دروس في بناء المجلس الحسيني

دروس في بناء المجلس الحسيني 0%

دروس في بناء المجلس الحسيني مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 158

  • البداية
  • السابق
  • 158 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21600 / تحميل: 3847
الحجم الحجم الحجم
دروس في بناء المجلس الحسيني

دروس في بناء المجلس الحسيني

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

الناشيء في بيئةٍ قليلةٍ المآتم شحيحة المجالس أن لبعض أطوار إنشاد القصائد الرثائية حضوراً خاصاً في بعض المناطق دون أخرى ومناسبات دون ثانية.

وعموماً يمكن لنا أن نُقسّم طريقة إنشاد قصائد الرثاء الحسيني إلى مرحلتين على الأقل، ويمكن ان تكون ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: إن خطيب المنبر الحسيني، وبعد أن ينهي فقرة المقدمة -السابقة الذكر- يشرع بقراءة القصيدة وإنشادها، وهنا لا بد أن يبدأ الإنشاد بصوت هاديء وبأسلوب وطريقة لا تفاجأ روّاد المجلس.وهذا الأمر تقتضيه طبيعة الأشياء والحكمة كما يقال.إذ ليس من المستساغ أن يبدأ أي خطيب أو متحدث حديثه بنبرات قوية وصوت مرتفع، هذا في حالة الحديث فكيف بإنشاد قصيدة، يقوم طور إنشادها وأسلوبه بدور كبير في جلب اهتمام الجمهور لها، وانفعالهم بها وإصغائهم إليها.

وهذا الطور الذي يبدأ به خطيب المنبر الحسيني قصيدته هو ما يعرف بطور (الدَرْجْ) وربما يلفظ ببعض اللهجات الشعبية بـ (الدَرِجْ) واصله مأخوذ من درج الصبي، إذا أخذ بالمشي ببطء وهدوء.وهو المطلوب من الخطيب، إذ عليه أن يبدأ قصيدته بأسلوب إنشاد هادئ ومريح للجمهور فكأنه يرتقي (دَرَجاً) يبدأ من المرقاة القريبة ثم يعلو شيئاً فشيئاً.

وتتنوع طرق قراءة طور الدرج هذا، فإذا استمعنا لأساتذة المنبر الحسيني اليوم، أو حضرنا مجالس شيوغ الخطباء، اكتشفنا تنوع أساليبهم، ليس في طور الدرج فقط بل وفي بقية الأطوار، حيث يترك كل خطيب متمرس بصمات إنشاده على الطور، بما يتحول تدريجياً إلى تميز أسلوب الخطيب

٤١

عن أسلوب خطيب آخر، فيقال مثلاً: هذا أسلوب الشيخ الوائلي، أو أسلوب الشيخ النُويني، أو أسلوب الشيخ هادي الكربلائي وهكذا.

ويستمر الخطيب بالتزام طور الدرج، لعدة أبيات في مقدمة القصيدة، لا تقل-كحدٍّ أدنى- عن ثلاثه، وهي تبدو قليلة.

كما يمكن أن تمتد لعشرة أبيات أو ربما أكثر، وذلك حسب طول القصيدة التي يزمع الخطيب قراءتها.

بل قد يستولي طور الدرج على تمام القصيدة، إذا كان محتواها فضائلياً (أي تتحدث عن فضائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ) أو حماسياً أو مناقبياً.أي تكون خالية من التعريج على مصائب كربلاء وأحزانها، وهي قصائد قليلة جداً، ضمن ملف القصائد الحسينية التي يتبناها المنبر الحسيني.

والنقطة الفنية في إنهاء دور الدرج الذي تبدأ به القصيدة ومن ثم الانتقال إلى الطور الثاني وهو طور (الـمُثْكِل)، هو انتقال القصيدة نفسها من موضوعها الذي كان يتناول الذكريات والأطلال وتذكَّر الأحبة وما إليها من موارد، إلى كربلاء وأحداثها ورموزها.

إذن؛ طور الدرج تكون بدايته هي بداية القصيدة، ونهايته بداية ذكر أحداث كربلاء، حيث يتناغم تعريج القصيدة على كربلاء مع ارتقاء الخطيب الحسيني وانتقاله من طور (الدرج) الهادىء إلى طور (الـمُثْكِل) الشجيّ الحزين ذي الإيقاع العاطفي الواضح، والذي يتطلب تجاوباً من الجمهور مع الخطيب بالأنين والحنين.وهنا نكون قد وصلنا إلى نهاية درسنا.

