القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء ٢

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام0%

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 672

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله العلّامة السيّد أحمد المستنبط رحمة الله عليه
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 41535
تحميل: 5015


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41535 / تحميل: 5015
الحجم الحجم الحجم
القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالصراط المستقيم، خصصت بخديجة الكبرى، وخصّ عليّ بزوجته فاطمة خيرة النساء.

حملت على الرفرف في الهواء، وسمعت كلام عليّ في السماء، توخّيت عند سدرة المنتهى، سئلت عن عليّ في الرفيع الأعلى، اُرسلت بالنذار والخوف واُعطى عليّ البدارة والسيف، بشّرت بأعلى الجنان، طلبت أن لايفارقني عليّ حيث كنت وكان، وعدت المقام المحمود في اليوم المشهود ووعد عليّ بلواء الحمد في اليوم المشهود، وبعثت بالآيات على إحدى المعجزات، وفضّلت بالنصر فضّل عليّ بالقهر، حبيت بالرضوان حبي عليّ بالغفران، وهب لي حدّة النظر، وهب لعليّ البأس والظفر.

أنا سابق المرسلين، عليّ صالح المؤمنين، سطوت في المشاهد سطى عليّ في المراصد، أنا خاتم النبيّين، عليّ خاتم الوصيّين، أنا نبيّ اُمّتي، عليّ مبلّغ دعوتي، بعث أخي موسى بالعصا تتلقّف ما يأفكون، وبعثت بالسيف في كفّ عليّ يقسم ما يمكرون.

أنا باب الهدى، عليّ باب التقى، حزب اللَّه حزبي، وحزبي حزب عليّ، عليّ صفوة إسماعيل بعدي سبقت له دعوة الخليل وجنّب عبادة الأصنام والتماثيل، ثبت على عهد ربّ العالمين، وكسر أصنام المشركين، وأخرج بذلك الظالمين، إبراهيم صفوة اللَّه والمرسلين، وأنا صفوة إبراهيم وإسماعيل، خصّنا اللَّه بالتفضيل، وطهّرنا بالتنزيه عن فعل الحظاين، عجنت أنا وعليّ من طين، سكنت أنا وعليّ في ظهور المؤمنين.

أنا حجّة اللَّه، عليّ حجّتي ينطق على جناني ويخاطب على لساني، لايشتبه عليه ظلمة من الظلمات، ولايبلى في دينه بآفة من الآفات، وهب لي علم المشكلات، ووهب لعليّ علم المعضلات، ربّيت في حجر أبي عليّ، وربّي عليّ في حضني، وربّي في مهدي وحجري، ونشأ في صدري.

٢٢١

وسبق الناس كلّهم إلى أمري، فرح بالرضوان وحبي بالغفران، وأوعد بالجنان من قبل أن يؤمن إنسان، يضرب بحدّي ويفخر بجدّي ويسطو بسعدي، صلدم(١) وصنوي(٢) عالم حاكم صابر صائم، لايشغله الدنيا عن الذكر، ولاينقطع عند المصائب دائم الفكر، حديد النظر، عظيم الخطر، على الخبر صبور وقور ذكور شجاع إذا قلّت الأبطال، وهب نفسه في يوم النزال في سورة القتال ما انحدل(٣) قطّعنّي، ولا وقف بمحال عنّي، تقيّ نقيّ رضيّ سخيّ وليّ سنيّ زكيّ مضيّ.

عليّ أشبه الناس إذا قضى بنوح حكماً، وبهود حلماً، وبصالح عزماً، وبإبراهيم علماً، وبإسماعيل صبراً، وبإسحاق إزراً، وبيعقوب مصائباً، وبيوسف تكذيباً، محسود على مواهب اللَّه، معاند في دين اللَّه.

أشبه شيء بالكليم زهداً(٤) وبعيسى بن مريم رشداً، وبي خلقاً وخلقاً، جميل من الطوارق، لطيف من البوائق، جدام البوائق، عدوّ المنافق، لكلّ خير موافق ولكلّ شرّ مفارق، ملكوتيّ القلب، سماويّ(٥) اللبّ، قدسيّ الصحبة، يحبّ الربّ، مناجز مبارز غير فشل ولاعاجز، نبت في أعراقي وغذى بأخلاقي، وبارز بأسيافي، عدوّه عدوّي، ووليّه وليّي، وصفيّه صفيّي، سرادق الاُمّة، وباب الحكمة، وميزان العصمة، لايحبّه إلّا مؤمن نقيّ، ولا يبغضه إلّا منافق شقيّ.

حبيب نجيب وجيه عنداللَّه، معظم في ملكوت اللَّه، لم يزل عند اللَّه صادقاً وبسبيل الحقّ ناطقاً، الحقّ معه وفيه لايزايله(٦) يستبشر بذكره المؤمنين، ويسيء بذكره المنافقون، ويمقته القاسطون، ويبغضه الفاسقون، ويشنأه المارقون، منّي

____________________

(١) الصلدم: الأسد والصلب والشديد.

(٢) صنو: الأخ الشفيق وابن العمّ.

(٣) ما انحدل أي: ما مال.

(٤) هزا، خ.

(٥) أورد الديلمي قدس سره صاحب الإرشاد في كتاب مناقب له، أجزاء من هذه الخطبة، وفيه: سماويّ الصدر قدسيّ الجسد (هامش الأصل).

