مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)15%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72603 / تحميل: 9008
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فسار، وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله، فقال: انزل، فهنا يذلّ كلّ صعب، ويخضع كل جبار، ثم قال: خلّ عن زمام الناقة.

قلت: فعلى من أخلّفها؟

فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلاَّ مؤمن، ولا يخرج منه إلاَّ مؤمن.

فخلَّيتُ من زمام راحلتي، وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدّخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إليّ.

ثم قال لي: أدخل، هنّأك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة، واتزر بأخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصنِ بانٍ، أو قضيبِ ريحانٍ، سمحٌ سخيٌّ تقيٌّ نقيٌّ، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضراضة عنبر.

فلمّا أن رأيته بادرته بالسلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيدي قد اُلبسوا جلباب الذلّة، وهم بين القوم أذلاء، فقال لي: (يا ابن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذٍ أذلاّء) .

فقلت: سيدي لقد بُعد الوطن وطال المطلب.

فقال: (يا ابن المازيار، أبي أبو محمّد عهد إليّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم .

وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ وعرها، ومن البلاد إلاّ عفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يُؤذن لي فأخرج) .

فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال: (إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم) .

فقلت: متى يا ابن رسول الله؟

١٦١

  فقال لي:(في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر) .

قال: فأقمت عنده أياماً، وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله، لقد سرتُ من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم أرَ إلاَّ خيراً) (١) .

وهذا الحديث يؤيِّد المعنى الذي يقول بأنَّ وقت ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فإنّه قد ذكر (عليه السلام) في جواب عليّ بن إبراهيم بن مزيار: متى يكون هذا الأمر؟ عدّة علامات، مع أنّه لا يعلم وقت ظهور تلك العلامات أيضاً، بل إنّ وقت العلامات مخفي عليه (عليه السلام) أيضاً.

وهناك الكثير ممّن سعى لذلك في حياة والد الإمام الحجة (عليه السلام) للحصول على هذه السعادة، يعني أن يتشرّف برؤية رئيس الأخيار، مثل يعقوب بن منقوش، فقد روى ابن بابويه بإسناده عن يعقوب المذكور أنّه قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟

فقال: (ارفع الستر) .

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيٌّ، له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دريّ المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة؛ فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: (هذا هو صاحبكم) .

ثم وقب، فقال له: (يا بني، أدخل إلى الوقت المعلوم) .

فدخل البيت وأنا أنظر إليه؛ ثم قال لي: (يا يعقوب، انظر إلى مَن في البيت) .

____________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٦٣ - ٢٦٧.

١٦٢

فدخلت فما رأيت أحداً (١) .

وروى أيضاً عن [محمّد بن] (٢) معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري أنَّهم قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلاً، فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا) (٣) .

وأمّا معجزاته (عليه السلام) التي ظهرت من حين ولادته إلى هذا اليوم، فهي كثيرة، سوى ما سوف تظهر من زماننا إلى حين ظهوره (عليه السلام)، ومن ذلك الوقت إلى أوان وفاته (عليه السلام).

ونحن نكتفي في هذا المختصر بنقل القليل من معجزاته التي قد ظهرت منه (عليه السلام) من قبل، وقد رواها قطب الملة والدين الراوندي (عليه الرحمة) في كتاب "الخرائج والجرائح"، وقد نقل مضمون عباراتها صاحب "كفاية المؤمنين" ، كما ذكرها الشيخ المفيد وغيره في كتبهم.

[حكاية يعقوب الغساني]:

قال صاحب كتاب "الخرائج" : روي عن يعقوب بن يوسف الضّراب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا. فلمّا قدمنا مكة، نزلنا داراً في سوق الليل تسمَّى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟

____________________

(١) كمال الدين / الشيخ الصدوق ٢: ٤٣٧ / باب ٤٣ / ح٥.

(٢) هكذا في الترجمة، ولا توجد هذه الزيادة في المصدر.

(٣) كمال الدين / الشيخ الصدوق ٢: ٣٣٥.

١٦٣

قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم] أسكننيها الحسن بن عليّ (عليهما السلام).

فكنا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب.

فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة، أسمر، يميل إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تدعوا أحداً يصعد إليها.

فأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت للعجوز: إنِّي أحب أن أسألك.

قالت: وأنا أريد أن أُسرّ إليك، فلم يتهيَّأ من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً [باسمه]: (لا تخاشننّ أصحابك وشركاءك، ولا تلاحّهم، فإنّهم أعداؤك، ودَارِهِم) .

فلم أجسر أن أراجعها؛ فقلت: أيّ أصحابي؟

قالت: شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.

وقد كان جرى بيني وبين مَن معي في الدار عنت في الدين، فسعوا بيّ حتى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنّها عنت أولئك.

وكنت نذرت أن ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها مَن أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستة رضوية وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل.

فأخذت [الدراهم] وصعدت، وبقيت ساعة ثم نزلت؛ فقالت: يقول لك: (ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت) .

ففعلت (١) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦١ / ح٦. والرواية مروية بشكل أكثر تفصيل في الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٧٣ / تحت رقم ٥٣٨.

١٦٤

[ملاقاة يوسف الجعفري للحجة (عليه السلام)]:

وروى أيضاً عن يوسف بن أحمد الجعفري أنَّه قال: حججتُ سنة ست وثلاثمئة، ثمَّ جاورت بمكة ثلاث سنين، ثم خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق، وقد فاتتني صالة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة، فرأيتُ أربعة نفر في محمل، فوقعت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممّ تعجب؟ تركت صلاتك.

فقلت: وما علمك بذلك منّي؟

فقال: تُحب أن ترى صاحب زمانك؟

قلت: نعم، فأومأ إليّ أحد الأربعة، فقلت: إنّ له دلائل وعلامات؟

فقال: أيّما أحب إليك: أن ترى الجمل صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً؟

فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، ولكن الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكأنّ لونه الذهب، بين عينيه سجّادة (١) .

[حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران]:

وروى أيضاً عن محمّد بن إبراهيم بن مهران أنَّه قال: أعطى جماعة من الشيعة إلى أبي عدة بدرات من الدنانير والدراهم ليوصلها إلى الإمام أبي محمّد العسكري (صلوات الله عليه)، فخرجت معه مشيِّعاً له عدة مراحل حتى بعُدنا عن وطننا منزلين أو ثلاثة، فإذا به ليلاً يتغيّر تغيّراً شديداً وتظهر على وجهه علامات الموت، فطلبني وأوصاني وقال: عندي دنانير ودراهم كثيرة، وهي أمانات من شيعة أهل البيت، فسلّمها لوكلاء الإمام الحسن العسكري، وأنا أرى الموت يحوم حولي، وأنا أعلم أنّه لا يبرء ذمتي أحد غيرك من هذه

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٦ و٤٦٧ / ح١٣.

١٦٥

الأمانات، ووصيتي إليك أن تأخذ هذا المال (عليه السلام) فتطيِّب خاطري من هذا الغم.

