مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)23%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72593 / تحميل: 9006
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

= فتراه يستشكل في عمل من بايعوا محمد بن الأشعث بإمرة المؤمنين، التي رآها مخالفة للإجماع المدعى يوم السقيفة. وتراه يعترف بمخالفة سعد ثم يدعي أنه رجع عن ذلك.. ولست أدري كيف رجع عنه، مع أنه من المتسالم عليه تاريخياً: أنه استمر على الخلاف معهم، حتى اغتيل بالشام ـ اغتالته السياسة، على حد تعبير طه حسين في كتابه: من تاريخ الأدب العربي ج ١ ص ١٤٦، وغيره.. وذلك أشهر من أن يحتاج إلى بيان.

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا هو الإشارة إلى أن كون الأئمة من قريش ليس فقط أصبح تقليداً متبعاً، بل هو قد أصبح من عقائد أهل السنة المعترف بها.

ولكن ما تأتي به السياسة، تذهب به السياسة، إذ بعد تسعماية سنة جاء السلطان سليم، وخلع الخليفة العباسي، وتسمى هو ب‍ـ (أمير المؤمنين) مع أنه لم يكن من قريش. وبهذا يكون قد ألغى هذا التقليد عملا من عقائد طائفة من المسلمين، وأبطله.

ومهما يكن من أمر فإن أول من ادعى استحقاق الخلافة بالقربى النسبية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبو بكر، ثم عمر، وجاء بعدهما بنو أمية، فعرفوا أنفسهم ذوي قربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى لقد حلف عشرة من قواد أهل الشام، وأصحاب النعم والرياسة فيها ـ حلفوا ـ للسفاح: على أنهم لم يكونوا يعرفون إلى أن قتل مروان، أقرباء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أهل بيت يرثونه غير بني أمية. فراجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٨، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ / ١٥٩، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٣.

بل لقد ذكر المسعودي والمقريزي: أن إبراهيم بن المهاجر البجلي، الموالي للعباسيين قد نظم قضية هؤلاء الأمراء شعرا، فقال:

أيها الناس اسمعوا أخبركم

عجباً زاد على كل العجب

عـجبا من عبد شمس إنهم

فتحوا للناس أبواب الكذب

ورثـوا أحـمد فيما زعموا

دون عباس بن عبد المطلب

كـذبـوا والله مـا نـعلمه

يحرز الميراث إلا من قرب

ويقول الكميت عن دعوى بني أمية هذه:

وقالوا: ورثناها أبانا وأمنا

ولا ورثتهم ذاك أم ولا أب

٤١

= وفي العقد الفريد ج ٢ / ١٢٠ طبع دار الكتاب العربي: أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب قالت لمعاوية: (.. ونبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المنصور، فوليتم علينا من بعده، تحتجون بقرابتكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أقرب إليه منكم، وأولى بهذا الأمر الخ).

ثم جاء العباسيون، وادعوا نفس هذه الدعوى، كما هو واضح من النصوص التي ذكرناها، ونذكرها. بل لقد ادعى نفس هذه الدعوى أيضاً أكثر إن لم يكن كل من خرج مطالبا بالخلافة، سواء كان خروجه على الأمويين أو على العباسيين..

وهذا يعني أن العامل النسبي قد لعب دوراً هاماً في الخلافة الإسلامية، وكان الناس بسبب جهلهم. وعدم وعيهم لمضامين الإسلام يصدقون ويسلمون بأن القربى النسبية تكفي وحدها في أن تجعل لمدعيها الحق في منصب الخلافة. ولعل أكثر ما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة من الوصايا بأهل البيتعليهم‌السلام ، والأمر بمودتهم، ومحبتهم، والتمسك بهم جعل الناس يظنون أن سبب ذلك هو مجرد قرباهم النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكان أن استغل الطامحون فهم الناس الخاطئ هذا. بل لقد حاولوا ما أمكنهم تكريسه، وتثبيته.

إلا أن حقيقة الأمر هي غير ذلك، فإن منصب الخلافة في الإسلام، لا يدور مدار القربى النسبية منه. بل هو يدور مدار الأهلية والجدارة، والاستعداد الذاتي لقيادة الأمة قيادة صالحة، كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقودها، يدلك على ذلك أننا لو رجعنا إلى النصوص القرآنية. وإلى ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن الخليفة بعده، فلعلنا لا نعثر على نص واحد منها يفهم منه أن استحقاق الخلافة يدور مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحسب.

وكل ما ورد في القرآن، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأمر بموالاة أهل بيته، وحبهم، والتمسك بهم، ومن تعيينه خلفاءه منهم، فليس لأجل قرباهم النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لأن الأهلية، والجدارة الحقيقية لهذا المنصب قد انحصرت في الخارج فيهم. فهو على حد تعبير الأصوليين: من باب الإشارة إلى الموضوع الخارجي. وليس تصريحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقربى لأجل بيان الميزان والمقياس والملاك في استحقاقهم الخلافة.

وواضح أنه كان لا بد من الالتجاء إلى الله ورسوله لتعيين الشخص الذي له الجدارة والأهلية لقيادة الأمة، لأن الناس قاصرون عن إدراك حقائق الأمور، ونفسيات، وغرائز، وملكات بعضهم البعض.. إدراكا دقيقا وحقيقيا، وعن إدراك عدم طرو تغير أو تبدل عليه في المستقبل. ولقد عينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفعل، ودل عليه بمختلف الدلالات، =

٤٢

= بالقول، تصريحاً، وتلويحاً، وكناية، ونصاً، ووصفاً، وغير ذلك، وبالفعل أيضاً، حيث أمره على المدينة، وعلى كل غزوة لا يكون هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها، ولم يؤمر عليه أحداً، وغير ذلك..

هذا هو رأي الشيعة، وهذا هو رأي أئمتهم في هذا الأمر، وكلماتهم طافحة ومشحونة بما يدل على ذلك. ولا يبقى معه مجال لأي لبس أو توهم، فراجع كلام الإمام علي في شرح النهج للمعتزلي ج ٦ ص ١٢، وغيره مما قد يتعسر استقصاؤه..

ومما ذكرنا نستطيع أن نعرف أن ما ورد عن الإمام عليعليه‌السلام ، أو عن غيره من الأئمة الطاهرين، من قولهم: أنهم هم الذين عندهم ميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنما يقصدون به الميراث الخاص، الذي يختص الله به من يشاء من عباده، أعني: ميراث العلم، على حد قوله تعالى:

( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. ) وقد اعترف أبو بكر نفسه لفاطمة الزهراء بأن الأنبياء يورثون العلم لأشخاص معينين من بعدهم، وعلى كل فلقد أنكر علي عليه‌السلام مبدأ استحقاق الخلافة بالقرابة والصحابة أشد الإنكار، فقد جاء في نهج البلاغة قوله عليه‌السلام : ((وا عجباً!! أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة؟!!)). هكذا في نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ولكن الظاهر هو أنها محرفة، وأن الصحيح هو ما في نسخة ابن أبي الحديد، وهي هكذا ((وا عجباً!! أن تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالصحابة والقرابة!!)).

وأما ما يظهر منه أنهم يستدلون لاستحقاقهم الخلافة بالقربى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنما اقتضاه الحجاج مع الخصوم، فهو من باب: (الزموهم بما ألزموا به أنفسهم). ويدل على هذا المعنى ويوضحه ما قاله الإمام عليعليه‌السلام لأبي بكر، عندما جيء به ليبايع، فكان مما قاله: ((.. واحتججتم عليهم -أي على الأنصار- بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى الخ)).. راجع: الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨.

ويشير أيضاًعليه‌السلام ـ إلى هذا المعنى في بعض خطبه الموجودة في نهج البلاغة فمن أراد فليراجعه.. كما ويشير إليه أيضاً ما نسب إليهعليه‌السلام من الشعر(على ما في نهج البلاغة) وهو قوله:

فـإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فـكيف بـهذا والـمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فـغيرك أولـى بـالنبي وأقـرب

ولكن أحمد أمين المصري في كتابه: ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٦١، و ص ٣٠٠، و ص ٢٢٢، و ص ٢٣٥، وكذلك سعد محمد حسن في كتابه: المهدية في الإسلام ص ٥.

