مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)23%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72610 / تحميل: 9008
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه (عزّ وجلّ)، ثمّ رفع رأسه وهو يقول: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١) .

قال: وكان مولده يوم الجمعة (٢) .

وقال ابن بابويه (رحمه الله) أيضاً: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان عن محمّد بن الحسين بن زيد، عن أبي أحمد [محمّد] بن زياد الأزديّ، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول لمَّا ولد الرضا (عليه السلام):

(إن ابني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً، وليس من الأئمّة أحد إلاَّ ويولد مختوناً طاهراً مطهّراً، ولكنّا سنمرّ المُوسَى عليه لإصابة السّنة واتباع الحنيفية) (٣) .

* * *

____________________

(١) آل عمران: ١٨.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٤٣٣ / باب ٤٢ / ح١٣.

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤٣٣ / باب ٤٢ / ح١٥.

١٢١

الحديث الحادي والثلاثون:

أُمّ المهدي (عليه السلام) تخبر عمّا حدث حين ولادته (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه وعلى أبويه): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدّثنا أبو عليّ الخيزرانيّ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عليه السلام)، فلمَّا أغار جعفر الكذّاب على الدار، جاءته فارّة من جعفر، فتزوَّج بها.

قال أبو عليّ: حدّثني أنّها حضرت ولادة السيّد (عليه السلام)، وأنّ اسم أمّ السيّد (عليه السلام) صقيل، وأنّ أبا محمّد (عليه السلام) حدّثها بما يجري على عياله، فسألته أن يسأل (١) الله (عزّ وجل) أن يجعل ميتتها (٢) قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عليه السلام)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: (هذا قبر أمّ محمّد).

قال أبو عليّ: وسمعت هذه الجارية تقول: (٣) إنّه لمّا ولد السيّد (عليه السلام)، رأت له (٤) نوراً ساطعاً قد ظهر منه، وبلغ أفق السماء، ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه، ووجهه وسائر جسده، ثم تطير.

____________________

(١) في المصدر المطبوع: (يدعو) بدل (يسأل).

(٢) في المصدر المطبوع: (منيتها) بدل (متتها).

(٣) في المصدر المطبوع: (تذكر) بدل (تقول).

(٤) في المصدر المطبوع: (لها) بدل (له).

١٢٢

فأخبرنا أبا محمّد (عليه السلام) بذلك، فضحك، فقال: (تلك الملائكة نزلت [ من السماء ] (١) للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج) (٢) .

عليه وعلى آبائه المعصومين صلوات الله تبارك وتعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) سقطت من المصدر المطبوع.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٤٣١ / باب ٤٢ / ح٧.

١٢٣

الحديث الثاني والثلاثون:

حديث نسيم ومارية الخادمتين عن ولادته (عليه السلام)

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن عليّ بن الحسين (قدس الله سرّهما): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطار (رضي الله عنه)، قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبدالله بن موسى بن جعفر بن محمّد (عليه السلام)، عن السيّاري قال: حدّثني نسيم ومارية، قالتا:

لمّا سقط صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن أمّه، [سقط] (١) جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابته (٢) إلى السماء، ثم عطس، فقال: (الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة. لو أذن الله لي في الكلام لزال الشكّ) .

قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله: وحدّثني نسيم خادمة (٣) أبي محمّد (عليه السلام) قالت:

قال لي صاحب الزمان (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: (يرحمك الله!)، قالت نسيم: ففرحت بذلك.

____________________

(١) سقطت من المصدر المطبوع.

(٢) في المصدر المطبوع: سبّابتيه.

(٣) في المصدر المطبوع: خادم.

١٢٤

فقال [لي] (١) (عليه السلام): (ألا أُبشرك في العطاس؟)

فقلت: بلى [بلى يا مولاي] (٢) .

فقال: (هو أمان من الموت ثلاثة أيام) (٣) .

وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث في كتابه في محلٍ ثانٍ عن إبراهيم بن محمّد العلويّ، حيث قال هناك: وبهذا الإسناد عن إبراهيم بن محمّد العلويّ قال: حدّثني طريف أبو نصر، قال: دخلت على صاحب الزمان (عليه السلام) [وهو في المهد] (٤) ، فقال: (عليّ بالصندل الأحمر) ، فأتيته به، ثمّ قال: (أتعرفني؟)، قلت: نعم. فقال: (مَن أنا؟)

فقلت: أنت سيّدي وابن سيّدي.

فقال: (ليس عن هذا سألتك) .