فاستجبت لأمر أبي في أن أُوصل هذا المال لوكلاء الإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه)، فمات أبي بعد أن أدّى الوصية.

فتوجّهت إلى العراق بعد موت أبي، وبعد أن قطعت المنازل وطويت المراحل فإذا بي يوماً أسمع أثناء سفري خبر المحنة، وهو وفاة صاحب العسكر والإمام الحادي عشر (عليه صلوات الله الملك الأكبر)، ففكرت في نفسي: أنّ أبي أوصى أن أوصل هذا المال إليه (عليه السلام)، وقد توفّى، ولا أعرف مَن هو خليفته ووصيه، ولم يوصني أبي بشيء غير ذلك، فما هو الحل لهذا؟ فانقدح في ذهني أخيراً أن أحمل هذا المال إلى العراق، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته وتصدّقت به وقصفت به.

فقدمت العراق، فاكتريت داراً على الشط وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمّد بن إبراهيم، معك عدة صرر ذهباً، عددها كذا، وفي جوف كل واحدة من تلك الصرار العدد الفلاني من الدنانير والدراهم، فإذا أردت أن تؤدّي وصية أبيك، فعليك أن تسلّم جميع ذلك المال إلى رسولنا) .

فعندما سمعت هذا الخبر الصحيح، والدليل الصريح، فلم أجد بُداً غير تسليم ذلك المال وكل ما كان معي إلى رسول مجمع المفاخر والمحامد (عليه السلام).

وبقيت منتظراً أن أحصل على خبر منه بوصول المال، كما كنت أرجو أن أصل إليه، وأطلب منه أن أقوم بما كان يقوم به أبي ببعض أموره.

وبعد عدة أيَّام من إرسال ذلك المال، جاءتني رقعة مضمونها: (يا محمّد، قد وصل جميع ما كنت قد أرسلته، وقد أقمناك مقام أبيك، فعليك ألاَّ تخرج عن جادة الشريعة الغرّاء، وطريق الملّة البيضاء).

١٦٦

وحينما قرأت هذا التوقيع ابتهجت وفرحت كثيراً، ورجعت عن دار السلام بغداد إلى بيتي (١) .

____________________

(١) أقول: هذا ملَّخص ترجمة الحديث الذي نقله المؤلف مترجماً من "كفاية المؤمنين" والذي هو ترجمة "الخرائج" ، ولكن فيه اختلافات مع ما هو موجود في المصدر المطبوع، وكذلك مع ما هو موجود في المصادر الأخرى التي روت الخبر، فقد رواه الشيخ الكليني في الكافي ١: ٥١٨ / ح٥؛ والطوسي في الغيبة: ١٨٢ - ٢٣٩؛ والشيخ المفيد في الإرشاد ٢: ٣٥٥؛ والراوندي في الخرائج ١: ٤٦٢ و٤٦٣؛ والطوسي في إعلام الورى بأعلام الهدى: ٤١٧ / ط١.

وبما أنّ المؤلف قد نقل الخبر عن خرائج الراوندي فإليك ما فيه، قال:

ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمّد (عليه السلام)، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت مع مشيّعاً له، فوعك.

فقال: ردّني فهو الموت، واتَّق الله في هذا المال. وأوصى إليّ، ومات.

وقلت: لا يوصي أبي شيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته، فاكتريت داراً على الشطّ وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معك كذا وكذا. حتى قصّ عليّ جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممّا كان معي، فسلّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس، فاغتممت، فخرج إليّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فأحمد الله تعالى) .

الخرائج والجرائح / الراوندي ١: ٤٦٢ و٤٦٣ / ح٧.

ولكن الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) قد نقل القضية بشكل آخر في كتاب كمال الدين: ٤٨٦ و٤٨٧ / ح٨؛ حدّثنا محمّد بن الحسن (رضي الله عنه) عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن محمّد الرّازي المعروف بعلاّن الكليني قال: حدّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازي، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أنّه ورد العراق شاكّاً مرتدّاً، فخرج إليه:

(قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله (عزّ وجلّ) يقول: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) هل أمر إلاَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة، أوَ لَم تروا أنّ الله (عزّ وجلّ) جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي أبو محمّد (صلوات الله عليه)، كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم.

فلّما قبضه الله إليه، ظننتم أنّ الله (عزّ وجلّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله (عزّ وجلّ) وهم كارهون. =

١٦٧

وروى أيضاً أبو عقيل عيسى بن نصر: أنّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً.

فكتب: (إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين) .

فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته (١) .

وقد ذكر في الدفاتر الصحيحة، وفي كتب الآثار الصريحة؛ أنَّه قد خرجت التوقيعات في زمن الغيبة الصغرى من عند صاحب الزمان (عليه صلوات الملك المنان)، وقد اختص جماعة بإظهار تلك التوقيعات، وكان يتمّ إعلان تلك التوقيعات العظيمة البركات بأمره (عليه السلام) إلى كثير من شيعته فيحذّر

____________________

= يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلنّك الشكّ فيما قدمت له، فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا يخلّي الأرض من حجة؛ أليس قال لك أبوك قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي، فلمّا أبطئ ذلك عليه، وخاف الشيخ على نفسه الوحا، قال لك: عيّرها على نفسك، وأخرج إليك كيساً كبيراً، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد فعيَّرْتها، وختم الشيخ بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحق بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسك أوّلاً ثمّ فيّ، فخلّصني وكنْ عند ظنِّي بك. أخرج (رحمك الله) الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا، وهي بضعة عشر ديناراً واستردّ من قبلك، فإنّ الزمان أصعب ممَّا كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل) .

قال محمد بن إبراهيم: وقدمت العسكر زائراً فقصدت الناحية، فلقيتني امرأة وقالت: أنت محمّد بن إبراهيم؟

فقلت: نعم.

فقالت لي: انصرف فإنَّك لا تصل في هذا الوقت، وارجع الليلة فإنّ الباب مفتوح لك فادخل الدار واقصد البيت الذي فيه السراج، ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح، فدخلت الدّار وقصدت البيت الذي وصفته، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتاً وهو يقول: (يا محمد، اتقِ الله وتب من كلّ ما أنت عليه فقد قلّدت أمراً عظيماً) . كمال الدين: ٤٨٦ / ح٨.

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٦٣ / ح٨.

١٦٨

الخَلق من المنهيّات ويحرّضهم على الأوامر، وتعلم جميع مصالح العباد من توقيعاته كعبة أرباب السداد.

ويعدُّ كل توقيع من تلك التوقيعات بنفسه معجزة؛ وهي كثيرة لا يسع مجموعها هذا المختصر، وقد تقدَّم قليل منها في هذه السطور، وسوف يأتي بعضها إنشاء الله تعالى في هذا السفر.

روي عن محمّد بن يعقوب بن عليّ بن محمّد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش [والمقصود من مقابر قريش مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) المنور] وقبر الحسين (عليه السلام). فلمّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة، فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقالا [لخادمه]: لاق بني الفرات والبرسيّين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض على كلّ من زار (١) .