والخضري في محاضراته ج ١ ص ١٦٦: إن هؤلاء ينسبون إلى الشيعة القول: بأن منصب الخلافة يدور مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسب، رغم اعتراف أحمد أمين في نفس الكتاب، وبالتحديد في ص ٢٠٨، ٢١٢: بأن الشيعة يحتجون بالنص في خصوص الخليفة بعد الرسول. بل والخضري يعترف بذلك أيضاً حيث قال: (أما الانتخاب عند أهل التنصيص على البيت العلوي، فإنه كان منظورا فيه إلى الوراثة الخ).=

٤٣

= وهي نسبة غريبة حقاً ـ بعد هذا الاعتراف الصريح منهم، ومن غيرهم ـ فإن عقيدة الشيعة ـ تبعاً لأئمتهم هي ما ذكرنا، أي ليس منصب الخلافة دائراً مدار القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأدلة الشيعة تنطق وتصرح بأن القربى النسبية وحدها لا توجب بأي حال من الأحوال استحقاق الخلافة، وإنما لا بد من النص المعين لذلك الشخص الذي يمتلك الجدارة والأهلية والاستعداد الذاتي لها.

إنهم يستدلون على خلافة عليعليه‌السلام بالنصوص القرآنية، والنبوية المتواترة عند جميع الفرق الإسلامية، ولا يستدلون بالقربى إلا من باب: ألزموهم.. أو من باب تكثير الأدلة، أو في مقابل استدلال أبي بكر وعمر بها، وإذا ما شذ واحد منهم، واستدل بذلك، معتقداً بخلاف ما قلناه عن قصور نظر، وقلة معرفة، أو لفهمه ـ خطأ ـ ما ورد عنهمعليهم‌السلام . من أن عندهم ميراث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يجب، بل لا يجوز أن يحسب على الشيعة، ومن ثم القول بأن ذلك هو قولهم، وأن تلك هي عقيدتهم.

ولعل أحمد أمين لم يراجع أدلة الشيعة!!

أو أنه راجعها، واشتبه عليه الأمر!!

أو أنه. لا هذا. ولا ذاك.. وإنما أراد التشنيع عليهم، فنسب إليهم ما ليس من مذهبهم!

ويدلنا على صحة هذا الاحتمال الأخير، اعترافه المشار إليه، بأن الشيعة يستدلون على إمامة عليعليه‌السلام بالنص، لا بالقربى!!..

وخلاصة القول هنا: إن القربى النسبية ليست هي الملاك في استحقاق الخلافة. ولم تكن دعوى أنها كذلك، لا من الأئمة، ولا من شيعتهم. وإنما كانت من قبل أبي بكر، وعمر، ثم الأمويين، فالعباسيين.

وإذا كان أهل السنة ـ تبعاً لأئمتهم ـ قد جعلوا كون الإمامة في قريش من عقائدهم. وإذا كان غير أهل البيت هم الذين ادعوا هذه الدعوى، وهللوا وكبروا لها. فمن الحق لنا إذن أن نقول:

(رمتني بدائها وانسلت).

وأخيراً.. فلقد كان من أبسط نتائج هذه العقيدة لدى أهل السنة، وقبولهم أن القربى النسبية تجعل لمدعيها الحق في الخلافة.. أن سنحت الفرصة لأن يصل أشخاص إلى الحكم من أبرز مميزاتهم، وخصائصهم جهلهم بتعاليم الدين، وانسياقهم وراء شهواتهم، أينما كانت، وحيثما وجدت، جاعلين الحكم والسلطان، وسيلة إليها، مسدلين على حماقاتهم هنا، وتفاهاتهم هناك ستاراً من القربى النسبية منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وهو من هؤلاء وأمثالهم بريء.

ولما لم يعد ذلك الستار يقوى على المنع من استكناه واقعهم، وحقيقة نواياهم وتصرفاتهم، كان لا بد لهم من الالتجاء إلى أساليب أخرى، تبرر لهم واقعهم، وتحمي تصرفاتهم، وتؤمن لهم الاستمرار في الحكم، ولعل بيعة المأمون للإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد هي من تلك الأساليب، كما سيتضح إن شاء الله تعالى..

٤٤

وعندما ذهب داوود بن علي إلى مكة، والياً عليها، من قبل أخيه السفاح، وأراد أن يخطب في مكة خطبته الأولى، طلب منه سديف بن ميمون أن يأذن له في الكلام، فأذن له، فوقف، وقال من جملة ما قال:

(.. أتزعم الضلال: أن غير آل الرسول أولى بتراثه؟! ولم؟! وبم؟! معاشر الناس؟! ألهم الفضل بالصحابة، دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب، والورثة للسلب)(١) .

ويقول داوود بن علي في نفس المناسبة، أعني في أول خطبة له: (لم يقم فيكم إمام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا علي بن أبي طالب، وهذا القائم فيكم..) وأشار إلى السفاح(٢) .

____________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٩، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب ج ٤ ص ٤٨٥.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٧ و ٢٥٦، والطبري ج ١٠ ص ٣٣ و ٣٧، وعيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٥٢، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٨٧، ٨٨، والكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٢٦، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٢٩ و ١٧٣، وإمبراطورية العرب ص ٤٢٢، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٤٢، وشرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٥٥، وفيه: (إنه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حق إلخ).. وبرواية أخرى فيه: (أقسم بالله قسماً براً، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أحق به من علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين هذا)..

٤٥

وقال المنصور في خطبة له: (وأكرمنا من خلافته، وميراثنا من نبيه..)(١) .

ولكنهم بعد المنصور ـ بل وحتى من زمن المنصور نفسه كما سيتضح ـ قد غيروا سلسلة الإرث هذه، وجعلوها عن طريق العباس، وولده عبد الله، ولكنهم أجازوا بيعة علي، لأن العباس نفسه كان قد أجازها.

كما سيأتي بيانه.. فكانت استدلالات الخلفاء ابتداء من المنصور ناظرة إلى الإرث عن هذا الطريق..

فنرى المنصور يبين في رسالة منه لمحمد بن عبد الله بن الحسن: أن الخلافة قد ورثها العباس في جملة ما ورثه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنها في ولده(٢) .

وكان الرشيد يقول: (ورثنا رسول الله، وبقيت فينا خلافة الله)(٣) . وقال الأمين عندما بويع له، بعد موت أبيه الرشيد: (.. وأفضت خلافة الله، وميراث نبيه إلى أمير المؤمنين الرشيد..) (٤) .

ومدح البعض المأمون، وعرض بأخيه الذي غدر به، فقال في جملة أبيات له:

إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه.. ولنعد إلى ما كنا فيه أولاً، فنقول:

إن تغدروا جهلاً بوارث أحمد

ووصي كل مسدد وموفق(٥)

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١، والطبري ج ١٠ ص ٤٣٢.

(٢) الطبري ج ١٠ ص ٢١٥، والعقد الفريد طبع دار الكتاب ج ٥ ص ٨١، إلى ٨٥، وصبح الأعشى ج ١ ص ٣٣٣، فما بعد، والكامل للمبرد، وطبيعة الدعوة العباسية..

(٣) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢١٧.

(٤) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١٦٣.

(٥) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٩٩.

٤٦

دعوى الأخذ بثارات العلويين:

وأما ادعاؤهم: أنهم إنما خرجوا للأخذ بثارات العلويين، واستمرارهم على ربط الثورة بأهل البيت، حتى بعد نجاح ثورتهم، وتسلمهم لازمة الحكم والسلطان ـ وهذه هي الناحية الثانية من المرحلة الرابعة ـ فذلك أوضح من أن يخفى.. وقد تقدم قول محمد بن علي لبكير بن ماهان: (وسنأخذ بثأرهم..) يعني بثارات العلويين.. وتقدم أيضاً قول داوود ابن علي: (وإنما أخرجنا الآنفة من ابتزازهم حقنا، والغضب لبني عمنا..)..

ويقول السفاح، عندما أتي برأس مروان: (ما أبالي متى طرقني الموت، فقد قتلت بالحسين، وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم)(١) .

ويقول صالح بن علي لبنات مروان: (ألم يقتل هشام بن عبد الملك، زيد بن علي بن الحسين، وصلبه في كناسة الكوفة؟. وقتل امرأة زيد بالحيرة، على يد يوسف بن عمرو الثقفي؟!

ألم يقتل الوليد بن يزيد يحيى بن زيد، وصلبه بخراسان؟!

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٥٧ وفي شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٣١، وحياة الإمام موسى بن جعفر للقرشي ج ١ ص ٣٣٧، نقلاً عن مختصر أخبار الخلفاء، هكذا. (.. وقد قتلت بالحسين ألفاً من بني أمية. إلى أن قال: وقتلنا سائر بني أمية بحسين، ومن قتل معه، وبعده من بني عمنا أبي طالب)..

٤٧

ألم يقتل الدعي عبيد الله بن زياد، مسلم بن عقيل بن أبي طالب بالكوفة؟!

