القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء ٢

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام0%

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 672

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله العلّامة السيّد أحمد المستنبط رحمة الله عليه
الناشر: سليمان زاده
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 41533
تحميل: 5013


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41533 / تحميل: 5013
الحجم الحجم الحجم
القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام

القطرة من بحار مناقب النبيّ والعترة عليهم السلام الجزء 2

مؤلف:
الناشر: سليمان زاده
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها.(١)

١٠٣٥/١٧ - وفيه أيضاً : أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبدالعزيز، عن غير واحد، عن أبي بصير قال: قدم إلينا رجل من أهل الشام فعرضت عليه هذا الأمر فقبله، فدخلت عليه وهو في سكرات الموت فقال [لي](٢) : يا أبابصير، قد قبلت ما قلت لي [فكيف لي](٣) بالجنّة؟ فقلت:أنا ضامن لك على أبي عبد الله عليه السلام بالجنّة، فمات.

فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فابتدأني فقال: قد وفي لصاحبك بالجنّة.(٤)

١٠٣٦/١٨ - وفيه أيضاً وفي الإختصاص المنسوب إلى الشيخ المفيد قدس سره: أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبدالعزيز، عن الحميري، عن يونس بن ظبيان والمفضّل ابن عمر، وأبي سلمة السرّاج والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال: لنا خزائن الأرض ومفاتيحها، ولو شئت أن أقول بإحدى رجلي أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت.

قال: فقال: بإحدى رجليه فخطّها في الأرض خطّاً فانفجرت الأرض، ثمّ قال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها، فقال: انظروا فيها حسّاً حسناً حتّى لاتشكّوا.

ثمّ قال: انظروا في الأرض فإذا سبائك في الأرض كثيرة، بعضها على بعض يتلالأ. فقال له بعضنا: جعلت فداك، اُعطيتم(٥) كلّ هذا وشيعتكم محتاجون؟!

فقال عليه السلام: إنّ الله سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة، ويدخلهم جنّات النعيم

____________________

(١) بصائرالدرجات: ٢٤٣ح٣، عنه البحار:٧٢/٤٧ح٣٢، الثاقب في المناقب:٤١٠ح٨ (نحوه).

(٢، ٣) ليس في المصدر.

(٤) بصائر الدرجات: ٢٥١ ح٢، عنه البحار: ٧٦/٤٧ ح٤٤.

(٥) في البصائر: اعطيتكم، وفي الإختصاص: اعطيتم ما اعطيتم وشيعتكم.

٣٨١

ويدخل عدوّنا الجحيم.(١)

١٠٣٧/١٩ - في بصائر الدرجات : أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن عمّار، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فركض برجله الأرض(٢) فإذا بحر فيه سفن من فضّة، فركب وركبت معه حتّى انتهى إلى موضع فيه خيام من فضّة، فدخلها ثمّ خرج، فقال: رأيت الخيمة الّتي دخلتها أوّلاً؟ فقلت: نعم.

قال: تلك خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والاُخرى خيمة أميرالمؤمنين عليه السلام، والثالثة خيمة فاطمة عليها السلام، والرابعة خيمة خديجة عليها السلام، والخامسة خيمة الحسن عليه السلام والسادسة خيمة الحسين عليه السلام، والسابعة خيمة عليّ بن الحسين عليهما السلام، والثامنة خيمة أبي عليه السلام، والتاسعة خيمتي، وليس أحد منّا يموت إلّا وله خيمة يسكن فيها.(٣)

١٠٣٨/٢٠ - في المناقب والخرائج : روي أنّ داود بن كثير الرقّي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه موسى عليه السلام ابنه وهو ينتفض(٤) [من البرد]، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت في كنف(٥) الله متقلّباً في نعم الله(٦) أشتهي عنقود عنب حرشى ورمّانة [خضراء]، [قال داود:] قلت: سبحان الله هذا الشتاء.

فقال: يا داود، إنّ الله قادر على كلّ شيء، ادخل البستان [فدخلته] فإذا شجرة عليها عنقود من عنب حرشى ورمّانة [خضراء] فقلت: آمنت بسرّكم وعلانيتكم.

____________________

(١) بصائر الدرجات: ٣٧٤ ح١، الإختصاص: ٢٦٣، عنهما البحار: ٨٧/٤٧ ح ٨٨، وأورد ابن شهراشوب في المناقب: ٢٤٤/٤ (نحوه باختصار).

(٢) ركض الأرض برجله: ضربها في أثناء مشيه.

(٣) بصائر الدرجات: ٤٠٥ ح٥، عنه البحار: ٩١/٤٧ ح٩٧.

(٤) انتفض الشيء: تحرّك واضطرب، يقال: فلان ينتفض من الرعدة.

(٥) الكنف: الحرز.

(٦) في الخرائج: في رحمة الله.

