مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)15%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76532 / تحميل: 9912
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الحديث الرابع والعشرون:

القائم هو الخامس من ولد الكاظم (عليه السلام)

قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر بن الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمان، قال: دخلتُ على موسى بن جعفر (عليهم السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق؟

فقال: (أنا القائم بالحق، لكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله (عزّ وجلّ) ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وهو الخامس من ولدي؛ له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها قوم، ويثبت فيها آخرون) .

ثمّ قال (عليه السلام): (طوبى لشيعتنا، المتمسِّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا؛ أولئك منّا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، والله إنّهم معنا في درجتنا يوم القيامة) (١) .

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٣٦١ / باب ٣٤ / ح٥.

١٠١

الحديث الخامس والعشرون:

القائم هو الرابع من ولد الرضا (عليه السلام)

قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رحمه الله)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قال عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام): (لا دين لمَن لا ورع له، ولا إيمان لمَن لا تقية له؛ وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية) .

فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟

قال: (إلى يوم الوقت المعلوم. وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمَن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا) .

فقيل له: يا ابن رسول الله، ومَن القائم منكم أهل البيت؟

قال: (الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله (عزّ وجلّ) به الأرض من كل جور، ويقدّسها من كلّ ظلم. وهو الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه. فإذا خرج، أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحدٌ أحداً. وهو الّذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل. وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدّعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنّ الحقّ معه وفيه، وهو قول الله (عزّ وجلّ): ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) (١) ) (٢) .

اللَّهُم أرزقنا لقاء حجّتك خاتم الأوصياء.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) الشعراء: ٤.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٣٧١ / باب ٣٥ / ح٥.

١٠٢

الحديث السادس والعشرون:

الإمام الجواد يحدِّث عبد العظيم الحسني عن القائم (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه): حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهيل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى (عليه السلام): إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال (عليه السلام): (يا أبا القاسم، ما منّا إلاَّ وهو قائم بأمر الله (عزّ وجلّ) وهادٍ إلى دين الله تعالى، ولكنّ القائم بأمر الله الذي يطهّر الله تبارك وتعالى به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته. وهو سمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه. وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب. يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزّ وجلّ): ( أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره. فإذا

____________________

(١) البقرة: ١٤٨.

١٠٣

كمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله (عزّ وجلّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزّ وجلّ)) .

قال عبد العظيم: فقلت: يا سيدي، وكيف يَعلم أنَّ الله (عزّ وجل) قد رضي؟

قال: (يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت والعزّى فأحرقهما) (١) .

والمقصود من اللاّت والعزّى: أبا بكر وعمر عليهما...

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٣٧٧ و٣٧٨ / باب ٣٦ / ح٢.

١٠٤

الحديث السابع والعشرون:

عبد العظيم الحسني يعرض دينه على الإمام الهادي (عليه السلام)

ما رواه أيضاً أبو محمّد بن شاذان، عن سهل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم المشار إليه (سلام الله عليه)، قال: دخلت على سيدي عليّ بن محمّد (عليه السلام). فلمّا بصرني، قال لي: (مرحباً بك - يا أبا القاسم - أنت وليّنا حقاً) .

فقلت له: يا ابن رسول الله، إنِّي أُريد أن أعرض عليك ديني؛ فإن كان مرضياً، ثبتّ عليه حتى ألقى الله (عزّ وجلّ).

فقال: (هات يا أبا القاسم!) .

فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه. وإنّه ليس بجسم، ولا صورة، ولا عرض، ولا جوهر؛ بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء، ومالكه، وجاعله، ومحْدِثه.

وأنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين. فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، [وأنَّ شريعته خاتمة الشرائع، فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة].

وأقول: إنَّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ بعده ولداه الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ أنت يا مولاي.

فقال (عليه السلام): (ومِن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟)

١٠٥

قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟

قال: (لأنّه لا يُرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

قال: فقلت: أقررت أنّ وليّهم وليّ الله، وعدوّهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.

وأقول: إنّ المعراج حق، والمساءلة في القبر حق، وإنّ الجنّة حقّ، وإنّ النار حقّ، والصراط حقّ، وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وإنّ الله يبعث مَن في القبور.

وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال عليّ بن محمّد (عليهما السلام): (يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) (١) .

لهذا الحديث شرح مفصَّل، إذا أُخِّر بالأجل وأعانني الله تعالى، فسوف أكتب كتاباً مفصَّلاً في شرح هذا الحديث إنْ شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) أقول: ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين: ٣٧٩ و٣٨٠ / باب ٣٧ / ح١، بالإسناد التالي: حدّثنا عليّ بن محمّد بن موسى الدقاق وعليّ بن عبد الله الورّاق (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني... الحديث.

١٠٦

الحديث الثامن والعشرون:

المهدي (عليه السلام) ولد ابنة قيصر ملك الروم

قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا محمّد بن زيد الجبار (رضي الله عنه)، قال: قلت لسيدي الحسن بن عليّ (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، جعلني الله فداك، أحب أن أعلم مَن الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟

قال (عليه السلام): (إنّ الإمام والحجّة بعدي ابني سميّ رسول الله وكنيّه (صلّى الله عليه وآله)، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه) .

فقلت: ممّن [يتولد] هو يا ابن رسول الله؟

قال: (من ابنة ابن قيصر ملك الروم. ألا إنَّه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فلا يحل لأحد أن يسمّيه أو يكنيّه باسمه وكنيته قبل خروجه (صلوات الله عليه)).

يقول المترجم: (١) إنّي أتعجَّب من كلام صاحب كتاب (كشف الغمة) للشيخ الفاضل العادل عليّ بن عيسى الإربلي (عليه الرحمة)، حيث يقول: من العجيب أنّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد (رحمهما الله)، قالا: أنّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبي، وكنيته كنيته (عليهما الصلاة والسلام)، وهما يظنَّان أنهما لم يذكرا اسمه، ولا كنيته، وهذا عجيب، انتهى (٢) .

