• البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23868 / تحميل: 4689
الحجم الحجم الحجم
تراث كربلاء

تراث كربلاء

مؤلف:
العربية

تراث كربلاء

١

٢

تراث كربلاء

سلمان هادي آل طعمة

طبعة مزيدة ومنقّحة

منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان

٣

الطبعة الثانية

١٤٠٣ ه - ١٩٨٣م

٤

الصورة المؤلّف

٥

الإهداء

إلى القابسين من أنوار الفضيلة ، والواردين حياض البذل والفداء.

إلى الواجفة قلوبهم ، والواكفة مدامعهم ، والمتفطّرة أكبادهم.

إلى زوار قبر أبي الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ).

اُهدي هذه السطور جهداً متواضعاً في سلسة الجهود المبذولة لتعريف بتاريخ هذه المدينة المقدّسة.

سلمان هادي آل طعمة

٦

منظر عام لمدينة كربلاء

٧

تراث كربلاء

هذه إضمامة عطرة تفضّل بها الشاعر المبدع السيد مرتضى الوهاب مؤرّخاً صدور الطبعة الأولى من الكتاب:

أضاءَ للناظرِ برقٌ فجلا

ما قد توارى من فخارٍ وعلا

و ما حواه الطفُّ في كنوزه

من أدبٍ مزوّقٍ يحكي الطلا

وانكشفت آثارُ ما شيّده

عباقرُ الفنِّ لنا من الاُلى

أظهرهُ ( سلمان ) بعد غيبةٍ

كادت بأن تأتي عليه فانجلى

فإنّ أهلَ البيت و هو منهمُ

أدرى بما في بيتهم مفصّلا

بـسعيهِ و فنِّهِ و جهده

أرّخته ( يحيا تراثُ كربلا )

١٣٨٣ ه

كربلاء - مرتضى السيد محمّد الوهاب

٨

كلمة حجة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني

أتحفنا البحّاثة القدير ، المؤرّخ الكبير ، حجة الإسلام العلّامة الشيخ محمّد محسن ، الشهير بآقا بزرك الطهراني , صاحب موسوعة ( الذريعة ) , بهذه الكلمة القيّمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد خاتم النبيِّين ، وعلى أوصيائه الاثني عشر الأئمّة المعصومين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد ، فقد سرّحت النظر عابراً بالنظرة العجلى هذا السفر النفيس الذي هو ( تراث كربلاء ) , فوجدته اسماً طابق المسمّى ؛ لاحتوائه على ما لم يبحث عنه المتقدّمون عليه من مؤلّفي تواريخ كربلاء. كيف وقد أبرزه إلى الوجود يراع الفاضل البارع ، الشاب اللبيب ، فضيلة السيد سلمان آل طعمة الحائري ؛ أداء لبعض حقوق وطنه ومسقط رأسه ، فأعرضنا عن الثناء عليه ، واكتفينا بالدعاء له بالتوفيق والتأييد لإخراج أمثال هذا السفر الشريف ، ووفّق أقرانه لاتّباعه بإجراء قلمهم النزيه النظيف في هذه المواضيع ليجزيهم الله جزاء المحسنين.

حرّرته بيدي المرتعشة في مكتبتي العامّة في النجف الأشرف يوم الجمعة المطابقة لأوّل الحمل من السنة الشمسية ، الخامس من شهر ذي القعدة الحرام ، عام ثلاثة وثمانين [وثلاثمئة] وألف , وأنا الفاني الشهير بآقا بزرك الطهراني.

٩

كلمة حجّة الإسلام الأصفهاني الحائري

تكرّم علينا حجة الإسلام الفيلسوف الكبير الحاج الشيخ محمّد رضا الأصفهاني الحائري بكلمة بليغة عبّر فيها عن انطباعاته لهذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كلّه ، والصلاة والسّلام على رسول الله محمّد بن عبد الله وعلى آله آل الله.

وبعد ، إنّ من أسباب فضيلة الكلام أن يكون الكلام في موضوع ذي فضل ، ولمـّا كانت كربلاء من أفضل بقاع الدنيا ، فالتكلّم في تاريخها من أفضل الكلام في التواريخ. وقد تكلّم جماعة في تاريخ هذا البلد المقدّس ، ولكنّي ما رأيت تلك التواريخ ، وإنّما رأيت تاريخ ( تراث كربلاء ) الذي ألّفه الفاضل الشاب اللبيب ، والمهذب البارع الأديب ، السيد سلمان ابن السيد هادي ابن السيد محمّد مهدي آل طعمة (سلّمه الله تعالى).

فوجدته في هذا الموضوع مؤلّفاً جامعاً مشتملاً على كثير من الخصوصيات ؛ فقد تعرّض لذكر عامري هذا البلد المبارك من العلماء والسادات والسلاطين وغيرهم ، ولبيان بعض خصوصيات الروضتين المقدّستين: روضة سيّدنا الحسين (عليه‌السلام ) وأخيه أبي الفضل العباس (عليه‌السلام ) ، ولكثير من البقاع ؛ كبقعة السيد إبراهيم المجاب ، وبقعة حبيب بن مظاهر ، وبقعة الحرّ بن يزيد الرياحي وغيرها ، ولكثير من المدارس الدينية والمساجد والحسينيات ، ولكثير من المكتبات العامّة

١٠

والخاصة ، ولذكر كثير من أعاظم العلماء والأساطين وبعض مصنّفاتهم ، ولجماعة من الأدباء والشعراء وبعض طرائف أشعارهم.

وفي الحقيقة يُعدّ هذا من كتب التواريخ والتراجم والمعاجم والأنساب والأدبيات ، وقد أتعب نفسه ، وصرف عمره ، وبذل مجهوده في جميع ما في هذا الكتاب من المصادر المتفرّقة ، والموارد المتشتتة (فلله درّه وعلى الله بره) ، فليقدر مجهوده ، ويشكر سعيه ، ويعرف قدره.

وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل سعيه هذا شرفاً لدنياه ، وذخيرة لعقباه ، وأن يحشرنا وإيّاه مع مشرّف هذه البلدة المقدّسة ، وجدّه وأبيه ، واُمّه وأخيه ، والأئمّة من ذرّيّته وبنيه , بجاههم وحرمهم فإنّه أرحم الراحمين.

حرّره أحوج المربوبين إلى رحمة ربّه الغني محمّد رضا بن محمّد التقي الإصبهاني ، يوم العشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١٣٨٣ ه من الهجرة المباركة في كربلاء المعلّى.

١١

كلمة البحّاثة الكبير السيد حسن الأمين

كربلاء المدينة المقدّسة ذات التاريخ الحافل ، بحاجة إلى التعريف بها ، والتنويه بشأنها بصورة تتفق مع مكانتها في الماضي والحاضر ، وهذا ما قام به فريق من محقّقي هذه المدينة ؛ فألّفوا عدّة كتب تؤرّخ لها وتدلّ عليها ، ومع ذلك فقد ظلّت جوانب كثيرة منها بحاجة إلى تخصيصها بالعديد من البحوث والدراسات.

فكربلاء منذ اليوم الذي حلّ فيها ركب الحسين (عليه‌السلام ) ، وصمّم على الصمود في وجه الطغيان ونفّذ تصميمه ، فغدت بذلك محجّة للقلوب تهوي إليها من كلّ مكان , وأصبحت ملتقى للاُلوف ينزلونها من كلّ فجّ عميق ، مستوحين من ذكرى صاحب القبر أسمى معاني الرجولة والبسالة والشمم ، ومستلهمين من روعة المكان أرفع مبادئ التحرّر والتمرّد على الطغيان والاستبداد.

إنّ كربلاء منذ ذلك اليوم حظيت بعناية المنقّبين والباحثين ، والناثرين والشاعرين ، وكانت بذلك جديرة ، وظلّت الأقلام تتعاقب على ذكرها من عصر إلى عصر حتّى هذا العصر ، فكان بين أيدينا من ذلك ذخيرة ثمينة ، وتشاء الأقدار لها أن تكون إلى جانب ما حظيت به من قداسة وتكريم ، وما قام فيها من مشاهد ومراقد ، أن تكون مبعثاً لنهضات علمية وفكرية , وأدبيّة وسياسية ؛ فقد جاء وقت كانت فيه مدرسة الشيعة الكبرى ، ومقرّ كبار مجتهديهم المدرّسين المفتين.

كما إنّها لم تخل في كلّ عصر من حلقات علمية واسعة ، ومناهج تدريسية

١٢

مطبقة ، فنبغ فيها العديد من رجال الفكر والقلم ، وشهدت الكثير من العلماء والشعراء ، كما شيّدت فيها المعاهد والمدارس ، كما كانت مصدراً لعدد من الحركات السياسيّة والثورات الوطنية ، وقد كان كلّ ذلك داعياً لأن لا يكتفي بالوقوف عند حدّ معين من الكتاب والتأليف فيها على كثرة ما كُتب واُلّف.

ومن هنا نهض واحد من أدبائها الأكفّاء فأخذ على نفسه خدمة بلده خدمة خالدة ، والوفاء لها وفاء دائماً ؛ فألف الكتاب الذي أسماه ( تراث كربلاء ) ، ذاك هو الاُستاذ السيد سلمان هادي آل طعمة ، الذي كتب كتابه مستهدفاً إحياء تراث كربلاء من جميع جوانب هذا التراث ، وطبع الكتاب طبعته الأولى , ولقي ما يستحقه من الرواج والإقبال عليه حتّى نفذت الطبعة الأولى ، فعزم على إعادة طبعه مضيفاً إليه ما فاته من قبل , وما استجدّ ممّا لم يكن ، وهو هذا الذي يراه القارئ بين يديه في الصفحات التالية.