٣٨٢

فقطعتهما وأخرجتهما إلى موسى، فقعد يأكل فقال: يا داود، و الله لهذا فضل من رزق قديم، خصّ الله به مريم بنت عمران من الاُفق الأعلى.(١)

١٠٣٩/٢١ - في البحار: روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إذا كان يوم القيامة وليّنا أمر شيعتنا فما كان عليهم للَّه فهو لنا، وما كان لنا فهو لهم، وما كان للناس فهو علينا.(٢)

يقول مؤلّف القطرة : لايغرّنّك الحديث أيّها الموالي، لأنّ موضع هذا العطف والحنان الشيعة دون مطلق الموالي والمحبّ.

نعم، إنّ الّذي رزق الهداية الخاصّة إذا صدر ما صدر منه ولم يتمكّن الخروج عن عهدته فهو مشمول لهذا الحديث المبارك وقابل للجبر منهم عليهم السلام.

١٠٤٠/٢٢ - في الصراط المستقيم والخرائج : روي عن عليّ بن أبي حمزة قال: حججت مع الصادق عليه السلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة، فحرّك شفتيه بدعاء لم أفهمه، ثمّ قال: يا نخلة، أطعمينا ممّا جعل الله فيك من رزق عباده.

قال: فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو الصادق عليه السلام وعليها أوراقها، وعليها الرطب(٣) .

قال: ادن وسمّ وكل فأكلنا منها رطباً أعذب رطب وأطيبه، فإذا نحن بأعرابيّ يقول: ما رأيت كاليوم سحراً أعظم من هذا.

فقال الصادق عليه السلام: نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر ولا كاهن، بل ندعو الله فيجيب، فإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلباً تهتدي إلى منزلك، وتدخل

____________________

(١) الثاقب في المناقب: ٤٢٠ ح٣ مع إختلاف يسير، الخرائج: ٦١٧/٢ ح ١٦، عنه البحار: ١٠٠/٤٧ ح١١٩.

(٢) البحار: ٣١٣/٢٧ ح ١٠.

(٣) في الخرائج: وعليها أعذاقها وفيها الرطب.

٣٨٣

عليهم، وتبصبص(١) لأهلك؟ قال الأعرابي بجهله: بلى، فادع الله(٢) فصار كلباً في وقته ومضى على وجهه.

فقال لي الصادق عليه السلام: اتبعه، فاتّبعته حتّى صار إلى [حيّه، فدخل إلى](٣) منزله فجعل يبصبص لأهله و ولده، فأخذوا له عصاً فأخرجوه(٤) .

فانصرفت إلى الصادق عليه السلام فأخبرته بما كان [منه] فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّى وقف بين يدي الصادق عليه السلام وجعلت دموعه تسيل [على خدّيه]، فأقبل يتمرّغ في التراب فيعوي، فرحمه فدعا الله [له]، فعاد أعرابيّاً.

فقال له الصادق عليه السلام: هل آمنت يا أعرابي؟ قال: نعم، ألفاً وألفاً.(٥)

١٠٤١/٢٣ - وفيه: روي عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند الصادق عليه السلام مع جماعة، فقلت:قول الله لإبراهيم عليه السلام:( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ ) (٦) أ[و] كانت أربعة من أجناس مختلفة؟ أو من جنس [واحد]؟ قال: أتحبّون إن اُريكم مثله؟ قلنا: بلى.

قال: يا طاووس، فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثمّ قال: يا غراب، فإذا غراب بين يديه، ثمّ قال: يا بازي، فإذا بازي بين يديه، ثمّ قال: يا حمامة، فإذا حمامة بين يديه.

ثمّ أمر بذبحها كلّها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ثمّ أخذ برأس الطاووس [فقال: يا طاووس،](٧) ، فرأينا لحمه وعظامه وريشه

____________________

(١) بَصْبَصَ الكلب: حرّك ذَنَبه طمعاً أو ملقاً.

(٢) في الخرائج: فدعا الله.

(٣) من الخرائج.

(٤) في الخرائج: فأخذوا له العصا حتّى أخرجوه.

(٥) الخرائج: ٢٩٦/١ ح٣، عنه البحار: ١١٠/٤٧ ح١٤٧، وأورد في الصراط المستقيم: ١٨٥/٢ ح٣ (باختصار).

(٦) البقرة: ٢٦٠.

(٧) من المصدر.

٣٨٤

يتميّز من غيرها حتّى ألصق(١) ذلك كلّه برأسه، وقام الطاووس بين يديه حيّاً، ثمّ صاح بالغراب كذلك وبالبازي والحمامة كذلك، فقامت كلّها أحياء بين يديه.(٢)

١٠٤٢/٢٤ - وفيه : روي [أنّ] ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهريّة(٣) اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن، وكانوا بمكّة، [و] عاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل.

فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم عليه السلام أيضاً؛ قال أحدهم: إنّي لمّا رأيت قوله:( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) (٤) كففت عن المعارضة.

وقال الآخر: وكذا أنا لمّا وجدت قوله:( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) (٥) آيست من المعارضة.

وكانوا يسرّون بذلك، إذ مرّ عليهم الصادق عليه السلام فألتفت إليهم وقرأ عليهم:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ) (٦) فبهتوا.(٧)

١٠٤٣/٢٥ - في المناقب: حدّث إبراهيم، عن أبي حمزة، عن مأمون الرقّي قال: كنت عند سيّدي الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلّم عليه ثمّ جلس فقال له: يابن رسول الله، لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الّذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف

____________________

(١) في المصدر: يتميّز من غيره حتّى التزق.