وبعد حدوث هذه الواقعة علمٍ سبب منعه لزيارة مقابر قريش الذي ورد في توقعيه (عليه السلام).

[حكاية القاسم بن العلاء]:

الرواية الأخرى: روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة، وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينيين لقى العسكريّين (عليها السلام) وحجب بعد الثمانين، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام؛ وذلك إنِّي كنت بمدينة (أرّان) من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعاته صاحب الأمر (عليه السلام) عنه على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.

فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج العراق

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٥ / ح١٠.

١٦٩

ورد - ولا يسمى بغيره - فسجد القاسم، ثم دخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضرّبة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة.

فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له (أبو عبد الله بن أبي سلمة) ففضّه وقرأه وبكى حتى أحس القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله خيرّ، خرج فيّ شيء ممّا يكره؟

قال: لا.

قال: فما هو؟

قال: ينعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: على سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك.

فضحك؛ وقال: وما أؤمِّل بعد هذا العمر؟!

فقام الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه عليّ النقي (عليه السلام).

وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب، يقال له (عبد الرحمن بن محمد الشيزي) وافى إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحب هدايته.

قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه.

١٧٠

فقرأه عبد الرحمن إلى موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله، اتّقِ الله، فإنّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (١) ، وقال: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) .

قال القاسم: فأتم الآية: ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (٣) مولاي هو المرضيّ من الرسول.

ثمّ قال: أعلم أنّك تقول هذا، ولكن أرَّخ اليوم، فإنْ أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متّ قبله، فاعلم أنّي لست على شيء، وإنْ أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحُمّ القاسم يوم السابع، واشتدّت العلّة به إلى مدّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمّه عينيه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثم مدّ بطرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن، إليّ، ويا فلان! إليّ.

فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

وشاع الخبر في النّاس، فانتابه الناس من العامّة ينظرون إليه.

وركب القاضي إليه، وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي، وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟

وأراه خاتماً فضَّة فقرّبه منه؛ فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها، وقد قال لمّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللَّهُم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك) قالها ثلاثاً، ثم كتب وصيته بيده.

وكانت الضِّياع التي بيده لصاحب الأمر (عليه السلام)، كان أبوه وقفها عليه.

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

(٢) الجن: ٢٦.

(٣) الجن: ٢٧.

١٧١

وكان فيما أوصى ابنه: إن أُهِّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بـ (فرجيدة)، وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).

فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر، مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: (يا سيداه)، فاستعظم الناس ذلك منه؛ فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيّع، ورجع عمّا كان عليه.

فلمّا كان بعده مدّة يسيرة، ورد كتاب على الحسن ابنه من صاحب الزمان يقول فيه: (ألهمك الله طاعته، وجنبّك معصيته. وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك) (١) .

[حكاية ابن أبي سورة عن أبيه الزيدي]:

ومن معجزاته (عليه السلام) ما رواه ابن أبي سورة عن أبيه [أنّه قال: كان أبي من مشايخ الزيدية في الكوفة، وقد اشتهر عنه في الخبر تشيّعه، فسألت يوماً أبي عن سبب ترك الزيدية] (٢) .

قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرّف عنده. فلمّا كان وقت العشاء الآخرة، صلّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شابٌ حسن الوجه عليه جبّة سيفيّة، فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي.

فلمّا كان الغداة، خرجنا جميعاً من باب الحائر. فلمّا صرنا إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة، فامضِ) .

فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البر.

قال أبو سورة، ثم أسفت على فراقه، فاتّبعته، فقال لي: (تعال) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٧ - ٤٧٠ / فقرة ١٤.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٢

فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق، ولك عيال، فامض إلى أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شابّ من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير الّتي عند رِجْل السرير مدفونة) .

قال: فلمّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر ليّ الشاب.

فقال: سمعاً وطاعة. وعلى يده دم الأضحية (١) .

[وبعدما اطلعت على أحوال هذا الشاب ازدادت محبّته في قلبي يوماً بعد يوم، ولم أعرف مَن يكون، إلى أن قال لي أخيراً: أُحدّثك أنّ هذا الشاب الذي تتحدث عنه إنّه الحجة بن الحسن (عليه السلام)، ومن بعد ذلك اخترت مذهب أهل البيت (عليهم السلا)] (٢) .

وروى نحو هذه الرواية أبو ذر أحمد بن محمّد بن أبي سورة، وهو أحمد بن محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي، قال: [ضعت ليلة في برِّ العرب، فإذا بي أرى شاباً، فاتبعت أثره فمشيت أقداماً فرأيت نفسي] (٣) على مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي) .

ثمّ قال لي: (تمرّ أنت إلى ابن الزراري عليّ بن يحيى فتقول له: يعطيك المال بعلامة أنّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّى بكذا.

فقلت: من أنت؟

قال: (أنا محمّد بن الحسن) .

ثم مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضأ ثم صلّى ثلاث عشرة ركعة.

فمضيت إلى الزراري، فدققت الباب، فقال: من أنت؟

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٧٠ و٤٧١ / فقرة ١٥.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(٣) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٣

فقلت: أبو سورة.

فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة؟!

فلمّا خرج وقصصت عليه القصة، صافحني، وقبّل وجهي، ووضع يده بيدي، ومسح بها وجهه، ثم أدخلني الدار، وأخرج الصّرة من عند رِجْل السرير، فدفعها إليّ، فاستبصر أبو سورة، وبرئ من الزيدية (١) .

وقال مترجم "الخرائج" بعد نقل هذه المعجزة: الحاصل أنّ هذه الرواية، والرواية التي قبلها واحدة، ولكن فيها بعض الزيادات.

[حكاية محمّد بن هارون]:

والرواية الأخرى عن محمّد بن هارون الهمداني، قال:

كان للناحية عليّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثم قلت في نفسي [ليلة] (٢) : لي حوانيت اشتريتها بخمسمئة دينار وثلاثين ديناراً، قد جعلتها للناحية بخمسمئة دينار [يعني أؤدّيها وأسلّمها إلى وكلاء صاحب الزمان (عليه السلام) فأؤدّي ديني، فخرجت صباحاً من الدار قبل أن أحدِّث أحداً بما أردت في نفسي، فرأيت محمّد بن جعفر، فقال: هل قرّرت الليلة في نفسك أن تعطي الحوانيت؟ قال: نعم، فمن أين علمت؟ قال: لقد وَصَل اليوم توقيع صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه صلوات الرحمن) وفيه] (٣) : أقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمئة دينار التي لنا عليه (٤) .

[فعندما سمعت هذا الكلام من محمّد بن جعفر أجريت معه البيع الشرعي] (٥) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح / الراوندي ١: ٤٧١ و٤٧٢ / فقرة ١٥.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(٣) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع، وبدل الجملة الثانية: (ولا - والله - ما نطقت بذلك. فكتب (عليه السلام) إلى محمّد بن جعفر: اقبض... الحديث).

(٤) راجع القصة في الخرائج ١: ٤٧٢ / فقرة ب١٦.

