مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)23%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72581 / تحميل: 9004
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومَن لم يشهد أن لا إله إلاَّ أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفر بآياتي، وكتبي، ورسلي. إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيّبته، وذلك جزاؤه منّي وما أنا بظلاَّم للعبيد).

فقام جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله، ومَن الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟

قال: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ - وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرئه منّي السّلام - ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم عليّ بن محمّد، ثمّ الزّكيّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحق، مهدي أُمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

هؤلاء - يا جابر - خلفائي، وأوصيائي، وأولادي، وعترتي. مَن أطاعهم فقد أطاعني، ومَن عصاهم فقد عصاني، ومَن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني. بهم يمسك الله (عزّ وجلّ) السماء أن تقع على الأرض إلاَّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها) (١) .

وروى هذا الحديث الشيخ أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة) بسند صحيح عن الإمام الهمام حضرة الإمام جعفر (عليه السلام)، وعدّه من جملة نصوص الله على الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام).

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٨ و٢٥٩ / الباب ٢٤ / ح٣.

٦١

فائدة جليلة:

ويستفاد من آخر هذا الحديث أنَّ السماء قائمة في هذا الزمان ببركة وجود فائض الجود، حضرة صاحب الزمان (عليه السلام). وأنَّ الأرض ثابتة وقائمة ولم تمد ببركته (عليه السلام).

وإذا أراد أحد النواصب لأهل الحقّ أن يناقش في هذا المعنى، ويكابر في نقاشه الطائفة الناجية، فماذا سوف يعمل مع جملة الأحاديث التي ثبتت في كتب أهل الخلاف المعتبرة، ورويت من طرقهم، والتي تدل بمجموعها: أنَّ بقاء هذا العالم متعلِّق ببقاء حضرة صاحب الزمان (عليه صلوات الله الملك المنَّان)؟! وسوف تذكر بعضها بعد ذلك في أواخر هذه الأربعين إن شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٦٢

الحديث الرابع:

اللوح الذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلَّى الله عليه وآله)

قال الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو أيّوب إبراهيم بن أبي زياد الخزاز، قال: حدثّنا أبو حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على مولاي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فرأيت في يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاءاً شديداً. فقلت: فداك أبي وأمي يا ابن رسول الله! ما هذه الصحيفة؟ قال (عليه السلام):

(هذه نسخة اللوح الذي أهداء الله تعالى إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله)، الذي كان فيه اسم الله تعالى، ورسوله، وأمير المؤمنين، وعمّي الحسن بن عليّ، وأبي (عليهم السلام)، واسمي، واسم ابني محمّد الباقر، وابنه جعفر الصادق، وابنه موسى الكاظم، وابنه عليّ الرضا، وابنه محمّد التقي، وابنه عليّ النقي، وابنه الحسن الزكي، وابنه حجة الله القائم بأمر الله المنتقم من أعداء الله، الذي يغيب غيبة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

ولهذا الحديث مؤيّدات كثيرة، ولكنَّنا نقتصر على هذا الخبر المختصر طلباً للإيجاز في هذه الرسالة.

قال حضرة سيد المجتهدين الأمير محمد باقر الداماد في كتابه (شرعة التسمية)، في باب هذا الحديث الموسوم بـ (حديث اللوح): هو ممَّا على

٦٣

روايته تواطؤ الخاصة والعامة، من طرق متلوِّنة مختلفة، وأسانيد متشعِّبة متكثِّرة(١).

وكان تأليف هذا الكتاب في زمن تلمُّذ وتعلُّم هذا الضعيف عند النحريرين، عديمي النظير، أعني: الشيخ بهاء الملة والدين محمّد العاملي، والآية محمّد الداماد (عليهما الرحمة)، فجرت بينهما مناظرة وبحث حول جواز التسمية وحرمتها في زمن الغيبة، وطالت مدة المباحثة بينهما، ولهذا ألَّف السيد المشار إليه الكتاب المذكور، فرحمة الله عليهما.

والسلام على مَّن التعب الهدى.

* * *

____________________

(١) شرعة التسمية / السيد الداماد: ٧٤.

٦٤

الحديث الخامس:

الأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) هم أولوا الأمر

قال الصدوق (رضوان الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا غير واحد من أصحابنا، قالوا: حدّثنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث، قال: حدّثني المفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لمَّا أنزل الله (عزّ وجلّ) على نبيّه محمّد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت: يا رسول الله، عرَّفنا الله ورسوله، فمَن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله):

(هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر - وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام - ثم ّ الصادق جعفر بن محمّد، ثم ّ موسى بن جعفر، ثم ّ علي بن موسى، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ عليّ بن محمّد، ثم ّ سمييّ وكنييّ حجة الله في أرضه وبقيته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

____________________

(١) النساء: ٥٩.

٦٥

ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاَّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان) .

قال جابر: فقلت له: يا رسول الله [فهل] تنتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله):

(أي والذي بعثني بالنبوة، إنَّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلَّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلاَّ عن أهله) إلى آخر الحديث (١) .

وليعلم أنّ لهذا الحديث تتمة إنَّما ترك هذا الترابي ذكره روماً للاختصار.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٣ / باب ٢٣ / ح٣.

٦٦

الحديث السادس:

رؤية إبراهيم الخليل (عليه السلام) أنوار الأئمّة (عليهم السلام) إلى جنب العرش

قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(لمَّا خلق الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، كشف عن بصره فرأى نوراً إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟ قال: يا إبراهيم، هذا نور محمّد، صفوتي من خلقي.

ورأى نوراً إلى جنبه، فقال: إلهي ما هذا النور؟ قال: هذا نور عليّ ناصر ديني.

ورأى في جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقال: نور فاطمة بنت محمّد، والحسن، والحسين ابنيها وابني عليّ.

قال: إلهي إنِّي أرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة؟ قال: هذه أنوار عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجة بن الحسن الذي يظهر بعد غيبته عن شيعته وأوليائه.

فقال إبراهيم: إلهي إنِّي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلاَّ أنت؟

٦٧

قال: يا إبراهيم، هذه أنوار شيعتهم، شيعة عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين.

فقال إبراهيم: فبما تُعرف شيعته؟

قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الر حمان الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وتعفير الجبين، والتختُّم باليمين.

فقال إبراهيم: اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قال تبارك وتعالى: يا إبراهيم، قد جعلتك منهم.

فلهذا أنزل الله فيه في كتابه الكريم: ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (١) .

قال المفضل بن عمر: قد روينا أنّ إبراهيم (عليه السلام) لمّا أحسّ بالموت، روى هذا الخبر لأصحابه وسجد، فقبض في سجدته (صلوات الله وسلامه عليه).

