مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)23%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72573 / تحميل: 9003
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

فسار، وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله، فقال: انزل، فهنا يذلّ كلّ صعب، ويخضع كل جبار، ثم قال: خلّ عن زمام الناقة.

قلت: فعلى من أخلّفها؟

فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلاَّ مؤمن، ولا يخرج منه إلاَّ مؤمن.

فخلَّيتُ من زمام راحلتي، وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدّخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إليّ.

ثم قال لي: أدخل، هنّأك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة، واتزر بأخرى، وقد كسر بردته على عاتقه، وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى، وأصابها ألم الهوى، وإذا هو كغصنِ بانٍ، أو قضيبِ ريحانٍ، سمحٌ سخيٌّ تقيٌّ نقيٌّ، ليس بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقنى الأنف، سهل الخدين، على خدّه الأيمن خال كأنّه فتات مسك على رضراضة عنبر.

فلمّا أن رأيته بادرته بالسلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، وشافهني وسألني عن أهل العراق، فقلت: سيدي قد اُلبسوا جلباب الذلّة، وهم بين القوم أذلاء، فقال لي: (يا ابن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم، وهم يومئذٍ أذلاّء) .

فقلت: سيدي لقد بُعد الوطن وطال المطلب.

فقال: (يا ابن المازيار، أبي أبو محمّد عهد إليّ أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم .

وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلاّ وعرها، ومن البلاد إلاّ عفرها، والله مولاكم أظهر التقية فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يُؤذن لي فأخرج) .

فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال: (إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم) .

فقلت: متى يا ابن رسول الله؟

١٦١

  فقال لي:(في سنة كذا وكذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة، ومعه عصا موسى وخاتم سليمان، يسوق الناس إلى المحشر) .

قال: فأقمت عنده أياماً، وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله، لقد سرتُ من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم أرَ إلاَّ خيراً) (١) .

وهذا الحديث يؤيِّد المعنى الذي يقول بأنَّ وقت ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فإنّه قد ذكر (عليه السلام) في جواب عليّ بن إبراهيم بن مزيار: متى يكون هذا الأمر؟ عدّة علامات، مع أنّه لا يعلم وقت ظهور تلك العلامات أيضاً، بل إنّ وقت العلامات مخفي عليه (عليه السلام) أيضاً.

وهناك الكثير ممّن سعى لذلك في حياة والد الإمام الحجة (عليه السلام) للحصول على هذه السعادة، يعني أن يتشرّف برؤية رئيس الأخيار، مثل يعقوب بن منقوش، فقد روى ابن بابويه بإسناده عن يعقوب المذكور أنّه قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكان في الدار، وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟

فقال: (ارفع الستر) .

فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيٌّ، له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دريّ المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة؛ فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: (هذا هو صاحبكم) .

ثم وقب، فقال له: (يا بني، أدخل إلى الوقت المعلوم) .

فدخل البيت وأنا أنظر إليه؛ ثم قال لي: (يا يعقوب، انظر إلى مَن في البيت) .

____________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٦٣ - ٢٦٧.

١٦٢

فدخلت فما رأيت أحداً (١) .

وروى أيضاً عن [محمّد بن] (٢) معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري أنَّهم قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلاً، فقال: (هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرَّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا. أما إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا) (٣) .

وأمّا معجزاته (عليه السلام) التي ظهرت من حين ولادته إلى هذا اليوم، فهي كثيرة، سوى ما سوف تظهر من زماننا إلى حين ظهوره (عليه السلام)، ومن ذلك الوقت إلى أوان وفاته (عليه السلام).

ونحن نكتفي في هذا المختصر بنقل القليل من معجزاته التي قد ظهرت منه (عليه السلام) من قبل، وقد رواها قطب الملة والدين الراوندي (عليه الرحمة) في كتاب "الخرائج والجرائح"، وقد نقل مضمون عباراتها صاحب "كفاية المؤمنين" ، كما ذكرها الشيخ المفيد وغيره في كتبهم.

[حكاية يعقوب الغساني]:

قال صاحب كتاب "الخرائج" : روي عن يعقوب بن يوسف الضّراب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا. فلمّا قدمنا مكة، نزلنا داراً في سوق الليل تسمَّى دار الرضا (عليه السلام)، وفيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟

____________________

(١) كمال الدين / الشيخ الصدوق ٢: ٤٣٧ / باب ٤٣ / ح٥.

(٢) هكذا في الترجمة، ولا توجد هذه الزيادة في المصدر.

(٣) كمال الدين / الشيخ الصدوق ٢: ٣٣٥.

١٦٣

قالت: أنا من مواليهم [وعبيدهم] أسكننيها الحسن بن عليّ (عليهما السلام).

فكنا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب.

فرأيت غير ليلة ضوء السراج، ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحداً فتحه من أهل الدار، ورأيت رجلاً ربعة، أسمر، يميل إلى الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلى غرفة في الدار حيث تكون العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنَّ لي في الغرفة ابنة لا تدعوا أحداً يصعد إليها.

فأحببت أن أقف على خبر الرجل، فقلت للعجوز: إنِّي أحب أن أسألك.

قالت: وأنا أريد أن أُسرّ إليك، فلم يتهيَّأ من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - ولم تذكر أحداً [باسمه]: (لا تخاشننّ أصحابك وشركاءك، ولا تلاحّهم، فإنّهم أعداؤك، ودَارِهِم) .

فلم أجسر أن أراجعها؛ فقلت: أيّ أصحابي؟

قالت: شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك.

وقد كان جرى بيني وبين مَن معي في الدار عنت في الدين، فسعوا بيّ حتى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنّها عنت أولئك.

وكنت نذرت أن ألقي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها مَن أراد الله، فأخذت عشرة دراهم فيها ستة رضوية وقلت لها: ادفعي هذه إلى الرجل.

فأخذت [الدراهم] وصعدت، وبقيت ساعة ثم نزلت؛ فقالت: يقول لك: (ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نذرت ونويت، ولكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت) .

ففعلت (١) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦١ / ح٦. والرواية مروية بشكل أكثر تفصيل في الغيبة / الشيخ الطوسي: ٢٧٣ / تحت رقم ٥٣٨.

١٦٤

[ملاقاة يوسف الجعفري للحجة (عليه السلام)]:

وروى أيضاً عن يوسف بن أحمد الجعفري أنَّه قال: حججتُ سنة ست وثلاثمئة، ثمَّ جاورت بمكة ثلاث سنين، ثم خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق، وقد فاتتني صالة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيَّأت للصلاة، فرأيتُ أربعة نفر في محمل، فوقعت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممّ تعجب؟ تركت صلاتك.

فقلت: وما علمك بذلك منّي؟

فقال: تُحب أن ترى صاحب زمانك؟

قلت: نعم، فأومأ إليّ أحد الأربعة، فقلت: إنّ له دلائل وعلامات؟

فقال: أيّما أحب إليك: أن ترى الجمل صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً؟

فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل وما عليه يرتفع إلى السماء، ولكن الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكأنّ لونه الذهب، بين عينيه سجّادة (١) .

[حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران]:

وروى أيضاً عن محمّد بن إبراهيم بن مهران أنَّه قال: أعطى جماعة من الشيعة إلى أبي عدة بدرات من الدنانير والدراهم ليوصلها إلى الإمام أبي محمّد العسكري (صلوات الله عليه)، فخرجت معه مشيِّعاً له عدة مراحل حتى بعُدنا عن وطننا منزلين أو ثلاثة، فإذا به ليلاً يتغيّر تغيّراً شديداً وتظهر على وجهه علامات الموت، فطلبني وأوصاني وقال: عندي دنانير ودراهم كثيرة، وهي أمانات من شيعة أهل البيت، فسلّمها لوكلاء الإمام الحسن العسكري، وأنا أرى الموت يحوم حولي، وأنا أعلم أنّه لا يبرء ذمتي أحد غيرك من هذه

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٦ و٤٦٧ / ح١٣.

١٦٥

الأمانات، ووصيتي إليك أن تأخذ هذا المال (عليه السلام) فتطيِّب خاطري من هذا الغم.

فاستجبت لأمر أبي في أن أُوصل هذا المال لوكلاء الإمام الحسن العسكري (صلوات الله عليه)، فمات أبي بعد أن أدّى الوصية.