ألم يقتل يزيد بن معاوية الحسين(١) ؟!.

وبرواية ابن أبي الحديد، أنه قال لهن: (.. إذن، لا نستبقي منكم أحداً، لأنكم قد قتلتم إبراهيم الإمام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، ومسلم بن عقيل.

وقتلتم خير أهل الأرض حسيناً، وإخوته، وبنيه، وأهل بيته، وسقتم نساءه سبايا ـ كما يساق ذراري الروم ـ على الأقتاب إلى الشام..)(٢) .

ولا بأس بمراجعة ما قاله داوود بن علي عندما قتل ثمانين أموياً مرة واحدة(٣) .

وكذلك فإنهم ما لقبوا أبا سلمة الخلال، أول وزير في الدولة العباسية بـ‍ (وزير آل محمد)، وأبا مسلم الخراساني بـ‍ (أمين، أو أمير آل محمد)(٤) . إلا من أجل الحفاظ على ربط الدعوة بأهل البيت عليهم‌السلام ، ولتبقى ـ من ثم ـ محتفظة بقوتها، وحيويتها.

وأخيراً.. فلم يكن اتخاذهم السواد شعاراً إلا تعبيراً عن الحزن والأسى

____________

(١) الكامل لابن الأثير ج ٤ ص ٣٣٢، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٤٧، ولا بأس بمراجعة خطبة السفاح في مروج الذهب أيضاً ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٢٩.

(٣) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٩٢.

(٤) الفخري في الآداب السلطانية ص ١٥٥، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٧١، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٥٤، والطبري ج ١٠ ص ٦٠، وتاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الأول، جزء ١ ص ١٥٢، وغيرهم، فإنه مما نص عليه أكثر المؤرخين..

٤٨

لما نال أهل البيت في عهد بني أمية(١) .

وهكذا. يتضح، بما لا مجال معه للشك: أنهم كانوا يستغلون سمعة العلويين، ودماءهم الزكية في محاولاتهم للوصول إلى الحكم، وتثبيت أقدامهم فيه..

بل إن من الملاحظ أن كثيراً من الثورات التي قامت بعد ثورة بني العباس، كانت تحاول ذلك ـ بطريقة أو بأخرى ـ أي أنها كانت تظهر للناس ارتباطها بأهل البيتعليهم‌السلام ، وأنها تحظى بتأييدهم، وموافقتهم، وكثير منها كان يرفع شعار: (الرضا من آل محمد).

نهاية المطاف..

وبعد كل ما تقدم.. يتضح لنا بجلاء، الأسلوب الذي انتهجه العباسيون، والخطة التي اتبعوها، من أجل كسب ثقة الناس بهم، وتأييدهم لهم، وصرف أنظار الحكام عنهم..

____________

(١) هذا يصح بالنسبة للملابس السوداء. وأما كون الرايات سوداء، فيحتمل أن يكون لأجل ذلك، حسبما صرح به ابن خلدون ص ٢٥٩، ويحتمل أن يكون لما ورد من أن راية عليعليه‌السلام يوم صفين كانت سوداء، على ما نص عليه فإن فلوتن في هامش: ص ١٢٦ من كتابه السيادة العربية، أو لأن رايات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حروبه مع الكفار كانت سوداء، يقول الكميت مشيراً إلى ذلك:

وإلا فارفعوا الرايات سوداً

على أهل الضلالة والتعدي

وفي صبح الأعشى ج ٣ ص ٣٧٠، نقلاً عن القاضي الماوردي في كتابه: (الحاوي الكبير): أن السبب في اختيارهم السواد هو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عقد في يوم حنين ويوم الفتح لعمه العباس راية سوداء. وفي صبح الأعشى أيضاً ج ٣ ص ٣٧١ نقل عن أبي هلال العسكري في كتابه (الأوائل) أن سبب ذلك هو قتل مروان لإبراهيم الإمام، حيث لبس شيعته السواد حدادا عليه، فلزمهم ذلك، وصار شعاراً لهم..

ونرجح أن حادثة قتل يحيى بن يزيد، ولبس الخراسانيين السواد عليه سبعة أيام، هي التي شجعت العباسيين على اتخاذ السواد شعاراً لهم، إظهارا للحزن والأسى لما نال أهل البيت في الدولة الأموية. ويذهب إلى هذا الرأي السيد عباس المكي في نزهة الجليس ج ١ ص ٣١٦. بل صرح البلاذري في أنساب الأشراف ج ٣ ص ٢٦٤ بما يدل على ذلك فراجع.

٤٩

وأيضاً الطريقة التي اتبعوها في إبعاد العلويين عن مجال السياسة، وأن بيعتهم لهم ما كانت إلا خداعاً وتمويهاً، من أجل تنفيذ خطتهم، وإنجاح دعوتهم..

كما وظهر أن كون الدعوة ـ في بادئ الأمر ـ باسم العلويين، لم يكن أمراً عفوياً، وتلقائياً. وإنما كان ضمن خطة دقيقة، ومدروسة، وضعت بعناية فائقة، كما توضحه لنا النصوص المتقدمة.

وظهر أيضاً: كيف أن العباسيين قد حرصوا كل الحرص على ربط الثورة بأهل البيتعليهم‌السلام ، وكانوا يعتمدون على هذا الربط كل الاعتماد، ويصرون، ويؤكدون عليه، كلما سنحت لهم الفرصة، وواتاهم الظرف، حتى عندما وصلوا إلى الحكم، وفازوا بالسلطان.

وقد انقاد الناس لهم في البداية، واستقامت لهم الأمور، ظنا منهم بحسن نيتهم، وسلامة طويتهم.

ولكن.. ماذا كانت النتيجة بعد ذلك، بالنسبة للناس عامة، وبشكل خاص بالنسبة للعلويين، الذين قامت الثورة باسمهم ونجحت بفضلهم؟! وماذا كان نصيبهم، ومصيرهم، من هذه الثورة ومعها؟!

هذا.. ما سوف نحاول الإجابة عليه فيما يأتي من الفصول.

مصدر الخطر على العباسيين

العلويون هم مصدر الخطر:

قد تقدم معنا: أن الدولة العباسية إنما قامت ـ في بداية أمرها ـ على الدعوة لخصوص العلويين، ثم لأهل البيت، ثم إلى الرضا من آل محمد.. وأن سر نجاحها ليس إلا ربطها بأهل البيتعليهم‌السلام . وإن كانت قد انحرفت فيما بعد، حيث تحكم العباسيون وتسلطوا على الأمة بدعوى القربى النسبية من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٠

ومن هنا.. فإن من الطبيعي، أن يكون الخطر الحقيقي الذي يتهدد العباسيين، وخلافتهم، هو من جهة أبناء عمهم العلويين، الذين كانوا أقوى منهم حجة، وأقرب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم، باعتراف العباسيين أنفسهم(١) ..

فادعاؤهم الخلافة إذن، له مبرراته الكاملة، سيما وأن من بينهم من له الجدارة والأهلية، ويتمتع بأفضل الصفات والمؤهلات لهذا المنصب من العلم، والعقل، والحكمة، وبعد النظر في الدين والسياسة. هذا بالإضافة إلى ما كان يكنه الناس لهم، من مختلف الفئات والطبقات، من الاحترام والتقدير، الذي نالوه بفضل تلك المميزات والصفات، وبفضل سلوكهم المثالي، وترفعهم عن كل المشينات، والموبقات.

أضف إلى ذلك كله: أن رجالات الإسلام، وأبطاله، كانوا هم آل أبي طالب (رضي الله تعالى عنه)، فأبو طالب مربي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفيله، وعليعليه‌السلام وصيه وظهيره، وكذلك الحسن، والحسين، وعلي زين العابدين، وباقي الأئمة. ومنهم زيد بن علي الخارج على بني أمية، وغيرهم، ممن يطول المقام بذكرهم، (رضوان الله عليهم أجمعين).

ولقد كانت بطولات العلويين، ومواقفهم على كل شفة ولسان، وفي كل قلب وفؤاد، حتى لقد ألفت الكتب الكثيرة في وصف تلك البطولات، وبيان هاتيك المواقف..

وخلاصة الأمر: إنه لم يكن هناك مجال لإنكار نفوذ العلويين الواسع في تلك الفترة، أو تجاهله، فإن ذلك إما أن يكون عن قصر نظر، وقلة معرفة، أو مكابرة وعناداً.

