زاد المناسبات

زاد المناسبات28%

زاد المناسبات مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 274

زاد المناسبات
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45693 / تحميل: 4469
الحجم الحجم الحجم
زاد المناسبات

زاد المناسبات

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وزكرياء، وميمون بن إبراهيم، ومحمد بن موسى المنجم، وأخاه أحمد بن موسى، وعلي بن يحيى بن أبي منصور، وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج وغيرهم نحواً من عشرين رجلاً، فوقع ذلك من المتوكل موقعاً أعجبه وقال له: أغد غدوةً فلما أصبح لم يشك في ذلك، وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له: يا أمير المؤمنين أراد أن لا يدع كاتباً ولا قائداً ولا عاملاً إلا أوقع بهم، فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين!

وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له، وأحضر موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فقال لهما عبيد الله: إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه فقتلكما، وأخذ ما تملكان، ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها بألفي ألف دينار، فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل يختلف بين أمير المؤمنين، ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، فلم يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن، ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك وخرج معهما فدفعه إليهما جميعاً والناس جميعا الخواص والعوام، وهما لا يشكان أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل فأخذاه وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك، فحبسه في ديوان الخراج بسامرا وضربه درراً وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد، وكان يتولى خاص أموره وأمر ضياع بعض الوُلد، أن يغرم واحداً وخمسين ألف دينار، وحلف على ذلك وقال إنه أخذ مني في أيام الواثق، وهويخلف عن عمر بن فرج خمسين ديناراً

٦١

حتى أطلق أرزاقي، فخذوا لكل دينار ألفاً وزيادة ألف فضلاً، كما أخذ فضلاً فحبس، ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم، ولم يطلق حتى أدى تعجيل سبعة عشر ألف دينار، وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي، وأخذ عبد الله بن مخلد فأغرم سبعة عشر ألف دينار، ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان أحد حجاب المتوكل، وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل، أن يضرب نجاح خمسين مقرعة إن هولم يقر ويؤدِّ ما وصف عليه، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك، ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك، فقال: أبلغ أمير المؤمنين أني ميت، وأمر موسى بن عبد الملك جعفراً المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج، فعصروا مذاكيره حتى برد فمات، فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث من وفاة نجاح، فقال لهما المتوكل: إني أريد مالي الذي ضمنتماه، فاحتالاه فقبضا من أمواله وأموال ولده جملة، وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع من قبل أبي صالح بن يزداد، وقبضا أمتعته كلها، وجميع ملكه، وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين، وأخذا ما أخذا من أصحابه الخ. ».

أقول: هذه صورة لإدارة دولة الخلافة الإسلامية، وتكالب خليفتها وكبار وزرائه على أموال المسلمين المستضعفين! فكيف يجوز تسميته خليفة رسول الله (ص)، وتلقيبه المتوكل على الله! وأي إدارة هذه؟ وأي خلافة لرسول الله هذه؟!

٦٢

نكب كاتب إيتاخ سليمان بن وهب ثم احتاج اليه!

روى التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة « 1 / 51 » كيف أخذ المتوكل كاتب إيتاخ، قال: « سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول: كان المتوكل من أغلظ الناس على إيتاخ، فذكر فيه حديثاً طويلاً، وصف فيه كيف قبض المتوكل على إيتاخ وابن وهب ببغداد لما رجعا من الحج بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب.

قال سليمان بن وهب: وساعة قبض على إيتاخ ببغداد قبض عليَّ بسر من رأى، وسُلِّمْتُ إلى عبيد الله بن يحي. وكتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بدخوله بسر من رأى، ليتقوى به على الأتراك، لأنه كان معه بضعة عشر ألفاً لكثرة الظاهرية بخراسان، وشدة شوكتهم، فلما دخل إسحاق أمر المتوكل بتسليمي إليه وقال: هذا عدوي ففصل عظامه! هذا كان يلقاني في أيام المعتصم فلا يبدأني بالسلام، وأبدأه لحاجتي فيرد عليَّ كما يرد المولى على عبده، وكل ما دبره إيتاخ فعن رأيه! فأخذني إسحاق وقيدني بقيد ثقيل، وألبسني جبة صوف، وحبسني في كنيف وأغلق على خمسة أبواب، فكنت لا أعرف الليل من النهار، فأقمت كذلك نحوعشرين يوماً لايفتح على الباب إلا حملةً واحدة في كل يوم وليلة، ويدفع إلى فيهما خبز شعير وملح وماء حار، فكنت آنس بالخنافس وبنات وردان، وأتمنى الموت لشدة ما أنا فيه » ثم روى كيف اضطر المتوكل للإفراج عنه لخبرته في تحصيل مالية البلاد التي كان يحكمها إيتاخ، وهي: مصر، والكوفة، والحجاز، وتهامة، ومكة، والمدينة. « النجوم الزاهرة: 2 / 275 ».