قال طريف: فقلت: جعلني الله فداك، فبيّن لي.

قال: (أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع الله (عزّ وجلّ) البلاء عن أهلي وشيعتي) (٥) .

وقال الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي (نور الله مرقده):

وفي رواية أخرى عن جماعة من الشيوخ: أنَّ حكيمة حدّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب (عليه السلام))، وذكرت أنَّه كان ليلة النصف

____________________

(١) سقطت من النسخة.

(٢) سقطت من النسخة.

(٣) كمال الدين / الصدوق: ٤٣٠ / باب ٤٢ / ح٥.

أقول: ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة / ص ٢٤٥، تحت فقرة رقم ٢١١، وفي ٢٣٢ / فقرة رقم ٢٠٠؛ إثبات الوصية / للمسعودي: ص ٢٦١ / ط مؤسسة أنصاريان / قم ١٤١٧ هـ؛ وفي إعلام الورى / للطبرسي: ٢/٢١٧، وفي الخرائج والجرائح / للراوندي: ٢ / ٦٩٣ و٦٩٤؛ وفي الثاقب في المناقب / للفقيه عماد الدين الطوسي المعروف بابن حمزة: ٢٠٣ / ح١٨٠ / الفصل ١١ / ح٩.

(٤) سقطت من المصدر المطبوع.

(٥) كمال الدين / الصدوق: ٤٤١ / باب ٤٣ / ح١٢.

١٢٥

من شعبان، وأنَّ أمّه نرجس، وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحسّ سيّدي، وبصوت أبي محمّد (عليه السلام) وهو يقول: (يا عمتي، هاتي ابني إليّ) .

فكشفت عن سيّدي، فإذا هو ساجد متلقياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: ( جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ) (١) .

فضممته إليّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملته إلى أبي محمّد (عليه السلام).

وذكروا الحديث إلى قوله: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً) . ثمّ لم يزل يعدّ السادة، والأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه بالفرج على يديه، ثمّ أحجم.

وقالت: ثم رُفع بيني وبين أبي محمّد (عليه السلام) كالحجاب، فلم أرَ سيّدي، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيدي أين مولاي؟

فقال: (أخذه من هو أحقّ منك ومّنا).

[ثم] (٢) وذكروا الحديث بتمامه وزادوا فيه:

فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمّد (عليه السلام): (هذا المولود الكريم على الله (عزّ وجلّ)) .

فقلت: سيّدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟!

فتبسّم وقال: (يا عمّتي، أما إنّا - معاشر الأئمّة - ننشؤ في اليوم ممَّا ينشؤ غيرنا في السنة؟!)

فقمت وقبَّلت رأسه، وانصرفت، ثمّ عدتّ وتفقدته، فلم أره؛ فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟

____________________

(١) بني إسرائيل: ٨١.

(٢) هذه الزيادة في المصدر.

١٢٦

فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعت أُمّ موسى (عليه السلام)) (١) .

وكان الهدف من كتابة هذا الحديث شيئين:

أوّلهما: أنَّه عندما ولد (عليه السلام) كان مكتوباً على ذراعه بقلم القدرة: ( جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَاًنَ زَهُوقا ) (٢) .

ثانيهما: أنَّ السيّدة حكيمة قال: فلمّا كان بعد أربعين يوماً، دخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، فإذا مولانا الصاحب (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته؛ فقال أبو محمّد (عليه السلام): (هذا المولود الكريم على الله (عزّ وجلّ))، فقلت: سيدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً! فتبسمّ، وقال: (يا عمّتي؛ أما علمت إنّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة) . فقمت، وقبَّلت رأسه، وانصرفت، ثمّ عدت وتفقدته فلم أره، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): ما فعل مولانا؟ فقال: (يا عمّة، استودعناه الذي استودعت أمّ موسى (عليه السلام)) .

وجاء في رواية أخرى ما خلاصته: أنَّ الإمام الحادي عشر أمَرَ روح القدس الذي ظهر على صورة الطير، أن يأخذه (عليه السلام)، وكان باقي الملائكة تنزّلت على صورة الطيور، فاتبعته، فبكت السيدة نرجس، فسلاّها الإمام (عليه السلام)، فقال لها: (اسكتي، فإن الرضاع [محرّم] عليه إلاَّ من ثدييك، وسيعاد إليك كما ردّ موسى (عليه السلام) إلى أُمه، وذلك قول الله (عزّ وجلّ): ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى‏ أُمّهِ كَيْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ ) (٣) .

