا القلب في شجن

هل جهَّزوا لقتيلٍ مات ممتَحنِ

أجبتُهُ بفوُادٍ خافقٍ وَهِنِ

ما غسَّلوهُ ولا لَفَّوه في كفنِ

يوم الطفوف ولا مدُّوا عليه ردا

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٧٩

الليلة الرابعة المجلس الثامن

مسلم سفيرُ الإمام الحسين(ع)

بكتكَ دماً يابنَ عمِّ الحسين

مدامعُ شيعتِكَ السّافحة

ولا برحت هاطلاتُ العيون

تحييكَ غاديةً رائحة

لأنّكَ لم تَروَ من شربةٍ

ثناياك فيها غدت طائحة

رموكَ من القصر إذ أوثقوك

فهل سَلِمَتْ فيك من جارحة

وسحباً تُجَرُّ بأسواقِهِم

ألستَ أميرَهُمُ البارحة

أتقضي ولم تبككَ الباكيات

أما لكَ في المصر من نائحة

لئن تقضي نحباً فكم في زرود

عليك العشيّةَ من صائحة

وكم طفلةٍ لك قد أعولت

وجمرتُها في الحشا قادحة

يعزّزها السبطُ في حجرِهِ

لتغدوَ في قربِهِ فارحة

فأوجعها قلبُها لوعةً

وحسّت بنكبتها القارحة

تقولُ مضى عمُّ مني أبي

فمن ليتيمتِهِ النّائحة(١)

____________________

(١) الأبيات السبعة الاُولى من هذه القصيدة للمرحوم السيد باقر الهندي، والأبيات الأربعة الأخيرة للمرحوم الشيخ قاسم الملّا الحِلي. الشهيد مسلم: ص٢٠٩.

قال السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء الثامن ص٢٢٤:

السيد باقر ابن السيد محمّد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النجفي، عالمٌ فاضلٌ، وأديبٌ شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة له مراثي كثيرة في أهل البيت: لا زالت تُقرأ وتعاد في مجالس العزاء، ويحفظها الجم الكثير من رواد المجالس حتى العوام، وسمعت من علماء النجف الأشرف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه، وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة.

٨٠

____________________

ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٨٤ه ونشأ بها، وفي عام ١٢٩٨ه سافر بصحبة والدهِ إلى سامراء لتلقي العلم من الإمام الشيرازي ثمّ رجع مع أبيه سنة ١٣١١ه وعندما حلّ بسامراء أخذ الفقه والأصول من بعض الأساتذة هناك.

كان شديد الولاء لأهل البيت: عظيم التعلّق بمودّتهم، وقال يمدح الإمام أمير المؤمنين٧ من رائعة تتكون من ٩٠ بيتاً مطلعُها:

ليس يدري بكنه ذاتِكَ ما هو

يابن عمِّ النبيِّ إلا اللَّهُ

إلى أن يقول:

قلت للقائلين في أنك اللَّهُ

أفيقوا فاللَّهُ قد سوّاهُ

هو مشكاة نورِهِ والتجلّي

سرُّ قدسٍ جهلتُمُ معناهُ

قد براهُ من نوره قبل خلقِ ال

خلقِ طُرّاً وباسمِهِ سمّاهُ

وحباهُ بكلِّ فضلٍ عظيم

وبمقدارِ ما حباهُ ابتلاه

مرض في أواخر شهر ذي الحجّة الحرام من سنة ١٣٢٨ه، وانتقل إلى جوار ربّه في أول يوم من المحرّم من سنة ١٣٢٩ه ودفن بجوار والدِهِ في دارهم في النجف الأشرف.

ورثاه شقيقهُ العلامة الكبير شيخ الأدب السيّد رضا الهندي بقصيدةٍ أوّلها:

ما كان ضرَّ طوارقَ الحدثانِ

لو كان قبلكَ سهمُهُنَّ رماني

ياليت أخطاك الرّدى أو أنّه

لما أصابك لم يكن أخطاني

* * *

الشيخ قاسم الملا :

قال الشيخ محمد علي اليعقوبي في ج٤ من كتابه (البابليّات):

ولد في الحلة سنة ١٢٩٠ه كما أخبرني هو بذلك، وهو ثاني أنجال الشيخ محمّد الملّا، ولم يقم بعده من أولاده الأربع من ينوب عنه في الحِلة أدباً وخطابة سوى صاحب الترجمة فقد كان أشدّهم ملازمة له، وأوفرهم حظوةً لديه.

٨١

من اجت عد عمها حميده

گعدت تون ونّه شديده

تگله يعمي ابوي أريده

أشو سفرته صارت بعيده

يگلها وبگه يصفگ بإيده

بالكوفه أبيّك بگه وحيده

وأهل الغدر گطعوا وريده

صاحت وتجري الدّمع عل خد

يتيمة صرت اللَّه ولحّد

* * *

من كتابٍ لإمامِنا الحسين(ع) بعثه إلى أهلِ الكوفة: (إني باعثٌ إِليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلمَ بنَ عقيل)(١) .