____________

(١) سيأتي اعتراف عيسى بن موسى بذلك، واعتراف الرشيد للكاظمعليه‌السلام والمأمون للرضاعليه‌السلام في الكتاب التي سنورده في أواخر هذا الكتاب، وأيضاً قوله للرضاعليه‌السلام : أنتم والله أمس برسول الله رحماً، وبيعة السفاح والمنصور وغيرهم لمحمد بن عبد الله العلوي وكلام المنصور في مجلس البيعة يدل على ذلك أيضاً، إلى غير ذلك مما لا مجال لنا هنا لتتبعه واستقصائه.. وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيداً مقدار هذا النفوذ.

٥١

تخوف العباسيين من العلويين:

وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيداً مقدار هذا النفوذ، للعلويين، ويتخوفون منه، منذ أيامهم الأولى في السلطة. ومما يدل على ذلك:

أن السفاح، من أول عهده كان قد وضع الجواسيس على بني الحسن، حيث قال لبعض ثقاته، وقد خرج وفد بني الحسن من عنده: (قم بإنزالهم ولا تأل في ألطافهم، وكلما خلوت معهم، فأظهر الميل إليهم، والتحامل علينا، وعلى ناحيتنا. وأنهم أحق بالأمر منا، وأحص لي ما يقولون، وما يكون منهم في مسيرهم، ومقدمهم..)(١) .

وقد تنوعت هذه المراقبة، وتعددت أساليبها بعد عهد السفاح، يظهر ذلك لكل من راجع كتب التاريخ(٢) .

خوف المنصور من العلويين

ومما يدل على مدى تخوف العباسيين من العلويين وصية المنصور لولده المهدي، التي يحثه فيها على القبض على عيسى بن زيد العلوي، يقول المنصور: (.. يا بني، إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها. ولست أخاف عليك إلا أحد رجلين: عيسى بن موسى، وعيسى بن زيد. فأما عيسى بن موسى، فقد أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته، ووالله، لو لم يكن إلا أن يقول قولاً لما خفته عليك، فأخرجه من قلبك، وأما عيسى بن يزيد، فانفق هذه الأموال، واقتل هؤلاء الموالي، واهدم هذه المدينة، حتى تظفر به،

____________

(١) الطبري، طبع ليدن ج ١١ ص ٧٥٢، والعقد الفريد، طبع دار الكتاب العربي ج ٥ ص ٧٤، وتاريخ التمدن الإسلامي، وغير ذلك..

(٢) وقد اعترف المنصور نفسه بهذه المراقبة في بعض خطبه: فراجع: الطبري ج ١٠ ص ٤٣٢، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣٠١.

٥٢

ثم لا ألومك..)(١) .

وليس تخوف المنصور إلى هذا الحد من عيسى بن زيد لعظمة خارقة في عيسى هذا، وإنما كل ما في الأمر أن المجتمع الإسلامي كان قد قبل ـ في تلك الفترة من الزمن ـ أن الخلافة الشرعية إنما هي في ولد عليعليه‌السلام . وإذا ما قام عيسى بن زيد بثورة، فإنه سوف يلقى تأييدا واسعا، فهو من جهة ابن زيد الشهيد، الثائر على بني أمية.

ومن جهة أخرى: كان من المعاونين لمحمد بن عبد الله العلوي ـ قتيل المدينة ـ الذي كان السفاح والمنصور قد بايعاه، حسبما تقدم، والذي ادعي على نطاق واسع ـ باستثناء الإمام الصادقعليه‌السلام ـ أنه مهدي هذه الأمة. ـ كما أنه ـ أي عيسى بن زيد ـ كان من المعاونين لإبراهيم أخي محمد بن عبد الله الآنف الذكر، والذي خرج بالبصرة، وقتل بباخمرى..

ومما يدل على مدى خوف المنصور من العلويين أنه: عندما كان مشغولا بحرب محمد بن عبد الله، وأخيه إبراهيم، كان لا ينام الليل في تلك الأيام. وأهديت له جاريتان، فلم ينظر إليهما، فكلم في ذلك، فنهر المتكلمة، وقال: (.. ليست هذه الأيام من أيام النساء، لا سبيل لي إليهما، حتى أعلم: أرأس إبراهيم لي، أم رأسي لإبراهيم؟)(٢) .

____________

(١) الطبري طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٤٨.

وتحسن الإشارة هنا إلى أن الأموال التي خلفها المنصور للمهدي تبلغ ٦٠٠ مليون درهم، و ١٤ مليون دينار. راجع أمراء الشعر العربي في العصر العباسي ص ٣٥.

(٢) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥، والطبري ج ١٠ ص ٣٠٦، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٤، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨. وأنساب الأشراف ج ٣ ص ١١٨، ولكنه يذكر أنهما امرأتان من قريش كانتا قد خطبتا للمنصور.

٥٣

وهيئت له آنئذٍ عجينة من مخ وسكر، فاستطابها، فقال: (أراد إبراهيم أن يحرمني هذا وأمثاله)(١) .

وأرسل إلى كل باب من أبواب عاصمته ـ وهي الكوفة آنئذٍ ـ إبلاً ودواباً، حتى إذا أتى إبراهيم وجيشه من ناحية، هرب هو إلى الري من الناحية الأخرى(٢) .

وفي حربه ـ أي المنصور ـ مع محمد بن عبد الله اتسخت ثيابه جداً، حيث لم ينزعها عن بدنه أكثر من خمسين يوماً(٣) .

وكان لا يستطيع أن يتابع كلامه من كثرة همه(٤) .

وأخيراً.. فكم من مرة رأيناه يجلب الإمام الصادقعليه‌السلام ، ويتهدده ويتوعده، ويتهمه بأنه يدبر للخروج عليه وعلى سلطانه.

فكل ذلك يدل دلالة واضحة على مدى رعب المنصور، وخوفه من العلويين، وما ذلك إلا لإدراكه مدى ما يتمتعون به من التأكيد، في مختلف الطبقات، وعند جميع الفئات.

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٨. وهذا يعبر بوضوح عن نوعية تفكير خليفة المسلمين ونوعية طموحاته.

(٢) الطبري ج ١٠ ص ٣١٧، طبع ليدن، وتاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ١١٣. ومرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٩، وشرح ميمية أبي فراس ص ١١٦، وفرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص ٢١٠، نقلاً عن تجارب الأمم لابن مسكويه ج ٤.

(٣) الطبري ج ١٠ ص ٣٠٦، وتاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٩٥، والكامل لابن الأثير ج ٥ ص ١٨، والمحاسن والمساوي ص ٣٧٣، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٣ ص ١١٨.

(٤) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٣، وقال اليافعي في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٩٨، ٢٩٩: (.. ولم يأو إلى فراش خمسين ليلة، وكان كل يوم يأتيه فتق من ناحية. هذا، ومئة ألف سيف كامنة له بالكوفة، قالوا: ولولا السعادة لسل عرشه بدون ذلك).

٥٤

حتى إنه عندما سئل عن المبايعين لمحمد بن عبد الله أجاب: (.. ولد علي، وولد جعفر، وعقيل، وولد عمر بن الخطاب، وولد الزبير بن العوام، وسائر قريش، وأولاد الأنصار)(١) .

وسيمر معنا أن المنصور ادعى أن ولده هو المهدي، عندما رأى أن الناس ـ ما عدا الإمام الصادقعليه‌السلام ـ قد قبلوا بمهدوية محمد بن عبد الله العلوي. وسيمر معنا أيضاً طرف من معاملته للعلويين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

خوف المهدي من العلويين:

وأما خوف المهدي من العلويين، فذلك لعله من أوضح الواضحات، فمثلا نرى أنه: عندما أخرج الإمام الكاظمعليه‌السلام من السجن، يطلب منه أن لا يخرج عليه، ولا على أحد من ولده(٢) .

كما أنه قد مكث مدة يطلب عيسى بن زيد، والحسن بن إبراهيم، بعد هربه من السجن.. فقال المهدي يوماً لجلسائه: (لو وجدت رجلاً من الزيدية، له معرفة بآل حسن، وبعيسى بن زيد، وله فقه. فاجتلبه عن طريق الفقه، فيدخل بيني وبين آل حسن، وعيسى بن زيد)، فدله الربيع على يعقوب بن داوود، فلم يزل أمره يرتفع عند الخليفة المهدي، حتى استوزره، وفوضه جميع أمور الخلافة، وخرج كتابه على الدواوين

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٤، ٢٩٥.

(٢) راجع: مروج الذهب، وابن خلكان: ترجمة الإمام الكاظم، وفصل الخطاب، وينابيع المودة، وكشف الغمة، ومرآة الجنان، وصفة الصفوة.

وصرح في ينابيع المودة ص ٣٨٢، ٣٨٣ باتفاق المؤرخين على ذلك.