٦٣

قال: « فحُملت إلى مجلس إسحاق فإذا فيه موسى بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج، والحسن بن محمد صاحب ديوان الضياع، وأحمد بن إسرائيل الكاتب، وأبو نوح، وعيسى بن إبراهيم، كاتب الفتح بن خاقان، وداود بن الجراح صاحب الزمام، فطُرحت في آخر المجلس، فشتمني إسحاق بن إبراهيم أقبح شتم، وقال: يا فاعل يا صانع تعرضني لاستبطاء أمير المؤمنين، والله لأُفَرِّقن بين لحمك وعظمك، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، أين الأموال التي جمعتها من غير وجهها الرأي أن تكتب خطك بالتزام عشر ـ ة آلاف ألف درهم، تؤديها في عشرة أشهر، كل شهر ألف ألف درهم، وتَتَرَفَّهُ عاجلاً مما أنت فيه! فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام، وجاؤني بخلعة نظيفة فلبستها، وبخور طيب فتبخرت، واستدعاني إسحاق ..

فلما كان من غد حولني إلى دار كبيرة حسنة مفروشة، ووكل على فيها بإحسان وإجلال، واستدعيتُ كل من أردت، وتسامع الناس بأمري، وجاؤني ففرج عني، ومضت سبعة وعشرون يوماً، وقد أعددت ألف ألف درهم الخ. »!

٦٤

الفصل الثالث:

سياسة المتوكل مع الإمام الهادي (ع)

من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم!

من ثوابت الخليفة القرشي: أن يعمل للتخلص من خصومه بقتلهم بالسم، أوبالمكيدة، ليكون قتلاً ناعماً مسكوتاً عنه عند الناس!

وكان شعار معاوية المعروف: إن لله جنوداً من عسل! قاله عندما نجح في دسَّ السُّمَّ لمالك الأشتر حاكم مصر (رحمه الله). كما في المستطرف / 352، وغيره .

وقال معاوية: لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره. أي العمل الجدِّي المهم هو: أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه، فتزيحه من طريقك! « محاضرات الراغب: 1 / 531 ».

قال في جمهرة الأمثال « 2 / 376 »: « والمثل لمعاوية رضي الله عنه » قاله بعد قتله عبد الرحمن بن خالد، لأنه كان يعارض توليته لولده يزيد! « ورواه في الأمثال للميداني: 1 / 630، والمستقصى للزمخشري / 334، وطبقات الأطباء: 1 / 154: والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب: 1 / 172، والتذكرة الحمدونية / 1497، وتاريخ دمشق: 19 / 189 ».

وعلى هذه السياسة مشى خلفاء بني أمية وبني العباس، وكان المتوكل يعمل لقتل الإمام الهادي (ع) وهويعلم أنه إمام رباني، وأنه لا يعمل للسلطة! ولاحجة للمتوكل إلا خوفه من إيمان الناس بالإمام (ع)، فقد رأى أمه تطلب دعاءه، وتنذر له النذور!

٦٥

1. سَجَنَ المتوكل الإمام (ع) ليقتله فنجاه الله:

روى الصدوق في الخصال / 395: « عن الصقر بن أبي دلف الكرخي، قال: لما حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري (ع) جئتُ أسأل عن خبره قال: فنظر إليَّ الزُّرَافي وكان حاجباً للمتوكل، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك؟ فقلت: خيرٌ أيها الأستاذ. فقال: أقعد، فأخذني ما تقدم وما تأخر وقلت: أخطأت في المجئ! قال: فوحى الناس عنه، ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت؟ قلت: لخير ما، فقال: لعلك تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت له: ومن مولاي؟ مولاي أمير المؤمنين! فقال: أسكت، مولاك هو الحق فلا تحتشمني فإني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه؟ قلت: نعم. قال: أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له: خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وَخَلِّ بينه وبينه، قال: فأدخلني إلى الحجرة، فأومأ إلى بيت فدخلت فإذا به (ع) جالس على صدر حصير وبحذاه قبر محفور! قال: فسلمت فرد، ثم أمرني بالجلوس، ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك؟ قلت: يا سيدي جئت أتعرف خبرك؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت! فنظر إلي فقال: يا صقر لا عليك، لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله.

ثم قلت: يا سيدي حديث يروي عن النبي (ص) لا أعرف معناه، قال وما هو؟ فقلت قوله: لا تعادوا الأيام فتعاديكم، ما معناه؟ فقال: نعم، الأيام نحنُ ما

٦٦

قامت السماوات والأرض، فالسبتُ إسم رسول الله (ص) والأحدُ كنايةٌ عن أمير المؤمنين (ع)، والإثنين الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي، والجمعة ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحق، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

فهذا معنى الأيام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة. ثم قال (ع): وَدِّعْ واخرج، فلا آمن عليك ».

