مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)0%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني
تصنيف: الصفحات: 256
المشاهدات: 68269
تحميل: 8233

توضيحات:

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68269 / تحميل: 8233
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومع أنَّ ذلك الكتاب لم يخلُ من مناقب وفضائل وخصائص وخصال خاتم الأوصياء، وآخر حجج الله تعالى (عليه التحية والثناء)، فقد طُلِب منّي حفظ وتأليف، وترديف وترصيف، أربعين مستقلة في صفات وسمات، وبراهين ومعجزات، وأحوال حسن المآل لمنتجب الملك المتعال، لتسر بمطالعته وقراءته وسماعه القلوب السلمية لمحبي أهل البيت، وهم من العامة الذين لم يدروا ولم يقسم لهم من علو معرفة ذلك الإمام ذو المقام العالي، بحيث يتصورون أنَّه (عليه السلام)... (1) عند بعض الملالي؛ ليعرضوا حضرته (عليه السلام)، ويقفوا على علو رتبته، وسمو درجة هذا السيد العظيم حتى لا يكون موتهم موتة جاهلية؛ لأنَّ في المشهور، بل المتواتر، عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) أنَّه قال: (مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، فقد مات ميتة جاهلية) (2) ؛ يعني أنَّ حكمه حكم مَن لم يعاصر الإسلام وزمان الإسلام، وبعد ضمن من مات كافراً.

فأوقعت هجومات علائق وعوائق الزمان، ومصائب ونوائب الدهر غير الدائم، تلك الإرادة في حيز التأخير إلى أن سألني في هذه الأيام الشريفة بعض من خواص وعوام الشيعة عن غيبة ورجعة ذلك المَلِك مركز الإمامة والخلافة (عليه السلام)، والتمس جمع من صلحاء المؤمنين، بل ألحّوا بحروف الاقتراح على رقاع إلحاح من هذا الغريق في بحر الاضطراب، عدد كلمات من مخزون ذهنه الخامل، أو من بطون سواد الدفاتر، فتصل بإعانة زبدة الخضاض إلى رياض البياض.

____________________

(1) ذَكَرَ المؤلف كلمة وجدناها غير مناسبة لذكرها فحذفناها.

(2) الكافي للكليني 1: 377 / ح 3؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي 1: 27؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 1: 212. وروته مصادر العامة بألفاظ مختلفة منها: (من مات - ولا طاعة عليه، ولا إمام، وليس عليه إمام، وليس في عنقه بيعة، وليس له إمام، لا يعرف إمامه - مات ميتة جاهلية) ، راجع: مسند أحمد 3: 446؛ صحيح مسلم 6: 22...

٤١

ولمَّا كانت الموانع كثيرة، فقد تأخَّر هذا الضعيف المنكسر في القيام بهذا الأمر. ومن جملة تلك الموانع أنَّ هذا الحقير معدم وفقير، وقد قال الحكماء: إذا كان الرجل عديم المال ومفلس الحال، فلو أنَّه نثر الدُّر عند تكلمه، فسوف يحسب العوام كلامه بلا فائدة، ويعدُّون فضائله رذائل، بل يعرِّفونها بأقبح الخصائل؛ بينما الغني له المرتبة العالية حتى ولو كان خال من الغنى، وإن قال كلاماً لا معنى له فإنَّهم يؤوِّلونه ويضعون له تعليلاً جميلاً ومقبولاً، ويرون عيوبه كمالاً، وقبائحه مرغوباً فيها، وقالوا في هذا المقام تأكيداً للمرام:

إنْ سَعَلَ المُوسِرُ في مجلسٍ

قـيلَ لـه: يـرحمُك اللهُ

لو عَطَسَ المعسرُ في مجمعٍ

سُـبَّ وقـيلَ فيه: ما ساهُ

فمهما كان الغني جاهلاً فإنَّ كلامه مقبول ومعتبر عند الناس، فلو رأوا عند شخص الثروة والتفكُّر فبطريق أَولى أنَّ كلامه عندهم سوف يكون ذا رتبة عالية، ومعتبراً.