ولن استبق القارئ فأدلّه على ما سيلقى في مطالعته ممّا يشوقه ويلذّه , بل أترك له أن ينكب على الكتاب منقّباً مستطلعاً ، وأنا واثق من أنّه سيخرج من ذلك بكلّ فائدة وكلّ متعة ، وسيتعرّف على مختلف النواحي في هذا البلد المقدّس التاريخي ؛ وهذا ما يحملنا على تحية الكتاب والإشادة بجهوده ، واثقين من أنّ من واجب المثقفين جميعاً أن يدرسوا بلدانهم كهذه الدراسة ؛ ليكون لنا من مجموع ما يكتبونه تاريخاً مفصّلاً للوطن ، ودليلاً كاملاً لكل جزء من أجزائه ، وأمامهم هذه التجربة الناجحة لهذا الكاتب الناجح.

حسن الأمين - بيروت

١٣

مقدّمة الطبعة الاُولى

لا شك إنّ الذين كتبوا عن تاريخ هذه المدينة المقدّسة ، وما جرى عليها من الحوادث الدامية في مختلف العصور ، أسدوا خدمة كبيرة للعالم بتقديم ذلك التراث القيّم الذي يخدم الإنسانيّة جمعاء ؛ فلذا حاز تقدير أرباب العلم ، وأساطين الفكر ، ورجال المبدأ والعقيدة وسواهم.

ومع كلّ ذلك رأيت لزاماً عليّ أن أقوم بجمع ما يمكن جمعه كلّ ما يخص تاريخ كربلاء الثقافي والسياسي والاجتماعي ؛ تخليداً لذكرى المفكّرين الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيّبة من علماء وشعراء وفلاسفة ، ورجال جهاد وسياسة وغيرهم ممّن أقاموا للفكر وزناً ، وقدّموا تراثاً فيه عناصر إنسانيّة علينا أن نجدّده ونعيد درسه ، وقد بقي تاريخ قسم من هؤلاء المفكّرين مجهولاً لم يعرف عنه الملأ إلّا النزر اليسير ؛ فآثرت وضع هذه البحوث المنشورة في الصحف والمجلات العربية في كتاب جامع باسم ( تراث كربلاء ).

وغير خافٍ على القارئ اللبيب أنّ مدينة كربلاء لها تاريخ مجيد حافل بجلائل الأعمال ، ويضمّ أنصع الصفحات التي خطّ أسطرها أمير البلاغة والبيان ، ورجل البطولة والفداء الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) بكلّ ما حوت فيه من بطولة نادرة ، وجهاد لا يشق إليه غبار.

وكربلاء في ماضيها العلمي والأدبي زاخرة بالمواهب الخلاقة ، وقد مرّت في

١٤

القرون الغابرة بمراحل وأدوار مختلفة ، ممّا عظم شأنها ، وسمت منزلتها في ميدان العلم والمعرفة حيث بلغت أوج عظمتها ، وكان سببه ظهور علماء ومفكّرين رفعوا رأسها عالياً ، ولا تزال آثارهم تدرس حتّى اليوم في معاهدنا العلميّة.

كما وشهدت ساحات كربلاء قبل قرنين أو أكثر حركة علميّة صاخبة لم تشهد لها مثيل من قبل ؛ حيث استقرت فيها الزعامة الروحية ؛ وذلك بوجود عدد غفير من أساطين العلماء حتّى بدأت كربلاء تنافس النجف الأشرف في حركتها العلميّة ، كما وشهدت مباريات خطابية وحلبات أدبيّة يعجز القلم عن وصفها ، ويكلّ اللسان عن الثناء عليها.

تتضمن مواد هذا الكتاب أحوال كربلاء منذ أوّل تشييدها وتدوين تطوراتها الاجتماعيّة والسياسيّة والعمرانيّة والعلميّة والأدبيّة ، وتضمّ تراجم أقطاب العلم الذين قدّموا للإنسانيّة أعمالاً مجدية في الفكر والجهاد , إلى غير ذلك من المواضيع الهامة المتعلّقة بشؤون هذا البلد المقدّس التي شغفت منذ الحداثة بجمعها وتدوينها.

ومهما يكن من أمر فأنا أنتهز هذه الفرصة الثمينة لتقديم ما اختمر في الذهن ، وما شعرت به النفس من المواضيع والبحوث التي كانت مبعثرة هنا وهناك ، فأثرت إخراجها بهذا الشكل ؛ حرصاً للفائدة العامة ، ورغبة في تحفيز هواة الأدب والتاريخ وتوسيع طاقاتهم.

وقد توفّرت لديّ مصادر كافية غنية يعتمد عليها ما ينبغي إيراده من الشواهد والدلائل ، علماً بأنّ هناك عدداً من المخطوطات التي تتعلّق بمواضيع الكتاب قد اطلعت عليها في مكتبات إيران والعراق , زد على ذلك أنّي استمعت إلى روايات المعمرين من الجيل الماضي ، وأحاديث ممّن يروي عنهم طيلة السنين الخوالي.

وأخيراً لا يسعني إلّا أن أرفع أسمى آيات شكري وامتناني إلى كلّ مَنْ آزرني في هذا المشروع الضخم الذي يتطلّب وقتاً طويلاً ، وعملاً متواصلاً ؛ من تقديم يد المساعدة إليّ ، وأخص بالذكر فضيلة العلّامة الكبير حجة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب ( الذريعة ) ، والاُستاذ كوركيس عواد مدير مكتبة

١٥

المتحف العراقي ، والاُستاذ ضياء الدين أبو الحبّ ، وفضيلة العلّامة الشيخ محمّد علي اليعقوبي ، والشيخ كاظم أبو أذان ، والمحامي السيد عبد الصاحب شيقر ، والاُستاذ عبد المجيد حسين السالم ، والاُستاذ حسن عبد الأمير المهدي ، وكلاً من أبناء عمومتي السيد مجيد السيد سلمان الوهاب آل طعمة ، والمحامي السيد محمّد مهدي الوهاب آل طعمة ، وغيرهم من رواد الفكر ومحبّي الثقافة ، سائلاً المولى العلي القدير أن يوفّقهم في مسعاهم ، وأن يلهمهم التوفيق في خدمة العلم والأدب والتاريخ ، والله هو الموفّق.

سلمان السيد هادي آل طعمة

كربلاء - ١٠ شوال المكرّم ١٣٨٣ ه - ٢٣ شباط ١٩٦٤ م

١٦

مقدّمة الطبعة الثانية

بعد نفاذ الطبعة الأولى من كتابنا « تراث كربلاء » لقيت من لدن القرّاء الكرام إقبالاً كبيراً وتشجيعاً أعتزّ به ؛ لذا رأيت لزاماً عليّ أن أعيد طبعه مرّة ثانية لرغبة الكثير من الأصدقاء المثقفين ، فأخذت على عاتقي إخراجه بثوب جديد بعد أن توفّرت لديّ معلومات قيّمة ، ووثائق عظيمة الأهمية تُلقي أضواء على بعض الأحداث التاريخيّة.

كما إنّني حذفت من الكتاب بعض الأفكار والمواضيع التي هي غير جديرة بالتسجيل ؛ حيث يغلب عليها طابع التشكيك في صحتها ، أو التي هي غير مرغوب في إدراجها ، وقد دعاني إلى تدوينها في الطبعة الأولى الإسراع.

إنّ هذه الطبعة الجديدة تمتاز بدقّة المعلومات ، وصحة الأسانيد ، وروعة الأغراض ، وسمو الأهداف ، وقد خلت من الأخطاء التي وقعت فيها خلال الطبعة الأولى.

إنّني لم أستهدف من وراء إخراج هذا الكتاب إلّا خدمة للفكر ، وحفظاً للتراث العربي في هذه المدينة الشامخة المقدّسة التي لعبت دوراً مهمّاً في تاريخ العرب قديماً وحديثاً ، ولقيت من أحداث الدهر ما جعلها اُنشودة في فم الزمان ؛ لأنّها صمدت كالطود الأشمّ دون أن تلين قناتها ، أو ترضخ أمام قوى الشرّ والعدوان.

١٧

وكان في طليعة رجال الفكر الذين زوّدوني بالمعلومات النافعة ، وأرشدوني إلى محجّة الصواب الأديب الكبير السيد صالح الشهرستاني - نزيل طهران - الذي نقد الكتاب بتفصيل ، كما أخص بالشكر السادة محمّد حسن مصطفى الكليدار ، وإبراهيم شمس الدين القزويني على توجيهاتهما واهتمامهما ، وكذلك جدّي السيد أحمد السيد صالح آل طعمة (حفظه الله) الذي عاصر معظم الأحداث التي مرّت بكربلاء ، وجالس أدباءها وعلماءها ، ويحتفظ لهم في ذاكرته الكثير من الطرائف المستملحة ، والحكايات اللطيفة التي كانت تتناقلها الأندية حينذاك.

وبعدُ أيّها القارئ ، فهذه هي الطبعة الثانية من تراث كربلاء ، آمل أن تلقى منك استحساناً ، وتترك في نفسك أثراً ، وتسترعي اهتمامك ؛ فهو كتاب يجلو مآثر كربلاء وأحداثها الضخام ، ويبرز صفحات مشرقة من بطولات رجالها العظام وعبقربات أدبائها الكرام.

والله اسأل أن يسدد خطانا إلى ما فيه الخير والصواب.