٤٢

الدرس الخامس: الأطوار

أخذنا في درسنا السابق الطور الأول وهو طور (الدَرْج) حيث المرحلة الأولى، والآن نكمل بقية الأطوار والمراحل.

المرحلة الثانية: (طور الـمُثْكِل) بعد أن ينهي الخطيب إنشاد مقدمة القصيدة الرثائية بطور الدرج الهادي المسترسل الانسيابي، وتصل القصيدة إلى ذكر كربلاء أو مقدماتها وأحداثها، فلا بد للخطيب هنا أن يتوافق مع هذا الارتقاء، حيث يرفع من وتيرة صوته، ويوّدع طور الدَرْج الذي بدأ به القصيدة، والذي أوصله إلى مستوىً يمكِّنه من رفع صوته، وتغيير نبراته، وترجيع الكلمات وترديدها بأسلوب شجيٍّ من جهة وقويّ من جهة أخرى.حيث يبرز الطور الثاني وهو طور (الـمُثْكِل) وهو كما يدل معناه على الثُكل (وهو الفقد) والحزن والفراق واللوعة.وكل مرادفات الحزن والوجد الذي تختزنه لفظة (الـمُثْكِل).وهنا يحدث تغيّر فني في قراءة نفس البيت الشعري، إذ كان البيت بطور الدرج يُقرأ بأسلوب واحد تقريباً.أما في طور الـمُثْكِل فنجد أن صدر البيت يقرأ بأسلوب فيما يقرأ عجزه بأسلوب آخر.حيث يقوم صدر البيت بعملية تهيئة وإعداد لأذن المستمع وأحاسيسه على حدّ سواء، للتصعيد القوي والحزين الذي سيتولاه الشطر الثاني من البيت (العجز).

٤٣

والشطر الثاني بدوره ينتهي بتوقّف بعد مدّ للصوت مِن قِبَل الخطيب، في آخر كلمة في البيت، ويفضّل أن يكون المدّ مع حرف من حروف المدّ (الألف، الواو، الياء) فيجيبه الجمهور بصوت أنين يتناغم مع الأنة، التي يطلقها الخطيب في هذه النقطة.وحينما يرفع الجمهور صوته بالأنين فإن الخطيب يسكت ليسمح لصوت الجمهور بالارتفاع والبروز، وليتّم التجاوب العاطفي المنشود من جهة، ولكي يلتقط الخطيب أنفاسه ويملأ رئتيه بالهواء وبما يمكنّه من إكمال شطر الكلمة التي توقف عندها وبأسلوب المدّ أيضاً، ثم ليجيبه الجمهور مرة أخرى في نهاية البيت تماماً.

وهو أيضاً ما يُمكّن الخطيب من التقاط أنفاسهِ ثانية واستعداده لإنشاد البيت الثاني من طور الـمُثْكِل، وهكذا.

وأقل ما يقرأ به طور (المثكل) هذا عادةً هو ثلاثة أبيات، وإلا فيمكن أن يقرأ بضعف هذا العدد أو أكثر، خاصة مع وجود خطيب متمرس يجيد هذا الطور، الذي قد يأتي بدوره بأنحاء وأساليب متغيّرة كاجتهادات صوتية - إذا صحّ التعبير- ضمن الأسلوب العام الذي يحكم طور المثكل.

وبعض الخطباء قد يكتفون بهذا الطور حيث يُنهون قصيدتهم به، ثم يوردون ما يرونه مناسباً من أبيات الشعر الرثائي الشعبي؛ باللهجة العراقية أو اللهجة الخليجية، المعروفة بالطور البحراني أو الطور الفائزي، نسبة للملاّ ابن فايز الشاعر والخطيب المعروف.نعم قد يكتفي بعض الخطباء بطوري الدرج ثم المثكل فقط، ولكن بعض الخطباء من جهة وبما تمليه وتعتاده مجالس عريقة من جهة أخرى، تحتّم على الخطيب أن ينتقل إلى الطور الثالث، الأكثر تهييجاً للعواطف واذكاءً

٤٤

لأحزان، وتحفيزاً للجمهور الحسيني.وبهذا تأتي المرحلة الأخرى.

المرحلة الثالثة: لقد كنا ملزمين في المرحلة الأولى، ونحن في بداية القصيدة بالقراءة والإنشاد بالطور الهادئ وهو طور (الدَرْج) ثم كنا في المرحلة الثانية ملتزمين بالطور الذي يجعل الجمهور متجاوباً مع الخطيب في إنشاده وأنينه وهو طور (المـُثْكِل).