ومَن أراد تفصيل هذا الحديث فليرجع إلى كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، وكتاب (الفرج الكبير) (٤) .

____________________

(١) الغيبة / الطوسي: ٢٣٩ و٢٤٠ / فقرة رقم ٢٠٧.

(٢) بني إسرائيل: ٨١.

(٣) القصص: ١٣.

(٤) كمال الدين / الصدوق: ٤٢٦ - ٤٣٠ / باب ٤٢ / ح٢. وكما قدَّمنا فإنَّ كتاب (الفرج الكبير) قد فجعنا بفقده، وأنَّه كان موجوداً عند المؤلِّف.

١٢٧

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، ومحمّد بن موسى المتوكّل، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار (رضي الله عنهم)، قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، قال: حدّثني إسحاق بن روح البصري، عن أبي جعفر العمري، قال:

لما ولد السيّد (عليه السلام)، قال أبو محمد (صلوات الله عليه): (ابعثوا إليّ بأبي عمرو) (١) .

فبعث إليه، فصار إليه، فقال له: (اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً، وعشرة آلاف رطل لحماً وفرّقه) .

قال: أحسبه، قال: (على بني هاشم، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة) (٢) .

قال الفضل بن شاذان: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال:

لمَّا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، وهو رجل شديد النصب، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فأُخبرت بذلك، وغلب عليّ خوف عظيم، فودّعت أهلي وأحبائي، وتوجَّهت إلى دار أبي محمد(عليه السلام) لأودّعه، وكنت أردت الهرب، فلمَّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه، وكاد أن أنسى ما كنت فيه من الخوف والهرب، فقال: (يا إبراهيم، لا تهرب؛ فإنّ الله تبارك وتعالى سيكفيك شره).

فازداد تحيُّري، فقلت لأبي محمّد (عليه السلام): يا سيّدي! جعلني الله فداك، مَن هو، وقد أخبرني بما كان في ضميري؟

فقال: (هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها عدلاً وقسطاً) .

فسألته عن اسمه؛ قال: (هو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنيّه. لا يحل لأحد

____________________

(١) في المصدر المطبوع: (ابعثوا إلى أبي عمرو) .

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٤٣٠ و٤٣١ / باب ٤٢ / ح٦.

١٢٨

أن يسمّيه باسمه، أو يكنّيه بكنيته، إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم - يا إبراهيم - ما رأيت وسمعت عنّا اليوم إلاَّ عن أهله) .

فصلّيت عليهما وآبائهما، وخرجت مستظهراً بفضل الله تعالى، واثقاً بما سمعته من الصاحب (عليه السلام)، فبشّرني عمّي علي بن فارس بأنَّ المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه، وأمره بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطّعه عضواً عضواً، والحمد لله رب العالمين.

وبما أنَّه أُشير في الحديث العشرين والحادي والثلاثين إلى قبائح جعفر الكذّاب؛ فلذلك نذكر في هذا المقام بعد حديث وفاة الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليهما السلام) نبذة من الصفات الذميمة لجعفر المذكور.

نقل الشيخ أبو عبد الله محمّد بن هبة الله الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير)، وروى بسنده عن أبي الأديان وكان خادم الإمام (عليه السلام) أنَّه قال (١) : (...

____________________

(١) نظراً لضياع كتاب (الفرج الكبير) للطرابلسي، وعدم وجود نسخة له كحال الكتب الثمينة التي ضاعت ولم تصل إلينا، فلذلك ارتأينا أن نترجم النص ونرجعه إلى لغته الأصلية العربية؛ وبما أنَّ الأقرب لها هي الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين؛ فنحن ننقل الترجمة عن النّص الموجود في (كمال الدين)، ونسقط منه الأشياء التي هي غير موجودة في الترجمة؛ ليكون النص الجديد أقرب إلى ما في (الفرج الكبير) والله تعالى أعلم.

ولأنَّنا وجدنا المؤلف لا يلتزم بالترجمة الحرفية، فلذلك احتملنا أن تكون بعض الزيادات هنا ناتجة لتسامحه في الترجمة، فلذلك احتطنا فنقلنا النص كما في كمال الدين / الصدوق: ٤٧٥ و٤٧٦.

(وحدّثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسين بن عليّ بن محمّد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت عليه في علّته التي توفِّي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتاباً، وقال: (امض بها إلى المدائن، فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل).

قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمَن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم من بعدي) ، فقلت: زدني، فقال: (مَن يصلِّي عليّ فهو القائم من بعدي) ، فقلت: زدني، فقال: (مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي) ، ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان. =

١٢٩

دخلت [على الإمام (عليه السلام)] في علّته التي توفِّي فيها (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتباً وقال: (أمض بها إلى فلان وفلان وكثير من أصحابنا. واعلم أنَّك

____________________

= وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سرّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي (عليه السلام)، فإذا أنا بالواعية في داره، وإذا به على المغتسل، وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة؛ لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدّمت فعزّيت وهنّيت، فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي، قد كُفِّن أخوك، فقم وصلِّ عليه. فدخل جعفر بن عليّ والشيعة من حوله يقدمهم السمّان والحسن بن عليّ، قتيل المعتصم المعروف بسلمة.

فلمَّا صرنا في الدار، إذا نحن بالحسن بن عليّ (صلوات الله عليه) على نعشه مكفَّناً، فتقدَّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه. فلمّا همّ بالتكبير، خرج صبيّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن عليّ وقال: (تأخر - يا عمّ - فأنا أحقّ بالصلاة على أبي) ، فتأخَّر جعفر، وقد اربدّ وجهه واصفرّ.

فتقدَّم الصبي وصلّى عليه ودُفن إلى جانب قبر أبيه (عليهما السلام)، ثمّ قال: (يا بصريّ، هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه) ، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان، بقي الهميان.

ثم خرجت إلى جعفر بن عليّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي، من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطّ ولا أعرفه. فنحن جلوس، فقدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، فعرفوا موته، فقالوا: فمَن [نعزِّي]؟ فأشار الناس إلى جعفر بن عليّ فسلّموا عليه وعزّوه وهنّوه، وقالوا: إن معنا كتباً ومالاً، فتقول ممَّن الكتب؟ وكم المال؟، فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب، قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [وفلان]، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير فيها مطلية. فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام، فدخل جعفر بن عليّ على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية، فطالبوها بالصبي، فأنكرته وادعت حبلاً بها لتغطّى حال الصبيّ، فسُلِّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزّنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين.

١٣٠

الحديث الثالث والثلاثون:

الإمام العسكري يعرض ولده المهدي على أحمد بن إسحاق

قال الصدوق (عليه رحمة الله الملك الغفور) في كتابه المزبور: حدّثنا عليّ بن عبد الله الورّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:

دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وأنا أُريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: (يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة، من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض) .

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمَن الخليفة والإمام بعدك؟

فنهض (عليه السلام) مسرعاً، فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال: (يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله (عزّ وجلّ) وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا؛ إنَّه سمّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكنّيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلمّاً.

يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأُمّة كمثل الخضر (عليه السلام)، ومثله مثل ذي القرنين. والله، ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلاَّ مَن ثبّته الله (عزّ وجلّ) على القول بإمامته، ووفَّقه للدّعاء بتعجيل فرجه) .

١٣١

قال (١) أحمد بن إسحاق: قلت: (٢) يا مولاي، هل (٣) من علامة يطمئن إليها قلبي؟

فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح، فقال: (أنا بقيّة الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه؛ فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق!)

[فقال أحمد بن إسحاق]: (٤) فخرجت فرحاً مسروراً (٥) .

فلمّا كان من الغد، عدت إليه، فقلت (٦) : يا ابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليّ، فما السُنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟

فقال: (طول الغيبة، يا أحمد)

فقلت [له] (٧) : يا ابن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟

قال: (إي وربّي، حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلاَّ مَن أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه.

يا أحمد بن إسحاق، هذا أمرٌ من [أمر] الله جلّت عظمته، وسرٌّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين، تكن معنا [غداً] في علِّيِّين) (٨) .

اللَّهُم ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) في المصدر: فقال.

(٢) في المصدر: فقال له.

(٣) في المصدر: فهل.

(٤) سقطت من النسخة.

(٥) في المصدر: فخرجت مسروراً فرحاً.

(٦) في المصدر: فقلت له.

(٧) سقطت من المصدر.

(٨) كمال الدين / الصدوق: ٣٨٤ و٣٨٥ / باب ٣٨ / ح١.

١٣٢

الحديث الرابع والثلاثون:

رشيق المادراني يهجم على بيت الإمام (عليه السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله المَلِك المنان): حدّثنا محمّد بن عبدالله بن الحسين بن سعد الكاتب (رضي الله عنه)، قال: قال أبو محمّد (عليه السلام):

(قد وضع بنو أُميَّة وبنو العباس سيوفهم علينا لعلَّتين:

إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون أنَّه ليس لهم في الخلافة حقّ، فيخافون من ادعائنا إيَّاها وتستقر في مركزها.