(٥) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجدي في المصدر المطبوع.

١٧٤

[حكاية أبي الحسن المسترق]:

والرواية الأخرى عن أبي الحسن المسترق قال: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري عليها، إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسن يوماً، فأخذت أتكلم في ذلك؛ فقال: يا بني! قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين اُستصعبت على السلطان، وكان كل مَن ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلّم إلي جيش وخرجت نحوها.

فلمَّا بلغت إلى ناحية طزر، خرجت إلى الصيد، ففاتتني طريدة، فاتّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتى بلغت إلى نهر، فسرت فيه، وكلّما أسير يتّسع النهر. فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء، وهو متعممٌ بعمامة خزّ خضراء، لا أرى منه إلاّ عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين)

فلا هو أمّرني ولا كنّاني؛ فقلت: ماذا تريد؟

قال: (لِم تزري على الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟)

وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت منه وتهيّبته؛ وقلت له: أفعل - يا سيدي - ما تأمر به.

فقال: (إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه، فدخلته عفواً، وكسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلى مستحقه) .

فقلت: السمع والطاعة.

فقال: (امض راشداً) .

ولوى عنان دابته، وانصرف، فلم أدرِ أي طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليّ أمره، وازددت رعباً وانكفأت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث.

فلمّا بلغت قم، وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها وقالوا:

١٧٥

كنّا نحارب مَن يجيئنا بخلافهم لنا، فأما إذا وافيت أنت، فلا خلاف بيننا وبينك؛ ادخل البلدة، فدبّرها كما ترى.

فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدّر، ثم وشى القوّاد بيّ إلى السلطان، وحُسدت على طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فعُزلت، ورجعت إلى بغداد. فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه، وأتيت إلى منزلي، وجاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطّى الناس حتى اتكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً.

فلمّا تصّرم الناس وخلا المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ سامعه.

فقلت: قل.

فقلا: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا) .

فذكرت الحديث [وارتعدت] (١) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.

فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، وإلى أن خمّس شيئاً كنت قد نسيته ممّا كنت قد جمعته، وانصرف ولم أشك بعد ذلك، وتحققت الأمر.

فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك (٢) .

[حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه]:

وروى أيضاً عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال:

لمّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة للحج، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت؛ كان أكبر همي الظفر بمَن ينصب الحجر؛

____________________

(١) في المصدر: وارتعت. (المركز).

(٢) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٢ - ٤٧٥ / فقرة ١٧.

١٧٦

لأنَّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر.

فاعتللت علّة صعبة خفتُ منها على نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة، أم لا؟

وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم مَن يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام اسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنّه لم يُزل عنه.

وعَلَت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب؛ فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتى ظُنّ بن الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتّى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤده ولا أُدركه.

فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليّ، فقال: (هاتِ ما معك) .

فناولته الرقعة؛ فقال من غير أن ينظر فيها:

قل له: (لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة) .

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.

فلمّا كان سنة تسع وستين، اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره،

١٧٧

وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجدّ في ذلك؛ فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة؟

فقال: هذه السنة التي خُوّفت فيها.

فمات في علّته (١) .

[وأجاب داعي الحق بعد ثلاثة أيام من وصيته (عليه رحمة الله الملك العبود)] (٢) .

[حكاية الزراري]:

والرواية الأخرى عن أبي غالب الزراري قال:

تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال)، خزّازون، وحصلت لها منزلة من قلبي، فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها من بيتي غضباً، ورِمت ردّها، فامتنعت عليّ؛ لأنَّها كانت في أهلها في عزّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت إلى السفر، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناها وقضينا الحق في واجب الزيارة، وتوجّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح، وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلّمنا، فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا. وطرح إليّ مدرجة كانت بين يديه؛ فكتبت فيها اسمي واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودّعناه، وخرجت إلى سُرّ مَن رأى للزيارة، وزرنا وعُدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها إلى أن انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق:

(أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة، فسيصلح الله - أو: فأصلح الله - بينهما) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٥ - ٤٧٨ / الفقرة رقم ١٨.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٨

وكنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره.

ثم ودّعنا الشيخ وخرجنا من بغداد حتى قدمنا الكوفة، فيوم قدومي، أو من غده، أتاني إخوة المرأة، فسلّموا عليّ واعتذروا إليّ ممّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي، ولم يجرِ بيني وبينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي لها، ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاّ بإذني حتّى ماتت (١) .

يقول أحد علماء الإمامية في كتابه الذي ألَّفه في مناقب العترة الطاهرة (عليهم السلام): نقل المعتقدون ببقاء الإمام المهدي (عليه السلام) قصصاً في شمول فيضه (عليه السلام) شيعته، وشفاء مرضاهم، وانتفاع الخلق به، وقضاء حوائج المحتاجين - لو جمعت لكانت كتابا كبيراً. ومنها حكايتان نقلهما صاحب "كشف الغمة" ، وهما مشهورتان، وإنّه قال: إنّني أنقل هاتين الحكايتين لقرب زمانهما إلينا؛ ولأنِّي سمعتها من إخواني الثقاة، صحيحي القول، وأنّ هذين الشخصين الذين وقعت الحكايتين لهما قد توفِّيا. وإنّي وإن لم أكن أراهما، ولكنِّي رأيت أبناءهما، وليس عندي شك في وقوع هاتين الحكايتين.

وقد نقل الجاني هاتين الحكايتين في كتاب "الشواهد النبوة" وإحدى هاتين الحكايتين (٢) :

____________________

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٩ و٤٨٠ / ح٢٠.

(٢) هكذا النص في الترجمة. وأمَّا في "كشف الغمة" المطبوع ٢: ٤٩٣، النص على النحو التالي:

وأنا أذكر من ذلك قصّتين قَرُب عهدهما من زماني، وحدَّثني بها جماعة من ثقات إخواني: كان في البلاد الحلِّية... إلخ، وسوف نقتصر في الأصل على ذكر القصّتين كما جاء في "كشف القمة" دون الإشارة إلى فوارق الترجمة.

١٧٩

[حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي]:

كان في البلاد الحلّية شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي، من قرية يقال لها: هرقل؛ مات في زمانه وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين، قال: حكى لي والدي:

إنّه خرج فيه - وهو شباب - على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقَّق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلّة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أُريد أن أداويها.

فأُحضر له أطباء الحلّة، وأراهم الموضع؛ فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين (قدِّست روحه): أنا متوجِّه إلى بغداد، وربَّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني.

فأُصعد معه، وأُحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك.

فضاق صدره، فقال له السعيد: إنّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرِّر بنفسك؛ فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسُرَّ مَن رأى (على مشرفه السلام)، ثم أنحدر إلى أهلي.

فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجَّه.

قال: فلمَّا دخلت المشهد، وزرت الأئمّة (عليهم السلام)، ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام)، وقضيت بعض الليل في السرداب، وبتٌّ في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة، واغتسلت، ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أُريد المشهد.