فتوجّهت إلى العراق بعد موت أبي، وبعد أن قطعت المنازل وطويت المراحل فإذا بي يوماً أسمع أثناء سفري خبر المحنة، وهو وفاة صاحب العسكر والإمام الحادي عشر (عليه صلوات الله الملك الأكبر)، ففكرت في نفسي: أنّ أبي أوصى أن أوصل هذا المال إليه (عليه السلام)، وقد توفّى، ولا أعرف مَن هو خليفته ووصيه، ولم يوصني أبي بشيء غير ذلك، فما هو الحل لهذا؟ فانقدح في ذهني أخيراً أن أحمل هذا المال إلى العراق، ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته وتصدّقت به وقصفت به.

فقدمت العراق، فاكتريت داراً على الشط وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: (يا محمّد بن إبراهيم، معك عدة صرر ذهباً، عددها كذا، وفي جوف كل واحدة من تلك الصرار العدد الفلاني من الدنانير والدراهم، فإذا أردت أن تؤدّي وصية أبيك، فعليك أن تسلّم جميع ذلك المال إلى رسولنا) .

فعندما سمعت هذا الخبر الصحيح، والدليل الصريح، فلم أجد بُداً غير تسليم ذلك المال وكل ما كان معي إلى رسول مجمع المفاخر والمحامد (عليه السلام).

وبقيت منتظراً أن أحصل على خبر منه بوصول المال، كما كنت أرجو أن أصل إليه، وأطلب منه أن أقوم بما كان يقوم به أبي ببعض أموره.

وبعد عدة أيَّام من إرسال ذلك المال، جاءتني رقعة مضمونها: (يا محمّد، قد وصل جميع ما كنت قد أرسلته، وقد أقمناك مقام أبيك، فعليك ألاَّ تخرج عن جادة الشريعة الغرّاء، وطريق الملّة البيضاء).

١٦٦

وحينما قرأت هذا التوقيع ابتهجت وفرحت كثيراً، ورجعت عن دار السلام بغداد إلى بيتي (١) .

____________________

(١) أقول: هذا ملَّخص ترجمة الحديث الذي نقله المؤلف مترجماً من "كفاية المؤمنين" والذي هو ترجمة "الخرائج" ، ولكن فيه اختلافات مع ما هو موجود في المصدر المطبوع، وكذلك مع ما هو موجود في المصادر الأخرى التي روت الخبر، فقد رواه الشيخ الكليني في الكافي ١: ٥١٨ / ح٥؛ والطوسي في الغيبة: ١٨٢ - ٢٣٩؛ والشيخ المفيد في الإرشاد ٢: ٣٥٥؛ والراوندي في الخرائج ١: ٤٦٢ و٤٦٣؛ والطوسي في إعلام الورى بأعلام الهدى: ٤١٧ / ط١.

وبما أنّ المؤلف قد نقل الخبر عن خرائج الراوندي فإليك ما فيه، قال:

ما روي عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار قال: شككت عند مضي أبي محمّد (عليه السلام)، وكان اجتمع عند أبي مال جليل فحمله وركب السفينة، وخرجت مع مشيّعاً له، فوعك.

فقال: ردّني فهو الموت، واتَّق الله في هذا المال. وأوصى إليّ، ومات.

وقلت: لا يوصي أبي شيء غير صحيح، أحمل هذا المال إلى العراق ولا أخبر أحداً، فإن وضح لي شيء أنفذته، وإلاّ أنفقته، فاكتريت داراً على الشطّ وبقيت أياماً، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد، معك كذا وكذا. حتى قصّ عليّ جميع ما معي، وما لم أحط به علماً ممّا كان معي، فسلّمت المال إلى الرسول، وبقيت أياماً لا يرفع لي رأس، فاغتممت، فخرج إليّ: (قد أقمناك مقام أبيك، فأحمد الله تعالى) .

الخرائج والجرائح / الراوندي ١: ٤٦٢ و٤٦٣ / ح٧.

ولكن الشيخ الصدوق (عليه الرحمة) قد نقل القضية بشكل آخر في كتاب كمال الدين: ٤٨٦ و٤٨٧ / ح٨؛ حدّثنا محمّد بن الحسن (رضي الله عنه) عن سعد بن عبد الله، عن عليّ بن محمّد الرّازي المعروف بعلاّن الكليني قال: حدّثني محمّد بن جبرئيل الأهوازي، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أنّه ورد العراق شاكّاً مرتدّاً، فخرج إليه:

(قل للمهزياري قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم: أمَا سمعتم الله (عزّ وجلّ) يقول: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) هل أمر إلاَّ بما هو كائن إلى يوم القيامة، أوَ لَم تروا أنّ الله (عزّ وجلّ) جعل لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي أبو محمّد (صلوات الله عليه)، كلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم.

فلّما قبضه الله إليه، ظننتم أنّ الله (عزّ وجلّ) قد قطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله (عزّ وجلّ) وهم كارهون. =

١٦٧

وروى أيضاً أبو عقيل عيسى بن نصر: أنّ علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفناً.

فكتب: (إنّك تحتاج إليه في سنة ثمانين) .

فمات في سنة ثمانين، وبعث إليه بالكفن قبل موته (١) .

وقد ذكر في الدفاتر الصحيحة، وفي كتب الآثار الصريحة؛ أنَّه قد خرجت التوقيعات في زمن الغيبة الصغرى من عند صاحب الزمان (عليه صلوات الملك المنان)، وقد اختص جماعة بإظهار تلك التوقيعات، وكان يتمّ إعلان تلك التوقيعات العظيمة البركات بأمره (عليه السلام) إلى كثير من شيعته فيحذّر

____________________

= يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلنّك الشكّ فيما قدمت له، فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا يخلّي الأرض من حجة؛ أليس قال لك أبوك قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي، فلمّا أبطئ ذلك عليه، وخاف الشيخ على نفسه الوحا، قال لك: عيّرها على نفسك، وأخرج إليك كيساً كبيراً، وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد فعيَّرْتها، وختم الشيخ بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي، فإن أعش فأنا أحق بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسك أوّلاً ثمّ فيّ، فخلّصني وكنْ عند ظنِّي بك. أخرج (رحمك الله) الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا، وهي بضعة عشر ديناراً واستردّ من قبلك، فإنّ الزمان أصعب ممَّا كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل) .

قال محمد بن إبراهيم: وقدمت العسكر زائراً فقصدت الناحية، فلقيتني امرأة وقالت: أنت محمّد بن إبراهيم؟

فقلت: نعم.

فقالت لي: انصرف فإنَّك لا تصل في هذا الوقت، وارجع الليلة فإنّ الباب مفتوح لك فادخل الدار واقصد البيت الذي فيه السراج، ففعلت وقصدت الباب فإذا هو مفتوح، فدخلت الدّار وقصدت البيت الذي وصفته، فبينا أنا بين القبرين أنتحب وأبكي إذ سمعت صوتاً وهو يقول: (يا محمد، اتقِ الله وتب من كلّ ما أنت عليه فقد قلّدت أمراً عظيماً) . كمال الدين: ٤٨٦ / ح٨.

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٦٣ / ح٨.

١٦٨

الخَلق من المنهيّات ويحرّضهم على الأوامر، وتعلم جميع مصالح العباد من توقيعاته كعبة أرباب السداد.

ويعدُّ كل توقيع من تلك التوقيعات بنفسه معجزة؛ وهي كثيرة لا يسع مجموعها هذا المختصر، وقد تقدَّم قليل منها في هذه السطور، وسوف يأتي بعضها إنشاء الله تعالى في هذا السفر.

روي عن محمّد بن يعقوب بن عليّ بن محمّد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش [والمقصود من مقابر قريش مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) المنور] وقبر الحسين (عليه السلام). فلمّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة، فدعاهما] الوزير الباقطاني وزجرهما، فقالا [لخادمه]: لاق بني الفرات والبرسيّين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض على كلّ من زار (١) .

وبعد حدوث هذه الواقعة علمٍ سبب منعه لزيارة مقابر قريش الذي ورد في توقعيه (عليه السلام).

[حكاية القاسم بن العلاء]:

الرواية الأخرى: روى الشيخ المفيد عن أبي عبد الله الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلاء وقد عمّر مائة سنة، وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينيين لقى العسكريّين (عليها السلام) وحجب بعد الثمانين، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام؛ وذلك إنِّي كنت بمدينة (أرّان) من أرض آذربايجان، وكان لا تنقطع توقيعاته صاحب الأمر (عليه السلام) عنه على يد أبي جعفر العمري، وبعده على يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحواً من شهرين، وقلق لذلك.

فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البوّاب مستبشراً، فقال له: فيج العراق

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٥ / ح١٠.