____________________

(١) هذا الكلام لمؤلف أصل الكتاب (رحمه الله) وليس لي أنا الأحقر مترجم هذا الكتاب ومختصره.

(٢) كشف الغمة / الشيخ الإربلي: ٢ / ٥١٩ و٥٢٠.

١٠٧

ومن العجيب جداً أنَّ هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته، فإنَّه قد غفل أنّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفُّظ والكنية شيء آخر.

والحال أنَّ عدّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة على النهي عن التسمية والتكنية، مثل الحديث السادس والعشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذُكر فيها أن خاتم الأوصياء يشترك مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالاسم والكنية مثل الحديث المذكور.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

وليعلم أنّه وبسبب طولانية حديث والدة صاحب الأمر (عليه السلام) الماجدة؛ فإنَّنا نقتصر في هذا المقام على ترجمته رعايةً للاختصار (١) :

روى الفضل بن شاذان (٢) وابن بابويه (٣) والشيخ الطوسي (٤) والشيخ الطبرسي (٥) والشيخ الطرابلسي (٦) ، وغيرهم كثيراً جداً من علماء الإمامية (رضي الله عنهم جميعاً) في كتبهم بعباراتٍ مختلفة ومعاني متّفقة.

أمَّا الشيخ الطوسي (عليه الرحمة)، فقد نقل على النحو التالي بسنده عن

____________________

(١) ونحن ننقل الرواية عن أصلها العربي.

(٢) من الأسف الشديد أنَّنا فقدنا كتاب الشيخ الفضل بن شاذان، ولعلّه موجود في زوايا الإهمال من المكتبات الخاصّة، أو أنه موجود في المكتبات الأوروبية التي سرقت كتبنا ولم تسمح للناس بالتعرف عليها، وعلى يقين أنَّه سوف يأتي الزمان الذي تنكشف به تلك الموانع والحجب عن تلكم الأسفار النفسية.

ومن المهم أنَّ السيد المير لوحي ينقل قصة السيدة نرجس (عليها السلام) مباشرة عن كتاب الفضل، وربَّما لو حصلنا على هذا الكتاب لانحل به لغز الإشكال الذي يقول به البعض في سنده.

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤١٧ - ٤٢٣ / الباب ٤١ / ح١.

(٤) الغيبة / الطوسي: ٢٠٨ - ٢١٤ / تحت الفقرة ١٧٨.

(٥) دلائل الإمامة / الطبرسي: ٢٦٢ / الطبعة الأولى / النجف.

(٦) نأسف شديداً فهو كان موجوداً عند المؤلِّف، ولكنّه اليوم يعدّ من الكتب المفقودة.

١٠٨

بشر بن سليمان النخاس، وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن، وأبي محمّد (عليهما السلام) وجارهما بسرّ من رأى:

أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) يدعوك إليه؛ فأتيته. فلمّا جلست بين يديه، قال لي:

(يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أُطلِعُك عليه، وأُنْفذك في ابتياع أمة) .

فكتب كتاباً لطيفاً بخطٍّ روميّ، ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتين وعشرون ديناراً، فقال: خذها، وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوَّاد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب. فإذا رأيت ذلك، فاشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض، ولمس المعترض، والانقياد لمَن يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنَّها تقول: واهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمئة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشق على مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه، وأمانته.

فعند ذلك قُم إلى عمر بن يزيد النخّاس، وقل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية، وخط رومي ووصف فيه كرمه، ووفاءه،

١٠٩

ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه. فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية. فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرّجة والمغلّظة إنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه في ثمنها حتىّ استقّر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير، فاستوفاه (منّي)، وتسلَّمت الجارية ضاحكةً مستبشرة، وانصرفت إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه.

فقالت: أيُّها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب:

إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاثة عشرة سنّة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمئة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقواد العسكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر (إلى صحن القصر)، ورفعه فوق أربعين مرقاة.

فلمّا صعد ابن أخيه، وأحدَقَتْ الصلب، وقامت الأساقفة عكّفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخّر الصاعد من العرش مغشياً عليه.

١١٠

فتغيرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدّي):

أيُّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدّالة على زوال دولة هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة:

أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر، المنكوس جدّه؛ لأزوّجه هذه الصبية، فيدفع عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني (مثل) ما حدث على الأوّل، وتفرَّق الناس.

وقام جدّي قيصر مغتماً فدخل منزل النساء، وأُرخيت الستور، وأُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً وارتفاعاً، في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله) وختنه ووصيه (عليه السلام) وعدة من أبنائه (عليهم السلام).

فتقدَّم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد (صلّى الله عليه وآله): يا روح الله، إنِّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون وقال (له): قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل محمّد (عليهم السلام).

قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وزوّجني من ابنه، وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد أبناء محمّد (عليهم السلام)، والحواريوّن.

فلمَّا استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها ولا أبديها لهم، وضرب صدري أبي محمّد (عليه السلام) حتّى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي، ودق شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاَّ أحضره جدّي، وسأله عن دوائي.

١١١

فلمَّا برح به اليأس، قال:

يا قرة عيني، وهل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدي، أرى أبواباً عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومنَّيتهم الخلاص، رجوت أن يهب (لي) المسيح وأمّه عافية.

فلمَّا فعل ذلك، تجلدت في إظهار الصّحة من بدني قليلاً، وتناولت يسيراً من الطعام، فسّر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فأريت (أيضاً)، بعد أربع عشرة ليلة، كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:

هذه سيدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمّد (عليه السلام)، فأتعلق بها، وأبكي، وأشكوا إليها امتناع أبي محمّد (عليه السلام) من زيارتي.