الحمد لله الذي شرّف شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الفضلية.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) الصافات: ٨٣.

* * *

٦٨

الحديث السابع:

لا يقبل عمل أحد إلاَّ بولايتهم (عليهم السلام)

قال الشيخ الفقيه أبو الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمي (رحمه الله) في المائة التي جمعها من العامة:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبيد الله الحافظ، قال: حدّثنا عليّ بن سنان الموصلي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن صالح، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا ريان بن مسلم، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدّثنا سلامة عن أبي سليمان، راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، [قال]:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا أسرى بي إلى السماء، قال لي الجليل (جلَّ جلاله): ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) (١) ، قلت: والمؤمنون، قال: صدقت يا محمّد؛ من خلّفت في أُمتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب؟

قلت: نعم يا ربي.

قال: يا محمّد، إنّي ا طلعت على الأرض [ ا طلاعة] فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي. فلا أذكر في موضع إلاَّ ذُكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثم ّ اطلعت ثانية فاخترت منها علياً، وشققت [له] اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ. يا محمّد، إنِّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان من الكافرين.

____________________

(١) البقرة: ٢٨٥.

٦٩

يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً بولايتكم ما غفرت له حتى يقر ّ بولايتكم.

يا محمّد تحب أن تراهم؟

قلت: نعم يا ربي.

فقال لي: التفت عن يمين العرش؛ فالتفتّ فإذا بعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى الرضا، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والمهدي، في ضحضاح من نور قيامٌ يصلّون، وفي وسطهم يضيء المهدي كأنَّه كوكبٌ دُرِّي.

فقال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك. وعزَّتي وجلالي إنَّه الحجة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي) .

وهذا الشيخ الجليل من كبار علماء الطائفة الناجية أيضاً، وروى بالسند المزبور من طرق العامة، عن أبي سليمان راعي سيد العالمين (١) .

ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث بسند آخر عن أبي سليمان الراعي في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) مع اختلافٍ بالعبارات، وكان في آخره:

(فيخرج اللاّت والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذٍ بهما أشد من فتنة العجل والسامري) (٢) .

والمقصود من اللاّت والعزى الواقعين في هذا الحديث هما أبو بكر وعمر عليهما ما عليهما.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) مائة منقبة / ابن شاذان: ٣٧ - ٤٠ / المنقبة ١٧.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٣ / باب ٢٣ / ح٢.

٧٠

الحديث الثامن:

رؤية النبي (صلّى الله عليه وآله) أنوارهم (عليهم السلام) عند سدرة المنتهى في معراجه

قال الشيخ الصدوق الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (قدس سرّه): حدّثنا عبد الرحمان بن أبي نجران، قال: حدّثنا عاصم بن حميد، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي:

وقال (رحمه الله): حدّثنا الحسن بن محبوب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

  (لمَّا عُرج بي إلى السماء، بلغت سدرة المنتهى، ناداني ربي (جلَّ جلاله) فقال: يا محمّد، فقلت: لبيك لبيك يا ربي! قال: ما أرسلت رسولاً فانقضت أيامه إلاَّ أقام بالأمر بعده وصيه، فأنا جعلت عليّ بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمتك، ثم ّ الحسن والحسين، ثم ّ عليّ بن الحسين، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ جعفر بن محمّد، ثم ّ موسى بن جعفر، ثم ّ عليّ بن موسى الرضا، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ عليّ بن محمّد، ثم ّ الحسن بن عليّ، ثم ّ الحجة بن الحسن.

يا محمد، ارفع رأسك. فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ، والحسن، والحسين، وتسعة من أولاد الحسين، والحجة في وسطهم يتلألأ كأنَّه كوكب درّيّ، فقال الله تعالى: يا محمّد، هؤلاء خلفائي، وحججي في الأرض، وأوصياءك من بعدك، فطوبى لمَن أحبَّهم، والويل لمَن أبغضهم).

وقد أشار الله رب العالمين في غير هذين الحديثين المتقدمين؛ في عدّة أحاديث من الأحاديث المعراجية إلى سيد الإنس والجن، بخلافة العترة الطاهرة.

٧١

فإذا قال قائل: لماذا كان كل هذه الأنواع من التنبُّوء والأخبار في ليلة واحدة؟ فجوابه: لعل كل ذلك لم يقع في ليلة واحدة؟ فهناك حديث ينص على أنَّ قضية المعراج قد وقعت مرتين، وهذا الحديث ذكره إبراهيم بن هاشم في تفسيره. وقد توقَّفنا عن ذكره؛ لأنَّه لم يخل عن التطويل، فمَن يريد الإطلاع فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب (١) .

وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (الخصال) حديثاً جاء فيه: أنَّه وقع العروج برسول الله إلى السماء والارتقاء إلى عرش الحق تعالى مائة وعشرين مرة، وهذا الحديث هو:

عرج بالنبي (صلّى الله عليه وآله) مئة وعشرين مرة، ما من مرّة إلاَّ وقد أوصى الله تعالى فيها النبي (صلّى الله عليه وآله) بالولاية لعليّ بن أبي طالب والأئمّة (عليهم السلام) أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض (٢) .

ويمكن أن يكون المقصود من الولاية في هذا الحديث هو تولية حضرت سلطان الولاية على الأمّة، وكان التكرار بالتوصية للتأكيد عليها، كما أنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد بين كراراً في باب إمامته وخلافته بالنصوص الجلية والخفية.

سبحان الله! مع كل هذه التوصيات من الحق تعالى والمصطفى في حق عليّ المرتضى (صلوات الله عليهما وآلهما)، فلم يتأثر المنافقون، أولاد الحرام، بها أبداً!!

____________________

(١) تفسير القمي / علي بن إبراهيم ٢: ٣ - ١٦ / ط ١/ النجف الأشرف.

(٢) الخصال / الصدوق: ٦٠٠ / أبواب ا لمئة فما فوق / ح٣.

٧٢

وأبدلوا المحبة بالعداوة، وامتنعوا قبول خلافته وولايته (عليه السلام). ولم يكتفوا بذلك، بل استعلوا واستولوا على رئيس الدين ومعلّمه، ولم يقتنعوا بذلك حتى أباحوا ظلمه (عليه السلام) وظلم أولاده (عليه السلام)، ولم يعلموا أنَّ صاحب الزمان (عليه السلام) سوف ينتقم منهم في هذه الدنيا، وأنَّهم سوف يحل عليهم العذاب المخلَّد في العالم الآخر.

