مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)0%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني
تصنيف: الصفحات: 256
المشاهدات: 68248
تحميل: 8233

توضيحات:

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68248 / تحميل: 8233
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فسار، وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله، فقال: انزل، فهنا يذلّ كلّ صعب، ويخضع كل جبار، ثم قال: خلّ عن زمام الناقة.

قلت: فعلى من أخلّفها؟

فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلاَّ مؤمن، ولا يخرج منه إلاَّ مؤمن.

فخلَّيتُ من زمام راحلتي، وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدّخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إليّ.

ثم قال لي: أدخل، هنّأك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة، واتزر بأخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصنِ بانٍ، أو قضيبِ ريحانٍ، سمحٌ سخيٌّ تقيٌّ نقيٌّ، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضراضة عنبر.

فلمّا أن رأيته بادرته بالسلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيدي قد اُلبسوا جلباب الذلّة، وهم بين القوم أذلاء، فقال لي: (يا ابن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذٍ أذلاّء) .

فقلت: سيدي لقد بُعد الوطن وطال المطلب.

فقال: (يا ابن المازيار، أبي أبو محمّد عهد إليّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم .

وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ وعرها، ومن البلاد إلاّ عفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يُؤذن لي فأخرج) .

فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال: (إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم) .

فقلت: متى يا ابن رسول الله؟

١٦١

  فقال لي:(في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر) .

قال: فأقمت عنده أياماً، وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله، لقد سرتُ من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم أرَ إلاَّ خيراً) (1) .

وهذا الحديث يؤيِّد المعنى الذي يقول بأنَّ وقت ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فإنّه قد ذكر (عليه السلام) في جواب عليّ بن إبراهيم بن مزيار: متى يكون هذا الأمر؟ عدّة علامات، مع أنّه لا يعلم وقت ظهور تلك العلامات أيضاً، بل إنّ وقت العلامات مخفي عليه (عليه السلام) أيضاً.

وهناك الكثير ممّن سعى لذلك في حياة والد الإمام الحجة (عليه السلام) للحصول على هذه السعادة، يعني أن يتشرّف برؤية رئيس الأخيار، مثل يعقوب بن منقوش، فقد روى ابن بابويه بإسناده عن يعقوب المذكور أنّه قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟

فقال: (ارفع الستر) .

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيٌّ، له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دريّ المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة؛ فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: (هذا هو صاحبكم) .

ثم وقب، فقال له: (يا بني، أدخل إلى الوقت المعلوم) .

فدخل البيت وأنا أنظر إليه؛ ثم قال لي: (يا يعقوب، انظر إلى مَن في البيت) .

____________________

(1) الغيبة / الشيخ الطوسي: 263 - 267.

١٦٢

فدخلت فما رأيت أحداً (1) .

وروى أيضاً عن [محمّد بن] (2) معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري أنَّهم قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلاً، فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا) (3) .

وأمّا معجزاته (عليه السلام) التي ظهرت من حين ولادته إلى هذا اليوم، فهي كثيرة، سوى ما سوف تظهر من زماننا إلى حين ظهوره (عليه السلام)، ومن ذلك الوقت إلى أوان وفاته (عليه السلام).

ونحن نكتفي في هذا المختصر بنقل القليل من معجزاته التي قد ظهرت منه (عليه السلام) من قبل، وقد رواها قطب الملة والدين الراوندي (عليه الرحمة) في كتاب "الخرائج والجرائح"، وقد نقل مضمون عباراتها صاحب "كفاية المؤمنين" ، كما ذكرها الشيخ المفيد وغيره في كتبهم.

[حكاية يعقوب الغساني]:

قال صاحب كتاب "الخرائج" : روي عن يعقوب بن يوسف الضّراب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا. فلمّا قدمنا مكة، نزلنا داراً في سوق الليل تسمَّى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 437 / باب 43 / ح5.

(2) هكذا في الترجمة، ولا توجد هذه الزيادة في المصدر.

(3) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 335.

١٦٣

قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم] أسكننيها الحسن بن عليّ (عليهما السلام).

فكنا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب.

فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة، أسمر، يميل إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تدعوا أحداً يصعد إليها.

فأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت للعجوز: إنِّي أحب أن أسألك.

قالت: وأنا أريد أن أُسرّ إليك، فلم يتهيَّأ من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً [باسمه]: (لا تخاشننّ أصحابك وشركاءك، ولا تلاحّهم، فإنّهم أعداؤك، ودَارِهِم) .

فلم أجسر أن أراجعها؛ فقلت: أيّ أصحابي؟

قالت: شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.

وقد كان جرى بيني وبين مَن معي في الدار عنت في الدين، فسعوا بيّ حتى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنّها عنت أولئك.

وكنت نذرت أن ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها مَن أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستة رضوية وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل.

فأخذت [الدراهم] وصعدت، وبقيت ساعة ثم نزلت؛ فقالت: يقول لك: (ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت) .

ففعلت (1) .

____________________

(1) الخرائج والجرائح 1: 461 / ح6. والرواية مروية بشكل أكثر تفصيل في الغيبة / الشيخ الطوسي: 273 / تحت رقم 538.

١٦٤

[ملاقاة يوسف الجعفري للحجة (عليه السلام)]:

وروى أيضاً عن يوسف بن أحمد الجعفري أنَّه قال: حججتُ سنة ست وثلاثمئة، ثمَّ جاورت بمكة ثلاث سنين، ثم خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق، وقد فاتتني صالة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة، فرأيتُ أربعة نفر في محمل، فوقعت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممّ تعجب؟ تركت صلاتك.

فقلت: وما علمك بذلك منّي؟

فقال: تُحب أن ترى صاحب زمانك؟

قلت: نعم، فأومأ إليّ أحد الأربعة، فقلت: إنّ له دلائل وعلامات؟

فقال: أيّما أحب إليك: أن ترى الجمل صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً؟

فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، ولكن الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكأنّ لونه الذهب، بين عينيه سجّادة (1) .

[حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران]:

وروى أيضاً عن محمّد بن إبراهيم بن مهران أنَّه قال: أعطى جماعة من الشيعة إلى أبي عدة بدرات من الدنانير والدراهم ليوصلها إلى الإمام أبي محمّد العسكري (صلوات الله عليه)، فخرجت معه مشيِّعاً له عدة مراحل حتى بعُدنا عن وطننا منزلين أو ثلاثة، فإذا به ليلاً يتغيّر تغيّراً شديداً وتظهر على وجهه علامات الموت، فطلبني وأوصاني وقال: عندي دنانير ودراهم كثيرة، وهي أمانات من شيعة أهل البيت، فسلّمها لوكلاء الإمام الحسن العسكري، وأنا أرى الموت يحوم حولي، وأنا أعلم أنّه لا يبرء ذمتي أحد غيرك من هذه

____________________

(1) الخرائج والجرائح 1: 466 و467 / ح13.

١٦٥

الأمانات، ووصيتي إليك أن تأخذ هذا المال (عليه السلام) فتطيِّب خاطري من هذا الغم.

فاستجبت لأمر أبي في أن أُوصل هذا المال لوكلاء الإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه)، فمات أبي بعد أن أدّى الوصية.

فتوجّهت إلى العراق بعد موت أبي، وبعد أن قطعت المنازل وطويت المراحل فإذا بي يوماً أسمع أثناء سفري خبر المحنة، وهو وفاة صاحب العسكر والإمام الحادي عشر (عليه صلوات الله الملك الأكبر)، ففكرت في نفسي: أنّ أبي أوصى أن أوصل هذا المال إليه (عليه السلام)، وقد توفّى، ولا أعرف مَن هو خليفته ووصيه، ولم يوصني أبي بشيء غير ذلك، فما هو الحل لهذا؟ فانقدح في ذهني أخيراً أن أحمل هذا المال إلى العراق، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته وتصدّقت به وقصفت به.

فقدمت العراق، فاكتريت داراً على الشط وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمّد بن إبراهيم، معك عدة صرر ذهباً، عددها كذا، وفي جوف كل واحدة من تلك الصرار العدد الفلاني من الدنانير والدراهم، فإذا أردت أن تؤدّي وصية أبيك، فعليك أن تسلّم جميع ذلك المال إلى رسولنا) .

