دروس في بناء المجلس الحسيني

دروس في بناء المجلس الحسيني 0%

دروس في بناء المجلس الحسيني مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 158

  • البداية
  • السابق
  • 158 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21607 / تحميل: 3847
الحجم الحجم الحجم
دروس في بناء المجلس الحسيني

دروس في بناء المجلس الحسيني

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

يبعد المستمعين عن الخطيب ومحاضرته، وحتى يتماسك الموضوع، ويخرج المستمع بوضوح في الرؤية.بل ولكي يبقى روّاد المجالس الحسينية مستذكرين للمطالب الأساسية في الموضوع، عبر تذكرهم القصص والشواهد التاريخية والأدبية.ولهذا كان لا بد من الاهتمام بالمصادر التي توفّر هذه الشواهد وسيأتي الحديث عنها.إن أفضل ما يمكن للخطيب أن ينطلق منه القرآن الكريم؛ الذي عالج كل ما يحتاجه الإنسان، حيث أكد على الأخلاق والآداب وقصص الأنبياء ومختلف شؤون الحياة، هذا في المجالس العامة.أما بالنسبة لمجالس المناسبات أي التي تعقد في ذكريات المعصومينعليهم‌السلام .فإنها تعتمد على أمور:

١- العنوان

فإن على الخطيب أن يختار العنوان الملائم للمناسبة، ففي استشهاد الإمام عليعليه‌السلام يختار الخطيب آية قرآنية نزلت في حقّهعليه‌السلام أو حديثاً في حقه أو كلمة من كلماتهعليه‌السلام .وفي استشهاد الزهراءعليها‌السلام يجب أن يختار الخطيب قولاً للسيدة الزهراءعليها‌السلام أو مقطعاً من خطبتها أو قولاً لأمير المؤمنين أو قولاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهاعليها‌السلام أو قول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحسنعليه‌السلام أو الحسينعليه‌السلام في مناسبات الحسنينعليهما‌السلام .إن مجالس استشهاد المعصومينعليهم‌السلام ينبغي أن يبدأ بحديث أو بآية قرآنية تتعلق بأهل البيتعليهم‌السلام مثلاً الآية التي تقول﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا أو آية المباهلة أو الإطعام وذلك حسب المناسبة.أما في

٦١

المجالس العامة فإن أفضل ما يبدأ الخطيب به هو القرآن الكريم كما ذكرنا ذلك، لأن القرآن له جاذبية خاصة وقوة وتأثير خاص في النفوس.

إذاً الخطيب حُرٌّ بأن يختار العنوان الذي يراه مناسباً، لكن أفضل العناوين القرآن الكريم، ومع اتساع مجالسنا وحضور مسلمين من كل المذاهب، فإن القرآن هو أفضل ما يمكن أن يوحِّد المسلمين.

٢- التمهيد

هذا ما يتعلق بالعنوان، وبعد ذلك على الخطيب أن يبدأ بالتمهيد فإذا كان موضوعه حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يأتي بعنوان ينطلق بآية فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر مثل قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وبذا يهيئ الخطيب ذهن المستمع للموضوع الذي يريد أن يتحدث عنه.ثم لا بد بعد ذكر العنوان من تمهيد مناسب ينبّه المستمعين إلى المحاضرة، كأن يقول مثلاً كتمهيد لموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن الإسلام جاء هبة ونعمة من الله تعالى لكي يسعد هذا الإنسان، إذا اتبع قيم الإسلام ومفاهيمه ومبادئه فإنه يعيش في سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة، ولهذا فإن الإمام عليعليه‌السلام يقول في كتابه إلى مالك الأشتر لمّا ولاّه على مصر، في حق الشريعة: واعلم أنه لا يسعد أحد إلا بإتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها ونكرانها.

والشريعة الإسلامية جاءت لخير الإنسان، ولهذا فإنها قد وضعت عدة أمور لكي تحافظ على هذا المجتمع المسلم ولكي تؤسس السعادة

٦٢

له، ومن هذه الأمور التي وضعتها يأتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