فقالت سيّدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمّد لا يزورك، وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضى الله ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) وزيارة أبي محمّد إياك، فقولي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّ أبي محمّداً رسول الله.

فلمَّا تكلمت بهذه الكلمة، ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وطيبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد، فإنِّي منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أنول (١) ، أتوقع لقاء أبي محمّد (عليه السلام).

فلمَّا كان في الليلة القابلة، رأيت أبا محمّد (عليه السلام) وكأنِّي أقول له:

جفوتني - يا حبيبي - بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.

____________________

(١) أنول: يعني أهم. فنالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً؛ بمعنى: سمحت أو همّت. كما في لسان العرب لابن منظور.

وتحتمل العبارة (أقول) كما هو ثبت في نسخ بدل أيضاً.

١١٢

فقال: ما كان تأخري عنك إلاَّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان.

فما قطع عنيّ زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد (عليه السلام) ليلة من الليالي أن جدّك سيّسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرةً في زيّ الخدم مع عدد من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتى كان من أمري ما رأيت، وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي عليه. ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

قلت: العجب أنّك رومية، ولسانك عربي؟

قال: نعم، من ولوع جدّي، وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام.

قال بشر: فلمَّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى، دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: (كيف أراك الله عزّ الإسلام، وذلّ النصرانية، وشرف محمّد وأهل بيته (عليهم السلام)؟)

قالت: كيف أصف لك - يا ابن رسول الله - ما أنت أعلم به منّي؟!

قال: (فإنّي أحببتُ أن أكرمك؛ فما أحبّ إليك، عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟)

قالت: بشرى بولد لي.

١١٣

قال لها: (أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) .

قلت: ممّن؟

قال: (ممّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له ليلة كذا، في شهر كذا، من سنة كذا بالرومية) .

قالت: من المسيح ووصيّه؟

قال لها: (ممّن زوجك المسيح (عليه السلام) ووصيه؟)

قالتك: من ابنك أبي محمّد (عليه السلام).

فقال: (هل تعرفينه؟)

قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء (صلوات الله عليها).

قال: فقال مولانا: (يا كافور، ادع أختي حكيمة) .

  فلمّا دخلت قال لها: (ها هيه). فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً.

فقال لها أبو الحسن (عليه السلام): (يا بنت رسول الله، خذيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن؛ فإنَّها زوجة أبي محمّد، وأمّ القائم (عليه السلام)) (١) .

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٠٨ - ٢١٤ / الفقرة رقم ١٧٨. ونقلها ابن شهر آشوب المازندراني في (مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)): ٤/٤٤٠ باختصار؛ ونقلها: الفتال النيشابوري في (روضة الواعظين): ٢٥٢؛ ونقلها: السيد النيلي في (منتخب الأنوار المضيئة): ٥١ - ٦٠ / الطبعة الأولى، مطبعة الخيام / قم؛ ونقلها: السيد هاشم البحراني في (حلية الأبرار): ٢ / ٥١٥؛ ونقلها: الحر العاملي في (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات): ٣ / ٣٦٣ / ح١٧؛ ونقلها: المجلسي في (البحار): ٥١ / ٦ / ح١٢؛ وغيرهم كثير.

١١٤

الحديث التاسع والعشرون:

ولادة المهدي (عليه السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله الملك المنّان): حدّثنا أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) يقول: (الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف بعدي، أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثمّ يظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) (١) .

وبما أنَّ حديث ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) طويل أيضاً، فسوف نقتصر على ذكر الترجمة إن شاء الله تعالى (٢) .

روى كثير من محدّثينا، ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه)، بسنده عن موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:

حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت:

بعثّ إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: (يا عمّة، اجعلي إفطارك

____________________

(١) أقول: ورواه الشيخ الصدوق أيضاً في كمال الدين: ٤٠٨ و٤٠٩، بإسناده التالي: حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه) قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن السعود العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليّ بن كلثوم، عن عليّ بن أحمد الرازي، عن أحمد بن إسحاق... الحديث.

(٢) ونحن ننقل أصل هذه الرواية العربي إن شاء الله تعالى.

١١٥

[هذه] الليلة عندنا، فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه) .

قالت: فقلت له: ومن أُمّه؟

قال لي: (نرجس) .

قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر!!

فقال: (هو ما أقول لك) (١) .

ونقل ابن شاذان (عليه الرحمة) في هذا المقام، عن لسان السيدة حكيمة، هذه العبارات: (فجئت إليها)، يعني جئت إلى نرجس، وقد رأيت كلمة (إليها) في بعض نسخ كمال الدين، ولكنِّي لم أرها في أكثر نسخ هذا الكتاب.

وعلى الإجمال: تقول السيدة حكيمة:

فلما سلّمت وجلست جاءت تنزع خفيّ، وقالت لي: يا سيدتي [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟

قالت: فقلت: يا بنّية! إنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت.

فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقبّة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعةً، وهي راقدة؛ ثمّ قامت فصلّت ونامت.

____________________

(١) كمال الدين / الشيخ الصدوق: ٤٢٤.

١١٦

قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان، وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس، فقال: (لا تعجلي يا عمّة، فهاك الأمر قد قرب) .

قالت: فجلست وقرأت (آلم) السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهتْ فزعةً، فوثبتُ إليها، فقلت: اسم الله عليك؛ ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟

قالت: نعم يا عمّة.

فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

قالت [حكيمة]: (١) فأخذتني فترة، وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظف (٢) .

ويفهم من بعض الأحاديث أنَّه كلَّما كانت تقرأ السيدة حكيمة من القرآن حين الولادة، فكان (عليه السلام) يقرأ مثلها وهو في بطن أمه (٣) .

