مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)23%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72598 / تحميل: 9008
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومَن لم يشهد أن لا إله إلاَّ أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمّداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغّر عظمتي، وكفر بآياتي، وكتبي، ورسلي. إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيّبته، وذلك جزاؤه منّي وما أنا بظلاَّم للعبيد).

فقام جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله، ومَن الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟

قال: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ - وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرئه منّي السّلام - ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم عليّ بن محمّد، ثمّ الزّكيّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحق، مهدي أُمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

هؤلاء - يا جابر - خلفائي، وأوصيائي، وأولادي، وعترتي. مَن أطاعهم فقد أطاعني، ومَن عصاهم فقد عصاني، ومَن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني. بهم يمسك الله (عزّ وجلّ) السماء أن تقع على الأرض إلاَّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها) (١) .

وروى هذا الحديث الشيخ أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة) بسند صحيح عن الإمام الهمام حضرة الإمام جعفر (عليه السلام)، وعدّه من جملة نصوص الله على الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام).

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٨ و٢٥٩ / الباب ٢٤ / ح٣.

٦١

فائدة جليلة:

ويستفاد من آخر هذا الحديث أنَّ السماء قائمة في هذا الزمان ببركة وجود فائض الجود، حضرة صاحب الزمان (عليه السلام). وأنَّ الأرض ثابتة وقائمة ولم تمد ببركته (عليه السلام).

وإذا أراد أحد النواصب لأهل الحقّ أن يناقش في هذا المعنى، ويكابر في نقاشه الطائفة الناجية، فماذا سوف يعمل مع جملة الأحاديث التي ثبتت في كتب أهل الخلاف المعتبرة، ورويت من طرقهم، والتي تدل بمجموعها: أنَّ بقاء هذا العالم متعلِّق ببقاء حضرة صاحب الزمان (عليه صلوات الله الملك المنَّان)؟! وسوف تذكر بعضها بعد ذلك في أواخر هذه الأربعين إن شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٦٢

الحديث الرابع:

اللوح الذي أهداه الله (عزَّ وجلَّ) إلى رسوله (صلَّى الله عليه وآله)

قال الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا صفوان بن يحيى (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا أبو أيّوب إبراهيم بن أبي زياد الخزاز، قال: حدثّنا أبو حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على مولاي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، فرأيت في يده صحيفة كان ينظر إليها ويبكي بكاءاً شديداً. فقلت: فداك أبي وأمي يا ابن رسول الله! ما هذه الصحيفة؟ قال (عليه السلام):

(هذه نسخة اللوح الذي أهداء الله تعالى إلى رسوله (صلّى الله عليه وآله)، الذي كان فيه اسم الله تعالى، ورسوله، وأمير المؤمنين، وعمّي الحسن بن عليّ، وأبي (عليهم السلام)، واسمي، واسم ابني محمّد الباقر، وابنه جعفر الصادق، وابنه موسى الكاظم، وابنه عليّ الرضا، وابنه محمّد التقي، وابنه عليّ النقي، وابنه الحسن الزكي، وابنه حجة الله القائم بأمر الله المنتقم من أعداء الله، الذي يغيب غيبة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

ولهذا الحديث مؤيّدات كثيرة، ولكنَّنا نقتصر على هذا الخبر المختصر طلباً للإيجاز في هذه الرسالة.

قال حضرة سيد المجتهدين الأمير محمد باقر الداماد في كتابه (شرعة التسمية)، في باب هذا الحديث الموسوم بـ (حديث اللوح): هو ممَّا على

٦٣

روايته تواطؤ الخاصة والعامة، من طرق متلوِّنة مختلفة، وأسانيد متشعِّبة متكثِّرة(١).

وكان تأليف هذا الكتاب في زمن تلمُّذ وتعلُّم هذا الضعيف عند النحريرين، عديمي النظير، أعني: الشيخ بهاء الملة والدين محمّد العاملي، والآية محمّد الداماد (عليهما الرحمة)، فجرت بينهما مناظرة وبحث حول جواز التسمية وحرمتها في زمن الغيبة، وطالت مدة المباحثة بينهما، ولهذا ألَّف السيد المشار إليه الكتاب المذكور، فرحمة الله عليهما.

والسلام على مَّن التعب الهدى.

* * *

____________________

(١) شرعة التسمية / السيد الداماد: ٧٤.