هذه الأسطر نموذج عن تمهيد مقترح لموضوع حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكمثل آخر لتمهيد آخر تقول مثلاً: أن الإسلام سعى إلى أن يربى الإنسان المسلم على أن يكون ذا حسّ بالمسؤولية وعلى أن يكون شاعراً بالمسؤولية الملقاة عليه، لأن الإنسان أساساً هو خليفة الله في أرضه، والإنسان مخلوق مسؤول وهو يختلف عن بقية الحيوانات ففيه جانب العقل وجانب الشهوة.والإسلام جاء ليركز مفهوم المسؤولية في ذهن الإنسان المسلم ويربيه على أن يكون له حسٍّ اجتماعي مسؤول،ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا أسلوب آخر لتمهيد حول نفس الموضوع، إذن فعلى الخطيب جهد الإمكان أن يبدأ بتمهيد قبل أن يدخل في صلب الموضوع.وأما مصادر التمهيد فإنها تأتي من كثرة المطالعة، وكثرة القراءة وكثرة الاهتمام بالفقه الإسلامي ومتابعة الثقافة الإسلامية،التي تؤدي إلى نضوج عقلي وذهني ومستوى من الفهم الإسلامي والثقافة الإسلامية العامة ومن خلالها يستطيع الخطيب أن يهيئ لكل موضوع تمهيداً.والتمهيد يجب أن يكون قصيراً وفيه جاذبية، تهيئ المستمع للمحاضرة بحيث لا يستوعب المحاضرة، كما وينبغي أن تكون نفس المحاضرة فيها جاذبية بحيث تستقطب أذهان المستمعين وتجذب استماعهم، كما ألمحنا إلى ذلك.

إن التمهيد هو أول إطلالة على المستمع، وقد يكون التمهيد عبارة

٦٣

عن خبر أو عن قصة، أو مأخوذة عن مجلة أو جريدة، أو فكرة مستلّة من كتاب أو أي أمر يشدّ الناس إلى المحاضرة وبما يناسب موضوعها.

فلو أردنا طرق موضوع يتحدث عن الجوار وعن الجيران مثلاً فإنه يمكن أن يقال كتمهيد أن المجتمعات الغربية فقدت الكثير من العلاقات الإنسانية، حيث ذكرت بعض الصحف والمجلات، أن هناك جاراً في النرويج لم يتعرف على جارهِ خلال اثنين وعشرين سنة وهما يركبان نفس الحافلة ويرجعان طوال هذه المدة الطويلة وهو جار له في منطقته كذلك.إن هذا الخبر يشد المستمع إلى المحاضرة، وننطلق منه لنؤكد كيف أن الإسلام أكد على مسألة حسن الجوار، بالرجوع إلى الآية الكريمة المتعلقة بالجوار.وبعد هذا التمهيد تكون المحاضرة قد توفرت لديها عوامل استماع الناس وشدهم إليها.

وبعد اختيار التمهيد نسأل عن كيفية كتابة المحاضرة، وكيفية تهيئة الموضوع؟

وما هي الشروط التي يجب أن تتوافر في المحاضرة حتى يصل الخطيب بها إلى مستوى بحيث يجذب وينفع ويفيد الآخرين.

هذا ما سنتوقف عنده في درسنا القادم إن شاء الله.

ولا بد أن نؤكد هنا، أن الخطيب يكون في حاجة ماسة جداً إلى حسن البيان وإلى الأسلوب الأدبي، لأن الخطابة لا تكتمل بأخذ دروس في علم الخطابة، حيث تعطى قواعد عامة بل هي توجه ذاتيّ عند الإنسان إلى حدّ كبير، حينما يكون عنده رغبة خاصة واستعداد فعليه أن يسعى لتنميتهما وتقويتهما، وتأتي دورات الخطابة الحسينية

٦٤

كأسلوب لتوجيه القدرات الذاتية، ولذلك يقال: إذا أردت أن تنجح في عملك عليك أن تكون محبّاً لهذا العمل عاشقاً له، فكيف إذا كان هذا العمل ذا أبعاد رسالية وشرعية، حيث يمس عقائد الإنسان المسلم وفكر أهل البيتعليهم‌السلام ويتناول تفسير القرآن.إنها مسؤولية كبيرة، فعلى الخطيب أن يتعب نفسه ويجهد تفكيره وعقله، تعباً كثيراً ويحضّر تحضيراً مستمّراً، حتى يمكن أن يعطي العطاء النافع والعطاء المفيد، قال تعالى في كتابه العزيز﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ .

٦٥

الدرس التاسع:

كيفية ترتيب موضوع محاضرة المنبر الحسيني ١

تحدثنا في دروسنا السابقة عن نشوء المنبر الحسيني، وكيفية وصوله إلى هذا المستوى الذي عليه الآن.