* * *

٧٣

الحديث التاسع:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يخبر نعثل اليهودي بأوصيائه (عليهم السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (جعل الله الفردوس مثواه وحشره مع مَن تولاَّه): حدّثنا محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنهما)، جميعاً عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:

قدم يهودي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقال له نعثل، فقال: يا محمّد، إنِّي أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، فإنْ أجبتني عنها أسلمت على يديك.

قال (صلّى الله عليه وآله): (سل يا أبا عمارة) .

قال: يا محمّد، صف لي ربك.

فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنَّ الخالق لا يوصف إلاَّ بما وصف به نفسه، كيف يوصف الخالق الواحد الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والبصائر أن تحيط قدرته؟! أجلّ عمّا يصفه الواصفون؛ نأى في قربه، وقرب في نأيه. كيّف الكيف فلا يقال: كيف. أيّن الأين فلا يقال: أين. تنقطع الأفكار عن معرفته. وليعلم أنَّ الكيفية منه والأينونية، وهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) .

٧٤

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك: (إنَّه واحد لا شبه له) أليس الله واحداً والإنسان واحد؟ ووحدانيته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟

فقال (صلّى الله عليه وآله): (الله واحدي وأحديّ المعنى، والإنسان واحد ثنوي؛ جسم عرض [وبدن] (١) وروح. وإنَّما التشبيه في المعاني لا غير) .

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيك، من هو؟ فما من نبي إلاَّ وله وصي. إنَّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوضع بن نون.

فقال: (نعم، إنَّ وصييّ والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمّة أبرار) .

قال: فسمهم لي يا محمّد!

قال: (نعم، إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، وبعد الحسن الحجة بن الحسن عليّ، فهذه اثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل) .

قال: فأين مكانهم في الجنّة؟

قال: (معي وفي درجتي) .

قال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّك رسول الله، وأنَّهم الأوصياء بعدك. ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدِّمة، فأخبرني - يا رسول الله - عن الثاني عشر من أوصيائك.

قال (صلّى الله عليه وآله): (يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أُمتي زمان لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه، ومن القرآن إلاَّ رسمه، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج).

____________________

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من: كفاية الأثر: ١٣؛ عنه البحار ٣٦: ٢٨٣. (المركز).

٧٥

فانتفض نعثل، وقام من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول: صلوات الله عليك يا سيد المرسلين وعلى أوصيائك الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.

وفي بعض الروايات زيادة في أواخر هذا الحديث مع شعر أنشده نعثل في مدح خير البشر وأئمّة الاثنى عشر (عليهم صلوات الله الملك الأكبر). وإذا كان في الأجل تأخير، فسوف اكتب في شرح هذا الحديث كتابا مستقلاً إن شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٧٦

الحديث العاشر:

الأئمّة (عليهم السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله الملك المنان): حدّثنا فضالة بن أيوب (رضي الله عنه) قال: حدّثنا أبان بن عثمان، قال حدّثنا محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أنت - يا عليّ - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم جعفر بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم موسى بن جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحجّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، ويغيب مدة طويلة، ثم يظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

الحمد لله الذي جعل أصفياءه موالينا.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٧٧

الحديث الحادي عشر:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يخبر جندل اليهودي عن أوصيائه (عليهم السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا محمّد بن الحسن الواسطي (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا زفر بن الهذيل، قال: حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش، قال: حدّثنا مورّق، قال: حدّثنا جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد، أخبرني عمّا ليس لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله؟

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أمَّا ما ليس لله، فليس لله شريك. وأمَّا ما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم. وأمَّا ما لا يعلمه الله، فذلكم قولكم معاشر اليهود إنَّ عُزيراً ابن الله، والله لا يعلم له ولداً) .

فقال جندل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنّك رسول الله حقاً.

ثمّ قال: يا رسول الله، إنِّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمّد، واستمسك بالأوصياء من بعده. فقد أسلمت ورزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء [من] بعدك لأستمسك بهم.

فقال: (يا جندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل) .

فقال: يا رسول الله! إنَّهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة.

قال: (نعم، الذين هم أوصيائي من بعدي اثنى عشر) .

فقال: يا رسول الله، كلهم في زمن واحد؟

قال: (لا، خلف بعد خلف، فإنَّك لن تدرك إلاَّ ثلاثة) .

٧٨

قال: سمّهم لي يا رسول الله!

قال: (نعم، إنّك تدرك سيد الأوصياء ووارث علم الأنبياء، وأبا الأئمة الأتقياء عليّ بن أبي طالب بعدي، ثمّ ابنيه الحسن والحسين. فاستمسك بهم بعدي، فلا يغرّنك جهل الجاهلين. فإذا كان وقت ولادة ابني عليّ بن الحسين زين العابدين، يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه) .

فقال: يا رسول الله، أسامي الأوصياء الذين يكونون أئمّة المسلمين بعد عليّ بن الحسين؟

قال (صلّى الله عليه وآله):

(فإذا انقضت مدة عليّ، قام بالأمر محمّد ابنه، يدعى بالباقر. فإذا انقضت مدّةُ محمّد، قام بالأمر بعده جعفر ابنه، يدعى بالصادق. فإذا انقضت مدّة جعفر، قام بالأمر بعده موسى ابنه، يدعى بالكاظم. فإذا انقضت مدّة موسى، قام بالأمر بعده عليّ ابنه يدعى بالرضا. فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالأمر بعده محمّد ابنه، يدعى بالتقي. فإذا انقضت مدّة محمّد، قام بالأمر بعده عليّ ابنه، يدعى بالنقي. فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالأمر بعده الحسن ابنه، يدعى بالزكي. ثم يغيب عن الناس إمامهم) .

قال: يا رسول يغيب الحسن منهم؟

قال: (لا، ولكن ابنه الحجة يغيب عنهم غيبة طويلة) .

قال: يا رسول الله فما اسمه؟

قال: (لا يسمّى حتى يظهره الله) .

فقال جندل: قد بشّرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء من ذريتك.

ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاً ) (١) .

____________________

(١) النور: ٥٥.

٧٩

قال جندل: فممن خوفهم؟

قال: (يا جندل، في زمن كل واحد منهم شيطان يعتريه ويؤذيه، فإذا أذن الله للحجّة خرج، وطهّر الأرض من الظالمين، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للسالكين في محجته، والثابتين في موالاته ومحبته. أولئك ممّن وصفهم الله في كتابه، فقال: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (١) ، وقال: ( أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .

ثم قال جابر: عاش جندل بن جنادة إلى أيام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، ثمّ خرج إلى الطائف، فمرّ فدعا بشربة من لبن فشربه، وقال: كذا عهد إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم مات، ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوداء (رحمه الله تعالى).