(٢) الخرائج: ٢٩٧/١ ح٤، عنه البحار: ١١١/٤٧ ح١٤٨.

(٣) الدهريّة: قوم يقولون: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، ويقولون: ما يهلكنا إلّا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالإستحسان منهم على غير تثبّت، (مجمع البحرين: ٦٤/١).

(٤) هود: ٤٤.

(٥) يوسف: ٨٠.

(٦) الإسراء: ٨٨.

(٧) الخرائج: ٧١٠/٢ ح٥، عنه البحار: ١١٧/٤٧ ح١٥٦.

٣٨٥

يضربون بين يديك بالسيف؟

فقال له عليه السلام: اجلس يا خراساني، رعى الله حقّك. ثمّ قال: يا حنيفة، اسجري التنّور(١) فسجرته حتّى صار كالجمرة وأبيض علوّه.

ثمّ قال: يا خراساني، قم فأجلس في التنّور، فقال الخراساني: يا سيّدي يابن رسول الله، لاتعذّبني بالنار، أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك.

فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته فقال: السلام عليك يابن رسول الله، فقال له الصادق عليه السلام: ألق النعل من يدك، واجلس في التنّور.

قال: فألقى النعل من سبّابته، ثمّ جلس في التنّور، وأقبل الإمام عليه السلام يحدّث الخراساني حديث خراسان حتّى كأنّه شاهد لها.

ثمّ قال: قم يا خراساني، وانظر ما في التنّور، قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً فخرج إلينا وسلّم علينا.

فقال له الإمام عليه السلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال: والله ولا واحداً فقال عليه السلام: لا والله ولا واحداً، فقال: أما إنّا لانخرج في زمان لانجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت.(٢)

١٠٤٤/٢٦ - في كشف الغمّة للشيخ بهاء الدين عليّ بن عيسى الإربلي من كتاب الدلائل : عن زيد الشحّام قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا زيد، كم أتى لك سنة؟ قلت: كذا وكذا، قال: يا أبا اُسامة، أبشر فأنت معنا، وأنت من شيعتنا، أما ترضى أن تكون معنا؟ قلت: بلى يا سيّدي، فكيف لي أن أكون معكم؟

فقال: يا زيد، إنّ الصراط إلينا، وإنّ الميزان إلينا، وحساب شيعتنا إلينا، و الله يا زيد، إنّي أرحم بكم من أنفسكم، و الله لكأنّي أنظر إليك وإلى الحارث بن المغيرة

____________________

(١) سجر التنّور: ملأه وقوداً وأحماه.

(٢) المناقب: ٢٣٧/٤، عنه البحار: ١٢٣/٤٧ ح ١٧٢.

٣٨٦

النضري في الجنّة في درجة واحدة.(١)

١٠٤٥/٢٧ - في مجموعة الورّام قدس سره: عن الفضل بن [أبي] قرّة قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير فيقول للرسول: إذهب بها إلى فلان وفلان من أهل بيته وقل لهم: هذه بعث بها إليكم من العراق.

قال: فيذهب بها الرسول إليهم، فيقول ما قال، فيقولون: أمّا أنت فجزاك الله خيراً بصلتك قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّا جعفر فحكم الله بيننا وبينه.

قال: فخرّ أبوعبد الله - نضر الله وجهه - ساجداً ويقول: اللهمّ أذلّ رقبتي لولد أبي.(٢)

١٠٤٦/٢٨ - في المناقب والخرائج : عن هشام قال: كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق عليه السلام في حجّة كلّ سنة، فينزله أبوعبد الله عليه السلام في دار من دوره في المدينة، وطال حجّة ونزوله، فأعطى أباعبد الله عليه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً وخرج إلى الحجّ، فلمّا انصرف قال: جعلت فداك، اشتريت لي الدار؟ قال: نعم، وأتى بصكّ فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى جعفر بن محمّد عليهما السلام لفلان بن فلان الجبلي: اشترى له داراً في الفردوس، حدّها [الأوّل] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحدّ الثاني أميرالمؤمنين عليه السلام، والحدّ الثالث الحسن بن عليّ عليه السلام، والحدّ الرابع الحسين بن عليّ عليهما السلام».

فلمّا قرأ الرجل ذلك قال: قد رضيت جعلني الله فداك.

قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن والحسين عليهما السلام، وأرجو أن يتقبّل الله ذلك ويثيبك به الجنّة.

قال: فانصرف الرجل إلى منزله وكان الصكّ معه، ثمّ اعتلّ علّة الموت، فلمّا

____________________

(١) كشف الغمّة: ١٩٠/٢، عنه البحار: ١٤٣/٤٧ ح١٩٧.

(٢) البحار: ٦٠/٤٧ ح ١١٤.