(٦) ولايعتديه، كذا في مناقب الديلمي (هامش الأصل).

٢٢٢

مبدأه وإليّ منتهاه، وفي الفردوس مثواه، وفي علّيّين مأواه، كريم في طرفه، مهول في عطفه، سراج(١) في خلقه، معصوم الجناب طاهر الأثواب، تقيّ الحركات كثير البركات، زائد الحسنات، عال على الدرجات في يوم الهبات.

مهذّب نجيب مجلبب مطيب أديب مؤدّب مستأسد مجرّب حيدرة قسورة ضرّاب غلّاب وهّاب وثّاب.

أوّلكم سبقاً، وأوّلكم خلقاً، صاحب سرّي المكتوم وجهري المعلوم، وأمري المبروم، طويل الباع عبل الذراع، كشّاف القناع، في يوم القناع أديب لبيب حسيب نسيب، من ربّه في المنزلة قريب، غضنفر ضرغام ماجد هوام مبارز قمقام عذافر هشام ليث همهام.

به أسكن اللَّه الرعب في قلوب الظالمين، وأوحى إليّ أنّ الرعب لايسكن لعليّ قلباً، ولايمازج له لبّاً، خلقه اللَّه من طينتي، وزوّجه ابنتي وحرمتي، وأقام معي بسنّتي، وأوضح به حجّتي، وأنار به ملكي، وهو المحنة على اُمّتي، واساني بنفسه ليلة الرقد على فراشي، وحمل ابنتي زينباً جهراً، وردّ ما أخذه عدوّي منّي قهراً.

أربيت في بيت اُمّه فاطمة بنت أسد وحجرها وحضنها، وربّي عليّ بيتي وحجري وحضني، تولّيت تربيته وتولّت خديجة كفالته من غير رضاع أرضعته، تتابعت منه الحكم، وتقارنت أنا وهو في العدم محبّة أسعد الاُمم، وهو صاحب لواي والعلم، ما رُأي قطّ ساجد الصنم، ما ثبت لي في مكان قدم إلّا ولعليّ يد وقدم، آمن من غير دعوة برسالتي.

بعثت يوم الإثنين ضحوه، وصلّى عليّ في يومه معي صلاة الزوال، واستكمل من نوري ما كمل به الأنوار، قدره أعظم الأقدار، آنسني في ظهور الآباء الزاكيات

____________________

(١) سريع، خ.

٢٢٣

وقارنني في الأوعية الطاهرات، وكتب إسمه وإسمي على السرادقات وفي السماوات، فعليّ شقيقي من ظهر عبدالمطّلب إلى الممات، ومحدّثي في جوار اللَّه والغرفات.

اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، خصّه اللَّه بالعلم والتقى، وحبّبه إلى أهل الأرض والسماء، وجعل فيه الورع والحياء، وجنّبه الخوف والردى، وفرض ولايته على كلّ من في الأرض والسماء، فمن أحبّه فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللَّه.

عليّ خزانة علمي، ووعاء حلمي، ومنتهى همّي، وكاشف غمّي في حياتي ومغسّلي بعد مماتي، ومونسي في أوقاتي، عليّ غاسلي إذا قبضت، ومدرجي في أكفاني إذا تواريت، عليّ أوّل من يصلّي عليَّ من البشر، وممهدّي في لحدي إذا حضر، عليّ يكفيني في الشدائد، ويحمل عنّي الأوابد، ويدافع عنّي بروحه المكائد، لايؤذيني في عليّ إلّا حاسد، ولايردّ فضله إلّا شقيٌّ جاحد.

ثمّ رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهمّ إنّك قرنتني بأحبّ الخلق إليك وأعزمهم عندي وأوفاهم بذمّتي وأقربهم قرابة إليّ وأكرمهم في الدنيا والآخرة عليّ.

ثمّ قال لعليّ عليه السلام: اُدن منّي يا أباالحسن، حبى الناس بالأشكال والقرناء وحباني ربّي بك لأنّك صفوة الأصفياء، بك يسعد من سعد، وبك يشقى من شقى، أنت خليفتي في أهلي، وأنت المشتمل بفضلي، والمقتدى به بعدي، اُدن منّي يا أخي.

فدنا المرتضى من المصطفى فأكبّ عليه وضمّه إلى صدره وقال له:

يا أباالحسن، إنّ اللَّه خلقكم من أنواري كذاك وافق سرّك أسراري وضميرك أضماري تطالع روحي لروحك، شهد اللَّه لذلك والفائزون والصابرون وحملة العرش أجمعون، يشهدون بامتزاج أرواحنا إذ كنّا من نور واحد، قال اللَّه تعالى:

٢٢٤

( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ) (١) كفاك يا عليّ، من نفسك علم اللَّه فيك، وكفاني منك علمي فيك، وكلّ قرين ينصرف بقرينه وانصرف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعليّ عليه السلام.(٢)

أقول: وروي في تاريخ البلادري والسلامي وغيرهما عن ابن عبّاس وغيره أنّه لمّا نزل قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) (٣) آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الأشكال والأمثال، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبدالرحمان، وبين سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيّوب الأنصاري، وبين أبي ذرّ وابن مسعود.

وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي الدرداء وبلال وبين جعفر الطيّار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمّار، وبين عائشة وحفصة وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين اُمّ سلمة وصفيّة، حتّى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم.

ثمّ قال: أنت أخي وأنا أخوك يا عليّ.(٤)

٨٨٦/٦٩ - روي من طرقنا أنّه عليه السلام قال يوماً على منبر مسجد البصرة: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أهل المسجد وقال له: أين جبرئيل الآن يا أميرالمؤمنين؟ فنظر إلى السماء ونظر يميناً وشمالاً، فقال: أنت جبرئيل، فطار وشقّ سقف المسجد فصاح الناس: اللَّه أكبر، يا أميرالمؤمنين من أين علمت أنّه جبرئيل؟

فقال عليه السلام: لمّا نظرت إلى السماء خرق نظري أطباق السماوات حتّى العرش والكرسي فما رأيته، ونظرت الأرض كلّها فلم أره فعلمت أنّه جبرئيل.(٥)

____________________

(١) الفرقان: ٥٤.

(٢) نهج الإيمان: ٤١٣.

(٣) الحجرات: ١٠.

(٤) أمالي الطوسي: ٥٨٧ ح ٣ المجلس الخامس والعشرون، عنه البرهان: ٢٠٧/٤ ح ١.

(٥) الأنوار النعمانيّة: ٣٢/١.

٢٢٥

٨٨٧/٧٠ - تفسير فرات قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد قال: حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن ذران(١) القطّان قال: حدّثنا عبداللَّه بن محمّد القيسي قال:حدّثنا أبو جعفر القمي محمّد بن عبداللَّه قال: حدّثنا سليمان الديلمي قال:

كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فلم نلبث أن سمعنا تلبية فإذا عليّ عليه السلام قد طلع، على عنقه حطب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعانقه حتّى رئي بياض ما تحت إبطيها(٢) ثمّ قال: يا عليّ، إنّي سألت اللَّه أن يجعلك معي في الجنّة ففعل، وسألته أن يزيدني فزادني زوجتك، وسألته أن يزيدني فزادني ذرّيّتك، وسألته أن يزيدني فزادني محبّيك فزادني من غير أن أستزيده محبّ(٣) محبّيك.

ففرح بذلك عليّ عليه السلام ثمّ قال: بأبي أنت واُمّي محبّ محبّي؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، يا عليّ، إذا كان يوم القيامة وضع لي منبر من ياقوتة حمراء مكلّل بزبرجدة خضراء، له سبعون ألف مرقاة، بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس القارح(٤) ثلاثة أيّام، فأصعد عليه، ثمّ يدعى بك فيتطاول إليك الخلائق فيقولون: ما يعرف في النبيّين، فينادي مناد: هذا سيّد الوصيّين.

ثمّ تصعد فتعانقني عليه، ثمّ تأخذ بحجزتي وآخذ بحجزة اللَّه، ألا إنّ حجزة اللَّه هي الحقّ، وتأخذ ذرّيّتك بحجزتك، وتأخذ شيعتك بحجزة ذرّيّتك، فأين يذهب بالحقّ إلى الجنّة.

فإذا دخلتم إلى الجنّة، فتبوّأتم مع أزواجكم، ونزلتم منازلكم أوحى اللَّه إلى مالك: أن افتح باب جهنّم لينظر أوليائي إلى ما فضّلتهم على عدوّهم، فيفتح أبواب جهنّم ويطلعون عليهم.

____________________

(١) زادان، خ.

(٢) في المصدر: من تحت أيديهما.

(٣) في المصدر: محبّي.

(٤) القارح: ما كمل له خمس سنين.

٢٢٦

فإذا وجدوا روح رائحة الجنّة قالوا: يا مالك، أنطمع اللَّه لنا في تخفيف العذاب عنّا؟ إنّا لنجد روحاً، فيقول لهم مالك: إنّ اللَّه أوحى إليَّ أن أفتح أبواب جهنّم لينظر أولياؤه إليكم، فيرفعون رؤوسهم فيقول هذا: [يا] فلان، ألم تك تجوع فاُشبعك؟ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تعرى فأكسوك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تخاف فآويك؟ ويقول هذا: يا فلان، ألم تك تحدّث فأكتم عليك؟ فتقولون: بلى، فيقولون: استوهبونا من ربّكم، فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنّة، فيكونون فيها [بلا مأوى] ملومين(١) ويسمّون «الجهنميّين».

فيقولون: سألتم ربّكم فأنقذنا من عذابه، فادعوه يذهب عنّا بهذا الإسم ويجعل لنا في الجنّة [مأوى] فيدعون، فيوحى اللَّه إلى ريح فتهبّ(٢) على أفواه أهل الجنّة فينسيهم ذلك الإسم، ويجعل لهم في الجنّة مأوى، ونزلت هذه الآيات:( قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ - إلى قوله -سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) (٣) .(٤)

٨٨٨/٧١ - تفسير فرات قال: حدّثني أحمد بن عليّ بن عيسى الزهري معنعناً عن الأصبغ بن نباتة قال: توجّهت نحو أميرالمؤمنين عليه السلام لاُسلّم عليه فلم ألبث أن خرج، فقمت قائماً على رجلي فاستقبلته، فضرب بكفّه إلى كفّي فشبّك أصابعه في أصابعي، فقال [لي]: يا أصبغ بن نباتة، فقلت: لبيّك وسعديك يا أميرالمؤمنين.