وبروز مجموعة من الخطباء الذين رفعوا من شأن المنبر الحسيني ووسعوا من دائرة معالجاته واهتماماته ثم تحدثنا عن هيكلية المنبر الحسيني والفقرات التي تتألف منها الخطابة الحسينية، وهي المقدمة- القصيدة- الموضوع- الانتقال (التخلص)- الدعاء، ثم بينّا كيفية كتابة البحث حيث لا يُطلب فقط الإقتصار على الأشعار الرثائية والجانب المأساوي في واقعة كربلاء، بل أن المطلوب كذلك أن يقوم الخطيب بطرح الموضوع الذي ينمّي العقل، ثم يأتي دور العاطفة التي تحتاج إلى من يؤجهها ويوجِّهها بحيث يجعلها منسجمة مع أجواء كربلاء وبما يُهذِّب النفس وبما يناسب مع كرامة أهل البيتعليهم‌السلام .

أن الموضوع ولكي يتم كُلَّه ويكون بمستوى جيّد يقسم إلى أقسام كما مرّ بنا:

١- العنوان وأفضله الآية القرآنية الكريمة، حيث ستكون مضامينها وأبعادها هي مادة المحاضرة، وعلى الخطيب أن يطّلع على التفاسير التي تشكّل المادة الأساسية لمحاضرته التي تتناول آية قرآنية

٦٦

كريمة، وهنا يمكن أن نسأل:

ما هي التفاسير التي يمكن أن يستفيد منها الخطيب في هذا الباب؟

إن هناك عدة تفاسير للقرآن الكريم منها تفاسير قديمة وأخرى تفاسير حديثة.

ومن التفاسير القديمة مجمع البيانپ للطبرسي (للشيعة) ومن تفاسير السنة ..التفسير الكبير (للفخر الرازي) والذي كان له أثر كبير على منهج الشيخ الوائلي كما مرّ بنا في درس سابق.فعندما يأخذ الخطيب آية لها عدة تفاسير فإنها تفتح له عدة آفاق في كتابة المحاضرة.

أما التفاسير الحديثة:

فبالنسبة إلى تفاسير السنة يوصى بتفسير في ظلال القرآن لسيد قطب ففيه صياغة أدبية في تفسير كل آية وهي مما تغني وتنمي الجانب الأدبي، وهو شيء مهم في عموم الخطابة ولا سيما الخطابة الحسينية.فكلما كان الخطيب متألقاً في أسلوبه الأدبي، ويستخدم الألفاظ والمفردات الأدبية المناسبة، فإن تأثّر المستمع يكون أمراً واضحاً مؤكَّداً.

ومن كتب التفسير الشيعية الحديثة تفسير الميزان للسيد محمد الطباطبائي، ولكن الأنسب لمحاضرات المنبر الحسيني هو تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم شيرازي، إن تفسير الأمثل هو مجموعة تفاسير مختارة ويعطي عدة آراء.وبالنسبة لخطيب المنبر الحسيني فإن هذا التفسير يمكن أن يعتمد عليه ولو في بداية حياته الخطابية

٦٧

ثم يتوسع مع توسعه في الخطابة الحسينية.

هذه التفاسير وغيرها ترفع من مستوى الخطيب وتحسّن من أدائه، ويبدأ إبداع الخطيب وجهده الذاتي حينما يبدأ بعرض الموضوع وعرض الفكرة، وفيها يتضح إذا كان مميزاً أم لا، وإذا كان مطّلعاً أم لا.وللتذكير، فقد قلنا في درسنا السابق أن (التمهيد) يأتي بعد عنوان المحاضرة وهذا التمهيد قد يحصل من تفاسير القرآن نفسها.ولكنه يأتي في الأساس من خلال الثقافة الإسلامية العامة.كتب الثقافة الإسلامية العامة والمجلات وأي مصدر للأفكار، حيث يقوم الخطيب بعملية اقتناص للأفكار والنقاط التي تجذب المستمعين إلى المحاضرة وتشدّهم إليها.

ونورد مثالاً آخر كما ذكرنا أمثلة سابقة في درس سابق عن التمهيد.فإذا أردنا أن نتطرق إلى موضوع الإنفاق مثلاً فيمكن أن نقول كتمهيد، من فكرة وردت في بعض الكتب الإسلامية، تقول: إن مكافحة الفقر في الإسلام يساهم فيها الفرد المسلم كما تسهم بها الدولة.