١٦٩

ورد - ولا يسمى بغيره - فسجد القاسم، ثم دخل كهل قصير يرى أثر الفيوج عليه، وعليه جبّة مضرّبة، وفي رجله نعل محاملي، وعلى كتفه مخلاة.

فقام إليه القاسم فعانقه، ووضع المخلاة، ودعا بطشت وماء، وغسل يده، وأجلسه إلى جانبه، فأكلنا وغسلنا أيدينا، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له (أبو عبد الله بن أبي سلمة) ففضّه وقرأه وبكى حتى أحس القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد الله خيرّ، خرج فيّ شيء ممّا يكره؟

قال: لا.

قال: فما هو؟

قال: ينعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوماً، وأنّه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك، وقد حمل إليه سبعة أثواب.

فقال القاسم: على سلامة من ديني؟

قال: في سلامة من دينك.

فضحك؛ وقال: وما أؤمِّل بعد هذا العمر؟!

فقام الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، وحبرة يمانية حمراء، وعمامة، وثوبين ومنديلاً، فأخذه القاسم، وكان عنده قميص خلعه عليه عليّ النقي (عليه السلام).

وكان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب، يقال له (عبد الرحمن بن محمد الشيزي) وافى إلى الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحب هدايته.

قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!

فأخرج إليه القاسم الكتاب وقال: اقرأه.

١٧٠

فقرأه عبد الرحمن إلى موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد الله، اتّقِ الله، فإنّك رجل فاضل في دينك، والله يقول: ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (١) ، وقال: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ) (٢) .

قال القاسم: فأتم الآية: ( إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) (٣) مولاي هو المرضيّ من الرسول.

ثمّ قال: أعلم أنّك تقول هذا، ولكن أرَّخ اليوم، فإنْ أنا متُّ بعد هذا اليوم، أو متّ قبله، فاعلم أنّي لست على شيء، وإنْ أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.

فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا، وحُمّ القاسم يوم السابع، واشتدّت العلّة به إلى مدّة، ونحن مجتمعون يوماً عنده، إذ مسح بكمّه عينيه، وخرج من عينه شبه ماء اللحم، ثم مدّ بطرفه إلى ابنه، فقال: يا حسن، إليّ، ويا فلان! إليّ.

فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين.

وشاع الخبر في النّاس، فانتابه الناس من العامّة ينظرون إليه.

وركب القاضي إليه، وهو: أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي، وهو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه وقال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟

وأراه خاتماً فضَّة فقرّبه منه؛ فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها، وقد قال لمّا رأى ابنه الحسن في وسط الدار قاعداً: (اللَّهُم ألهم الحسن طاعتك، وجنّبه معصيتك) قالها ثلاثاً، ثم كتب وصيته بيده.

وكانت الضِّياع التي بيده لصاحب الأمر (عليه السلام)، كان أبوه وقفها عليه.

____________________

(١) لقمان: ٣٤.

(٢) الجن: ٢٦.

(٣) الجن: ٢٧.

١٧١

وكان فيما أوصى ابنه: إن أُهِّلت إلى الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة بـ (فرجيدة)، وسائرها ملك لمولانا (عليه السلام).

فلمَّا كان يوم الأربعين وقد طلع الفجر، مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافياً حاسراً، وهو يصيح: (يا سيداه)، فاستعظم الناس ذلك منه؛ فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا. وتشيّع، ورجع عمّا كان عليه.

فلمّا كان بعده مدّة يسيرة، ورد كتاب على الحسن ابنه من صاحب الزمان يقول فيه: (ألهمك الله طاعته، وجنبّك معصيته. وهو الدعاء الذي دعا لك به أبوك) (١) .

[حكاية ابن أبي سورة عن أبيه الزيدي]:

ومن معجزاته (عليه السلام) ما رواه ابن أبي سورة عن أبيه [أنّه قال: كان أبي من مشايخ الزيدية في الكوفة، وقد اشتهر عنه في الخبر تشيّعه، فسألت يوماً أبي عن سبب ترك الزيدية] (٢) .

قال: كنت خرجت إلى قبر الحسين (عليه السلام) أعرّف عنده. فلمّا كان وقت العشاء الآخرة، صلّيت، وقمت فابتدأت أقرأ الحمد، وإذا شابٌ حسن الوجه عليه جبّة سيفيّة، فابتدأ أيضاً قبلي، وختم قبلي.

فلمّا كان الغداة، خرجنا جميعاً من باب الحائر. فلمّا صرنا إلى شاطئ الفرات، قال لي الشاب: (أنت تريد الكوفة، فامضِ) .

فمضيت في طريق الفرات، وأخذ الشاب طريق البر.

قال أبو سورة، ثم أسفت على فراقه، فاتّبعته، فقال لي: (تعال) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٦٧ - ٤٧٠ / فقرة ١٤.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٢

فجئنا جميعاً إلى أصل حصن المسناة، فنمنا جميعاً، وانتبهنا، وإذا نحن على الغري على جبل الخندق، فقال لي: (أنت مضيق، ولك عيال، فامض إلى أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، وفي يده الدم من الأضحية، فقل له: شابّ من صفته كذا وكذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير الّتي عند رِجْل السرير مدفونة) .

قال: فلمّا دخلت الكوفة مضيت إليه، وقلت ما ذكر ليّ الشاب.

فقال: سمعاً وطاعة. وعلى يده دم الأضحية (١) .

[وبعدما اطلعت على أحوال هذا الشاب ازدادت محبّته في قلبي يوماً بعد يوم، ولم أعرف مَن يكون، إلى أن قال لي أخيراً: أُحدّثك أنّ هذا الشاب الذي تتحدث عنه إنّه الحجة بن الحسن (عليه السلام)، ومن بعد ذلك اخترت مذهب أهل البيت (عليهم السلا)] (٢) .

وروى نحو هذه الرواية أبو ذر أحمد بن محمّد بن أبي سورة، وهو أحمد بن محمّد بن الحسن بن عبيد الله التميمي، قال: [ضعت ليلة في برِّ العرب، فإذا بي أرى شاباً، فاتبعت أثره فمشيت أقداماً فرأيت نفسي] (٣) على مقابر مسجد السهلة، فقال: (هو ذا منزلي) .

ثمّ قال لي: (تمرّ أنت إلى ابن الزراري عليّ بن يحيى فتقول له: يعطيك المال بعلامة أنّه كذا وكذا، وفي موضع كذا ومغطّى بكذا.

فقلت: من أنت؟

قال: (أنا محمّد بن الحسن) .

ثم مشينا حتى انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده، فإذا الماء قد خرج، وتوضأ ثم صلّى ثلاث عشرة ركعة.

فمضيت إلى الزراري، فدققت الباب، فقال: من أنت؟

____________________

(١) الخرائج والجرائح ١: ٤٧٠ و٤٧١ / فقرة ١٥.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(٣) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٣

فقلت: أبو سورة.

فسمعته يقول: مالي ولأبي سورة؟!

فلمّا خرج وقصصت عليه القصة، صافحني، وقبّل وجهي، ووضع يده بيدي، ومسح بها وجهه، ثم أدخلني الدار، وأخرج الصّرة من عند رِجْل السرير، فدفعها إليّ، فاستبصر أبو سورة، وبرئ من الزيدية (١) .

وقال مترجم "الخرائج" بعد نقل هذه المعجزة: الحاصل أنّ هذه الرواية، والرواية التي قبلها واحدة، ولكن فيها بعض الزيادات.

[حكاية محمّد بن هارون]:

والرواية الأخرى عن محمّد بن هارون الهمداني، قال:

كان للناحية عليّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعاً، ثم قلت في نفسي [ليلة] (٢) : لي حوانيت اشتريتها بخمسمئة دينار وثلاثين ديناراً، قد جعلتها للناحية بخمسمئة دينار [يعني أؤدّيها وأسلّمها إلى وكلاء صاحب الزمان (عليه السلام) فأؤدّي ديني، فخرجت صباحاً من الدار قبل أن أحدِّث أحداً بما أردت في نفسي، فرأيت محمّد بن جعفر، فقال: هل قرّرت الليلة في نفسك أن تعطي الحوانيت؟ قال: نعم، فمن أين علمت؟ قال: لقد وَصَل اليوم توقيع صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه صلوات الرحمن) وفيه] (٣) : أقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمئة دينار التي لنا عليه (٤) .