فقال: إنّ وليّنا وليّ اللَّه، فإذا مات كان في الرفيق الأعلى، وسقاه من نهر أبرد من الثلج وأحلى من الشهد، فقلت: جعلت فداك يا أميرالمؤمنين، وإن كان مذنباً؟

____________________

(١) في الأصل: فيكونون فيها ملاماً.

(٢) في الأصل: تهب.

(٣) الجاثية: ٢١ - ١٤.

(٤) تفسير فرات: ٤١١ ح ٥٥١، عنه البحار: ٣٣٣/٧ ح ١٧.

٢٢٧

قال:نعم، ألم تقرأ كتاب اللَّه:( فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) (١) .(٢)

٨٨٩/٧٢ - في تفسير الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام : قال عليه السلام - في ضمن حديث -: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في بعض أحاديثه: إنّ الملائكة أشرفها عنداللَّه أشدّها حبّاً لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وإنّ قَسَم الملائكة فيما بينهم: والّذي شرّف عليّاً عليه السلام على جميع الورى بعد محمّد المصطفى.

ويقول مرّة: إنّ ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البارّ الشفيق، إلى آخر الحديث.(٣)

____________________

(١) الفرقان: ٧٠.

(٢) تفسير فرات: ٢٩٣ ح ٣٩٦.

وفي آخره: يا أصبغ، إنّ وليّنا لو لقي اللَّه وعليه من الذنوب مثل زبد البحر ومثل عدد الرمل لغفرها اللَّه له إن شاء اللَّه تعالى.

(٣) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ٤٥٢ ضمن ح ٢٩٧ مع اختلاف يسير، عنه البحار: ٢٨٦/٩ ضمن ح ٢، و ١٠٥/٣٩ ضمن ح ١٢.

٢٢٨

خاتمه الباب

نذكر فيها فوائد

الاُولى: في كتاب الصراط المستقيم، وكذا في كتاب الفضائل من نسخة عتيقة لعلّها كتبت منذ ستّمائة سنة، ويظهر منها أنّ مؤلّفه من أولاد صاحب كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب، وفيه في آخر الفصل التاسع عشر ما هذا لفظه:

وقد ذكرت في الفصل الثاني عشر انتساب أهل كلّ علم اللَّه إليه عليه السلام وأخذهم عنه واقتباسهم منه، ألم تر أنّ عبدالحميد - كاتب بني اُميّة - لمّا كتب الكتب المشهورة إلى أبي مسلم الّذي كان يحمله جمل قيل له: من أين لك هذه البلاغة؟ قال: من حفظي لألف خطبة من أصيلع(١) بني هاشم - يعني به عليّاً عليه السلام - غاصت ثمّ فاضت - وأراد بقوله أصيلع: التعظيم لعليّ عليه السلام، لإنّ العرب إذا عظمت شيئاً صغّرته-.

وأمّا عمرو بن الجاحظ المكنّي بأبي عثمان الّذي هو طراز البلاغة والبيان الّذي ملك زمام الفصاحة، وكان علّامة الدهر، قد تحيّر قلبه ودهش لبّه فيما جمعة من مائة كلم الّتي اعترف بأنّها قد حوت متفرّق المعاني الحكميّة المتضمّنة لمكارم الأخلاق النفسانيّة الّتي أوّلها: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً» إلى آخرها.

ومعلوم أنّ كلامه عليه السلام إذا وقف عليه من رزق الهداية رآه منضوداً(٢) في عِقد(٣)

____________________

(١) في الصراط المستقيم: أصلع.

(٢) نَضَدَ الشيء: ضمّ بعضه إلى بعض متَّسقاً ومنظّماً.

(٣) العِقْد: خيطٌ يُنْظم فيه الخرز ونحوه.

٢٢٩

من الألفاظ الرائقة(١) ، والأساليب الفائقة، لا بالمستعمل الخلق، ولا بالمشكل الغلق، بل هو أشهى إلى النفوس الخيّرة، والطباع الحسنة من الخرَّد الحسان وأعلق بالقلوب من [تعلّق] الجزع بالأمان.(٢)

وقال الجاحظ في «ج١» من كتاب البيان والتبيين: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: «قيمة كلّ امرء ما يحسن» ثمّ قال: فلو لم نقف من هذا الكتاب إلّا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية مجزية مغنية، بل وجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصّرة عن الغاية وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيرة، ومعناه ظاهر في لفظه، وكان اللَّه تبارك وتعالى قد ألبسه من الجلالة غشاوة من نور الحكمة على حسب نيّة صاحبه وهو قائله.

وقال أيضاً : هذه الكلمة في المائة كلمة الّتي جمعها من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام وقال: كلّ كلمة منها تفي بألف كلمة من محاسن كلام العرب.(٣)

الثانية : قال صاحب كتاب «المجموع الرائق» فيه: من مدائح العودي رحمه الله للإمام أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه أحببت ذكره هاهنا.