يقول المؤلف:

إنَّ حكاية جندل وسبب مجيئه من خيبر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضوره معه (عليه السلام) في حروبه في صِفِّين وغيرها مع مخالفيه، طويلة. فمَن أراد الإطلاع عليها، فليرجع إلى (التاريخ الكبير للثقفي) (عليه الرحمة). وإذا لم يحصل عليه، فليطالعها في كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتقين) من مؤلَّفات هذا الحقير.

اللَّهُم ارزقنا جرعة من الكوثر من كفّ وليّك المرتضى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) البقرة: ٣.

(٢) المجادلة: ٢٢.

٨٠

بدرجة يطيعون اوامره وينفذون وصاياه الىٰ هذا الحدّ !

فأنظر ـ والكلام لابن سينا ـ الفارق الىٰ ايّ مستوىٰ ! اجل يا بهمنيار ، فلا يمكن الادعاء بما للعظماء كذباً.

الاصدقاء جميعهم : الحقيقة عين ما اشرت إليه.

السبب الحقيقي لنفوذ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله

العقيد : اصدقائي ارجو ان لا تستعجلوا الحكم ، مع ان كلام الشيخ لا يمكن انكاره الى حدّ ما ، فنفوذ الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عادياً ، لكني اتصور ان جزءاً من نفوذ قدرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الناس الذين عاصروا ذلك العظيم هي الاعمال التي كانوا يرونها منه والتي كانوا يتصورونها معاجز ، في حين ان المعجزة والامر الذي ليس له اسباب وعلل طبيعية وعادية ، مشكوك فيه في عالمنا المعاصر ، والجزء الآخر من نفوذه والذي يرتبط بعصرنا فهو محصور بين المسلمين غير العلماء ، وطبيعي فالنفوذ الىٰ قلوب مثل هذه النماذج من الناس ليس امراً عجيباً أو صعباً.

طالب الطب ، حسن : انا اوافق سيادة العقيد في هذا الرأي.

الشيخ : اشكركم أيُّها السادة ، علىٰ طرحكم ما ترونه موضع اشكال بحرية تامة ودون مجاملات ، وهدفنا من طرح هذه المواضيع هو دراسة الاشكالات التي يراها الاصدقاء في مواجهة الدين الاسلامي المقدس ، والاجابة عليها.

٨١

الاصدقاء جميعهم : نحن مسرورون لهذا اللقاء ، وهذا اليوم الذي تعرّفنا فيه عليك لهو من اجمل ايام حياتنا ، فكلامك جميل ، واجوبتك وافية ، كما ان سفرنا يمضي بسرور ونحن مستفيدون من وقتنا.

الشيخ : تتلخص اشكالات سيادة العقيد في ثلاثة محاور :

الأول : ايمان اهل ذلك العصر بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بالمعجزة الىٰ حدّ ما.

الثاني : من الصعب اليوم القبول بالمعجزة.

الثالث : نفوذ رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله اليوم ، غالباً ما نجده بين غير المتعلمين وغير العلماء.

وسنتكلم في المواضيع الثلاثة ـ ان شاء الله ـ حسب طريقتنا ، اي بشكل مختصر ومفيد.

أمّا الموضوع الأوّل :

خلافاً لما قاله سيادة العقيد ، فأن اغلب اهالي الجزيرة العربية والمسلمون الذين عاصروا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تأثروا بقوانين الاسلام التي جاء بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ( طبعاً بالحد الذي كان المستوىٰ الفكري لذلك العصر يسمح به ) وبالاعجاز القرآني من حيث الفصاحة والبلاغة وكذلك بحياة الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت غريبة عنهم ، وليست بسائر المعجزات.

لأنه : إذا كان ايمان العرب بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حدث بالمعاجز فقط ، كان لابدّ ان يكون تقدم الاسلام وانتشاره سريعاً في السنوات الثلاثة عشرة التي قضاها

٨٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة بعد البعثة ، لان اكبر واعظم معجزاته كانت في مكة ، في حين ان نمو الاسلام في مكة وقياساً للسنوات العشرة التي قضاها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة يعد لاشيء ، بل اصبحت الحياة له لا تطاق في مكة وهو مهدد بالقتل فيها مما اضطره للخروج منها ليلاً والهجرة الىٰ المدينة بأمر من الله تبارك وتعالىٰ ، اما المدينة فقد استقبلته واحتضنته وعاهدته في الدفاع عنه بكل ما تستطيع ، وقد وفو بعهدهم اليه حقاً ، لكن ما الذي دعىٰ أهل المدينة لاستقبال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واحتضانه والدفاع عنه بالغالي والرخيص ؟

لم تكن المعجزات هي التي جعلتهم يقومون بذلك ، لأنهم لم يروا أية معجزة منه يوم تعهدوا له بالدفاع عنه ، بل كان موسم الحج وقد جاؤا الىٰ مكة فسمعوا كلمات القرآن المحيرة ، وسألوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الاسلام وقوانينه واحكامه وما يدعوا اليه ، وبعد ان تعرفوا عليه آمنوا به طوعاً ، وسبب افتتانهم به هو ان قبيلتين منهم ( الأوس والخزرج ) كانتا تتقاتلان لقرن من الزمن ، وكانت بينهما دماء ومآسي ، فكم من الشباب قتلوا وكم من النساء ترمّلن وكم من الاطفال تيتموا وكم من الآباء ثكلوا.

كان اهل المدينة قد عانوا الكثير ، كانوا يعيشون حالة من التوحش الكامل ، وقد ملّوا من الجرائم والدماء ، وكان انحطاطهم الاخلاقي بمستوىٰ جعلهم يستشرون ضرورة وجود مصلح وقوانين عادلة تنقذهم من شقائهم ، كانوا بحاجة الىٰ قوة تستبدل البغض والحقد الذي في قلوبهم بالعاطفة والمحبة ، لقد فهموا ان عليهم ايقاف حمامات الدم تلك ونبذ حياة التوحش والظلم والجريمة.

