مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)30%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72571 / تحميل: 9002
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مختصر كفاية المهتدي

لمعرفة المهدي ( عجّل الله فرجه )

تأليف: السيّد محمّد ميرلوحي الأصفهاني

ترجمة وتحقيق: السيّد ياسين الموسوي

تقديم: مركز الدراسات التّخصّصيّة في الإمام المهديّ (عليه السلام)

رقم الإصدار: ٣٩

١

٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللّهمّ أرني الطلعة الرّشيدة، والغرّة الحميدة

واكحل ناظري بنظرة منّي إليه، وعجّل فرجه،

وسهّل مخرجه، وأوسع منهجه، واسلك بي محجّته،

وأنفذ أمره، واشدد أزره، واعمر به بلادك،

وأحيي به عبادك،

برحمتك يا أرحم الراحمين

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عليه السلام) من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك (١) .

وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، أنّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام)، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وجاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّى لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله (عزّ وجل) ذلك اليوم حتّى يظهر.

وكيف وأنّى يتخلّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟! وكيف لا يحقّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يشركون به شيئاً.

وقد أجمع المسلمون على أنّ المهديّ المنتظر (عليه السلام) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّه من ولد فاطمة (عليها السلام). وأجمع الإماميّة - ومعهم عدد من علماء السنة - أنّه (عليه السلام) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويّته الكاملة.

هكذا فقد اعتقد الإمامية - ومعهم بعض علماء السنّة - أنّ المهدي

____________________

(١) روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (مَن أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمد) . انظر: عقد الدرر: ٢٣٠؛ عرف المهدي ٢: ٨٣؛ الفتاوى الحديثيّة: ٢٧؛ البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: ١٧٥، ف ١٢.

٥

المنتظر قد وُلد فعلاً، وأنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور. وماذا تنكر هذه الأُمّة أن يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجّته في وقت من الأوقات؟! وماذا تنكر أن يفعل الله تعالى بحجّته كما فعل بيوسف (عليه السلام): أن يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف ( قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ) (١) .

أو لم يخلّف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أمّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر (صلّى الله عليه وآله) أن سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، وأنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟ وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتّى أقام لها القلب إماماً لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين ويبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم؟ (٢) وحقّاً ( لاَ تَعْمَى‏ الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُور ) ( ٣) .

ولا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) - وهي عقيدة قائمة على الأدلّة العقليّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة مَن يرى أنّ المهدي المنتظر لم يُولد بعد، يقرّ بذلك كلّ مَن ألقى السمع وهو شهيد إلى قول الصادق المصدّق (عليه السلام): ( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتّةً جاهليّة) (٤) .

____________________

(١) يوسف: ٩٠، والاستدلال منتزع من الكافي ١: ٣٣٧.

(٢) انظر محاججة مؤمن الطاق مع عمرو بن عبيد: كمال الدين ١: ٢٠٧ - ٢٠٩ / ح ٢٣.

(٣) الحجّ: ٤٦.

(٤) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثية بتعابير تتّفق في مضمونها. انظر على سبيل المثال: مسند أحمد ٣: ٤٤٦، و ٤: ٩٦؛ المعجم الكبير للطبراني ١٢: ٣٣٧، و١٩: ٣٣٥ و ٣٣٨، و ٢٠: ٨٦؛ طبقات ابن سعد ٥: ١٤٤؛ مصنّف ابن أبي شيبة ٨: ٥٩٨ / ح ٤٢، الفردوس للديلمي ٥: ٥٢٨ / ح ٨٩٨٢.

٦

ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناءً وحيويّة لا تخفى على مَن له تأمّل وبصيرة (١) .

ولا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابة مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة؛ لتكون في عداد المنتظرين الحقيقيين لظهور مهدي آل محمد (عليه وعليهم السلام). خاصّة وأنّه يعلم أنّ اليُمن بلقاء الإمام لن يتأخّر عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه ولا يُؤثره منهم (٢) .

ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنوَن - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبية المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإن سترها السحاب. كيف! ولو لا مراعاته ودعائه (عليه السلام) لاصطلمها الأعداء ونزل بها الأواء، ولا يشكّ أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (٣) .

وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وجاء في بعضها أنّه (عليه السلام) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه (٤) ، وأنّه (عليه السلام) يدخل عليهم

____________________

(١) انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلاّمة الطباطبائي في كتاب الشمس الساطعة.

(٢) انظر: الاحتجاج للطبرسي ٢: ٣٢٥؛ بحار الأنوار ٥٣: ١٧٧.

(٣) قال (صلّى الله عليه وآله): (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض) . انظر علل الشرائع ١: ١٢٣؛ كمال الدين ١: ٢٠٥ / ح ١٧ - ١٩.

(٤) وسائل الشيعة ١١: ١٣٥؛ بحار الأنوار ٥٢: ١٥٢.

٧

ويطأ بسطهم (١) . كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.

وقد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، سواءً بطباعة ونشر الكتب المختصّة به (عليه السلام)، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام (عليه السلام) ونشرها في كتيِّبات أو من خلال شبكة الإنترنيت. ومن جملة نشاطات هذا المركز سلسلة التراث المهدويّ، ويتضمّن تحقيق ونشر الكتب المؤلّفة في الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، من أجل إغناء الثقافة المهدوّية، ورفداً للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة، نسأله - عزّ من مسؤول - أن يأخذ بأيدينا، وأن يبارك في جهودنا ومساعينا، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.

والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ هو مجموعة نادرة وقيّمة من الأحاديث الخاصة حول الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) برواية الفضل بن شاذان المعاصر للإمام العسكري (عليه السلام)، والتي يمكن اعتبارها مصدراً مهمَّاً من المصادر التي اعتمد عليها الأوائل في إثبات الكثير من الخصوصية حول الحجة بن الحسن (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).

شكر وتقدير:

والمركز إذ يقدَّم للمكتبة الإسلامية وللإخوة القرّآء هذا السفر القيِّم، يتقدَّم بالشكر الجزيل لسماحة السيد ياسين الموسوي (دام ظله) لجهده في ترجمة وتحقيق هذا الكتاب القيِّم، كما يتقدَّم بالشكر إلى قسم الكمبيوتر، ونخص بالذكر الأخ الفاضل مسؤول قسم الكمبيوتر والتنضيد "ياسر الصالحي".

السيد محمّد القبانچي               

مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)

النجف الأشرف                    

____________________

(١) الكافي للكليني ١: ٣٣٧ / ح٤.

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المحقِّق:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

لماذا كتاب " كفاية المهتدي "؟

بغض النظر عن الدواعي التي دفعت المؤلِّف (رحمه الله) لكتابته هذا الكتاب، والتي أشار إليها في المقدمّة، وإن كان قد ركزّ هو على فكرة جمع أربعين حديثاً، واستشهد له بالروايات والأقوال؛ ولم يفصّل القول في الموضوع العقائدي الذي ابتنت عليه أصول وقواعد جمعه لأحاديث كتابه؛ ولعل السبب يعود: إلى أنّه أوكَلَ ذلك إلى نفس القارئ عندما يطلّع على دُرَر المعاني والأفكار بما يقرأه من روايات وأحاديث الكتاب.

وفي الواقع أنّ الكتاب لم يأتِ بشيء جديد يستحق كلّ هذا الاهتمام: من ترجمةٍ، وتحقيقٍ، ومتابعةٍ، بل كاد أن يكون تكراراً لكتبٍ كثيرة جمعت الروايات، والأخبار التي اختصّت موضوعها بالمهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، أو اشتملت عليه، مثل: كمال الدين، وغيبة الطوسي، وغيبة النعماني، وعشراتٍ غيرها؛ إلاَّ إنّه تميّز عنها بشيء جديد استحقّ كلّ هذا الاهتمام والرعاية، وهو: أنّه جمع في كتابه هذا عشرات الأحاديث التي رواها الشيخ الفضل بن شاذان (المتوفَّى سنة ٢٥٧ للهجرة، أي بعد ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) بسنتين فقط) في كتابه الغيبة، وإثبات الرجعة؛ والتي طالما نقل عنهما الشيوخ الأوائل

٩

الأقدمون، مثل: الكليني والصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم، وامتلأت كتبهم بتلك الروايات الصحيحة.

ولكنّهم - ولأسباب موضوعيّة - اختصروا تلك الكتب، فلم ينقلوا جميع ما فيها، واكتفوا بنقل بعضها، وربَّما يكون السبب الكبير لسلوكهم هذا المنهج في الجمع والتبويب: أنَّ تلك الكتب كانت متوفِّرةً من حيث الكمّ، ومتواترةً أو مشهورةً بما يقارب التواتر من حيث الإسناد.

ومهما تكن الأسباب والدواعي التي اقتضت هذا الاختصار، ومع أنَّنا نعذرهم بذلك، ولكن ما مرّت به الطائفة المحقَّة من غارات واعتداءات وحروب عنصرية؛ أدّت إلى ضياع كثير من تراثنا، أو ما زال يعيش في خفايا ومجاهيل المكتبات وغيرها، ومن جملة ذلك التراث المقدّس، كتب الشيخ ابن شاذان (قدس سرّه)، فضاعت كثير من تلك النفائس ولم يبق منها إلاّ قليل.

فلو كان المتقدِّمون قد نقلوا ما في تلك الكتب، فلربّما كانت قد وصلت إلينا كما وصلت باقي الأخبار التي نقلوها في مختلف الأبواب والمواضيع.