____________________

(١) هذه الزيادة وردت في بعض النسخ، ونقلها السيد هاشم البحراني في كتابه: (تبصرة الولي في مَن رأى القائم المهدي (عليه السلام))، النسخة المخطوطة في مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي في قم.

(٢) في النسخة المذكورة في الهامش السابق. بدل (متنظف) (منظف).

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٨ / الباب ٤٢ / ح٢، عن السيدة حكيمة (عليها السلام) أنَّها قالت: فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) وقال: (اقرئي عليها: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ) .

فأقبلت أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالك؟

قالت: ظهر بي الأمر الّذي أخبرك به مولاي.

فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلّم عليّ.

قالت حكيمة: ففزعت لمَّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ) إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجّةً في أرضه كباراً) .

فلم يستتمّ الكلام حتّى غُيّبت نرجس، فلم أرها، كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب... الحديث.

١١٧

ويعلم من حديث آخر أنَّه (عليه السلام) قد ولد مختوناً (١) .

ويستفاد من هذا الحديث، ومن حديث آخر أنَّ الملائكة قد غسَّلته بماء الكوثر والسلسبيل ليكون طاهراً مطهراً (٢) .

تقول السيدة حكيمة (عليها السلام): فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (هلمّي إليّ ابني يا عمّة) ، فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانه في فيه، وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلم يا بني!)

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم.

ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): (يا عمّة، اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها، وائتني به) .

فذهبت به، فسلّم عليها، ورددته، فوضعته في المجلس ثمّ قال: (يا عمّة، إذا كان يوم السابع فأتينا).

قالت حكيمة:

فلمّا أصبحت، جئت لأسلِّم على أبي محمّد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقّد سيدي (عليه السلام)، فلم أره؛ فقلت: جعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعته أمّ موسى (عليه السلام)) .

____________________

(١) راجع: كمال الدين / الصدوق: ٤٣٣ / الباب ٤٢ / ح ١٤، بإسناده عن محمّد بن عثمان العمريّ (قدّس الله روحه) أنَّه قال: ولد السّيد (عليه السلام) مختوناً. وسمعت حكيمة تقول: لم يُر بأُمه دمٌ في نفاسها، وهكذا سبيل اُمّهات الأئمّة (عليهم السلام).

(٢) كما سوف يرويه المؤلف عن كتاب الشيخ الفضل بن شاذان في الحديث الثلاثين عن الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: (وكان أوّل مَن غسّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرّبين بماء الكوثر، والسلسبيل...)

١١٨

قالت حكيمة:

فلمَّا كان في اليوم السابع، جئت فسلّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليّ ابني) .

فجئت بسيدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأُولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بنيّ) .

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله) ، وثنّى بالصلاة على محمّد، وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) حتى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: ( وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١) (٢) .

ونقل القطب الراوندي (رحمه الله) مسنداً، كما هو موجود أيضاً في الكتب المعتبرة، أنَّه (عليه السلام) قال بعد أن قرأ الآية: (وصلّى الله على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ أبي) (٣) .

وموسى بن محمّد بن القائم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) هو من مشاهير أولاد الحمزة بن الإمام موسى (عليه السلام).

وقال راوي هذا الخبر المعتبر: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت: صدقت حكيمة (٤) .

رحمة الله عليها، ورحمة الله عليهما.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) القصص: ٥.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٤ - ٤٢٦ / باب ٤٢ / ح١.

(٣) الخرائج والجرائج / الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ١ / ٤٥٦ / باب ١٢ / ح١.

(٤) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٤ - ٤٢٦ / باب ٤٢ / ح١.

١١٩

الحديث الثلاثون:

رضوان خازن الجنان يغس ّل المهدي (عليه السلام) حين ولادته

قال أبو محمّد بن شاذان (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسين بن عبيد الله بن عباس بن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: (قد ولد وليّ الله وحجته على عباده وخليفتي من بعدي مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين عند طلوع الفجر. وكان أوّل مَن غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين، بماء الكوثر والسلسبيل؛ ثمّ غسلتّه عمتي حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)) .

فسئل محمّد بن عليّ بن حمزة (رضي الله عنه) عن أُمه (عليها السلام).

قال: أُمه مليكة التي يقال لها في بعض الأيام (سوسن)، وفي بعضها (ريحانة)، وكان (صقيل) و(نرجس) أيضاً من أسمائها (سلام الله عليها).

والسلام على مَن اتبع الهدى.

وقال ابن بابويه رحمة الله عليه: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقان [(رضي الله عنه)] (١) ، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن جليلان (٢) ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن غياث بن أسيد، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) يقول:

لمَّا ولد الخلف المهديّ (صلوات الله عليه)، سطع نورٌ من فوق رأسه إلى عنان

____________________

(١) سقطت من النسخة.

(٢) في المصدر المطبوع: (خليلان) بدل (جليلان).

١٢٠

السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه (عزّ وجلّ)، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (1) .

قال: وكان مولده يوم الجمعة (2) .

وقال ابن بابويه (رحمه الله) أيضاً: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان عن محمّد بن الحسين بن زيد، عن أبي أحمد [محمّد] بن زياد الأزديّ، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول لمَّا ولد الرضا (عليه السلام):

(إن ابني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً، وليس من الأئمّة أحد إلاَّ ويولد مختوناً طاهراً مطهّراً، ولكنّا سنمرّ المُوسَى عليه لإصابة السّنة واتباع الحنيفية) (3) .

* * *

____________________

(1) آل عمران: 18.

(2) كمال الدين / الصدوق: 433 / باب 42 / ح13.

(3) كمال الدين / الصدوق: 433 / باب 42 / ح15.

١٢١

الحديث الحادي والثلاثون:

أُمّ المهدي (عليه السلام) تخبر عمّا حدث حين ولادته (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه وعلى أبويه): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبو عليّ الخيزرانيّ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عليه السلام)، فلمَّا أغار جعفر الكذّاب على الدار، جاءته فارّة من جعفر، فتزوَّج بها.