بفنا(٤) الغري وفي عراص(٥) العلقم

تُمحَى الذنوب عن المسيء المجرم

قبران قبر للوصيّ وآخر

فيه الحسين فعجّ عليه وسلّم

هذا قتيل بالطفوف على ظمأ

وأبوه في كوفان ضُرِّج بالدم

وإذا دعا داعي الحجيج بمكّة

فإليهما قصد التقيّ المسلم

____________________

(١) راق الشيء: إذا صفا وخلص.

(٢) الصراط المستقيم: ٢٢١/١ مع إختلاف في الألفاظ.

(٣) البيان والتبيين: ٧٣/١.

(٤) الفِناء: الساحة في الدار أو بجانبها.

(٥) عراص، جمع العرصة: ساحة الدار.

٢٣٠

فاقصدهما وقل: السلام عليكما

وعلى الأئمّة والنبيّ الأكرم

أنتم بنو طه وقافٍ والضحى

وبنو تبارك والكتاب المحكم

وبنو الأباطح والمصلح(١) والصفا

والركن والبيت العتيق وزمزم

بكم النجاة من الجحيم وأنتم

خير البريّة من سلالة آدم

أنتم مصابيح الدجى لمن اهتدى

والعروة الوثقى الّتي لم تفصم(٢)

وإليكم قصد الوليّ وأنتم

أنصاره في كلّ خطب(٣) مؤلم

وبكم يفوز غداً إذا ما اُضرمت

في الحشر للعاصين نار جهنّم

من مثلكم في العالمين وعندكم

علم الكتاب، وعلم ما لم يعلم

جبريل خادمكم وخادم جدّكم

ولغير كم فيما مضى لم يخدم

ابني رسول اللَّه إنّ أباكم

من دوحة(٤) فيها النبوّة تنتمي

آخاه من دون البريّة أحمد

واختصّه بالأمر لولا يُظلم

نصّ الولاية والخلافة بعده

يوم الغدير له برغم اللؤَم

ودعا له الهادي وقال ملبّياً

ياربّ قد بلّغت فاشهد واعلم

حتّى إذا قُبض النبيّ وأصبحوا

مثل الذئاب تلوب حول المطعم

إلى أن قال رحمه الله:

وأتو على آل النبيّ بأكبد

حرّى وحقد بعد لم يتصرّم(٥)

فسبوا ذراريهم، وأفنوا ولده

ويل لهم من هول يوم مؤلم

تركوهم فوق الثرى ورؤوسهم

فوق [القنا](٦) مثل الأنجم

____________________

(١) في المصدر: والمسلّخ.

(٢) انفَصَم العروة: انقطعت.

(٣) الخَطْب: الأمر الشديد.

(٤) الدوحة: الشجرة العظيمة المتشعبّة ذات الفروع الممتدة.

(٥) تصرّم: تقطّع.

(٦) في المصدر: الرماح تلوح.

٢٣١

وسروا بهم نحو السئام يؤمّهم

رأس الحسين عليه السلام مركّب في لهذم(١)

بئس الجزاء جزوه في أولاده

تاللَّه ما هذي فعائل مسلم

لو سلّموا أمر الخلافة بينهم

لوليّها وتحرّجوا من مأثم

لم يستثر(٢) يوم الطفوف اُميّة

من ولد فاطمة ولم تستقدم

كلّا ولا وقع الخلاف وأصبحوا

في الدين بين محلّل ومحرّم

لكنّهم سلّوا صوارم بغيهم

وعدوا عليه بالسواد الأعظم

واللَّه، لولا نقض بيعة حيدر

ما استوهبت تلك الحقود(٣) النوّم

قتلوا الوصيّ ببغيهم وتهجّموا

جهلاً على المختار أيّ تهجّم

لم يرقبوا ما قاله في حقّه الـ

ـهادي ولم يرعوا له من محرم

يا لائمي في حبّ آل محمّد

أقصر هبلت من الملامة أولم

كيف النجاة لمن عليّ خصمه

يوم القيامة بين أهل الموسم

هو آية اللَّه الّذي في خلقه

وحسامه الغضب الّذي لم يلهم(٤)

وهو الدليل إلى الحقائق عارضت

فيها الشكوك من الظلال(٥) المظلم

[و] اختاره المختار دون صحابة

صنواً وزوّجه الإله بفاطم

سل عنه في بدر وسل في خيبر

والخيل تعثر(٦) في القنا المتحطّم

كم كاد في الأبطال من متعثرم(٧)

وأباد من متمرّد متعثرم

____________________

(١) اللهذم: كلّ شيء قاطع، من سنان أو سيف أو ناب.

(٢) في الأصل: لم يشتروا.

(٣) في المصدر: ما استهبنت تلك اللحقوم.

(٤) في المصدر: وحسامه الغصب الّذي.

(٥) في الأصل: الضلال.

(٦) تعثر به فرئه: تَعِسَ، سقط وأكبّ على وجهه.

(٧) في المصدر: متغشرم، وكذا مابعده.