ويبقى استغرابٌ ماثلٌ أمامنا وهو: أنَّنا نجد كثيراً من الأصحاب قد أكثروا من النقل عن كتابي الشيخ ابن شاذان: (إثبات الرجعة، والغيبة)، ومنهم من المتأخرين، بل قد يظهر من آراء بعض المحققين أنّ الشيخ الحرّ العاملي المتوفّى سنة ١١٠٤ هـ قد اختصر كتابه " إثبات الرجعة "، وما زالت النسخة المخطوطة بخط يده موجودة ومحفوظة. ولكنّه يصرِّح فيها أنَّ الاختصار كان لغيره، وقام هو (قدس سرّه) بمقابلة نسخ ذلك الاختصار، حيث قال في خاتمة النسخة: (هذا ما وجدناه منقولاً عن رسالة " إثبات الرجعة " للفضل بن شاذان بخط بعض فضلاء المحدّثين، وقد قوبل بأصله.. حرَّره محمّد الحر). وقد ختمه بختمه الشريف وكتب فوقه: مالكه؛ والنسخة موجودة في مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف.

١٠

ومن جملة أولئك العلماء الذين نقلوا مباشرةً عنهما، مؤلِّف هذا الكتاب، والعالم الجليل آقا مير محمّد صادق الخاتون آبادي: (المتولد سنة ١٢٠٧، والمتوفّى ليلة ١٤ من شهر رجب - سنة ١٢٧٢ هـ ق) في كتابه الأربعون (كشف الحق) (١) .

ولذلك تعيّن على مَن يريد الحصول على الأثر المتبقَّي من هذا التراث أن يراجع هذه الكتب التي نقلت عنه مباشرةً وبدون واسطة.

ومن هذه النقطة بالذات تظهر أهميّة كتاب (كفاية المهتدي)؛ حيث حفظ لنا كثيراً من روايات الشيخ الفضل بن شاذان.

ما هي أهميّة روايات كتابي " إثبات الرجعة "، و" الغيبة " للشيخ بن شاذان؟

وتظهر أهميّة روايات هذين الكتابين لأنّهما يتحدّثان عن تفاصيل كثيرة تتعلَّق بالإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) لم يألفها الشيعة ولا غيرهم في عصر صدورها وروايتها، ولم يتعرّفوا عليها إلاّ بعد مدّة ليست بالقصيرة. أمَّا لماذا؟ فذلك لأنّ الإمام المهدي لم يكن قد وُلد آنذاك؛ فإنّه كان قد كتب كثيراً من روايات كتابيه هذين إمَّا قبل ولادته (عليه السلام)، أو بعد ولادته وقبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام)، كروايته خبر ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، بمعنى: أنّه كان قد تحدّث عن الغيبة قبل حدوث الغيبة الصغرى؛ لأنّ وفاة الشيخ الفضل بن شاذان كانت قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) وكان (عليه السلام) قد ترحّم عليه، فهو قد توفّاه الله تعالى قبل حدوث الغيبة الصغرى.

وأمَّا كيف استطاع أن يتحدّث عن كلّ تلك الأمور قبل وقوعها؟

فإنّه في الواقع لم يخبر من عنده شيئاً، وإنما كلّ ما أخبر عنه إنّما كان

____________________

(١) إنّ هذا الإخفاء، أو الضياع، يُؤكد حقيقة مظلومية أهل البيت (عليهم السلام)، ويوضّح مدى قساوة وجلافة خصومهم.

١١

روايةً عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام)؛ ويكفي هذا دلالةً على إمامتهم (عليهم السلام)، حيث كانوا قد أخبروا عن الشيء قبل وقوعه.

ملخَّص البحث:

تكفي روايات الفضل لدحض شبهات وخزعبلات البعض الذين يقولون بأنّ عقيدة الشيعة بالإمام المهدي إنّما ظهرت متأخرة عن زمان وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) بكثير، حتى كابر فادعى أنّها ظهرت على يد متكلمي الإمامية كالشيخ المفيد، والشيخ الطوسي ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) (١) .

فهذه كتب وروايات الفضل كلّها كانت قبل وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).

عملنا في الكتاب:

١ - كان الكتاب قد كتب باللغة الفارسيّة، فقمنا بترجمته إلى اللغة العربية، وقد راعينا أقصى ما يمكن الالتزام بالنّص الفارسي، وعدم تجاوزه والخروج عنه إلاّ ببعض الكلمات القليلة جداً اقتضته فروقات أساليب الكلام العربي والفارسي.

٢ - التزمنا بنقل الروايات الشريفة إلى اللغة العربية بالنّص المروي في مصادره، ومع أنَّنا نظن أنّ ترجمة المؤلف لم تكن دقيقة في بعض الأحيان، لكننا التزمنا بنقل النّص كما هو في الترجمة، منبّهين في الهامش إلى الاختلافات الموجودة في مصادر النّص؛ وقد آلينا أن نسلك هذا الأسلوب لاحتمال أن يكون المؤلِّف قد اعتمد في الترجمة على نسخة بدل أخرى؛ رعايةً منّا للاحتياط الذي هو سبيل النّجاة.

٣ - وجدنا المؤلِّف قد ينجرّ قلمه للحديث عن بعض الأكابر كالعلامة المجلسي (قدس سرّه) بما لا يتناسب والبحث العلمي، فارتأينا حذف تلك المقاطع من الكتاب؛ ولذلك عَدَلنا من تسميّة الكتاب باسمه الأصلي إلى تسميّته بـ: "مختصر كفاية المهتدي " ؛ رعايةً لأمانة النقل.

____________________

(١) الكهف: ٥.

١٢

٤ - قمنا بتحقيق نصّ الكتاب ورواياته غير المطبوعة، والتي نقلها المؤلف (قدس سرّه) من الكتب المفقودة، على نسختين مهمتين:

أ) النسخة الأولى: المخطوطة الموجودة في كتابخانه مجلس (طهران - إيران)، تحت رقم ٨٣٣؛ وقد كتب في آخرها: (قد فرغ كتابه في يوم السبت من عشرة الثالث من شهر الحادي عشر في سنة الإحدى من عشر الثاني من مائة الثانية بعد الألف الأوّل من الهجرة النبوية المصطفوية (صلّى الله عليه وآله)...).

وكان قد كتب على الورقة الأولى منها: (كتاب أربعين أو فاضل متتبع، وأديب محدّث، مولانا محمّد لوحي حسيني موسوي سبزواري عليه الرحمة موسوم بكفاية المهتدي) وعدد صفات هذه النسخة ٢٥٢ صفحة.

وجعلنا هذه النسخة النسخة الأصل.

ب) النسخة الثانية: المطبوعة تحت عنوان: گزينش: سازمان چاپ وانتشارات گروه احياي تراث فرهنگي. الطبعة الأولى: ٧ بهمن، ١٣٧٣ هجرية شمسية.

وذكر في المقدِّمة أنَّ هذه النسخة قد صحِّحت على ثلاث نسخ، وهي:

أولها: نسخة مكتبة الوزيري تحت رقم ٥١٢، بخط إسماعيل بن شاه قلي. تاريخ النسخ في عاشر محرم الحرام سنة ١١٠٦ هجرية قمرية.

وثانيتها: نسخة مكتبة الأستاذ الفقيد المرحوم المحدّث الأرموي.

وثالثتها: نسخة المكتبة المركزية جامعة طهران، وهي من جملة الكتب المهداة من المرحوم الأستاذ السيد محمّد مشكوة. تحت رقم ٦١٩. واستظهرت المجموعة المصحِّحة أنَّ هذه النسخة هي نفس النسخة التي كان قد رآها الشيخ آقا بزرگ الطهراني (في خزانة كتب السيد آغا بن الحاج سيد أسد الله بن السيد حجة الإسلام الأصفهاني، وهو فارسي. ورأيتُ نسخة منه

١٣

بخط محمّد مؤمن بن الشيخ عبد الجواد، كتبها في عصر المصنّف، وفرغ منها في سابغ ربيع الثاني ١٠٨٥) (١) .

ثمّ قال بعد حديث طويل: (... ويظهر من أثنائه أنّه شرع فيه في ١٠٨١هـ، وفرغ منه في ١٠٨٣هـ، ويوجد بهذه الخصوصيات نسخة في موقوفة مدرسة السيد البروجردي في النجف) (٢) .

كما أنَّنا حقَّقنا بعض روايات الكتاب مع تلك الروايات الموجودة في " مختصر إثبات الرجعة " الذي أشرنا إليه، وسبق أن نبَّهنا إلى أنَّه بخط بعض فضلاء المحدّثين وعليه ختم العلامة المرحوم الحر العاملي صاحب " وسائل الشيعة "، وعندنا نسخة مصوَّرة عنه، والأصل موجود في مكتبة الإمام الحكيم (قدس سرّه) العامة.

مصادر الكتاب ومؤلِّفيها:

ونظراً إلى أنَّ الكتاب كتاب رواية، وقد أقرّ مؤلفه بهذه الحقيقة، ولذلك سمّاه بـ: "الأربعين" ، فيلزمنا أن نتعرَّف على المصادر التي اعتمدها المؤلف، وبالإضافة إلى معرفة مؤلِّفي تلك الأحوال، وأحوالهم من حيث الوثاقة والاعتبار لنطمئن على صحة تلك الأحاديث واعتبارها، وسلامتها من الطعون. ولكن بما أنّه قد نقل عن المصادر المشهورة والمعروفة عند الشيعة والسنة، مثل: " الاحتجاج " للطبرسي، و" كمال الدين " و " عيون أخبار الرضا " للصدوق، و " السنة " و" الإرشاد " للمفيد، و " الأربعين " لأبي نعيم، و"مسند أحمد بن حنبل "... وغيرها من المصادر المهمة التي لا تحتاج إلى بحث فيها ولا في مؤلفيها لشهرتها ومعروفيتها؛ فإنَّنا قد أعرضنا الحديث عنها وعن مؤلِّفيها، وقصرنا الحديث عن المصادر المفقودة لسببين:

____________________

(١) الذريعة لآقا بزرك الطهراني ١٨: ١٠١.