أما في المرحلة الثالثة من مراحل إنشاد قصيدة الرثاء الحسيني والتي قد يحتاجها الخطيب الحسيني لمزيد من الإذكاء العاطفي والتفاعل الجماهيري، فإن الخطيب قد يختار فيها طريقة دون أخرى، أي أنه لا يعدّ ملزماً بحسب أعراف المنبر الحسيني السائدة - بأن يقرأ المرحلة الثالثة من القصيدة بطور معيّن، بل له الخيار بأن يختار الطور الذي يراه مناسباً، وقد يغيّره من قصيدة لأخرى أو من مجلس لآخر، أو من بلد أو منطقة لأخرى.

فقد تقرأ المرحلة الثالثة بأحد هذه الأطوار:

أ- طور الحدي.والذي قد يكون من أقدم الأطوار وأعرقها لأنه يناسب الحان العرب القديمة وطرق حدائها للقوافل والإبل، ولهذا الطور جمهوره المتعلق به، وخاصة في مجالس منطقة الخليج، حيث يصل التجاوب فيه مع الخطيب إلى أقصاه.وهو طور حزين يعين كثيراً على استدرار الدمعة وإذكاء العاطفة.

ب- طور التخميس.ولعله من أكثر الأطوار -إن لم يكن أكثرها على الإطلاق- شهرةً، إذ يتناسب مع قراءة أبيات النعي بالفصحى (القريض) أثناء المصيبة وفي نهاية المجلس الحسيني.وبه تقرأ كذلك

٤٥

لأبيات المخمسة (أصلها بيت شعر تصاغ ثلاثة أشطر على وزن وقافيه الشطر الأول منه، فيكون المجموع خمسة أشطر فيسمى بالتخميس).كمثال: نأخذ أحد الأبيات الرثائية المشهورة مثل:

إنسان عيني يا حسين أخيّ يا

أملي وعقد جماني المنضودا

للشاعر الحاج هاشم الكعبيرحمه‌الله .

فيكون التخميس كالتالي:

هذي عيالك في الطفوف بواكيا

ناعٍ يجاوب بالأنين نواعيا

وإليك أشكو يا حسين بلائيا

إنسان عيني يا حسي أخيّ يا

وعقد جماني المنضودا

ومن هنا أطلق عليه طور التخميس.

وقد ينتقل الخطيب من طور المثكل إلى طور التخميس في بعض الحالات، وهذا الانتقال قد يكون مناسباً في تلك المجالس التي لم يألف روّادها التجاوب مع الخطيب بالأنين والحنين، حيث يُجهد الخطيب صوته في قراءته لطور المثكل المتقدم، مع عدم وجود استجابة جماهيرية معه يستعيد بها أنفاسه كما ذكرنا آنفاً، فيجد الخطيب أن الأفضل له -ومع عدم وجود تجاوب جماهيري بأصواتهم وحنينهم وأنينهم- ان ينتقل إلى طور التخميس الذي يثير البكاء أكثر مما يثير الأنين والتجاوب الجماهيري.

٤٦

وربما يُستفاد من هذا الطور في إنشاد بعض التخاميس غير المرتبطة بالقصيدة قافيةً، لكنها تؤدي نفس المؤدى المطروق حيث يأتي بها لإكمال القصيدة، وخاصة إذا كانت أبيات القصيدة الأساسية قليلة لا تفي بالمطلوب، فيجد الخطيب نفسه مضطراً هنا، إلى إعطاء فقرة القصيدة حقها بإنشاد تخميس أو أكثر وبما يناسب نفس مضمون القصيدة نفسها.

ح- طور القزويني، وهو من الأطوار الحزينة والمشجية، ولكنه طور قليل الإستخدام من قبل خطباء المنبر الحسيني حالياً، ولهذا فهو طور لا يحظى بشهرة في عالم المنبر الحسيني، كما انه يحتاج إلى حنجرة ذات أوتار صوتية ملائمة له، وحسن إجادة إنشاده من جهة أخرى.

فهنا قد يجد خطيب المنبر الحسيني أن من المناسب له، أو أنه قد اعتاد هذا الطور بالخصوص، فينتقل إليه في إنشاد قصيدته بعد طور المثكل.إذن فالخطيب بعد إكماله المرحلة الأولى (الدَرْج) ثم المرحلة الثانية (المثكل) سيكون مخيّراً بين أربعة خيارات:

١- أن ينهي قصيدته بطور المثكل نفسه فقط.