١٨٠

فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابين أحدهما: عبدٌ مخطوط، وكل واحد منهم متقلّد بسيف، وشيخاً منقّباً بيده رمح، والآخر متقلّد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنّك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح في الأرض.

ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي؛ ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: (أنت غداً تروح إلى أهلك؟)

فقال: نعم.

فقال له: (تقدّم حتى أبصر ما يوجعك) .

قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول؛ ثم إنّي بعد ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده، ومدّني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة، فعصرها بيده، فأوجعني؛ ثم استوى في سرجه كما كان.

فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.

فعجبتُ من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله.

قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.

قال: فتقدمت إليه فاحتضنته، وقبّلت فخذه.

ثم إنّه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: (ارجع ).

فقلت: لا أفارقك أبداً.

فقال: (المصلحة رجوعك) .

فأعدت عليه مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه؟!

١٨١

فجبهني بهذا القول، فوقفت فتقدّم خطوات، والتفت إليّ، وقال: (إذا وصلت بغداد، فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر) ، فإذا حضرت عنده، وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضا ليكتب لك إلى عليّ بن عوض، فإنَّني أوصيه يعطيك الذي تريد) .

ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عنّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة، ثم مشيت إلى المشهد؛ فاجتمع القوّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيّراً، أوجعك شيء؟

قلت: لا.

قالوا: أخاصمك أحد؟

قلت: لا؛ ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت: لا؛ بل هو الإمام (عليه السلام).

فقالوا: الإمام هو الشيخ، أو صاحب الفرجية؟

فقلت: هو صاحب الفرجية.

فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟

فقلت: هو قبضه بيده، وأوجعني.

ثم كشفت رجلي فلم أرَ لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً؛ فانطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي، فأدخلني القوّام خزانة، ومنعوا الناس عني.

وكان ناظر بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجّة وسأل عن الخبر، فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة، وٍسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؛ فعرّفته أني خرجت في أوّل الأسبوع.

١٨٢

فمشى عنّي، وبتّ في المشهد وصلّيت الصبح وخرجت، وخرج الناس معي إلى أن بعُدت عن المشهد، ورجعوا عنّي، ووصلت إلى أوانا، فبتّ بها، وبكرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون مَن ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان؛ فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ، ومزّقوا ثيابي، ولم يبق لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد، وعرّفهم الحال، ثم حملوني إلى بغداد، وازدحم الناس عليّ، وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي (1) (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه الله) وتقدّم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين، ومعه جماعة، فوافينا باب النوبي، فرّد أصحابه الناس عنّي. فلمّا رآني قال: أعنك يقولون؟

قلت: نعم.

فنزل عن دابته، وكشف عن فخذي، فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي، وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا! هذا أخي، وأقرب الناس إلى قلبي.

فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دوائها إلا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات.

فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع، ولا يموت؛ في كم تبرأ؟

فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟

قالوا: منذ عشرة أيام.

____________________

(1) لعله المقصود به الوزير ابن العلقمي.

١٨٣

فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، وصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.

فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.

ثم أنه اُحضر عند الخليفة المستنصر (رحمه الله)، فسأله عن القصة، فعرّفه بها كما جرى؛ فتقدَّم له بألف دينار. فلمَّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.

فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة.

فقال الخليفة: ممّن تخاف؟

فقال: من الذي فعل معي هذا؛ قال: (لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً) .

فبكي الخليفة وتكدّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عليّ بن عيسى عفا الله عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي؛ وكان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، وأنا لا أعرفه. فلمّا انقضت الحكاية، قال: أنا ولده لصلبه.

فعجبت من هذا الاتفاق، وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟

فقال: لا؛ لأنّي أصبوا عن ذلك، ولكنّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر.

وسألت السيد صفي الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر (رحمهما الله)، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي إلهيَّات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي؛ فأخبراني بصحة هذه القصة، وأنّهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها.

وحكى لي ولده هذا أنّه كان بعد ذلك شديد لفراقه (عليه السلام)، حتّى إنّه جاء إلى بغداد، وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كل يوم يزور سامراء، ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى ويقضي له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو

١٨٤

ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغُصَّته، والله يتولاّه وإيّانا بحرمته بمنّه وكرامته (1) .

[حكاية أبي عطوة]:

والحكاية الثانية: قال صاحب كشف الغمة (رحمه الله): وحكى إليّ السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني، أنّ أبا عطوة كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ويقول: لا أصدّقكم، ولا أقول بمذهبكم حتّى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرأني من هذا المرض.

فتكرّر هذا القول منه؛ فبينما نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة، إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا؛ فأتيناه سراعاً فقال: الحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي.

فخرجنا، فلم نرَ أحداً؛ فعدنا إليه، وسألناه، فقال: إنّه دخل إليّ شخص، وقال: (يا عطوة)

فقلت: مَن أنت؟

فقال: (أنا صاحب بنيك، قد جئت لأبرئك ممّا بك).

ثم مدّ يده، فعصر قروتي، ومشى؛ ومددت يدي، فلم أرَ لها أثراً.

قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة.

واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرّ بها (2) .

وقال صاحب (كشف الغمة) بعد نقله هاتين الحكايتين: وإنّه (عليه السلام) رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها، فخلّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة (3) .

____________________

(1) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 493 - 497.

(2) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 497.

(3) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 497.

١٨٥

يقول مؤلّف هذه الأربعين: إنّي أعرف ما بيني وبين الله تعالى مَن رآه (عليه السلام) كراراً، وقد ابتلى في بعض الأزمنة بمرض مهلك فتفضّل (عليه السلام) بالشفاء الكامل.

وذُكر بالخبر أنّه (عليه السلام) ليحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه (1) .

كما أنّ حديث غانم الهندي له (عليه السلام) مشهور جداً عند رواة الحديث.

[حكاية بني راشد وسبب تشيُّعهم]:

نقل ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) حكاية، قال:

سمعنا شيخاً من أصحاب الحديث يقال له: أحمد بن فارس الأديب، يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها - كما سمعتها - لبعض إخواني، فسألني أن أثبتها له بخطّي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها على مَن حكاها، وذلك:

أنّ بهمدان ناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلّهم يتشيّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؛ فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحاً وسمتاً -: إنّ سبب ذلك أنّ جدنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّاً، فقال: إنّه لمّا صدر من الحجّ، وساروا منازل في البادية، قال: فنشطت في النزول والمشي، فمشيت طويلاً حتى أعييت ونعست، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

قال: فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس ولم أرَ أحداً، فتوحَّشت، ولم أرَ طريقاً، ولا أثراً؛ فتوكَّلت على الله (عزّ وجلّ)، وقلت: أسير حيث وجّهني الله، ومشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنّها قريبة عهد من غيث، وإذا

____________________

(1) أقول: راجع كمال الدين / الصدوق: 440 / باب 44 / ح8؛ قال: (حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، قال: سمعته يقول: (والله، إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم...) ، الحديث).