(٢) الذريعة ١٨: ١٠٢.

١٤

أولهما: التعريف بتلك المصادر ومؤلّشفيها؛ ليعرف القارئ أهمية مصدر الحديث الذي يقرأه، وقوّة اعتباره، وصحته، وسلامته؛ وبذلك يتضح بطلان كلام أصحاب الشبهات الباطلة والدعاوى الكاذبة.

وثانيهما: لأنَّه قد أكثر النقل عنها حتى صار الكتاب كأنّه ملخص شريف لتلك الكتب، بحيث قال المحقق العلامة آغا بزرك الطهراني: (وهذا الأربعين فارسي، وترجمة وشرح للأحاديث التي رواها الفضل بن شاذان وغيره) (١) .

ولعله كان يقصد من كلمة: (وغيره)، ما نقله عن أستاذه وشيخه النوري حيث قال في أول كتابه (جنّة المأوى): (إنّي كلّما انقل في هذا الكتاب عن غيبة الفضل بن شاذان، وعن غيبة الحسن بن حمزة المرعشي، وعن كتاب الفرج الكبير لمحمّد بن هبة الله بن جعفر الطّرابلسي، فإنّما أنقلها عن كتاب المير لوحي هذا، لأنّها كانت موجودة عنده، وينقل عنها في كتابه هذ) (٢) .

أقول: هكذا هو الموجود في عبارة الطهراني (قدس سرّه) حيث نسبت الكلام لأستاذه في بداية كتابه (جنة المأوى)، ولكنَّنا قرأنا الكتاب عدّة مرات فلم نجده فيه، وإنَّما هو موجود في كتاب النجم الثاقب لأستاذه النوري (قدس سرّه)، حيث قال الشيخ النوري الطبرسي (قدس سرّه) في مقدِّمة كتابه (النجم الثاقب) عند عدّه مصادر كتابه ما تعريبه:

(كتاب " كفاية المهتدي في أحوال المهدي (عليه السلام) " للسيد محمّد بن محمّد لوحي الحسيني الموسوي السبزواري الملقّب بالمطهَّر والمتخلص بالنقيبي، تلميذ المحقق الدّاماد، وأكثر ما في هذا الكتاب نقله من كتاب الفضل بن شاذان حيث ينقل الخبر سنداً ومتناً أوّلاً، ومن ثمّ يترجمه.

وكان عنده (غيبة) الشيخ الطّرابلسي، و(غيبة) الحسن بن حمزة المرعشي أيضاً.

____________________

(١) الذريعة ١٨: ١٠٢ / تحت رقم ٨٦٧.

(٢) المصدر نفسه.

١٥

وما ننقله عن هذه الكتب الثلاثة فإنّما ننقله بالواسطة عن هذا الكتاب) (١) .

ولذلك نرى من المهمّ أن نُخصِّص مقاماً من الحديث عن هذه الكتب الثلاثة ومؤلِّفيها - خصوصاً الأوّل منها، أعني ما سُمّي بـ: غيبة الفضل بن شاذان - ثمّ إلحاق الحديث عن أحوال الكتب الأخرى غير الموجودة حالياً، مثل: " كتاب الأنوار " لأبي عليّ محمّد بن همام، و" كتاب التاريخ الكبير " للثقفي، في هوامش الكتاب القادمة إن شاء الله تعالى، تخفيفاً لحجم المقدِّمة ولأنَّ هذين الكتابين وأمثالهما لم يكثر المؤلف (رحمه الله) النقل منهما، وإنّما ربّما نقل عن كلّ منهما مرة أو مرتين في كتابه هذا؛ ولهذا السبب ارتأينا تأجيل الكلام عنهما وعن أمثالهما إلى محلِّه الموجز دون المحلّ المفصّل.

١ - الغيبة:

للشيخ الأقدم الفضل بن شاذان النيسابوري (رضوان الله تعالى عليه).

وقد عدّ الشيخ النجاشي وغيره أنَّ له أكثر من كتاب في القضية المهدوية، منها:

١ - كتاب إثبات الرجعة.

٢ - كتاب الرجعة.

٣ - كتاب القائم (عليه السلام).

٤ - كتاب الملاحم.

٥ - كتاب حذو النعل بالنعل (٢) .

وللأسف الشديد فإنَّ جميع تلك الكتب قد عَدت عليها كوارث الزمن ولم يبق منها إلاَّ أسماؤها وبعض الروايات المتشتِّتة في بطون الكتب ممَّا نقلها

____________________

(١) النجم الثاقب / النوري ١: ١٠٢ / تعريب: السيد ياسين الموسوي.

(٢) رجال النجاشي: ٣٠٧ / تحت رقم ٨٤٠؛ معجم رجال الحديث / الخوئي: ١٤ / ٣٠٩.

١٦

الأوائل في مجاميعهم، مثل: كتب الكليني والصدوق والطوسي؛ غير أنَّه بقي من المتأخرين مَن نقل مجموعة أخرى من الروايات ممَّا لم ينقله المتقدِّمون من هذه الكتب؛ وكاد ينحصر هذا النقل الجديد بكتاب المير لوحي (كفاية المهتدي)، والتي نقل عنه الخاتون آبادي في (كشف الحق) و(مختصر إثبات الرجعة) الذي أمضاه الحر العاملي.

ولكن ظهر سؤال جديد، وهو: أنَّ هذا الموجود، هل هو من كتاب (إثبات الرجعة) أو (كتاب الرجعة)؟ وهل أنَّ كتاب إثبات الرجعة هو كتاب الغيبة، أم أنَّ كتاب الرجعة هو كتاب الغيبة؟

والشيء المتَّفق عليه هو أنَّه كان للفضل كتابان، أحدهما باسم: إثبات الرجعة. والآخر باسم: الرجعة؛ والثاني هو غير الأوّل كما نصّ عليه النجاشي وغيره.

قال شيخ الإجازة وخاتمة الرواة آقا بزرك الطهراني: (كتاب الغيبة للحجة الشيخ المتقدم أبي محمّد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري، الراوي عن الجواد (عليه السلام)، وقيل عن الرضا (عليه السلام)، والمتوفَّى ٢٦٠. وهو غير النجاشي بعد ذكره (إثبات الرجعة) بكتاب (الرجعة الحديث). فهذا مقصور على أحاديث الرجعة، وظهور الحجة، وأحواله، ولذا اشتهر بكتاب الغيبة، وكان موجوداً عند السيد محمّد بن محمّد مير لوحي الحسيني الموسوي السبزواري، المعاصر للمولى محمّد باقر المجلسي على ما يظهر من نقله عنه في كتابه الموسوم كفاية المهتدي في أحوال المهدي، وينقل شيخنا النوري في النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب، عن كتاب الغيبة هذا بتوسط المير لوحي المذكور...) (١) .

____________________

(١) الذريعة ١٦: ٧٨ / تحت رقم ٣٩٥.

١٧

من هو الفضل بن شاذان؟

قال النجاشي: (الفضل بن شاذان بن الخليل، أبو محمّد الأزدي النيشابوري (النيسابوري)، كان أبوه من أصحاب يونس. وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل عن الرضا (عليهما السلام). وكان ثقة. أحد أصحابنا الفقهاء المتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة. وهو في قدره أشهر من أن نَصِفُه. وذكر الكنجي أنه صنّف مائة وثمانين كتاباً...) (١) .

وقد روى الكشي في رجاله عن محمّد بن الحسين بن محمّد الهروي، عن حامد بن محمّد الأزدي البوشنجي، عن الملقّب بفورا [بخوراء خ. ل] من أهل البوزجان من نيسابور: أنَّ أبا محمّد الفضل بن شاذان (رحمه الله) كان وجهّه إلى العراق إلى حيث به أبو محمّد الحسن بن عليّ (صلوات الله عليهما)؛ فذكر أنّه دخل على أبي محمّد (عليه السلام). فلمّا أراد أن يخرج، سقط كتابٌ في حضنه ملفوف في رداء له؛ فتناوله أبو محمّد (عليه السلام)، ونظر فيه، وكان الكتاب من تصنيف الفضل، وترحّم عليه، وذكر أنَّه قال: (أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم) (٢) .

وروى عن سعد بن جناح الكشّي، قال: (سمعت إبراهيم الورّاق السمرقندي يقول: خرجت إلى الحج، فأردت أن أمرّ على رجل كان من أصحابنا المعروف بالصّدق، والصّلاح، والورع، والخير، يقال له: بورق البوشنجاني (قرية من قرى هرات)، وأزوره، وأحدث عهدي به.

قال: فأتيته، فجرى ذكر الفضل بن شاذان (رحمه الله).

____________________

(١) نفس المصدر.

(٢) رجال الكشي: ٥٤٢ / تحت رقم ١٠٢٧.

١٨

قال بورق: كان الفضل بن بطن، شديد العلّة، ويختلف في الليلة مائة مرّة، إلى مائة وخمسين مرّة.

فقال له بورق: خرجت حاجّاً، فأتيت محمّد بن عيسى العبيدي، ورأيته شيخاً فاضلاً، في أنفه عوجه (وهو القنا)، ومعه عدّة؛ رأيتهم مغتمّين، محزونين، فقلت لهم: ما لكم؟

قالوا: إن أبا محمّد (عليه السلام) قد حبس.

قال بورق: فحججت، ورجعت، ثمّ أتيت محمّد بن عيسى، ووجدته قد انجلى عنه ما كنت رأيت به؛ فقلت: ما الخبر؟

قال: قد خلّي عنه.

قال بورق: فخرجت إلى سرّ من رأى، ومعي كتاب يوم وليلة؛ فدخلت على أبي محمّد (عليه السلام)، وأريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك، إنْ رأيت أن تنظر فيه.