٥٥

بأنه: قد آخاه(١) . كل ذلك من أجل أن يدله على الحسن بن إبراهيم، وعيسى بن زيد، مع أن يعقوب هذا كان قد سجنه المنصور، لخروجه عليه مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، والمهدي هو الذي أطلقه..

ولكنه لما لم يدله على عيسى بن زيد اتهمه بأنه: يمالئ الطالبيين فسجنه(٢) وبقي في السجن إلى زمن الرشيد، فأخرجه. وقد كف بصره وصار شعره كالأنعام..

خوف الرشيد من العلويين:

وأما الرشيد (الذي ثارت الفتن في زمنه بين أهل السنة والرافضة(٣) ،

____________

(١) الطبري، طبع ليدن ج ١٠ ص ٤٦٤، ٥٠٧، ٥٠٨، ومروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢، والفخري في الآداب السلطانية ص ١٨٤، ١٨٥، وليراجع: الوزراء والكتاب ص ١٥٥ وغير ذلك. وسيأتي في فصل: ظروف البيعة المزيد من الكلام حول نفوذ يعقوب هذا.. ونكتفي هنا بالقول: إنه قد بلغ من نفوذه، أن جاز لبشار أن يقول أبياته المشهورة:

بني أمية هبوا طال نومكـــم

إن الخليفة يعقوب بن داوود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الزق والعـود

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٣١٢، وضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٢، والطبري، وغير ذلك. وفي مرآة الجنان ج ١ ص ٤١٩ وغيره: أنه حبسه في بئر، وبنى عليه قبة، وليراجع الوزراء والكتاب ص ١٥٥ أيضاً.

وقد دخل مروان بن أبي حفصة على المهدي بعد أن سجن يعقوب، وقال له: (إن يعقوب رجل رافضي)..

ومع ذلك.. فإننا نرى البعض يتهم يعقوب هذا بأنه هو الذي وشى للرشيد بالإمام موسى ابن جعفرعليه‌السلام ، فراجع عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٣، وغيره..

(٣) النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٧٧.

٥٦

فقد كان معنياً بالمسألة عن آل علي، وكل من كان ذا نباهة وشأن منهم، كما سيأتي.

وقضيته مع يحيى بن عبد الله بن الحسن، الذي كان قد خرج في الديلم، وحالته السيئة، وهمومه في أيام خروجه، أشهر من أن تحتاج إلى بيان. وكيف لا تأخذه الهموم، وتذهب به الوساوس، وقد اتبع يحيى (خلق كثير، وجم غفير، وقويت شوكته، وارتحل إليه الناس من الكور والأمصار، فانزعج لذلك الرشيد، وقلق من أمره). وكان الساعي بالصلح بينه وبين يحيى هو الفضل بن يحيى، وبسبب تمكنه من إخماد ثورة يحيى عظمت منزلته عند الرشيد جداً، وفرح بذلك الصلح فرحاً عظيماً(١) . وإن كان قد غدر بيحيى بعد ذلك، كما هو معروف ومشهور..

كما أنه عندما ذهب إلى المدينة لم يعط الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، سوى مائتي دينار، رغم أنه كان يعطي من لا يقاسون به الآلاف منها، وكان اعتذاره عن ذلك لولده المأمون، أنه لو أعطاه أكثر من ذلك لم يأمن أن يخرج عليه من الغد مئة ألف سيف من شيعته، ومحبيه صلوات الله وسلامه عليه(٢) .

ثم عاد وسجنه بعد ذلك بحجة أنه كان يجبى إليه الخراج، ثم يدس إليه السم، ويتخلص منه، وذلك هو مصير أكثر الأئمة على يد الخلفاء قبله وبعده.

____________

(١) راجع في ذلك كله: البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٦٧، وعمدة الطالب، طبع بيروت ص ١٢٤، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٩٠.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٩٢، والبحار ج ٤٨ ص ١٣١، ١٣٢.

وقد رأينا أن العباسيين ابتداء من المنصور، بل السفاح ـ مع الإمام الصادقعليه‌السلام ـ كانوا دائما يتهددون الأئمة ـ الذين ما كانوا يجدون الفرصة لأي تحرك، ومن أي نوع، كما سنوضحه ـ ويتهمونهم بأنهم كانوا يدبرون في الخفاء للخروج عليهم، ليجدوا الوسيلة من ثم ـ للتضييق عليهم، والمبرر لسجنهم، ومصادرة أموالهم و و. وكان الأئمة ينفون ذلك، ويدحضون تلك التهم باستمرار.. لكنهم ما كانوا يقبلون منهم ذلك!!

٥٧

وأما في زمن المأمون!

وأما في زمن المأمون: فقد كان الأمر أعظم، وأمر، وأدهى، حيث قد شملت الثورات والفتن الكثيرة من الولايات والأمصار، حتى لم يعد يعرف المأمون من أين يبدأ، ولا كيف يعالج. وأصبح يرى، ويؤلمه أن يرى مصيره، ومصير خلافته في مهب الريح، تتقاذفه الأنواء، ويضري به الأعصار.

عقدة الحقارة لدى العباسيين:

وكان ذلك بطبيعة الحال يزيد من رعب العباسيين، ويضاعف من مخاوفهم.. سيما بملاحظة أنهم كانوا يعيشون عقدة الحقارة والمهانة.

يقول أبو فراس مشيراً إلى ذلك:

ثـم ادعاها بنو العباس ملكهم

ومـا لـهم قـدم فيها ولا قدم

لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا

ولا يـحكم فـي أمر لهم حكم

ولا رآهـم أبو بكر وصاحبه

أهلا لما طلبوا منها وما زعموا

فـهل هم يدعوها غير واجبة

أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا

وقد كتب أبو مسلم للمنصور، من جملة رسالة له: (.. وأظهركم الله بعد الإخفاء، والحقارة والذل، ثم استنقذني بالتوبة الخ)(١) .

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٤. وغيره.

٥٨

وفي رسالة أخرى: (.. حتى عرفكم من كان جهلكم)(١) .

بل لقد صرح المنصور بذلك لعمه عبد الصمد بن علي، حيث قال له: (نحن بين قوم رأونا بالأمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا إلا باستعمال العقوبة، ونسيان العفو) كما سيأتي.

في مواجهة الخطر:

وإذا كان العباسيون يدركون: أن الخطر الحقيقي الذي يتهددهم، إنما هو من قبل أبناء عمهم العلويين، فإن عليهم إذن. أن يتحركوا. أن يفعلوا شيئاً. أن يواجهوا الخطر المحدق بهم بكل وسيلة، وبأي أسلوب كان. سيما وهم يشهدون عن كثب سرعة استجابة الناس للعلويين، وتأييدهم، ومساندتهم لكل دعوة من قبلهم.

فكيف عالج العباسيون الموقف؟!.

وما هو مدى نجاحهم في ذلك؟ إن كان قدر لهم النجاح!!.

سياسة العباسيين ضد العلويين

مما سبق:

قد تقدم معنا بعض ما يدل على مدى نفوذ العلويين، وعلى المكانة التي كانوا يتمتعون بها على العموم. وأنهم هم الذين كانوا يشكلون الخطر الحقيقي على العباسيين، ومركزهم في الحكم..

وقد كان العباسيون يدركون بالفعل هذه الحقيقة، فكان عليهم أن يبعدوهم عن مجال السياسة بأي وسيلة كانت وأن يحدوا ما استطاعوا من نفوذهم، ويضعفوا ما أمكنهم من قوتهم..

وقد اتبعوا من أجل ذلك أساليب شتى، وطرق متنوعة: فحاولوا في بادئ الأمر أن يقارعوهم الحجة بالحجة..

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٦٩، والإمامة والسياسة ج ٢ ص ١٣٣، وغير ذلك.

٥٩

تطوير نظرية الإرث:

وكان من جملة أساليبهم في ذلك أنهم غيروا وبدلوا في السلسلة، التي كانوا يواجهون بها الناس في تقريرهم لشرعية خلافتهم من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذلك لأنهم كانوا في بداية أمرهم يصلون حبل وصايتهم بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثم منه إلى ولده محمد بن الحنفية، ثم إلى ابنه أبي هاشم، ثم إلى علي بن عبد الله بن العباس، فإلى ولده محمد بن علي، فإبراهيم الإمام، ثم منه إلى أخيه السفاح(١) وهكذا..

هذا.. مع إنكارهم لشرعية خلافة أبي بكر وعمر، وعثمان، وغيرهم من خلفاء الأمويين، وغيرهم.