٣٨٧

حضرته الوفاة جمع أهله وحلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه، ففعلوا ذلك، فلمّا أصبح القوم غدوا إلى قبره، فوجدوا الصكّ على ظهر القبر مكتوب عليه:

«وفى لي - و الله - وليّ الله جعفر بن محمّد عليهما السلام بما قال».(١)

١٠٤٧/٢٩ - في الخرائج والجرائح : روي أنّ وليد بن صبيح قال: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام في ليلة إذ طرق الباب طارق، فقال للجارية: انظري من هذا؟ فخرجت ثمّ دخلت، فقالت: هذا عمّك عبد الله بن عليّ، فقال: أدخليه، وقال لنا: ادخلوا البيت، فدخلنا بيتاً [آخر] فسمعنا منه حسّاً، ظننّا أنّ الداخل بعض نسائه، فلصق بعضنا ببعض.

فلمّا دخل أقبل على أبي عبد الله عليه السلام فلم يدع شيئاً من القبيح إلّا قاله في أبي عبد الله عليه السلام، ثمّ خرج وخرجنا، فأقبل يحدّثنا من الموضع الّذي قطع كلامه [عند دخول الرجل]، فقال بعضنا: لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننّا أنّ أحداً يستقبل به أحداً حتّى لقد همَّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به، فقال عليه السلام: [مه]، لاتدخلوا فيما بيننا.

فلمّا مضى من الليل [ما مضى] طرق الباب طارق، فقال للجارية: انظري من هذا؟ فخرجت ثمّ عادت فقالت: هذا عمّك عبد الله بن عليّ، قال لنا: عودوا إلى مواضعكم، ثمّ أذن له، فدخل بشهيق(٢) ونحيب(٣) وبكاء وهو يقول: يابن أخي اغفر لي غفر الله لك، اصفح عنّي صفح الله عنك.

فقال: غفر الله لك يا عمّ، ما الّذي أحوجك إلى هذا [يا عمّ]؟

قال: إنّي لمّا أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان غليظان فشدّا وثاقي، ثمّ قال أحدهما للآخر: انطلق به إلى النار، فانطلق بي، فمررت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(١) المناقب:٢٣٣/٤، الخرائج:٣٠٣/١ح٧مع اختلاف في الألفاظ، عنهما البحار:١٣٤/٤٧ح١٨٣.

(٢) الشهيق: الصوت الشديد.

(٣) النحيب: رفع الصوت بالبكاء.

٣٨٨

فقلت: يا رسول الله، [أما ترى ما يفعل بي، قال: أولست الّذي أسمعت إبني ما أسمعت؟ فقلت: يا رسول الله] لا أعود، فأمره فخلّى عنّي، وإنّي لأجد ألم الوثاق.

فقال أبوعبد الله عليه السلام: أوص، قال: بم أوصي؟ما لي مال، وإنّ لي عيالاً كثيراً وعليَّ دين.

فقال أبوعبد الله عليه السلام: دينك عليّ و عيالك إلى عيالي فأوصى، فما خرجنا من المدينة حتّى مات، وضمّ أبوعبد الله عليه السلام عياله إليه، وقضى دينه وزوّج ابنه ابنته.(١)

١٠٤٨/٣٠ - أمالي أبي عليّ بن الشيخ الطوسي قدس سره : المفيد، عن عليّ بن بلال عن عليّ بن سليمان، عن أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمّد السياري، عن محمّد البرقي، عن سعيد بن مسلم، عن داود بن كثير الرقّي، قال: كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال لي مبتدئاً من قبل نفسه:

يا داود، لقد عُرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس، ورأيت فيما عُرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان فسرّني ذلك، إنّي علمت [أنّ](٢) صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع أجله.

قال داود: وكان لي ابن عمّ معانداً ناصباً خبيثاً، بلغني عنه وعن عياله سوء حاله، فصككت له بنفقة قبل خروجي إلى مكّة، فلمّا صرت بالمدينة أخبرني أبوعبد الله عليه السلام بذلك.(٣)

١٠٤٩/٣١ - كنز الفوائد : محمّد بن العبّاس، عن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي بصير قال: قال لي أبوعبد الله عليه السلام:يا أبا محمّد، إنّ للّه ملائكة تسقط الذنوب عن ظهور(٤) شيعتنا كما تسقط الريح الورق من الشجر

____________________

(١) الخرائج: ٦١٩/٢ ح ١٩، عنه البحار: ٩٦/٤٧ ح١١٠.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) أمالي الطوسي: ٤١٣ ح ٧٧ المجلس الرابع عشر.

(٤) في المصدر: ظهر.

٣٨٩

أوان سقوطه.

وذلك قوله عزّوجلّ:( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (١) ، واستغفارهم و الله، لكم دون هذا الخلق. يا أبامحمّد، فهل سررتك؟ قال: فقلت:نعم.(٢)

وفي حديث آخر بالإسناد المذكور: وذلك قوله عزّوجلّ:( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا - إلى قوله عزّوجلّ -:عَذَابَ الْجَحِيمِ ) (٣) فـ«سبيل الله» عليّ عليه السلام، «والّذين آمنوا» أنتم ما أراد غيركم.(٤)

١٠٥٠/٣٢ - في بصائر الدرجات : محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا اُحدّث نفسي فرآني فقال: ما لك تحدّث نفسك؟ تشتهى أن ترى أباجعفر عليه السلام؟ قلت: نعم قال: قم فادخل البيت، فدخلت فإذاهو أبوجعفر عليه السلام.