١٨٦

تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده، ولم أسمع به، فقصدته. فلمَّا بلغت الباب، رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما، فردّا ردّاً جميلاً وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً.

فقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد، ثمّ خرج فقال: قم فادخل.

فدخلت قصراً لم أرَ بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوء منه، فتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه؛ ثم قال لي: ادخل.

فدخلت البيت، فإذا فتىّ جالس في وسط البيت، وقد عُلّق فوق رأسه من السقف سيفٌ طويلٌ تكاد ظبته تمسّ رأسه، والفتى كأنّه بدر يلوح في ظلام؛ فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثم قال لي: (أتدري مَن أنا؟)

فقلت: لا، والله.

فقال: (أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف (وأشار إليه) فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

فسقطت على وجهي، وتعفّرت، فقال: (لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همدان) .

فقلت: صدقت يا سيدي ومولاي.

قال: (أفتحب أن تؤوب إلى أهلك؟).

فقلت: نعم! يا سيدي، وأبشّرهم بما أتاح الله (عزّ وجلّ) لي.

فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج، ومشى معي خطوات؛ فنظرت إلى طلال وأشجار ومنارة مسجد.

فقال: (أتعرف هذا البلد؟).

فقلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها.

قال: فقال: (هذه أسد آباد، امض راشداً) ؛ فالتفتّ فلم أره.

١٨٧

فدخلت أسد آباد، وإذا في الصرة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همدان، وجمعت أهلي، وبشّرتهم بما يسّره الله (عزّ وجلّ) لي، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير (1) .

وقال الشيخ السديد السعد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي الملقّب بالمفيد (عليه رحمة الله الملك المجيد) في كتاب (الإرشاد): (فمن الدلائل على [إمامته (عليه السلام)] (2) ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود إمام معصوم، كامل، غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان؛ لاستحالة خلو المكلَّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وحاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدبٍ للجناة، مقوّم للعصاة، رادع للغواة، معلّم للجهال، منبّهٍ للغافلين، محذّر من الضلال، مقيم للحدود، منفذٍ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأمراء، شادٍّ للثغور، حافظٍ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للناس في الجمعات والأعياد.

وقيام الأدلة على أنّه معصوم من الزلاّت لغناه عن الإمام بالاتفاق، واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، ووجوب النص على من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميّزه ممّن سواه، وعدم هذه الصفات من كل أحدٍ سوى مَن أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وهو ابنه المهدي (عليه السلام)، على ما بيّناه، وهذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 453 و454 / باب 43 / ح20.

في الترجمة زيادة: (وقد بقي التشيّع في عقبنا ببركة وجوده، وسوف يبقى قائماً فينا إلى يوم القيامة). ولا يخفى عليك أنّ هناك بعض الاختلافات البسيطة في الترجمة، آثرنا أن نعتمد على الأصل مقتصرين عليه.

(2) هذه الزيادة في الترجمة وليست في المصدر.

١٨٨

وتعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال.

ثم قد جاءت روايات في النص على ابن الحسن (عليه السلام) من طرق ينقطع بها الأعذار) (1) .

وليعلم أنَّ لصاحب الأمر (عليه السلام) غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى. وأنَّ أكثر الحكايات التي ذكرت إنّما كانت في الغيبة الكبرى.

وأمَّا الغيبة الصغرى، فقد كانت مدتها أربع وسبعين سنة، وكان بعض خُلَّص شيعته يصلون بخدمته (عليه السلام)، ويرسلون إليه (عليه السلام) مسائلهم التي تشكل عليهم، وكان البعض لا يقدر أن يصل إليه فكان يصل إلى وكلائه (عليه السلام)، ويقدم لهم مسائله وحاجاته ومشكلاته إليهم، وهم يقدمونها للإمام (عليه السلام)، ثم يأخذون الجواب.

وكان يُعبَّر في تلك المدة الزمنية عنه (عليه السلام) أحياناً بـ: (م ح م د)، وأحياناً بـ: الصاحب، والحجة، والقائم، والمهدي، وهو كذلك. ولا يسمح بتسميته قبل ظهوره (عليه السلام). ويقال لمكان ولادة الإمام (عليه السلام): الناحية المقدسة، وقد وقع في الأحاديث المنع من التصريح باسمه وكنيته (عليه السلام) قبل ظهوره في كل وقت أريد وقصد حضرة ولي المعبود.

وأمَّا أسماء وكلائه (عليه السلام) وتوقيعاته (عليه السلام) التي كتبها لخواصّه، فهي مذكورة في الكتب المعتبرة، وقد ظهرت منه (عليه السلام) معجزات عظيمة، من يوم ولادته (عليه السلام) حتّى آخر يوم من غيبته الأولى، وهكذا بعدها إلى هذا الزمان، وكل واحد منها شاهد عدل على وجوده (عليه السلام)، وهي مسطورة في دفاتر روايات الثقات، كما أنّ هناك روايات صحيحة وصريحة مروية عن الطرفين

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 342 و343.

١٨٩

تُؤيِّد هذا المعنى، مثل حكاية البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، وحكاية مدينة الشيعة، والبلد الذي في أقصى أرض المغرب، ولم نذكرها خوف الإطناب في هذا المختصر.

وهناك الكثير من الشيعة والموالين الذين تشرّفوا بالحضور في خدمته (عليه السلام) في زمان الغيبة الكبرى، وقد كتب في (كشف الغمة) و(الفصول المهمة) و(كمال الدين) و(الخرائج) وغيرها بعض ما وصل لأصحاب هذه الكتب، ولا يوجد تعارض بين الحديث القائل: (مَن يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصحيحة فهو كاذب) ، وهذه الأخبار،كما هو ظاهر لمقتضي آثار الأئمّة الأطهار. ولمَن يريد بيان وتوضيح هذا المعنى، فعليه الرجوع إلى قاطف عناقيد محصول المحدثين في كتاب (رياض المؤمنين).

[أسماء مَن رأى المهدي (عليه السلام)]:

وأمَّا أسماء مَن رأى الصاحب (صلوات الله عليه) ووصل إلى خدمته من وكلائه وخرجت إليهم التوقيعات؛ فهي مذكورة في أكثر الكتب، بالخصوص كتاب كمال الدين، وكتاب كشف الغمة.

أولاً: من الوكلاء.

ببغداد: العمري وابنه... وحاجز... والبلالي... والعطّار.

ومن الكوفة: العاصميّ.

ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.

ومن أهل الري: البسّامي... والأسدي.

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.

١٩٠

ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان (1) .

وثانياً: من غير الوكلاء.

من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس... وأبو عبد الله الكندي... وأبو عبد الله الجنيدي... وهارون القزاز... والنيلي... وأبو القاسم بن دبيس... وأبو عبد الله بن فرّوخ... ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)... وأحمد ومحمّد ابنا الحسن... وإسحاق الكاتب من بني نوبخت... وصاحب النواء... وصاحب الصرّة المختومة.

ومن همدان: محمد بن كشمرد... وجعفر بن حمدان... ومحمّد بن هارون بن عمران.