٢٣٢

وحمى عن الإسلام وهو من الصبا

متكنّفاً(١) في برده لم يحلم

يا من يجادل في عليّ عليه السلام عانداً

هذا المناقب فاستمع وتقدّم

كيما أردّك عن جدالك صاغراً

متقاعساً عنه بأنف مُرغَم

يا آل يس الّذين بحبّهم

نرجو النجاة من السعير المضرم(٢)

مازال هاشم في قريش أعزّة(٣)

لهم وأنتم عزّة في هاشم

ها قد بعثت بها إليك فبح بها

يا هاشمي فمثلها لم يُنظم

لولاهم ما كان يعرف عابد

للَّه بالدين الحنيف القيّم

لكم الشفاعة في غد وإليكم

في الحشر كشف ظلامة المتظلّم

مولاكم «العودي» يرجو في غد

بكم الثواب من الإله المنعم

فتقبّلوا منه المديح فما له

إلّا المديح وحبّكم في المقدم(٤)

الثالثة: قال إمام أئمّة الأدب الشيخ صالح التميمي في مدحه صلوات اللَّه عليه وآله:

غاية المدح في علاك ابتداء

ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عمّ

وأمير إن عدت الاُمراء

ما نرى ما استطال إلّا تناهى

ومعاليك مالهنّ انتهاء

فلك دائر إذا غاب جزء

من نواحيه أشرقت أجزاء

أو كبدر ما يعتريه خفاء

من غمام الأعراه انجلاء

يحذر البحر صولة الجزر لكن

غارة المدّ غارة شعواء

ربّما رمل عالج يوم يحصى

لم يضق في رماله الإحصاء

____________________

(١) أكنف الشيء: صانه وحفظه.

(٢) المضرم: المشتعل.

(٣) في المصدر: عزّة.

(٤) المجموع الرائق: ٩٦ (مخطوط)، وج ٤٧١/١ (مطبوع).

٢٣٣

وتضيق الأرقام عن معجزات

لك يا من إليه ردّت ذكاء

يا صراطاً إلى الهدى مستقيماً

وبه جاء للصدور الشفاء

بني الدين فاستقام ولولا

ضرب ماضيك ما استقام البناء

أنت للحقّ سلم مالراق

يتأبّى بغيره الإرتقاء

أنت هارون والكليم محلّاً

من نبيّ سمت به الأنبياء

أنت ثاني ذوي الكسا ولعمري

أشرف الخلق من حواه الكساء

ولقد كنت والسماء دخان

ما بها فرقد، ولا جوزاء

في دجا بحر قدرة بين بردى

صدف فيه للوجود الضياء

لا الخلا يوم ذاك فيها خلاء

فيسمّى ولا الملاء ملاء

قال زوراً من قال ذلك زور

وافترى من يقول ذاك افتراء

آية في القديم صنع قديم

قاهر قادر على ما يشاء

نبأ والعظيم قال عظيم

ويل قوم لم يغنها الأنباء

لم تكن في العموم من عالم الذ

رّ وينهى عن العموم النهاء

معدن الناس كلّها الأرض لكن

أنت من جوهر، وهم حصباء

شبه الشكل ليس يقضي تساوى

إنّما في الحقائق الإستواء

لاتفيد الثرى حروف الثريّا

رفعة أو يعمّه استعلاء

شمل الروح من نسيمك روح

حين من ربّه أتاه النداء

قائلاً من أنا فروى قليلاً

وهو لولاك فاته الإهتداء

لك اسم رآه خير البرايا

مذ تدلّى وضمّه الإسراء

خطّ مع اسمه على العرش قدماً

في زمان لم تعرض الأسماء

ثمّ لاح الصباح من غير شكّ

وبدا سرّها وبان الخفاء

وبرئ اللَّه آدماً من تراب

ثمّ كانت من آدم حوّاء

٢٣٤

الرابعة: قال الأديب عبدالباقي العمري في مدحه عليه السلام:

يا أبا الأوصياء، أنت لطه

صهره وابن عمّه وأخوه

إنّ للَّه في معانيك سرّاً

أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدو

ر وآباؤه تعدّ بنوه

خلق اللَّه آدماً من تراب

فهو ابن له، وأنت أبوه

وقال هو أيضاً في وصف صندوق مرقده المقدّس:

ألا إنّ صندوقاً أحاط بحيدر

وذي العرش قد أربى إلى حضرة القدس

فإن لم يكن للَّه كرسيّ عرشه

فإنّ الّذي في ضمنه آية الكرسي

ونعم ما قال الشاعر في المقام:

شهد الأنام بفضله حتّى العدا

والفضل ما شهدت به الأعداء

فتلألأت أنواره لذوي النهى

فتزحزت عن غيّها الظلماء

وقال آخر:

يروي مناقبهم لنا أعداؤهم

لا فضل إلّا ما رواه حسود

وإذا رأوها مبغضوهم لم يكن

للعالمين عن الولاة مجيد

الخامسة: في كتاب «المجموع الرائق من أزهار الحدائق» ما نقلته من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام عقيب خطبته المعروفة بالطثنجيّة(١) وهي:

«تَحَصَّنْتُ بِالْمَلِكِ الْحَيِّ الَّذي لايَمُوتُ، وَاعْتَصَمْتُ بِذِي الْعِزَّةِ وَالْعَدْلِ وَالْجَبَرُوتِ،

____________________

(١) في المصدر والمشارق: التطنجيّة، وفي الصحيفة: الطتنجيّة.

٢٣٥

وَاسْتَعَنْتُ بِذِي الْعَظَمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَلَكُوتِ، مِنْ كُلِّ ما أَخافُهُ وَأَحْذَرُهُ ».