فلمَّا نظر فيه، وتصفَّحه ورقة ورقة، قال: (هذا صحيح، ينبغي أن يعمل به) .

فقلت له: الفضل بن شاذان شديد العلة، ويقولون إنّه من دعوتك بموجدتك عليه؛ لِمَا ذكروا عنه أنّه قال: إنّ وصيّ إبراهيم خير من وصيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)؛ ولم يقل جعلت فداك هكذا، كذبوا عليه.

فقال: (نعم. رحم الله الفضل) .

قال بورق: فرجعت، فوجدت الفضل قد توفّي في الأيام التي قال أبو محمّد (عليه السلام): (رحم الله الفضل) ) (١) .

وعن علمه وفضله روى الكشيّ عن جعفر بن معروف قال: (حدّثني سهل بن بحر الفارسي، قال: سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به، يقول: أنا خلفٌ لمَن مضى، أدركتُ محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وغيرهما. وحملت عنهم خمسين سنة.

____________________

(١) رجال الكشي: ٥٣٧ و٥٣٨ / تحت رقم ١٠٢٣.

١٩

ومضى هشام بن الحكم (رحمه الله)، وكان يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) خلفه كان يرد على المخالفين. ثمّ مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يخلف خلفاً غير السكّاك، فردّ على المخالفين حتى مضى (رحمه الله). وأنا خلفٌ من بعدهم (رحمه الله)) (١) .

٢ - الغيبة:

لأبي محمّد الحسن بن حمزة بن عليّ بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) المتوفَّى سنة ٣٥٨هـ.

قال النجاشي: (أبو محمّد الطبري، يُعرف بالمرعش، كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها، قَدِم بغداد، ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ومات في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة. له كتب... كتاب في الغيبة) (٢) .

وقال الشيخ الطهراني: (وكان عند المير لوحي المعاصر للمولى محمّد باقر المجلسي، كما يظهر من نقله عنه...) (٣) .

وقال الشيخ النوري الطبرسي (رحمه الله) في خاتمة المستدرك: (... كان عند مير لوحي المعاصر للمجلسي، الساكن معه في أصبهان كتب نفيسة جليلة كـ " كتاب الرجعة " للفضل بن شاذان، و " الفرج الكبير في الغيبة " لأبي عبدالله محمّد بن هبة الله بن جعفر الورّاق الطرابلسي، و " كتاب الغيبة " للحسن بن حمزة المرعشي، وغيرها، ولم يطلع عليها المجلسي (رحمه الله) (٤) .

____________________

(١) رجال الكشي: ٥٣٩ / تحت رقم ١٠٢٥.

(٢) الرجال / النجاشي: ٦٤ / تحت رقم ١٥٠.

(٣) الذريعة ١٦: ٧٦ / تحت رقم ٣٨٠.

(٤) خاتمة المستدرك ١: ٣٢ / الطبعة الحديثة؛ ج٣: ٢٩٥ / الطبعة الحجرية.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

عدها العالم فون إيكونومو ، وهي التي تسيطر على نشاط البدن وفعاليته جميعا وهي التي يكمن فيها النشاط الفكري ، والتخيل الذهني ، وشخصية الانسان إجمالاً ، أو كما وصف الدماغ أحدهم فقال : هذا هو عجيبة الدهر الذي في تلافيفه بنيت المختبرات واستنبطت الاختراعات ، وبين تعاريجه أسست معاهد العلم ، وعلى تحاديبه نصب ميادين الطيارات والسيارات ، وداخل تجاويفه سطعت الكهرباء ، كتلة صغيرة وسعت ما ضاق به الكون الفسيح ، هذا هو رافع الإنسان إلى أعلى الرتب وهذا هو أساس العلم والعمران(1) . أو كما أراد أن يصفه العالم الأمريكي جودسون هويك عندما ألقى محاضرة في معهد التاريخ بنيويورك ديسمبر 1957 فقال : لو جمعنا كل أجهزة العالم من الرادار والتلغراف والتلفزيون والتلفون ثم بدأنا بتصغير ما اجتمع لدينا حتى توصلنا بهذه الكومة الهائلة من الأشرطة والأجهزة المعقدة إلى حجم الدماغ فإنها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ؟! ..

الحمات الراشحة :

في الخلية يكمن سر الحياة وخاصته في النواة حيث ترقد الكروموسومات ( الصبغيات ) التي تحدد الجنس وصفات النوع إلى الأجيال القادمة ، ولقد وجد أن النقلة من عالم الجماد إلى عالم الأحياء الذي يمتاز بالتكاثر والتغذي والتنفس والحس إنما تتم عن طريق الخلية التي تظهر أوضح ما يكون في عالم الحمات الراشحة ، حيث وجد أن بعض الحمات الراشحة تأخذ طوراً صفات الجماد فيدرسها الكيمياوي على أساس أنها مادة ليست حية فهي تتبلور كما هي في صفات الجمادات وإن كانت ذرتها كبيرة ومعقدة ، وطوراً آخر يدرسها الجرائيمي على أنها حمات

__________________

(1) عن كتاب هذا الانسان للدكتور حبيب صادر بتصرف.

٤١

راشحة لأن فيها صفات الأحياء وهي التكاثر ، ولذا فإنها مخلوقات عجيبة ، والحمات لا تتطفل إلا على الأحياء ولذا فهي لا تعيش إلا داخل الخلية ولها أنواع متعددة مثل حمة الجدري وحمة شلل الأطفال وحمة النزلة الوافدة وحمة فسيفساء التبغ والعاثيات وهذه الأخيرة تسطو على الجراثيم خاصة ، ولذا فإن هذا الانتقال من طور إلى طور وبشكل يدعو للتأمل والعجب من الجماد إلى الحياة وبالعكس ، إن هذا قد يجعلنا نقول لعل سر الخليقة يكمن في هذا التحول عندما يقول الله كن فيكون؟!!

تكوين الاعضاء والاجهزة :

في جسم الانسان ألف مليون مليون خلية [ 1000,000,000,000,000 ] وهذه الخلايا تشكل مجموع الأجهزة في الانسان مثل جهاز التنفس ، وجهاز الهضم ، والجهاز البولي ، والجهاز التناسلي ، والجهاز اللنفاوي ، والجهاز الدموي ، والجهاز العضلي ، والجهاز الصقلي العظمي ، والجهاز العصبي ، والجهاز الجلدي ، والجهاز الضام ، بالاضافة إلى الحواس كالسمع والبصر والذوق والشم والإحساس عن طريق الجلد ، فمجموع هذه الأجهزة تتعاون معاً لتشكل كينونة واحدة هي الكائن الانساني ، كما أن الجهاز الواحد بالذات ينقسم إلى أعضاء مثل الجهاز الهضمي الذي ينقسم إلى الفم واللسان والحلق والبلعوم والمري والفؤاد والمعدة والبواب والاثني عشرية والأمعاء الدقيقة ثم الأمعاء الغليظة ثم السين الحرقفي ثم المستقيم ثم الشرج ، وهو كما نرى يؤلف حوالي 12 ـ 13 عضواً ، وهذه الأعضاء تتعاون تعاوناً وثيقاً فيما بينها لتؤدي دوداً بالغ الأهمية بالنسبة للكائن الإنساني وهو التغذية ، ومثل آخر على ذلك جهاز التنفس حيث يشترك الأنف أو الفم في أول مجرى التنفس وخاصة مجرى الانف ثم الحلق ثم الرغامي ثم القصبات ثم القصيبات ثم الأسناخ الرئوية التي يبلغ عددها 750 مليون سنخ رئوي وتفرش سطحاً مساحته سبعون متر مربع وكله

٤٢

للتبادل الغازي بنظام محكم بديع ، وهو كما ترى حولي 5 ـ 6 قطع أعضاء ، وهذه الاعضاء تتعاون معاً تعاوناً وثيقاً لتؤدي غرضاً بالغ الاهمية بالنسبة للكائن الانساني وهو عملية التنفس وتتلخص في نقل الأكسيجن إلى الكرية الحمراء حيث يرتبط بالهيموغلوبين الموجود في الكرية الحمراء وهذه تنقلها بدورها إلى الأنسجة العطشى حيث تقوم عمليات الأكسدة والاحتراق واستنفاذ الغذاء ونشر الطاقة والحرارة اللازمه الضرورية للانسان حتى يتابع مسيرة الحياة ، ثم نقل غاز الفحم الناتج من الاحتراق عبر الأوردة حتى يصب مجموعها العام في القلب الأيمن أي الأذينة اليمنى ثم البطين الأيمن ثم ينتقل عبر الشريان الرئوي إلى الرئتين حيث يجري طرح غاز الفحم إلى الخارج حيث ينقلب الدم الفاسد الاسود إلى دم أحمر قان يحمل الأكسجين بدلاً من غاز الفحم ثم ينتقل بدوره إلى القلب الأيسر أي الاذينة اليسرى بواسطة الاوردة الرئوية الاربعة حيث تصب في أعلى الاذينة اليسرى وبالتالي إلى البطين الايسر ثم عبر الشريان الأبهر أو ما يسمى بالوتين إلى جميع أجهزة الجسم حيث تتغذى بواسطة الاكسجين والاغذية المنقولة إليها.