بعد أن عرفت في المجلس السابق نسب الشهيد مسلم، ومكانتَهُ، وفضلَهُ وجهادَهُ تعال معي في هذا المجلس لنقف على قصّةِ إرساله من قبل الإمام الحسين(ع) سفيراً له لأهل الكوفة. لنأخذ الدروس والعِبر من هذا السّفير الحسيني، والمجاهد العقيلي. وننتفع من تفانيه في سبيل المبدأ والعقيدة.

قال الشيخ المفيد في (الإرشاد): ودعى الإمام الحسين(ع) مسلمَ بن عقيل فسرّحَهُ مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبداللَّه السلولي

____________________

وقال السيد جواد شبر في (أدب الطف): الشيخ قاسم من خطباء الحلة ناظماً وناثراً وخطيباً محقّقاً له شهرته الخطابيّة، عاش ٨٤ سنة حيث ودّع الحياة ليلة الأربعاء رابع ربيع الثاني سنة ١٣٧٤ه، وحمل إلى النجف بموكبٍ من الحليين، ودفن بوادي السلام، وأقيمت له الفواتح، ورثي بكثير من القصائد.

(١) الإرشاد للشيخ المفيد: ص٢٠٤.

٨٢

وعبد اللَّه وعبد الرّحمن ابني شدّاد الأرحبي وأمره بالتقوى، وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى النّاس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك.

فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلّى في مسجد رسول اللَّه(ص) وودّع من أحبّ من أهلِهِ واستأجرَ دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلّا وأصابهما عطشٌ شديد فعجزا عن السّير فأومئا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك فنجا ومات الدليلان عطشاً. فكتب مسلم ابن عقيل من الموضع المعروف (بالمضيق) مع قيس ابن مسهر الصيداوي إلى الإمام الحسين(ع): أما بعد فإني أقبلتُ من المدينة مع دليلين فضلّا واشتدّ عليهما العطش فلم يلبثا أن ماتا فلم ننجُ إلّا بحشاشةِ أنفسِنا وذلك الماء بمكانٍ يُدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيّرت(١) من توجّهي هذا فإن رأيت أعفيتني وبعثت غيري والسلام.

والطيرةُ عادةٌ جاهليّة نهى عنها الإسلام. وملخّصها هو أن العربي إذا أراد سفراً يطلق طيراً في الهواء فإذا سار من اليمين إلى اليسار سُمّي البارح، وإذا سار من اليسار إلى اليمين سُمّي السّانح، وأهل الحجاز يتشاءمون بالسانح، وأهل نجد يتشاءمون بالبارح، وكانت العرب تتشاءم برؤية الأعور أو الشاة ذات القرن الواحد وما شابه ذلك، فعندما جاء الإسلام حارب هذه العادة أشدّ المحاربة حتى جاء في الحديث: (مَن أرجعتهُ الطِيرةُ عن حاجةٍ فقد أشرك) أو الحديث: (فإذا تطيّرت فامض)(٢) ، ولم يحكِ اللَّه تعالى التطيّر إلا عن أعداء الرّسل:

____________________

(١) قال الفيومي في (المصباح المنير): الطِيَرة وزن عِنَبة وهي التشاؤم. انتهى.

(٢) الشهيد مسلم للمحقّق المقرّم: ص٨٥.

٨٣

( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَي’َمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) (١) .

وإلى هذه العادة أشار الكميت الأسدي في إحدى روائعه الخالدة:

ولا أنا ممّن يزجُرُ الطيرُ همَّهُ

أصاح غرابٌ أم تعرّض ثعلبُ

ولا السّانحاتُ البارحاتُ عشيّةً

أمرَّ سليمُ القرن أم مرَّ أعضَبُ(٢)

قال السيد المقرّم: لقّد تجلّى ممّا ذكرناه من رفع الطيرة في الشريعة الافتراء على مسلم بن عقيل في كتابه إلى الحسين(ع): إني تطيّرت من وجهتي هذه فإن رأيت أن تعفيني وتبعث غيري، فيكتب إليه الإمام: (أما بعد فقد خشيت ألا يكون الذي حملك على هذا إلّا الجبن فامض لوجهك الذي وجّهتك له)، فإنّ المتأمّل في صك الولاية الذي كتبه سيّد الشهداء لمسلم بن عقيل لا يفوته الإذعان بما يحملُهُ من الثبات والطمأنينة ورباطة الجأش إنّه لا يهاب الموت، فتلك الجملة التي جاء بها الرواة وسجّلها ابن جرير للحطِّ من مقام ابن عقيل الرفيع جاءت متفكّكة الأطراف واضحة الخلل كيف وأهل البيت ومن استضاء بأنوار تعاليمهم لا يعبأون بالطيرة ولا يقيمون لها وزناً، وليس العجب من ابن جرير إذ سجّلها ليشوّه بها مقام شهيد الكوفة كما هي

____________________

(١) سورة يس: ١٨ - ١٩.

(٢) يزجرُ الطير: أي ينهى، وسليم القرن: الذي له قرنان سالمان، والأعضب هو مكسور القرن.

٨٤

عادته في رجالات هذا البيت ولكنّ العجب كيف خفيت على بعض أهل النظر والتدقيق(١) .