ولا يقتصر فيه على الدولة فقط كما في الأنظمة الغربية، وهذا يمكن أن يكون تمهيداً لموضوع الإنفاق في الإسلام، وخلال التمهيد يكون المجال واسعاً أمام الخطيب لجذب الجمهور، ثم تأتي مهمة الموضوع، ويأتي بالبحث نفسه، وهو مادة الموضوع وهذه المادة يجب أن تكون على شكل نقاط جهد الإمكان لكي يتم تفاعل الجمهور مع المحاضرة أولاً، وتعينه على التذكر وعدم النسيان من جهة أخرى،

٦٨

إضافة إلى بروز المحاضرة بأسلوب علمي وشيق من جهة ثالثة.

عندما تكون المحاضرة ضمن نقاط، فإن الموضوع يكتسب نهجاً علمياً نافعاً، وهي تعين نفس الخطيب على التذكر ومتابعة المحاضرة، كما أن هذه النقاط وعندما يستمع لها الجمهور فإنه سينجذب نحو الخطيب كما قلنا يجب على خطيب المنبر الحسيني أن يحسن فن المتابعة الجماهيرية لمحاضراته، عليه أن يحمل دائماً همّ محاضرته حتى يوفّق للنجاح والتأثير.

أما إذا كان طرح الموضوع يتم بصيغة سرديّة ودون طرحه ضمن نقاط، فإنه قد يحصل تنافر وشرود ونسيان وملل، فعلى الخطيب أولاً أن يركز الموضوع في ذهنه بالذات على شكل نقاط.نقطة أولى ونقطة ثانية ونقطة ثالثة، وهي النقاط التي نستفيدها من التفاسير والكتب الإسلامية والثقافية العامة، التي ينبغي على الخطيب أن يقرأها في متابعة لكل شيء يفيده.

إذن، فقد بدأنا الموضوع أو المحاضرة بعنوان وبعد العنوان اخترنا تمهيداً مناسباً للمحاضرة استفدناه من عموم ثقافتنا ومطالعاتنا، ثم يأتي دور صلب المحاضرة التي ذكرنا أنه يفضَّل كونها ضمن نقاط، وهي التي نستفيدها من التفاسير التي تعطينا عدة معانٍ للآية أو نطرح أمامنا أكثر من بُعدٍ للآية القرآنية المباركة، فعلى سبيل المثال لو كان عنوان المحاضرة حول الإنفاق، فيمكن أن تكون المحاضرة حول أنواع الإنفاق، إذ يمكن أن ينظر إلى الإنفاق بعدة أنواع: منه الإنفاق المالي ومنه الإنفاق العلمي، و الإنفاق بالنفس وبالروح من أجل الله عزّ

٦٩

وجل، ثم يأتي إلى بيان كل نقطة، فإذا ذكر الإنفاق المالي فإن على الخطيب أن يهيئ حول هذه النقطة ما يبينّها ويشرحها مسندة بالنصوص المناسبة المطلوبة، ويرصّع كل نقطة بما يمتلك من شواهد مثل بيت شعر مناسب أو قصة ملائمة لنقطة البحث هذه.

ونؤكد؛ أنه يجب أن تكون المقطوعة الشعرية أو القصة متناسبة مع كل بعد أو معنى من أبعاد ومعاني الآية، فالمهم أن يشبع البحث بتنوع أدواته، بحيث يكون المجلس مائدة متنوعة؛ فيجد الإنسان أن نفسه تُقبل على هذه المائدة، كما يُقبل المدعو على الطعام فهو حينما يرى المائدة متنوعة فإن نفسه تقبل عليها، فكذلك المستمع عندما يستمع إلى الخطيب وهو مرة يأتي بقصة ومرة بحديث ومرة بشعر ومرة يقوم بإجراء مقارنة وتارة بإحصائية أو دراسة حديثة، فحينها يشعر المستمع، أن عند الخطيب عطاءً متنوعاً وفائدة متعددة، فينجذب إليه وتتم الاستفادة ومن ثمّ التربية والإعداد، وهكذا يؤدي المنبر الحسيني رسالته التربوية المطلوبة.

يجب أن لا نُغفل النصوص، وخاصة الأحاديث الشريفة عن المعصومينعليهم‌السلام ، حيث تقوم بدور كبير في تركيز المفهوم وتقوية النقاط وشد المستمع.