قال عليه السلام: ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة أو شدّة إلّا أزاحها اللَّه عزّوجلّ [عنه] إلّا الموت، فقال له جابر: يا أميرالمؤمنين وحدها؟

قال عليه السلام: وأضف إليها الثلاثة عشر إسماً - إشارة إلى اسم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإسمه وأسماء ذرّيّته عليهم السلام آخرهم الحجّة محمّد بن الحسن صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه-.(١)

السادسة: قال شبلي الشميل: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام عظيم العظماء نسخة مفردة، لم ير لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل، لا قديماً ولاحديثاً.(٢)

السابعة: قال جورج جرداق - بعد ذكر حادثة الصفّين وكيفيّة القتال -: وكأنّي بعملاق القتال وأخي غمرات الموت ما ضرب أو طعن أو كرّ إلّا وددت في جنبات الأرض ألف صيحة هنا وألف صيحة هناك تنطلق من حناجر وأفواه، وكلّها تقول:

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام بطل معركة الإسلام ومعركة الحقّ ومعركة العدالة الإنسانيّة.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام صارع عمرو بن ودّ أسد الجزيرة المخيف يوم كانت الجنّة تحت ظلال السيوف وهو صبيّ إلّا بإيمانه.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي تخلّعت بيديه أبواب القلاع والأبطال يهلعون ويزلزلون فتترس بها وهي على كفّه أخفّ من ريشة في جناح الطير.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي لو لقى الآدميّين واحداً وهم ملء الأرض

____________________

(١) المجموع الرائق: ٤٥٢/١، عنه الصحيفة العلويّة الثانية: ٧٥، وروى البرسي رحمه الله في مشارق الأنوار: ١٧٠ - ١٦٦ تمام الخطبة وهذا الدعاء.

(٢) صوت العدالة: ٣٧/١.

٢٣٦

كلّها لما بالى ولا استوحش ولا حدّثته نفسه إلّا بصادق البأس.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي ما يبالي أدخل على الموت، أو خرج الموت إليه.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي تيسّر له في معنى القتال ما لم يتيسّر لبشر سواه، إذ فتح له الزهد باب الجهاد، وما فتح الزهد لغيره إلّا باب الإنكفاء والإنزواء وخلع له العطف على المستضعفين مغاليق الحصون، ودك به الحب صروح البغضاء وحملته المثالية الرفيعة على القتال، ودفعه حبّ الناس دفعاً إلى هذا الصراع الرهيب.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي تتمزّق بسيفه الظلمات، وتنقّض على هام عدوّه الرعود الصاعقات، وتذروهم الرياح السافيات، فإذا به هول يدفع هولاً.

وفي عينيه دموع تحوّلت شراراً

وفي حناه عطف توقّد ناراً

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي ما امتشق سيفه في وجه جائر إلّا ضحك السيف ضحك العف من متهتّك أثيم.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي ما توامض سيفه بالفضاء وهو إلّا وصاح معذب في الحجاز أو العراق أو أرض الشام يقول: بأبي أنت سيف الحقّ و منصف المظلوم والمحروم.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام مخباء الفقير من الريح وسترة الضعيف من السيل، وموئل العاجز من الزوبعة المهلكة، وصاحب الظلّ في الظهيرة المحرقة كالليل.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي تخضر الأرض حيث حطّت له قدم، ويسقط الغيث، فمن وجهه مياه النهر ومن حبّه أمواج البحر تعجّ عجيجاً.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي تنبسط له القلوب أما صفت وطابت وتنقبض عنه أما خلت من صفاء.

٢٣٧

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّذي سيقول فيه الدهر: وفي سيفه مع القائلين:لاسيف إلّا ذوالفقار ولافتى إلّا عليّ عليه السلام.

ألا إنّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فانهزموا يا ضواري الفتنة وإلّا فما تعصمكم سهول ولا جبال.

الثامنة: ذكر جورج جرداق المسيحى في كتاب «صوت العدالة» من كلماته صلوات اللَّه عليه اللطيفة ونذكر نبذة منها:

١ - قال : دخل الإمام على العلاء بن زياد الحارثي - وهو من أصحابه - [يعوده] فلمّا رأى سعة داره قال له: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا؟ أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج، وبَلى إن شئت بلغت بها الآخرة تَقري فيها الضيف وتصل فيها الرحِم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.(١)

٢ - منها قال: لمّا بلغه - أي عليّاً عليه السلام - أنّ عاملاً آخر يأكل ما تحت يديه من أموال العامّة، بعث إليه على عجل يقول: فاتّق اللَّه، واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنّك إن لم تفعل ثمّ أمكنني اللَّه منك لاُعذرنّ إلى اللَّه فيك، [ولأضربنّك بسيفي الّذي ماضربت به أحداً إلّا دخل النار].

واللَّه، لو أنّ الحسن والحسين عليهما السلام فعلا مثل الّذي فعلت، ما كانت لهما عندي هوادة(٢) ولا ظفراً منّي بإرادة(٣) حتّى آخذ الحقّ منهما واُزيح(٤) الباطل عن مظلمتهما.(٥)

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢٠٩، عنه البحار: ٣٣٦/٤٠ ح ١٩، و١١٨/٧٠ ح٨، و١٥٥/٧٦ ح ٣٦.