ثمّ أقبل مسلم(ع) حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين(ع) وهم يبكون حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً، فكتب مسلم إلى الإمام الحسين(ع) يخبره بذلك ويقول: أما بعد فإنّ الرّائدَ لا يَكْذِبُ أهلَهُ وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً فإذا وصلك كتابي هذا فالعجل العجل والسلام، وكان هذا الكتاب قبل مقتل مسلم بسبعٍ وعشرين يوماً(٢) .

ثمّ وصلت أخبار مسلم بن عقيل إلى والي الكوفة آنذاك وهو النعمان ابن بشير الذي كان والياً على الكوفة أيّام معاوية فأقرّه يزيد عليها فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أما بعد فاتّقوا اللَّه عباد اللَّه ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإنّ فيها تهلك الرّجال وتسفك الدماء، وتغصب الأموال وإنّي لا أقاتلُ مَن لا يقاتلني، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذُ بالظّنةِ ولا التّهمة ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم فواللَّهِ الذي لا إِلهَ غيرُهُ لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمُهُ بيدي... إلى آخر كلامه.

فقام إليه عبداللَّه بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له: إِنّه لا يُصلح ما ترى أيّها الأمير إلا الغشم، وإِنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين

____________________

(١) الشهيد مسلم للمحقّق المقرّم: ص٩٧ - ٩٨.

(٢) المصدر السابق: ص١٠٥ عن تاريخ الطبري.

٨٥

عدوّك رأي المستضعفين. فقال له النعمان: لأن أكون من المستضعفين في طاعةِ اللَّه أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية اللَّه ثمّ نزل، وخرج عبداللَّه بن مسلم وكتب إلى يزيد كتاباً قال فيه: أما بعد فإنّ مسلمَ بن عقيل قد قدمَ الكوفة وبايعتهُ الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ويعمل مثلَ عملك في عدوّك فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف، ثمّ كتب إليه عمارةُ بن عقبة وعمر بن سعد بن أبي وقاص مثلَ ذلك، فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعى سرجون مولى معاوية فقال له: ما رأيك إِنّ حسيناً قد أنفذ إلى الكوفة مسلمَ بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان ضعفٌ وقول سيّ‏ء فمَن ترى أن أستعمل على الكوفة فقال له سرجون: أرأيت لو يشير لك معاوية حيّاً ما كنت أخذت برأيه؟ قال: بلى فأخرج سرجون كتاباً كتبه معاوية في حياته ولّى فيه عبيداللَّه بن زياد الكوفة، فقال سرجون ليزيد: ضمّ المصرين - الكوفة والبصرة - إلى عبيداللَّه فقال يزيد: أفعل ذلك وفعلاً كتب من ساعته كتاباً ولّى عبيداللَّه بن زياد الكوفة أيضاً وهذا نصّ الكتاب:

أما بعد، فإنه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابنَ عقيل فيها يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تقتله أو تنفيه والسلام، فلمّا وصله الكتاب أمر عبيداللَّه بن زياد بالتجهّز بسرعة وخرج من البصرة بعد أن خلّف أخاه عثمان على البصرة وأقبل يسير ومعه شريك ابن عبداللَّه الأعور الحارثي الهمداني البصري وحشمُه وأهلُ بيته حتى دخل الكوفة

٨٦

وعليه عمامة سوداء وهو متلثّم والناس قد بلغهم إقبال الحسين(ع) إليهم فهم ينتظرون قدومَه فظنّوا حين رأوا عبيداللَّه أنه الحسين(ع) فأخذ لا يمرّ على جماعةٍ من الناس إلّا سلّموا عليه وقالوا: مرحباً بك ياابن رسول اللَّه قدمتَ خيرَ مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين(ع) ما ساءه فقال مسلم بن عمرو الباهلي - لما أكثروا في ذلك - تأخرّوا هذا الأمير عبيداللَّه بن زياد، وسار حتى وافي القصر بالليل ومعه جماعة قد التفّوا به لا يشكّون أنه الحسين(ع). فأغلق النعمان بن بشير والي الكوفة عليه الباب وعلى خاصّته ثمّ أخرج رأسَهُ وهو يظن الحسين بالباب فقال: أنشدك باللَّه إلّا تنحيّت واللَّه ما أنا بمسلِّمٍ إِليكَ أمانتي ومالي إلى قتالك من حاجة، فقال عبيداللَّه له: افتح لا فتحت فقد طال ليلُك فقالوا: هذا ابن مرجانة والذي لا إِله غيرُه ففتح له النعمان ودخل القصر فلمّا أصبح نادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج وحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أما بعد فإنّ أمير المؤمنين يزيد ولّاني مصركم وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البَر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي، ثمّ أخذ الناس أخذاً شديداً.

فلمّا سمع مسلم بن عقيل(ع) مجي‏ء عبيداللَّه إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هاني بن عروة فدخلها، وأخذت الشيعة تأتي إليه في دار هاني على تستّر واستخفاء من عبيداللَّه بن زياد(١) .