سلمان السيد هادي السيد محمّد مهدي آل طعمة

كربلاء - العراق ١٠ ربيع الأول ١٤٠٣ ه

١٨

الفصل الأوّل: نظرة عامة في تاريخ كربلاء

في الواقع إنّ كربلاء اسم قديم في التاريخ ، يرجع إلى عهد البابليين ، وقد استطاع المؤرّخون والباحثون التوصّل إلى معرفة لفظة ( كربلاء ) من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي ، فقيل: إنّها منحوتة من كلمة ( كور بابل ) العربية ، وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية قديمة , منها ( نينوى) التي كانت قرية عامرة في العصور الغابرة ، تقع شمال شرقي كربلاء ، وهي الآن سلسة تلول أثرية ممتدة من جنوب سدّة الهنديّة حتّى مصبّ نهر العلقمي في الأهوار ، وتُعرف بتلول نينوى.

ومنها ( الغاضريّة ) , وهي الأراضي المنبسطة التي كانت مزرعة لبني أسد ، وتقع اليوم في الشمال الشرقي من مقام ، أو شريعة الإمام جعفر الصادق (عليه‌السلام ) على العلقمي بأمتار ، وتُعرف بأراضي الحسينيّة.

ثمّ ( كربلّه) بتفخيم اللام ، وتقع إلى شرقي كربلاء وجنوبها ، ثمّ ( كربلاء أو عقر بابل ) , وهي قرية في الشمال الغربي من الغاضريّة ، وبأطلالها أثريات مهمّة , ثمّ ( النواويس ) , وكانت مقبرة عامّة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينيّة قرب نينوى.

أما الأطلال الكائنة في شمال غربي كربلاء تُعرف بـ ( كربلاء القديمة ) ، يستخرج منها

١٩

أحياناً بعض الحباب الخزفية ، وكان البابليون يدفنون موتاهم فيها.

وقد عبّر عنها الإمام الحسين (عليه‌السلام ) في خطبة مشهورة له ، وذلك عندما عزم السير نحو الكوفة: (( وكأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ))(١) .

ثمّ ( الحير ) , ومعناه اللغوي الحمى ، ثمّ ( الحائر )(٢) , وهي الأراضي المنخفضة التي تضمّ موضع قبر الحسين (عليه‌السلام ) إلى رواق بقعته الشريفة ، وقد حار الماء حولها على عهد المتوكّل العباسي عام ٢٣٦ ه.

وكانت للحائر وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة ، وربوات متّصلة في الجهات الشماليّة الغربيّة والجنوبيّة منه تشكّل للناظرين نصف دائرة ، مدخلها الجهة الشرقيّة , حيث يتوجّه منها الزائر إلى مثوى سيدنا العباس بن علي (عليهما‌السلام )(٣) .

وسُمّيت كذلك بـ ( الطفّ ) لوقوعها على جانب نهر العلقمي ، وفيها عدّة عيون ماء جارية ؛ منها الصيد ، والقطقطانية ، والرهيمة ، وعين الجمل وذواتها ، وهي عيون كانت للموكّلين بالمسالح التي كانت وراء الخندق الذي حفره شابور كحاجز بينه وبين العرب(٤) .

ومنها ( شفيه ) , وهي بئر حفرتها بنو أسد بالقرب من كربلاء ، واُنشأت بجانبها قرية ، وكان الحسين (عليه‌السلام ) عندما حبسه الحرّ بن يزيد الرياحي عن الطريق ، وأمّ كربلاء ، أراد أن ينزله في مكان لا ماء فيه ، قال أصحابه: دعنا ننزل في هذه القرية - يعنون نينوى - , أو هذه القرية - يعنون الغاضريّة - ، أو هذه الاُخرى - يعنون شفيه -.

وإنّ الضحاك بن عبد الله المشرفي عندما اشتدّ الأمر على الحسين (عليه‌السلام ) يوم عاشوراء وبقي وحيداً استاذن الحسين (عليه‌السلام ) بالانصراف ؛ لوعد كان بينهما ( أنّه ينصره متى كان كثير الأنصار) , فاستوى على ظهر فرسه فوجّهها نحو العسكر ، فأفرجوا له واخترق صفوفهم ، ثمّ تبعه منهم خمسة عشر

____________________

(١) اللهوف في قتلى الطفوف - للسيد ابن طاووس / ٢٦.

(٢) دائرة المعاوف الإسلاميّة الفرنسية - انظر مادة ( حائر Hair ).

(٣) نهضة الحسين - للسيد محمّد علي هبة الدين الحسيني / ٨٠.

(٤) معجم البلدان - لياقوت الحموي - مادة الطفّ.

٢٠

فارساً حتّى جاء شفيه فالتجأ بها وسلم من القتل(١) .

وتُسمّى بـ ( العقر ) ، وكانت به منازل بخت نصر ، ويوم العقر قُتل به يزيد بن المهلّب سنة ١٠٢ ، وكلّها قرى متقاربة.

وقد روي أنّ الحسين (عليه‌السلام ) لمـّا انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد , قال: (( ما اسم تلك القرية ؟ )) , وأشار إلى العقر. فقيل له: اسمها العقر. فقال: (( نعوذ بالله من العقر. فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها ؟ )). قالوا: كربلاء. فقال: (( أرض كرب وبلاء )). وأراد الخروج منها فمُنع حتّى كان ما كان(٢) .

وقد سبق أن نزلها أبوه الإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) في سفره إلى حرب صفّين ، وشوهد فيها متأمّلاً في ما بها من أطلال وآثار ، فسُئل عن السبب ، فقال: (( إنّ لهذه الأرض شأناً عظيماً ؛ فها هنا محطّ ركابهم ، وها هنا مهراق دمائهم )). فسُئل في ذلك ، فقال: (( ثقل لآل محمّد ينزلون ها هنا ))(٣) . إلى غير ذلك من الأسماء التي وردت في التاريخ ، وليس باستطاعتنا استيفاء البحث عن قدمها(٤) .

وذكر ياقوت في كتابه ( معجم البلدان) بخصوص لفظة ( كربلاء ) , وأوعزها إلى ثلاثة أوجه ، فقال ما نصّه: « كربلا بالمد: وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن علي (عليه‌السلام ) في طرف البريّة عند الكوفة »(٥) .

فأمّا اشتقاقه: فالكربلة رخاوة في القدمين ، يُقال: جاء يمشي مكربلاً ، فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسُمّيت بذلك ، ويُقال: كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها ، وينشد في صفة الحنطة:

____________________

(١) كربلاء في التاريخ - السيد عبد الرزاق عبد الوهاب آل طعمة ( الجزء الأول ) (مخطوط) - فصل أسماء كربلاء / ٥ - ٦.

(٢) معجم البلدان - ياقوت الحموي ٦ / ١٩٥

(٣) الأخبار الطوال - للدينوري / ٢٥٠.

(٤) الطبري - لابن جرير ١٠ / ١١٨ ، مروج الذهب - للمسعودي ج ٣ ، مزار البحار - للمجلسي / ١٤٢ ، مجالي اللطف بأرض الطفّ - للشيخ محمّد السماوي / ٣ - ٤.

(٥) انظر مراصد الإطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع - لابن عبد الحق البغدادي ٣ / ١١٥٤.

٢١

يحملنَ حمراءَ رسوباً للثقلْ

قد غربلت وكربلت من القصلْ

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض مُنقّاة من الحصى والدغل فسُمّيت بذلك. والكربل: اسم نبت الحماض.

وقال أبو وجزة السعدي يصف عهود الهودج:

وتامر كربلٍ وعميمُ دفلى

عليها والندى سبطٌ يمورُ

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نباته هناك فسُمّي به.

ونزل خالد كربلاء عند فتحه الحيرة سنة ١٢ ه , فشكى إليه عبد الله بن وثيمة البصري الذبان ، فقال رجل من أشجع في ذلك:

لقد حُبست في كربلاءَ مطيتي

وفي العين حتّى عاد غثاً سمينُها

إذا رحلت من منزلٍ رجعت له

لَعمري وإيهاً إنّني لأهينُها

ويمنعها من ماءِ كلِّ شريعةٍ

رفاقٌ من الذبان زرقٌ عيونُها(١)

وقد وردت لفظة « كربلاء » في رسالة السيد حسن الصدر , فقال: « إنّها مشتقة من الكربة بمعنى الرخاوة. ولمـّا كانت أرض هذا الموضع رخوة سُمّيت كربلاء. أو من النقاوة , من كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها ، ولمـّا كانت هذه الأرض مُنقّاة من الحصى والدغل سُمّيت كربلاء. أو إنّ الكربل نبت الحماض كان كثير نبته في هذه الأرض فسُمّيت به ، والأظهر من هذه الوجوه الثاني والأوسط »(٢) .

ويرى فريق آخر من المؤرّخين أنّ لفظة ( كربلاء ) مركّبة من كلمتين آشوريتين , هما: ( كرب ) و ( إيلا ) ومعناها ( حرم الله ) ، وذهب آخرون إلى أنّ الكلمة فارسية المصدر ، فهم يرون أنّها مركّبة من كلمتين هما ( كار ) و( بالا ) ومعناهما العمل الأعلى ، أي العمل السماوي ، أو بعبارة اُخرى:

____________________

(١) معجم البلدان - لياقوت الحموي ٧ / ٢٢٩.

(٢) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين - للسيد حسن الصدر / ١٧ ( طبع الهند ).

٢٢

محلّ العبادة والصلاة(١) .