٢- أو ينهي قصيدته بعد المثكل بطور الحدي.

٣- أو ينهي قصيدته بعد المثكل بطور التخميس.

٤- أو ينهي قصيدته بعد المثكل بطور القزويني.

وفي ختام هذا الدرس، لا بد من التأكيد، أنه لا يمكن القفز من طور (الدَرْج) إلى أحد الأطوار المذكورة أعلاه، دون المرور بطور (المـُثْكِل)، لأن طور المثكل يعتبر جسراً ينتقل الخطيب به من طور الدرج إلى أطوار المرحلة الثالثة.

٤٧

الدرس السادس:

هيكل القراءة الحسينية

قد ذكرنا في أول موضوع فقرة القصيدة، أننا لا نشجع على إرباك الطالب بطلبنا منه أن يحفظ عدة أطوار ويجيدها، ولهذا فان طور الدرج وطور المثكل لا بدّ منهما لكل خطيب؛ وأما طور (التخميس) فيحتاج الخطيب إليه، في إنشاد القصيدة والنعي أثناء المجلس في فقرة المصيبة.فلم يبق عندنا إلا طورا (الحديّ) و (القزويني)، والأهم هنا هو الأول.

هيكل القراءة الحسينية

ومع استمرار الخطيب في مسيرته الخطابية، سيتعرف على أطوار أخرى، قد ينسجم مع بعضها دون الآخر، فنراه بعد مدة قد اختص ببعض الأطوار.ولكن لا بد من التركيز هنا، انه لا بد من إجادة المرحلة الأولى والثانية؛ أي طوري (الدرج والمثكل) على كل حال.

وقد يكتفي المجلس بإنشاد القصيدة الرثائية الفصحى فقط، خاصة اذا كانت أبياتها تفي بالمطلب وتشبع الحاجة.ولكن الأمور تختلف من بيئة حسينية لأخرى ومن عرف منبري لثانٍ.

حيث تجد بعض الاعراف المنبرية في بعض مناطق العزاء الحسيني، انه لا بد من ان يأتي الخطيب بعد قراءة القصيدة وبالأطوار المذكورة آنفاً، أن يأتي بأبيات نعي باللهجة العامية العراقية

٤٨

أو الخليجية كما مرّت الإشارة إلى ذلك.

فنجد بعض الخطباء يختار أبياتاً من النعي من النصّاريات، او يختار بيت (ابوذية) أو أكثر، وقد يكون هذا أكثر ملائمة مع القصيدة، التي كان الناس يتجاوبون فيها مع الخطيب في طور المثكل أو الحدي، فإذا جاء بعدهما ببيت (ابوذية) يقرأه بطريقة الأنين والحنين أيضاً، فسيكون منسجماً مع قراءة القصيدة الرثائية.

إلا أن واقع الخطابة الحسينية الحالي، قد برّز قصائد الطريقة البحرانية أو الفائزية، كأفضل خيار لقصائد اللهجة العاميّة الذي يتلى بعد القصيدة الفصحى، ببداهة أن الطريقة التي يتم بها إنشاد القصيدة الخليجية، التي تنتهي في كل مقطع بتجاوب من الجمهور بانين وحنين، وهنا يأتي الانسجام واضحاً والتناسق جلياً بين الأنين في القصيدة مع الأنين في النعي.

وقد لا يكتفي بعض الخطباء بقراءة القصيدة ثم النعي بالطريقة الخليجية بل يتبعهما بأبيات من الأبوذية العراقية فتكتمل الصورة.وتجد هذه الطريقة نجاحاً لافتاً في مجالس الخليج وبشكل واضح.

أما في المجالس التي تقل فيها ظاهرة تجاوب الجمهور مع القصيدة بالأنين، مثل أغلب مجالس العراق ولبنان، فالأفضل للخطيب أن يختار ما يجده منسجماً مع قدرة أوتاره الصوتية، بحيث لا تسبب له طريقة القراءة شدّاً لها أو أضراراً بها، خاصة في مواسم عاشوراء وصفر.