____________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد: ص٢٠٦ - ٢٠٧.

٨٧

وفي بيت الزّعيم المجاهد هاني بن عروة وقعت حادثة مهمّة سيبقى التأريخ يذكرها بفمٍ عاطر وهي: أن شريك بن عبداللَّه الحارثي جاء مع ابن‏زياد من البصرة إلى الكوفة ونزل دار هاني بن عروة، فعندما جاء مسلم(ع) ونزل معه قال شريك لمسلم (وكان شريك مريضاً آنذاك): سيأتيني ابن زياد عائداً فخذ السيف وادخل المخدع فإذا استقرّ به الجلوس اخرج إليه واقتله، والعلامة بيني وبينك هي أن أَرفع عمامتي وأضعها على الأرض. وفعلاً قام مسلم(ع) ودخل وحضر ابن زياد فعندما استقرّ به الجلوس أخذ شريك عمامته من على رأسه ووضعها على الأرض ثمّ وضعها على رأسه فعل ذلك مراراً ومسلم لم يخرج فنادى بصوتٍ عال يُسمع مسلماً:

ما الانتظارُ بسلمى لا تحيُّوها

حيُّوا سليمى وحيُّوا من يُحيِّيها

هل شربة عذبة أُسقى على ظمأٍ

ولو تلفتُ وكانت منيتي فيها

فلو أحسَّت سليمى منك داهيةً

فلستَ تأمَنُ يوماً من دواهيها

وما زال يكرّرها ثمّ صاح بصوتٍ رفيع اسقونيها ولو كان فيها حتفي، فالتفت عبيداللَّه إلى هاني وقال: ابن عمّك يخلط في علّته فقال هاني: إنّ شريكاً يهجر منذ وقع في علّته وإنه يتكلّم بما لا يعلم، فلمّا ذهب ابن زياد وخرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: منعني شيئان:

الأول: حديث سمعته عن عمّي أمير المؤمنين(ع) عن رسول اللَّه(ص): (إنّ الإيمانَ قيدُ الفتك فلا يفتك مؤمن).

والثاني: منعتني امرأةُ هاني وأقسمت عليّ باللَّه أن لا أفعل هذا في

٨٨

دارها وبكت في وجهي فقال هاني: ياويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرّت منه وقعت فيه(١) .

ولكنّ السبب المخفي في عدم فتك مسلم بابن زياد هو أنّ مسلم(ع) كان سفيراً للإمام الحسين(ع) وهذا اللون من القتل - ولو لعدوٍّ فاجرٍ فاسق - لا يناسب المنصب الذي شرّفه به الإمام(ع) يقول السيد المقرّم في ذلك:

فمسلم(ع) كبقيّة رجالات أهل هذا البيت الرّفيع أراد بفعله هذا وبقيّة أعماله أن يفيض على الأمّة دروساً أخلاقية لا تعدوه الأمة في التجنّب عن رذيلة الفتك والغدر فتستفيد به كما استفادت من كلّ فرد من شهداء الطفّ إباء ونخوة وحمية(٢) .

و لما خفي على ابن زياد مكان مسلم بن عقيل دعا رجلاً اسمه (معقل) وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وأمره أن يلقى الشيعة ويعرّفهم إنه من أهل الشام وقد أنعم اللَّه عليه بحبّ أهل البيت، وبلغه قدوم رجلٍ منهم يدعو للإمام الحسين وعنده مال يريد أن يوصله إليه.

وفعلاً جاء (معقل) ودخل الجامع الأعظم ورأى مسلمَ بن عوسجة الأسدي يصلّي وسمع الناس يقولون هذا يبايع للحسين اجتمع به وأوقفه على ما عنده فدعا له مسلم بن عوسجة بالخير والتوفيق وأخذ منه البيعة والمواثيق على الكتمان حتى لا يصل الخبر لابن زياد ثمّ أدخله على مسلم ابن عقيل في دار هاني بن عروة وسلّم المال إلى أبي ثمامة الصّائدي وكان

____________________

(١) الشهيد مسلم للمحقّق المقرّم: ص١٣٨ - ١٣٩.

(٢) المصدر السابق: ص١٤١.

٨٩

قد عيّنه مسلم لقبض الأموال ليشتري بها السّلاح، فبقي معقل يراقبهم وينقل الأخبار إلى ابن زياد عند المساء. و لما عرف ابن زياد ان مسلم مختبئ في دار هاني دعا أسماء بن خارجة ومحمّد بن الأشعث وعمرو بن الحجاج الزبيدي وسألهم عن سبب انقطاع هاني بن عروة عنه فقالوا: المرض يمنعُهُ فلم يقتنع ابن زياد فركب هؤلاء الثلاثة وسألوه المصير إلى ابن زياد وألحّوا عليه فجاء معهم و لما دخل على ابن زياد قال:

(أتتك بخائنٍ رجلاه) والتفت إلى شريح القاضي وقال:

أريدُ حباءَه ويريدُ قتلي

عذيرك من خليلك من مرادِ

ثمّ التفت إلى هاني قائلاً: أتيتَ بابن عقيل إلى دارك وجمعت له السلاح فأنكر هاني ذلك فلمّا كثر الجدال دعا ابن زياد ذلك الجاسوس (معقل) ففهم هاني أنّ الخبر أتاه من جهتِهِ فقال هاني: لم أدعه إلى منزلي وإنّما استجار بي وإذا أذنت لي أخرجته من داري فأبى ابن زياد أن يطلق سراحه إلّا أن يأتيه بمسلم، هنا صرّح هاني ابن عروة بعقيدته فقال: إنّ مسلم بن عقيل أحقُّ منك بالأمر وأنا سأقوم بحمايتك مع أهل بيتك حتى تخرجوا إلى الشام سالمين لأنّ مسلم أولى بالقيام على أمرِ الأمّة وإدارة شؤونها، فغضب ابن زياد من كلام هاني وألحّ عليه بالإتيان بابن عقيل فأفهمه هاني بأنّ هذا محالٌ عليه ويأباه دينه وعقيدته وقال: لو كان ابن‏عقيل تحت قدمي لما رفعتهما عنه، فأغلظ له ابن زياد في القول وتهدّده بالقتل فتعجّب هاني من جرأته وهو واحد ويتبع ابن عروة ثلاثون ألفاً

٩٠

من الرجال الأشداء فاستدناه ابن زياد وضرَبه على وجهِهِ حتى كسر أنفَهُ ونثرَ لحمَ خدّيه وجبينه وسال الدم على لحيته وهاني يستغيث فلا يُغاث ثمّ أمر به ابن زياد إلى الحبس(١) وعندما علم مسلم بن عقيل(ع) بذلك عجّل الخروج لعلّه يستطيع أن ينقذ حياة هاني بن عروة. فنادى المنادي بكلمة السر وهي (يامنصورُ أمِتْ)(٢) فخرج الكوفيّون وأحاطوا بقصر الإمارة وضاق الخناق على ابن زياد فلم يكن أمامَه من حيلة سوى إرعاب الناس بالقتل وترغيبهم بالمال، وفعلاً نزل جماعة من أعوان الشيطان منهم محمّد بن الأشعث وحجّار بن أبجر وشمر بن ذي الجوشن يمنّونهم العطاء مع الطّاعة، ويهدّدونهم بجند الشام الموهوم، ثمّ أشرف على الناس من أعلى القصر كثير بن شهاب حين كادت الشمس أن تغرب وقال: أيّها الناس الحقوا بأهاليكم لا تعجلوا الشرّ ولا تعرّضوا أنفسكم للقتل فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت وقد أعطى الأمير عهداً لئن بقيتم على حربكم ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريّتكم العطاء ويفرّق مقاتلتكم في مغازي الشام، وأن يأخذ البري‏ء بالسقيم والغائب بالشاهد حتى لا يبقى فيكم بقيّة من أهل المعصية إلّا ذاق وبالَ ما جنت يدُهُ، وأمثال هذه الكلمات والألفاظ.

فأخذ الأخ يخذّل أخاه، والمرأة تتعلّق بزوجها حتى يرجع، والآباء يمنعون أبناءهم عن الجهاد ويحبّذون لهم العافية فتفرّق ذلك الجمع عن مسلم(ع) حتى لم يبق

____________________

(١) الشهيد مسلم للمحقّق المقرّم: ص١٥٠ - ١٥٢ بتصرّف.

(٢) منصور هو اسم رئيس الملائكة الذين نزلوا لنصرة النبي(ص) يوم بدر، وكان شعار المسلمين آنذاك يامنصور أمت. (من الحاشية)

٩١

معه إلّا ثلثمائة رجل، صلّى العشاء في المسجد ومعه ثلاثون رجلاً(١) وخرج(ع) من المسجد وغاب في أزقة الكوفة لا يدري أين وكيف سينتهي به الحال حتى وصل إلى باب دار وامرأة واقفة سلّم عليها وطلب منها الماء فسقته فجلس على الباب قالت له: ألم تشرب الماء؟ قال: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك بارك اللَّه فيك فسكت فأعادت عليه مثل ذلك فسكت فقالت له: سبحان اللَّه ياعبد اللَّه قم عافاك اللَّه إلى أهلك لا يصلح لك الجلوس على باب داري ولا أحلّهُ لك فقام وقال: ياأمة اللَّه مالي في هذا المصر أهلٌ ولا عشيرة فهل لكِ في أجرٍ ومعروف ولعلّي مكافيك بعد اليوم قالت: ياعبد اللَّه وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم. قالت: ادخل فدخل دارها:

اجت ليه العفيفة واسگته الماي

وگالت گوم شنهي گعدتك هاي

لا تگعد يروحي وماي عيناي

گوم وروح لهلك چاهلك وين

* * *

ون ونه يتگطّع منها الفواد

يهل حرّه هلي ما هم بالبلاد

غريب الدّار وهلي عنّي بعاد

وين أهلي هلي ما هم قريبين

* * *

نادت يابعد عگلي والأنفاس

كأنك هاشمي مومن عرض ناس

هله وكل الهله عل عين والراس

إِلك منزل يمسلم بين هل عين

____________________

(١) الشهيد مسلم: ص١٥٥ - ١٥٦.