٦٤

الحديث الخامس:

الأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) هم أولوا الأمر

قال الصدوق (رضوان الله عليه) في كتاب (كمال الدين): حدّثنا غير واحد من أصحابنا، قالوا: حدّثنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث، قال: حدّثني المفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: لمَّا أنزل الله (عزّ وجلّ) على نبيّه محمّد: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت: يا رسول الله، عرَّفنا الله ورسوله، فمَن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله):

(هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر - وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام - ثم ّ الصادق جعفر بن محمّد، ثم ّ موسى بن جعفر، ثم ّ علي بن موسى، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ عليّ بن محمّد، ثم ّ سمييّ وكنييّ حجة الله في أرضه وبقيته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

____________________

(١) النساء: ٥٩.

٦٥

ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاَّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان) .

قال جابر: فقلت له: يا رسول الله [فهل] تنتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله):

(أي والذي بعثني بالنبوة، إنَّهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلَّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلاَّ عن أهله) إلى آخر الحديث (١) .

وليعلم أنّ لهذا الحديث تتمة إنَّما ترك هذا الترابي ذكره روماً للاختصار.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٣ / باب ٢٣ / ح٣.

٦٦

الحديث السادس:

رؤية إبراهيم الخليل (عليه السلام) أنوار الأئمّة (عليهم السلام) إلى جنب العرش

قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

(لمَّا خلق الله تعالى إبراهيم الخليل (عليه السلام)، كشف عن بصره فرأى نوراً إلى جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟ قال: يا إبراهيم، هذا نور محمّد، صفوتي من خلقي.

ورأى نوراً إلى جنبه، فقال: إلهي ما هذا النور؟ قال: هذا نور عليّ ناصر ديني.

ورأى في جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي ما هذه الأنوار؟ فقال: نور فاطمة بنت محمّد، والحسن، والحسين ابنيها وابني عليّ.

قال: إلهي إنِّي أرى تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة؟ قال: هذه أنوار عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجة بن الحسن الذي يظهر بعد غيبته عن شيعته وأوليائه.

فقال إبراهيم: إلهي إنِّي أرى أنواراً قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلاَّ أنت؟

٦٧

قال: يا إبراهيم، هذه أنوار شيعتهم، شيعة عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين.

فقال إبراهيم: فبما تُعرف شيعته؟

قال: بصلاة إحدى وخمسين، والجهر ببسم الله الر حمان الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وتعفير الجبين، والتختُّم باليمين.

فقال إبراهيم: اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

قال تبارك وتعالى: يا إبراهيم، قد جعلتك منهم.

فلهذا أنزل الله فيه في كتابه الكريم: ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (١) .

قال المفضل بن عمر: قد روينا أنّ إبراهيم (عليه السلام) لمّا أحسّ بالموت، روى هذا الخبر لأصحابه وسجد، فقبض في سجدته (صلوات الله وسلامه عليه).

الحمد لله الذي شرّف شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الفضلية.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(١) الصافات: ٨٣.

* * *

٦٨

الحديث السابع:

لا يقبل عمل أحد إلاَّ بولايتهم (عليهم السلام)

قال الشيخ الفقيه أبو الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمي (رحمه الله) في المائة التي جمعها من العامة:

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبيد الله الحافظ، قال: حدّثنا عليّ بن سنان الموصلي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن صالح، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا ريان بن مسلم، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدّثنا سلامة عن أبي سليمان، راعي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، [قال]:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لمّا أسرى بي إلى السماء، قال لي الجليل (جلَّ جلاله): ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) (١) ، قلت: والمؤمنون، قال: صدقت يا محمّد؛ من خلّفت في أُمتك؟

قلت: خيرها.

قال: عليّ بن أبي طالب؟

قلت: نعم يا ربي.

قال: يا محمّد، إنّي ا طلعت على الأرض [ ا طلاعة] فاخترتك منها، فشققت لك اسماً من أسمائي. فلا أذكر في موضع إلاَّ ذُكرت معي. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثم ّ اطلعت ثانية فاخترت منها علياً، وشققت [له] اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ. يا محمّد، إنِّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان من الكافرين.

____________________

(١) البقرة: ٢٨٥.

٦٩

يا محمّد، لو أنَّ عبداً من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً بولايتكم ما غفرت له حتى يقر ّ بولايتكم.

يا محمّد تحب أن تراهم؟

قلت: نعم يا ربي.