[فعندما سمعت هذا الكلام من محمّد بن جعفر أجريت معه البيع الشرعي] (٥) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح / الراوندي ١: ٤٧١ و٤٧٢ / فقرة ١٥.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

(٣) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع، وبدل الجملة الثانية: (ولا - والله - ما نطقت بذلك. فكتب (عليه السلام) إلى محمّد بن جعفر: اقبض... الحديث).

(٤) راجع القصة في الخرائج ١: ٤٧٢ / فقرة ب١٦.

(٥) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجدي في المصدر المطبوع.

١٧٤

[حكاية أبي الحسن المسترق]:

والرواية الأخرى عن أبي الحسن المسترق قال: كنت يوماً في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري عليها، إلى أن حضرت مجلس عمّي الحسن يوماً، فأخذت أتكلم في ذلك؛ فقال: يا بني! قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت لولاية قم حين اُستصعبت على السلطان، وكان كل مَن ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلّم إلي جيش وخرجت نحوها.

فلمَّا بلغت إلى ناحية طزر، خرجت إلى الصيد، ففاتتني طريدة، فاتّبعتها، وأوغلت في أثرها، حتى بلغت إلى نهر، فسرت فيه، وكلّما أسير يتّسع النهر. فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء، وهو متعممٌ بعمامة خزّ خضراء، لا أرى منه إلاّ عينيه، وفي رجليه خفّان أحمران، فقال لي: (يا حسين)

فلا هو أمّرني ولا كنّاني؛ فقلت: ماذا تريد؟

قال: (لِم تزري على الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي خمس مالك؟)

وكنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئاً، فأرعدت منه وتهيّبته؛ وقلت له: أفعل - يا سيدي - ما تأمر به.

فقال: (إذا مضيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه، فدخلته عفواً، وكسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلى مستحقه) .

فقلت: السمع والطاعة.

فقال: (امض راشداً) .

ولوى عنان دابته، وانصرف، فلم أدرِ أي طريق سلك، وطلبته يميناً وشمالاً فخفي عليّ أمره، وازددت رعباً وانكفأت راجعاً إلى عسكري وتناسيت الحديث.

فلمّا بلغت قم، وعندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها وقالوا:

١٧٥

كنّا نحارب مَن يجيئنا بخلافهم لنا، فأما إذا وافيت أنت، فلا خلاف بيننا وبينك؛ ادخل البلدة، فدبّرها كما ترى.

فأقمت فيها زماناً، وكسبت أموالاً زائدة على ما كنت أقدّر، ثم وشى القوّاد بيّ إلى السلطان، وحُسدت على طول مقامي، وكثرة ما اكتسبت، فعُزلت، ورجعت إلى بغداد. فابتدأت بدار السلطان وسلّمت عليه، وأتيت إلى منزلي، وجاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطّى الناس حتى اتكأ على تكأتي، فاغتظت من ذلك، ولم يزل قاعداً ما يبرح، والناس داخلون وخارجون، وأنا أزداد غيظاً.

فلمّا تصّرم الناس وخلا المجلس، دنا إليَّ وقال: بيني وبينك سرّ سامعه.

فقلت: قل.

فقلا: صاحب الشهباء والنهر يقول: (قد وفينا بما وعدنا) .

فذكرت الحديث [وارتعدت] (١) من ذلك، وقلت: السمع والطاعة.

فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، وإلى أن خمّس شيئاً كنت قد نسيته ممّا كنت قد جمعته، وانصرف ولم أشك بعد ذلك، وتحققت الأمر.

فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك (٢) .

[حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه]:

وروى أيضاً عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال:

لمّا وصلت بغداد في سنة تسع وثلاثين وثلاثمئة للحج، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت؛ كان أكبر همي الظفر بمَن ينصب الحجر؛

____________________

(١) في المصدر: وارتعت. (المركز).

(٢) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٢ - ٤٧٥ / فقرة ١٧.

١٧٦

لأنَّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه وأنّه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه فاستقر.

فاعتللت علّة صعبة خفتُ منها على نفسي، ولم يتهيَّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، وأعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة، أم لا؟

وقلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه، وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم مَن يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام اسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنّه لم يُزل عنه.

وعَلَت لذلك الأصوات، وانصرف خارجاً من الباب؛ فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عنّي يميناً وشمالاً، حتى ظُنّ بن الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتّى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤده ولا أُدركه.

فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليّ، فقال: (هاتِ ما معك) .

فناولته الرقعة؛ فقال من غير أن ينظر فيها:

قل له: (لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة) .

قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.

فلمّا كان سنة تسع وستين، اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره،

١٧٧

وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجدّ في ذلك؛ فقيل له: ما هذا الخوف، ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة؟

فقال: هذه السنة التي خُوّفت فيها.

فمات في علّته (١) .

[وأجاب داعي الحق بعد ثلاثة أيام من وصيته (عليه رحمة الله الملك العبود)] (٢) .

[حكاية الزراري]:

والرواية الأخرى عن أبي غالب الزراري قال:

تزوَّجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال)، خزّازون، وحصلت لها منزلة من قلبي، فجرى بيننا كلام اقتضى خروجها من بيتي غضباً، ورِمت ردّها، فامتنعت عليّ؛ لأنَّها كانت في أهلها في عزّ وعشيرة، فضاق لذلك صدري، وتجهَّزت إلى السفر، فخرجت إلى بغداد أنا وشيخ من أهلها، فقدمناها وقضينا الحق في واجب الزيارة، وتوجّهنا إلى دار الشيخ أبي القاسم بن روح، وكان مستتراً من السلطان، فدخلنا وسلّمنا، فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا. وطرح إليّ مدرجة كانت بين يديه؛ فكتبت فيها اسمي واسم أبي، وجلسنا قليلاً، ثمّ ودّعناه، وخرجت إلى سُرّ مَن رأى للزيارة، وزرنا وعُدنا، وأتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي وجعل يطويها على أشياء كانت مكتوبة فيها إلى أن انتهى إلى موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق:

(أمَّا الزراري في حال الزوج أو الزوجة، فسيصلح الله - أو: فأصلح الله - بينهما) .

____________________

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٥ - ٤٧٨ / الفقرة رقم ١٨.

(٢) هذه الزيادة في الترجمة، ولا توجد في المصدر المطبوع.

١٧٨

وكنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، ولم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره.

ثم ودّعنا الشيخ وخرجنا من بغداد حتى قدمنا الكوفة، فيوم قدومي، أو من غده، أتاني إخوة المرأة، فسلّموا عليّ واعتذروا إليّ ممّا كان بيني وبينهم من الخلاف والكلام، وعادت الزوجة على أحسن الوجوه إلى بيتي، ولم يجرِ بيني وبينها خلاف ولا كلام مدّة صحبتي لها، ولم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاّ بإذني حتّى ماتت (١) .

يقول أحد علماء الإمامية في كتابه الذي ألَّفه في مناقب العترة الطاهرة (عليهم السلام): نقل المعتقدون ببقاء الإمام المهدي (عليه السلام) قصصاً في شمول فيضه (عليه السلام) شيعته، وشفاء مرضاهم، وانتفاع الخلق به، وقضاء حوائج المحتاجين - لو جمعت لكانت كتابا كبيراً. ومنها حكايتان نقلهما صاحب "كشف الغمة" ، وهما مشهورتان، وإنّه قال: إنّني أنقل هاتين الحكايتين لقرب زمانهما إلينا؛ ولأنِّي سمعتها من إخواني الثقاة، صحيحي القول، وأنّ هذين الشخصين الذين وقعت الحكايتين لهما قد توفِّيا. وإنّي وإن لم أكن أراهما، ولكنِّي رأيت أبناءهما، وليس عندي شك في وقوع هاتين الحكايتين.

وقد نقل الجاني هاتين الحكايتين في كتاب "الشواهد النبوة" وإحدى هاتين الحكايتين (٢) :

____________________

(١) الخرائج والجرائح / للراوندي ١: ٤٧٩ و٤٨٠ / ح٢٠.

(٢) هكذا النص في الترجمة. وأمَّا في "كشف الغمة" المطبوع ٢: ٤٩٣، النص على النحو التالي:

وأنا أذكر من ذلك قصّتين قَرُب عهدهما من زماني، وحدَّثني بها جماعة من ثقات إخواني: كان في البلاد الحلِّية... إلخ، وسوف نقتصر في الأصل على ذكر القصّتين كما جاء في "كشف القمة" دون الإشارة إلى فوارق الترجمة.