(٢) الهوادة: الرخصة والسكون.

(٣) بإرادة: بمراد.

(٤) الإزاحة: الإزالة والإبعاد، وفي الأصل: اُزيل.

(٥) نهج البلاغة: الكتاب ٤١، عنه البحار: ١٨٢/٤٢ ضمن ح ٤٠.

٢٣٨

٣ - منها قال: وقد يدعى أحد الولاة إلى وليمه فيمض إليها، فإذا بالإمام يؤنّبه أشدّ تأنيب، ويوبّخه أعنف توبيخ: أفلإقامة حقّ يريدون أن يرشوه بالدعوة، والحقّ يقام بدون رشوة، أم لإنزال الباطل منزلة الحقّ؟ وليس للوالي أن يفعل ذلك ولو اُعطي سلطان الأرض، ثمّ كيف يمضي إلى وليمة يدعى إليها الثري(١) ويبعد عنها الفقير والمعوز، وفي ذلك مظهر من مظاهر التفرقة بين الناس ثمّ إشعار لهم بهذه التفرقة ممّا يجرح بعض الخواطر ويجرح قلب عليّ، أما حين يستقيم المجتمع فليدع قوم وليبعد آخرون فما في ذلك غبن.

٤ - منها : لمّا قتل أصحاب معاوية محمّد بن أبي بكر فبلغه خبر مقتله قال عليه السلام:إنّ حزننا عليه [على] قدر سرورهم به، إلّا أنّهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً.(٢)

٥ - منها : سئل عليه السلام أيّهما أفضل: العدل أم الجود؟ فقال عليه السلام: العدل يضع الاُمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدل سائس عامّ، والجود عارض خاصّ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما.(٣)

٦ - منها : قال عليه السلام في صفة المؤمن مرتجلاً: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذلّ شيء نفساً، يكره الرفعة ويشنأ السمعة، طويل غمّه بعيد همّه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، [مغمور بفكرته(٤) ضنين(٥) بخلّته](٦) سهل الخليقة(٧) لين العريكة(٨) .(٩)

____________________

(١) الثري: كثير المال.

(٢) نهج البلاغة: قصار الحكم ٣٢٥، عنه البحار: ٥٩٢/٣٣ ح ٧٣٦.

(٣) نهج البلاغة: قصار الحكم ٤٣٧، عنه البحار: ٣٥٧/٧٥ ح ٧٢.

(٤) مغمور بفكرته: أي غريق في فكرته لأداء الواجب عليه.

(٥) ضنين: بخيل.

(٦) الخلّة - بالفتح -: الحاجة.

(٧) الخليقة: الطبيعة.

(٨) العريكة: النفس.

(٩) نهج البلاغة: قصار الحكم ٣٣٣، عنه البحار: ٣٠٥/٦٧ ح ٣٧ و٤١٠/٦٩ ح ١٢٧.

٢٣٩

٧ - منها : قال عليه السلام: يأتي على الناس زمان لايقرَّب فيه إلّا الماحل، ولايظرَّف فيه إلّا الفاجر، ولا يضعَّف فيه إلّا المنصف.(١)

بيان : «الماحل»: الساعي في الناس بالوشاية عند السلطان. «لايظرّف»: لايعدّ ظريفاً. «لايضعّف»: لايعدّ ضعيفاً.

التاسعة: ومنها : خطبتان له صلوات الله عليه إحديهما بلا ألف والاُخرى بلا نقطة.

الاُولى: في المناقب : روى الكلبي عن أبي صالح، وأبو جعفر بن بابويه قدس سره: بإسناده عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام أنّه اجتمعت الصحابة فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام، فارتجل عليه السلام الخطبة المونقة وهي:

«حمدتُ من عظمت منّته، وسبغت(٢) نعمته، وسبقت رحمته غضبه، وتمّت كلمته، ونفذت مشيّته، وبلغت قضيّته، حمدته حمد مقرّ بربوبيّته [متخضّع لعبوديّته](٣) متنصّل(٤) من خطيئته [متفرّد بتوحيده](٥) مؤمّل منه مغفرة تنجيه، يوم يشغل [كلٌّ](٦) عن فصيلته(٧) وبنيه.

ونستعينه ونسترشده ونستهديه(٨) ونؤمن به ونتوكّل عليه، وشهدت له شهود [عبد](٩) مخلص موقن، وفرَّدته تفريد مؤمن متيقّن، ووحّدته توحيد عبد مذعن(١٠) ليس له شريك في ملكه، ولم يكن له وليّ في صنعه، جلّ عن مشير ووزير، وعن عون ومعين، ونصير ونظير.

____________________

(١) نهج البلاغة: قصار الحكم ١٠٢، عنه البحار: ٢٧٨/٥٢.

(٢) سبغت: تمّت.

(٣) ليس في الأصل.

(٤) متنصّل: متبرّئ منها.

(٥) في البحار: معترف بتوحيده، مستعيذ من وعيده.

(٦) من البحار.

(٧) فصيلته: عشيرته.

(٨) نستهديه: نطلب منه الهداية والتوفيق.

(٩) من البحار.

(١٠) مذعن: خاضع مقرّ.

٢٤٠