وبالخصوص عندما يكون العامة معتقدين بمثل هذا الموسر، ومتنفرين عن مثل هذا الفقير المعسر لقوله الحق، فسوف يكون من الصعب قبول كلام هذا الوضيع، والالتفات إلى تأليف هذا الضعيف.

وقال العرفاء: ولا يغفل أنَّ العامة تقول بقول مَن تُحب ولو كان قوله وعمله غير صائب، ويردّون على كل مَن يعرضون عنه كل ما قال وفعل.

وقال هذا الضعيف المنكسر في هذا المعنى شعراً:

إذا مَـالَ الـعوامُ إلى خطيبٍ

فكلُ سخيفٍ قالَ، قيلَ لطيفُ

ومَن رغبوا عنه، كلُّ لطيفٍ

روى، قالوا: هو قولٌ سخيفُ

وقد اشتهر أنَّ جناب المرحوم المغفور له الملاّ خزاني (وهو من فصحاء الشعراء ومن مشاهير مدّاحي ملك الأولين) كان يبالغ بلا حدود في التجمُّل وزينة الجسم ويهتم بتزويق البدن، فكان إذا مشى في الأزقَّة والسوق

٤٢

فإنَّه يركب الدابة السريعة، وكان يكثر الالتفات إلى سائق الدابة ومرافقيه وأتباعه؛ فحينها قال له العالم الرباني، أعني المحقق المؤيَّد بتأييد حضرة ذي الجلال، الشيخ علي بن عبد العال (رحمه الله): حضرة مولانا! إنَّك تعلم أنَّ مولانا ومولاكم كان يلبس الثوب المرقَّع، ويساوي في لبس قميصه غلامه قنبر. ولا تظن أنَّ مرادي من هذا الكلام أنَّ لبس الألبسة الفاخرة غير جائز، أبداً، وإنَّما موضوع التحقيق هو: ألم يكن هذا التزيُّن خارجاً عن الحدّ المعفو عنه في الزينة، ومن التشبه بأهل التجبر والتعالي، فلماذا كل هذا؟!

فقال الملاّ المومأ إليه في جواب الشيخ المحترم: إنَّما هذا من أجل دفع شماتة أعداء الله، وهو ميزان التقدير والاهتمام في نظر الناس في باطنهم الأعمى؛ وأنشأ بديهةً هذين البيتين من الذهن المعطَّر بلسان البلاغة، وأنشد على ذلك المقدَّم في محافل المعارف.

خلق ظاهر بين اگر بينند بشمين

مى نمايندم كه باب سار بانى آمده

با عصاى نقره و با كش وفشهر

مى جهند از جا كه مولانا خزانى

ومن هذا كان رسم وعادة أكثر العالم أن ينظروا إلى الظاهر، فيتبع بعضهم البعض الآخر في الأوامر.

ولا شك في هذا، والدليل عليه حكاية الشيخ محمد علي المشهدي وعبد الله المتجنن، فإنَّها كافية للعاقل. ففي الواقع أنَّه لم يكن في أصفهان أفضل، وأعبد، وأعلم، وأزهد، من الشيخ محمّد علي المذكور، فهذا التعلُّق للعامة به، لماذا لم يكن لأيِّ أحد من فضلاء وعلماء وزهَّاد وعبّاد عصره؟

وإنَّ جماعة من أهل الخبرة المطّلعين على حال رائد قافلة الضلالة، يعلمون أنَّ مركز ذلك المخرِّب للدين يقوم على الافتراء على الله تعالى والمصطفى والأئمّة المعصومين، والغناء والإنشاد في المسجد.

٤٣

ومع أنَّ مجموعة كبيرة من عدول المؤمنين وثقات أهل الدين قد نظّموا ضبطاً في كفره، فإنَّه لم يرجع أحد من المخدوعين عنه، بل ازداد حبهم لذلك الشيطان الإنسي على المقدار السابق، فما هي علاقة العامة بأقوال علماء الدين والمضبطة؟

إنَّهم ينظرون إلى قطيع الإبل

وإسـطبل الـخيل والـبغال

جـه توان كرد تا جهان بوده

ايـن طـريق جهانيان بوده

إنَّهم أوقعوا أنواع الأذى على نوح النبي (عليه السلام)، واعتقدوا وآمنوا بعجل السامري، ونسبوا حبيب الله للجنون وأنَّه شاعر وكذَّاب وساحر، وساووه مع مسيلمة الكذاب.