ومن الأسماء التي اُطلقت على كربلاء اسم ( النوائح ) ، وربّما اشتق من كلمة النياح ؛ لكثرة البكاء والعويل منذ نزول الحسين (عليه‌السلام ) فيها.

وذكر ياقوت الحموي في معجمه أبياتاً أنشدها الشاعر معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة:

إذا هي حلّت كربلاءَ فلعلعا

فجوزُ العذيب دونها و النوائحا

فباتت نواها من نواك فطاوعت

مع الشانئين الشانئاتِ الكواشحا

توهّمتُ ربعاً بالمعبّر واضحاً

أبت قرّتاه اليوم ألا تراوحا(٢)

ولا بدّ لنا ونحن في معرض حديثنا عن تاريخ كربلاء القديم أن ننقل رأي الدكتور عبد الجواد الكليدار في هذا الصدد بشأن التعريف بأسماء كربلاء , فقال: « وقد نُعتت كربلاء منذ الصدر الأوّل في كلّ من التاريخ والحديث باسم كربلاء , والغاضريّة ، ونينوى ، وعمورا ، وشاطئ الفرات.

ورد منها في الرواية والتاريخ باسم مارية ، والنواويس ، والطفّ ، وطف الفرات ، ومشهد الحسين ، والحائر ، والحير , إلى غير ذلك من الأسماء المختلفة الكثيرة ، إلّا أنّ أهم هذه الأسماء في الدين هو ( الحائر ) ؛ لِما اُحيط بهذا الاسم من الحرمة والتقديس ، أو اُنيط به من أعمال وأحكام في الرواية والفقه إلى يومنا هذا »(٣) .

وذكر صاحب دبستان المذاهب أنّ كربلاء كانت في الزمن السالف تحوي بيوت نيران ومعابد للمجوس ، ويُطلق عليها بلغتهم ( مه بارسور علم ) , أي المكان المقدّس(٤) .

____________________

(١) موجز تاريخ البلدان العراقية - للسيد عبد الرزاق الحسني / ٦١ - ٦٢ ، وانظر كتابه العراق قديماً وحديثاً / ١٢٤.

(٢) معجم البلدان - لياقوت الحموي ( مادة كربلاء ) ، وانظر الأغاني - لأبي الفرج الأصفهاني ١٢ / ٦٣.

(٣) تاريخ كربلاء - للدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة ( الطبعة الثانية ) / ٢٣.

(٤) دبستان المذاهب - مجهول المؤلّف , طبع بَمْبَيْ / ١٢٦٢ ه.

٢٣

وتحدّثنا المصادر أنّ هناك أسماء قرى كانت تُحيط بكربلاء القديمة عند ورود الحسين (عليه‌السلام ) لها سنة ٦١ ه , منها: عمورا ، ومارية ، وصفورا ، وشفية ، وقد اُطلقت عليها بعد مقتل الحسين تسميات اُخرى , منها: مشهد الحسين ، أو مدينة الحسين ، والبقعة المباركة ، وموضع الابتلاء ، ومحل الوفاء(١) .

وقد سبق أن أوضحنا أنّ كربلاء هي اُمّ لقرى عديدة تقع بين بادية الشام وشاطئ الفرات , ويحدّثنا التاريخ أنّها كانت من اُمّهات مدن بين النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالأكوباس - الفرات القديم - ، وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة كما يستدلّ من الأسماء التي عُرفت بها قديماً.

وقد كثرت حولها المقابر , كما عُثر على جثث الموتى داخل أواني خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي. أمّا الأقوام التي سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة ؛ لخصوبة تربتها , وغزارة مائها ، والسبب في ذلك هو كثرة العيون التي كانت منتشرة في ربوعها.

وقد أخذت كربلاء تزدهر شيئاً فشيئاً سيّما على عهد الكلدانيين , والتنوخيين , واللخميين , والمناذرة يوم كانت الحيرة عاصمة ملكهم ، وعين التمر(٢) البلدة العامرة , ومن حولها قراها العديدة التي من ضمنها شفاثا.

____________________

(١) مدينة الحسين - محمّد حسن الكليدار آل طعمة ( الطبعة الأولى ) ١ / ١٤.

(٢) تقع غربي كربلاء ، وتبعد عنها ٧٤ كيلو متراً في طريق ترابي وعر.

ذكرها ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ٣ / ٧٥٩ ) , فقال: « عين التمر: بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة ، بقربها موضع يُقال له: شفاثا ، منها يجلب القسب والتمر إلى سائر البلاد , وهو بها كثير جدّاً ، وهي على طرف البرية , وهي قديمة ».

كما ورد ذكرها في « مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع » - لابن عبد الحق البغدادي ٢ / ٩٧٧ ، وهذا نصّه: « عين التمر: بلدة في طرف البادية على غربي الفرات , وحولها قريات منها شفاثا ، وتُعرف ببلدة العين ، أكثر نخلها القسب , ويُحمل منها إلى سائر الأماكن ».

وشفاثا مجموعة قرى نمت على حساب بلدة « عين التمر » التي هجرها سكّانها بعد جفاف ينابيعها ، وهي ناحية من نواحي كربلاء واقعة في الجهة الغربيّة , تسقيها الأنهار المنسابة من ينابيعها =

٢٤

من كلّ ما تقدم تتجسّد لنا المكانة الرفيعة التي مُنيت بها هذه البقعة المقدّسة ، والمنزلة السامية التي حظيت بها بين بلدان العالم.

الأنهار في كربلاء

هناك مصادر قديمة تؤكّد على وجود أنهار كانت تروي المزارع في كربلاء , إلّا أنّها طمست بمرور الزمن , ولم يبقَ منها غير الآثار ، اللّهمّ سوى نهر الحسينيّة الذي ما زالت مياهه تتدفق فتحمل الخيرات والبركات إلى المدينة. ومن بين هذه الأنهار التي اندثرت بسبب ترسّبات الغرين الذي كان يحمله الفرات خلال موسم الفيضان من كلّ عام هي:

النهرين(*)

[وهما] فرعان يشتقان من عمود الفرات كانا يجريان في كربلاء قديماً ، وقد ورد ذكرهما في كتب المؤرّخين الذين تطرّقوا إلى مأساة الحسين (عليه‌السلام ) ؛ ومنهم أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ( مقاتل الطالبيّين ) ، وابن كثير في كتابه ( البداية والنهاية ) ، وابن شهر آشوب في كتابه ( المناقب ) ، والطبري في تاريخه المعروف.

نهر العلقمي

وكان يسقي كربلاء قديماً نهر العلقمي ، وهو اليوم من الآثار المندرسة أيضاً ؛

____________________

= المعدنية المتفجرة. وقد بلغ عدد سكّانها حوالي ١٠ آلاف نسمة هاجروا إليها من المناطق البعيدة والمجاورة ، وعدد القرى ( القصور ) سبعة عشر قصراً , سُمّيت أغلبها بأسماء العشائر والرؤساء من الذين سكنوها , أمّا اليوم فقد أصبحت عين التمر قضاءً تابعاً لمحافظة كربلاء ، وتبعد عنها مسافة (٧٠) كيلو متراً ، وطريقها معبّد بالأسفلت , وفيها دار للاستراحة.

ولأهالي عين التمر ارتباطات وثيقة بأهالي كربلاء ، لا سيما وإنّ عدداً كبيراً من مالكي البساتين هم من أهالي كربلاء.

(*) اضطررنا إلى ترك التسمية على حالها كما وردت , وإلّا فالأصح أن يقال: النهران. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٢٥

فقد ذكر المسعودي في التنبيه والإشراف ، وكاتب البريد ابن خر داذبه في المسالك: إذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار ( يقابل الثاني الأوّل في الضفة الغربيّة ) فتجاوزهما , فينقسم قسمين ؛ منها قسم يأخذ نحو المغرب قليلاً المسمّى ( بالعلقمي ) إلى أن يصير إلى الكوفة(١) .

يروي السيد عبد الحسين الكليدار في كتابه ( بغية النبلاء في تاريخ كربلاء ) عن آثار العلقمي فيقول: وآثار العلقمي الباقي منه اليوم - على ما وقفت عليه - إذا انتهى إلى شمال ضريح عون اتجه إلى الجنوب حتّى يروي الغاضريّة لبني أسد , والغاضريّة على ضفته الشرقيّة ، وبمحاذاة الغاضريّة شريعة الإمام جعفر بن محمّد (عليه‌السلام ) على الشاطئ الغربي من العلقمي.

وقنطرة الغاضريّة تصل بينه وبين الشريعة , ثمّ ينحرف إلى الشمال الغربي ، فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس (عليه‌السلام ) إذ استشهد ما يلي مسناته ، فإذا جاوزه انعطف إلى الجنوب الشرقي من كربلاء مارّاً بقرية نينوى , وهناك يتصل [النهران] ( نينوى والعلقمي ) فيرويان ما يليهما من ضياع وقرية شفيه ، فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق اُخرى , حتّى إذا بلغ خان الحماد - منتصف الطريق بين كربلاء والغري - اتجها إلى الشرق تماماً وقطعا شط الهنديّة بجنوب برس وحرقة - وأثرهما هناك مرئي ومشهور - حتّى يشتقان شرقي الكوفة(٢) .