فعندما سمعت هذا الخبر الصحيح، والدليل الصريح، فلم أجد بُداً غير تسليم ذلك المال وكل ما كان معي إلى رسول مجمع المفاخر والمحامد (عليه السلام).

وبقيت منتظراً أن أحصل على خبر منه بوصول المال، كما كنت أرجو أن أصل إليه، وأطلب منه أن أقوم بما كان يقوم به أبي ببعض أموره.

وبعد عدة أيَّام من إرسال ذلك المال، جاءتني رقعة مضمونها: (يا محمّد، قد وصل جميع ما كنت قد أرسلته، وقد أقمناك مقام أبيك، فعليك ألاَّ تخرج عن جادة الشريعة الغرّاء، وطريق الملّة البيضاء).

١٦٦

وحينما قرأت هذا التوقيع ابتهجت وفرحت كثيراً، ورجعت عن دار السلام بغداد إلى بيتي (1) .

____________________

(1) أقول: هذا ملَّخص ترجمة الحديث الذي نقله المؤلف مترجماً من "كفاية المؤمنين" والذي هو ترجمة "الخرائج" ، ولكن فيه اختلافات مع ما هو موجود في المصدر المطبوع، وكذلك مع ما هو موجود في المصادر الأخرى التي روت الخبر، فقد رواه الشيخ الكليني في الكافي 1: 518 / ح5؛ والطوسي في الغيبة: 182 - 239؛ والشيخ المفيد في الإرشاد 2: 355؛ والراوندي في الخرائج 1: 462 و463؛ والطوسي في إعلام الورى بأعلام الهدى: 417 / ط1.

وبما أنّ المؤلف قد نقل الخبر عن خرائج الراوندي فإليك ما فيه، قال:

ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمّد (عليه السلام)، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت مع مشيّعاً له، فوعك.

فقال: ردّني فهو الموت، واتَّق الله في هذا المال. وأوصى إليّ، ومات.

وقلت: لا يوصي أبي شيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته، فاكتريت داراً على الشطّ وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معك كذا وكذا. حتى قصّ عليّ جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممّا كان معي، فسلّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس، فاغتممت، فخرج إليّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فأحمد الله تعالى) .

الخرائج والجرائح / الراوندي 1: 462 و463 / ح7.

ولكن الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) قد نقل القضية بشكل آخر في كتاب كمال الدين: 486 و487 / ح8؛ حدّثنا محمّد بن الحسن (رضي الله عنه) عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن محمّد الرّازي المعروف بعلاّن الكليني قال: حدّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازي، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أنّه ورد العراق شاكّاً مرتدّاً، فخرج إليه:

(قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله (عزّ وجلّ) يقول: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) هل أمر إلاَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة، أوَ لَم تروا أنّ الله (عزّ وجلّ) جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي أبو محمّد (صلوات الله عليه)، كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم.

فلّما قبضه الله إليه، ظننتم أنّ الله (عزّ وجلّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله (عزّ وجلّ) وهم كارهون. =

١٦٧

وروى أيضاً أبو عقيل عيسى بن نصر: أنّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً.

فكتب: (إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين) .

فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته (1) .

وقد ذكر في الدفاتر الصحيحة، وفي كتب الآثار الصريحة؛ أنَّه قد خرجت التوقيعات في زمن الغيبة الصغرى من عند صاحب الزمان (عليه صلوات الملك المنان)، وقد اختص جماعة بإظهار تلك التوقيعات، وكان يتمّ إعلان تلك التوقيعات العظيمة البركات بأمره (عليه السلام) إلى كثير من شيعته فيحذّر

____________________

= يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلنّك الشكّ فيما قدمت له، فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا يخلّي الأرض من حجة؛ أليس قال لك أبوك قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي، فلمّا أبطئ ذلك عليه، وخاف الشيخ على نفسه الوحا، قال لك: عيّرها على نفسك، وأخرج إليك كيساً كبيراً، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد فعيَّرْتها، وختم الشيخ بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحق بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسك أوّلاً ثمّ فيّ، فخلّصني وكنْ عند ظنِّي بك. أخرج (رحمك الله) الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا، وهي بضعة عشر ديناراً واستردّ من قبلك، فإنّ الزمان أصعب ممَّا كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل) .