جـه كـنم ديه جهان كور است

جون زيم كوش روزكار كر است

شـكر وقـدن را رواجى نيست

روز بـازار شـغلم وكزر است

وعندما رأى أهل الزمان ملاّ مكّاراً، أو أحد العامة منحرف الفكر، ومنحرف العمل، مالوا إلى عبد الله المتجنِّن، وارتضوا هذا الملعون صانع مقالات الكفر الذي هو أخس من الجيفة، والحيوانات الميتة، ومن كلب الكافر والتتار، لمقام الولاية والقطبية. والعوام ينخدعون كالأنعام؛ ولذلك فقد عدُّوا سيء الحظ الفاسد العقيدة المحتال، من الأولياء.

جـه تـوان كرد قحط إنسان است

عـرصه دهر برز كاو وخر است

خـر وكـو هـر شناختن هيهات

بيش خركاه وجو، به از كهر است

خـر بـه تـعليم مـى شود انسان

لا نـسلم خر كاه هميشه خر است

ما تريده الدنيا أن يكون يكون، فهو محتال خدَّاع مكّار؛ وكل ذكي يريد الاطلاع على حال ذلك الشيخ الشيطان، فليطالع كتاب (نصيحة الكرام أو فضيحة اللئام، لسماحة المفيد المفيض، واحد الأيام، محمّد بن نظام الدين

٤٤

محمّد، المشهور بعصام، الذي انتخبه من كتاب جناب مرجع العدل، والمؤيد بالتأييدات، سماحة المقتدر الملاّ محمّد طاهر)، وقد أضاف إليه مقداراً يسيراً.

وإذا أراد أحد أن يعرف هذا المتجنن الملحد، فليراجع رسالة (إدراء العاقلين وإخزاء المجانين)، فإنَّها أقل ما كتب بما أراه النظر.

وبالإجمال، فإنَّ العوام كالأنعام بعدم تمييزهم بين الحنظل عن حلاوة العسل، وبين الأهداب والشوك، ومن الخفاش معرفة الشمس، ويقال الماء بالغربال.

ولهذا تهاملت في كتابة هذه الرسالة إلى أن رأيت في ليلة الرابع عشر من شهر شعبان، سنة ألف وواحد وثمانين، رؤية حصلتُ على تأويلها في أوائل النهار المتَّصل بتلك الليلة، وأُمرت بكتابة هذه الرسالة؛ فكان أكثر توجُّهي منصبَّاً على حفظ أربعين حديثاً، وألزمتُ نفسي - على قدر الوسع والإمكان - أن أنقل كل حديث انفرد به الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) ولا يوجد له مؤيداً لذلك الحديث.

وسمَّيتُ هذه الأربعين بـ: " كفاية المهتدي في معرفة المهدي ".

والتوكُّل على الله المجيد

* * *

٤٥

الحديث الأوّل:

الأئمّة (عليهم السلام) اثنا عشر

قال الشيخ الكامل، العادل العابد الزاهد، المتكلم الخبير الفقيه، التحرير النبيل الجليل، أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (برَّد الله مضجعه وجعل في الفردوس إلى الأئمّة الطاهرين مرجعه) في كتابه الموسوم بـ: "إثبات الرجعة":

حدثَّنا محمد بن إسماعيل بن بزيع (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا حماد بن عيسى، قال: حدَّثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدَّثنا أبان بن أبي عياش، قال حدَّثنا سليم بن قيس الهلالي، قال:

قلتُ لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنِّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن والأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس، ثمَّ سمعتُ منك تصديق ما سمعته منهم، ورأيتُ في أيدي الناس أشياءً كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وأنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنَّ ذلك كلَّه باطل، أفترى الناس يكذبون على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) متعمدين، ويفسِّرون القرآن بآرائهم؟

قال: فقال علي (عليه السلام): (قد سألت فافهم الجواب: إنَّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصاً وعاماً، ومحكماً ومتشابهاً، وتحفٌّظاً وتوهُّماً، وقد كذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عهده حتى قام خطيباً، فقال: أيّها الناس قد كثُر الكذب عليَّ، فمَن كذب عليّ متعمِّداً