قال أبو عليّ: حدّثني أنّها حضرت ولادة السيّد (عليه السلام)، وأنّ اسم أمّ السيّد (عليه السلام) صقيل، وأنّ أبا محمّد (عليه السلام) حدّثها بما يجري على عياله، فسألته أن يسأل (1) الله (عزّ وجل) أن يجعل ميتتها (2) قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عليه السلام)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: (هذا قبر أمّ محمّد).

قال أبو عليّ: وسمعت هذه الجارية تقول: (3) إنّه لمّا ولد السيّد (عليه السلام)، رأت له (4) نوراً ساطعاً قد ظهر منه، وبلغ أفق السماء، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه، ووجهه وسائر جسده، ثم تطير.

____________________

(1) في المصدر المطبوع: (يدعو) بدل (يسأل).

(2) في المصدر المطبوع: (منيتها) بدل (متتها).

(3) في المصدر المطبوع: (تذكر) بدل (تقول).

(4) في المصدر المطبوع: (لها) بدل (له).

١٢٢

فأخبرنا أبا محمّد (عليه السلام) بذلك، فضحك، فقال: (تلك الملائكة نزلت [ من السماء ] (1) للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج) (2) .

عليه وعلى آبائه المعصومين صلوات الله تبارك وتعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(1) سقطت من المصدر المطبوع.

(2) كمال الدين / الصدوق: 431 / باب 42 / ح7.

١٢٣

الحديث الثاني والثلاثون:

حديث نسيم ومارية الخادمتين عن ولادته (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن عليّ بن الحسين (قدس الله سرّهما): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبدالله بن موسى بن جعفر بن محمّد (عليه السلام)، عن السيّاري قال: حدّثني نسيم ومارية، قالتا:

لمّا سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أمّه، [سقط] (1) جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابته (2) إلى السماء، ثم عطس، فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة. لو أذن الله لي في الكلام لزال الشكّ) .

قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله: وحدّثني نسيم خادمة (3) أبي محمّد (عليه السلام) قالت:

قال لي صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله!)، قالت نسيم: ففرحت بذلك.

____________________

(1) سقطت من المصدر المطبوع.

(2) في المصدر المطبوع: سبّابتيه.

(3) في المصدر المطبوع: خادم.

١٢٤

فقال [لي] (1) (عليه السلام): (ألا أُبشرك في العطاس؟)

فقلت: بلى [بلى يا مولاي] (2) .

فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيام) (3) .

وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث في كتابه في محلٍ ثانٍ عن إبراهيم بن محمّد العلويّ، حيث قال هناك: وبهذا الإسناد عن إبراهيم بن محمّد العلويّ قال: حدّثني طريف أبو نصر، قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) [وهو في المهد] (4) ، فقال: (عليّ بالصندل الأحمر) ، فأتيته به، ثمّ قال: (أتعرفني؟)، قلت: نعم. فقال: (مَن أنا؟)

فقلت: أنت سيّدي وابن سيّدي.

فقال: (ليس عن هذا سألتك) .

قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك، فبيّن لي.

قال: (أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع الله (عزّ وجلّ) البلاء عن أهلي وشيعتي) (5) .

وقال الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي (نور الله مرقده):

وفي رواية أخرى عن جماعة من الشيوخ: أنَّ حكيمة حدّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب (عليه السلام))، وذكرت أنَّه كان ليلة النصف

____________________

(1) سقطت من النسخة.

(2) سقطت من النسخة.

(3) كمال الدين / الصدوق: 430 / باب 42 / ح5.

أقول: ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة / ص 245، تحت فقرة رقم 211، وفي 232 / فقرة رقم 200؛ إثبات الوصية / للمسعودي: ص 261 / ط مؤسسة أنصاريان / قم 1417 هـ؛ وفي إعلام الورى / للطبرسي: 2/217، وفي الخرائج والجرائح / للراوندي: 2 / 693 و694؛ وفي الثاقب في المناقب / للفقيه عماد الدين الطوسي المعروف بابن حمزة: 203 / ح180 / الفصل 11 / ح9.

(4) سقطت من المصدر المطبوع.

(5) كمال الدين / الصدوق: 441 / باب 43 / ح12.

١٢٥

من شعبان، وأنَّ أمّه نرجس، وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحسّ سيّدي، وبصوت أبي محمّد (عليه السلام) وهو يقول: (يا عمتي، هاتي ابني إليّ) .

فكشفت عن سيّدي، فإذا هو ساجد متلقياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: ( جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ) (1) .

فضممته إليّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملته إلى أبي محمّد (عليه السلام).

وذكروا الحديث إلى قوله: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) . ثمّ لم يزل يعدّ السادة، والأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه بالفرج على يديه، ثمّ أحجم.

وقالت: ثم رُفع بيني وبين أبي محمّد (عليه السلام) كالحجاب، فلم أرَ سيّدي، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيدي أين مولاي؟

فقال: (أخذه من هو أحقّ منك ومّنا).

[ثم] (2) وذكروا الحديث بتمامه وزادوا فيه:

فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمّد (عليه السلام): (هذا المولود الكريم على الله (عزّ وجلّ)) .

فقلت: سيّدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟!

فتبسّم وقال: (يا عمّتي، أما إنّا - معاشر الأئمّة - ننشؤ في اليوم ممَّا ينشؤ غيرنا في السنة؟!)

فقمت وقبَّلت رأسه، وانصرفت، ثمّ عدتّ وتفقدته، فلم أره؛ فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟

____________________

(1) بني إسرائيل: 81.

(2) هذه الزيادة في المصدر.

١٢٦

فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعت أُمّ موسى (عليه السلام)) (1) .