ويتضح إنكارهم وتبرؤهم هذا من كثير من النصوص التاريخية. فمن ذلك قصة أبي عون مع المهدي، التي ستأتي في بعض هوامش هذا الفصل.

ومن ذلك أيضاً قول أبي مسلم في خطبته في أهل المدينة في السنة التي حج فيها في عهد السفاح، قال: (.. وما زلتم بعد نبيه تختارون تيميا مرة، وعدوياً مرة، وأسدياً مرة وسفيانياً مرة، ومروانياً مرة، حتى جاءكم من لا تعرفون اسمه، ولا بيته (يعني نفسه) يضربكم بسيفه، فأعطيتموها عنوة، وأنتم صاغرون، ألا وإن آل محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى، القادة الذادة السادة الخ(٢) . وتقدم قول داوود ابن علي: (لم يقم فيكم إمام بعد رسول الله الخ..) وروى أبو سليمان الناجي، قال: (جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلات لهم، وهو ولي عهد، فبدأ ببني هاشم، ثم بسائر قريش. فجاء السيد أي (الحميري)، فرفع إلى الربيع حاجب المنصور رقعة مختومة، وقال: إن فيها نصيحة للأمير، فأوصلها إليه. فأوصلها.

فإذا فيها:

____________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ١٧٣، ومروج الذهب ج ٣ ص ٢٣٨، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٤٥٤، ٤٥٥، طبع سنة ١٣١٠، وإمبراطورية العرب ص ٤٠٦، وغير ذلك، وقد أشرنا إلى أن هذه هي عقيدة الكيسانية، فراجع.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ٧ ص ١٦١، ١٦٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الحديث الرابع والعشرون:

القائم هو الخامس من ولد الكاظم (عليه السلام)

قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر بن الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمان، قال: دخلتُ على موسى بن جعفر (عليهم السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحق؟

فقال: (أنا القائم بالحق، لكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء الله (عزّ وجلّ) ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وهو الخامس من ولدي؛ له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها قوم، ويثبت فيها آخرون) .

ثمّ قال (عليه السلام): (طوبى لشيعتنا، المتمسِّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا؛ أولئك منّا، ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، والله إنّهم معنا في درجتنا يوم القيامة) (١) .

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٣٦١ / باب ٣٤ / ح٥.

١٠١

الحديث الخامس والعشرون:

القائم هو الرابع من ولد الرضا (عليه السلام)

قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رحمه الله)، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قال عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام): (لا دين لمَن لا ورع له، ولا إيمان لمَن لا تقية له؛ وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية) .

فقيل له: يا ابن رسول الله إلى متى؟

قال: (إلى يوم الوقت المعلوم. وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمَن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا) .

فقيل له: يا ابن رسول الله، ومَن القائم منكم أهل البيت؟

قال: (الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله (عزّ وجلّ) به الأرض من كل جور، ويقدّسها من كلّ ظلم. وهو الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه. فإذا خرج، أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحدٌ أحداً. وهو الّذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل. وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدّعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنّ الحقّ معه وفيه، وهو قول الله (عزّ وجلّ): ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ) (١) ) (٢) .

اللَّهُم أرزقنا لقاء حجّتك خاتم الأوصياء.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) الشعراء: ٤.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٣٧١ / باب ٣٥ / ح٥.

١٠٢

الحديث السادس والعشرون:

الإمام الجواد يحدِّث عبد العظيم الحسني عن القائم (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه): حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهيل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى (عليه السلام): إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال (عليه السلام): (يا أبا القاسم، ما منّا إلاَّ وهو قائم بأمر الله (عزّ وجلّ) وهادٍ إلى دين الله تعالى، ولكنّ القائم بأمر الله الذي يطهّر الله تبارك وتعالى به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً، هو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته. وهو سمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه. وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كلّ صعب. يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله (عزّ وجلّ): ( أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره. فإذا

____________________

(١) البقرة: ١٤٨.

١٠٣

كمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله (عزّ وجلّ)، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (عزّ وجلّ)) .

قال عبد العظيم: فقلت: يا سيدي، وكيف يَعلم أنَّ الله (عزّ وجل) قد رضي؟

قال: (يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت والعزّى فأحرقهما) (١) .

والمقصود من اللاّت والعزّى: أبا بكر وعمر عليهما...

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٣٧٧ و٣٧٨ / باب ٣٦ / ح٢.

١٠٤

الحديث السابع والعشرون:

عبد العظيم الحسني يعرض دينه على الإمام الهادي (عليه السلام)

ما رواه أيضاً أبو محمّد بن شاذان، عن سهل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم المشار إليه (سلام الله عليه)، قال: دخلت على سيدي عليّ بن محمّد (عليه السلام). فلمّا بصرني، قال لي: (مرحباً بك - يا أبا القاسم - أنت وليّنا حقاً) .

فقلت له: يا ابن رسول الله، إنِّي أُريد أن أعرض عليك ديني؛ فإن كان مرضياً، ثبتّ عليه حتى ألقى الله (عزّ وجلّ).

فقال: (هات يا أبا القاسم!) .

فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه. وإنّه ليس بجسم، ولا صورة، ولا عرض، ولا جوهر؛ بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء، ومالكه، وجاعله، ومحْدِثه.

وأنّ محمّداً عبده ورسوله خاتم النبيين. فلا نبي بعده إلى يوم القيامة، [وأنَّ شريعته خاتمة الشرائع، فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة].

وأقول: إنَّ الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ بعده ولداه الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ أنت يا مولاي.

فقال (عليه السلام): (ومِن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟)

١٠٥

قال: فقلت: وكيف ذلك يا مولاي؟

قال: (لأنّه لا يُرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

قال: فقلت: أقررت أنّ وليّهم وليّ الله، وعدوّهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله.

وأقول: إنّ المعراج حق، والمساءلة في القبر حق، وإنّ الجنّة حقّ، وإنّ النار حقّ، والصراط حقّ، وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وإنّ الله يبعث مَن في القبور.

وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقال عليّ بن محمّد (عليهما السلام): (يا أبا القاسم، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) (١) .

لهذا الحديث شرح مفصَّل، إذا أُخِّر بالأجل وأعانني الله تعالى، فسوف أكتب كتاباً مفصَّلاً في شرح هذا الحديث إنْ شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) أقول: ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين: ٣٧٩ و٣٨٠ / باب ٣٧ / ح١، بالإسناد التالي: حدّثنا عليّ بن محمّد بن موسى الدقاق وعليّ بن عبد الله الورّاق (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن هارون الصوفي، قال: حدّثنا أبو تراب عبد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني... الحديث.

١٠٦

الحديث الثامن والعشرون:

المهدي (عليه السلام) ولد ابنة قيصر ملك الروم

قال أبو محمّد ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا محمّد بن زيد الجبار (رضي الله عنه)، قال: قلت لسيدي الحسن بن عليّ (عليهما السلام): يا ابن رسول الله، جعلني الله فداك، أحب أن أعلم مَن الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟

قال (عليه السلام): (إنّ الإمام والحجّة بعدي ابني سميّ رسول الله وكنيّه (صلّى الله عليه وآله)، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه) .

فقلت: ممّن [يتولد] هو يا ابن رسول الله؟

قال: (من ابنة ابن قيصر ملك الروم. ألا إنَّه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فلا يحل لأحد أن يسمّيه أو يكنيّه باسمه وكنيته قبل خروجه (صلوات الله عليه)).

يقول المترجم: (١) إنّي أتعجَّب من كلام صاحب كتاب (كشف الغمة) للشيخ الفاضل العادل عليّ بن عيسى الإربلي (عليه الرحمة)، حيث يقول: من العجيب أنّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد (رحمهما الله)، قالا: أنّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبي، وكنيته كنيته (عليهما الصلاة والسلام)، وهما يظنَّان أنهما لم يذكرا اسمه، ولا كنيته، وهذا عجيب، انتهى (٢) .

____________________

(١) هذا الكلام لمؤلف أصل الكتاب (رحمه الله) وليس لي أنا الأحقر مترجم هذا الكتاب ومختصره.

(٢) كشف الغمة / الشيخ الإربلي: ٢ / ٥١٩ و٥٢٠.

١٠٧

ومن العجيب جداً أنَّ هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته، فإنَّه قد غفل أنّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفُّظ والكنية شيء آخر.