٤٦

فليتبوَّأ مقعده من النار، ثمَّ كذب عليه من بعده أكثر ممَّا كذب عليه في زمانه. وإنَّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجلٌ منافقٌ يُظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّداً، فلو علم الناس أنَّه منافقٌ كذابٌ لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنَّهم قالوا: هذا رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصف، فقال (عزَّ وجلَّ): ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) (1) ثمّ تقرَّبوا بعده إلى الأئمّة الضّالة، والدُّعاة إلى النار، بالزور والكذب والبهتان، فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا. وإنَّما الناس مع الملوك والدنيا إلاَّ مَن عصمه الله تعالى، فهذا أحد الأربعة.

ورجلٌ آخر سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً، ولم يحفظه على وجهه، ووَهَمَ فيه، ولم يتعمَّد كذباً، فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلو علم المسلمون أنه وهمٌ لم يقبلوه، ولو علم هو أنَّه وهمٌ لرفضه.

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً أمر به ثمَّ نهى عنه، أو سمعه نهى عن شيء ثمَّ أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم [يعلم] (2) الناسخ. فلو علم أنَّه منسوخٌ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنَّه منسوخٌ لرفضوه.

ورجلٌ رابعٌ لم يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو مبغضٌ للكذب خوفاً من الله تعالى وتعظيماً لرسوله (صلّى الله عليه وآله)، [لم ينسَ] (3) ، بل حفظ ما سمع على

____________________

(1) المنافقون: 4.

(2) في بعض نسخ المصادر: (يحفظ).

(3) في نهج البلاغة: ( ولم يهم) ، وفي الخصال: ( لم يسه) .

٤٧

وجهه، فجاء به لم يزد فيه ولم ينقص منه. وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ. ويعلم أنَّ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) كأمر القرآن. وفيه كما في القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه. وقد كان يكون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الكلام له وجهان، كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، قال الله تبارك وتعالى: ( مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (1) ، فاشتبه على مَن لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله).

وليس كل أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يسأله عن الشيء، وكل مَن يسأله عن الشيء فيفهم، وكل مَن يفهم يستحفظ. وقد كان فيهم قوم لم يسألوه عن شيء قط، وكانوا يحبّون أن يجيء الأعرابي الطارئ أو غيره فيسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهم يستمعون.

وكنتُ أدخل عليه (صلّى الله عليه وآله) في كل يوم دخلة، وفي كل ليلة دخلة، فيخليني فيها يجيبني بما أسأل. وأدور معه حيث دار، قد علم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري. وربَّما كان يأتيني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بيتي، وكنتُ إذا دخلت عليه في بعض منازله أخلاني وأقام عنِّي نساءه، فلا يبقى عنده غيري. وإذا أتاني للخلوة لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بنيّ. وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتّ ونفدت مسائلي ابتدأني. فما نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) آية من القرآن إلا ّ أقرأنيها وأملاها عليَّ، فكتبتها بخطِّي، وعلَّمني تأويلها وباطنها، ودعا الله أن يعطيني فهْمَها وحفظها. فما نسيت آية من كتاب الله ولا علْماً أملاه عليَّ. وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال أو حرام، أو أمر أو نهي، أو طاعة أو معصية، أو شيء كان أو يكون، ولا كتاب

____________________

(1) الحشر: 7.

٤٨

منزل على أحد من قبله، إلاَّ علّمنيه، وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً منها. وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أخبرني بذلك كله، وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، وكان يقول: اللَّهُم علِّمه وحفّظه ولا تنسه شيئاً مما أخبرته وعلّمته.

فقلت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! منذ دعوت الله بما دعوت لم أنسَ شيئاً، ولم يفتني شيءٌ ممَّا علّمتني. وكلُّ ما علّمتني كتبته، أفتتخوَّف عليّ النسيان؟

فقال: يا أخي، لستُ أتخوّف عليك النسيان، إنِّي أُحبُّ أن أدعو لك، وقد أخبرني الله تعالى أنَّه قد أجابني فيك وفي شركائك، الذين قَرَنَ الله (عزَّ وجلَّ) طاعتهم بطاعته وطاعتي، وقال فيهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1) .