وقال: أتى قوم من الشيعة الحسن بن عليّ عليهما السلام بعد قتل أميرالمؤمنين عليه السلام فسألوه، فقال:تعرفون أميرالمؤمنين عليه السلام إذا رأيتموه؟ قالوا:نعم، قال: فارفعوا الستر، فرفعوه فإذاهم بأميرالمؤمنين عليه السلام لاينكرونه.

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبقى من بقي منّا حجّة عليكم.(٥)

١٠٥١/٣٣ - من كتاب السيّد حسن بن كبش :بإسناده عن أبي بصير قال:

قال أبوعبد الله عليه السلام: يا أبا محمّد، إنّ عندنا سرّاً من سرّ الله، وعلماً من علم الله لايحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

____________________

(١، ٣) غافر: ٧.

(٢) تأويل الآيات: ٥٢٨/٢ ح٤، عنه البحار: ٢٠٩/٢٤ح٥، وأورد الكليني في الكافي: ٣٥ - ٣٣/٨ (نحوه) عنه البحار: ٤٩/٦٨ ضمن ح ٩٣.

(٤) تأويل الآيات: ٥٢٨/٢ ح٥، عنه البحار: ٢١٠/٢٤ح٦.

(٥) بصائر الدرجات: ٢٧٥ ح٤، عنه البحار: ٣٠٣/٢٧ح٤.

٣٩٠

و الله ما كلّف الله [به] أحداً ذلك الحمل غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا، وإنّ عندنا سرّاً من سرّ الله، وعلماً من علم الله، أمرنا الله بتبليغه فبلّغنا عن الله عزّوجلّ ما أمرنا بتبليغه ما نجد له موضعاً ولا أهلا ولا حمّالة يحملونه حتّى خلق الله لذلك أقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وذرّيّته، ومن نور خلق الله منه محمّداً وذرّيّته، وصنعهم بفضل صنع رحمته الّتي صنع منها محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم فبلّغناهم عن الله عزّوجلّ ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك عنّا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا، فلولا أنّهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ولا و الله ما احتملوا.

ثمّ قال: إنّ الله خلق قوماً لجهنّم والنار، فأمرنا أن نبلّغهم كما بلغناهم فاشمأزّوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردّوه علينا ولم يحتملوه وكذّبوا به وقالوا: ساحر كذّاب فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك، ثمّ أنطق الله لسانهم ببعض الحقّ فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة فيكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته، ولولا ذلك ما عبد الله في أرضه فأمرنا بالكفّ عنهم والكتمان منهم، فاكتموا ممّن أمر الله بالكفّ عنهم واستروا عمّن أمر الله بالستر والكتمان منهم.

قال: ثمّ رفع يده وبكى وقال: اللهمّ إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محياهم محيانا، ومماتهم مماتنا، ولاتسلّط عليهم أعداءك فتفجعنا بهم، فإنّك إن فجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك.(١)

١٠٥٢/٣٤ - في المناقب: بكير بن أعين قال: قبض أبوعبد الله عليه السلام على ذراع نفسه وقال: يا بكير، هذا و الله جلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه و الله عروق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا و الله عظمه، وهذا و الله لحمه، و الله إنّي لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرض، وأعلم ما في الدنيا، وأعلم ما في الآخرة.

____________________

(١) البحار:٢٠٩/٢ ح ١٠٥ (نحوه).

٣٩١

فرأى تغيّر جماعة، فقال: يا بكير، إنّي لأعلم ذلك من كتاب الله تعالى، إذ يقول:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (١) .(٢)

١٠٥٣/٣٥ - فيه: صفوان بن يحيى، عن بعض رجاله، عن الصادق عليه السلام قال: و الله لقد اُعطينا علم الأوّلين والآخرين، فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟

فقال له: ويحك إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم [ولتبصر أعينكم] ولتع قلوبكم، فنحن حجّة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلّا صدر كلّ مؤمن قوي قوّته كقوّة جبال تهامة إلّا بإذن الله.

و الله لو أردت أن أحصى لكم كلّ حصاه عليها لأخبرتكم، وما من يوم ولا ليلة إلّا والحصى يلد إيلاداً كما يلد هذا الخلق، و الله لتتباغون(٣) بعدي حتّى يأكل بعضكم بعضاً.(٤)

١٠٥٤/٣٦ - في تفسير فرات قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً عن فيضة(٥) بن يزيد الجعفي قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام وعنده البوس بن أبي الدرس(٦) وابن ظبيان والقاسم بن [عبدالرحمان] الصيرفي فسلّمت وجلست وقلت: يابن رسول الله، قد أتيتك مستفيداً. قال: سل وأوجز.

قلت: أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة وطوداً أو ظلمة ونوراً؟

قال: يا فيضة، لِم سألتنا عن هذا الحديث في مثل هذا الوقت؟ أما علمت أن حبّنا قد أكتتم، وبغضنا قد فشا، وأنّ لنا أعداء من الجنّ يخرجون حديثنا إلى

____________________

(١) النحل: ٨٩.