١٧٩

[حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي]:

كان في البلاد الحلّية شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي، من قرية يقال لها: هرقل؛ مات في زمانه وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدين، قال: حكى لي والدي:

إنّه خرج فيه - وهو شباب - على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقَّق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلّة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أُريد أن أداويها.

فأُحضر له أطباء الحلّة، وأراهم الموضع؛ فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر، ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.

فقال له السعيد رضي الدين (قدِّست روحه): أنا متوجِّه إلى بغداد، وربَّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني.

فأُصعد معه، وأُحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك.

فضاق صدره، فقال له السعيد: إنّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرِّر بنفسك؛ فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك، وقد وصلت إلى بغداد، فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسُرَّ مَن رأى (على مشرفه السلام)، ثم أنحدر إلى أهلي.

فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين، وتوجَّه.

قال: فلمَّا دخلت المشهد، وزرت الأئمّة (عليهم السلام)، ونزلت السرداب، واستغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام)، وقضيت بعض الليل في السرداب، وبتٌّ في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة، واغتسلت، ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أُريد المشهد.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ج ـ النساء المجرمات في امريكا

نقلت إحدىٰ المجلات الصادرة في عددها 459 عن مجلة متروبوليس ، خبراً مفاده : حسب احصائيات صحيحة قام بها الاحصائيون الامريكان ، فان عدد المجرمات قد بلغ في غضون عشرة سنوات من عشرة بالمئة الىٰ ثمانين بالمئة !

احصائية عجيبة !!

تحت عنواني « الفتيات والفتيان الامريكان يحطمون الرقم القياسي في الجريمة » و « المدارس والجامعات اماكن العشاق » نشرت احدىٰ المجلات هذه الاحصائيات الرهيبة :

20,000 شاب فرنسي مابين سن 15 ـ 17 عام ارتكبوا جرائم حوكموا عليها ، 12375 شاب امريكي ارتكبوا جرائم بالسيارات والدرجات والاسلحة النارية ، وهذه الاحصاءات تشمل الموارد التي تدخل فيها البوليس او اكتشفها ، اما تلك التي بقيت خافية عن انظار البوليس فهي كثيرة أيضاً وكما ان عدد الذين ارتكبوا جرائم في امريكا : 467850 من الشباب و 98717 من الشابات(1) .

وهذه مجرّد نماذج لاحصائيات الجريمة التي يقوم بها انسان القرن

________________

(1) مجلة أمل ايران ، العدد 343. ( بالفارسية )

٢٠١

العشرين في عصره الذهبي وفي البلدان المتحضرة !

ه‍ ـ احصائية عن الجريمة في امريكا :

حسب الاحصائيات المنشورة ، ان كل 25 ثانية يقع في امريكا حادث جريمة ، وفي كل 24 ساعة عملية قتل وخمسين عمل لا اخلاقي وتجاوز بالعنف و 730 سرقة كبيرة وما يقرب ثلاثة آلاف سرقة صغيرة ، وبشكل عام تقع سنوياً ما يقرب مليون وخمسين الف جريمة(1) .

وفي تقرير نشره « هاور » رئيس دائرة المباحث الامريكية ، يقول :

ان عدد الجرائم في سنة 1960 بلغ 1861000 جريمة ، بزيادة قدرها 4% عن العام الماضي.

ويضيف « هاور » في تقريره :

انّنا لو قارنّا بين الجرائم التي حدثت سنة 1950 و 1960 سنجد ان معدلاتها ارتفعت 98 بالمئة ، في حين ان سكان امريكا لم يزدادوا في الفترة نفسها الّا 18 بالمئة(2) .

و ـ احصائية عن السرقة والاختلاس في مهد الحضارة

الجميع يعلمون تطور عمليات السرقة حالياً في اوروبا وامريكا وحداثتها ، وفي امريكا هناك سارقون محترفون يطلق عليهم اسم Gangsters (

________________

(1) كتاب روح البشر : 42. ( بالفارسية )

(2) صحيفة اطلاعات الايرانية بتاريخ 30 / 7 / 1961.

٢٠٢

اعضاء العصابة ) ، وإليكم بعض الاحصائيات فيما يتعلق بهم :

ـ في نيويورك وحدها هناك 1500 عصابة يتجاوز عدد افراد كل واحدة منها المئات.

ـ يدفع اهالي شيكاغو سنوياً 165 مليون دولار رشوة الىٰ السارقين المحترفين ، وفي جميع الولايات المتحدة الاميريكية تبلغ عائدات عصابات السرقة من هذه الرشاوي 12 مليار دولار ، ففي نيويورك وحده يحصل « راكتي » الذي يعمل في تزوير الوثائق علىٰ 400 مليون دولار سنوياً.

وكان راكت روبرت يسرق اكثر من ثلاثة آلاف سيارة في السنة ويبيعها ، واللأسف الشديد هناك العديد من رجال الدولة شركاءه في ذلك(1) .

ز ـ احصائية عن السرقة في ايران :

طبقاً للأحصائيات الرسمية التي نشرت مؤخراً ، ثم الكشف في دائرة شرطة طهران لوحدها علىٰ 194 عملية سرقة خلال كانون الثاني 1961 فقط ، والقي القبض في نفس الفترة علىٰ 342 سارق ، وهؤلاء السارقين غير الذين القت القبض عليهم شرطة المباحث ، في كانون الثاني نفسه والذين يقدرون ب‍ 500 من اكبر وأهم السارقين(2) .

________________

(1) مفكرة نور العلم السنوية ، سنة 1956.

(2) صحيفة اطلاعات الايرانية : 8 / 5 / 1961.

٢٠٣

اعدموا السارقين

لقد بلغ وضع الجريمة في عالمنا مستوىٰ ارعب مسؤولي الامن والبوليس والقضاء ، وكانت احدىٰ الصحف قد كتبت ان رئيس دائرة الامن الداخلي والبوليس في احدىٰ الدول الغربية طالب اعضاء البرلمان بتشريع قانون يجيز اعدام السارق.

اعدام المرتشي

وجاء في صحفية نداء الحق العدد 443 نقلاً عن وكالة الاسيوشايتدبرس ، خبر مفاده :

« صوّت اعضاء البرلمان في تايلند بشكل أولي علىٰ قانون يوجب الاعدام لموظف الدولة الذي يأخذ رشوة ».

عجباً ، كيف يقبل العالم بأعدام السارق والمرتشي ، وهو الذي كان يعتبر قطع يد السارق وعقابه من اجل اجتثاث هذه الظاهرة من المجتمع عملاً وحشياً يستحق الاستنكار ؟!

أليس غريباً ان يعتبر مجرد قطع يد السارق عملاً وحشياً ، فيما لا يعتبر اعدامه كذلك !!

وكيف تحولت تلك المربيات اللاتي يرين انفسهن اكثر عطفاً من الاُم ولا يرضين بقطع اصابع يد انسان خائن ( طبعاً حسب الشروط التي ذكرها

٢٠٤

الاسلام ) ، الىٰ موجودات قاسيات يحكمن بالاعدام ( القتل ) علىٰ السارق والمرتشي ؟!

وقد عجزت تلك العقول التي لعبت بها الخمرة عن فهم حقيقة مفادها : الاعدام ليس حلاً للسرقة ولا يمكنه اجتثاثها من المجتمع وتأثيره أقل من تأثير قطع اليد. لأن اعدام السارق علىٰ الرغم من شدته ينسىٰ بعد فترة من الوقت ، لكن قطع يده يبقىٰ علامة في المجتمع علىٰ العقاب الذي يطال من يفعل ذلك ، مما يشكل رادعاً للآخرين عن القيام بالسرقة.

اصدقائي الاعزاء !

هل وجدتم في التاريخ شعوباً متملقة ومتحايلة مثل الشعوب الاوروبية والاميركية.

أليس عجيباً ان تثير الدول الاوروبية والاميركية كل هذا الضجيج الاعلامي لقطع اصابع سارق يخلّ بالامن والمصلحة العامة ، لكنها تقوم هي في نفس الوقت وعلىٰ مدىٰ سنين بالسيطرة علىٰ الدول الصغيرة والضعيفة وتمتص دماءها وخيراتها ، دون ان يتحرك ساكن او تدان علىٰ ذلك ؟

أليس هناك أحد يقول لرجال اوروبا وامريكا العطوفين والرؤوفين ! أيّها الذئاب المتوحشة وأيّها المخادعون ، انتم الذين تدّعون الشفقة والرحمة ليد تقطع بحق ، لماذا كل هذا التسابق في صنع تلك الاسلحة المدمرة والفتاكة ، واين عواطفكم واحاسيسكم الرقيقة تلك من استخدام ذلك السلاح ضد الابرياء والعزّل من شعوب العالم التي تريدون ابادتها ؟!