وحكي في ( الكبريت الأحمر ) عن السيد مجد الدين محمّد المعروف بمجدي , من معاصري الشيخ البهائي , في كتابه (زينة المجالس) المؤلّف سنة ١٠٠٤ هذا نصّه: أنّ الوزير السعيد ابن العلقمي لمـّا بلغه خطاب الصادق (عليه‌السلام ) للنهر: (( إلى الآن تجري وقد حُرم جدّي منك )) , أمر بسدّ النهر وتخريبه ، ومن أجله حصل خراب الكوفة ؛ لأنّ ضياعها كانت تُسقى منه(٣) .

____________________

(١) التنبيه والإشراف - للمسعودي / ٤٧.

(٢) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء - للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة / ٨٢ ( مطبعة الإرشاد - بغداد ٣١ / ٤ / ١٩٦٦ م).

(٣) الكبريت الأحمر , نقلاً عن زينة المجالس - لمحمد مجدي.

٢٦

وفي ( مصباح المتهجّد ): « إنّ الصادق (عليه‌السلام ) قال لصفوان الجمال: (( إذا أتيت الفرات (أعني شرعة الصادق بالعلقمي ) فقل: اللّهمّ أنت خير مَنْ وفد ))... إلخ »(١) .

ولهذا يؤكّد الشاعر السيد جعفر الحلّي مصرع العباس (عليه‌السلام ) جنب العلقمي بقوله:

وهوى بجنبِ العلقمي فليتهُ

للشاربينَ بهِ يدافُ العلقمُ

وذهب فريق آخر من المؤرّخين إلى الاعتقاد بأنّ القسم المحاذي من هذا النهر لطفّ كربلاء قد كُلّف بحفره رجل من بني علقمة - بطن من تميم ثمّ من دارم جدّهم علقمة بن زرارة بن عدس - فسُمّي النهر بالعلقمي ، وذلك في أواخر القرن الثاني الهجري.

وبذلك قال الشريف محمّد بن علي الطباطبائي الشهير بالطقطقي في تاريخه الفخري عند ذكره ترجمة حال أبي طالب مؤيد الدين ابن العلقمي الوزير العباسي على عهد المستعصم وهولاكو الإيلخاني: إنّه سُمّي بابن العلقمي نسبة إلى جدّه علقمة الذي قام بحفر نهر العلقمي.

والفريق الثاني من المؤرّخين سمّوا النهر باسم العلقم ، فذكر النويري في كتابه (بلوغ الأرب في فنون الأدب) أنّ نهر الفرات بعد اجتيازه الأنبار ينقسم إلى قسمين: قسم يأخذ نحو الجنوب قليلاً , وهو المسمّى بالعلقم ؛ وذلك لكثرة العلقم ( الحنظل ) حول حافتي النهر(٢) ، والعلقم - بالفتح والسكون -: يُطلق على كلّ شجر مرّ ( الحنظل ) وما عداه من غير فارق.

والعلقمة: المرارة ، يخال لي لشدّة ما كان العرب يكابدون من مرارة ماء آبار الجزيرة حتّى تخوم الجزيرة ومياه عيون الطفّ ، ثمّ ينهلون عذب نمير هذا النهر ؛ فلبعد شقّة البين بالضد أطلقوا عليه اسم ( العلقمي )(٣) .

وقد أورد الشهيد ابن طاووس روايات بخصوص زيارات الحسين (عليه‌السلام ) غير

____________________

(١) انظر قمر بني هاشم - للسيد عبد الرزاق المقرّم / ١٢١ نقلاً عن مصباح المتهجد للشيخ الطوسي / ٤٩٩.

(٢) مدينة الحسين - محمّد حسن الكليدار آل طعمة ٢ / ٤ - ٥ , طبع طهران.

(٣) بغية النبلاء في تاريخ كربلاء - عبد الحسين الكليدار آل طعمة / ٨٣ - ٨٤.

٢٧

مقيدة: إذا أردت زيارة الحسين (عليه‌السلام ) في كربلاء ، ووردت قنطرة العلقمي , فقل: إليك اللّهمّ قصد القاصد... إلخ.

وجاء في تاريخ آل سلجوق لعماد الدين الأصفهاني المؤرّخ الإسلامي الذي عاش في القرن الثامن الهجري: أنّ جدول العلقمي كان يمرّ بالمشهدين ، أي كربلاء والنجف(١) .

وقد بقي نهر العلقمي حتّى عام ٦٩٧ ه , ثمّ علته الرمال والأوحال ممّا عرقل جريان الماء فيه. وتروي بعض المصادر القديمة أنّ السلطان محمود الغزنوي قد أرسل وزيره علي الجويني إلى كربلاء , فأمر بتطهير نهر العلقمي وإزالة الرمال والطمى منه ، وعاد الماء في واديه متدفقاً ، وفي عام ٩١٥ ه عادت الرمال تعلو هذا النهر وتوقفه عن الجريان.

نهر نينوى

ومن الأنهار الاُخرى التي كانت تروي هذه التربة الطاهرة نهر نينوى الذي كان يتفرّع من عمود الفرات ما يقارب الحصاصة وعقر بابل ، بين شمال سدّة الهنديّة وجنوب قضاء المسيب من نهر سوري , ثمّ يشقّ ضيعة أمّ العروق ، ويجري جنوب كرود أبو حنطة ( أبو صمانة ) , وتقاطع مجراه باقياً إلى يومنا هذا ، ويُعرف بعرقوب نينوى.

ويُقال: إنّ البابليِّين هم الذين حفروا هذا النهر مع تشكيل قرية نينوى باسم عاصمة الآشوريين التي كانت تُعرف ( كربا - إيلو ) إبان حكمهم.

النهر الغازاني

ومن الأنهار المندرسة الاُخرى النهر الغازاني , نسبة إلى غازان خان من آل

____________________

(١) مدينة الحسين ٢ / ٤ - ٥.

٢٨

جنكيز أحد ملوك التتر الذين حكموا العراق بعد سقوط الخلافة العباسيّة ، فأمر غازان بتجديد نهر العلقمي وتقريب مأخذه من الفرات.

وقد بتر المغول القسم الأعلى من مجرى النهر وأوصلوا القسم الآخر بالنهر الذي حفره غازان من فرات الحلّة ، ولم يستسيغوا بقاء اسم العلقمي على هذا النهر ، لا سيما وقد طرأ عليه الكثير من التغيير والتبديل كما نصّ على ذلك ابن الفوطي في حوادث سنة ثمان وتسعين وستمئة بقوله: فيها سار السلطان غازان إلى العراق , وجعل طريقه على جوخا ، وسيّر بعض العسكر إلى بطائح واسط ، فحصروا الأعراب وأكثروا القتل فيهم والنهب والسبي , وغنموا أموالهم , وعيّن جماعة لملازمة أعمال واسط , ومنع مَنْ تخلّف من العرب عن الفساد , ثمّ توجه إلى الحلّة وقصد زيارة المشاهد الشريفة , وأمر للعلويين والمقيمين بها بمال كثير ، ثمّ أمر بحفر نهر بأعلى الحلّة , فُحفر وسُمّي النهر الغازاني.

تولّى ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي , وغرس الدولة ابن.... ثمّ سار إلى بغداد(١) ؛ وسُمّي بالغازاني تخليداً لذكرى حافره غازان المذكور.

نهر السليماني ( الحسينيّة )

أمّا النهر السليماني ( الحسينيّة ) فقد أنشأه السلطان سليمان القانوني العثماني سنة ٩٤١ ه / ١٥٣٤ م.

ذكر المستر لونكريك في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق ): أنّ السلطان سليمان كانت غايته الثانية أن يزور العتبات المقدّسة في الفرات الأوسط ، ويفعل هناك أكثر ممّا فعله الزائر الصفوي في العهد الأخير ، فوجد مدينة كربلاء المقدّسة حائرة في حائرها بين المحل والطغيان ؛ إذ كان الفرات الفائض في الربيع يغمر الوهاد التي حول البلدة بأجمعها من دون أن تسلم منه العتبات نفسها ، وعند هبوط النهر كانت عشرات الاُلوف من الزوار يعتمدون

____________________

(١) الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المئة السابعة - لأبي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي / ٤٩٧ - ٤٩٨ , طبع ببغداد / ١٣٥١ ه.

٢٩

على الاستسقاء من آبار شحيحة قذرة ؛ فرفع مستوى ( روف السليمانية ) ، وهي سدّة ما تزال تقوم بعملها حتّى اليوم لوقاية البلدة من الفيضان ، ثمّ وسع الترعة المعروفة بالحسينيّة , وزاد في عمقها لكي تأتي بالماء المستمر ، ولتجعل الأراضي الخالية المغبرة حولها بساتين وحقولاً يانعة للقمح.

وصارت هذه الترعة تنساب في أرض كان الجميع يظنونها أعلى من النهر الأصلي ، فاستبشر الجميع بالمعجزة , واقتسم الحسين الشهيد والسلطان القانوني جميع الثناء والإعجاب ، وبعد أن زار سليمان قبر الإمام علي في النجف رجع إلى بغداد(١) .

ويعقّب عباس العزاوي على ذلك بقوله: نهر الحسينيّة هذا النهر من أعظم أعمال السلطان سليمان القانوني , كان يُسمّى باسمه ( النهر السليماني ) ، والآن يُسمّى بالحسينيّة , أجراه إلى كربلاء فأحياها ، ولم يوفّق السلاطين السابقون أيام غازان وغيره , ومنهم الشاه إسماعيل والشاه طهماسب(٢) ... إلخ.

وبتبرّع زوجة محمّد شاه القاجاري ملك إيران أنفذ نهر الرشدية , وذلك عام ١٢٥٩ ه , فسُمّي الفرع عند ذاك باسم الرشدية(٣) .