قال محمد بن إبراهيم: وقدمت العسكر زائراً فقصدت الناحية، فلقيتني امرأة وقالت: أنت محمّد بن إبراهيم؟

فقلت: نعم.

فقالت لي: انصرف فإنَّك لا تصل في هذا الوقت، وارجع الليلة فإنّ الباب مفتوح لك فادخل الدار واقصد البيت الذي فيه السراج، ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح، فدخلت الدّار وقصدت البيت الذي وصفته، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتاً وهو يقول: (يا محمد، اتقِ الله وتب من كلّ ما أنت عليه فقد قلّدت أمراً عظيماً) . كمال الدين: 486 / ح8.

(1) الخرائج والجرائح / للراوندي 1: 463 / ح8.

١٦٨

الخَلق من المنهيّات ويحرّضهم على الأوامر، وتعلم جميع مصالح العباد من توقيعاته كعبة أرباب السداد.

ويعدُّ كل توقيع من تلك التوقيعات بنفسه معجزة؛ وهي كثيرة لا يسع مجموعها هذا المختصر، وقد تقدَّم قليل منها في هذه السطور، وسوف يأتي بعضها إنشاء الله تعالى في هذا السفر.

روي عن محمّد بن يعقوب بن عليّ بن محمّد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش [والمقصود من مقابر قريش مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) المنور] وقبر الحسين (عليه السلام). فلمّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة، فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقالا [لخادمه]: لاق بني الفرات والبرسيّين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض على كلّ من زار (1) .

وبعد حدوث هذه الواقعة علمٍ سبب منعه لزيارة مقابر قريش الذي ورد في توقعيه (عليه السلام).

[حكاية القاسم بن العلاء]:

الرواية الأخرى: روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة، وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينيين لقى العسكريّين (عليها السلام) وحجب بعد الثمانين، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام؛ وذلك إنِّي كنت بمدينة (أرّان) من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعاته صاحب الأمر (عليه السلام) عنه على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.

فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج العراق

____________________

(1) الخرائج والجرائح 1: 465 / ح10.

١٦٩

ورد - ولا يسمى بغيره - فسجد القاسم، ثم دخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضرّبة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة.

فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له (أبو عبد الله بن أبي سلمة) ففضّه وقرأه وبكى حتى أحس القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله خيرّ، خرج فيّ شيء ممّا يكره؟

قال: لا.

قال: فما هو؟

قال: ينعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: على سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك.

فضحك؛ وقال: وما أؤمِّل بعد هذا العمر؟!

فقام الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه عليّ النقي (عليه السلام).

وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب، يقال له (عبد الرحمن بن محمد الشيزي) وافى إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحب هدايته.

قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه.

١٧٠

فقرأه عبد الرحمن إلى موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله، اتّقِ الله، فإنّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (1) ، وقال: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) (2) .

قال القاسم: فأتم الآية: ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (3) مولاي هو المرضيّ من الرسول.

ثمّ قال: أعلم أنّك تقول هذا، ولكن أرَّخ اليوم، فإنْ أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متّ قبله، فاعلم أنّي لست على شيء، وإنْ أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحُمّ القاسم يوم السابع، واشتدّت العلّة به إلى مدّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمّه عينيه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثم مدّ بطرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن، إليّ، ويا فلان! إليّ.

فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

وشاع الخبر في النّاس، فانتابه الناس من العامّة ينظرون إليه.

وركب القاضي إليه، وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي، وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟

وأراه خاتماً فضَّة فقرّبه منه؛ فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها، وقد قال لمّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللَّهُم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك) قالها ثلاثاً، ثم كتب وصيته بيده.