الانسجة :

ذكرنا فيما مضى أن الخلايا الموجودة والتي تشكل الانسان تصل إلى حوالي الف مليون مليون خلية وهذه تتوزع إلى أجهزة متعاونة متفاهمة ، وهذه الاجهزة تنقسم إلى أعضاء متعاونة متفاهمة متناسقة يكمل بعضها عمل بعض وتتساند فيما بينها ، وكذلك فإن العضو نفسه ينقسم إلى أنسجة متعاونة متناسقة يكمل بعضها بعضاً ، ومثلاً على ذلك المعدة فهي تنقسم إلى أربع طبقات من الناحية النسيجية ، فلو تأملناها من الخارج لرأينا أنها تشبه القربة وهي مكونة من قطعة واحدة من اللحم ، ولكن لو أخذنا جدار المعدة وحاولنا أن نتبين محتوياته تحت المجهر المكبر

٤٣

لوجدنا أن هذا الجدار مكون من أربع طبقات فهو أشبه ما يكون بجدار يغلفه جدار ثان ، والجدار الثاني يغلفه جدار ثالث ثم جدار رابع ، وهذا ما يعلل لنا لماذا تستطيع المعدة أن تهضم اللحم وهي لحم ، ومع ذلك لا تنهضم مع الطعام ، فأما الجدار الداخلي الاول فنراه مكوناً من طبقة من الخلايا المخاطية التي تفرشه حيث تقوم بإفراز حمض كلور الماء بنسبة معينة هي أربعة بالالف ، ومن خلايا معينة وهي الخلايا المسماة بالخلايا الهامشية بالإضافة إلى الخمائر وإلى ما يسمى بالعامل الداخلي وهو الذي يقوم بالدور الاساسي في تكوين الفتامين ب 12 الذي يلعب دوراً هاماً وحيوياً في تكوين الكريات الحمر ووقاية الانسان من فقر الدم وتحت هذه الطبقة نجد طبقة أخرى وهي ما تعرف بالطبقة تحت المخاط ، وتحت هذا الجدار الثاني نرى جداراً ثالثاً يغلف الثاني وهذا الجدار الثالث عضلي وهو الذي يتمطط فيما إذا امتلأت المعدة كثيراً والتكوين العضلي ليس واحداً بل يترتب أيضاً على ثلاث طبقات هو الآخر ، حيث نرى أولاً طبقة عضلية ذات اتجاه منحرف ، ثم طبقة أخرى عضلية ذات اتجاه دائري يحيط بالجدار المعدي ، ثم طبقة عضلية ثالثة ذات اتجاه طولاني ، وهذا الترتيب البديع مهم للغاية حيث يسير التمطط المعدي في أي اتجاه كان ، فاذا امتلأت المعدة ولنفرض بسائل ثقيل يترسب في القاع فإن عمل العضلات الدائرية يلعب دوراً اساسياً هنا ، وإذا امتلأت بطعام يملأ الفضاء المعدي برمته فإن عمل العضلات الطولانية هو الذي يحل المشكلة هنا ، وإذا اجتمع العاملان معاً تضافرت العضلات الطولانية والدائرية معاً ، وإذا لم يكن هناك نظام معين في تمدد المعدة تضافرت العضلات بأشكالها الثلاثة معاً؟!! ثم يحيط بالجدار الثالث جدار رابع وهو ما يسمى بالطبقة المصلية وهذه الطبقة هي الدرع الذي يغلف الطبقات جميعها من جهة كما يكون صلة الوصل مع

٤٤

بقية الاجهزة داخل البطن بالإضافة إلى دخول التروية الدمويه من خلال هذه الطبقة حيث تغلف وتستر الاوعية الدموية والاعصاب ، وأما الاعصاب فهي تشكل ضفائر عصبية تسمى بضفائر مايسنر وأورباخ ، تتوضع الأولى تحت الطبقة المخاطية وتتوضع الضفيرة الثانية ما بين الطبقات العضلية ، أو باضبط ما بين الطبقة العضلية الطولانية والدائريه ، ثم لنلق نظرة أدق مما ذهبنا إليها خاصة ونحن الآن انتقلنا من المستوى الذي نرى فيه رأي العين المجردة إلى النظر عبر التكبير وهي الرؤية المجهرية حيث نصل إلى اسرار جديدة وألغاز حديثة كشف العلم الحديث عن بعض أسرارها ...

الغشاء العاقل :

نحن الآن مع النسيج حيث نرى الحجر الخلوية وهي تتراص جنباً إلى جنب وبين الحين والآخر نرى ما يشبه النهر الصغير وهو يمر ما بين الخلايا ويصغر تدريجياً حتى يصل إلى درجة من الصغر لا نستطيع أن نميزه ونحن نتابع مسيره ، وهكذا يكون قد ضاع ما بين الحشود الخلوية وهذه هي صورة التغذية الخلوية حيث تتم التغذية عن طريق التشرب ، وحيث يحيط بالخلايا السائل الخلالي وكأن مجموع الخلايا وهو هكذا بالفعل يغطس في سائل كالاسفنجة التي تغطس في السائل

وحتى يمكن لنا أن نفهم كيف تتغذى الخلايا فان هذه الصورة البسيطة غير مقنعة تماماً خاصة لمن يريد أن يصل إلى أعماق الحقيقة وهذا ما دفع بالاطباء والباحثين أن يتعرفوا إلى كنه الامور وحقيقتها قدر الإمكان لقد وجدوا أن للخلية غشاء يغلفها ويمتاز هذا الغشاء بخاصية عجيبة وهي أن يشبه المرشحة الانتخابية فهذا الغشاء ترشح منه المواد من داخل الخلية إلى خارجها والتي تمثل نتائج الاستقلاب وبقايا الفضلات الفاسدة وغاز الفحم كما أنها تدخل المواد التي تحتاجها الخلية

٤٥

من السكر والماء وسواهما ، ولكن العجيب يكمن في أنها تدخل ما تشاء وترفض ما تشاء عن طريق الغشاء الخلوي فمثلاً تسمح وبمنتهى السرعة بدخول مادة البوتاس حيث يشكل البوتاس الموجود ضمن الخلايا 98% من بوتاس البدن عامة و 2% يوجد في الدم بينما تمنع شاردة ( معدن ) الصوديوم والكلور لان المنطقة الانتحابية لمادة الصود هي خارج الخلايا وهذه وتلك معدن. فالصود والبوتاس معدنان متقاربان ولكن الغشاء يرفض الاول بينما يأخذ الثاني هذا مع العلم ان ذرة البوتاس وزنها 39 بينما وزن ذرة الصود 23 أي أن ذرة البوتاس أكبر وأثقل ، وبالإضافة إلى هذه نجد أن الغشاء لا يسمح بدخول المواد البروتينية بينما يسمح بدخول السكر والبولة وهذه الخاصية عجيبة في الواقع ، فما هو السر الذي يجعل هذا الغشاء يتصرف كالعاقل ، فهو يرفض إدخال عنصر كالصوديوم مثلاً بينما هو يسمح بإدخال عنصر آخر كالبوتاسيون حتى لتعتبر الخلية الملجأ الامين الوحيد لشاردة(1) البوتاسيوم في البدن.

وأما تكوين الغشاء الذي يحيط بالخلية وثخانته والعمل الذي يقوم به فهو فعلاً مدهش فلقد وجد أن ثخن الغشاء يتراوح وسطياً ما بين 120 ـ 140o A ( كنا قد ذكرنا أن الانغسترومo A يساوي جزء من (10) عشرة ملايين من السنتيمتر ) وهو يتركب من طبقتين من المواد الدسمة وتكون هتان الطبقتان الدسمتان ( يقصد بالدسم الشحوم ،

__________________

(1) نقصد بالشاردة أن العنصر نفسه مثل البوتاسيوم عندما ينحل في السوائل فإنه يتشرد بمعنى أن الكترون من مداره يفلت أو يصبح شريداً؟! ولذا فإن عنصر البوتاسيوم يصبح من ناحية الشحنة موجباً وذلك لان عدد البروتونات في النواة تصبح أكثر من الالكترونات في المدارات بواحد ولهذا يصبح البوتاسيوم عنصراً قلقاً حزيناً يبحث عن هذا الالكترون الهارب وبذا يحاول ان يتحد مع العناصر الاخرى ليستقر ويسحب الكترون إلى مداره حتى يعرض عن ذلك الالكترون الآبق!!

٤٦

والشحوم عادة يدخل في تركيبها الفحم والهيدرجين والأكسيجن بخلاف البروتين الذي يدخل في تركيبه بالإضافة الى ما مر الآزوت ) مغلفتين بطبقتين أخريين من الموارد البروتينية والآن أين الثقوب التي تمر منها المواد والذرات من داخل الخلية إلى خارجها؟ إن الجواب على هذا هو أن أحدث ما توصل اليه العلم عن طريق المجهر الالكتروني الذي يكبر حوالي 100 ـ 600 ألف مرة أن الثقوب هي بحالة ديناميكية غير ثابتة ، أي أنها تتشكل من وقت لآخر حيث تتعرى مناطق ثم تنستر لتحدث في مناطق أخرى ثقوباً جديدة وهكذا ، وهذا يجلعنا نقف متأملين عن قدرة الخلية العيبة التي يستهلك منها جسم الانسان كما مر معنا 125 مليون خلية في الثانية الواحدة!!!

إلى داخل الخلية :

والآن لنحاول أن ندخل عبر ثقوب الغشاء الخلوي إلى داخل الخلية لنرى العالم الذي يقع خلف هذا الستار المجهول.

ليست الخلية حجرة صغيرة محاطة بغلاف وفيها سائل متجانس بل إنها كالبحر الذي يعج بأنواع مختلفة من الحيتان والاسماك والحيوانات المختلفة ، فلننظر إلى هذه العناصر الموجودة داخل الخلية وهذا قبل الوصول إلى النواة ، لان النواة كما ذكرنا فيها سر حياة الخلية وسنفرد لها بحثا خاصاً. أولاً وجد أن تركيب الانسان من العناصر هو بالنسب المئوية التالية : من عنصر الاكسيجن 81 و 62 ومن الفحم 37 و 19 ومن الهيدرجين 14 و 0 ، ومن الآزوت 38 و 1 ومن الكلس 63 و 0 ومن الفوسفر 64 و 0 ومن الكبريت 26 و 0 ومن الصود 18 و 0 ومن الكلور 22 و 0 ومن الماينزا أقل من 04 و 0 والعجيب في هذه النسبة انها تشبه النسبة الموجودة في النباتات في زمن الربيع عندما تزهر فهل هذا لان الانسان يمثل ربيع الوجود؟!!