أمّا الفرع الثاني لهذا النهر فسُمّي بالهنيدية ، ويسير باتجاه جنوب مدينة كربلاء.

وممّا يذكر بهذا الصدد أنّ الرحالة الميرزا أبا طالب خان بن محمّد الأصفهاني الذي قدم إلى بغداد في غرّة

____________________

(١) أربعة قرون من تاريخ العراق - للمستر لونكريك - ترجمة جعفر الخياط / ٣٩ ( الطبعة الرابعة - مطبعة المعارف - بغداد / ١٩٦٨ م ).

(٢) تاريخ العراق بين احتلالين - عباس العزاوي ٤ / ٣٦ - ٣٧.

(٣) من الذين خدموا كربلاء العالمان الفاضلان السيد مير علي الطباطبائي صاحب الرياض ، والسيد كاظم الرشتي ؛ حيث طلب الأوّل مساعدات من الهند بعد هجوم الوهابيّين على كربلاء عام ١٢١٦ ه ونهبهم المدينة وتخريبهم إيّاها ، وقد لُبّي طلبه ؛ حيث استطاع إثر وصول الأموال المرسلة إليه أن يشيّد سور المدينة لحفظها من الغزوات في المستقبل.

وكان السيد كاظم ابن السيد قاسم الرشتي قد طلب المساعدات من بعض وجوه إيران ؛ بغية توسيع هذه الشاخة ، وإيصال الماء إلى مرقد الشهيد الحرّ الرياحي ، وبعد وصولها أكمل توسيم هذا الفرع الذي يبدأ من قنطرة باب الطاق فسُمّي بالرشتية ، وعُرف فيما بعد بالرشدية.

وقد أشرف على كري هذا النهر المرحوم السيد مهدي ابن السيد محمّد الطباطبائي الشهير بالنهري ، وتُعرف أسرته اليوم بآل السندي.

٣٠

شوال ١٢١٧ ه - ١٧ كانون الثاني ١٨٠٣ م , وبعد أيام غادرها لزيارة سامراء , ثمّ عاد إلى بغداد ، وأخيراً بارحها في ٤ ذي القعدة ١٢١٧ه أوّل آذار ١٨٠٣ م لزيارة الأضرحة التي في كربلاء والنجف.

قال ما تعريبه: وبعد أن قمت بواجب الزيارة في كربلاء بارحتها قاصداً النجف بطريق الحلّة , فقدمت إليها في اليوم نفسه ، ولاقيت في طريقي جدولين ؛ أوّلهما يُقال له: النهر الحسيني ( الحسينيّة ) على بعد أميال قليلة في كربلاء ، وكان حفره بأمر السلطان مراد ( كذا , وصححه السلطان سليمان ).

والثاني من النهرين يُقال له: نهر الهنيدية أو الآصفي ؛ لأنّ النوّاب آصف الدولة حفره بنفقاته ، وهو أعرض من النهر الحسيني ، والغاية من حفره إيصال الماء إلى مرقد الإمام علي (عليه‌السلام ).

وقد بلغت نفقات هذا الجدول حتّى الآن عشرة لكوك من الروبيات ، مع أنّه لم يصل بعد إلى النجف ؛ لأنّ باشا بغداد والرجل الذي ولاّه الباشا الإشراف على العمل جعلا النهر يمرّ بالكوفة وغيرها من المدن عوضاً عن جعله يجري مستقيماً ، وقد بقيت أربعة أميال لإيصاله إلى المحل , والأعمال متداولة عليها... إلخ(١) .

أمّا حادثة مصرع الحسين بن علي (عليه‌السلام ) فهي مناهضة لحكم الطاغية يزيد بن أبي سفيان ، وتُعدّ من أشهر حوادث التاريخ الإسلامي ، وقد حدثت في اليوم العاشر من محرّم الحرام سنة ٦١ه ( ٦٨٠ م) , فاستشهد مع أهل بيته وأصحابه ، ودُفن في هذه البقعة الطاهرة في الموضع الذي يُعرف بالحائر.

وضريح الحسين (عليه‌السلام ) يُقام اليوم وسط صحن عظيم ، تعلوه القبّة المنوّرة ، والمآذن المغشاة بالذهب الإبريز ، فتتلألأ روعة وبهاء.

____________________

(١) رحلة أبي طالب خان / ٢٩٢ - ٢٩٣ ، ترجمها من الفرنسية إلى العربية الدكتور مصطفى جواد ( بغداد ١٩٧٠ ).

٣١

تاريخ الروضة الحسينيّة

عندما قصد الإمام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) العراق سنة ٦١ هجرية مع أهله وأصحابه الغرّ الميامين لم يكن في كربلاء للعمران أثرٌ يُذكر ، إلى أن قُتل الحسين (عليه‌السلام ) في العام نفسه ودُفن في الحائر المقدّس.

يذكر ابن كثير القرشي في ( البداية والنهاية ) أنّ مقتل الحسين (رضي‌الله‌عنه ) كان يوم الجمعة يوم عاشوراء من المحرّم سنة إحدى وستين.

وقال هشام ابن الكلبي: سنة اثنتين وستين ، وبه قال علي ابن المديني ، وقال ابن لهيعة: سنة اثنتين أو ثلاث وستين ، وقال غيره: سنة ستين ، والصحيح الأول ، بمكان من الطفّ يُقال له: كربلاء أرض العراق ، وله من العمر ثمان وخمسون سنة أو نحوها.

وأخطأ أبو نعيم في قوله: إنّه قُتل وله من العمر خمس أو ست وستون سنة(١) .

ويشير ابن قولويه أنّ الذين دفنوا الحسين (عليه‌السلام ) أقاموا لقبره رسماً ، ونصبوا له علامة وبناء لا يندرس أثره(٢) .

وفي عهد بني اُميّة وضِعت على قبره المسالح لمنع الزائرين من الوصول إلى القبر المطهّر ، وكان القبر مطوّقاً بمخافر تتولّى المهمّة السالفة الذكر.

إنّ أوّل مَنْ زار الحائر المقدّس عبيد الله بن الحرّ الجعفي ؛ لقرب موضعه منها ، فوقف على الأحداث , ونظر إلى مصارع القوم ، فاستعبر باكياً ورثى الحسين (عليه‌السلام ) بقصيدة معروفة:

يقولُ أميرٌ غادرٌ وابنُ غادرِ

ألا كيفَ قاتلت الشهيد ابن فاطمهْ

فوا ندمي أن لا أكون نصرتُه

ألا كلّ نفسٍ لا تُسدّدُ نادمهْ

ويا ندمي إن لم أكن من حُماتِه

لذو حسرةٍ ما إن تفارقُ لازمهْ

____________________

(١) البداية والنهاية - لابن كثير القرشي ٨ / ١٩٨.

(٢) كامل الزيارة - لجعفر بن قولويه / ١٣٣.

٣٢

سقى اللهُ أرواحَ الذين تآزروا

على نصرهِ سقياً من الغيثِ دائمهْ

وقفتُ على أجداثهم ومحالهمْ

فكادَ الحشا ينفضّ والعينُ ساجمهْ

لعمري لقد كانوا مصاليتَ في الوغى

سراعاً إلى الهيجا حماةً خضارمهْ

تآسوا على نصرِ ابن بنت نبيِّهمْ

بـأسيافهم آسادُ غيلٍ ضراغمهْ

فإن تقبلوا من كلّ نفسٍ زكية

على الأرضِ قد أضحت لذلك واجمهْ

وما إن رأى الراؤون أصبرَ منهمُ

لدى الموتِ سادات وزهراً قماقمهْ(١)

ويروى عن الصحابي الجليل الضرير جابر بن عبد الله الأنصاري أنّه قال لقومه عندما زار قبر الحسين (عليه‌السلام ) يوم ٢٠ صفر سنة ٦٢ هجرية مع جماعة من المسلمين من أهل المدينة ، واجتمع بنفس السنة بالإمام السجاد (عليه‌السلام ): المسوني القبر(٢) .

ويروى عن أبي جعفر محمّد الصادق (عليه‌السلام ): (( إذا أتيت الحائر فاعبر القنطرة واغتسل في الفرات ، وضع رجلك في الغاضريّة ))(٣) . ويستدلّ من ذلك أنّ الصادق (عليه‌السلام ) كان يحثّ شيعته على الإكثار من زيارة الحائر ، ويأمرهم باتخاذ المقام بنينوى أو الغاضريّة.

ويروي أبو حمزة الثمالي عن الصادق (عليه‌السلام ) بأنّه قال: (( إذا أردت الوداع بعد فراغك من الزيارات فأكثر منها ما استطعت ، وليكن مقامك بنينوى أو الغاضريّة ، ومتى أردت الزيارة فاغتسل وزره الوداع ))(٤) .

وفي ( المزار ) بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) إنّه قال: (( إذا أردت قبر الحسين في كربلاء قف خارج القبّة , وارم بطرفك نحو القبر ، ثمّ ادخل الروضة وقم بحذائها من حيث يلي الرأس ، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلَي علي بن الحسين (عليه‌السلام ) ، ثمّ توجّه إلى الشهداء ، ثمّ امشِ حتّى تأتي مشهد أبي الفضل العباس فقف على باب السقيفة وسلّم))(٥) .

____________________

(١) خزانة الأدب - للبغدادي ٢ / ١٣٨ ( الطبعة السلفية ).

(٢) تاريخ قمقام - لفرهاد مرزا ( فارسي ) / ٤٩٥.