٢٠٥

ويا زعماء الشرق والغرب المتوحشين ، يا زعماء موسكو وواشنطن ولندن هل تتصورون ان العالم نسي المشاهد الدموية التي جرت علىٰ ايديكم في الحربين العالميتين الاُولىٰ والثانية ؟ وهل تُنسىٰ الدماء التي اُريقت والأشلاء التي تناثرت بواسطة قنابلكم وصواريخكم ؟

ان صيحات وآهات المفجوعين من النساء والرجال والشيوخ والاطفال لازالت تدوي في سماء عالمنا المعاصر ، رغم ضجيج اعلامكم ومنجزاتكم المزعومة.

ويا أيّها المخادعون ، كيف تجيزون كل ذلك القتل في حروبكم من اجل السيطرة علىٰ العالم والشعوب وتفجعون الآباء والاُمهات بأبنائهم والنساء بأزواجهن ، دون أن تتأثر لذلك قلوبكم السوداء ، بل تعدونه من مفاخركم وانجازاتكم ، في حين تعتبرون قطع يد سارقة عملاً وحشياً وعقوبة شديدة ، لا يمكن اجرائها ضد البشر(1) .

ضرورة وعي السياسة الغربية والشرقية

من اجل ان يعي بعض ابناء شعبنا واُمّتنا ، المتأثرين بشعارات الشرق والغرب ، حقيقة اولئك المستعمرين الناهبين لثروات الشعوب والمهيمنين علىٰ

________________

(1) بلغت خسائر الحرب العالمية الاُولى : مقتل 10 ملايين عسكري ، وجرح ما بين 25 إلى 30 مليون آخرين ، وفي الحرب العالمية الثانية ، حيث الاحصائيات ادق ، فقد بلغ عدد القتلى 35 مليون و 20 مليون معوّق و 12 مليون حالة اسقاط جنين ، وتدمير 130 الف مدرسة ، و 6 آلاف جامعة و 8 آلاف مختبر ، وقد اُلقيت أكثر من 390 الف مليار قذيفة. راجع : تاريخ الحرب العالمية الثانية ، تأليف الفريق أول نخجوان. ( بالفارسية )

٢٠٦

المستضعفين والمحرومين في العالم ولكي يعلموا ان اولئك المخمورين في اوروبا وامريكا والذي يعتبرون انفسهم قادة العالم وموجهوه ما هم إلّا حفنة من المخادعين القتلة ، ولا بدّ من ذكر نماذج لأعمالهم الدنيئة والبشعة التي يرتكبونها ضد الشعوب الفقيرة.

اقرأوا بدقة اكثر الهند في مخالب بريطانيا !

هنا ، اليكم نموذجاً لتصرفات احدىٰ الدول العطوفة التي لا تقبل بقطع يد السارق وتعد ذلك عملاً وحشياً ، وتلك هي بريطانيا التي فعلت أحط الاعمال مع الشعب الهندي.

لنسمع من أحد المؤرخين الاوروبيين :

يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » وفي الصفحة 743 حول معاملة الانجليز للشعب الهندي :

« صحيح ان بريطانيا تطورت واصبحت غنية ، لكن الناس الذين اخذت منهم هذه الثروات ( الشعب الهندي ) اصبحوا في ادنىٰ مستويات الفقر والفاقة ».

٢٠٧

تقرير السيد غرانديدير(1) عن وضع الشعب الهندي

في تقرير للسيد غرانديدير عن وضع الشعب الهندي خلال استعماره من قبل انجلترا ، يقول :

« كانت طبقة المزارعين الهنود والتي تشكل اغلبية الشعب تدفع في السابق سدس ( 1 / 6 ) محاصيلها الىٰ امرائها المحليين ، اما في فترة السيطرة الانجليزية فقد كان عليهم أن يدفعوا نصف ( 1 / 2 ) محاصيلهم اما اذا امتنعوا عن دفع تلك الضرائب ، فان املاكهم واراضيهم تصادر بشكل مأساوي ، وقد أدىٰ هذا الامر الىٰ مآسي وفجائع بالنسبة للمزارعين تفوق مستوىٰ التصور ».

حالة الشعب الهندي نقلاً عن السيد هيندمان(2)

يقول السيد هيندمان الذي زار الهند في فترة الاستعمار البريطاني :

« لقد قام الانجليز من جهة بالضغط علىٰ الشعب الهندي من خلال الضرائب الباهضة بشكل جعلهم يتضورون جوعاً ومن جهة اخرىٰ قاموا بتدمير مصانعهم وصناعتهم مما ادىٰ الىٰ غلقها وذلك من اجل السيطرة علىٰ السوق الهندية وزيادة صادراتهم ، وبهذه التصرفات فاننا ( الشعب الانجليزي ) نسير

________________

(1) Grandidier

(2) Hind man

٢٠٨

نحو كارثة ليس لها مثيل في التاريخ ».

وفي مكان آخر من كتاب حضارة الاسلام والعرب ، يتحدث الدكتور غوستاف لوبون عن حالة الشعب الهندي ، فيقول :

« يوجد في ولاية مدرس(1) وحدها وحسب الاحصائيات الرسمية ستة عشر مليون متسول. ولماذا لا يكون كذلك ؟ فالشعب الهندي المسكين كان عليه أن يدفع مصروفات الحرب والتي بلغت اربعمائة مليون باوند وكذلك مصروفات الدوائر الحكومية البريطانية ومبلغها خمسين مليون باوند ، وما عدا تلك المبالغ الضخمة ، كان عليهم أن يدفعوا سنوياً خمسمائة مليون باوند ـ خالصة ـ إلى خزانة الحكومة البريطانية ، وعلى هذا الاساس يكون مجموع ما حصلت عليه بريطانيا خلال فترة عشرين سنة(2) من سيطرتها على الهند ، يفوق عشرة ملياردات باوند ، طبعاً هذا غير المبالغ العظيمة التي صرفت على المأمورين الانجليز في الهند ، لأن اولئك المأمورين كانوا يتقاضون خلال فترة اقامتهم في الهند مرتبات مساوية لما يتقاضاه الوزير في بريطانيا ».

ثم ينقل الدكتور لوبون عن تقرير السيد هيندمان ، فيقول :

« ومن الاُمور العجيبة والمرعبة هي أن الولايات الشمالية الغربية كانت مجبورة على ارسال محاصيلها من الحبوب إلى الخارج ، في حين أن ثلاثمائة

________________

(1) من ولايات جنوب شرق الهند ، يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة ، وأهم منتوجاتها الرز والتبغ والشاي والقطن.

(2) الفترة المذكورة ، حتى تاريخ كتابة « حضارة الاسلام والعرب ».

٢٠٩

شخص ماتوا جوعاً هناك خلال بضعة أشهر.

وفي سنة 1887 م مات في ولاية مدرس وحدها 935 الف شخص ( حسب الاحصائيات الرسمية ) جوعاً ، وكانت الحالة تزداد سوءً يوماً بعد يوم ، لأن المزارعين كانوا مضطرين إلى زراعة اراضيهم أكثر من الحد الطبيعي لكي يتمكنوا من دفع الضرائب الباهظة التي تأخذها منهم الحكومة الاستعمارية بالقوة ، وبذلك فقدت الاراضي طاقاتها وخربت بشكل تام ».

وبعد أن ينقل الدكتور لوبون ذلك التقرير عن السيد هيندمان ، يعلق ويقول :

« الارقام التي نشرها السيد هنيدمان ، لم تعترض أو تعلق عليها الحكومة البريطانية ، كما انها لم تكذبها أيضاً. والجواب الوحيد الذي أعطته في مجلة « كل خمسة عشر يوماً » حول الخمسمائة مليون باوند التي على الحكومة الهندية أن ترسلها الى خزانة بريطانيا ، هو : « أن هذا المبلغ هو ثمن حكومة منظمة وآمنة اعطيت للشعوب الهندية ».

ويقول لوبون بعد نقله لهذا الجواب القاطع في المجلة المذكورة :

« ولا يخفى أن اطلاق لفظة آمنة على حكومة مسالمة ! بلغت خسائرها من الجوع أكثر من خسائر حرب ضروس ، لم يكن يفسره الشعب الهندي بغير الكذب ».