وكان الهدف من كتابة هذا الحديث شيئين:

أوّلهما: أنَّه عندما ولد (عليه السلام) كان مكتوباً على ذراعه بقلم القدرة: ( جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَاًنَ زَهُوقا ) (2) .

ثانيهما: أنَّ السيّدة حكيمة قال: فلمّا كان بعد أربعين يوماً، دخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته؛ فقال أبو محمّد (عليه السلام): (هذا المولود الكريم على الله (عزّ وجلّ))، فقلت: سيدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً! فتبسمّ، وقال: (يا عمّتي؛ أما علمت إنّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة) . فقمت، وقبَّلت رأسه، وانصرفت، ثمّ عدت وتفقدته فلم أره، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟ فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعت أمّ موسى (عليه السلام)) .

وجاء في رواية أخرى ما خلاصته: أنَّ الإمام الحادي عشر أمَرَ روح القدس الذي ظهر على صورة الطير، أن يأخذه (عليه السلام)، وكان باقي الملائكة تنزّلت على صورة الطيور، فاتبعته، فبكت السيدة نرجس، فسلاّها الإمام (عليه السلام)، فقال لها: (اسكتي، فإن الرضاع [محرّم] عليه إلاَّ من ثدييك، وسيعاد إليك كما ردّ موسى (عليه السلام) إلى أُمه، وذلك قول الله (عزّ وجلّ): ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى‏ أُمّهِ كَيْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ ) (3) .

ومَن أراد تفصيل هذا الحديث فليرجع إلى كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، وكتاب (الفرج الكبير) (4) .

____________________

(1) الغيبة / الطوسي: 239 و240 / فقرة رقم 207.

(2) بني إسرائيل: 81.

(3) القصص: 13.

(4) كمال الدين / الصدوق: 426 - 430 / باب 42 / ح2. وكما قدَّمنا فإنَّ كتاب (الفرج الكبير) قد فجعنا بفقده، وأنَّه كان موجوداً عند المؤلِّف.

١٢٧

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، ومحمّد بن موسى المتوكّل، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار (رضي الله عنهم)، قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني إسحاق بن روح البصري، عن أبي جعفر العمري، قال:

لما ولد السيّد (عليه السلام)، قال أبو محمد (صلوات الله عليه): (ابعثوا إليّ بأبي عمرو) (1) .

فبعث إليه، فصار إليه، فقال له: (اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً وفرّقه) .

قال: أحسبه، قال: (على بني هاشم، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة) (2) .

قال الفضل بن شاذان: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال:

لمَّا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، وهو رجل شديد النصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فأُخبرت بذلك، وغلب عليّ خوف عظيم، فودّعت أهلي وأحبائي، وتوجَّهت إلى دار أبي محمد(عليه السلام) لأودّعه، وكنت أردت الهرب، فلمَّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه، وكاد أن أنسى ما كنت فيه من الخوف والهرب، فقال: (يا إبراهيم، لا تهرب؛ فإنّ الله تبارك وتعالى سيكفيك شره).

فازداد تحيُّري، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيّدي! جعلني الله فداك، مَن هو، وقد أخبرني بما كان في ضميري؟

فقال: (هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها عدلاً وقسطاً) .

فسألته عن اسمه؛ قال: (هو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه. لا يحل لأحد

____________________

(1) في المصدر المطبوع: (ابعثوا إلى أبي عمرو) .

(2) كمال الدين / الصدوق: 430 و431 / باب 42 / ح6.

١٢٨

أن يسمّيه باسمه، أو يكنّيه بكنيته، إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم - يا إبراهيم - ما رأيت وسمعت عنّا اليوم إلاَّ عن أهله) .

فصلّيت عليهما وآبائهما، وخرجت مستظهراً بفضل الله تعالى، واثقاً بما سمعته من الصاحب (عليه السلام)، فبشّرني عمّي علي بن فارس بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه، وأمره بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطّعه عضواً عضواً، والحمد لله رب العالمين.

وبما أنَّه أُشير في الحديث العشرين والحادي والثلاثين إلى قبائح جعفر الكذّاب؛ فلذلك نذكر في هذا المقام بعد حديث وفاة الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) نبذة من الصفات الذميمة لجعفر المذكور.

نقل الشيخ أبو عبد الله محمّد بن هبة الله الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير)، وروى بسنده عن أبي الأديان وكان خادم الإمام (عليه السلام) أنَّه قال (1) : (...

____________________

(1) نظراً لضياع كتاب (الفرج الكبير) للطرابلسي، وعدم وجود نسخة له كحال الكتب الثمينة التي ضاعت ولم تصل إلينا، فلذلك ارتأينا أن نترجم النص ونرجعه إلى لغته الأصلية العربية؛ وبما أنَّ الأقرب لها هي الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين؛ فنحن ننقل الترجمة عن النّص الموجود في (كمال الدين)، ونسقط منه الأشياء التي هي غير موجودة في الترجمة؛ ليكون النص الجديد أقرب إلى ما في (الفرج الكبير) والله تعالى أعلم.

ولأنَّنا وجدنا المؤلف لا يلتزم بالترجمة الحرفية، فلذلك احتملنا أن تكون بعض الزيادات هنا ناتجة لتسامحه في الترجمة، فلذلك احتطنا فنقلنا النص كما في كمال الدين / الصدوق: 475 و476.

(وحدّثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسين بن عليّ بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته التي توفِّي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتاباً، وقال: (امض بها إلى المدائن، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل).

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمَن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم من بعدي) ، فقلت: زدني، فقال: (مَن يصلِّي عليّ فهو القائم من بعدي) ، فقلت: زدني، فقال: (مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي) ، ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان. =

١٢٩

دخلت [على الإمام (عليه السلام)] في علّته التي توفِّي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتباً وقال: (أمض بها إلى فلان وفلان وكثير من أصحابنا. واعلم أنَّك

____________________

= وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدّمت فعزّيت وهنّيت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي، قد كُفِّن أخوك، فقم وصلِّ عليه. فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن عليّ، قتيل المعتصم المعروف بسلمة.