٤٧

الماء والحياة :

وأما الماء فهذا يحتاج لحديث كامل لوحده ذلك لانه يمثل أساس الحياة فهو يدخل في تركيب جميع الكائنات الحية وطالما وجدت الحياة فحتماً سيوجد الماء معها ، وهو يدخل في تركيب الخلية بشكل حيوي أساسي ، ولنسمع الى أستاذ علم النسج في كلية الطب وهو يقول لنا بالحرف الواحد : يتخلل الماء جميع الانسجة ولا حياة للخلايا بدون الماء وصدق الله العظيم إذ قال :( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ـ واضيف له تتمة الآية لأن سياق الآية ليس له معنى(1) إذا كان لا يدل على الشيء الذي أراده من معجزة الماء ـ وهو يوجد في الخلية بثلاثة أشكال وليس بشكل واحد عادي كما نعرفه نحن في الحياة الطبيعية فهو يوجد بشكل متحد اتحاداً كيمياوياً في هيولى الخلية أو متشرب بجزئياتها أو كما يوجد الماء في عيون الإسفنح ، والماء يتمتع بنسبة ثابتة في الخلية حسب ما تحتويه من الشحوم. ثم لنلق نظرة على محتويات الخلية غير المصورة ، أي الاجزاء التي لا تتجمع بشكل كتل وتأخذ أحجاماً وصوراً معينة ثابتة وتقوم بدور معين كما ذكرنا عن المصورات الحيوية أو ما تسمى بالميتوكوندريا إننا نجد أولاً الماء كما ذكرنا ثم الاملاح المعدنية حيث تحتوي خلايا جميع الاحياء ما يلي من العناصر المعدنية بالدرجة الاولى P,O,N,H(2) ثم عناصر ثانوية وهي Na ( صوديوم ) Mg مغنزيوم ، S كبريت ، CL كلور ، K بوتاس ، Ca كلس ، Fc حديد ، ثم عناصر بكمية قليلة جداً وهي B بور ، F فلور ، Si سيليس ، Mn منغنيز ، Cu نحاس ، I يود وهكذا نرى وسطياً في كل خلية حية من العناصر المعدنية حوالي 18 عنصراً وهي العناصر الموجودة في

__________________

(1) وتتمة الآية أفلا يؤمنون؟!

(2) هذه الرموز هي كالتالي H هيدرجين C فحم N آزوت O اكسجين P فوسفور.

٤٨

التراب الذي نعيش عليه مصداقاً لقول الله تعالى :( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) .

رحلة مع ذرة السكر :

والآن الى سر جديد من اسرار الخلية :

بعد أن عبرنا ثقوب الغشاء الخلوي عبر تلك البوابات السرية المتحركة فإننا نواجه جدار الخلية من الخارج وإذا بالجدار ينفتح منه باب للدخول وهذا الباب ليس للعموم فمن شاء دخل بل ان على الثقب بواباً عاقلاً حكيماً فهو يسمح لبعض الذرات بالدخول كما في ذرة البوتاس ويمنع ذرة الصود مع أن ذرة البوتاس أكبر من ناحية الوزن الذري من الصود ولكن انها ارادة البواب العاقل الذي يقف على البوابة السرية المتحركة التي تكمن في أي نقطة من جدار الخلية ، من هذه الذرات الهامة التي معها اجازة دخول ذرة السكر ، ولكن هل الخلية هي المركز الأول للتفتيش والدخول لنر؟ إذن فلنحاول الآن أن نتتبع مسير ذرة السكر من نقطة الدخول الأولى حتى تستحيل الى غازات تنطلق في الهواء وهي غاز الفحم ونجار الماء

إذا رافقنا ذرة السكر نجد انها إذا كانت من نوع النشويات بدأت بالتغير من لحظة مرورها الاولى بالفم وذلك بسبب وجود خميرة النشا في الغدد اللعابية الموجودة في الفم وهي غدة تحت الفك وغدة تحت اللسان والغدة النكفية ، وأما إذا كانت من أنواع السكاكر الأخرى ـ وللسكاكر أنواع وليست نوعاً واحداً كما يتوهم حيث تنقسم إلى سكاكر خماسية وسكاكر سداسية والأخيرة لها أنواع عديدة منها سكر العنب وسكر اللبن وسكر الثمار وغيرها ـ فانها تصل إلى الامعاء وهناك يحصل لها التغير الاساسي حيث لا يمكن لها أن تدخل جدار المعي بدون جواز مرور وهذا الجواز هو عملية الفسفرة في مصطلح الكيمياويين ومن هناك تصل الى الكبد عبر الدوران حيث يعتبر مركز الجمارك العام

٤٩

وهنا يحصل أعجب وأغرب الأشياء في البدن وهو تحول السكر الى ما يسمى بالغليكوجين أو مولد السكر لأن هذا يعتبر المركز التمويني العام للسكر في الدم وحتى نعرف تنائج هذا الأمر فاننا يجب أن نعرف ان كمية السكر في الدم في حدود 5 ـ 6 غرامات وهذه لا تكفي أكثر من ربع ساعة لحاجة البدن فمن أين سيأتي امداد الدم بالسكر وبشكل منتظم ، خاصة وإذا علمنا ان غذاء الخلايا العصبية الأول والمفضل هو السكر بالدرجة الأولى فاذا حصل نقص عن 50 ملغ في 100 سم3 من الدم فان المرء يشعر باضطراب ذهني وانزعاج ، وإذا هبط أكثر من ذلك عن 40 ملغ اصيب المرء بارتعاشات عضلية واغفاء متزايد واختلاجات ، وإذا حصل أكثر من هذا حدث ما يسمى بالسبات السكري وهي حالة الغيبوبة الكاملة بسبب نقص السكر الشديد!! إن الذي يؤمن كل هذا هو الكبد مركز التموين الأول لأن السكر حينما يمر الى الكبد ينظر الكبد نظرة البصير في وضعه فاذا كان يحتاج اليه قلبه من سكر عادي الى مولد سكر ( غليكوجين ) وإذا زاد عن حده الذي يريده حوله الى مراكز التموين الأخرى وهي العضلات حيث يختزن هناك أيضاً بشكل مولد سكر يكون تحت الطلب ، وبعد هذا يكون هناك انتظام ما بين مقدار السكر في الدم ووضعه في الكبد فاذا استنفد البدن السكر قام الكبد بشكل آلي تلقائي بحل السكر المتكاثف عنده إلى سكر بسيط مستساغ الى الدم ومن الدم ينتقل الى كل خلايا الجسم التي تحتاجه ، وهنا نتساءل : يا ترى ما الذي يحدث للسكر عندما يعبر الدم الى الكبد هل يتحول كله الى مولد سكر أم ماذا وذلك قبل أن نصل الى خاتمة المطاف في الخلية؟ ان الطب يجيبنا فيقول ان أمام السكر ثلاثة طرق وهذه الطرق تنظم أيضاً بحسب حاجة الجسم فهو أما أن يجتاز الطريق السريع فوراً فلا يتحول

٥٠

الى شيء خلال الكبد بل فوراً الى الانسجة حيث يحترق ويتحول الى غاز فحم وماء وهذه الطاقة كما ذكرنا تصرف تدريجياً حسب حاجة الخلية وإما أن يتحول إلى دسم وشحم حسب حاجة البدن لذلك وحسب الفائض ولذا نرى أن الاكثار من النشويات تؤدي الى سمنة واما أن يدخل العضلات ليتحول الى مولد سكر كما ذكرنا أو في الكبد ولكن وضعه في العضلات يختلف عن وضعه في الكبد لأن الكبد يقلب الغلوكوز الى غليكوجين عند زيادة الوارد من الغلوكوز ( سكر العنب ) ويحصل العكس أي حل الغليكوجين إلى غلوكوز عند حاجة البدن وهذا طبعاً يمشي باستمرار ودون توقف لحظة واحدة من ليل أو نهار وذلك لأن استهلاك الجسم للسكاكر دائم من أجل تموين الجسم بالطاقة والحرارة اللازمة للحياة

ان مولد السكر في العضلات إما ان يتحول الى حمض لبن اثناء استهلاكه وهذا بدوره يتحول في الكبد من جديد الى مولد سكر أي ان الحلقة تكون مغلقة ولا يضيع شيء سوى هذه التحولات ، واما ان يحرق ويستفاد من القدرة المتشكلة. ثم لنتابع رحلة هذه الذرة التي مرت في هذا الطريق الوعر المنظم الشائك المتناسق!! حيث تصل الى البوابة السرية المتحركة في جدار الخلية حيث يلقى القبض على ذرة السكر بواسطة خميرة ويقوم هورمون الانسولين بدور السائق الذي يوصل الذرة الى الخلية وبدور المسهل لدخول الذرة السكرية الى الخلية حيث تصل الى مثواها الاخير ( فمستقر فمستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) سورة الانعام. وهنا لنتساءل مرتين أولاً من الذي يسيطر على كل هذه التفاعلات المعقدة والمنظمة ، ثم كيف يستقر السكر في الدم بنسبة معينة ثابتة لا تزيد أو تنقص وهي غرام واحد فقط في كل ليتر من الدم بحيث ان النقص أو الزيادة يؤدي إلى اضطرابات

٥١

مخيفة أهمها السبات والداء السكري المشهور في الزيادة وهنا يقف المتأمل خاشعاً وهو يرى هذه الاسرار العجيبة وهي تخبره عن بعض التفاصيل الرائعة التي تحدث أولاً هناك من المنظمات الهورمونية ما يحير ، فهناك المنظمات الهورمونية التي تقوم بفعل لجم لزيادة السكر وهناك هورمونات مضادة تفعل بالعكس وهي تعمل بانتظام فالانسولين(1) هو الذي يقوم بانقاص السكر في البدن وذلك بزيادة ادخاله الى الخلايا لزيادة استخدامه او لحجم انحلاله من الكبد وزيادة قابليته للتحول الى الدسم وانقاص التحولات الأخرى التي تصل الى سكر كما في تحولات الدسم والحموض الامينية ، وأما الهورمونات المضادة وهي تشترك جميعها بحل السكر فهي هورمون الفلوكاكون الذي يفرز من المعثكلة وهورمون النمو من الفص الامامي للغدة النخامية وبعض هورمونات قشر الكظر والإدرينالين من لب الكظر(2) وكذلك البتروكسين وهو هورمون الغدة الدرقية الذي يتعاون أيضاً في الاستقلاب وحل السكر أيضاً ، وأما الثبات والتوازن ما بين هذه الهرمونات وتنظيم افرازها بالتعاون مع الكبد وجعل السكر في ثبات واستقرار في الدم ، ان الأمر فعلاً يدعو الى الدهشة والعجب ولكن لا عجب في ابداع خلق الله( صنع الله الذي اتقن كل شيء ) النمل.