(٢) المناقب: ٢٥٠/٤، باختلاف يسير.

(٣) في المصدر: لتباغضون.

(٤) المناقب: ٢٥٠/٤.

(٥) في المصدر: قبيصة وكذا ما بعدها.

(٦) في بعض نسخ المصدر: أبي الدوس.

٣٩٢

أعدائنا من الإنس، وأنّ الحيطان لها آذان كآذان الناس؟!

قال: قلت: قد سُئلت عن ذلك.

قال: يا فيضة، كنّا أشباح نور حول العرش نسبّح الله قبل أن يخلق آدم بخمسة عشر ألف عام، فلمّا خلق الله آدم فرغنا في صلبه فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر حتّى بعث الله محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم.

فنحن عروة الله الوثقى، من استمسك بنا نجا، ومن تخلّف عنّا هوى، لاندخله في باب ردى [ضلالة] ولانخرجه من باب هدى، ونحن رعاة شمس الله(١) ، ونحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن القبّة الّتي طالت أطنابها واتّسع فناؤها، من ضوى إلينا نجا إلى الجنّة، ومن تخلّف عنّا هوى إلى النار.

قلت: لوجه ربّي الحمد أسألك عن قول الله:( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ) (٢) .

قال: فينا التنزيل، قلت: وإنّما أسألك عن التفسير.

قال: نعم يا فيضة، إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا علينا، فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من الله، وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أدّاه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم حتّى يدخلون الجنّة بغير حساب.(٣)

أقول : قد سبق البيان منّا في الحديث الواحد والعشرين من هذا الباب فليراجع إليه.(٤)

____________________

(١) في بعض نسخ المصدر: دين الله.

(٢) الغاشية: ٢٦ و ٢٥.

(٣) تفسير فرات: ٥٥٢ ح ٧٠٧.

(٤) راجع الصفحة ٢٥٤ من هذا الكتاب.

٣٩٣

خاتمة الباب

نذكر فيها فوائد:

الاُولى: في مقتضب الأثر : قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد قال: حدّثنا أبو محمّد الحسن بن محمّد الوهبي قال: حدّثني ابن قادم، عن عيسى بن داب قال: لمّا حمل أبوعبد الله عليهما السلام على سريره واُخرج إلى البقيع ليدفن، قال أبوهريرة(١) :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون من ذا تحملون إلى الثرى؟

ثبيراً(٢) ثوى(٣) من رأس علياء شاهق

غداة حثّى(٤) الحاثّون فوق ضريحه

تراباً وأولى كان فوق المفارق

أيا صادق ابن الصادقين أليّة(٥)

بآبائك الأطهار حلفة صادق

لحقّاً بكم ذوالعرش اُقسم في الورى

فقال: تعالى الله ربّ المشارق

نجوم هي إثنا عشرة كنّ سُبّقاً

إلى الله في علم من الله سابق(٦)

الثانية : يروى للصادق عليه السلام هذه الأبيات في الأصل:

كنّا نجوماً يستضاء بنا

وللبريّة نحن اليوم برهان

نحن البحور الّتي فيها لغائصكم

درّ ثمين وياقوت ومرجان

مساكن القدس والفردوس نملكها

ونحن للقدس والفردوس خزّان

من شذّ عنّا(٧) فبرهوت ساكنه

ومن أتاني فجنّات وولدان(٨)

____________________

(١) هو أبوهريرة العجلي الّذي عدّة ابن شهراشوب في المعالم من شعراء أهل البيت عليهم السلام.

(٢) ثبير - كأمير -: جبل بمكّة.

(٣) ثوى بالمكان: أقام واستقرّ.

(٤) حثّه، حثّاً: أعجله إعجالاً متّصلاً.

(٥) الأليّة: اليمين.

(٦) مقتضب الأثر: ٥٢، عنه البحار: ٣٣٢/٤٧ ح ٢٤.

(٧) شذّ عنه: انفرد عنه.

(٨) المناقب: ٢٧٧ - ٢٧٦/٤.

٣٩٤

الثالثة: في الرجال الكبير : هشام بن محمّد بن السائب أبوالمنذر الناسب العالم المشهور بالفضل والعلم العارف بالأيّام كان مختصّاً بمذهبنا قال:

اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي، فجئت إلى جعفر بن محمّد عليهما السلام فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبدالله عليه السلام يقرّبه ويدنيه وينشطه.(١)

وقال السمعاني وغيره عن قوّة حفظه: إنّه حفظ القرآن في ثلاثة أيّام.

أقول : لا بدع في ذلك فإنّ من سقاه الصادق عليه السلام العلم في كأس يحفظ القرآن بأقلّ من ثلاثة أيّام، فخلف رحمه الله نحو مائة كتاب وكان نسّابة ومن أعلم الناس به صلّى الله عليه وآله.