فلمَّا صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن عليّ (صلوات الله عليه) على نعشه مكفَّناً، فتقدَّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه. فلمّا همّ بالتكبير، خرج صبيّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن عليّ وقال: (تأخر - يا عمّ - فأنا أحقّ بالصلاة على أبي) ، فتأخَّر جعفر، وقد اربدّ وجهه واصفرّ.

فتقدَّم الصبي وصلّى عليه ودُفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام)، ثمّ قال: (يا بصريّ، هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه) ، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان.

ثم خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي، من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه. فنحن جلوس، فقدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، فعرفوا موته، فقالوا: فمَن [نعزِّي]؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: إن معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّن الكتب؟ وكم المال؟، فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب، قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [وفلان]، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير فيها مطلية. فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن عليّ على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حبلاً بها لتغطّى حال الصبيّ، فسُلِّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزّنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين.

١٣٠

الحديث الثالث والثلاثون:

الإمام العسكري يعرض ولده المهدي على أحمد بن إسحاق

قال الصدوق (عليه رحمة الله الملك الغفور) في كتابه المزبور: حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:

دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة، من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض) .

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمَن الخليفة والإمام بعدك؟

فنهض (عليه السلام) مسرعاً، فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزّ وجلّ) وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا؛ إنَّه سمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنّيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلمّاً.

يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأُمّة كمثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين. والله، ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاَّ مَن ثبّته الله (عزّ وجلّ) على القول بإمامته، ووفَّقه للدّعاء بتعجيل فرجه) .

١٣١

قال (1) أحمد بن إسحاق: قلت: (2) يا مولاي، هل (3) من علامة يطمئن إليها قلبي؟

فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: (أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه؛ فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق!)

[فقال أحمد بن إسحاق]: (4) فخرجت فرحاً مسروراً (5) .

فلمّا كان من الغد، عدت إليه، فقلت (6) : يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليّ، فما السُنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟

فقال: (طول الغيبة، يا أحمد)

فقلت [له] (7) : يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟

قال: (إي وربّي، حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلاَّ مَن أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق، هذا أمرٌ من [أمر] الله جلّت عظمته، وسرٌّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا [غداً] في علِّيِّين) (8) .

اللَّهُم ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(1) في المصدر: فقال.

(2) في المصدر: فقال له.

(3) في المصدر: فهل.

(4) سقطت من النسخة.

(5) في المصدر: فخرجت مسروراً فرحاً.

(6) في المصدر: فقلت له.

(7) سقطت من المصدر.

(8) كمال الدين / الصدوق: 384 و385 / باب 38 / ح1.

١٣٢

الحديث الرابع والثلاثون:

رشيق المادراني يهجم على بيت الإمام (عليه السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنان): حدّثنا محمّد بن عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب (رضي الله عنه)، قال: قال أبو محمّد (عليه السلام):

(قد وضع بنو أُميَّة وبنو العباس سيوفهم علينا لعلَّتين:

إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون أنَّه ليس لهم في الخلافة حقّ، فيخافون من ادعائنا إيَّاها وتستقر في مركزها.

وثانيتهما: أنّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنَّ زوال مُلك الجبابرة والظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنّهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإبادة نسله؛ طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم (عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاَّ أن يتم نوره ولو كره المشركون) .

ومن مؤيِّدات هذا الحديث، ما نقله الشيخ الطوسي (1) ، والشيخ الطرابلسي، والشيخ الراوندي (2) ، وكثير غيرهم (3) ، عن رشيق المادرائي، ما مضمونه بما يوافق

____________________

(1) الغيبة / الطوسي: 248 و249 / تحت فقرة 218.

(2) الخرائج و الجرائح / الراوندي: 1 / 460 / ح5.

(3) فرج المهموم / السيد ابن طاووس: 248؛ منتخب الأنوار المضيئة / النيلي: 140؛ إثباة الهداة / الحر العاملي: 3 / 683 / ح92.

١٣٣

نقل بعضهم، أنه حدّث رشيق حاجب المادراني قال: (بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفّين على السروج ونجنب أخرى، وقال: الحقوا بسامراء، واكبسوا دار الحسن بن عليّ فإنَّه توفِّي، ومَن رأيتم في داره فأتوني برأسه.

فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدناها داراً سريّة كأنَّ الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخرى، فدخلناها وكأنَّ بحراً فيها وفي أقصاه حصير، وقد علمنا أنَّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة، قائمٌ يصلِّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا؛ فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطَّى، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلَّصته وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة.

وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك، فناله مثل ذلك.

فبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر وإلى مَن نجئ، وأنا تائب إلى الله.

فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت؛ فانصرفنا إلى المعتضد، فقال: اكتموه وإلاّ ضُربت رقابكم (1) . (فما جسرنا أن نحدِّث به إلاَّ بعد موته) (2) .

الحمد لله الذي يصون حجته من شرّ الأعداء.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(1) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 499 و500.

(2) الغيبة / الطوسي: 250.

١٣٤

الحديث الخامس والثلاثون:

رؤية الأودي للمهدي (عليه السلام) في الطواف

قال عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو القاسم عليّ بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدّثنا الأودي، قال:

بينا أنا في الطواف وقد طفت ستاً، وأنا أُريد أن أطوف السابع، فإذا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌّ حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرّبٌ إلى الناس يتكلَّم؛ فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه، وحسن جلوسه، فذهبت أكلمّه، فزبرني الناس، فسألت بعضهم: مَن هذا؟

فقالوا: هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّه يحدّثهم.