وكانت الضِّياع التي بيده لصاحب الأمر (عليه السلام)، كان أبوه وقفها عليه.

____________________

(1) لقمان: 34.

(2) الجن: 26.

(3) الجن: 27.

١٧١

وكان فيما أوصى ابنه: إن أُهِّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بـ (فرجيدة)، وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).

فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر، مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: (يا سيداه)، فاستعظم الناس ذلك منه؛ فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيّع، ورجع عمّا كان عليه.

فلمّا كان بعده مدّة يسيرة، ورد كتاب على الحسن ابنه من صاحب الزمان يقول فيه: (ألهمك الله طاعته، وجنبّك معصيته. وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك) (1) .

[حكاية ابن أبي سورة عن أبيه الزيدي]:

ومن معجزاته (عليه السلام) ما رواه ابن أبي سورة عن أبيه [أنّه قال: كان أبي من مشايخ الزيدية في الكوفة، وقد اشتهر عنه في الخبر تشيّعه، فسألت يوماً أبي عن سبب ترك الزيدية] (2) .

قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرّف عنده. فلمّا كان وقت العشاء الآخرة، صلّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شابٌ حسن الوجه عليه جبّة سيفيّة، فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي.

فلمّا كان الغداة، خرجنا جميعاً من باب الحائر. فلمّا صرنا إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة، فامضِ) .

فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البر.

قال أبو سورة، ثم أسفت على فراقه، فاتّبعته، فقال لي: (تعال) .

____________________

(1) الخرائج والجرائح 1: 467 - 470 / فقرة 14.

(2) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٢

فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق، ولك عيال، فامض إلى أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شابّ من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير الّتي عند رِجْل السرير مدفونة) .

قال: فلمّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر ليّ الشاب.

فقال: سمعاً وطاعة. وعلى يده دم الأضحية (1) .

[وبعدما اطلعت على أحوال هذا الشاب ازدادت محبّته في قلبي يوماً بعد يوم، ولم أعرف مَن يكون، إلى أن قال لي أخيراً: أُحدّثك أنّ هذا الشاب الذي تتحدث عنه إنّه الحجة بن الحسن (عليه السلام)، ومن بعد ذلك اخترت مذهب أهل البيت (عليهم السلا)] (2) .

وروى نحو هذه الرواية أبو ذر أحمد بن محمّد بن أبي سورة، وهو أحمد بن محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي، قال: [ضعت ليلة في برِّ العرب، فإذا بي أرى شاباً، فاتبعت أثره فمشيت أقداماً فرأيت نفسي] (3) على مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي) .

ثمّ قال لي: (تمرّ أنت إلى ابن الزراري عليّ بن يحيى فتقول له: يعطيك المال بعلامة أنّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّى بكذا.

فقلت: من أنت؟

قال: (أنا محمّد بن الحسن) .

ثم مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضأ ثم صلّى ثلاث عشرة ركعة.

فمضيت إلى الزراري، فدققت الباب، فقال: من أنت؟

____________________

(1) الخرائج والجرائح 1: 470 و471 / فقرة 15.

(2) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(3) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٣

فقلت: أبو سورة.

فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة؟!

فلمّا خرج وقصصت عليه القصة، صافحني، وقبّل وجهي، ووضع يده بيدي، ومسح بها وجهه، ثم أدخلني الدار، وأخرج الصّرة من عند رِجْل السرير، فدفعها إليّ، فاستبصر أبو سورة، وبرئ من الزيدية (1) .

وقال مترجم "الخرائج" بعد نقل هذه المعجزة: الحاصل أنّ هذه الرواية، والرواية التي قبلها واحدة، ولكن فيها بعض الزيادات.