وثانيتهما: أنّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنَّ زوال مُلك الجبابرة والظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنّهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإبادة نسله؛ طمعاً منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم (عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاَّ أن يتم نوره ولو كره المشركون) .

ومن مؤيِّدات هذا الحديث، ما نقله الشيخ الطوسي (١) ، والشيخ الطرابلسي، والشيخ الراوندي (٢) ، وكثير غيرهم (٣) ، عن رشيق المادرائي، ما مضمونه بما يوافق

____________________

(١) الغيبة / الطوسي: ٢٤٨ و٢٤٩ / تحت فقرة ٢١٨.

(٢) الخرائج و الجرائح / الراوندي: ١ / ٤٦٠ / ح٥.

(٣) فرج المهموم / السيد ابن طاووس: ٢٤٨؛ منتخب الأنوار المضيئة / النيلي: ١٤٠؛ إثباة الهداة / الحر العاملي: ٣ / ٦٨٣ / ح٩٢.

١٣٣

نقل بعضهم، أنه حدّث رشيق حاجب المادراني قال: (بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر، ونخرج مخفّين على السروج ونجنب أخرى، وقال: الحقوا بسامراء، واكبسوا دار الحسن بن عليّ فإنَّه توفِّي، ومَن رأيتم في داره فأتوني برأسه.

فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدناها داراً سريّة كأنَّ الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخرى، فدخلناها وكأنَّ بحراً فيها وفي أقصاه حصير، وقد علمنا أنَّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة، قائمٌ يصلِّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا؛ فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطَّى، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلَّصته وأخرجته، فغشي عليه وبقي ساعة.

وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك، فناله مثل ذلك.

فبقيت مبهوتاً، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر وإلى مَن نجئ، وأنا تائب إلى الله.

فما التفت إليَّ بشيء ممَّا قلت؛ فانصرفنا إلى المعتضد، فقال: اكتموه وإلاّ ضُربت رقابكم (١) . (فما جسرنا أن نحدِّث به إلاَّ بعد موته) (٢) .

الحمد لله الذي يصون حجته من شرّ الأعداء.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كشف الغمة / المحقق الإربلي ٢: ٤٩٩ و٥٠٠.

(٢) الغيبة / الطوسي: ٢٥٠.

١٣٤

الحديث الخامس والثلاثون:

رؤية الأودي للمهدي (عليه السلام) في الطواف

قال عماد الدين أبو جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو القاسم عليّ بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدّثنا الأودي، قال:

بينا أنا في الطواف وقد طفت ستاً، وأنا أُريد أن أطوف السابع، فإذا بحلقة عن يمين الكعبة وشابٌّ حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب، ومع هيبته متقرّبٌ إلى الناس يتكلَّم؛ فلم أرَ أحسن من كلامه، ولا أعذب من منطقه، وحسن جلوسه، فذهبت أكلمّه، فزبرني الناس، فسألت بعضهم: مَن هذا؟

فقالوا: هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يظهر للناس في كل سنة يوماً لخواصّه يحدّثهم.

فقلت: يا سيدي! أتيتك مسترشداً، فأرشدني هداك الله (عزّ وجلّ)، فناولني (عليه السلام) حصاة، فحوّلت وجهي.

فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟

فقلت: حصاة وكشفتُ يدي عنها، فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به (عليه السلام) قد لحقني، فقال لي: (ثبتت عليك الحجّة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟)

١٣٥

قلت: لا.

فقال (عليه السلام): (أنا المهدي، وأنا قائم الزمان، أنا الّذي أملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً؛ إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس في فترة، فهذه أمانة تُحدِّث بها إخوانك (١) من أهل الحق) (٢) .

والسلام على على مَن اتبع لهدى.

* * *

١٣٦

الحديث السادس والثلاثون:

المهدي (عليه السلام) يغيث رجلاً من الشيعة

قال الحسن بن حمزة العلوي الطبري (قدس سرّه) في كتابه الموسوم بكتاب (الغيبة): حدّثنا رجل صالح من أصحابنا، قال: خرجت سنة من السنين حاجّاً إلى بيت الله الحرام، وكانت سنة شديدة الحر، كثيرة السموم؛ فانقطعت عن القافلة، وضللت الطريق، فغلب عليّ العطش حتى سقطت، وأشرفت على الموت، فسمعت صهيلاً، ففتحت عيني، فإذا بشاب حسن الوجه، حسن الرائحة، راكب على دابة شهباء، فسقاني ماءً أبرد من الثلج، وأحلى من العسل، ونجّاني من الهلاك.