قلت: مَن هم يا رسول الله؟

قال: الذين هم الأوصياء بعدي، والذين لا يضرُّهم خذلان مَن خذلهم. وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليّ الحوض. بهم تنصر أُمتي وبهم يُمطرون. وبهم يدفع البلاء، وبهم يستجاب الدعاء.

قلت: سمّهم لي يا رسول الله!

قال: (أنت يا عليّ أولهم، ثمَّ ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم سميُّك ابنه علي زين العابدين، وسيولد في زمانك - يا أخي - فاقرأه مني السلام، ثم ابنه محمّد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمّد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه

____________________

(1) النساء: 59.

٤٩

الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي، والمنتقم من أعدائي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (والله، إنِّي لأعرفه - يا سليم - حين يبايع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم) .

قال محمّد بن إسماعيل: ثم قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله (عليه السلام)، فبكى وقال: (قد صدق سليمٌ، فقد روى لي هذا الحديث أبي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ (عليهم السلام)، أنَّه قال: قد سمعت هذا الحديث عن أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله سليم بن قيس) (1) .

روى الشيخ المذكور في الكتاب المزبور بسند خال عن الخلل الذي هو في الحقيقة سند صحيح عالٍ، عن سليم بن قيس الهلالي.

وروى أكثر هذا الحديث الشريف محمّد بن يعقوب الكليني (قدس سرّه) في كتاب الكافي (2) . كما رواه بتمامه ابن بابويه (رحمه الله) في أواخر كتاب الاعتقادات (3) مع قليل من الزيادة والنقص والاختلاف في بعض عباراته.

وقد حصل لزمرة وكافة الموقنين من هذا الحديث الشريف فوائد، بل يمكن لسائر المذاهب أن يحصلوا على هذه الفوائد إذا توجَّهوا بالإنصاف وتركوا التعصُّب والباطل جانباً.

____________________

(1) وقريب منه رواه سليم الهلالي في كتابه: 2/ 620 وما بعدها، تحقيق: الأنصاري الزنجاني الخويئني، مؤسسة نشر الهادي - قم، ط1، 1415هـ. ونجده في المسترشد للطبري الإمام: 36؛ وفي الخصال للصدوق: 4 / ح131؛ وفي الغيبة للنعماني: 49؛ وفي تحف العقول لابن شعبة: 131؛ وبصائر الدرجات للصفار: 198 / ح3؛ وفي البحار للمجلسي 27: 211.

(2) الكافي للكليني 1: 62 / ح1.

(3) الاعتقادات للشيخ الصدوق، الصفحة الأخيرة من المطبوع بالحجر، مع كتاب "النافع يوم الحشر" وغيره.

٥٠

ومن تلك الفوائد: أن يَصَمَ أهل الخلاف، ويَزيدَ يقينَ أرباب اليقين بأنَّ خلفاءَ حضرة سيد المرسلين منحصرون بالأئمّة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين).

و الفائدة الثانية : أنَّ في القرآن وأحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه.

و الفائدة الثالثة : أنَّ للقرآن ظاهراً وباطناً، وليعلم أنَّه يقال للمعاني الباطنية للقرآن: تأويل، وعلْمُه مخصوص بالله تبارك وتعالى والنبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليس لغيرهم أنْ يطَّلع عليه؛ ويكفي شاهداً على هذا المدعى الآية الكريمة: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (1) .

* * *

____________________

(1) آل عمران: 7.

٥١

الحديث الثاني:

مَثَل المهدي (عليه السلام) مَثَلُ الساعة

قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رحمة الله عليه وعلى والديه) في كتاب كمال الدين وتمام النعمة : حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى (عليه السلام) قصيدتي التي أولها:

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومهبطُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ

فلما انتهيت إلى قولي:

خروجُ إمامٍ لا محالةَ خارجٌ

يقوم على اسمِ اللهِ والبركاتِ

يميز فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ

ويجزي على النعماءِ والنَقَماتِ

بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثم رفع إليّ فقال [لي]: (يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري مَن هذا الإمام ومتى يقوم؟)

فقلت: لا يا مولاي، إلاَّ أنِّي سمعتُ بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلاً.