ومن الدينور: حسن بن هارون... وأحمد بن أُخيّة... وأبو الحسن.

ومن أصفهان: ابن باذشالة.

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قم: الحسن بن النضر... ومحمّد بن محمّد... وعليّ بن محمّد بن إسحاق... وأبوه... والحسن بن يعقوب.

ومن أهل الري: القاسم بن موسى وابنه... وأبو محمد بن هارون... وصاحب الحصاة... وعليّ بن محمّد.... ومحمّد بن محمّد الكليني... وأبو جعفر الرفّاء.

ومن قزوين: مرداس... وعليّ بن أحمد.

ومن فاقتر: رجلان.

ومن شهرزور: ابن الخال.

ومن فارس: المحروج.

ومن مرو: صاحب الألف دينار... وصاحب المال والرقعة البيضاء... وأبو ثابت.

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 442 / ح16.

١٩١

ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن: الفضل بن يزيد... والحسن ابنه... والجعفري... وابن الأعجمي... والشمشاطي.

ومن مصر: صاحب المولودين... وصاحب المال بمكة... وأبو رجاء.

ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.

ومن الأهواز: الحصيني (1) .

وهؤلاء ليسوا من الوكلاء، ولكنّهم رأوه (عليه السلام) على التحقيق.

ونقل في (كشف الغمة) كثير من الوكلاء والسفراء وغيرهم، وغير هؤلاء الجماعة المذكورين، لم نوردهم خوفاً من التطويل، وقد ظهرت له معجزات (عليه السلام) لكل واحد من هذه الجماعة تفوق الحصر.

ومن جملة التوقيعات ما روى محمد بن شاذان بن نعيم النيشابوري أنّه قال:

اجتمع عندي مال للغريم (عليه السلام) خمسمائة درهم، ينقص منها عشرون درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ إليّ محمّد بن جعفر القبض، وفيه: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً) (2) .

وروى أيضاً عن نصر بن الصباح قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، وكتب رقعة، وغيّر فيها اسمه، فخرج إليه الموصول باسمه ونسبه والدعاء له (3) .

وروى أيضاً عن سعد بن عبد الله بن صالح (4) أنّه قال:

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 442 و443 / باب 43 / ح16.

(2) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 485 و486 / باب 45 / ح5.

(3) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 488 / باب 45 / ح10.

(4) هكذا في الترجمة، وفي المصدر المطبوع: (سعد بن عبد الله بن محمّد بن صالح؛ قال:... الحديث).

١٩٢

كتبت أسأله الدعاء لباداشالة (1) وقد حبسه ابن عبد العزيز، وأستأذن في جارية لي أستولدُها، فخرج: (استولدْها، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلصه الله).

فاستولدت الجارية، فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس (يوم خرج إليّ التوقيع) (2) .

[دعاء الحجة (عليه السلام) لعليّ بن الحسين بن بابويه]:

وروى أيضاً أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي، أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزّ وجلّ) أن يرزقه ولداً ذكراً.

قال: فسألته، فأنهى ذلك؛ ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأنّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله (عزّ وجلّ) به وبعده أولاده) (3) .

وقد ولد بهذا الدعاء محمّد بن عليّ بن بابويه المشهور، وهو من أعظم مجتهدي الإمامية، وقد كتب (عليه السلام) في حق أبي جعفر: (ليس إلى هذا سبيل) ، يعني: سوف لا يولد لك ولد؛ ولم يولد لأبي جعفر ولد (4) .

وقال ابن طاووس والشيخ الطبرسي (رحمه الله) الأوّل في كتاب (ربيع الشيعة)،

____________________

(1) لم يذكر في الترجمة اسم المحبوس.

(2) سقطت هذه الزيادة من الترجمة، والرواية في كمال الدين / الصدوق: 489 / باب 45 / ح12.

(3) كمال الدين / الصدوق 2: 502 / ح31.

(4) في كمال الدين: 502 و503 / باب 45 / ح31، بعد أن نقل الرواية المتقدمة: (قال أبو جعفر محمّد بن علي الأسود (رضي الله عنه): وسألته في أمر نفسي أن يدعو لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه. وقال: (ليس...) الحديث).

١٩٣

والآخر في كتاب (أعلام الورى)، بعد أن ذكرا بعض النصوص: وأنّ لصاحب الزمان (عليه السلام) غيبتان: (فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام). أمّا غيبته الصغرى منهما، فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين، وأبوابه معروفين، لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن عليّ (عليه السلام) فيهم، فمنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليّ بن عثمان، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم، وجماعة أخر ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

كانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدس الله روحه) باباً لأبيه وجده (عليهما السلام) من قبل، وثقةً لهما، ثم تولى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده. ولمَّا مضى لسبيله، قام ابنه أبو جعفر مقامه (رحمهما الله) بنصّه عليه، ومضى على منهاج أبيه (رضي الله عنه) في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة، وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات (رضي الله عنه) في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقام مقامه أبو الحسن السمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفِّي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة (1) .

* * *

____________________

(1) إعلام الورى / الشيخ الطبرسي 2: 259 و260.

١٩٤

الحديث الثامن والثلاثون:

علامات الساعة

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا الحسن بن محبوب (رضي الله عنه) قال: حدّثنا عليّ بن رئاب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد الله بن العباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنّ للساعة علامات، منها: السفياني، والدجال، والدخان، وخروج وخسف بجزيرة العرب، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) .

وروى الفضل (رحمه الله) هذا الحديث بطريق آخر، وهو هذا، حيث قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عشر قبل الساعة لا بدّ منها: السّفياني، والدّجال، والدّخان، والدّابّة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) .

وقد نقله الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) في كتاب الغيبة بهذا الطريق:

١٩٥

عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان (1) .

وقد ذكره ابن بابويه (رضي الله عنه) في كتاب الخصال بطريق آخر (2) .

____________________

(1) أقول: راجع الغيبة / الطوسي: 436 / فقرة رقم 426.

(2) أقول: روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال / باب العشرة: ثلاثة أخبار تقرب من مضمون هذا الخبر الذي أشار إليه المؤلف (رحمه الله) في الأصل، ولم يذكر مقصود الخبر من هذه الثلاثة، وهي:

في الخصال: 431 / باب العشرة / ح13:

عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أُسيد قال: أطلع علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من غرفة له ونحن نتذاكر الساعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: الدّجال، والدّخان، وطلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل معهم إذا قالوا).

وفي الخصال: 446 / باب العشرة / ح46:

قال: حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن حكيم القاضي، قال: حدّثنا الحسين بن عبد الله بن شاكر، قال: حدّثنا إسحاق بن حمزة البخاري، وعمّي، قالا: حدّثنا عيسى بن موسى غنجار، عن أبي حمزة، عن رقبة، وهو ابن مصقلة الشيباني، عن الحكم بن عتيبة، عمّن سمع حذيفة بن أُسيد يقول: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (عشر آيات بين يدي الساعة: خمس بالمشرق، وخمس بالمغرب)، فذكر الدّابة والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وعيس بن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، وأنّه يغلبهم ويغرقهم في البحر، ولم يذكر تمام الآيات.