والحال أنَّ عدّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة على النهي عن التسمية والتكنية، مثل الحديث السادس والعشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذُكر فيها أن خاتم الأوصياء يشترك مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالاسم والكنية مثل الحديث المذكور.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

وليعلم أنّه وبسبب طولانية حديث والدة صاحب الأمر (عليه السلام) الماجدة؛ فإنَّنا نقتصر في هذا المقام على ترجمته رعايةً للاختصار (١) :

روى الفضل بن شاذان (٢) وابن بابويه (٣) والشيخ الطوسي (٤) والشيخ الطبرسي (٥) والشيخ الطرابلسي (٦) ، وغيرهم كثيراً جداً من علماء الإمامية (رضي الله عنهم جميعاً) في كتبهم بعباراتٍ مختلفة ومعاني متّفقة.

أمَّا الشيخ الطوسي (عليه الرحمة)، فقد نقل على النحو التالي بسنده عن

____________________

(١) ونحن ننقل الرواية عن أصلها العربي.

(٢) من الأسف الشديد أنَّنا فقدنا كتاب الشيخ الفضل بن شاذان، ولعلّه موجود في زوايا الإهمال من المكتبات الخاصّة، أو أنه موجود في المكتبات الأوروبية التي سرقت كتبنا ولم تسمح للناس بالتعرف عليها، وعلى يقين أنَّه سوف يأتي الزمان الذي تنكشف به تلك الموانع والحجب عن تلكم الأسفار النفسية.

ومن المهم أنَّ السيد المير لوحي ينقل قصة السيدة نرجس (عليها السلام) مباشرة عن كتاب الفضل، وربَّما لو حصلنا على هذا الكتاب لانحل به لغز الإشكال الذي يقول به البعض في سنده.

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤١٧ - ٤٢٣ / الباب ٤١ / ح١.

(٤) الغيبة / الطوسي: ٢٠٨ - ٢١٤ / تحت الفقرة ١٧٨.

(٥) دلائل الإمامة / الطبرسي: ٢٦٢ / الطبعة الأولى / النجف.

(٦) نأسف شديداً فهو كان موجوداً عند المؤلِّف، ولكنّه اليوم يعدّ من الكتب المفقودة.

١٠٨

بشر بن سليمان النخاس، وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن، وأبي محمّد (عليهما السلام) وجارهما بسرّ من رأى:

أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري (عليهما السلام) يدعوك إليه؛ فأتيته. فلمّا جلست بين يديه، قال لي:

(يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أُطلِعُك عليه، وأُنْفذك في ابتياع أمة) .

فكتب كتاباً لطيفاً بخطٍّ روميّ، ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتين وعشرون ديناراً، فقال: خذها، وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوَّاد بني العباس وشرذمة من فتيان العرب. فإذا رأيت ذلك، فاشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض، ولمس المعترض، والانقياد لمَن يحاول لمسها، وتسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنَّها تقول: واهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمئة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود، وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشق على مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه، وأمانته.

فعند ذلك قُم إلى عمر بن يزيد النخّاس، وقل له: إنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية، وخط رومي ووصف فيه كرمه، ووفاءه،

١٠٩

ونبله، وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه. فإن مالت إليه ورضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية. فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بعني من صاحب هذا الكتاب. وحلفت بالمحرّجة والمغلّظة إنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه في ثمنها حتىّ استقّر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير، فاستوفاه (منّي)، وتسلَّمت الجارية ضاحكةً مستبشرة، وانصرفت إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه.

فقالت: أيُّها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب:

إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاثة عشرة سنّة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمئة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقواد العسكر، ونقباء الجيوش، وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر (إلى صحن القصر)، ورفعه فوق أربعين مرقاة.

فلمّا صعد ابن أخيه، وأحدَقَتْ الصلب، وقامت الأساقفة عكّفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخّر الصاعد من العرش مغشياً عليه.

١١٠

فتغيرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدّي):

أيُّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدّالة على زوال دولة هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة:

أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان، واحضروا أخا هذا المدبر العاثر، المنكوس جدّه؛ لأزوّجه هذه الصبية، فيدفع عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني (مثل) ما حدث على الأوّل، وتفرَّق الناس.

وقام جدّي قيصر مغتماً فدخل منزل النساء، وأُرخيت الستور، وأُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً وارتفاعاً، في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد (صلّى الله عليه وآله) وختنه ووصيه (عليه السلام) وعدة من أبنائه (عليهم السلام).

فتقدَّم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد (صلّى الله عليه وآله): يا روح الله، إنِّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (عليه السلام) ابن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون وقال (له): قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل محمّد (عليهم السلام).

قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وزوّجني من ابنه، وشهد المسيح (عليه السلام)، وشهد أبناء محمّد (عليهم السلام)، والحواريوّن.

فلمَّا استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها ولا أبديها لهم، وضرب صدري أبي محمّد (عليه السلام) حتّى امتنعت من الطعام والشراب، فضعفت نفسي، ودق شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاَّ أحضره جدّي، وسأله عن دوائي.

١١١

فلمَّا برح به اليأس، قال:

يا قرة عيني، وهل يخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدي، أرى أبواباً عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومنَّيتهم الخلاص، رجوت أن يهب (لي) المسيح وأمّه عافية.

فلمَّا فعل ذلك، تجلدت في إظهار الصّحة من بدني قليلاً، وتناولت يسيراً من الطعام، فسّر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فأريت (أيضاً)، بعد أربع عشرة ليلة، كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:

هذه سيدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمّد (عليه السلام)، فأتعلق بها، وأبكي، وأشكوا إليها امتناع أبي محمّد (عليه السلام) من زيارتي.

فقالت سيّدة النساء (عليها السلام): إن ابني أبا محمّد لا يزورك، وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى، وهذه أُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضى الله ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) وزيارة أبي محمّد إياك، فقولي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنَّ أبي محمّداً رسول الله.

فلمَّا تكلمت بهذه الكلمة، ضمّتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وطيبت نفسي وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد، فإنِّي منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أنول (١) ، أتوقع لقاء أبي محمّد (عليه السلام).

فلمَّا كان في الليلة القابلة، رأيت أبا محمّد (عليه السلام) وكأنِّي أقول له:

جفوتني - يا حبيبي - بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.

____________________

(١) أنول: يعني أهم. فنالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً؛ بمعنى: سمحت أو همّت. كما في لسان العرب لابن منظور.

وتحتمل العبارة (أقول) كما هو ثبت في نسخ بدل أيضاً.

١١٢

فقال: ما كان تأخري عنك إلاَّ لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان.

فما قطع عنيّ زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد (عليه السلام) ليلة من الليالي أن جدّك سيّسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرةً في زيّ الخدم مع عدد من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتى كان من أمري ما رأيت، وشاهدت، وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي عليه. ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

قلت: العجب أنّك رومية، ولسانك عربي؟

قال: نعم، من ولوع جدّي، وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام.

قال بشر: فلمَّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى، دخلت على مولاي أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: (كيف أراك الله عزّ الإسلام، وذلّ النصرانية، وشرف محمّد وأهل بيته (عليهم السلام)؟)

قالت: كيف أصف لك - يا ابن رسول الله - ما أنت أعلم به منّي؟!

قال: (فإنّي أحببتُ أن أكرمك؛ فما أحبّ إليك، عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟)

قالت: بشرى بولد لي.

١١٣

قال لها: (أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) .

قلت: ممّن؟

قال: (ممّن خطبك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له ليلة كذا، في شهر كذا، من سنة كذا بالرومية) .

قالت: من المسيح ووصيّه؟

قال لها: (ممّن زوجك المسيح (عليه السلام) ووصيه؟)

قالتك: من ابنك أبي محمّد (عليه السلام).

فقال: (هل تعرفينه؟)

قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء (صلوات الله عليها).

قال: فقال مولانا: (يا كافور، ادع أختي حكيمة) .

  فلمّا دخلت قال لها: (ها هيه). فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً.

فقال لها أبو الحسن (عليه السلام): (يا بنت رسول الله، خذيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن؛ فإنَّها زوجة أبي محمّد، وأمّ القائم (عليه السلام)) (١) .

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٠٨ - ٢١٤ / الفقرة رقم ١٧٨. ونقلها ابن شهر آشوب المازندراني في (مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)): ٤/٤٤٠ باختصار؛ ونقلها: الفتال النيشابوري في (روضة الواعظين): ٢٥٢؛ ونقلها: السيد النيلي في (منتخب الأنوار المضيئة): ٥١ - ٦٠ / الطبعة الأولى، مطبعة الخيام / قم؛ ونقلها: السيد هاشم البحراني في (حلية الأبرار): ٢ / ٥١٥؛ ونقلها: الحر العاملي في (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات): ٣ / ٣٦٣ / ح١٧؛ ونقلها: المجلسي في (البحار): ٥١ / ٦ / ح١٢؛ وغيرهم كثير.