(٣) كامل الزيارة - لجعفر بن قولويه / ٢٢١ ، وانظر مزار البحار - للشيخ محمّد باقر المجلسي ١٠ / ١٤٥ ( طبع كمبني ).

(٤) كامل الزيارة - لجعفر بن قولويه / ٢٥٣ - ٢٥٤.

(٥) مزار بحار الأنوار - للشيخ محمّد باقر المجلسي / ١٧٩.

٣٣

يستبان من الرواية آنفة الذكر وجود مسجد للحسين (عليه‌السلام ) ، وسقيفة تظلّلها شجرة السدرة أيام العهد الأموي وأواخره.

وفي أيام أبي العباس السفّاح خليفة بني العباس الأوّل فسح المجال لزيارة قبر الحسين (عليه‌السلام ) , وابتدأ عمران القبر في ذلك الحين.

يروي محمّد بن أبي طالب في كتابه ( تسلية المجالس وزينة الجالس ) عند ذكره لمشهد الحسين (عليه‌السلام ): « أنّه اتُّخذ على الرمس الأقدس لعهد الدولة المروانية مسجداً »(١) .

الحائر الحسيني في العصر العباسي

لم يزل القبر تمتد إليه يد العدوان بعد عهد بني اُميّة ، وفي زمن بني العباس فقد ضيّق الرشيد الخناق على زائري القبر ، وقُطعت شجرة السدرة التي كانت عنده ، وكُرب موضع القبر(٢) . كما إنّ الرشيد هدم الأبنية التي كانت تحيط بتلك الأضرحة المقدّسة ، وقطع السدرة التي كان يستدلّ بها الزوار موضع القبر ويستظلون تحتها.

أمّا في فترة عام ( ٢٣٦ - ٢٤٧ ه ) فقد كان القبر الشريف عرضة إلى تعرّض وتنكيل المتوكّل العباسي ، حيث أحاط القبر بثلّة من الجند لئلاّ يصل الزائرون إليه ، وأمر بتهديم قبر الحسين (عليه‌السلام ) وحرث أرضه , وأسال الماء عليه فحار الماء حول القبر الشريف ، وأقام في المسالح اُناساً يترصدون لمـّنْ يأتي لزيارة قبر الحسين (عليه‌السلام ) أو يهتدي إلى موضع قبره(٣) .

وعلى ذكر المتوكّل فقد أدلى المجلسي في (البحار) برأيه عن أبي المفضل ، عن علي بن عبد المنعم بن هرون الخديجي الكبير من شاطئ النيل ، قال: حدّثني جدّي القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي ، وكان له علم بالسيرة وأيام الناس ، قال: بلغ المتوكّل جعفر بن المعتصم أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين (عليه‌السلام ) , فيصيّر إلى قبره

____________________

(١) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين - للسيد حسن الصدر / ٢٨ ( طبع الهند ) , نقلاً عن تسلية المجالس.

(٢) نزهة أهل الحرمين / ٦١.

(٣) تاريخ كربلاء المعلّى - للسيد عبد الحسين الكليدار آل طعمة / ١٣ , طبع النجف / ١٣٤٩ ه.

٣٤

منهم خلق كثير ، فأوفد قائداً من قواده وضمّ إليه كتفاً من الجند كثيراً ؛ ليشعب قبر الحسين (عليه‌السلام ) ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره ، فخرج القائد إلى الطفّ وعمل بما أمر ذلك في سنة سبع وثلاثين ومئتين ، فثار أهل السواد به , واجتمعوا عليه ، وقالوا: لو قتلتنا عن آخرنا لما مسك مَنْ بقي منّا عن زيارته.

وراموا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب الأمر إلى الحضرة , فورد كتاب المتوكّل إلى القائد بالكفّ عنهم ، والمسير إلى الكوفة مظهراً أنّ مسيره إليها في مصالح أهلها ، والا نكف(*) إلى المصير.

فمضى الأمر على ذلك حتّى كانت سنة سبع وأربعين , فبلغ المتوكّل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (عليه‌السلام ) ، وأنّه قد كثر جمعهم لذلك , وصار لهم سوق كبير ؛ فأوفد قائداً في جمع كثير من الجند , وأمر منادياً ينادي: برئت الذمّة ممّن زار قبره. ونبش القبر , وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل , ولم يتمّ له ما قدّره(١) .

وفي شوال من سنة ٢٤٧ ه قُتل المتوكّل من قبل ابنه المنادي ( المنتصر ) ، فعطف هذا على آل أبي طالب وأحسن إليهم ، وفرّق فيهم الأموال , وأعاد القبور في أيّامه إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن ، فأمر محمّد بعمارة المشهدين ؛ مشهد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ومشهد أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) , وأمر بالبناء عليهما ، وبعد ذلك بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمها(٢) .

ومنذ ذلك الحين أخذ عمران القبر يتقدّم تدريجياً ، وانطلق العلويون يفدون إلى القبر والسكنى بجواره ، وفي مقدّمتهم السيد إبراهيم المجاب الضرير الكوفي ابن محمّد العابد ابن الإمام موسى الكاظم (عليه‌السلام ) ، وهو أوّل علوي وطأت قدماه أرض الحائر الشريف فاستوطنها مع ولده وذلك سنة ٢٤٧ ه.

روى السيد حسن

____________________

(*) هكذا وردت المفردة هنا , ولعل هناك خطأً ما وقع في رسمها أثناء النسخ. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(١) بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي ٤٥ / ٣٩٧ , المطبعة الإسلاميّة - طهران - ربيع الأول / ١٣٨٥ ه.

(٢) نزهة أهل الحرمين / ١٧.

٣٥

الصدر فقال: فاعلم أنّ آل إبراهيم ، ويُقال له: إبراهيم الضرير الكوفي ابن محمّد العابد ابن موسى الكاظم (عليه‌السلام ) , أوّل مَنْ سكن الحائر فيها ، ولم أعثر على مَنْ تقدّم في المجاورة عليهم ؛ فإنّ علماء النسب كلّهم ينسبون محمّد بن إبراهيم المجاب بالحائري ، ويصفون إبراهيم المجاب نفسه بالكوفي.

وفي بالي إنّي رأيت أنّه كان إبراهيم المجاب الضرير مجاوراً بالحائر , وبه مات , وقبره هناك معروف ، لكنّي لا أذكر الكتاب الذي رأيت فيه ذلك ، لكن نصّ الكلّ على أنّ ابنه محمّد الحائري كان في الحائر , وعقبه بالحائر كلّهم... إلخ(١) .

والسيد إبراهيم المجاب هذا هو الجدّ الأعلى لسادات آل فائز في الحائر الحسيني الشريف.

وتولّى الخلافة بعد الراحل المنتصر بالله أبو جعفر محمّد بن المتوكّل ، وعند تولّيه أنعم على حاشيته , وألغى أساليب أبيه وطريقته الممقوتة ، وسلك بالرعية مسلكاً مرضياً , وأحسن إلى العلويين وقرّبهم ، وأكثر من تكريمهم وتعظيمهم ، وأجزل لهم العطاء , ورفع من قلوبهم الكدر الذي نابهم من جرّاء تصرّفات [أبيه] ، وعمّر أضرحة ومراقد الإمام الحسين (رضي‌الله‌عنه ) وشهداء كربلاء ، وظلّ يتفقدها ويرعاها , وأذن بزيارتهم كالسابق(٢) .

وفي عام ٢٧٣ ه تداعت بناية المنتصر ، فقام بتجديدها محمّد بن محمّد بن زيد القائم بطبرستان ، ثمّ شيّدها الداعي العلوي قبّة على القبر لها بابان ، وبنى حولها سقفين , وأحاطهما بسور , وكان ذلك عام ٢٨٠ ه.

الحائر في الدور البويهي

وفي عام ٣٧١ ه شيّد عضد الدولة البويهي قبّة ذات أروقة وضريحاً من العاج ، وعمّر حولها بيوتاً وأحاط المدينة بسور. وعضد الدولة هذا هو الذي أمر بإعادة مشهد الحسين بن علي (عليه‌السلام ) بعد أن كان الخليفة المتوكّل قد أمر عام

____________________

(١) نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين - للسيد حسن الصدر / ٣٦ - ٣٧.

(٢) كلشن خلفاء - لمرتضى نظمي زاده / ٦٠ ( ١٩٧١ م) نقله إلى العربية موسى كاظم نورس.

٣٦

٢٣٦ ه - ٨٥٠ م بهدم قبره وهدم ما حوله من المنازل ، وبأن يُحرث ويُبذر ويُسقى.

وكان يزعم البعض أنّ رأس الحسين ( سيد الشهداء ) يوجد في رباط صغير من مدينة مرو , وذلك في القرن الرابع الهجري.

ويقول المقريزي: إنّ رأس الحسين حُمل من عسقلان إلى القاهرة ، ووصل إليها في عام ٥٤٨ ه - ١١٥٣ م.

ويرى ابن تيمية أنّ هذا باطل باتفاق أهل العلم ، وأنّ أحداً من أهل العلم لم يقل إنّ رأس الحسين كان بعسقلان.

وفي سنة ٣٥٦ ه توفي معزّ الدولة ، وبناءً على وصية عماد الدولة صار عضد الدولة أبو شجاع ابن ركن الدين ملكاً على فارس ، وكان أميراً شهيراً قام ببناء الكثير من الأمكنة في النجف وكربلاء المشرّفة(١) .