وهذا التصرّف المشين هو نموذج لسياسة دولة عظمى ومتحضّرة مع الشعب الهندي ، تلك الدولة التي تتحدّث عن حقوق الانسان وعواطفه وتعدّ قطع يد السارق عملاً وحشياً.

٢١٠

اصدقائي الاعزاء

ما ذكرناه من التصرفات والسياسات الوحشية لحكومة بريطانيا الاستعمارية في الهند ، هو جزء يسير من همجيتهم وبربريتهم ، لم يقتصر الأمر على الهند فقط ، بل شمل جميع المناطق التي استعمرتها ( الحقيقة استثمرتها ) تلك الحكومة التي تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان ! وبالامكان الحديث عن نماذج اُخرى لوحشيتهم وجرائمهم في العديد من الدول الآسيوية والافريقية التي احتلوها واستعمروها.

٢١١

امريكا وريثة الاستعمار

الىٰ اولئك الجهلة والمسلمين غير الواعين الذين يرجون الدعم الأمريكي من اجل استيفاء حقوقهم الانسانية.

الىٰ الذين لا يزالون يعتبرون امريكا كعبة آمالهم ، فيلهجون بذكرها ويسبحون بحمدها ، ومن أجل ان تعرفوا ان أمريكا لا تقل عن بريطانيا وحشية وبربرية ، وكما يقول المثل « الكلب اخو الذئب » ، اقرأوا الخبر بدقّة ، لكي تعرفوا حقيقة امريكا وريثة الاستعمار البشعة ، من خلف قناع الانسانية الذي تتظاهر به.

سنة 1945 م قامت امريكا التي تدفع عن حقوق الانسان والتي تقيم الدنيا وتقعدها من أجل قطع يد سارق بألقاء قنبلتين ذريتين ( صغيرتين !! ) علىٰ مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان ، لان اليابان قاومت الهجوم الامريكي ولم تستطع امريكا ان تنتصر عليها رغم استسلام قوات المحور في اوروبا وذلك لبسالة الجنود اليابانيين وشجاعتهم ، وكانت نتيجة ذلك التدمير المدينتين بالكامل ومقتل سبعين ألف شخص.

وقبل فترة قصيرة ، قرأت في احدىٰ المجلات خبراً تحت عنوان « حادث غريب هزّ اوروبا وامريكا » ، كانت هناك صورة لذلك الضابط الشريف !! والشهم !! الذي القىٰ قنبلته الذرية علىٰ الشعب الياباني بأمر من حكومته وهذا التعليق اسفلها :

٢١٢

الطيار الذي ألقىٰ أول قنبلة ذرية علىٰ هيروشيما يعيش حالة من الندم والجنون ، ويشاهد دائماً يتكلم مع البوليس والقضاة : « ألقوا القبض عليّ ، اسجنوني ».

ثمّ تضيف المجلة : « الرائد اترلي يرىٰ كل ليلة في منامه دخاناً برتقالي اللون يتّجه نحوه ويسمع اصوات استغاثات ، واناس كثيرون يصرخون في اذنيه » ، ثمّ تقول المجلة نقلاً عن مجلة « بارس ماج » التي تصدر في باريس : « ان جنون الرائد اترلي من اغرب ألاعيب الطبيعة التي حيّرت الجميع في القرن العشرين ».

اصدقائي الاعزاء :

هذه المجازر الجماعية وتدمير هاتين المدينتين الصناعيتين الكبيرتين ، بجميع معاملهما وشركاتهما ومؤسساتهما وابنيتهما ، نموذج من سلوكيات وتصرفات القادة المصلحين ! المحبين للانسانية في امريكا ، الذين لا يفكرون بشيء سوىٰ تقديم خدمات للدول النامية والشعوب الضعيفة ، وهو ما قدموه لتلك الدولة الشرقية ، اي اليابان ! ولو سنحت فرص اخرىٰ لامريكا المحبّة للبشرية ! امريكا التي تحتل موقع الصدارة في الحضارة المعاصرة ! لكررت ذلك النموذج مع شعوب ضعيفة اُخرىٰ.

وما تكلّمنا عنه للتعريف بحقيقة امريكا ونواياها الشريرة ، هو جزء يسير من جرائهما الكبيرة التي اقترفتها ولا زالت تقترفها بحق البشرية ، والحقيقة ان جرائم هذا الذئب الغدّار الذي ورث الامبراطوريات الاستعمارية بعد الحرب

٢١٣

العالمية الثانية واسعة بشكل بيّضت وجوه جميع من سبقوها في تاريخ الاستعمار والتسلّط ، فبالاضافة الىٰ القتل والدمار والنهب الذي قامت به امريكا علىٰ مدىٰ عشرة سنين في فيتنام والذي قتل فيه عشرات الآلاف من البشر الأبرياء بأبشع الصور.

كما تقوم امريكا بجرائم اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية في العديد من المجتمعات والبلدان اما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الحكومات العميلة والمرتبطة بها ، بشكل لم يسبق له مثيل ولم يشاهد ان قام به جزار وسفاك ومجرم قبلها في التاريخ.

وأمريكا التي لم يمض علىٰ ظهورها علىٰ الساحة الدولية إلّا بضع سنين ، تتصرف ببشاعة وجنون في نهب خيرات الشعوب واستضعافها ، ولا يمكن الوقوف امامها إلّا بتوعية الشعوب وتحركها.

تعرّفوا علىٰ فرنسا المخادعة

يا شبابنا المسلم ! الفرنسيون الذين كانوا يعتبرون انفسهم ما قبل قرنين حملة راية الحرية ! والواضعون للبيان العالمي لحقوق الانسان ، هؤلاء العطوفون الذين يرون قطع يد السارق عملاً وحشياً ، تعاملوا مع الشعب الجزائري المسلم بقسوة جعلت كل انسان شريف وصاحب ضمير في حيرة من امره ، ولا يزال الشعب الجزائري بنسائه ورجاله وشيوخه وشبابه يجاهدون ويقفون امام هذا الغول والذئب المتوحش ويقدمون الضحايا تلو الضحايا من اجل ان يحصلوا علىٰ استقلالهم ويحكموا بلادهم بأنفسهم ، لكن الفرنسيين

٢١٤

الوضيعين وكأنما يريدون ان يفقدوا ارض آباءهم واجدادهم ، ليسوا مستعدين للتخلي عن الجزائر ووقف مجازرهم هناك.

لقد قدم الشعب الجزائري المسلم والشجاع مليون شهيداً في سبيل حريته واستقلاله ، ولقد كان تعامل الحكومة الفرنسية بشع حتىٰ مع الاسرىٰ المسلمين المحتجزين في معسكرات الجيش الفرنسي بحيث نقلت وكالات الانباء العالمية اخباراً عن وضع الأسرى المؤسف ، واعترضت على الحكومة الفرنسية بشدّة للكف عن المعاملة اللانسانية مع اولئك الاسرىٰ.

طبعاً لفرنسا مثل الغولين الاستعماريين امريكا وبريطانيا سجل دموي آثم في جميع مستعمراتها في آسيا وافريقيا ، وهو ما يتفق فيه جميع المستعمرين ، فالتاريخ الاستعماري اساساً هو ليس إلّا القتل والنهب والخيانة ، وسحق جميع القيم الثقافية والدينية للشعوب الصغيرة.

وعلىٰ هذا الاساس ، لا يمكن حصر جرائم فرنسا ( وكغيرها من اقرانها المستعمرين ) بنوع ومجال معين ، لأنها واسعة ومتنوعة.

اصدقائي الاعزاء !

هذه النماذج مختصرة وصغيرة من آلاف التصرفات الوحشية التي تقوم بها الدول الكبرىٰ ، مع الشعوب الضعيفة ، تلك الدول العظمىٰ التي تعتبر انفسها مدافعة عن الانسانية وتريد ان تخلّص البشر من وحل الشقاء بعقولها المخمورة ، تلك الدول العظمىٰ الرؤوفة بالانسان والانسانية ، والتي تعتبر قطع يد السارق كعقوبة وفق الشروط التي وضعها الاسلام ، عملاً وحشياً غير جائزاً !

٢١٥

أليس عجيباً ان يحاول هؤلاء المتوحشون الدوليون الحيلولة دون الاعمال الوحشية التي يقوم بها بعض البشر ، وأليس غريباً ان يحاول هؤلاء السارقون المسلحون بالاسلحة الذرية الوقوف امام السرقات والاعتداءات التي يقوم بها البشر ومن المحيّر جداً ان يحاول هؤلاء الجزّارون الذين تلطخت اياديهم بدماء ملايين البشر ، والوقوف امام القتل والجريمة.