فقال لي: التفت عن يمين العرش؛ فالتفتّ فإذا بعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى الرضا، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والمهدي، في ضحضاح من نور قيامٌ يصلّون، وفي وسطهم يضيء المهدي كأنَّه كوكبٌ دُرِّي.

فقال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك. وعزَّتي وجلالي إنَّه الحجة الواجبة لأوليائي، والمنتقم من أعدائي) .

وهذا الشيخ الجليل من كبار علماء الطائفة الناجية أيضاً، وروى بالسند المزبور من طرق العامة، عن أبي سليمان راعي سيد العالمين (١) .

ونقل ابن بابويه (رحمة الله عليه) هذا الحديث بسند آخر عن أبي سليمان الراعي في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) مع اختلافٍ بالعبارات، وكان في آخره:

(فيخرج اللاّت والعزى طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذٍ بهما أشد من فتنة العجل والسامري) (٢) .

والمقصود من اللاّت والعزى الواقعين في هذا الحديث هما أبو بكر وعمر عليهما ما عليهما.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) مائة منقبة / ابن شاذان: ٣٧ - ٤٠ / المنقبة ١٧.

(٢) كمال الدين / الصدوق: ٢٥٣ / باب ٢٣ / ح٢.

٧٠

الحديث الثامن:

رؤية النبي (صلّى الله عليه وآله) أنوارهم (عليهم السلام) عند سدرة المنتهى في معراجه

قال الشيخ الصدوق الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل (قدس سرّه): حدّثنا عبد الرحمان بن أبي نجران، قال: حدّثنا عاصم بن حميد، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي:

وقال (رحمه الله): حدّثنا الحسن بن محبوب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

  (لمَّا عُرج بي إلى السماء، بلغت سدرة المنتهى، ناداني ربي (جلَّ جلاله) فقال: يا محمّد، فقلت: لبيك لبيك يا ربي! قال: ما أرسلت رسولاً فانقضت أيامه إلاَّ أقام بالأمر بعده وصيه، فأنا جعلت عليّ بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمتك، ثم ّ الحسن والحسين، ثم ّ عليّ بن الحسين، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ جعفر بن محمّد، ثم ّ موسى بن جعفر، ثم ّ عليّ بن موسى الرضا، ثم ّ محمّد بن عليّ، ثم ّ عليّ بن محمّد، ثم ّ الحسن بن عليّ، ثم ّ الحجة بن الحسن.

يا محمد، ارفع رأسك. فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ، والحسن، والحسين، وتسعة من أولاد الحسين، والحجة في وسطهم يتلألأ كأنَّه كوكب درّيّ، فقال الله تعالى: يا محمّد، هؤلاء خلفائي، وحججي في الأرض، وأوصياءك من بعدك، فطوبى لمَن أحبَّهم، والويل لمَن أبغضهم).

وقد أشار الله رب العالمين في غير هذين الحديثين المتقدمين؛ في عدّة أحاديث من الأحاديث المعراجية إلى سيد الإنس والجن، بخلافة العترة الطاهرة.

٧١

فإذا قال قائل: لماذا كان كل هذه الأنواع من التنبُّوء والأخبار في ليلة واحدة؟ فجوابه: لعل كل ذلك لم يقع في ليلة واحدة؟ فهناك حديث ينص على أنَّ قضية المعراج قد وقعت مرتين، وهذا الحديث ذكره إبراهيم بن هاشم في تفسيره. وقد توقَّفنا عن ذكره؛ لأنَّه لم يخل عن التطويل، فمَن يريد الإطلاع فعليه الرجوع إلى ذلك الكتاب (١) .

وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) في كتاب (الخصال) حديثاً جاء فيه: أنَّه وقع العروج برسول الله إلى السماء والارتقاء إلى عرش الحق تعالى مائة وعشرين مرة، وهذا الحديث هو:

عرج بالنبي (صلّى الله عليه وآله) مئة وعشرين مرة، ما من مرّة إلاَّ وقد أوصى الله تعالى فيها النبي (صلّى الله عليه وآله) بالولاية لعليّ بن أبي طالب والأئمّة (عليهم السلام) أكثر ممَّا أوصاه بالفرائض (٢) .

ويمكن أن يكون المقصود من الولاية في هذا الحديث هو تولية حضرت سلطان الولاية على الأمّة، وكان التكرار بالتوصية للتأكيد عليها، كما أنَّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد بين كراراً في باب إمامته وخلافته بالنصوص الجلية والخفية.

سبحان الله! مع كل هذه التوصيات من الحق تعالى والمصطفى في حق عليّ المرتضى (صلوات الله عليهما وآلهما)، فلم يتأثر المنافقون، أولاد الحرام، بها أبداً!!