[حكاية محمّد بن هارون]:

والرواية الأخرى عن محمّد بن هارون الهمداني، قال:

كان للناحية عليّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثم قلت في نفسي [ليلة] (2) : لي حوانيت اشتريتها بخمسمئة دينار وثلاثين ديناراً، قد جعلتها للناحية بخمسمئة دينار [يعني أؤدّيها وأسلّمها إلى وكلاء صاحب الزمان (عليه السلام) فأؤدّي ديني، فخرجت صباحاً من الدار قبل أن أحدِّث أحداً بما أردت في نفسي، فرأيت محمّد بن جعفر، فقال: هل قرّرت الليلة في نفسك أن تعطي الحوانيت؟ قال: نعم، فمن أين علمت؟ قال: لقد وَصَل اليوم توقيع صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه صلوات الرحمن) وفيه] (3) : أقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمئة دينار التي لنا عليه (4) .

[فعندما سمعت هذا الكلام من محمّد بن جعفر أجريت معه البيع الشرعي] (5) .

____________________

(1) الخرائج والجرائح / الراوندي 1: 471 و472 / فقرة 15.

(2) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(3) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع، وبدل الجملة الثانية: (ولا - والله - ما نطقت بذلك. فكتب (عليه السلام) إلى محمّد بن جعفر: اقبض... الحديث).

(4) راجع القصة في الخرائج 1: 472 / فقرة ب16.

(5) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجدي في المصدر المطبوع.

١٧٤

[حكاية أبي الحسن المسترق]:

والرواية الأخرى عن أبي الحسن المسترق قال: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري عليها، إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسن يوماً، فأخذت أتكلم في ذلك؛ فقال: يا بني! قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين اُستصعبت على السلطان، وكان كل مَن ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلّم إلي جيش وخرجت نحوها.

فلمَّا بلغت إلى ناحية طزر، خرجت إلى الصيد، ففاتتني طريدة، فاتّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتى بلغت إلى نهر، فسرت فيه، وكلّما أسير يتّسع النهر. فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء، وهو متعممٌ بعمامة خزّ خضراء، لا أرى منه إلاّ عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين)

فلا هو أمّرني ولا كنّاني؛ فقلت: ماذا تريد؟

قال: (لِم تزري على الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟)

وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت منه وتهيّبته؛ وقلت له: أفعل - يا سيدي - ما تأمر به.

فقال: (إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه، فدخلته عفواً، وكسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلى مستحقه) .

فقلت: السمع والطاعة.

فقال: (امض راشداً) .

ولوى عنان دابته، وانصرف، فلم أدرِ أي طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليّ أمره، وازددت رعباً وانكفأت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث.

فلمّا بلغت قم، وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها وقالوا:

١٧٥

كنّا نحارب مَن يجيئنا بخلافهم لنا، فأما إذا وافيت أنت، فلا خلاف بيننا وبينك؛ ادخل البلدة، فدبّرها كما ترى.

فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدّر، ثم وشى القوّاد بيّ إلى السلطان، وحُسدت على طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فعُزلت، ورجعت إلى بغداد. فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه، وأتيت إلى منزلي، وجاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطّى الناس حتى اتكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً.

فلمّا تصّرم الناس وخلا المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ سامعه.

فقلت: قل.

فقلا: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا) .

فذكرت الحديث [وارتعدت] (1) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.

فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، وإلى أن خمّس شيئاً كنت قد نسيته ممّا كنت قد جمعته، وانصرف ولم أشك بعد ذلك، وتحققت الأمر.

فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك (2) .

[حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه]:

وروى أيضاً عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال:

لمّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة للحج، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت؛ كان أكبر همي الظفر بمَن ينصب الحجر؛

____________________

(1) في المصدر: وارتعت. (المركز).

(2) الخرائج والجرائح / للراوندي 1: 472 - 475 / فقرة 17.

١٧٦

لأنَّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر.

فاعتللت علّة صعبة خفتُ منها على نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة، أم لا؟

وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم مَن يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام اسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنّه لم يُزل عنه.

وعَلَت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب؛ فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتى ظُنّ بن الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتّى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤده ولا أُدركه.

فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليّ، فقال: (هاتِ ما معك) .

فناولته الرقعة؛ فقال من غير أن ينظر فيها:

قل له: (لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة) .

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.

فلمّا كان سنة تسع وستين، اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره،

١٧٧

وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجدّ في ذلك؛ فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة؟

فقال: هذه السنة التي خُوّفت فيها.