تكوين البروتين الخلوي :

وبعد بحث موضوع السكر في الخلية هناك سر مهم أيضاً استطاع العلم الحديث أن يكشف عنه وخاصة بعد اختراع المجهر الالكتروني

__________________

(1) الانسولين هورمون يفرز من المعثكلة من جزيرات خلوية تسمى جزيرات لانفرهانس وسنشرحها بالتفصيل عندما تمر معنا.

(2) الكظر غدة تزن عدة غرامات فوق الكلية وهي قسمان قشر ولب وكل منهما له هورموناته الخاصة.

٥٢

وهذا السر هو في تكوين البروتين الخلوي لأننا كنا قد ذكرنا ان الغشاء الخلوي لا يسمح بدخول البروتينات الى داخل الخلية فكيف إذن يتكون البروتين الخلوي اعتمادا على امكانيات الخلية وحدها خاصة وان بعض الخلايا في الجسم تقوم بتركيب هورمانات هي في غاية التعقيد كما في هورمون الانسولين من خلايا بيتا في جزر لانغرهانس من المعثكلة أو البتروكسين من خلايا الغدة الدرقية أو هورمون النمو من العنصر الأمامي من الغدة النخامية أو التستومكرون وهو هورمون جنسي عند الذكور من خلايا لبديغ في الخصية ، حقاً ان الأمر يدعو الى الدهشة خاصة وان الغشاء الخلوي لا يسمح بدخول الذرات البروتينية المعقدة فكيف يحدث الأمر اذن هنا؟؟ حتى يمكن أن نفهم الاجابة بشكل دقيق وصحيح لابد من فهم شيئين ، أولاً ما هو البروتين وكيف يتكون أصلاً؟ وثانياً من الذي يكونه داخل الخلية التي ما زلنا حتى الآن نبحث بعض اسرارها الغامضة المحيرة

ان المواد البروتينية ومنها اللحم هي عبارة عن اجتماع مجموعة ضخمة من الاحماض الامينية والحمض الاميني هوعبارة عن ذرة من اجتماع حمض وأمين كما هو اسمه والحمض معروف والامين هو الذي يوجد في تركيبه ذرة آزوت مع ذرتين من الهيدرجين وتكون صفاته معاكسة للحمض أي تميل للقلوية ، وهكذا فان الحمض الأميني يحمل خاصيتين خاصية الحموضية والقلوية وهي ميزة هامة له وهذا شيء بسيط في أول البحث ولكن كيف تتكون البروتينات المعقدة خاصة وان عدد الاحماض الامينية كثير والاعقد هو اجتماع الاحماض الامينية بشكل اذا اختلف قليلاً عن الآخر فان هذا يعطي مركباً يختلف كل الاختلاف عن المركب الاول حتى ان تبديل بعض الذرات في المركب نفسه يقلب المركب رأساً على عقب. ان السر في هذا يعود الى حد الحياة في الخلية الذي

٥٣

هو النواة حيث يستقر مركز الرئاسة والادارة وتنظيم الأمور هناك وهذا ما كشف العلم الحديث عنه فلنسمع طرفاً من هذا النبأ العظيم بعد الجهود المضنية الشاقة التي رافقت اختراع المجهر الالكتروني والبحث عن أسرار الخلية وجدوا ان الخلية لا يمكن أن تعيش بدون نواة فقالوا ان سر الحياة هو في النواة ، فبدأوا يدرسون النواة وهناك في النواة تبينوا وجود اجسام غريبة

لم يعيروها في اول الأمر انتباهاً كبيراً ولكن مع متابعة البحث والدرس وجدوا ان هذه الاشكال ثابتة كما انها في كل انقسام خلوي عندما تنشطر الخلية الى نصفين يتولد منه خليتين جديدتين بحيث ان الخلية البنت تشبه الام الأصلية تماماً وجدوا ان لهذا الانقسام علاقة بهذه الموجودات داخل النواة حيث انها تنقسم الى نصفين مع كل انشطار خلوي ووجدوا انها تتلون بالاصباغ بشدة فسموها الصبغيات ، ولكن مع متابعة البحث والجهد تبين للعلماء ان هذه الصبغيات لها دور كبير في الوراثة حيث ان الصفات الوراثية تكمن في هذه الصبغيات وحيث تنتقل من الآباء إلى الابناء والاحفاد من خلالها وتبين للعلماء ان هذا الأمر ثابت في كل الانواع الموجودة من الاحياء النباتية أو الحيوانية أو حتى الانسان بالذات.

وهنا يتساءل المرء : ولكن أين تقبع هذه الصفات الوراثية في خلية لا ترى إلا بالمجهر؟ اللون للشعر والعينين ، طول القامة ، لحن الصوت ، قسمات الوجه ، شكل المشية ، المزاج ، تشكيل العظام والعضلات ، شكل الاصابع والأظافر ، استطاعة الأنف ، فتحة العينين ، اهداب الاجفان ، استدارة الصدر ، المفاصل ، الهورمونات ، الاخلاط ، العدد ، الزمر الدموية ، الأمراض الوراثية ، شكل الجمجمة الخ ) كلها أسرار من الاسرار التي لا يعرف العلم عنها حتى الآن إلا القليل

٥٤

وما لنا نستعجل فلنسمع الحديث إلى الآخر!!

يقول العلماء ان هذه الصبغيات هي الاساس في الوراثة ولكن ما هو تركيبها يا ترى؟ وبدأ البحث المضني حتى استطاعوا أن يتعرفوا ـ ليس فقط على تركيب هذه الصبغيات ـ بل توصلوا إلى اثبات ان هذه الصبغيات لها ما يشابهها في التركيب ايضاً في داخل الخلية وجدوا ان الصبغي مكون من اجتماع حمض فوسفور وسكر خماسي ( أي فيه خمس ذرات فحم وهو سكر الريبوز ولذا سمي المركب بالحمض الديبي ) بالاضافة الى مركب عضوي آزوتي فاطلق على هذا المركب الثلاثي الحمض الديبي النووي واختصاراً سمي بـ د. ن. آ D.N.A ووجد ان هذا الحمض يشبه السلم فيه عمودان يربط بينهما درج ولكن هذا السلم ليس مستقيماً بل ملفوف على نفسه بحيث اننا لو جعلناه على استقامة واحدة وربطنا العمودين ببعضهما لامتد هذا الحمض خارج النواة مسافة متر ونصف؟!! كما وجد ان هناك احماضاَ تشابههن؟ في الخلية ولكن لها ميزة تختلف عن ميزة الاول من ناحية تركيب ذرة الاكسجين فقط فيه فمسي R.N.A ر. ن. آ ، ووجد من هذا الاخير ثلاثة أنواع في الخلية الواحدة

والآن بعد هذه المقدمة لنعرف كيف يتم تركيب البروتين في هيولي الخلية ( المادة التي تحيط بالنواة وتقع ما بين النواة والغشاء الخلوي تسمى بالهيولي الخلوية ) لقد وجد ان في هيولي الخلية الواحدة ما يقرب من 500 الف جسيم ريبي أي من النوع الأخير الذي شرحناه بالاضافة الى 500 مصورة حيوية ( مرت سابقاً وستشرح لاحقاً ) بالاضافة إلى 500 مليون ذرة انزيمية!! والأهم لقد استطاع العلماء أن يتعرفوا وبالجهود المضنية طبعاً ان الحمض د. ن. آ D.N.A يشبه الاستاذ الذي يعطي المعلومات لتلاميذه لكي يقوموا بأمر ما وإذا بالحمض الثاني ر. ن. آ

٥٥

R.N.A ينطلق من النواة كالرسول الذي يحمل رسالة هامة وهناك يقترب من الجسميات الريبية في الهيولي (نوع من انواع ر. ن. آ الثلاثة ويهمس لها سراً في أن تقوم بعمل ما وهنا يتحرك طرق ثالث في القضية وهو النوع الثالث من الحمض ر. ن. آ R.N.A ويسمى بالناقل أو المنحل فينادي الأحماض الامينية أن هلمي إلي فتجتمع إليه لتسمع ماذا سيقول لها وهنا يضعها تحت تصرفه ثم يبدأ ليصفها بشكل فني دقيق ماهر وكأنه أعقل العقلاء حتى يبني منها البروتين الذي يناصبه أو الهورمون الذي يريد إطلاقه فمن علسّمه يا ترى كل هذا؟!!