ومن الكتب المميزة والميسرة، في تهيئة الأحاديث المناسبة لمختلف المواضيع في هذا الباب؛ كتاب ميزان الحكمة، وهو كتاب رائع ومبوب لعناوين وموضوعات كثيرة التي يمكن أن يستفيد منها الخطيب، والموضوعات الواردة هي حسب الحروف الأبجدية، وقد تكون

٧٠

الأحاديث بذاتها، هي التي تفتح للخطيب أبواباً جديدة في المحاضرة.أحاديث معينة في موضوع معين تفتح آفاقاً جديدة لم تكن قد اكتشفها الخطيب من قبل، أحاديث وروايات تغني الآية الكريمة بحثاً وأبعاداً ومعانٍ فكما أن كتب التفسير تضع بين يدي الخطيب عدة آراء وأبعاد لكل آية بما تفتح أمامه مجالات الإبداع والتألّق، فإن وفرة الأحاديث عن أي موضوع من الموضوعات تفتح بدورها آفاقاً أخرى ومجالات جديدة تضاف إلى ما يستفاد من آراء المفسرين، إضافة إلى هذه الأحاديث والروايات تشكل شواهد مهمة لكلِ رأي أو بعد تفسيري نأخذ به.والكتاب من تأليف الشيخ محمدي ري شهري.وهو كتاب نافع جداً ولا يستغني عنه خطيب أو محاضر أو مؤلف كذلك.

إن مسؤولية خطيب المنبر الحسيني كبيرة ومتعددة، حيث ينهض الخطيب بمهمات كبيرة جداً.ويمكن لك أن تقدر عظم هذه المسؤولية في تلك التجمعات الحاشدة في مواسم الخطابة الحسينية في محرم وصفر وشهر رمضان، أو حينما يدعى الخطيب إلى جالية إسلامية مغتربة تستمع إلى محاضراته بكل نهم ولهفة.فخطيب المنبر الحسيني لا يمكن أن يحدد مصادر الخطابة الحسينية بنحو معين من المؤلفات، إذ أن كل شيء يمكن أن ينفعه في مجالسه من المجلات والكتب والقصص، مصدر يوفر المعلومة النافعة التي يمكن للخطيب أن يوظّفها في المحاضرة، ومن خلالها يستطيع الخطيب أن يوصل رسالته.وأذكر هنا كلمة لأحد أساتذة المنبر الحسيني وهو المرحوم العلامة السيد عبد الزهراء الحسيني حينما قال له أحد الخطباء:

٧١

لقد نضبت محاضراتي ولا أجد ما أتحدث عنه!! فقال له السيد الحسينيرحمه‌الله : يمكن لك أن تتحدث في موضوعات من آدمعليه‌السلام إلى عبد الكريم قاسم.الذي كان رئيساً للعراق آنذاك.نعم فمساحة الخطابة الحسينية واسعة ومتعددة.

وعلى الخطيب أن يتعب ليله ونهاره باستمرار فهو في همٍّ وتوثّب لا يهدأ، يقنص كل شاردة وواردة يمكن أن تعينه ذات يوم على محاضرة من محاضراته، أو جلاء فكرة من الأفكار التي يريد طرحها.

وعوداً إلى مثالنا السابق.عندما تحدثنا عن الإنفاق وأن له عدة جوانب، هناك إنفاق بالمال والعلم وبالنفس حيث يوظّف ما عنده من أحاديث وأفكار وأشعار وقصص في كل جانب من جوانب الإنفاق التي ذكرها والتي ينبغي أن تكون ضمن نقاط كما أسلفنا.ثم يقول في نهاية مجلسه أن الإمام الحسينعليه‌السلام جسَّد كل أنواع العطاء هذه يوم عاشوراء، أنفق كل أمواله في سبيل الله، ونشرعليه‌السلام للناس من علمه وما ترك شيئاً من ما عنده من أقوال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق أهل البيتعليهم‌السلام إلا وأخبر الناس به.

وعندما رأى الإمام الحسينعليه‌السلام أن الناس لم يستفيدوا من العلم ومن الحجج الدامغة نزل عندئذٍ إلى الميدان بسيفه ليعطي نفسه الزكية فداءً لدينه.وهكذا يعرِّج على كربلاء وآلامها.إن على الخطيب أن يستنفر طاقات نفسه بأن يهيئ المحاضرة التي تكون حاوية للأمور المهمة والنافعة ويرصّع محاضرته بالشواهد المناسبة من النصوص والأدب والتاريخ.

٧٢

ونؤكد على ضرورة أن يكون الموضوع مؤلفاً من عدة نقاط، ونعود ونذكّر بأن إيراد النقاط فيها فوائد عدة:

١- تجعل الجمهور يتابع المحاضرة مع الخطيب.

٢- النقاط نفسها تعين الخطيب على التذكر.

٣- ترفع حالة السأم وتشد الجمهور تجاه الخطيب.

ثمّ يتبارى الخطباء في كثرة ما عندهم من معلومات وكثرة ما عندهم من ثقافة.