٤٩

نموذج لقصيدةٍ تتلى في أول المجلس الحسيني:

أرى العمر في صرف الزمان يبيدُ

ويذهب لكن ما نراه يعودُ

فكن رجلاً أن تُنضَ أثواب عيشه

رثاثاً فثوب الفخر منك جديدُ

وإياك أن تشتري الحياة بذلة

هي الموت والموت المريحُ وجودُ

وليس فقيداً من يموت بعزّةٍ

وكل فتى في الذلّ عاش فقيدُ

حيث تقرأ الأبيات أعلاه بطور (الدرج) الهادئ المسترسل، أمّا في البيت الخامس أدناه، فيبدأ الخطيب باستخدام طور (المثكل)، لأن القصيدة تنتقل من بيان هذه الوصايا والأفكار العامة، إلى نصوص واقعة كربلاء والإمام الحسينعليه‌السلام ، فيجد الخطيب أن ذاك مناسب للانتقال إلى الطور الثاني (المرحلة الثانية) أي طور المـُثْكِل، حيث يتمّ المدّ في الإنشاد بالأنين قبل الأخير من حروف الكلمة الأخيرة في البيت(وهي الياء هنا):

لذاك نضى ثوب الحياة ابن فاطمة وخاض عباب الموت وهو وحيد

ولاقى خميساً يملأ الأرض زحفه

بعزمٍ له السبع الشداد تميدُ

وليس له من ناصرٍ غير نيّف

٥٠

وسبعين ليثاً ما هناك مزيد

رى لهم عند القراع تباشراً

كأن لهم يوم الكريهة عيدُ

وما برحوا عن نصرة الدين والهدى

إلى أن تفانى جمعهم وأُبيدوا

وهنا إذا وجد الخطيب، أن القصيدة قد وفت بالمطلوب، واكتفى بها الجمهور، فأما أن ينهيها إذا كان ذلك ملائماً للأعراف المنبرية في ذلك المجلس، وإلا أضاف لها بعض أبيات التخميس إذا غلب على ظنّه إنها كانت قليلة، فله أن يقرأ بعد الأبيات السابقة التخميس أدناه:

ما بالهم لا يجيبونني أما سمعوا

ولو رأوني وحيداً ما الذي صنعوا

بل هم سكارى لكاسات الردى جرعوا

نذر علي لئن عادوا وإن رجعوا

لأزرعن طريق الطف ريحانا

وهنا نلاحظ أن التخميس، جاء منسجماً مع نهاية القصيدة وموضوعها الأساسي وهم أنصار الحسينعليه‌السلام وحرقته على فراقهم، وإن كانت بقافية تختلف عن أصل القصيدة، وهو أمر شرحناه سابقاً.

وهنا أيضاً، قد يجد الخطيب أن القصيدة صارت تامة، وقد أدتّ المفروض منها، وقد يجد ان المجلس ما يزال يحتاج إلى مزيد من الإشباع، فأما أن يأتي بتخميس آخر يملأ الحاجة، أو يزيد

٥١

عليه بأبيات من النعي وفي نفس الموضوع وهو الأنصار.كأن يقول مثلاً:

وكف ما بينهم والدمع سجاب

يكلهم هاي تاليكم يالأحباب

يصير أعتب وأنا أدري ما مش إعتاب

وعند الموت كل شي موش ميسور

أو يضيف عليها أبياتاً من النعي أو أدبيات أبوذية، وبما يراه ويقدّره مناسباً للمجلس ونوعية الجمهور وطبيعة المناسبة.

ملاحظة هامة

على الطالب أن يديم الاستماع لأشرطة تسجيل مجالس كبار الخطباء ومشاهيرهم، خاصة فيما يتعلّق بأساليب إنشاد القصيدة الرثائية، إضافة إلى استماعه لأستاذه الخاص في الدرس، واذا وجد طالب مميز فعليه الاستماع لزميله كذلك.

حتى تأنس أذنه طريقه معينة وينسجم ذوقه مع طور خاص، فيلتزمه ويعيده ويصقله حتى يأنس به ثم يبرع في إجادته أخيراً إن شاء الله.

وإكمالاً للموضوع، نذكر بعض عناوين اهم الكتب التي اعتنت بجمع قصائد الرثاء الحسيني بنوعيه القريض الفصيح، والشعبي العاميّ.فمن مصنفات القصائد الفصحى.

١- الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد، للسيد محسن الأمين العاملي.

٥٢

٢- رياض المدح والرثاء للشيخ الدمستاني البحراني.

ويمكن للطالب الاكتفاء بهذين الكتابين وله أن يتوسع، إلى غيرهما، والكتاب الثاني أوسع من الأول، وتقتنى الطبعة الجديدة المفهرسة المبوبّة.