فقلت: يا سيدي مَن أنت؟

قال: (أنا حجّة الله على عباده، وبقية الله في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، أنا ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)).

ثم قال: (أخفض عينيك) . فخفضتها. ثم قال: (افتحهما) . ففتحتهما، فرأيت نفسي في قدام القافلة؛ ثم غاب عن نظري.

صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والأوصياء.

والسلام على مَن أتبع الهدى.

* * *

١٣٧

الحديث السابع والثلاثون:

بعض مَن رأى الإمام المهدي (عليه السلام)

قال أبو محمّد ابن شاذان (رفع الله رتبه في الجنان): حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (صلّى الله عليه وآله)، قال: حدّثنا حماد بن عيسى، قال: حدّثنا عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام): (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلاَّ يظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يدٍ قائمنا لإتمام الحجّة على الأعداء) .

والسلام على من اتبع الهدى.

انقدح في ذهن القاصر أن أذكر في ضمن هذا الحديث بعض مَن وفّق بشرف رؤية الحجة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) مع قليل من المعجزات الباهرات لمنتجب خالق الأرض والسماوات.

[رؤية محمّد بن إسماعيل للحجة (عليه السلام)]:

قال الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقَّب بالمفيد (عليه رحمة الله الملك المجيد) في كتاب (الإرشاد) (باب ذكر مَن رأى الإمام الثاني عشر (عليه السلام) وطرف من دلائله وبيِّناته): وبعد ذكر سند روايته عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، قال: (وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالعراق)، ثم نقل قوله أنَّه قال: (رأيت ابن الحسن بن عليّ بن محمّد (عليهم السلام) بين المسجدين وهو غلام) (١) .

____________________

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥١.

١٣٨

[رؤية حكيمة عمّة العسكري (عليه السلام) للحجة (عليه السلام)]:

وقال الشيخ (رحمة الله عليه) أيضاً ما ملخّصه: إنَّ حكيمة بنت محمد بن عليّ قد رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك.

وروى الشيخ ما مجمله: أنَّ حكيمة بنت محمّد بن عليّ قد رأته (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك (١) .

وعن عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي أنَّه قال: قلت لأبي عمرو العمري: قد مضى أبو محمّد؟

فقال لي: قد مضى، وذلكنَّ قد خلّف فيكم مَن رقبته مثل هذه - وأشار بيده - (٢) .

وقال فتح مولى الزراري، قال: سمعت أبا عليّ بن مطهّر يذكر أنَّه رآه، ووصف له قدّه (٣) .

وروى محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، عن خادمةٍ لإبراهيم بن عبدة النيشابوري - وكانت من الصالحات - أنَّها قالت: كنت واقفةً مع إبراهيم على الصفا، فجاء صاحب الأمر (عليه السلام) حتى وقف معه وقبض على كتاب مناسكه، وحدّثه بأشياء (٤) .

وروى عن أبي عبد الله بن صالح: أنَّه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه، وهو يقول: (ما بهذا أمروا) (٥) .

____________________

(١) الإرشاد / المفيد ٢: ٣٥١، قال: (أخبرني أبو القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله قال: حدّثني موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر قال: حدّثني حكيمة بنت محمّد بن علي - وهي عمّة الحسن (عليه السلام) - أنَّها رأت القائم (عليه السلام) ليلة مولده وبعد ذلك.

(٢) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥١ و٣٥٢.

(٣) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٢.

(٤) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٢.

(٥) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٢ و٣٥٣.

١٣٩

وروى عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنَّه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضيّ أبي محمّد حين أيفع، وقبّلت يده ورأسه (١) .

وروى عن القنبري قال: جرى حديث جعفر بن علي فذّمه، فقلت: فليس غيره؟

قال: بلى.

قلت: فهل رأيته؟

قال: لم أره، ولكن غيري رآه.

قلت: مَن غيرك؟

قال: قد رآه جعفر مرّتين (٢) .

ورآه (عليه السلام) أبو نصر طريف الخادم أيضاً.

وأمثال هذه الأخبار في هذا المعنى كثيرة، وهو كافٍ لِمَا رمناه من الاختصار؛ لأنّنا ذكرنا قبل هذا أهمّ المطالب في باب وجوده وإمامته (عليه السلام)، وما سوف يأتي بعد هذا فهو زيادة في التأكيد.