____________________

(١) تفسير القمي / علي بن إبراهيم ٢: ٣ - ١٦ / ط ١/ النجف الأشرف.

(٢) الخصال / الصدوق: ٦٠٠ / أبواب ا لمئة فما فوق / ح٣.

٧٢

وأبدلوا المحبة بالعداوة، وامتنعوا قبول خلافته وولايته (عليه السلام). ولم يكتفوا بذلك، بل استعلوا واستولوا على رئيس الدين ومعلّمه، ولم يقتنعوا بذلك حتى أباحوا ظلمه (عليه السلام) وظلم أولاده (عليه السلام)، ولم يعلموا أنَّ صاحب الزمان (عليه السلام) سوف ينتقم منهم في هذه الدنيا، وأنَّهم سوف يحل عليهم العذاب المخلَّد في العالم الآخر.

* * *

٧٣

الحديث التاسع:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يخبر نعثل اليهودي بأوصيائه (عليهم السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (جعل الله الفردوس مثواه وحشره مع مَن تولاَّه): حدّثنا محمّد بن أبي عمير وأحمد بن محمّد بن أبي نصر (رضي الله عنهما)، جميعاً عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:

قدم يهودي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقال له نعثل، فقال: يا محمّد، إنِّي أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، فإنْ أجبتني عنها أسلمت على يديك.

قال (صلّى الله عليه وآله): (سل يا أبا عمارة) .

قال: يا محمّد، صف لي ربك.

فقال (صلّى الله عليه وآله): (إنَّ الخالق لا يوصف إلاَّ بما وصف به نفسه، كيف يوصف الخالق الواحد الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والبصائر أن تحيط قدرته؟! أجلّ عمّا يصفه الواصفون؛ نأى في قربه، وقرب في نأيه. كيّف الكيف فلا يقال: كيف. أيّن الأين فلا يقال: أين. تنقطع الأفكار عن معرفته. وليعلم أنَّ الكيفية منه والأينونية، وهو الأحد الصمد كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) .

٧٤

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك: (إنَّه واحد لا شبه له) أليس الله واحداً والإنسان واحد؟ ووحدانيته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟

فقال (صلّى الله عليه وآله): (الله واحدي وأحديّ المعنى، والإنسان واحد ثنوي؛ جسم عرض [وبدن] (١) وروح. وإنَّما التشبيه في المعاني لا غير) .

قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيك، من هو؟ فما من نبي إلاَّ وله وصي. إنَّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوضع بن نون.

فقال: (نعم، إنَّ وصييّ والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، يتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمّة أبرار) .

قال: فسمهم لي يا محمّد!

قال: (نعم، إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، وبعد الحسن الحجة بن الحسن عليّ، فهذه اثنا عشر إماماً على عدد نقباء بني إسرائيل) .

قال: فأين مكانهم في الجنّة؟

قال: (معي وفي درجتي) .

قال: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّك رسول الله، وأنَّهم الأوصياء بعدك. ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدِّمة، فأخبرني - يا رسول الله - عن الثاني عشر من أوصيائك.

قال (صلّى الله عليه وآله): (يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أُمتي زمان لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه، ومن القرآن إلاَّ رسمه، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج).

____________________

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من: كفاية الأثر: ١٣؛ عنه البحار ٣٦: ٢٨٣. (المركز).

٧٥

فانتفض نعثل، وقام من بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول: صلوات الله عليك يا سيد المرسلين وعلى أوصيائك الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.

وفي بعض الروايات زيادة في أواخر هذا الحديث مع شعر أنشده نعثل في مدح خير البشر وأئمّة الاثنى عشر (عليهم صلوات الله الملك الأكبر). وإذا كان في الأجل تأخير، فسوف اكتب في شرح هذا الحديث كتابا مستقلاً إن شاء الله تعالى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٧٦

الحديث العاشر:

الأئمّة (عليهم السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه رحمة الله الملك المنان): حدّثنا فضالة بن أيوب (رضي الله عنه) قال: حدّثنا أبان بن عثمان، قال حدّثنا محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أنت - يا عليّ - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم جعفر بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم موسى بن جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحجّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، ويغيب مدة طويلة، ثم يظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً) .