أما كتب النعي الشعبية فهي اكثر من أن تحصى وتعد.ولكن أشهرها:

١- النصاريات الكبرى - للشيخ محمد نصّار

٢- الروضة الدكسينة، للشيخ محمد حسن دكسن

٣- منهل الشرع - للسيد عبد الحسين الشرع.

وفي خصوص الشعر الرثائي الخليجي (البحراني أو الفائزي)

ديوان (الفائزيات الكبرى)، أو ديوان (فوز الفائز)، للملا ابن فائز البحراني.

الجمرات الوديّة - للملا عطية الجمري.

وهنا نكون قد انهينا فقرة القصيدة، والتي قد رسمناها بشكل خط متقطع إشارة أنه قد يستغني عنها كلياً في بعض الأقاليم أو بعض المجالس كمجالس شهر رمضان.

٥٣

الدرس السابع:

المحاضرة

سبق لنا أن توقفنا عند الفقرتين الأولى والثانية، من فقرات خطبة المنبر الحسيني؛ وهما فقرتي (المقدمة والقصيدة).وبقي علينا أن نكمل بقية الفقرات، فنبدأ درسنا هذا بالفقرة الثالثة وهي:

٣- المحاضرة

فبعد تلاوة القصيدة يأتي دور الموضوع، الذي يبدأ إما بآية قرآنية أو بحديث للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو حديث لأحد المعصومينعليهم‌السلام ، وربما يبدأ ببيت شعر كعنوان لطرح الموضوع، الذي يكون محاضرة معدّة ومهيئة، تتضمن الموضوع الذي يمكن أن يتطرق إليه الخطيب الحسيني وفقرة الموضوع هي التي ستكون مدار دراستنا وبحثنا في الدروس المقبلة إن شاء الله، وبهذه الفقرة يتمايز الخطباء وتبرز قدراتهم واستعداداتهم الثقافية العلمية، وإلا فالقصيدة واحدة ومصادرها موجودة، والمقدمة كذلك، ولا يبقى مجال للتمايز إلا فقرة الموضوع هذه وفقرة المصيبة في آخر المجالس وإن كان على مستوى آخر.

إن الأساس في قوة الخطيب كطرح هو هذا الموضوع وهذه المحاضرة التي يطرحها، قوة الموضوع الذي يتناوله وأهميته في الساحة.هل أن الناس تحتاج إليه؟ هل أن الأمة تشعر بأنها تسترفد

٥٤

من هذا الموضوع، بحيث ينعكس على أخلاقها، وينعكس على واقعها، وينعكس على سلوكها أم لا.

إن على كل خطيب أن يبذل أقصى جهوده حتى تكون له ثقافة جيدة من جانب وله قابلية لإذكاء عاطفة كربلاء من جانب آخر، عنده دراية ولديه قدرة في صياغة المحاضرة كما له قابلية في إستدرار الدمعة وتأجيج العاطفة.

صحيح، أن الشيء كلما ازدادت شروطه عزّ وجوده، كما يقول المناطقة، لكن بهذا يتميز الخطيب ويبرّز ويفضّل.

وكما سبق أن بينّا؛ فإن القصيدة موجودة ومتوفرة عند الخطباء وقرّاء العزاء، في دواوين وكتب معروفةٍ متداولة، ويمكن لكل واحد أن يقرأها، ولكن لا يمكن للخطيب الحسيني أن يكرر الموضوع بحذافيره، أو ينقله من الآخرين، نعم يمكن أن يستفيد من طرح بقية الخطباء.

والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني

ونؤكد دائماً إنما يتمايز الخطباء فيما بينهم بالمحاضرة، وبما يكون مجالاً للإبداع والعطاء، وفي بعض المجالس المهمة قد يستغني عن القصيدة بعد المقدمة، وتعظم أهمية الموضوع إذا عالج مسألة من الواقع، أو عقد مقارنةً بين الحاضر ومصيبة أهل البيتعليهم‌السلام .فإذا طرح الخطيب موضوع الدين مثلاً، وأهميته في المجتمع ودوره في التربية وخير الإنسان، ويتم التركيز على الدين بأنه أساسي وضروري للإنسان فرداً ومجتمعاً، ويورد أدلة وشواهد وإحصاءات، ثم يقول بعد ذلك وأنه قد ضحى من أجل الدين الأنبياء والأئمة.الدين الذي هو أساس العزة

٥٥

والكرامة، ولهذا نجد أن العباس يوم عاشوراء، لما قطعت يمينه قال:

وهكذا يتم مجلسه ومحاضرته.