٩٢

أنا مسلم وعندك ضيف هليل

فرحت طوعة ومنها الدّمع هليل

على رحب وسعة والوجه هلّل

بسرور تفضّل ومنّه عليّه

دخل دارها أفردت له حجرة عرضت عليه الطعام فلم يأكل، فما زال صافّاً قدميه للصلاة حتى عاد ولدها بلال رآها تكثر الدخول والخروج فسألها فقالت بني إِلهُ عن هذا ألحّ عليها قالت فلا تخبر أحداً من الناس بشي‏ءٍ ممّا أخبرك به؟ قال: نعم أخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته ولكن ما أصبح الصباح حتى ذهب إلى ابن زياد وأخبره الخبر. أما مسلم(ع) عندما جاءته طوعة ورأت الطعام على حاله قالت: سيدي ما أراك أكلت قليلاً ولا نمت قليلاً قال: بلى هوّمت عيناي فرأيت عمّي أمير المؤمنين في الرؤيا وهو يقول: ولدي مسلم إنك عن قريب صائرٌ إلينا فبينا هي تحادثه وإذا بوقع الخيل وإذا هو محمّد بن الأشعث ومعه خمسمائة فارس فقام مسلم وشدّ وسطه بمنطقه وحمل سيفه وتدرّع بدرعه وخرج إلى القوم وهو يرتجز:

أقسمتُ لا أُقتَلُ إلّا حُرّا

وإن رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

أخافُ أن أُخدَعُ أو أُغرَّا

كلّ امرى‏ءٍ يوماً ملاقٍ شرّ

قاتلهم قتال الشجعان فقتل منهم مقتلةً عظيمة فأخذوا يشعلون النار بالقصب ويرمونها عليه، ويرضخونه بالحجارة فلم ينفع حتى حفروا له حفيرة وغطّوها بالتراب إنهزموا من بين يديه فسقط في الحفيرة فاجتمعوا عليه وأخرجوه فضربه محمّد بن الأشعث على فمه فسالت دماؤه على لحيته الكريمة وأخذوا سيفه

٩٣

فبكى فقال له ابن الأشعث: إنّ الذي يطلُبُ مثلَ ما تطلُبُ إذا نزل به الذي نزل بك لا يبكي عندها قال: واللَّه ما على نفسي بكيت ولكن أبكي لأهلي المقبلين أبكي لحسينٍ وآل حسين.

جاءوا به إلى قصر الامارة وأدخلوه على ابن زياد دار بينهما كلام فشتمَ اللعينُ أميرَ المؤمنين(ع) والإمام الحسن والحسين وعقيل حتى أمر أن يُصعد إلى أعلى القصر وتُضرب عنقُهُ وفعلاً ضربه الغلام فقتله ومضى إلى ربّه مظلوماً شهيداً غريباً ورميت جثّته من أعلى القصر إلى الأرض ثمّ أخرجوا هاني ابن عروة وهو ينادي وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم حتى ضُربت عنقُهُ وربطوا برجليهما الحبال وسحبوهما في الأسواق:

فإن كنت‏لاتدرين ماالموت فانظري

إلى هاني‏ءٍ في السوق وابن عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشَّمَ السيفُ وجهَهُ

وآخرَ يَهوي من طمارٍ قتيل

أصابهما أمرُ اللعينِ فأصبحا

أحاديثَ من يسري بكلِّ سبيلِ

* * *

عاده اليستجير يكون ينجار

وعن قتله حليف الشرف ينجار

مثل مسلم صدگ بالحبل ينجار

وتتنومس بقتله أرذال اميه

و لما سمع الإمام الحسين(ع) بمصرع مسلم وذلك عندما وصلَ إلى منطقة تُعرف بـ (زرود) كأني بالإمام(ع) قام يتخطّى الأطفال حتى وقف على حميدة بنت الشهيد مسلم فأخذ يمسح على رأسها ودموعه جارية فأحست الطفلة فقالت: ياخال ياأبا عبداللَّه هل أصيب أبي بشي‏ء؟ قال لاعليك أنا أبوك وهذه النسوة أخواتك ولسان الحال:

٩٤

گلبي كسرته ياغريب الغاضرية

مثل اليتامى تمسح بكفّك عليه

* * *

تمسح على راسي ودمع‏العين همّال

كأني يتيمةالكافي‏اللَّه من هل احوال

ماعوّدتني بهل فعل من گبل ياخال

خلّيت عبراتي على خدودي جريّه

* * *

بمسحك‏ على راسي ‏تركت ‏الگلب ‏ذايب

وهذا يخالي ‏من ‏علامات ‏المصايب

گلبي تروّع حيث أبوي بسفر غايب

طوّل الغيبه يعوده اللَّه بعجل ليّه

* * *

جاني ‏الخبر عن حال مسلم يا حزينه

يگولون من قصر الإماره ذابينه

وبالحبل ‏في‏ الأسواق‏ جسمه‏ ساحبينه

وراسه يويلي راح للطاغي هديه

* * *

صرخت ‏الطفله ‏والدمع‏ بخدودها يسيح

وتگوم ‏مذعوره ‏وعلى وجه ‏الثره ‏تطيح

تلطم ‏على ‏الهامه‏ بعشرها ونوبٍ‏ تصيح

فگد الأبوياناس ‏أعظم‏ كل ‏رزيه

* * *

لم يبكها عدمُ الوثوق بعمِّها

كلّا ولا الوجدُ المبرِّحُ فيها

لكنّها تبكي مخافةَ أنَّها

تُمسي يتيمةَ عمِّها وأبيه

لاحول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٩٥

الليلة الخامسة المجلس التاسع

فضل أصحاب الإمام الحسين(ع)