إنّ خطيب المنبر الحسيني لا يمكن أن تحدَّد ثقافته بمصدر معين، كل شيء نافع هو مما يعني الخطيب بما يزوده من معلومات.فحتى إذا لم يستفد منها في وقته، فقد يأتي الوقت المناسب لذلك.

ولهذا على كل خطيب أن يكون لديه دفتر خاص يجعله معه، ويرافقه أينما يذهب ويدون فيه كل شيء، فقد تقرأ بيتاً من الشعر وأنت في الشارع، أو تقفز إلى ذهنك فكرة، فعليك تسجيلها في دفترك هذا، فهذا الدفتر يكون للخطيب نِعْمَ الـمُعين وهو مفيد جداً له.هذا الدفتر الجيبي مما يلازم الخطيب الناجح بل إن المطلوب من كل إنسان يسعى لأن يفيد الناس، فإن عليه أن يدوّن ويسجّل كل شيء يمكن الإستفادة منه ولو مستقبلاً؛ كما يجب عليه الإحتفاظ والاستفادة من الكتب الأدبية لحفظ النصوص والأشعار والشواهد الأدبية.وكذا يقال عن المؤلفات التاريخية والثقافية العامة.

ولا نحتاج إلى تأكيد أهمية الكتب والمصادر التي تشكل القاعدة الأساسية لثقافة كل خطيب حسيني، وهي كتب المقاتل؛ الجديدة منها

٧٣

والقديمة.فالتي تعتبر ذات أثر كبير في الأهمية والخصوصية في ثقافة ومعلومات خطيب المنبر الحسيني لأن مادة المقاتل تعتبر الركن الأساسي الذي بني عليه المنبر الحسيني في نشوئه وكل مراحل تطوره، كما أن لكتب المقاتل من جهة والبحوث والدراسات والمؤلفات في ثورة الحسينعليه‌السلام من جهة أخرى أهمية كبيرة لا فقط في تهيئة (التخلص) أو (المصيبة) بل وفي صلب أبحاث المحاضرات التي تتلى في مجالس عاشوراء.

٧٤

الدرس العاشر:

كيفية ترتيب موضوع محاضرة المنبر الحسيني ٢

لقد قلنا أن أهم المصادر التي يمكن أن يعتمد عليها خطيب المنبر الحسيني في تهيئة الموضوع هي كتب التفاسير وكتب الأحاديث الشريفة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيتعليهم‌السلام وما كتبه العلماء والمفكرون والمؤلفون الإسلاميون من مؤلفات ودراسات تناولت الأبعاد المتنوعة للفكر الإسلامي ومدرسة أهل البيتعليهم‌السلام .إضافة إلى بعض المصادر التي تهيئ ما يسمى بالشواهد الأدبية والتأريخية من قصص وشعر وروايات، وبما يتلائم وفقرات الموضوع.

- ولقد ذكرنا أن الآية القرآنية: هي أفضل عنوان للمحاضرة في هذا المجال يمكن أن نستفيد من كتاب (المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم) للكاتب محمد فؤاد عبد الباقي هو كتاب مهم بالنسبة للخطيب حيث يتم من خلاله استخراج الآية وموقعها في القرآن الكريم بيسر ودقة.

- أما بالنسبة للمحاضرة: حيث يتم الاستفادة من كتب التفسير كما ذكرنا آية قرآنية وهي تعين كثيراً في هذا المجال وتفتح أمام الخطيب مجالات للإبداع والتألّق.وهناك كتب تفسير كثيرة ولعل من أنسبها للخطيب تفسير (الأمثل) لمؤلفه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي حيث أن هذا الكتاب يذكر لكل آية كريمة عدة آراء تعين الخطيب على

٧٥

وضع هيكلية نافعة لمحاضراته.

إن لكل كتاب تفسير ميزة، فبعضها لها اتجاه أدبي وبعضها لها اتجاه فلسفي وبعضها فيها اتجاه لغوي حسب اتجاه المفسرين واختصاصهم، ولهذا فإن من الأفضل لموضوع المحاضرة يجب أن يكون مشتملاً على آراء المفسرين من كافة الاختصاصات، حيث ينظر، كل واحد إلى الآية من بعد حتى تعطي الآية أبعاداً مختلفة بتعدد طرق الإستفادة منها.وعلى الخطيب مراعاة البيئة والمستوى الثفافي والتعليمي لدى الغالبية العظمى لروّاد مجالسه.