فمات في علّته (1) .

[وأجاب داعي الحق بعد ثلاثة أيام من وصيته (عليه رحمة الله الملك العبود)] (2) .

[حكاية الزراري]:

والرواية الأخرى عن أبي غالب الزراري قال:

تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال)، خزّازون، وحصلت لها منزلة من قلبي، فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها من بيتي غضباً، ورِمت ردّها، فامتنعت عليّ؛ لأنَّها كانت في أهلها في عزّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت إلى السفر، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناها وقضينا الحق في واجب الزيارة، وتوجّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح، وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلّمنا، فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا. وطرح إليّ مدرجة كانت بين يديه؛ فكتبت فيها اسمي واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودّعناه، وخرجت إلى سُرّ مَن رأى للزيارة، وزرنا وعُدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها إلى أن انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق:

(أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة، فسيصلح الله - أو: فأصلح الله - بينهما) .

____________________

(1) الخرائج والجرائح / للراوندي 1: 475 - 478 / الفقرة رقم 18.

(2) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٨

وكنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره.

ثم ودّعنا الشيخ وخرجنا من بغداد حتى قدمنا الكوفة، فيوم قدومي، أو من غده، أتاني إخوة المرأة، فسلّموا عليّ واعتذروا إليّ ممّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي، ولم يجرِ بيني وبينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي لها، ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاّ بإذني حتّى ماتت (1) .

يقول أحد علماء الإمامية في كتابه الذي ألَّفه في مناقب العترة الطاهرة (عليهم السلام): نقل المعتقدون ببقاء الإمام المهدي (عليه السلام) قصصاً في شمول فيضه (عليه السلام) شيعته، وشفاء مرضاهم، وانتفاع الخلق به، وقضاء حوائج المحتاجين - لو جمعت لكانت كتابا كبيراً. ومنها حكايتان نقلهما صاحب "كشف الغمة" ، وهما مشهورتان، وإنّه قال: إنّني أنقل هاتين الحكايتين لقرب زمانهما إلينا؛ ولأنِّي سمعتها من إخواني الثقاة، صحيحي القول، وأنّ هذين الشخصين الذين وقعت الحكايتين لهما قد توفِّيا. وإنّي وإن لم أكن أراهما، ولكنِّي رأيت أبناءهما، وليس عندي شك في وقوع هاتين الحكايتين.

وقد نقل الجاني هاتين الحكايتين في كتاب "الشواهد النبوة" وإحدى هاتين الحكايتين (2) :

____________________

(1) الخرائج والجرائح / للراوندي 1: 479 و480 / ح20.

(2) هكذا النص في الترجمة. وأمَّا في "كشف الغمة" المطبوع 2: 493، النص على النحو التالي:

وأنا أذكر من ذلك قصّتين قَرُب عهدهما من زماني، وحدَّثني بها جماعة من ثقات إخواني: كان في البلاد الحلِّية... إلخ، وسوف نقتصر في الأصل على ذكر القصّتين كما جاء في "كشف القمة" دون الإشارة إلى فوارق الترجمة.

١٧٩

[حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي]:

كان في البلاد الحلّية شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي، من قرية يقال لها: هرقل؛ مات في زمانه وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين، قال: حكى لي والدي:

إنّه خرج فيه - وهو شباب - على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقَّق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلّة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أُريد أن أداويها.

فأُحضر له أطباء الحلّة، وأراهم الموضع؛ فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين (قدِّست روحه): أنا متوجِّه إلى بغداد، وربَّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني.

فأُصعد معه، وأُحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك.

فضاق صدره، فقال له السعيد: إنّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرِّر بنفسك؛ فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسُرَّ مَن رأى (على مشرفه السلام)، ثم أنحدر إلى أهلي.

فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجَّه.

قال: فلمَّا دخلت المشهد، وزرت الأئمّة (عليهم السلام)، ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام)، وقضيت بعض الليل في السرداب، وبتٌّ في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة، واغتسلت، ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أُريد المشهد.

١٨٠