كيف تهنيني الحياةُ وقلبي

بعد قتلى الطّفوفِ دامِ الجِراحِ

بأبي مَن شَرَوا لِقاءَ حسينٍ

بفراقِ النُّفوسِ والأرواحِ

وقفوا يدرؤونَ سُمرَ العوالي

عنه والنّبلَ وقفةَ الأشباحِ

فوقَوهُ بيضَ الظُّبى بالنُّحورِ البـ

ـيض والنّبلَ بالوجوهِ الصِّباحِ

فئةٌ إن تعاورَ النّقعُ ليلاً

أطلعوا في سماه شُهبَ الرّماحِ

وإذا غنّتِ السيوفُ وطافت

أكؤسُ الموتِ وانتشى كلُّ صاحِ

باعدوا بين قربِهم والمواظي

وجسومِ الأعداءِ والأرواحِ

أدركوا بالحسين أكبرَ عيدٍ

فغدَوا في منى الطّفوفِ أضاحي

لستُ أنسى من بعدهم طودَ عِزٍّ

وأعاديه مثلُ سيلِ البِطاحِ(١)

* * *

گضوا حق العليهم دون الخيام

ولا خلّوا خوات حسين تنضام

لما طاحوا تفايض منهم الهام

تهاوَوا مثل مهوى النّجم من خر

* * *

هذا الرّمح بفواده تثنّه

وهذا بيه للنشّاب رنّه

وهذا الخيل صدره رضرضنه

وهذا وذاك بالهندي موذّر

* * *

____________________

(١) هذه ‏الأبيات ‏من ‏قصيدةٍ عصماء للمرحوم ‏السيد جعفر الحِلي (ره)، ومرّت ترجمته ‏في ‏ص٤٣.

٩٦

ركب غوجه وتعنّه حسين ليها

لگاها بس جثث ومسلّبيها

صبّ الدّمع وتحسّر عليها

وگال احتسب عند اللَّه وأصبر

* * *

من خطبة لأبي عبداللَّه الحسين(ع) قال: أمّا بعدُ فإني لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ من أهل بيتي فجزاكم اللَّهُ عنّي خيراً(١) .

بهذه الكلمة الذهبية الخالدة، وبهذا المدح الـمُركّز والتوثيق الذي لم يسبقهُ مثيل يُعرِّف الإمام الحسين(ع) أصحابه وأهل بيته الأوفياء.

قوله(ع): (لا أعلم أصحاباً أوفى..الخ) يعني أنّ الإمام(ع) وهو الحجّة المعصوم الوارث لعلوم جدّه وأبيه وجميع الأنبياء الذين كان علمهم بتوسّط الوحي والإلهام الإلهي لا بتعليم معلّم أو تفهيم مفهّم يقول لا أعلم أنّ هناك أصحاباً في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ عصر ومصر أولى من أصحابي ولا أبرّ وأوفى ولا أوصل منهم، فصار أصحابه(ع) أفضل من أصحاب كلّ نبيّ ووصيّ.

ولكنّ الأفضليّة هنا هي بمقابلة المجموع بالمجموع لا بمقابلة الواحد بالواحد بمعنى أنّ مجموع أصحاب الإمام الحسين(ع) أفضل من مجموع أصحاب رسول اللَّه أو أمير المؤمنين (صلى اللَّه عليهما وآلهم)، لا بمعنى أنّ كلّ واحد من أصحاب الإمام الحسين(ع) أفضل من كلّ واحد من أصحاب رسول اللَّه(ص) فإنّ من أصحاب رسول اللَّه(ص) سلمان وأباذر وهما في

____________________

(١) إبصار العين في أنصار الحسين(ع) للمرحوم الشيخ محمد السماوي: ص٩.

٩٧

الإيمان والقرب بحيث يصعب أن يُقاس بهم واحد من أتباع الأنبياء والأوصياء، وانّ في أصحاب أمير المؤمنين(ع) مالك الأشتر وهو الآخر يصعب أن يُدانيه أحد من أصحاب الأنبياء والأوصياء وهكذا.

روى الشيخ الصدوق؛ في (علل الشرائع) عن ميثم التمّار: أنّ الحسين ابن علي(ع) سيدّ الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة(١) .

وروى الشيخ ابن قولويه؛ في (كامل الزيارات) عن أمير المؤمنين(ع) أنّه مرّ بكربلاء فطاف بها على بغلتِهِ فأنشأ يقول: (مناخ ركاب ومصارع الشهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم مَن أتى بعدهم)(٢) .