هنا وبمشاهدتنا لجميع تلك الجرائم والمجازر الرهيبة التي قامت بها الدول الاوروبية والامريكية المتقدمة علمياً ، لابدّ ان نعترف بان عالمنا المعاصر ارتكب خطأً كبيراً عندما ضحّىٰ بالمعنويات من اجل الماديات ، لأنه وعلىٰ الرغم من التطورات التي شهدها عالمنا في المجالات العلمية والصناعية ، لكن وجود هذه المجازر والانحرافات العلمية والاخلاقية دليل حيّ علىٰ موت الفضيلة والانسانية ، بشكل تام ، وان العاطفة والصفات الانسانية قد اضمحلت ، فالبشرية تخلفت عن قافلة اخلاق والفضيلة بنفس المقدار الذي تقدمت فيه في ميدان العلوم المادية.

التضحية بالمعنويات امام الماديات

يقول الدكتور الكسيس كارل ، الذي مرّ ذكره ، حول انحطاط البشر الاخلاقي في عالم اليوم :

« الحضارة الجديدة ارتكبت خطأً فادحاً بتضحيتها بالمعنويات امام الماديات ، وهذا الخطأ كبير لأنه يحيي عند الناس الشعور بالعصيان ».

ويضيف الدكتور كارل في بحث آخر حول عدم جدوىٰ العلوم المادية

٢١٦

لوحدها ، فيقول :

« لا جدوىٰ من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية ولربما لا تكون الاكتشافات الفيزيائية والكيميائية والنجومية كبيرة جداً ، طبيعي ثابت لدينا ان العلم بحد ذاته غير مضر بالنسبة لنا ، لكنها تحصر بجمالها الباهر جميع نشاطاتنا الفكرية في الموارد غير الحيوية.

وعلىٰ البشرية اليوم ان تركز انتباهها علىٰ نقاط الضعف الاخلاقية والفكرية التي تعاني منها ، فما الفائدة من كثرة وسائل الراحة والزينة والجمال والعظمة وهذه الحضارة إذا لم تكن لنا القدرة في ادارتها بأحسن وجه ، وما هي حصيلة استمرار حالة معيشية تؤدي الىٰ ضعف الاسس الاخلاقية وتدمير عوامل الاعراق الاصيلة ، أليس من الافضل ان نتهم بأنفسنا بدل الغرق في صناعة التلسكوبات العظيمة لدراسة الكواكب والنجوم أو صناعة السفن المتطورة والسيارات الحديثة و الخ.

فلو استطعنا السفر من اوروبا الىٰ الصين خلال بعض ساعات بالطائرة ، فما هو التقدّم الذي حصل في داخلنا ، هل التقدم الفيزيائي والكيميائي و يوجد لدينا اخلاقاً فاضلةً وذكاءً أو صحةً وتعادلاً نفسياً أو أمناً وسلاماً ، علينا ان نركز علىٰ قضايا كثر جدّية من الفيزياء أو الأحياء ، وهي النفس الانسانية والمعنويات ».

اصدقائي الاعزاء !

هذه العبارات هي نص اعتراف احد كبار شخصيات اوروبا حول

٢١٧

انحطاط تلك البلدان ، ومع الأخذ بكل ما ذكرناه من جرائم مرعبة وانحرافات اخلاقية وعلمية في الغرب ، أليس عجباً ان يغتر بعض المسلمين والشرقيين بزخارف الصناعات الاوروبية والامريكية وينسوا انفسهم ويفقدوا هويتهم ، لكي يفتخروا بتقليد اعمىٰ لكل ما موجود في الغرب !!

اصبت بزكام اجنبي

مسكين احد المتغرّبين الايرانيين ، كان قد سمع ان الاوروبيين يسمون الزكام « غريب »(1) ، فأجهد نفسه لكي يتعلم تلك الكلمة حتىٰ يفتخر بأستخدامها عند محادثة الآخرين ! ولربما انتظر فصل الشتاء كثيراً وتمنىٰ لو يصاب بالزكام حتىٰ يلفظ تلك الكلمة عندما يسأله الآخرون عن حالته ، وبعد فترة طويلة حصل له ما كان يتمناه ، فسأله احد اصدقائه عن صحته ، لكن هذا المسكين نسيَ لفظة Grippe وكلما حاول ان يتذكرها خانته ذاكرته ، وفي نفس الوقت لم يكن حاضراً لأن يجيب صديقه بأنه مصاب بالزكام ، فقال لصديقه : اصبت بزكام اجنبي !!

وهنا انفجر الحاضرون بالضحك.

ايها السادة ! لا تعجبوا من ذلك ، فهناك نماذج كثيرة من هذا القبيل في بلادنا ، من الذين ينظرون الىٰ أكثر الاعمال وحشية وانحطاطاً في الغرب علىٰ انها مقدّسة لمجرد صدورها عن الغرب.

________________

(1) Grippe مرض مسري وهو علىٰ نوعين ، الأول الزكام العادي والثاني اخطر منه وهو الذي يسمىٰ انفلونزا Anfluenza

٢١٨

اقول لنفسي بعض الاحيان ، لا يُلام قادة الشعوب الغربية لو منحوا بعض متغربينا اعظم اوسمة الجهل والحماقة ، لانهم لايزالون يتوقعون ان يقوم الغرب بأصلاحات في بلداننا مع ان الغرب ومنذ عشرات السنين يقوم بنهب ثرواتنا والتسلط علىٰ بلداننا ثقافياً وسياسياً ، بشكل جعلنا متخلفين في جميع شؤون الحياة.

اين أجرة الحمار في النهاية !!

هذه السذاجة في التفكير وهذا التوقع من هؤلاء الذئاب ، شبيه بالقصه التي ينقلها المرحوم الشيخ البهائي ، وهي :

كان هناك رجلاً في بغداد قد استقرض كثيراً من الناس ، بحيث كان الجميع يطلبونه ، والحقيقة هو ان الرجل كان متحايلاً غريباً ، حتىٰ اشتكىٰ عليه غرماءه عند القاضي ، فقام القاضي بالكشف عن وضعه المالي مباشرة ، فوجد انه لا يملك شيئاً يمكن استرداده منه ، لذلك فقد شخّصه بانه مفلس وخلّصه من أيدي الطالبين ، ولكن ومن أجل ان لا يتحايل الرجل علىٰ شخص آخر ويستدين منه مالاً ، أمر القاضي بايجار حمار يطاف عليه الرجل في الاسواق ليعرف الناس انه مفلس ولا يقرضه أحد مالاً.

وبعد ان أدىٰ صاحب الحمار عمله المنهمك من الصباح الىٰ وقت المغرب ، طالب الرجل بأجرته ، فأجابه المفلس ضاحكاً : لم اشاهد من هو احمق وأسفه منك ، فأنت تدور بي منذ الصباح في المدينة وتعلن للناس انني مفلس ومدان وان لا يقرضني أحد مالاً ، ومع ذلك تطالبني الآن

٢١٩

بأجرة الحمار؟

يضحك الحاضرون ملياً.

والحقيقة ان توقعنا الحصول علىٰ خدمات ومساعدة من تلك الدول الاوروبية والاميريكية ، يشابه توقع صاحب الحمار من ذلك الرجل المفلس ، لان هؤلاء وبالاضافة الىٰ المآسي التي قاموا بها في بلداننا الاسلامية ، فان مساعداتهم المالية والقروض التي قدموها لنا لم يصلنا من اغلبها الّا الضرر ، فيما ذهبت تلك الاموال في جيوب السماسرة والمسؤولين الحكوميين.

اعتراف غريب للدكتور غوستاف لوبون

في بحث له بهذا الصدد ، يعترف الدكتور غوستاف لوبون بصراحة :

« لم تأت حضارتنا بشيء لشعوب الشرق سوىٰ الشقاء والمآسي ، ومن مصلحتهم ان يقطعوا ارتباطهم بأوروبا وشعوبها ».

ويقول في كتابه حضارة الاسلام والعرب ، بعد بحث معقد ومحيّر :

« ان كتمان هذه الحقيقة لن يؤثر شيئاً ، ولابد ان اقول بصراحة قد لايستسيغها رجال اوروبا ، ان تعاملنا نحن الاوروبيون مع شعوب الشرق ، منحط وقاسي ، بل ووحشي ».

ثم يضيف :

« ومما يؤسف له اكثر من كل شيء ، هو ان تعامل الدول الاوروبية مع الشعوب الشرقية المتحضرة مثل الصينيين والهنود وغيرهم ، ليس بأفضل

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256