وفي الخصال: 449 / باب العشرة / ح52، قال: =

١٩٦

وقد روى هذا الحديث جماعة من علماء الإمامية وكثير من فضلاء العامة، ولكن باختلاف الترتيب والعلامات، فقد أضيف في بعضها يأجوج ومأجوج أيضاً. وقد يكون سبب الاختلاف بالترتيب والعلامات لإمكان أن سيد البشر قد تكلّم بهذا الكلام المعجز مرّات متكرِّرة، وكان قد ذكر في كل مرة بعضاً من تلك العلامات فإنَّ علامات القيامة كثيرة.

فاعلم أيُّها العزيز أنّه لا بدّ لك في باب هذا الحديث الشريف من معرفة عدة أشياء:

الأوّل: أنّه لا يشترط في هذه العلامات المذكورة في الحديث أن تظهر على النحو الترتيبي.

الثاني: أنَّ العلامات غير محصورة في هذه المجموعة من العلامات التي ذُكرت. ويستفاد هذا أيضاً من لفظة (منها) التي جاءت في الحديث الأوّل.

الثالث: أنَّ المقصود من ذكر هذا الحديث في هذا المقام هو التذكير بخروج صاحب الأمر (عليه السلام).

____________________

= حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا أبو عبد الله الوراق محمد بن عبد الله بن الفرج قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بيان المقريء، قال: حدّثنا محمّد بن سابق قال: حدّثنا زائدة، عن الأعمش قال: حدّثنا فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أُسيد الغفاري قال: كنّا جلوساً في المدينة في ظل حائط، قال: وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في غرفة فأطلع علينا، فقال: (فيم أنتم؟) ، فقلنا: نتحدّث، قال: (عن ماذا؟)، قلنا: عن الساعة، فقال: (إنّكم لا ترون الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدّجال، ودابّة الأرض، وثلاثة خسوف في الأرض: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى بن مريم (عليه السلام)، وخروج يأجوج، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً، تسوق الناس إلى المحشر، كلَّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر) .

ولعل مقصوده هذا الحديث الأخير والله تعالى العالم.

١٩٧

الرابع: أنّ الولي والعدو متّفقون على القول بأنّ ظهوره (عليه السلام) إنّما وهو من علامات القيامة. وعليه فلا يعوّل على الحديث الذي نقله العلاَّمة المجلسي في حكومة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والإمام الحسين (عليهما السلام) ألفاً وأربعة وتسعين سنة ومدة قليلة، وسوف تكون وسطاً بين القيامة وعلامات القيامة.

وسوف تعلم بعد هذا أنّ زمان إمامة وخلافة وحكومة وسلطنة الحجة (صلوات الله عليه) سوف تتصل بالقيامة؛ وهذا لا يتنافى مع ما جاء في مواضع كثيرة من الروايات: في أنّه سوف يكون بين وفاته (عليه السلام) وقيام القيامة أربعون يوماً؛ لأنّ هذه الأربعين يوماً إنّما هي من مقدّمات القيامة.

ولذلك نرى بعض علماء الإمامية الذين غفلوا عن هذا المعنى، لم يقولوا بوجود الفاصل الأربعين يوماً بين وفاة الحجّة (عليه السلام) والقيامة؛ ومن أولئك الشيخ إبراهيم (عليه الرحمة)، فإنَّه قد أصرّ جداً على هذا في كتاب (بيان الفرق) واستدل على هذا المطلب في رسالة (الفرقة الناجية) بالأحاديث المنقولة من طرق العامة.

وليعلم أيضاً أنّ لكل علامة من هذه العلامات شرح مفصّل لا يسع هذا المختصر لتلك الشروح، ومَن أراد استيفاء ذلك فعليه أن يرجع إلى كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتقين) الذي ألّفتُه في أيام شباب هذا الحقير.

وهناك حديث طويل لابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في ذكر علامات آخر الزمان نقله في كتاب (إثبات الرجعة) عن أبي عبد الله (عليه صلوات الله)، وقد رواه صاحب الكافي في روضته بدون زيادة ولا نقصان (1) ، وقد أورده هذا المنكسر الحزين في (رياض المؤمنين)، ومَن أراد الإطلاع عليه فعليه بالرجوع إلى ذلك الكتاب.

وأطلب من قارئ هذه الرسالة وذلك الكتاب وغيرهما من مؤلفات هذا الفقير أن يطلبوا للمؤلف العفو من غفّار الخطايا.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(1) راجع: الرّوضة من الكافي / الكليني 8: 36 - 42.

١٩٨

الحديث التاسع والثلاثون:

أحداث تكون قبل ظهوره (عليه السلام)

قال الشيخ الجليل الفاضل ابن شاذان بن الخليل (طيّب الله مرقده): حدّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا جميل بن دراج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: (استعيذوا بالله من شرّ السفياني والدجال وغيرهما من أصحاب الفتن) .

قيل له: يا ابن رسول الله، أمّا الدجال فعرفناه وقد بيّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمَن السفياني وغيره من أصحاب الفتن، وما يصنعون؟

قال (عليه السلام): (أوّل مَن يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس؛ يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم.

فبينا هم كذلك إذ يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه، ويتقشّف، ويتقنَّع بخبز الشعير، والملح الجريش، ويبذل الأموال؛ فيجلب بذلك الجهّال والأرذال، ثم يدّعي الخلافة، فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون

١٩٩

الباطل، فيقولون: إنّه خير أهل الأرض؛ وقد يكون خروجه، وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد، وفي شهر واحد، وسنة واحدة.

فأوّل مَن يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم، ويرجع إلى اليمن، فيقتله اليماني، ثم يفرّ الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما، ويقهرهما، ويقهر كل مَن ينازعه ويحاربه إلاَّ اليماني، ثم يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويسخر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني، ويرجع منها منتصراً في عنقه صليب.

ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة، ومقاتلات شديدة، فيتبعه اليماني، فتكثر الحروب، وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأسارى، وفيقطّعهما إرباً إرباً.

ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة؛ ثم يفوّض المُلك بابنه السعيد، ويأوي مكّة، وينتظر ظهور قائمنا حتى يُتوفّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في مكّة، وسلطانه قريباً من أربعين سنة. وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا (عليه السلام)) .

قال زرارة: فسألته عن مدّة ملك السفياني.

قال (عليه السلام): (تمدّ إلى عشرين سنة).

ويستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ السمرقندي سوف يحتلّ في ذلك الزمان بلاد الروم، ولكنّه ليس من الواضح والمعلوم أنّه هل سوف يقع القتال بين هذين المضلّين والضّالين أم أنّهما سوف يتصالحان، أم أنَّ السفياني سوف ينصرف ويرجع بدون التقاء هاتين الفئتين ووقوع أحد الأمرين؟

وليعلم أنّ من مؤيّدات هذا الحديث ما رواه الشيخ عالي الشأن، أعني: الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في كتاب (إثبات الرجعة)، ونقله

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256