٨٣

ولكن ، من هو الشخص الذي يقوم بذلك العمل الجبار ويبلغهم تلك الآمال ؟ من هو الرجل الذي يرفع لواء العدل ويجمع هؤلاء المظلومين تحت رايته ؟ وهل يمكن ان يجدوا مثل ذلك الشخص وبتلك المواصفات في بلاد مثل الجزيرة العربية ؟

اجل ، لقد رأىٰ اهل المدينة ذلك الرجل الذي ينشدونه في سفر حجهم وادركوا انه الوحيد الذي يستطيع انهاء وضعهم المأساوي ، ولهذا اجتمعوا حول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصروه في الشدائد والمشكلات ، ولماذا لا يفتتنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! ولماذا لايفتدوه بأموالهم وانفسهم ، فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رآه ذو قلب سليم وشاهد صفاته التي لا تجتمع لأحد ، إلّا وخضع امامه واستسلم له ! فأي صخرة صماء ذلك الذي يرىٰ جميع تلك الفضائل : الوفاء والتواضع ، حسن الخلق ، نصرة المظلوم ، الرأفة ، الشجاعة ، الشهامة ، العفو ، الأدب ، الصدق ، الامانة ، عدم الاعتناء بالدنيا ومئات الفضائل الأخرىٰ ، ولا يمتلىء قلبه بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فهل يمكن لبشر عادي ان يكون هكذا ؟

اجل صفاته واخلاقه مع الناس ومع ابنائه وازواجه ومع اتباعه ومع العبيد والصغار و الخ هي التي جعلت الناس تفتتن به ويكون له نفوذ في قلوبها ، وليست المعجزات التي جاء بها.

٨٤

سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المليئة بالفخر

سيادة العقيد ! من أجل أن يتّضح الموضوع بشكل جيد ، ولكي تعرفوا هل معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو اسلوبه اخلاقي هو الذي سخر قلوب اهل زمانه له ، سأضطر الىٰ بحث مختصر حول اخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وفضائله وملكاته الفاضلة.

بلع العلى بكماله

كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله

صلّوا عليه وآله

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته

كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مبتسم علىٰ الدوام مع اهل بيته ، ولم يكن فظَّاً غليظاً معهم ، فقد كان يحنو عليهم ويعاملهم برأفة ، كان يحاول جهد الامكان ان لا يغتمّوا ولا يحزنوا ، وكان عادلاً بينهم حتىٰ انه لم يشتكي منه احد مدىٰ حياته ، يساعدهم في اعمال البيت ، وكان يقول : مساعدة الزوجة في عملها بالبيت صدقة ، ومع ان بعض نساءه كنّ يتجرأن عليه ويعاملنه وكأنه رجل عادي كسائر الرجال وكنّ يؤذينه ويغضبنه ويتعرضنّ عليه ويتدخلن في اعماله ، مع ذلك كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله محافظاً علىٰ عدالته بينهنّ ، ويجب ان لا نتصور ان جميع وسائل الراحل كانت متوفرة لتلك النساء ، لانهنّ نساء امبراطور الاسلام ، أبداً فلا

٨٥

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان امبراطوراً ، ولا نساءه كنّ مثل حريم الاباطرة.

فلم يكن لهنّ قصور ولا غلمان وجواري ، وفي بعض الاحيان لم تتوفر لهنّ ابسط ضروريات الحياة ، لكن ثغر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الضحوك ووجهه البَشر وقلبه الرحيم العطوف ، كان بلسماً لكل وضنك ذلك العيش.

تقول اُمّ سلمة : احدىٰ نساء النبي :

في ليلة زفافي،حيث دخلت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنت اسكن في غرفة لم يكن فيها الّا قليل من الشعير ومطحنة يدوية ووعاء للعجين وقدر لعمل الخبز وكوز ماء ، فطحنت الشعير وعجنته وصنعت اقراصاً من الخبز ، اكلتها. وهكذا كانت حياة نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتىٰ في ليلة زفافهنَّ.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبنائه

لا يمكن وصف المحبة والعطف الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يغدقه علىٰ ابناءه ، لقد كان يحب ابناءه واحفاده كثيراً جداً ، كان يجلسهم علىٰ ركبتيه ويداعبهم ويقبل وجوههم ، حتىٰ انه كان يلاعبهم احياناً ، ومحبته لابنته الزهراءعليها‌السلام وابنائهاعليهم‌السلام معروفة ومشهورة.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصدقائه ومحبيه ، تشبه معاملته لابنائه ، ولهذا السبب كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله محبوباً عند اصدقائه ، الى حدّ يفوق التصوّر.

٨٦

وفي حادثة وقعت بعد معركة احد ، كانت مكة قد اعدّتها ودبّرتها ، حيث جاءت مجموعة من الاعراب الىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة وطلبت ان يذهب معهم جماعة من المسلمين لتبليغ الدين وبيان الاحكام ، فأرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معهم جماعة من المسلمين برئاسة عاصم بن ثابت ، لكن الأعراب قاموا بقتل المسلمين غيلة إلّا اثنين منهم اسروهم وارسلوهم الىٰ مكة وباعوهم علىٰ المشركين ، وكان زيد بن دثية احد الاسيرين ، فأشتراه صفوان بن اُمية ، لكي يقتله ثأراً لأبيه ، وبعد ان سجنه لفترة ، تقرر ان يُقتل في يوم معين.

وفي ذلك اليوم اجتمع اهل مكة جميعهم ، ليشاهدوا قتل ذلك الشاب المسلم ، انتقاماً لقتلاهم في بدر.

وفي النهاية ، حانت ساعة الاعدام ، فجاءوا ب‍ « زيد » وقد اجتمعت جميع طبقات مكة من كبارها ورؤساء قريش من التجار والمزارعين والنساء والفتيات والاطفال ، اجتمعوا اطرف المشنقة ، في تلك اللحظات التفت أبو سفيان وهو زعيم قريش الىٰ زيد وقال : أتحبُّ ان يكون محمداً مكانك هنا حتىٰ يعدم وترجع انت سالماً الىٰ اهلك ، اقسم عليك بمن تعبد ان تقول الصدق ؟

فأجابه زيد : يا أبا سفيان ، أقسم باللهِ ، أحبُّ ان اُقتل هنا ولا تصيب قدم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شوكة فتؤذيه ! إفصاح أبو سفيان بعد تلك الاجابة : لم أرَ احداً اعزّ من محمد عند اصحابه.

أجل ، كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ودوداً مع اصحابه للحد الذي جعلهم يهيمون بحبه ، فلم يحملهم في حياته شيئاً ، ومع انه كان القائد وزعيم المسلمين الذي

٨٧

فتح الجزيرة العربية واخضع الجميع للاسلام ، لكنه وفي احدىٰ اسفاره ارادوا ان يذبحوا شاة للأكل ، فتعهد كل واحد بعمل ، فقال احدهم : انا أذبحها ، وقال الآخر : انا اسلخها وقال الثالث : أنا اطبخها ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وانا اجمع الحطب للطبخ.

واضح ان العمل الذي تكفّل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله به اشقّ من أعمال الآخرين ، لأنه كان يحتاج الىٰ كمية كبيرة من حطب الصحراء ! لكي تطبخ شاة ، لذلك قال المسلمون : يا رسول الله ، نحن نجمع الحطب ولا تؤذي نفسك انت.