ثمّ ذكر الشيخ (رحمة الله عليه) بعد ذلك بعض معجزاته (عليه السلام)، ومن جملة معاجزه (عليه السلام)، التي رواها الشيخ (عليه الرحمة) وغيره:

أنَّ محمّد بن أبي عبد الله السياري قال: أوصلت أشياءً للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت وردّ عليّ السوار، وأُمرت بكسره فكسرته، فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر، فأخرجته وأنفذت الذهب بعد ذلك فقَبِل (٣) .

والرواية الأخرى: أوصل رجل من أهل السواد مالاً، فردّ عليه، وقيل له: (أخرج حقّ ولد عمّك منه، وهو أربعمئة درهم) .

____________________

(١) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٣.

(٢) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٣.

(٣) الإرشاد / الشيخ المفيد ٢: ٣٥٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فـلا جزيت بنو العباس خيراً

على رغمي ولا اغتبطت بري

أتـوني مـهطعين، وقد أتاهم

بـوار الـدهر بالخبر الجلي

وقد ذهل الحواضن عن بنيها

وصـد الثدي عن فمه الصبي

وحـل عصائب الأملاك منها

فـشدت فـي رقاب بني علي

فضجت أن تشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث النبي(١)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.). والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً (أهل بيت أمير المؤمنين) حيث قال لهم: (.. راجين عائدته في ذلك (أي في البيعة للرضاعليه‌السلام ) في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.) فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الإبقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم (يعني للعلويين) عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.).

____________

(١) التنبيه والإشراف ص ٣٠٣، والولاة والقضاة للكندي ص ١٦٨.

١٨١

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: (.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..).

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، (وقد حدث ذلك بالفعل) عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضاعليه‌السلام ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمامعليه‌السلام ، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمامعليه‌السلام يكبره بـ (٢٢) سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

١٨٢

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(١) . حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

____________

(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.

١٨٣

وثانياً: ولنفس السبب(١) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضاعليه‌السلام .

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضاعليه‌السلام ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمامعليه‌السلام بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجوادعليه‌السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(٢) .

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي

____________

(١) التربية الدينية ص ١٠٠.

(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩: أنهعليه‌السلام لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضاعليه‌السلام ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضاعليه‌السلام ، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاتهعليه‌السلام ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

١٨٤

يستعملها في القضاء على الإمامعليه‌السلام ، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(١) ، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمامعليه‌السلام لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمامعليه‌السلام ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(٢) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.).

____________

(١) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

(٢) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظمعليه‌السلام من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٢٦، والمجلسي في البحار ج ٥٠ / ٢٠٣، والمفيد في الإرشاد ص ٣١٤.

١٨٥

ويذكرني قول المأمون: (ومواساتهم في الفيء إلخ..) بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(١) ، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: (.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.)(٢) .

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:

الهدف الأول:

أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمامعليه‌السلام أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.

____________

(١) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٦٢٩.

١٨٦

وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.

الهدف الثاني:

أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.

وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: (المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..)(١) ، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(٢) . (.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمامعليه‌السلام إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه)(٣) .

ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمامعليه‌السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.

فقد كان: (هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضاعليه‌السلام ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون،

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٥ جلد ٢ ص ٥٤٩، نقلاً عن: العقد الفريد ج ١ / ١٤٨.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ جلد ٢ ص ٤٤١، نقلاً عن: المسعودي ج ٢ / ٢٢٥، وطبقات الأطباء ج ١ / ١٧١، (٣) البحار ج ٤٩ / ١٦٤، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٧٨.

١٨٧

فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..)(١) وعن أبي الصلت: أن الرضا (كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..)(٢) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمامعليه‌السلام : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمامعليه‌السلام مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.)(٣) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.

الهدف الثالث:

أن يجعل الإمامعليه‌السلام قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.

وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمامعليه‌السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.

____________

(١) البحار ج ٤٩ / ١٣٩، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ٧٧، ٧٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٥٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤، والبحار ج ٤٩ / ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢٣٩.

(٣) كشف الغمة ج ٣ / ٩٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٩.

١٨٨

والأهم من ذلك كله:

أنه كان يريد عزل الإمامعليه‌السلام عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.

وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمامعليه‌السلام نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.

وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.) كما سيأتي.

وقد قرأنا آنفاً أنه: (كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ـ أي هشام بن إبراهيم ـ وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).

كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول:((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله...)) (١) .

____________

(١) رجال المامقاني ج ١ / ٧٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٢.

١٨٩

كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: (إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)(١) .

ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمامعليه‌السلام ، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(٢) . وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

الهدف الرابع:

إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.

أي أنه كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة.. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها، بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.

____________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٤٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٥٥.

(٢) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٦، ٢٤٧، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص ٨٥، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٥، ومعادن الحكمة ص، ١٨٠، ١٨١، ونور الأبصار ص ١٤٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، وإعلام الورى ص ٣٢٢، ٣٢٣، وروضة الواعظين ج ١ / ٢٧١، ٢٧٢، وأصول الكافي ج ١ / ٤٨٩، ٤٩٠، والبحار ج ٤٩ / ١٣٥، ١٣٦، ١٧١، ١٧٢، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.

ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٠

إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:

يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضاعليه‌السلام : (إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..)(١) .

ويقول:. (.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.)(٢) .

وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: (.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢٢٣، ٢٢٤.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٤.

١٩١

أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، وإتباعه، والالتفاف حوله.)(١) .

وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.

ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضاعليه‌السلام : (.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.)(٢) .

وتقدم أنهعليه‌السلام كان ـ باعتراف المأمون ـ (الأرضى في الخاصة والعامة) وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: (هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا (غيضاً من فيض منه).

كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: (.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ـ يعني للعلويين ـ، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..)، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.

وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.

____________

(١) المصدر السابق ص ٢٥٦.

(٢) مطالب السؤول ص ٨٤، ٨٥. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٨.

١٩٢

إشارة هامة لا بد منها:

هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لـقد قـال الروافض في علي

مـقالاً جـامعاً كـفراً وموقا

زنـادقة أرادت كـسب مـال

مـن الـجهال فـاتخذته سوقا

وأشـهـد أنـه مـنهم بـريّ

وكـان بـأن يـقتلهم خـليقا

كـما كـذبوا عـليه وهو حي

فـأطعم نـاره مـنهم فـريقا

وكـانوا بالرضا شغفوا زماناً

وقـد نفخوا به في الناس بوقا

وقـالـوا: إنـه رب قـديرا

فكم لصق السواد به لصوقا(١)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضاعليه‌السلام سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في عليعليه‌السلام ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنهعليه‌السلام : يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضاعليه‌السلام ، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.

____________

(١) ديوان ابن المعتز ص ٣٠٠، ٣٠١، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٦.

١٩٣

وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.

ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بإلوهية عليعليه‌السلام .

وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ـ (الروافض)، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بإلوهية أحدهما، أو إلوهيتهما، أو إلوهية غيرهما من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضاعليه‌السلام ، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.

الهدف الخامس:

هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.

نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والانهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..

١٩٤

ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضاعليه‌السلام ، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.

الهدف السادس:

ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.

وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!

وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.

الهدف السابع:

طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.

١٩٥

ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:

(يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ســتـة آبــاؤهـم مــا هــم

من أفضل من يشرب صوب الغمام(١)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥/٣٠٦ يقول ابن المعتز:

وأعـطاكم الـمأمون حـق خلافة

لـنا حـقها لـكنه جـاد بـالدنيا

لـيعلمكم أن الـتي قـد حرصتموا

عليها وغودرتم على أثرها صرعى

يـسير عـليه فـقدها غـير مكثر

كـما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

____________

(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و (ما) في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.

١٩٦

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:

أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..

وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.

ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..

١٩٧

بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(١) ، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(٢) .

وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.

ملاحظة هامة:

إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضاعليه‌السلام كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة ١٩٣ ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضاعليه‌السلام كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام ، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(٣) .

وقال الرافعي في التدوين: (وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.

____________

(١) راجع البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ / ١٠٥ ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.

(٢) راجع: الكامل لابن الأثير ج ٥ / ١٩٠، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغير ذلك.

(٣) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.

١٩٨

قال الخليل: وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر)(١) انتهى كلام الرافعي.

والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة ٤٤٦ ه‍.

الهدف الثامن:

لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.

ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.

بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:

أ ـ : إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:

(.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا) والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.

ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.

وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.

ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:

(.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..

____________

(١) التدوين قسم ٢ ورقة ٢٣٥ مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..

١٩٩

وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.

فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.

ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.

ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).

وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ)(١) .

ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..

وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضاعليه‌السلام من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..

____________

(١) تاريخ الحكماء ص ٢٢١، ٢٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256