وإن خطيب المنبر الحسيني يحتاج إلى مدة ليست بالقليلة، يتعلم فيها ويتدرب، على كيفية إعداد المحاضرة النافعة لمنبره، كما عليه المزيد من الاستفادة من تجارب شيوخ الخطباء، والمزيد المزيد من التجربة والقراءة المستمرة.وأن لا يتلكأ عن الاستجابة لأي مجلس حتى تتكون عنده تراكمات إيجابية، تسهم في بروزه كمحاضر، وبنفس الوقت ليعرّج على كربلاء ويذكّر الناس بأيام الحسينعليه‌السلام .

إذاً ما هي العناصر التي إذا توافرت في الموضوع، فإن هذا الموضوع يكون جذّاباً ونافعاً؟

وكيف يمكن أن يكتب الخطيب محاضرة من محاضرات المنبر الحسيني؟

وما هي الشروط التي يجب أن يهيأها الخطيب حتى تكون محاضرته وموضوعه جيداً؟

وكيف يمكن أن يكون الخطيب الحسيني خطيباً متكاملاً؟ هذا ما يجب الحديث عنه.

لقد ذكرنا؛ كيف وصل المنبر الحسيني في هذه الأيام أو في هذه المرحلة، إلى منبر تربوي تثقيفي، أثقل كاهل الذين يريدون أن يخوضوا غماره، حيث يجب أن تتواجد فيهم عدّة مواصفات، ينبغي

٥٦

لهم أن يُجهدوا أنفسهم في توافرها، وكلما استطاع هذا الخطيب أن يتعب نفسه في تهيئة الشروط، التي ينبغي أن تتوافر، فإن نصيبه من النجاح يكون أوفر أو أكثر.

ولمزيد من التوضيح من جهة، ولكي تكون محاضرتنا علمية ونافعة من جهة أخرى، فإنه يمكن لنا أن نقول:

إن المحاضرة يمكن أن تُقسّم إلى عدة خطوات:

أ- فقبل الدخول في صلب الموضوع هناك عنوان للمحاضرة.

ب- يأتي بعد ذلك التمهيد.

ج- صلب البحث.

د- ثم الإعداد لفقرة التخلص بالانتقال إلى المصيبة.

فحينما يبدأ الخطيب بالموضوع، يبدأ بعنوان من آية قرآنية أو حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أحد أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، أو قد يكون بيت شعر مع شرحه أو حكمة معينة، فلا بد أن يبدأ الموضوع بعنوان للمحاضرة.فإذا أراد طرح محاضرة حول موضوع الصبر فعليه أن يبدأ بآية تتحدث عن الصبر، وإذا كانت المحاضرة عن موضوع أخلاقي فتختار آية أو حديث أو حكمة تتحدث عن الأخلاق، وهكذا ففي المثال الأول وحينما تطرح الآية القرآنية مثل قوله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ . أو﴿ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ حيث يفهم المستمع أن المحاضرة ستدور حول الصبر.

إن من الأسس المهمة لنجاح كل عمل، أن يبني هذا العمل وفق خطّة علمية صحيحة.وكلما كان هذا العمل مستوعباً شرائط هذه الخطّة

٥٧

فإنه يكون أكثر حظّاً في النجاح والتوفيق.ولهذا نجد أن من فوائد الدراسة الأكاديمية وخاصة الدراسات العليا، أنها تجعل ذهنية الطالب والباحث، تسير وفق أسلوب علمي، وخطوات مدروسة تعتبر كل خطوة تمهيداً للخطوة التالية.وقد ألّفت كتب خاصة مهمتها كيفية كتابة بحث علمي من رسالة أو أطروحة.

وخطيب المنبر الحسيني، له في مجلس من مجالسه بحث مطروح، فهو -في الواقع- باحث علمي، يختار عنوان بحثه، ثم يشمّر عن ساعد الجهد والبحث حتى يعطي كل عناصر القوة والعلم لموضوع بحثه، الذي يتناول حقولاً شتى.

فإذا كان طالب الدراسات العليا في الجامعات، يحتاج إلى أسلوب البحث العلمي عندما يقدم رسالته (الماجستير) أو أطروحته (الدكتوراه) فقط فإن خطيب المنبر الحسيني يحتاج هذا الأسلوب في كل مجلس من مجالسه، وحسب الإمكانيات والظروف المتوافرة.مع الأخذ بالاعتبار مميزات وخصائص البحث الذي يتناوله خطيب المنبر الحسيني.