لم يقل المسلمون ذلك مجاملة منهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهم بذلوا كل ما يملكون من اجله ، هؤلاء الناس لا يتحدثوان زيفاً وتملّقاً وانما لم يحبوا ان يتعب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه.

لكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : اعلم انكم لا تحبون ان اتعب ، لكني لا اُريد ان افضل علىٰ اصحابي ، والله لا يحب الذين يميزون انفسهم عن الآخرين.

وهكذا عندما بنىٰ المسلمون مسجد المدينة ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل معهم الحجارة والتراب ، وعندما حفروا الخندق(1) اختص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لنفسه حصة من العمل كسائر المسلمين ، بل انه كان يعمل اكثر من الآخرين.

________________

(1) هو الخندق الذي حفره المسلمون حول المدينة لصد الاعداء في معركة الاحزاب.

٨٨

اصدقائي !

ألم يكن اهل الجزيرة العربية محقّون في الخضوع لهذا الرجل والافتتنان به ؟! وهل رأيتم رجلاً في العالم يتعامل بهذه الروح السمحة والمحبة للخير مع اتباعه والذين يأتمرون بأوامره وهو في قمة هرم السلطة ؟! هذه التصرفات والمعاملة الاخلاقية لا توجد الّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه

لقد عامل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله اعداءه كما كان يعامل اصدقاءه واصحابه ، فأي شخص لم ينتقم بشدة في اليوم الذي يتسلط فيه علىٰ اعدائه وينتصر عليهم ؟! لكن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كان رؤوفاً بأعدائه ، ينظر اليهم بعين العطف ، وكان متسامحاً للحد الذي وصفوه ـ الاعداء ـ بالعظيم والكريم.

ففي غزوة ذات الرقاع ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واقفاً الىٰ جانب نهر ، وفجأة جاء سيل وحال بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ، فرأىٰ احد جنود العدو ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لوحده وبعيداً عن معسكره ، فجاءه شاهراً سيفه ظاناً ان اللحظة مؤاتية لقتل الرسول ، وقال : يا محمد ، من سينجيك مني ؟

قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ربي.

ضحك الرجل مستهزءاً ، وهوىٰ بسيفه بقوة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن الله وقىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله شره ، فوقعت به فرسه قبل ان يضرب ضربته ، ووقع علىٰ الارض ، فوقف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فوق رأسه وأعاد عليه كلامه ، قال : من سينجيك

٨٩

مني ؟!

فقال الرجل وعيناه تبرق املاً : جودك وكرمك يامحمد !!

فما هو اساس ذلك الكلام في تلك اللحظات الحرجة ؟ هل قال الرجل كلامه تملّقاً ؟! بالتأكيد ، لم يقله تملّقاً.

لقد رأىٰ الرجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهراً سيفه فوق رأسه ، وتذكر اللحظات السابقة ، كان والوضح حرجاً بالنسبة له في الظاهر ، لانه لو قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتله كان قد فعل ماكان هو يريد فعله قبل لحظات ، الاّ انه لم يوفق لذلك ، والأمل الوحيد لذلك المشرك هو أن الذي يريد قتله ليس انساناً عادياً كسائر الناس بل هو رجل الحق ، كريم بمعنىٰ الكرم ، عفوّ ورؤوف ، لقد تكلّم الرجل المشرك بكلامه استناداً الىٰ تاريخ ذلك الرجل الذي يريد قتله ، فحياته مليئة بالكرم والبذل والعمل الصالح والمحبة ، ولا بدّ أنَّ المشرك تذكر تلك السنة التي اصاب القحط فيها مكة ، فكان ذلك الرجل الذي شهر سيفه الآن عليه ، مثل الأب الرحيم علىٰ ابناءه ، يشتري الطعام بأمواله واموال خديجة ( بعد الاستأذان منها ) ، كان يشتري القمح والشعير والابل ويقدمها الىٰ الضعفاء في مكة واطرافها ، وبذلك نجّاهم من الموت جوعاً.

كان المشرك يعلم ان هذا الرجل يحمل بين جنبيه قلباً عطوفاً رحيماً ، فكان محقاً بأن يأمل ويرجو في تلك اللحظات الحرجة تماماً ، لذلك قرر الاجابة علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بما يعرفه عن ماضيه وعطفه واحسانه ، لكن الوقت كان ضيقاً واللحظة خطرة ، فليس هناك مجال للأسهاب في الكلام ، ولهذا اجاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله موجزاً ، وقال : « جودك وكرمك يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، أي عظمتك

٩٠

ومقامك وعفوك ورأفتك يمكن ان تنجيني.

أجل ، لقد فكّر ذلك الرجل بشكل صحيح ، وكان رجاءه في محله ، لقد انجاه كرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه عندما سمع تلك العبارة ، انزل السيف جانباً ، وقال للرجل : انهض واسرع الىٰ جيشك(1) .

أيُّها السادة !

ألا يستطيع هذا الرجل ان يسخر قلوب الناس بهذه الاخلاق والمكارم الالهية التي هي بذاتها من اكبر المعجزات ؟! هل ان تأثير هذه التصرفات في جذب قلوب الناس اقل من بيان سائر المعجزات ؟

اعجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخلاقي عند فتح مكة

اشرنا من قبل أن اهل مكة شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ ثلاثة عشرة سنة من بداية البعثة ، تلك المعجزات التي لو رآها أي انسان لأعترف بالنبوة والرسالة ، إلّا انهم كانوا اصم من الصخر فلم تؤثر فيهم ولم يؤمنوا بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن اولئك الناس عندما شاهدوا عفو الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعطفه عليهم عند فتح مكة لانت قلوبهم وآمنوا بالدين.

لقد كان لمعاملة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم في ذلك اليوم اكبر الاثر في اسلامهم ، وهو بنفس الوقت خير دليل علىٰ ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن نفسه :

________________

(1) روضة الكافي ، تأليف ثقة الاسلام الكلينيقدس‌سره

٩١

« ادبني ربي فأحسن تأديبي ».

كما انه نموذج كامل لأسلوبه الاخلاقي في التعامل مع اعدائه.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة دون قتال ( سوىٰ مقاومة صغيرة من بعض المشركين ابيدت علىٰ يد جيش الاسلام ).

ومكّة هي مسقط رأسه التي يهفو إليها قلبه علىٰ الدوام ، حتىٰ في الليلة التي اراد ان يهاجر فيها الىٰ المدينة ، نظر الىٰ اطرافها بحسرة ، واغرورقت عيناه بالدموع ، فنزل عليه الامين جبرائيل ووعده من جانب الله بأن يرجعه اليها. وكانت سنوات تمرّ علىٰ ذلك الوعد الالهي ، والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ينتظر ، فمضت اشهر وسنين ببطء وحان الوقت الذي ينجز فيه الوعد.