فقلت: يا سيدي! أتيتك مسترشداً، فأرشدني هداك الله (عزّ وجلّ)، فناولني (عليه السلام) حصاة، فحوّلت وجهي.

فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟

فقلت: حصاة وكشفتُ يدي عنها، فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني، فقال لي: (ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟)

١٣٥

قلت: لا.

فقال (عليه السلام): (أنا المهدي، وأنا قائم الزمان، أنا الّذي أملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً؛ إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس في فترة، فهذه أمانة تُحدِّث بها إخوانك (1) من أهل الحق) (2) .

والسلام على على مَن اتبع لهدى.

* * *

١٣٦

الحديث السادس والثلاثون:

المهدي (عليه السلام) يغيث رجلاً من الشيعة

قال الحسن بن حمزة العلوي الطبري (قدس سرّه) في كتابه الموسوم بكتاب (الغيبة): حدّثنا رجل صالح من أصحابنا، قال: خرجت سنة من السنين حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحر، كثيرة السموم؛ فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق، فغلب عليّ العطش حتى سقطت، وأشرفت على الموت، فسمعت صهيلاً، ففتحت عيني، فإذا بشاب حسن الوجه، حسن الرائحة، راكب على دابة شهباء، فسقاني ماءً أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، ونجّاني من الهلاك.

فقلت: يا سيدي مَن أنت؟

قال: (أنا حجّة الله على عباده، وبقية الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، أنا ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)).

ثم قال: (أخفض عينيك) . فخفضتها. ثم قال: (افتحهما) . ففتحتهما، فرأيت نفسي في قدام القافلة؛ ثم غاب عن نظري.

صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والأوصياء.

والسلام على مَن أتبع الهدى.

* * *

١٣٧

الحديث السابع والثلاثون:

بعض مَن رأى الإمام المهدي (عليه السلام)

قال أبو محمّد ابن شاذان (رفع الله رتبه في الجنان): حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (صلّى الله عليه وآله)، قال: حدّثنا حماد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام): (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلاَّ يظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يدٍ قائمنا لإتمام الحجّة على الأعداء) .

والسلام على من اتبع الهدى.

انقدح في ذهن القاصر أن أذكر في ضمن هذا الحديث بعض مَن وفّق بشرف رؤية الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) مع قليل من المعجزات الباهرات لمنتجب خالق الأرض والسماوات.

[رؤية محمّد بن إسماعيل للحجة (عليه السلام)]:

قال الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقَّب بالمفيد (عليه رحمة الله الملك المجيد) في كتاب (الإرشاد) (باب ذكر مَن رأى الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وطرف من دلائله وبيِّناته): وبعد ذكر سند روايته عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: (وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالعراق)، ثم نقل قوله أنَّه قال: (رأيت ابن الحسن بن عليّ بن محمّد (عليهم السلام) بين المسجدين وهو غلام) (1) .

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 351.

١٣٨

[رؤية حكيمة عمّة العسكري (عليه السلام) للحجة (عليه السلام)]:

وقال الشيخ (رحمة الله عليه) أيضاً ما ملخّصه: إنَّ حكيمة بنت محمد بن عليّ قد رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك.

وروى الشيخ ما مجمله: أنَّ حكيمة بنت محمّد بن عليّ قد رأته (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك (1) .

وعن عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي أنَّه قال: قلت لأبي عمرو العمري: قد مضى أبو محمّد؟

فقال لي: قد مضى، وذلكنَّ قد خلّف فيكم مَن رقبته مثل هذه - وأشار بيده - (2) .

وقال فتح مولى الزراري، قال: سمعت أبا عليّ بن مطهّر يذكر أنَّه رآه، ووصف له قدّه (3) .

وروى محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، عن خادمةٍ لإبراهيم بن عبدة النيشابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفةً مع إبراهيم على الصفا، فجاء صاحب الأمر (عليه السلام) حتى وقف معه وقبض على كتاب مناسكه، وحدّثه بأشياء (4) .

وروى عن أبي عبد الله بن صالح: أنَّه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: (ما بهذا أمروا) (5) .

____________________

(1) الإرشاد / المفيد 2: 351، قال: (أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله قال: حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال: حدّثني حكيمة بنت محمّد بن علي - وهي عمّة الحسن (عليه السلام) - أنَّها رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 351 و352.

(3) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 352.

(4) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 352.

(5) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 352 و353.

١٣٩

وروى عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضيّ أبي محمّد حين أيفع، وقبّلت يده ورأسه (1) .

وروى عن القنبري قال: جرى حديث جعفر بن علي فذّمه، فقلت: فليس غيره؟

قال: بلى.

قلت: فهل رأيته؟

قال: لم أره، ولكن غيري رآه.

قلت: مَن غيرك؟

قال: قد رآه جعفر مرّتين (2) .

ورآه (عليه السلام) أبو نصر طريف الخادم أيضاً.

وأمثال هذه الأخبار في هذا المعنى كثيرة، وهو كافٍ لِمَا رمناه من الاختصار؛ لأنّنا ذكرنا قبل هذا أهمّ المطالب في باب وجوده وإمامته (عليه السلام)، وما سوف يأتي بعد هذا فهو زيادة في التأكيد.

ثمّ ذكر الشيخ (رحمة الله عليه) بعد ذلك بعض معجزاته (عليه السلام)، ومن جملة معاجزه (عليه السلام)، التي رواها الشيخ (عليه الرحمة) وغيره:

أنَّ محمّد بن أبي عبد الله السياري قال: أوصلت أشياءً للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت وردّ عليّ السوار، وأُمرت بكسره فكسرته، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجته وأنفذت الذهب بعد ذلك فقَبِل (3) .

والرواية الأخرى: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فردّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمئة درهم) .

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 353.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 353.

(3) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 356.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256