إن النقاط الأربع المذكورة أعلاه، يمكن أن تشكّل النقاط الأساسية التي تمثّل الطريق الأفضل، لإعداد محاضرة نافعة ومفيدة لروّاد المجالس الحسينية المباركة، وبما تعين الخطيب على تلمّس الخطوات الأكثر علمية في عمله الرسالي المبارك.

وأفضل عنوان يختار في محاضرة المنبر الحسيني هو آية من القرآن الكريم، وهو ما تميزت به مجالس الشيخ أحمد الوائلي.وهو ما سنواصله في درسنا القادم، إن شاء الله.

٥٨

الدرس الثامن:

تطور محاضرة المنبر الحسيني

جرى الكلام في الدرس السابق عن محاضرة المنبر الحسيني، وأهميتها في تميّز الخطباء، ثم ذكرنا الخطوات التي نجدها الطريقة الأفضل لإعداد هذه المحاضرة.وبدأنا بعنوان المحاضرة وقلنا أن الأفضل أن تكون آية قرآنية كريمة.وكانت مجالس الشيخ أحمد الوائلي بهذه الميزة قد فرضت جوّاً يؤيدها في أعراف المنبر.

والواقع أن الشيخ أحمد الوائلي أحدث نقلة في موضوعات المنبر الحسيني حينما بدأ بآية قرآنية، وكان قد مرّ بنا في دروس سابقة أن الشيخ كاظم سبتي هو أول من بدأ محاضراته بقطعة من نهج البلاغة، ولم يكن هذا الشيء مألوفاً سابقاً، إذ كان خطيب المنبر الحسيني يقرأ القصيدة ويأتي بخبر تأريخي أو بقصة بسيطة، أو بموعظة ثم يُعرِّج على كربلاء، وكان الشيخ كاظم سبتي يحفظ نهج البلاغة عن ظهر قلب، فدائماً يبدأ بقطع من نهج البلاغة ويشرحها وهذه الخطب هي مادة غنية يستطيع الإنسان أن يتحدث عن .الكثير من المفاهيم والأفكار.(راجع كتاب ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر محبوبة وهو يترجم للشيخ كاظم سبتي).كما كان لشيوغ المنبر البارزين إبداعاتهم في هذا المجال، وللأمانة التاريخية، فإن

٥٩

الشيخ الوائلي لم يكن هو أول خطيب يفتتح محاضرات بآية من القرآن الكريم، فقد سمعت العلامة المرحوم السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب (ت: ١٤١٤-١٩٩٤) يقول: كان الشيخ محمد علي اليعقوبي تارة يبدأ مجالسه بآية وتارة بحديث وأخرى بقطعة من نهج البلاغة.أما الشيخ الوائلي فقد ألتزم الآية القرآنية عنواناً لمجالسه بصورة مستمرة حتى صارت سمةً له.

يقول الشيخ الوائلي: في كتابه (تجاربي مع المنبر الحسيني) أنه قد قال له أحد أصحاب المكتبات: أن عنده أجزاءً من التفسير الكبير للفخر الرازي لكنه ليس كاملاً، ولما قرأ الشيخ الوائلي الكتاب، وجد فيه أبعاداً غريبة ورائعة في تفسير كل آية؛ حيث تفسر إلى عدة آراء وأبعاد، مما جعل الكتاب يجذبه بشدة، يقول الشيخ: لم أترك هذا الكتاب إلا عندما أنهيته، ومنذ ذلك الوقت تغير أسلوب الشيخ الوائلي كثيراً، وصار عنده توجه آخر حيث أخذ يعتمد على هذا التفسير وبشكل بارز.

إن مما يميز محاضرة وموضوع المنبر الحسيني أن على الخطيب أن يأتي بشواهد من الأدب أو التاريخ أو العلم أو الحديث على القول الأول، وشواهد أخرى على القول الثاني وشواهد ثالثة على القول الثالث، وهكذا وذلك حينما يذكر الآراء المختلفة في تفسير آية ما.حتى يكتمل المجلس ويشبع الموضوع.مثلاً، عندما يتحدّث الخطيب عن العلم، فإن عليه أن يأتي بأحاديث حول العلم وبقصص وشعر حول العلم، وقد يأتي بها من عدّة مصادر، لكي لا يكون هناك ملل أو سأم

٦٠