* * *

عقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلحاً مع كفار قريش وأهل مكة في الحديبية ، إلّا ان الكفار لم يعملوا بمفاد الصلح ، فكانت النتيجة ان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم علىٰ فتح مكة بأمر من الله ، وسار نحوا بعشرة آلاف مسلم ، وقد علم اهل مكة من خلال ابي سفيان « الذي ذكرناه تفاصيل لقاءه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قرب مكة » بالتعبئة العامة للمسلمين.

طوىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطريق بين المدينة ومكة ، حتىٰ وصل الىٰ« ذي طوىٰ »(1) . نظر الىٰ ما حوله ، فوجد جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل مستعدون

________________

(1) مكان مشرف علىٰ مكة.

٩٢

لنصرته وقلوبهم تطفح بالمحبة. فتذكّر يوم هجرته ، ذلك اليوم الذي خرج فيه خائفاً يريد الحفاظ علىٰ نفسه من مكة هذه. لكنه يعود اليها اليوم ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين الشجعان ، فمن الذي منحه تلك القوة ؟!

أهو غير ربّه الذي يدعوه ؟! بالتأكيد لا.

فلا احد يستطيع ان يحببه الىٰ قلوب الناس بهذا الشكل سوىٰ الله القادر والمهيمن ، اذن ، فاليوم هو اليوم الذي وعده به الله ، وقريب ما يتحقق الوعد الالهي.

نعم ، جميع ما حدث كان بنصر الله ، فلماذا لا يسجد له ، لماذا لا يعبده ؟ وكان ان صاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لا إله الّا الله ، وحده وحده ، انجز وعده ، ونصر عبده ، واعزّ جنده ، وهزم الاحزاب وحده ».

وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نِعَم الله ، تلك النِعَم التي يعجز عن شكرها ، واتقدت شعلة الحب الالهي في قلبه اكثر من ذي قبل ، يريد ان يسجد لربه ، لكنه لا يزال على ظهر الناقة ، تجسم العشق الالهي ورأفة الله به بحيث لم يستطع الصبر لينزل من علىٰ ظهر الناقة كي يسجد ، فسجد شكراً لله وهو علىٰ الناقة ، ثم رفع رأسه من السجود ، فوقعت عيناه علىٰ مكة ، تلك المدينة التي تتوسطها الكعبة ، حيث بناها جده ابراهيم الخليلعليه‌السلام ، موطن آباءه والمكان الذي يهفو اليه قلبه.

جميع تلك الاسباب جعلته يناجي مكة ويظهر لها حبه ، فقال : الله يعلم احبك ، ولو لا ان اهلك اخرجوني عنك لما آثرت عليك بلداً ، ولا ابتغيت بك بدلاً ، اني لمغتم على مفارقتك.

٩٣

فلماذا خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة بهذا الكلام ؟!

وكأنما كان يسمع مسقط رأسه ، أي مكة هذه ، تعاتبه وتقول له : لماذا هجرتني ، وفارقتني ثمان سنوات ، ياحبيب الله ، انا ايضاً أحبك ، فلماذا تركتني الىٰ المدينة التي اخترتها بدلاً مني ، فهل كنت سيئة معك ؟!

وبعد أن أتمّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه ، تحرك من ذي طوىٰ ودخل الحجون(1) ، فأغتسل هناك وركب ناقته حتىٰ يدخل مكة.

مكّة في انتظار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

اجتمع اهل مكة ووقفوا مع زعماء قريش ورؤساء القبائل الىٰ جانب الكعبة ، لكي ينظروا دخول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا يريدون بذلك أمرين :

الأول : رؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني : معرفة مصيرهم.

دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة واستسلم الحجر الاسود من علىٰ الناقة ، ثم ارتفع صوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتكبير :

الله اكبر الله اكبر

فتعالت معه حناجر عشرة آلاف مسلم الله اكبر ، كان صوت التكبير يملأ سماء مكة وينعكس في جبالها ، لكن تأثيره في قلوب المشركين كان اشدّ.

________________

(1) محل اقرب الىٰ مكة من ذي طوىٰ.

٩٤

لقد خاف زعماء قريش من ذلك الصوت ، وكأنما سمعوا صيحة من السماء ، فأضطربت قلوبهم واخذت تخفق بشدّة.

بعد التكبير ، ترجل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الناقة ، ودخل الكعبة كي يطهرها من رجز الاوثان ، فلا يجدر ببيت بُنيَ فيه الله ان يكون مأوىٰ الاثم ومركز الاصنام ، وكان علىٰ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطهر البيت من تلك الاصنام والآلهه المصنوعة من الخشب أو الحجر.

وقام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالاطاحة بالاصنام الواحدة بعد الاُخرىٰ ، بعصاه ، وهو يقول :

( جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (1) .

( قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ) (2) .

أجل ، لقد انتهىٰ زمان الاصنام وعبادتها ، انتهى عصر الانحناء والخضوع امام آلهة صنعت من معدن أو خشب علىٰ هيئة البشر ، لقد حان الوقت الذي يعبد فيه الناس الله سبحانه وتعالىٰ ، ويخرجوا من ذلّ عبادة هذه الاوثان ، الىٰ عزّ عبادة رب العالمين.

وبعد ان فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاطاحة بالاوثان ، توجه الىٰ اهل مكة ، فوجدهم قد اصطفوا مثل التماثيل التي صنعت من حجر ، وكأن علىٰ رؤوسهم الطير ، لا يتحركون ولا يحركون ساكناً ، ووجوهم المصفرة تعبر عن اضطرابهم الداخلي ( بعد ان شاهدوا قوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجيش المسلمين ) ، كانت عيونهم

________________

(1) سورة الاسراء : 81.

(2) سورة سبأ : 49.

٩٥

تريد الخروج من حدقاتها من شدة الخوف ، كانوا غارقين في افكارهم ، ويتصورون المصير الذي ينتظرهم ، بعد تلك الحروب التي خاضوها ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاذية التي آذوه ، لكنهم في نفس الوقت يرجون شيئاً من شخص الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن اهل مكة يعرفون جيداً ، ان الرجل الذي دخل مكة اليوم ظافراً منتصراً ، هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو القلب العطوف والرحيم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي من شيمه العفو عند المقدرة والصفح عمن اساء له ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي لا يظلم حتىٰ اعتىٰ اعدائه واقساهم ، محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالآخرين الذي لا يفكرون عند انتصارهم سوىٰ بالانتقام ، فهو الذي وصفه الله سبحانه وتعالىٰ في القرآن ، فقال :

( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (1)

فلماذا لا يرجوا أهل مكة فيه الخير ؟! ولماذا لا يمتزج خوفهم واضطرابهم بالامل ؟! لقد رأىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الخوف والرجاء في وجوههم ، لكنه اراد ان يسمعه منهم ، فقال لهم : ماذا تقولون وتظنون ؟

فأجابه اهل مكة : نقول خيراً ونظن خيراً ، اخ كريم وابن اخ كريم وقد قدرت.