فقال: (يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يومٌ واحد لطوّل الله (عزّ وجلَّ) ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً .

٥٢

وأمّا متى؟ فإخبارٌ عن الوقت، وقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرِّيتك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): (مَثَله مثل الساعة التي ( لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ لاَ تأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً ) (1))(2) .

وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى غير هذا الحديث. كما إنَّ ظهور حضرة صاحب الزمان (عليه السلام) لا يعلمه أحد إلاَّ رب العالمين (جلَّ جلاله). وقد أورد محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة الله عليه) في كتاب (الكافي) باباً من هذا الموضوع، بأنَّه لا يعلم وقت ظهور حضرة خاتم الأوصياء أحد إلاَّ الله تعالى، وسمّى هذا الباب (باب كراهية التوقيت) (3) .

وقد وضع ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في كتاب (إثبات الرجعة) باباً مشتملاً على هذا النحو من الأحاديث، سمَّاه باب (شدّة النهي عن التوقيت).

وأحد تلك الأحاديث التي رواها الشيخ الجليل القدر، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، عن حماد بن عيسى، عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن عمِّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: (سألت جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الأئمة بعده، فقال (صلّى الله عليه وآله): الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثني عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن. فقلت: يا رسول الله، فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟ قال: يا حسن، إنَّما مَثَله مثل الساعة؛ أخفى الله علمها على أهل السموات والأرض، لا تأتي إلاَّ بغتةً) (4) .

____________________

(1) الأعراف: 187.

(2) كمال الدين / الصدوق: 372 و373 / الباب 35 / ح6.

(3) الكافي: الأصول / ج1/ 368 / وفيه 7 أحاديث.

(4) رواه الخزاز القمي في كفاية الأثر: 168؛ وعنه بحار الأنوار: 36 / 341، بسند آخر (المركز).

٥٣

يعني كما أنَّه لا يعلم متى تقوم القيامة أحد إلاَّ الله رب العالمين، فكذلك لا يعلم أحد إلاَّ المَلِك المنَّان متى سوف يكون وقت ظهور صاحب الزمان (عليه السلام).

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رضوان الله عليه) في كتاب (الغيبة) : أمّا وقت خروجه، فليس بمعلوم لنا على التفصيل، بل هو مغيّب عنَّا إلى أنْ يأذن الله بالفرج (1) . ونقل عدّة أحاديث في هذا الباب قد انتهتْ أسانيدها إلى ابن شاذان (رحمة الله عليه) المذكور. وهي موجودة مع أحاديث أخرى في هذا المعنى في كتاب (إثبات الرجعة) ، ومن جملتها قال الشيخ أبو جعفر:

أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري، عن عليّ بن محمّد عن الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد وعبيس [بن هشام]، عن كرام عن الفضيل، قال: سألنا أبا جعفر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟ فقال (عليه السلام): (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون) (2) .

وروى أيضاً عن ابن شاذان بهذا الطريق: الفضل بن شاذان، عن الحسين بن يزيد الصحَّاف، عن منذر الجوّاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كذب الموقّتون، ما وقَّتنا فيما مضى، ولا نوقِّت فيما يستقبل) (3) .

وروى ابن شاذان هذا الحديث بعدّة أسانيد صحيحة.

وقال الشيخ الطوسي بعد أن ذكر هذا الحديث: وبهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه مهزم الأسدي، فقال: أخبرني - جعلت فداك - متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟

____________________

(1) الغيبة / الطوسي: 4254 / ط1 المحقَّقة / 1411هـ / قم.

(2) الغيبة / الطوسي: 425 و426 / ح411.

(3) الغيبة / الطوسي: 426 / ح412.

٥٤

فقال: (يا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون) (1) .

وقد روى الشيخ أبو محمّد بن شاذان في هذا الباب عدة روايات.

كما وقع في توقيعين أنَّ حجة الرحمان (عليه السلام) نفسه قد قال بأنَّ التوقيت كذب.

أحدهما: قال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدَّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق [الطالقاني] (رضي الله عنه) قال: سمعت أبا علي [محمّد] بن همام، يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: خرج التوقيع بخط أعرفه يقول: (مَن سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله) .