الرابعة : موعظة بليغة للإمام الصادق عليه السلام في تحصيل طريق العبوديّة

قال العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار : وجدت بخطّ شيخنا البهائي قدس سره ما هذا لفظه: قال الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّي: نقلت من خطّ الشيخ أحمد الفراهاني رحمه الله، عن عنوان البصري - وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة - قال:

كنت اختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلمّا قدم جعفر الصادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك.

فقال لي يوماً: إنّي رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كلّ ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه.

فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لو تفرّس فيّ خيراً لما زجرني عن الإختلاف إليه والأخذ عنه، فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلّمت عليه، ثمّ رجعت من الغد إلى الروضة وصلّيت فيها ركعتين وقلت:أسألك يا الله يا الله أن تعطف عليّ قلب جعفر عليه السلام وترزقني من علمه ما أهتدي به

____________________

(١) تعليقات على منهج المقال: ٣٦٧.

٣٩٥

إلى صراطك المستقيم.

ورجعت إلى داري مغتمّاً ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما اُشرب قلبي من حبّ جعفر عليه السلام، فما خرجت من داري إلّا إلى الصلاة المكتوبة حتّى عيل صبري(١) ، فلمّا ضاق صدري تنعّلت وتردّيت وقصدت جعفراً عليه السلام وكان بعد ما صلّيت العصر.

فلمّا حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: [ما] حاجتك؟

فقلت: السلام على الشريف.

فقال: هو قائم في مصلّاه.

فجلست بحذاء بابه(٢) فما لبثت إلّا يسيراً إذ خرج خادم فقال: ادخل على بركة الله، فدخلت وسلّمت عليه فردّ السلام، وقال: اجلس غفر الله لك.

فجلست فأطرق مليّاً، ثمّ رفع رأسه وقال: أبومن؟ قلت: أبوعبد الله. قال: ثبّت الله كنيتك ووفّقك، يا أباعبد الله ما مسألتك؟ فقلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته و التسليم غيرهذا الدعاء لكان كثيراً.

ثمّ رفع رأسه ثمّ قال: ما مسألتك؟ فقلت:سألت الله أن يعطف قلبك عليَّ ويرزقني من علمك، وأرجو أنّ الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته.

فقال: يا أباعبد الله، ليس العلم بالتعلّم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أوّلاً في نفسك حقيقة العبوديّة واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك.

قلت: يا شريف، فقال: قل: يا أباعبد الله، قلت:يا أباعبد الله ما حقيقة العبوديّة؟

قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله(٣) الله ملكاً، لأنّ العبيد لايكون لهم ملك يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبّر العبد

____________________

(١) عيل صبري: رفع.

(٢) حذاء الشيء: ما يحاذيه.

(٣) خوّله الشيء: أعطاه إيّاه متفضّلاً.

٣٩٦

لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه.

فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله تعالى ملكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره، هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه، لايتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس.

فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا، وإبليس، والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولايطلب ما عند الناس عزّاً وعلوّاً، ولايدع أيّامه باطلاً، فهذا أوّل درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى:( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

قلت: يا أباعبد الله، أوصني. قال: اُوصيك بتسعة أشياء فإنّها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، و الله أسأل أن يوفّقك لاستعماله، ثلاثة منها في رياضة(٢) النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإيّاك والتهاون بها.

قال عنوان: ففرّغت قلبي له.

فقال: أمّا اللواتي في الرياضة: فإيّاك أن تأكل ما لاتشتهيه، فإنّه يورث الحماقة والبله، ولاتأكل إلّا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً وسمّ الله، واذكر حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ما ملأ آدمي وعاءاً شرّاً من بطنه، فإن كان ولابدّ فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه.

وأمّا اللواتي في الحلم: فمن قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشراً فقل: إن قلت عشراً لم تسمع واحدة، ومن شتمك فقل له: إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذباً فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك، ومن وعدك بالخناء(٣) فعده بالنصيحة والرعاء.

____________________

(١) القصص: ٨٣.

(٢) الرياضة: تهذيب الأخلاق النفسيّة.

(٣) الخناء: الفحش في الكلام.

٣٩٧

وأمّا اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ماجهلت، وإيّاك أن تسألهم تعنّتاً(١) وتجربة، وإيّاك أن تعمل برأيك شيئاً، وخذ بالإحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً واهرب من الفتيا(٢) هربك من الأسد، ولاتجعل رقبتك للناس جسراً.

قم عنّي يا أباعبد الله، فقد نصحت لك ولاتفسد عليّ وردي، فإنّي إمرءٌ ضنين(٣) بنفسي، والسلام [على من اتّبع الهدى].(٤)

الخامسة: ومن مواعظه عليه السلام في أمالي الصدوق قدس سره: روي أنّه جاء إلى الصادق عليه السلام رجل فقال له: بأبي أنت واُمّي يابن رسول الله، علّمني موعظة.