ثم يأتي دور أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت ولعل أفضل كتاب هو كتاب (ميزان الحكمة) وهو كتاب رائع جداً ومبوّب حسب الموضوعات كما سبق بيانه.

إذ فيه الأحاديث والروايات التي يحتاجها الخطيب ويُركّز على كل فقرة تُستفاد من الآية الكريمة وكل هذا إلى الآن ليس كافياً، وإنما يحتاج الخطيب إلى شواهد وقصص وأبيات شعر، ويحتاج إلى فكرة معينة، لطيفة معينة، حكمة معينة، وهذه تُأخذ من كتب تُعنى بالشواهد الأدبية والتأريخية (قصص وأشعار).وهي غير محددة بمصدر، وليس لها كتاب خاص إذ يمكن الاستفادة من كل شيء نافع ومفيد، حيث يمكن أن يستفيد الخطيب من برنامج إذاعة أو يستفيد من برنامج تلفزيون أو يستفيد من جريدة، من مجلّة، من بيت شعر مكتوب في الشارع فيسجله، حكمة يسمعها يسجلها.لكن هناك كتب تعتبر منجماً لهذه الشواهد إذ تكون حاوية للعديد من هذه الأمور ومن

٧٦

هذه الكتب (كتاب المستطرف في كل فن مستظرف)، المبوّب حسب الموضوعات في طبعته الجديدة.

ويمكن الاستفادة من كتب الكشاكيل مثل كشكول البهائي أو كشكول البحراني وبقية المصنفات التي صنعت بإسلوب كتاب الكشول.ويمكن أن نستفيد منها كمصادر للشواهد.

كما نذكر كتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربّه الأندلسي، وكتاب (محاضرات الأدباء) للراغب الاصفهاني والبيان والتبيين للجاحظ وغيرها.وكما نعلم فإن على عاتق الخطيب الحسيني تقع مهمة إفهام المستمع للأفكار والمفاهيم المطروحة، لذلك نجد الخطيب في همٍّ دائم ونشاط مستمر.إن الخطابة مهمة شاقة ومتعبة ويجب أن يكون لدى الخطيب الناجح دفتر خاص يحتوي على عدة حقول يرتب فيها الشواهد التي اقتنصها واستخرجها من مختلف المصادر والمراجع ولكي تسهل مراجعته لهذه الشواهد فإن من الأفضل له أن يجعلها ضمن حقول وأقسام فالحقل الأول مثلاً يكتب فيه كل ما يتعلق بالقرآن الكريم وشؤونه، والحقل الثاني يخصص للسيرة، والثالث للأخلاق، والرابع للحِكَم، والحقل الخامس للمواعظ، وهكذا.إن هذا الكتاب يسمى (المجموعة) وهو على شكل كشكول مبوّب.ولدى كل خطيب من خطباء المنبر الحسيني، وربما غيرهم كذلك، مجموعة أو عدة مجموعات خاصة به يدّخر فيها نفائس ما يحصل عليه من شواهد أدبية وتاريخية وغيرها.

وعندما يريد الخطيب أن يعالج موضوعاً ما، فإنه يرجع فيه إلى

٧٧

دفتره الخاص، هذا الدفتر الذي يعرفه الخطباء بـ (المجموعة) ولهذا لا يمكن أن يعتمد الخطيب على كتاب واحد في الشواهد.

وبالعودة إلى المصادر فإن من مصادر الشواهد: (كتاب الغدير) وهو أحد عشر مجلداً (للعلامة الأميني) يحتوي على أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير وكل ما قيل في الغدير شعراً وترجمة الشاعر وفيه مواضيع يستفيد منها الخطيب في مجالات مختلفة، تراجم، عقائد، أدب، تاريخ وغيرها.

كما لا يستغني الخطيب عنه كتاب (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ويحتوي الكتاب مجموعات من نقاط أدبية وتاريخية رائعة.

ومنها كتاب (حياة الحيوان الكبرى) للدميري وهو من الكتب الرائعة، فيه قصص وشعر وبشكل رائع وغريب، وهو مخزن للأشعار والقصص والطرائف فهو يأخذ حيواناً ما: مثل الخفاش، ثم يأتي بحديث يذكر منه الخفّاش كأن يقول أنه من طيور الليل فيذكر أنواع طيور الليل وما قيل فيها من قصص وشعر وأدب، وعن قصص وشعر حول الخفّاش يذكرها ويذكر كذلك تأويل ما معنى رؤية الخفاش في النوم.وسمعت الدكتور الشيخ الوائلي يقول:أنه قد قرأ كتاب حياة الحيوان الكبرى خمس مرات وهو متلهف أن يقرأه أكثر من ذلك.