وفي عام ٣٩٩ ه - ١٠٠٩ م توفي أبو العباس الكافي الوزير بالرّي ، وكان قد أوصى قبل موته أن يُدفن في مشهد الحسين (عليه‌السلام ) ، فكتب ابنه إلى العلويين أن يبيعوه تربة بخمسمئة دينار ، فقال الشريف إذ ذاك: هذا رجل التجأ إلى جوار جدّي ولا آخذ لتربته ثمناً. واُعطيت للرجل تربة من غير أن يدفع شيئاً.

ولم يصل إلينا وصف لداخل مشهد الحسين بكربلاء قبل وصف ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري ، أمّا ما قبل ذلك فيُذكر أنّ القبر كان يُغطّى بقماش تاريز , وحوله شموع مضاءة(٢) .

وتقدّمت كربلاء على عهد البويهيين الديالمة تقدّماً ملموساً(٣) ، وازدهرت ازدهاراً واسعاً ، وتقدّمت معالمها الدينية والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصادية ؛ فاتسعت تجارتها , وأخضلت زراعتها ، وأينعت علومها وآدابها ، فدبّت في جسمها روح الحياة والنشاط ، فتخرّج منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون ، وتفوّقت في مركزها

____________________

(١) كلشن خلفاء / ٨٣.

(٢) الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع الهجري - لآدم متز ، نقله إلى العربية محمّد عبد الهادي أبو ريدة / ١١٢.

(٣) السيد محسن الأمين - بحث موسع عن تاريخ آل بويه في موسوعته ( أعيان الشيعة ) ١٤ / ٢٤٠ ، وذكر لنا أنّ أوّل ملوكهم ثلاثة ؛ هم عماد الدولة علي أبو الحسن ، وركن الدولة أبو علي الحسن ، ومعزّ الدولة أبو الحسن أحمد أولاد أبي شجاع الدولة.

٣٧

الديني المرموق.

وقد أطنب ابن الأثير في تاريخه في مآثر عضد الدولة ، وما تقدّم به من الخدمات الجليلة نحو الحرمين الشريفين في مكة والمدينة ، ونحو المشهدين المقدّسين في الحائر والغري.

ولا تنكر أعماله العظيمة ومآثره الإسلاميّة الجليلة ؛ فقد بالغ في تشييد الأبنية حول المشهد الشريف في الحائر ؛ فجدّد تعمير القبّة ، وشيّد الأروقة من حوله ، وبالغ في تزيينهما وتزيين الضريح بالساج والديباج ، وعمّر البيوت والأسواق من حول الحائر ، وعصم مدينة كربلاء بالأسوار العالية ، فجعلها كحصن منيع(١) .

واقتفى أثره عمران بن شاهين أحد أمراء البطائح ؛ فبنى المسجد والرواق الخلفي الملحق بالروضة الحسينيّة المعروف باسمه.

وأشار إليه السيد ابن طاووس بقوله: إنّه هو الذي بنى الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام)(٢) .

وقد جاء في ( الكامل ) لابن الأثير في ترجمة عمران بن شاهين النصّ التالي: كان عمران بن شاهين في بدء حياته صيّاداً ، قطّاع الطرق ، أغار على البطيح فاستولى عليه , وذلك في أواسط القرن الرابع الهجري ، فلمـّا استتب له الأمر بالبطيح أخذ يعيث فساداً في البقاع المجاورة له حتّى استولى ذعره على أكثر الساكنين المجاورين له ، فشكى أمره إلى السلطان عضد الدولة بن بويه الديلمي , فسار على رأس جيش عرمرم للقضاء على حصون عمران بن شاهين ودك قلاعه.

فلمـّا وصل عضد الدولة إلى البطيح كان عمران بن شاهين متحصّناً في قلعته , فلم يتمكّن السلطان البويهي من تحطيم حصونه ؛ فأمر جنده بفتح الماء على قلاعه وغرق البطيح ، وشدّ في الحصار عليه , فترك عمران بن شاهين البطيح وولّى هارباً من وجه السلطان البويهي(٣) .

روى المجلسي في (البحار) ، والسيد ابن طاووس في (فرحة الغري): عندما فرّ عمران بن شاهين من وجه السلطان البويهي لاذ بقبر الإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , فرأى في المنام علي بن

____________________

(١) تاريخ كربلاء وحائر الحسين - الدكتور عبد الجواد الكليدار / ١٧١ ( الطبعة الثانية ).

(٢) فرحة الغري - للسيد ابن طاووس / ٦٧.

(٣) تاريخ الكامل - لأبي الحسن علي ابن الأثير ٨ / ١٧٦ - ١٧٧.

٣٨

أبي طالب (عليه‌السلام ) , فقال له: (( يا عمران , سيقدم العبد فنا خسرو لزيارة هذه البقعة , فلذ به سيفرج عنك )). فلمـّا استيقظ نذر بناء أروقة في المشهد الغروي ، وآخر في المشهد الحائري لو تمّ له ذلك.

ولمـّا قدم عضد الدولة لزيارة قبر علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) رأى شخصاً ملاصقاً بجدار الروضة , فسأله عن حاجته ، فخاطبه عمران بن شاهين باسمه الحقيقي , فاندهش السلطان من معرفة هذا الشخص من اسمه , أي ( فنا خسرو) ، فقصّ عليه عمران منامه , فعفى عنه السلطان وأولاه إمارة البطيح ثانية ، فقام من ساعته وبنى رواقاً في حرم الأمير بالمشهد الغروي ، وآخر في الحائر الشريف , وبنى بجنبه مسجداً , وهو أوّل مَنْ ربط حرم الحائر بالرواق المعروف باسمه رواق ابن شاهين(١) .

وذكر الفاضل المعاصر السيد محمّد صادق بحر العلوم في كتابه ( سلاسل الذهب ) أنّ رواق ابن شاهين في الجانب الغربي من الحائر الشريف المعروف اليوم برواق السيد إبراهيم المجاب ، وبني بجنبه مسجداً سُمّي باسمه , ذكره ابن بطوطة الطبخي في رحلته.

وكان هذا المسجد موجوداً إلى أيام الصفويِّين , فاستثنوا بدمج المسجد في الصحن فاُدمج في الصحن ، وبقي من المسجد أثره حتّى اليوم , وهو محلّ خزن مفروشات الروضة الحسينيّة خلف الإيوان المعروف بالإيوان الناصري ، وتمّ ذلك البناء ، أي بناء الرواق , والمسجد المعروف برواق مسجد ابن شاهين ، في سنة ٣٦٧ ه(٢) .

وقد أدلى المرحوم السيد حسين القزويني الحائري برأيه أنّه شاهد متانة بناء هذا المسجد عند الحفريات الأخيرة في المشهد الحسيني ، فكان سمك الأساس يقرب من ٣ أمتار.

وفي عام ٤٠٧ ه أصاب الحريق حرم الحسين (عليه‌السلام ) , حيث كان مزيّناً بخشب الساج ، وذلك على أثر سقوط شمعتين كبيرتين في حرم الحسين (عليه‌السلام )(٣) ، كما يؤكّد على

____________________

(١) البحار - لمحمد باقر المجلسي ج ١٠ , طبع إيران.

(٢) سلاسل الذهب - السيد محمّد صادق بحر العلوم ( مخطوط ) في عدة أجزاء.

(٣) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - لأبي الفرج سبط ابن الجوزي ٧ / ٢٨ ( طبع حيدر آباد ) , وانظر تاريخ ابن الأثير ٩ / ١٠٢ ، ونزهة أهل الحرمين - للسيد حسن الصدر / ٢١ ، وأعيان الشيعة - للسيد محسن الأمين ٤ / ٣٠٦.

٣٩

ذلك ابن تغري بقوله: السنة الحادية والعشرون من ولاية الحاكم منصور على مصر ، وهي سنة سبع وأربعمئة , وفيها احترق مشهد الحسين بن علي (عليه‌السلام ) بكربلاء من شمعتين غفلوا عنهما(١) .

وجُدّد البناء على عهد البويهيِّين غب ذلك الحريق ؛ حيث قام الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية بإعادة البناء نفسه مع تشييد السور.

الحائر في عهد السلاجقة

وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري زار الحائر الشريف السلطان ملكشاه السلجوقي مع وزيره نظام الملك عندما كان ذاهباً للصيد في تلك الأنحاء , وذلك في سنة ٤٧٩ ه(٢) ، وأمر بتعمير سور الحائر(٣) .

وفي سنة ٥٢٩ ه مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين (عليهما‌السلام ) خلق لا يحصون , وظهر التشيّع(٤) . وفي ربيع الآخر سنة ٥٥٣ ه خرج الخليفة المقتفي بالله بقصد الأنبار وعبر الفرات , وزار قبر الحسين (عليه‌السلام )(٥) .

الحائر في العهد المغولي ( الأيلخاني )

إثر انقراض الدولة العباسيّة وظهور الدولة الإيلخانية سنة ٦٥٦ ه قدم بغداد هولاكو ، وعند استيلائه على العراق اجتمع فريق من أقطاب الشيعة فقرّروا مفاتحة هولاكو ومكاتبته يسألونه الأمان ، وأنفذ هولاكو فرماناً يطيّب قلوب الشيعة ، وبعد ذلك أخذت جحافل المغول تغزو مدن الفرات الأوسط وجنوب

____________________

(١) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - لابن تغري بردى ٤ / ٢٤١.

(٢) الكامل - للمبرد ٩ / ١٥.

(٣) المنتظم - لابن الجوزي ٩ / ٢٩.

(٤) المنتظم ١٠ / ٥٣.

(٥) المنتظم ١٠ / ١٨١.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423