الحمد لله الذي جعل أصفياءه موالينا.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

٧٧

الحديث الحادي عشر:

النبي (صلّى الله عليه وآله) يخبر جندل اليهودي عن أوصيائه (عليهم السلام)

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا محمّد بن الحسن الواسطي (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا زفر بن الهذيل، قال: حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش، قال: حدّثنا مورّق، قال: حدّثنا جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:

دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا محمّد، أخبرني عمّا ليس لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله؟

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (أمَّا ما ليس لله، فليس لله شريك. وأمَّا ما ليس عند الله، فليس عند الله ظلم. وأمَّا ما لا يعلمه الله، فذلكم قولكم معاشر اليهود إنَّ عُزيراً ابن الله، والله لا يعلم له ولداً) .

فقال جندل: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأنّك رسول الله حقاً.

ثمّ قال: يا رسول الله، إنِّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام)، فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمّد، واستمسك بالأوصياء من بعده. فقد أسلمت ورزقني الله ذلك، فأخبرني بالأوصياء [من] بعدك لأستمسك بهم.

فقال: (يا جندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل) .

فقال: يا رسول الله! إنَّهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة.

قال: (نعم، الذين هم أوصيائي من بعدي اثنى عشر) .

فقال: يا رسول الله، كلهم في زمن واحد؟

قال: (لا، خلف بعد خلف، فإنَّك لن تدرك إلاَّ ثلاثة) .

٧٨

قال: سمّهم لي يا رسول الله!

قال: (نعم، إنّك تدرك سيد الأوصياء ووارث علم الأنبياء، وأبا الأئمة الأتقياء عليّ بن أبي طالب بعدي، ثمّ ابنيه الحسن والحسين. فاستمسك بهم بعدي، فلا يغرّنك جهل الجاهلين. فإذا كان وقت ولادة ابني عليّ بن الحسين زين العابدين، يقضي الله عليك، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه) .

فقال: يا رسول الله، أسامي الأوصياء الذين يكونون أئمّة المسلمين بعد عليّ بن الحسين؟

قال (صلّى الله عليه وآله):

(فإذا انقضت مدة عليّ، قام بالأمر محمّد ابنه، يدعى بالباقر. فإذا انقضت مدّةُ محمّد، قام بالأمر بعده جعفر ابنه، يدعى بالصادق. فإذا انقضت مدّة جعفر، قام بالأمر بعده موسى ابنه، يدعى بالكاظم. فإذا انقضت مدّة موسى، قام بالأمر بعده عليّ ابنه يدعى بالرضا. فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالأمر بعده محمّد ابنه، يدعى بالتقي. فإذا انقضت مدّة محمّد، قام بالأمر بعده عليّ ابنه، يدعى بالنقي. فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالأمر بعده الحسن ابنه، يدعى بالزكي. ثم يغيب عن الناس إمامهم) .

قال: يا رسول يغيب الحسن منهم؟

قال: (لا، ولكن ابنه الحجة يغيب عنهم غيبة طويلة) .

قال: يا رسول الله فما اسمه؟

قال: (لا يسمّى حتى يظهره الله) .

فقال جندل: قد بشّرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء من ذريتك.

ثم تلا رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاً ) (١) .

____________________

(١) النور: ٥٥.

٧٩

قال جندل: فممن خوفهم؟

قال: (يا جندل، في زمن كل واحد منهم شيطان يعتريه ويؤذيه، فإذا أذن الله للحجّة خرج، وطهّر الأرض من الظالمين، فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للسالكين في محجته، والثابتين في موالاته ومحبته. أولئك ممّن وصفهم الله في كتابه، فقال: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) (١) ، وقال: ( أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .

ثم قال جابر: عاش جندل بن جنادة إلى أيام الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، ثمّ خرج إلى الطائف، فمرّ فدعا بشربة من لبن فشربه، وقال: كذا عهد إليّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم مات، ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوداء (رحمه الله تعالى).

يقول المؤلف:

إنَّ حكاية جندل وسبب مجيئه من خيبر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضوره معه (عليه السلام) في حروبه في صِفِّين وغيرها مع مخالفيه، طويلة. فمَن أراد الإطلاع عليها، فليرجع إلى (التاريخ الكبير للثقفي) (عليه الرحمة). وإذا لم يحصل عليه، فليطالعها في كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتقين) من مؤلَّفات هذا الحقير.

اللَّهُم ارزقنا جرعة من الكوثر من كفّ وليّك المرتضى.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

* * *

____________________

(١) البقرة: ٣.

(٢) المجادلة: ٢٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256