مريكز الخلية :

ومن جملة هذا العنصر لنسجه في السائل الخلوي المركز وسمي بذلك لأنه يحاول أن يكون في مركز الخلية واضعاً النواة إلى أحد أقطاب الخلية والعجيب في هذا العنصر انه يتكون من اسطوانة فيها تسعة أنابيب أو الياف أخرى فما هو السر في الرقم يا ترى ولماذا ترتبت بهذا الشكل ايضاً؟ هذا الأمر سر من الاسرار ، ولقد وجد أن هذا المريكز يظهر وكأنه المخطط والمهندس لمرحلة النشطار الخلوي حيث أنه يقوم أثاء انقسام الصبغيات فيرسم خطوطاً وطرقاً دقيقة أمام الصبغيات المنشطرة وهذه الخطوط تشبه بشكلها المغزل ثم لا يلبث أن يتكون في الخلية من كل طرف ما يشبه الكوكب المشع ، وكأنه القمر المنير في الظلمات ولذا سميت هذه الاشعة بالأشعة الكوكبية وتصدر الأوامر للصبغيات أولاً أن تقف بحالة استعداد في منتصف الخلية ثم يؤمر كل شطر من شطري الصبغي المنقسم أن يتجه إلى أحد طرفي الخلية ولكن كيف سيمشي في هذا الظلام؟ لا حرج عليه ان هذا النور الهادي وهذه الاشعة العجيبة التي تخطط له السير وتوضح له الطريق تجعله يمشي على هدى هذا الشعاع وهو يتهادى ويمشي في هدوء حتى

٥٦

يصل الى طرف الخلية الاول حيث يكون قد وصل في الوقت نفسه توأمه لى الطرف الآخر وهكذا تنقسم الخلية إلى قسمين بعد أن تنشطر الصبغيات بهذه الكيفية.

فمن الذي علم هذا الجماد أن يقوم بكل هذا التناسق والإبداع ومن أعطاه هذه الحكمة ودرسه فنون الحركة الرائعة المتناسقة الحكيمة؟!! ..

تفسير نشأة الحياة :

والآن بعد هذا البحث الذي يعد موجزاً بسيطاً جداً عن بعض اسرار الخلية يحق لنا أن نتساءل كيف نفسر نشأة الحياة وظهور الخلية الأولى في الحياة؟ ومع كل الوضوح الذي يشير إلى الجواب بدون تكلف نجد بعض المؤلفين والكاتبين السين يقفون ليتكلموا بطريقة علمية نرى ان ذهنهم العلمي يخونهم في أدق المواقف وأحرج التفسيرات وأهمها ، ومن هؤلاء استاذ يدرّس في كلية الطب في قسم النسج يقول ما يلي بالحرف الواحد :

« إن علم الحياة وما تفرع عنه من علوم أخرى على النحو المار ذكره ما تزال جميعها عاجزة عن تفسير كيفية نشوء الحياة الاولى وتكون أول مادة حية على سطح الأرض ، ولعل نظرية النشوء الذاتي الأولى في ظروف خاصة وعهود متناهية في القدم هي النظرية الاكثر قبولاً في القوت الحاضر ».

ونقف قليلاً لنناقش الكاتب في هذه العبارة. أولاً : نظرية النشوء والتولد الذاتي من الناحية التجريبية نقضها العالم باستور من الأساس في تجربته المعروفة المشهورة.

ثانياً : ماذا تعني كلمة النشوء الذاتي ، هل تغني أن الخلية خلقت نفسها بنفسها أو أنها تكونت صدفة من اجتماع العناصر ، أو الاحتمال الثالث وهو لا أدري؟!! فاما انها أوجدت نفسها بنفسها فهو كلام متهافت لأن معنى الخلق هو الايجاد فكيف توجد نفسها بعد أن لم تكن موجودة

٥٧

وأما الصدفة فليرجع الى بحث المصادفة في أول الكتاب ، وأما لا أدري فلا ندري بماذا نجيب عليه!!!

من هنا نفهم ماذا يعني ان الانسان عندما بخوض بحثاً ما ثم يخونه ذهنه العلمي أو أنه لا يستعمل ذهنه العلمي في هذا المجال الخطير الذي يجب على العالم أن يقرر قبل كل الناس حقائق الامور وبديهياته وهو ما قاله رب العزة( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) إنه ليس هناك من مكان للصدفة خاصة وقد بحثنا هذا الموضوع في أول مدخل الكتاب حتى ننفي الحظ والفوضى في بناء الكون ونشأة الحياة ، وهكذا تسد جميع الأبواب أمام من يتأمل في هذه الظاهرة العجيبة ولا يجد إلا الحق الابلج الواضح المبين وهو يقلو له( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) ثم لنسمع مع ذلك كلاماً في هذا المجال لأحد العلماء لا لنسند فكرتنا منه لأن ظهور هذه الفكرة وبديهيتها تضغط على العقل البشري ولا تجعل له مهرباً من الاعتراف بها طائعاص أم مكرهاً يقول بوخز وهو من أكثر الماديين غلواً ومن الذين اتهموا داروين بأنه يصانع رجال الكنيسة وقف أمام ظاهرة خلق الحياة من جماد ليقول بالحرف الواحد : ( إن البتّ في أمر التولد الذاتي للكرية الأولى التي نشأ عنها الأصل الأول أمر غير متيسر ، لأن الأحوال المناسبة لتولد الكرية الأولى تولداً ذاتياً غير معروفة ، والكرية ذاتها على بساطتها ذات بناء وتركيب يمتنع معه صدورها من الجماد مباشرة ، بل إن ظهورها من الجماد ليعد في نظر العلم معجزة ليست أقل بعداً عن العقل منظهور الاحياة العليا من الجماد مباشرة ) وصدق الله الخالق حينما يقول :( ذلك الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخير. ) سورة الانعام. وهكذا نكون قد انتهينا من البحث الأول وهو مبحث الخلية حتى ندخل الآن التركيب المادي لأجهزة الإنسان المعقدة وعالمه النفسي الغريب المجهول.

٥٨

تخلق الإنسان

يقول الخالق العليم :( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. ثم إنكم بعد ذلك لميتون. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) سورة المؤمنون

لنحاول على ضوء هذه الآية أن نتبين بعض الاسرار المادية في تكوين الإنسان وتخلقه حيث استطاع الطب الحديث أن يكشف بعض أسرار التكوين ، وذلك بعد أن مررنا في الأبحاث الأولى على مكوّنات الخلية المعقدة وبعض اسرارها المحيرة

إن تكوين الانسان من ناحية العناصر التي تتعاون في تركيبه هي بالدرجة الأولى من الماء حتى ليقال ليس الإنسان سوى برميل صغير من الماء مع عناصر معدنية أخرى نستطيع أن نكوّن منها مسماراً صغيراً من الحديد وراس عود ثقاب من الكبريت وكمية من الكلس تعين في دهن جدار من مادة الكلس التي تستعمل لتبيض الجدران وعناصر أخرى بحيث أنها لا تبلغ في القيمة سوى ما يعادل 40 قرشاً سورياً ، ولكن السر لا يكمن في نوعية المواد وإنما يكمن في كيفية تركيب هذه المواد بعضها إلى بعض ، وهذا المثل ينطبق على أبسط ذرات الخلية كما ينطبق على أعقد التركيبات الحيوية التي تتولد من الجسم

إن العنصر الذي يتكون من الجسم مهما بلغ من البساطة كما في الهورمونات والمنتجات الحيوية يتكون من اجتماع ذرات معينة من عناصر التربة نفسها وأهمها المكونات العضوية التي يتداخل في تركيبها الفحم

٥٩

والهيدرجين والأكسجين بالدرجة الأولى ، وهذه العناصر البسيطة تكوّن آلاف الآلاف من المركبات العضوية المعقدة حتى ان علماً كاملاً من العلوم التي تدرس تسمى بالكيمياء العضوية حيث تشترك عناصر معينة محددة في تكوين مئات وآلاف من المواد في الطبيعة ، والغريب في هذه التكوينات ان الذرات الداخلة في تركيبه إذا اختلفت اختلافاً بسيطاً أو تبدلت في موضعها من مكان لآخر حصل مركب آخر مغاير للأول في خواصه وصفاته مغايرة تامة.

العفريت ذو الاقنعة المتعددة :

ومن الأمثلة على ذلك مادة الكولسترول التي يصطنعها الجسم البشري فهي بالأصل مادة شحمية دسمة تعتبر من دسم البدن ولكن هذا المركب يعد من مركبات البدن السحرية ، ولنسمع إلى الطب لكي يقص علينا قصة هذا العفريت الذين يتلون في كل لحظة إلى مركب جديد وشخصية جديدة فهو ذو الأقنعة المتعددة. فهو تارة كولسترول في الدم بشكل دسم ( الكولسترول مادة شحمية اذا ترسبت على جدران الاوعية الدموية سببت ارتفاع الضغط ) وهو تارة أخري بشكل ينافي الكولسترول تماماً مع أن البناء الكيمياوي هو واحد ولكن تغيرت بعض ذرات البناء فقط فإذا بهذا المركب يصبح هورموناً يعطي صفات الذكورة كلها من توزع الشعر في البدن وخاصة الوجه وغلظ الصوت وشدة العضلات وضيق الحوض واتساع الصدر والمزاج الشديد نسبة للانثى ونموا الأعضاء التناسلية الخاصة ، وبينما هذا المركب يمشي في هذا الاتجاه إذا بتحولات طفيفة تطرأ على بعض ذراته فاذا به ينقلب بشكل عجيب ويصبح هورموناً أنثوياً يعطى للأنثى كل صفات الانوثة من توزع الشعر ، ورقة الجلد ، ونعومة الصوت ، وكثرة الشحم في البدن ، وضعف العضلات وكبر الحوض العظمي حتى يتسع للحمل والولادة وضيق الزنار الكتفي

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256