ويقول المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري: لقد تأمّلت فرأيت أنّ أفضليّة شهداء كربلاء على سائر الشُهداء ليس أمراً اعتباطياً، وحيازتهم على هذه الدرجات العالية ليس اعتباطياً بل يعود إلى كمالهم في العبودية للَّه بحيث أنّهم الأكمل في جميع المراتب، فهم سادةُ الموحّدين، وسادةُ المتيقّنين، وسادةُ المصلّين والصائمين والمزكّين والمخمّسين وسادةُ المضحّين في سبيل اللَّه تعالى(٣) .

ترى لهُمُ عند القِراعِ تباشراً

كأنّ لهم يومَ الكريهةِ عيدُ

فما وهَنوا عن نصرةِ الدِّين والهُدى

إلى أن تفانى جمعُهُم وأُبيدوا

____________________

(١) علل الشرايع: ج١ ص٢٢٧ ح ١٢.

(٢) كامل الزيارات: ص٢٧٠ ح ١٢.

(٣) فوائد المشاهد: ص٣٩٣.

٩٨

ويقول المرحوم الشيخ عباس القمّي في (نفس المهموم): أصحاب الإمام الحسين رضوان اللَّه تعالى عليهم هم سادات الشهداء يوم القيامة والرّاضون عن اللَّه تعالى وهو راضٍ عنهم، وأخبر النبي(ص) عنهم في اخباره بشهادة الحسين(ع) بقوله: وهو يومئذٍ في عصبةٍ كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم(١) .

فما أحقهم بوصفِ من قال:

للَّهِ قومٌ إذا ما الليلُ جنَّهُمُ

قاموا من الفرشِ للرّحمنِ عبّادا

ويركبون مطايا لا تملُّهُمُ

إذا هُمُ بمنادي الصبحِ قد نادى

هُمُ إذا ما بياضُ الصبح لاح لهم

قالوا من الشوقِ ليتَ الليلَ قد عادا

هُمُ المطيعون في الدّنيا لسيّدهم

وفي القيامةِ سادوا كلَّ مَن سادى

الأرضُ تبكي عليهم حين تفقدهم

لأنّهم جُعلوا للأرضِ أوتادا(٢)

تعال واُنظر إلى تفانيهم في نصرة الدين والهدى، فهذا سعيد بن عبداللَّه الحنفي قام حين جمعهم الإمام الحسين(ع) ليلة العاشر وأَذِنَ لهم بالانصراف وقال لهم: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، قام سعيد فقال: واللَّه لا نخلّيك حتى يعلمَ اللَّهُ أنّا قد حفظنا نبيّه محمداً(ص) فيك، واللَّه لو علمت أني أُقتلُ ثمّ أحيى ثمّ أُحرق حياً ثم أذرّ يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما

____________________

(١) نفس المهموم: ص٦٢٦ - ٦٢٧.

(٢) نفس المهموم: ص٦٣٠.

٩٩

فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلةٌ واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً، وفعلاً وفى سعيد بما قال وضمّ إلى قوله فعلاً أكسبه الثناءَ في الدنيا، وأحسن الجزاء في الآخرة، وذلك انّه لما صلّى الإمام الحسين(ع) الظهر صلاة الخوف، اقتتلوا بعد الظهر واشتدّ القتال ولما قرب الأعداء من الحسين وهو قائمٌ بمكانه تقدّم سعيد الحنفي أمام الحسين(ع) وصار هدفاً لهم يرمونه بالنّبل يميناً وشمالاً وهو قائمٌ بين يدي الإمام(ع) يقيه السهام طوراً بوجههِ وطوراً بصدره وطوراً بيديه وطوراً بجنبه فلم يصل إلى الإمام(ع) شي‏ءٌ من ذلك حتى سقط سعيد الحنفي إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعنَ عادٍ وثمود، اللهمّ ابلغ نبيّك عنّي السلام وابلغه ما لقيتُ من ألمِ الجراح، فإنّي أردت ثوابك في نصرة نبيّك، ثمّ التفت إلى الإمام الحسين(ع) فقال: أَوَفَيْتُ ياابن رسول اللَّه قال: (نعم أنت أمامي في الجنّة)، ثمّ فاضت نفسُهُ النّفيسة(١) .

وهذا جون مولى أبي ذرّ الغفاري وقف أمام الإمام الحسين(ع) يستأذنه في القتال فقال له الإمام(ع): (يا جون أنت في إذنٍ منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية فلا تبتلِ بطريقتن)، فوقع جون على قدمي أبي عبداللَّه يقبّلهما ويقول: ياابن رسول اللَّه(ص) أنا في الرّخاء ألحسُ قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم إنّ ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود فتنفّس عليّ في الجنّة ليطيب ريحي، ويشرُف حسبي، ويبيض لوني، لا واللَّه لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدّم الأسود مع دمائكم، فأذن له الإمام الحسين(ع) فبرز وهو يقول:

____________________

(١) إبصار العين: ص١٢٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343