فقال عليه السلام: إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفّل بالرزق، فاهتمامك لماذا؟ وإن كان الرزق مقسوماً، فالحرص لماذا؟ وإن كان الحساب حقّاً، فالجمع لماذا؟ [وإن كان الثواب عن الله(٥) حقّاً، فالكسل لماذا؟](٦) وإن كان الخلف من الله عزّوجلّ حقّاً، فالبخل لماذا؟ وإن كانت العقوبة من الله عزّوجلّ النار(٧) ، فالمعصية لماذا؟ وإن كان الموت حقّاً، فالفرح لماذا؟ وإن كان العَرْض على الله حقّاً، فالمكر لماذا؟ [وإن كان الشيطان عدوّاً، فالغفلة لماذا؟](٨) وإن كان المَمرّ على الصراط حقّاً، فالعُجب لماذا؟ وإن كان كلّ شيء بقضاء وقدَر، فالحزن لماذا؟ وإن كانت الدنيا فانية، فالطمأنينة إليها لماذا؟(٩)

____________________

(١) لاتسأل تعنّتاً: لاتسأل لغير الوجه الّذي ينبغي طلب العلم له كالمغالبة والمجادلة.

(٢) الفتيا - بالياء وضمّ الفاء - والفتوى: ما أفتى به الفقيه.

(٣) الضنين: البخيل الشحيح، الشديد البخل.

(٤) البحار: ٢٢٤/١ ح ١٧.

(٥) في الأمالي: من الله.

(٦) ليس في التوحيد والخصال.

(٧) في الخصال: وإن كانت العقوبة من النار.

(٨) ليس في الخصال.

(٩) أمالي الصدوق: ٥٦ ح٥ المجلس الثاني، التوحيد:٣٧٦ ح ٢١، الخصال: ٤٥٠ ح ٥٥، البحار: ١٥٧/٧٣ح ١ (قطعة منه) و ١٦٠ ح ١ (قطعة منه) و ٣٠٠ ح ١ (قطعة منه) و ٢٨٤/٧٥ ح ١ (قطعة منه) و ١٩٠/٧٨ ح١.

٣٩٨

الباب التاسع

في ذكر قطرة

من بحر مناقب العالم أبي إبراهيم

موسى بن جعفر الكاظم الحليم صلوات الله عليه

١٠٥٥/١ - في قرب الإسناد : محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى شلقان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا اُريدأن أسأله عن أبي الخطّاب فقال لي مبتدئاً قبل أن أجلس: يا عيسى، ما منعك أن تلقى ابني فتسأله عن جميع ما تريد؟

قال عيسى: فذهبت إلى العبد الصالح عليه السلام وهو قاعد في الكُتّاب(١) وعلى شفتيه أثر المداد فقال لي مبتدئاً: يا عيسى، إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيّين على النبوّة فلم يتحوّلوا عنها أبداً، وأخذ ميثاق الوصيّين على الوصيّة فلم يتحوّلوا عنها أبداً، وأعار قوماً الإيمان زماناً ثمّ يسلبهم إيّاه، وأنّ أبا الخطّاب ممّن اُعير

____________________

(١) الكتّاب: موضع التعليم.

٣٩٩

الإيمان و(١) سلبه الله.

فضممته إليَّ وقبّلت بين عينيه، ثمّ قلت: بأبي أنت و اُمّي،( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

ثمّ رجعت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: ما صنعت يا عيسى؟

قلت له: بأبي أنت واُمّي، أتيته فأخبرني مبتدئاً من غير أن أسأله عن جميع ما أردت أن أسأله عنه فعلمت و الله، عند ذلك أنّه صاحب هذا الأمر.

فقال: يا عيسى، إنّ ابني هذا الّذي رأيت لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم.

ثمّ أخرجه ذلك اليوم من الكتّاب، فعلمت ذلك اليوم أنّه صاحب هذا الأمر.(٣)

١٠٥٦/٢ - في الثاقب في المناقب وفي الصراط المستقيم أيضاً: روى المفضّل قال: لمّا توفّي جعفر الصادق عليه السلام إدّعى الإمامة عبد الله [بن جعفر] ولده، فأمر موسى عليه السلام فجمع حطباً كثيراً(٤) في وسط داره، وأرسل إلى عبد الله يسأله المصير إليه، فلمّا صار إليه ومع موسى عليه السلام جماعة من وجوه الإماميّة، أمر موسى عليه السلام أن يجعل النار في الحطب حتّى صار كلّه جمراً.

ثمّ قام موسى عليه السلام وجلس بثيابه في وسط النار، وأقبل نحو القوم(٥) ساعة، ثمّ قام و نفض ثوبه ورجع إلى المجلس، وقال لأخيه عبد الله: إن أنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس، فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه، فقام يجرّ

____________________

(١) في قرب الإسناد والبحار: ثمّ.

(٢) آل عمران: ٣٤.

(٣) قرب الإسناد: ٣٣٤ ح ١٢٣٧، عنه البحار: ٢٤/٤٨ح ٤٠، وأورد ابن شهراشوب في المناقب: ٢٩٣/٤ (قطعه منه)، عنه البحار: ٥٨/٤٨ ح ٦٨ مع اختلاف يسير في الألفاظ، وأورده في الخرائج: ٦٥٣/٢ ح٥ باختلاف.

(٤) في الثاقب: بجمع حطب كثير.

(٥) في الخرائج: يحدّث القوم.

٤٠٠