١١٤

الحديث التاسع والعشرون:

ولادة المهدي (عليه السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله الملك المنّان): حدّثنا أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) يقول: (الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف بعدي، أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته، ثمّ يظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) (١) .

وبما أنَّ حديث ولادة صاحب الأمر (عليه السلام) طويل أيضاً، فسوف نقتصر على ذكر الترجمة إن شاء الله تعالى (٢) .

روى كثير من محدّثينا، ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه)، بسنده عن موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:

حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، قالت:

بعثّ إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: (يا عمّة، اجعلي إفطارك

____________________

(١) أقول: ورواه الشيخ الصدوق أيضاً في كمال الدين: ٤٠٨ و٤٠٩، بإسناده التالي: حدّثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه) قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن السعود العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليّ بن كلثوم، عن عليّ بن أحمد الرازي، عن أحمد بن إسحاق... الحديث.

(٢) ونحن ننقل أصل هذه الرواية العربي إن شاء الله تعالى.

١١٥

[هذه] الليلة عندنا، فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإنَّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه) .

قالت: فقلت له: ومن أُمّه؟

قال لي: (نرجس) .

قلت له: جعلني الله فداك، ما بها أثر!!

فقال: (هو ما أقول لك) (١) .

ونقل ابن شاذان (عليه الرحمة) في هذا المقام، عن لسان السيدة حكيمة، هذه العبارات: (فجئت إليها)، يعني جئت إلى نرجس، وقد رأيت كلمة (إليها) في بعض نسخ كمال الدين، ولكنِّي لم أرها في أكثر نسخ هذا الكتاب.

وعلى الإجمال: تقول السيدة حكيمة:

فلما سلّمت وجلست جاءت تنزع خفيّ، وقالت لي: يا سيدتي [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟

قالت: فقلت: يا بنّية! إنَّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت.

فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقبّة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعةً، وهي راقدة؛ ثمّ قامت فصلّت ونامت.

____________________

(١) كمال الدين / الشيخ الصدوق: ٤٢٤.

١١٦

قالت حكيمة: وخرجت أتفقَّد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان، وهي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) من المجلس، فقال: (لا تعجلي يا عمّة، فهاك الأمر قد قرب) .

قالت: فجلست وقرأت (آلم) السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهتْ فزعةً، فوثبتُ إليها، فقلت: اسم الله عليك؛ ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟

قالت: نعم يا عمّة.

فقلت لها: اجمعي نفسك، واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

قالت [حكيمة]: (١) فأخذتني فترة، وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عليه السلام) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظف (٢) .

ويفهم من بعض الأحاديث أنَّه كلَّما كانت تقرأ السيدة حكيمة من القرآن حين الولادة، فكان (عليه السلام) يقرأ مثلها وهو في بطن أمه (٣) .

____________________

(١) هذه الزيادة وردت في بعض النسخ، ونقلها السيد هاشم البحراني في كتابه: (تبصرة الولي في مَن رأى القائم المهدي (عليه السلام))، النسخة المخطوطة في مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي في قم.

(٢) في النسخة المذكورة في الهامش السابق. بدل (متنظف) (منظف).

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٨ / الباب ٤٢ / ح٢، عن السيدة حكيمة (عليها السلام) أنَّها قالت: فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام) وقال: (اقرئي عليها: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ) .

فأقبلت أقرأ عليها، وقلت لها: ما حالك؟

قالت: ظهر بي الأمر الّذي أخبرك به مولاي.

فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ، وسلّم عليّ.

قالت حكيمة: ففزعت لمَّا سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (لا تعجبي من أمر الله (عزَّ وجلَّ) إنّ الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجّةً في أرضه كباراً) .

فلم يستتمّ الكلام حتّى غُيّبت نرجس، فلم أرها، كأنّه ضرب بيني وبينها حجاب... الحديث.

١١٧

ويعلم من حديث آخر أنَّه (عليه السلام) قد ولد مختوناً (١) .

ويستفاد من هذا الحديث، ومن حديث آخر أنَّ الملائكة قد غسَّلته بماء الكوثر والسلسبيل ليكون طاهراً مطهراً (٢) .

تقول السيدة حكيمة (عليها السلام): فصاح بي أبو محمّد (عليه السلام): (هلمّي إليّ ابني يا عمّة) ، فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثمّ أدلى لسانه في فيه، وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال: (تكلم يا بني!)

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة (عليهم السلام) إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم.

ثمّ قال أبو محمّد (عليه السلام): (يا عمّة، اذهبي به إلى أُمّه ليسلّم عليها، وائتني به) .

فذهبت به، فسلّم عليها، ورددته، فوضعته في المجلس ثمّ قال: (يا عمّة، إذا كان يوم السابع فأتينا).

قالت حكيمة:

فلمّا أصبحت، جئت لأسلِّم على أبي محمّد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقّد سيدي (عليه السلام)، فلم أره؛ فقلت: جعلت فداك ما فعل سيّدي؟

فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعته أمّ موسى (عليه السلام)) .

____________________

(١) راجع: كمال الدين / الصدوق: ٤٣٣ / الباب ٤٢ / ح ١٤، بإسناده عن محمّد بن عثمان العمريّ (قدّس الله روحه) أنَّه قال: ولد السّيد (عليه السلام) مختوناً. وسمعت حكيمة تقول: لم يُر بأُمه دمٌ في نفاسها، وهكذا سبيل اُمّهات الأئمّة (عليهم السلام).

(٢) كما سوف يرويه المؤلف عن كتاب الشيخ الفضل بن شاذان في الحديث الثلاثين عن الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: (وكان أوّل مَن غسّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرّبين بماء الكوثر، والسلسبيل...)

١١٨

قالت حكيمة:

فلمَّا كان في اليوم السابع، جئت فسلّمت وجلست، فقال: (هلمّي إليّ ابني) .

فجئت بسيدي (عليه السلام) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأُولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال: (تكلَّم يا بنيّ) .

فقال: (أشهد أن لا إله إلاَّ الله) ، وثنّى بالصلاة على محمّد، وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) حتى وقف على أبيه (عليه السلام)، ثمّ تلا هذه الآية: ( وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (١) (٢) .

ونقل القطب الراوندي (رحمه الله) مسنداً، كما هو موجود أيضاً في الكتب المعتبرة، أنَّه (عليه السلام) قال بعد أن قرأ الآية: (وصلّى الله على محمّد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ أبي) (٣) .

وموسى بن محمّد بن القائم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) هو من مشاهير أولاد الحمزة بن الإمام موسى (عليه السلام).

وقال راوي هذا الخبر المعتبر: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت: صدقت حكيمة (٤) .

رحمة الله عليها، ورحمة الله عليهما.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) القصص: ٥.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٤ - ٤٢٦ / باب ٤٢ / ح١.

(٣) الخرائج والجرائج / الفقيه المحدّث قطب الدين الراوندي: ١ / ٤٥٦ / باب ١٢ / ح١.

(٤) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٤ - ٤٢٦ / باب ٤٢ / ح١.

١١٩

الحديث الثلاثون:

رضوان خازن الجنان يغس ّل المهدي (عليه السلام) حين ولادته

قال أبو محمّد بن شاذان (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسين بن عبيد الله بن عباس بن عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: (قد ولد وليّ الله وحجته على عباده وخليفتي من بعدي مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين عند طلوع الفجر. وكان أوّل مَن غسَّله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقرَّبين، بماء الكوثر والسلسبيل؛ ثمّ غسلتّه عمتي حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)) .

فسئل محمّد بن عليّ بن حمزة (رضي الله عنه) عن أُمه (عليها السلام).

قال: أُمه مليكة التي يقال لها في بعض الأيام (سوسن)، وفي بعضها (ريحانة)، وكان (صقيل) و(نرجس) أيضاً من أسمائها (سلام الله عليها).

والسلام على مَن اتبع الهدى.

وقال ابن بابويه رحمة الله عليه: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقان [(رضي الله عنه)] (١) ، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن جليلان (٢) ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن غياث بن أسيد، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) يقول:

لمَّا ولد الخلف المهديّ (صلوات الله عليه)، سطع نورٌ من فوق رأسه إلى عنان

____________________

(١) سقطت من النسخة.

(٢) في المصدر المطبوع: (خليلان) بدل (جليلان).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256