كان جواب اهل مكة مزيج من الخوف والامل ، فعبارة « قد قدرت » استخدمت للتعبير عن الخوف ، لكن العبارات التي سبقت ذلك كانت مفعمة بالرجاء لكن كفة الامل والرجاء كانت تفوق احتمال الانتقام.

ومن حقِّ أهل مكة ان يأملوا العفو والمسح من مثل ذلك الرجل العظيم ،

________________

(1) سورة الانبياء : 107.

٩٦

لأنه لو كان يريد الانتقام منهم ، لما اعطىٰ أبا سفيان الامان ، وجعل بيته مأمناً لأهل مكة ، فلماذا لا يأملوا بعد ذلك ، في حين ان ابا سفيان في خارج مكة عندما التقىٰ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ان شاهد جيش المسلمين وهو واقف مع العباس عمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان قد سمع سعد بن عباد رئيس قبيلة الخزرج ، يقول بصوت عال :

اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبىٰ الحرمة ، اليوم تذل قريش.

فخاف أبو سفيان بعد سماعة ذلك الكلام ، واخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تخف يا ابا سفيان ، سعد مخطيء ، اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ، اليوم تعزّ قريش.

ألم يكن اهل مكة محقّون في رجائهم ؟ لذلك اجابوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : نقول خيراً ونظن خيراً.

أما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعندما سمع جوابهم ذلك ، اغرورقت عيناه المباركة بالدمع ، وعندما رأىٰ ذلك أهل مكة تجلت امام اعينهم جميع اعمالهم السيئة السابقة ، فتذكروا التهم التي كالوها له ، والسباب والرمي بالحجارة والحصار في شعب ابي طالب ومهاجمة بيته ليلاً لقتله واجباره علىٰ ترك وطنه الىٰ يثرب ، ومئات الاعمال الاخرىٰ التي جعلتهم يقفون ذلك الموقف النادم اليوم ، وشاهدوا ايضاً ذلك الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي قاسىٰ ماقاساه منهم ، لكنه يقف اليوم ويعاملهم بلطف ورأفة وهو المنتصر والفاتح الذي يستطيع الانتقام.

فالخجل الذي اعتراهم من مواقفهم تلك من جهة ، والرأفة والحب الذي شاهدوه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اخرىٰ ، اهاجتهم وجعلت اصواتهم ترتفع

٩٧

بالبكاء ، لقد كان الجميع يذرفون الدموع ، النادمون من سوء اعمالهم ، والمنتصرون الذين عادوا الىٰ وطنهم وحرروا قبلتهم ، حتىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يذرف الدمع ، وبعد لحظات من تلك الحالة ، قال لهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : سأقول لكم ما قاله أخي يوسفعليه‌السلام لأخوته الذين غدروا به :

( قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (1) .

صحيح انكم لم تنظروا فيّ انكم قومي وعشيرتي ، فأستبحتم ايذائي والوقوف بوجهي ، ولكن لا تخافوا « اذهبوا فأنتم الطلقاء » ، ولا يحق لاحد ان يتعرض لكم ولأموالكم.

وبهذه الكلمات المتقطبة ، خطّ علىٰ اعمالهم السيئة وغفر لهم اخطاء عشرين سنة بحقه.

اصدقائي الاعزاء !

أي واحدة من معجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تستطيع ان تسخر قلوب اعتىٰ الاعداء مثل هذا الحدّ الذي يفوق تصور البشر ؟ ألم يكن هؤلاء الناس ، هم انفسهم الذين شاهدوا اكبر المعجزات علىٰ مدىٰ عشرين سنة ولم يأمنوا ولم تتغير نفوسهم ، بل كلما جاءهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمعجزة وآية جديدة ، كانوا يزدادون غضباً وغيضاً وتتحد صفوفهم اكثر في عدائه ، في حين ان العفو العام الذي أعلنه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الحقيقة من معجزاته الاخلاقية التي ليس لها ________________

(1) سورة يوسف : 92.

٩٨

مثيل ، استطاع ان يحرك عواطفهم ، للحد الذي تعالىٰ فيه صوت البكاء من تلك القلوب القاسية حتىٰ ملأ ارجاء مكة.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يدعو بالسوء

وفي معركة اُحد ، بعد ان دحر جيش الاسلام قوىٰ المشركين ، وعلىٰ اثر غفلة المسلمين وعدم اطاعتهم أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، استفاد جيش المشركين من تلك الفرصة ، وهجم من جديد علىٰ المسلمين ، فكانت نتيجة حملاته المتكررة والشديدة ان فرّ المسلمون الّا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفر من المجاهدين الذين صمدوا رغم شدة البلاء ، وقد جرح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكسر سنّة وكان الخطر محيط به من كل جانب ، في تلك اللحظات ، قال له بعض اصحابه الذين صمدوا معه : ادعو يا رسول الله علىٰ اعدائك بالهلاك. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بعثت لذلك ، وانما بعثت لأكون رحمة للعالمين.

اجل هذه النماذج قليلة من معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأعدائه.

معاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لغلمانه

المعاملة التي كانت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مع غلمانه ، لا يوجد مثيل لها الّا في عترته الطاهرة ، فلم يكن يُحسن إليهم فقط ، ويعاملهم كأفراد الاسرة ، بل وصىٰ المسلمين بهم كثيراً ، فقال : اطعموهم مما تطعمون والبسوهم مما تلبسون. ولم يطلب منهم يوماً القيام بعمل يذلّهم أو يكون لهم عاراً ، ولم يكن يشكل علىٰ

٩٩

اعمالهم.

يقول أنس الذي لازم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سنوات عديدة : خدمت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة سنوات ، فلم يزجرني بكلمة ابداً خلال تلك الفترة ، ولم يشكل علىٰ ايّ عمل قمت به لرأفته ، ولم يؤاخذني علىٰ شيء لم افعله أو عمل قصرّت فيه.

ورأفته كانت بحيث يقول أنس : طلب مني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً ان انجز له عمل ، لكني شغلت في الطريق بمشاهدة لعب الاطفال ، فمضىٰ علىٰ ذلك وقت كثير ، وانا لازلت انظر الاطفال في لعبهم ، وفجأة رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يمسك بقميصي من الخلف ، ويقول لي وهو يبتسم : اذهب الىٰ ما أرسلتك اليه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256