قال أبو عليّ [محمّد] بن همام: وكتبت أسأله عن [ظهور] الفرج متى يكون؟ فخرج التوقيع: (كذب الوقّاتون) (2) .

وقال سماحة سيد المجتهدين الأمير محمّد باقر الداماد (رحمه الله)، بعد أن نقل هذا الحديث في كتاب (شرعة التسمية): (وهذه الرواية بعينها قد رواها شيخنا الإمام المفيد، وشيخنا الأعظم الطوسي، والشيخ المفسَّر الطبرسي (قدس الله أسرارهم) بأسانيدهم الصحيحة) (3) .

والمحل الثاني الذي وقع فيه التوقيع ما رواه: ابن شاذان وابن بابويه والشيخ الطوسي والشيخ الطرابلسي (رضوان الله عليهم أجمعين) بأسانيدهم، ونحن نكتفي بسندٍ واحدٍ ونقل فقرة منه رعاية للاختصار هنا.

روى ابن بابويه (رحمة الله عليه) من محمّد بن محمّد بن عصام

____________________

(1) الغيبة / الطوسي: 426 / ح413.

(2) كمال الدين / الشيخ الصدوق: 483 / باب 45 / ح3.

(3) شرعة التسمية حول حرمة تسمية صاحب الأمر (عليه السلام) باسمه الأصلي في زمان الغيبة / السيد الداماد: 60 / ط1 / 1409 / قم.

٥٥

الكليني (رضي الله عنه) قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) (1) أن يوصل لي كتاباً قد سألتُ فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع (2) الجواب. وبالإجمال، فكان من جملة تلك المسائل: أنَّه سأل عن وقت ظهوره (عليه السلام)، فكتب (عليه السلام) في جواب هذا السؤال: (وأمّا ظهور الفَرَج، فإنَّه إلى الله تعالى، وكذب الوقّاتون) (3) ، يعني: أمّا ظهور الفرج، فإنَّه متعلِّق بإرادة ومشيئة الحق تعالى وكذب الوقّاتون.

وقد ذكرنا قبل هذا أن َّ ابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) قد روى أحاديثاً في هذا الباب غير تلك التي رواها الشيخ أبو جعفر الطوسي (قدس سرّه).

وأحدها: قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران (رضي الله عنه)، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): (يا عليّ، إنَّ قريشاً ستظهر عليك ما استبطنته، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك. فإنْ وجدت أعواناً فجاهدهم، وإنْ لم تجد أعواناً فكُف يدك وأحقن دمك، فإنَّ الشهادة من ورائك. فاعلم أنَّ ابني ينتقم من ظالميك وظالمي أولادك وشيعتك في الدنيا، ويعذبهم الله في الآخرة عذاباً شديداً) .

فقال سلمان الفارسي: مَن هو يا رسول الله؟

فقال: (التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن

____________________

(1) في المصدر المطبوع (رضي الله عنه).

(2) تكملة الحديث في المصدر [فورد [ت] في] التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام).

(3) راجع: الغيبة / الطوسي: 291 / تحت رقم 247 / تحقيق: الشيخ عبد الله الطهراني والشيخ عليّ أحمد ناصح / مؤسسة المعارف الإسلامية / ط الأولى / 1411 هـ / قم.

كمال الدين / الصدوق: 483 / الباب 45 / ح4؛ وفي الخرائج / الراوندي: 3 / 1113 / ح30؛ وفي كشف الغمة / الإربلي: 2/531.

٥٦

أمر الله، ويظهر دين الله، وينتقم من أعداء الله، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

قال: متى يظهر يا رسول الله؟

قال (صلّى الله عليه وآله): (لا يعلم ذلك إلاَّ الله. ولكن لذلك علامات، منها: نداء من السماء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بالبيداء، والسلام على مَن اتبع الهدى) (1) .

وقال ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة): حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليهما السلام) يقول: (إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت) .

فقلت له: يا ابن رسول الله، فمَن الإمام بعد الحسن؟

فبكى (عليه السلام) بكاءاً شديداً، ثم قال: (إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر) .

فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمِّي القائم؟

قال: (لأنَّه يقوم بعد موت ذكْره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته) .

فقلت له: ولم سُمّي المنتظر؟

قال: (لأنّ له غيبةً تكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المُخلِصون، وينطره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون) (2) .

____________________

(1) مختصر إثبات الرجعة / ابن شاذان: مطبوع في مجلة تراثنا / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / 15 / 193.

(2) كمال الدين / الصدوق: 378 / باب 36 / ح3.

٥٧

ونقل ابن شاذان هذا الحديث بلا واسطة عن الإمام (عليه السلام) باختلاف قليل ببعض ألفاظه، مع أحاديث أخرى، ثم قال: قد تحقَّق من هذه الأخبار وأمثالها أنَّ وقت ظهوره مغيّب عن الخلق ولا يعلمه إلاَّ الله.

وقال الحسن بن حمزة العلوي الطبري في كتاب (الغيبة): قال أبو عليّ محمّد بن همام (رضي الله عنه) في كتابه (نوادر الأنوار): حدّثنا محمّد بن عثمان بن سعيد الزيَّات (رضي الله عنه)، قال: سمعت أبي يقول: سُئل أبو محمّد (عليه السلام) عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): (أنَّ الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى على خلقه إلى يوم القيامة، فإنَّ مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ، فقال: (إنَّ هذا حقّ كما أنَّ النهار حقّ) .

فقيل له: يا ابن رسول الله، فمَن الحجة والإمام بعدك؟

قال: (ابني هو الإمام والحجة بعدي، مَن مات ولم يعرفه مات ميتةً جاهلية. أما أنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمَّ يخرج كأنِّي أنظر إلى الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة) (1) .

____________________

(1) وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في كمال الدين: ص409 / باب 38 / ح9 بإسناده التالي: (حد َّ ثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال: حدّثني أبو عليّ بن همام قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: سمعت أبي يقول...)... الحديث.

وقد رواه أيضاً الشيخ أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز القمي الرازي، من علماء القرن الرابع الهجري في كتابه الشريف (كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر): 292 / باب: ما جاء عن أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) ما يوافق هذه الأخبار، ونصه على ابنه الحجة (عليه السلام) / ح6، قال: أخبرنا أبو المفضَّل (رحمه الله)، قال: حدّثني أبو عليّ بن همام، قال: سمعت محمّد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: سمعت أبي يقول... الحديث.

٥٨

فيعلم من هذه الأحاديث أنَّ الشيخ الطوسي وابن بابويه ومحمّد بن يعقوب الكليني والشيخ النيشابوري (1) (وهو متقدِّم عليهم؛ لأنَّهم من العلماء المتأخرين عنه) والنبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام) لم يدروا وقت ظهور صاحب الزمان (عليه السلام)، ولا يعلم به نفس صاحب الأمر (صلوات الله عليه) أيضاً.

* * *

____________________

(1) ويقصد به الفضل بن شاذان.

٥٩

الحديث الثالث:

مَن أنكر واحداً من الأئمّة (عليهم السلام) فقد أنكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

قال الصدوق (رحمه الله) في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة): حد َّ ثنا [محمّد بن] (1) موسى بن المتوكل، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد [النوفلي] (2) ، عن الحسن بن عليّ بن حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، [عن أبيه] (3) عن آبائه [عن أمير المؤمنين(عليهم السلام)] (4) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حدَّثني جبرئيل عن رب العزّة (جلَّ جلاله) أنَّه قال: مَن عَلِمَ أن لا إله إلاَّ أنا وحدي، وأنَّ محمّداً عبدي ورسولي، وأنَّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمّة من ولده حججي، أدخلته (5) الجنّة برحمتي، ونجّيته من النار بعفوي، وأبَحْتُ له جواريِّ، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي: إن ناداني لبَّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرّ مني دعوته، وإن رجع إليّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.

____________________

(1) سقطت من النسخة.

(2) هذه الزيادة في النسخة.

(3) هذه الزيادة في المصدر المطبوع.

(4) سقطت من المصدر المطبوع.

(5) في المصدر المطبوع (أُدخله) بدل (أدخلته).

٦٠