ونذكّر أن أكثر ما يستفيد منه الخطيب كتب التفسير، والتفسير هو المتكفل بصياغة هيكلية المحاضرة ثم تأتي مرحلة استخراج الأحاديث المناسبة للآية، وما فسرت به، ويأتي بعد ذلك دور البحث عن الشواهد من قصص وأشعار التي يمكن أن توضِّح كل فكرة وكل نقطة.

٧٨

وتعريجاً على موضوع الإنفاق الذي ذكر كمثل في درس سابق حينما نأخذ الآية الكريمة التي تقول﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، وفيها أن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى المستوى الرائع إلا إذا أنفق مما أحب، هي فكرة جيدة يجب البحث عن قصة أو حادثة معينة وقعت مع إنسان مؤمنّ لكي تكون توضيحاً للموضوع ودعماً له، حتى يتفاعل الجمهور مع الفكرة.لهذا يستطيع الخطيب أن يأخذ نظرة عامة عن كيفية كتابة البحث كيفية كتابة المحاضرة كيفية تهيئة أدوات كل شيء موجود وعليه بعد ذلك البناء.

من الحكمة أن يعرف الخطيب كيف يرتب وينسّق معلوماته وشواهده حتى يكون هناك إنتاج جميل ويكون هناك منزل رائع وبناء يبهر الأنظار، ويستفيد الناس منه.هذه الخطوة أساسية في مسألة كتابة موضوع البحث والمحاضرة.إن التفاسير موجودة، والأحاديث متوفرة.والشواهد والقصص متناثرة في مصادرها، والأفكار مبثوثة في الكتب، وأجهزة الإعلام، والخطيب الحسيني الناجح هو من يسعى بجهد في جمع هذه المعلومات، ثم صياغتها وطرحها بأفضل أسلوب وأروعه.

إن مشكلة بعض الخطباء، أنهم لا يستطيعون أن يميزوا ما بين ما هو نافع للناس وما هو غير نافع، فليس كل ما يُقرأ في الكتب يتكلم به على المنبر؛ هذا خطأ كبير قد يقع فيه بعض الخطباء لا سيما المبتدئين منهم، لأن عالم الكتب شيء وعالم المنبر والخطابة شيء آخر ولعل من أبرز الأمثلة في هذه المسألة، ما يذكر من أمور تتعلق بسيرة الإمام

٧٩

الحسينعليه‌السلام ، وأبرز رموز واقعة الطف، وما جاء فيها من أخبار وآثار وروايات وتفسيرات- ولهذا فقد يقرأ الخطيب رواية قد تكون غير محققّة أو مما يثير استغراباً أو ممّا يحتاج للتفسير والتوضيح، فإذا ذكرها على المنبر ببراءة واسترسال وإذا بالانتقادات توجّه إليه، وقد يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك.ولهذا على الخطيب مهمات لا يُبتلى بها غيره.

إن مهمة الخطيب الحسيني مهمة كبيرة عليه أن يستعين بالله عز وجل وبركات الإمام الحسينعليه‌السلام لنجاح مهمته وأداء مسؤوليته.

هذه معلومات عامة عن كيفية كتابة محاضرة في منبر الإمام الحسينعليه‌السلام ومن المهم جداً في توظيف الشواهد المطلوبة أن يعد كل خطيب دفتراً(مجموعة) ويفضل الدفتر الذي تقطع أطرافه لوضع عناوين تثبت فيها الشواهد الأدبية والتاريخية ويمكن أن يقسم هذا الدفتر أو المجموعة كما سبق أن بينّا إلى عدة أبواب:

١- القرآن: حيث يذكر فيه كل ما يتعلق بالقرآن من أقوال وقصص وأشعار وأبحاث وإحصاءات.فإذا كانت عندك محاضرة حول القرآن الكريم مثل الإعجاز أو تلاوة القرآن أو التدبر فيه أو أي علم من علوم القرآن، لجئت إلى هذا الباب فأخذت الشاهد المناسب.

٢- السيرة: ويذكر في هذا الباب كل ما يتعلق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام من قصص وأحاديث منتقاة وأحداث ومواقف وأشعار.حيث تأخذ من هذا الباب ما يغني محاضرتك إذا كانت حول سيرتهعليه‌السلام ، أو تأخذ من هذا الباب ما يقوي محاضرتك ويدعمها في موضوعات أخلاقية أو تربوية أو فكرية أخرى.

٨٠