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: الأيام ليست بأئمة ولكن كنى بها (ع) عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق. كما كنى الله عز وجل بالتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي (ص) وعلي والحسن والحسين (ع) وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن، سئل الصادق (ع) عن قول الله عز وجل: أو لم يسيروا في الأرض، قال: معناه أو لم ينظروا في القرآن ».

ملاحظات

1. يظهر أن سجن الإمام (ع) في سامراء كان في إحضاره الأول الى سامراء، في أوائل خلافة المتوكل، ولم يسجن في سامراء بعدها.

2. أما الصقر بن أبي دلف، فهو من الكرخ وكان فيها شيعة لأهل البيت (ع) من زمن الإمام الصادق (ع) , وكانت بغداد: الكرخ وبراثا، ثم أسس المنصور بينهما بغداد المدورة، وقد وثقنا ذلك في سيرة الإمام الكاظم (ع).

٦٧

والحديث يدل على أن الحاجب زرافة كان يعرف الصقر ويحترمه، وكان يميل الى الشيعة، وقيل يكتم تشيعه عن المتوكل، وقد روى مدحه في الهداية الكبرى.

3. لايبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف الذي خرج على هارون الرشيد، ثم اتفق معه وصار والياً على بلاد الجبل من إيران، وأسس مدينة كرج. وقد كتبنا عنه في القبائل العراقية: قبيلة عِجل بن لُجَيْم.

وكان أبو دلف شيعياً متشدداً، وسكن قسم من أولاده في بغداد وآخرون في الحلة، وبقي قسم منهم في الجبل، ويشمل همدان وأصفهان وغيرهما، ومنهم ولاة في زمن الواثق والمتوكل.

4. سؤال الصقر عن معنى الأيام في الحديث النبوي، يدل على تعمقه في التشيع فقد كان مطروحاً وقتها موقع الأئمة (ع) التكويني، وتفسير قوله تعالى: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) . « التوبة: 36 ».

وكان في عصره بوادر ظهور مذاهب الغلو في بغداد، وأشهرها مذهب الحلاج والشلمغاني، وبشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة، وهو مذهب مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي، قالوا: « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري، هم الموكلون بمصالح العالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ». « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 ».

٦٨

ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي، الملعون على لسان الإمام المهدي (ع)، فسُمِّيَ أتباعه بالكرخية والكرخيين.

قال الطوسي في الغيبة / 414: « وكان الكرخيون مُخمسة، لايشك في ذلك أحدٌ من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه، أكثر من أن تحصى، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا ».

أقول: أبو دلف المغالي بعد الصقر بن أبي دلف بسنين كثيرة، وقد يكون من آل أبي دلف أو على اسمه. ولم يكن الصقر من أهل الغلو، وسؤاله عن معنى الأيام وتفسيرها ليس من الغلو، لأن الآية تدل على أن مخطط الكون مبني على عدة الشهور الإثني عشر، وعدة أوصياء الأنبياء (ع) ونقبائهم، فهو قانون المنظومة العددية في تكوين الكون، وفي هداية المجتمع. وبحثه خارج عن غرضنا.

2. واتهم المتوكل الإمام (ع) بجمع السلاح للثورة عليه:

وقد أحضره ليلاً فأدخلوه على المتوكل وهو يشرب الخمر وأراد منه أن يشرب معه فأبى، بل وعظه فبكى المتوكل، وأمر برفع مائدة الخمر من مجلس الخلافة!

وقد روت ذلك عامة المصادر، ومنها المسعودي في مروج الذهب « 4 / 10 » بسنده عن محمد بن عرفة النحوي قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد: « وقد كان سُعِيَ بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحا وكتباً وغيرها من شيعته، فوجه إليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مَدْرَعة من شَعَرٍ، ولا بساط في البيت

٦٩

إلا الرمل والحصى، وعلى رأسه مَلْحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأُخذ على ما وجد عليه، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمَه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها. فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط فأعْفِنِي منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني. فأنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ

غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ

فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا

أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً

من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ

تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ

ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا

فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً

وساكنوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا

قال: فأشفق كل من حضر على علي، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلًا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر

٧٠

برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَينٌ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً ».

ورواها الذهبي في تاريخ الإسلام « 18 / 199 » ، فقال: « سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم، ومن نيته التوثب، فكَبَسَ بيته ليلاً فوجده في بيت عليه مدرعة صوف، متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات، فأُخذ كهيئته إلى المتوكل وهويشرب ». واليافعي في مرآة الجنان: 2 / 119، والقلقشندي في معالم الخلافة: 1 / 232، والأبشيهي في المستطرف: 2 / 874، وغيرهم، وغيرهم .

3. وكان يقول: أعياني أمرُ ابن الرضا!

كان المتوكل ذات يوم غاضباً متوتراً، لأنه عجز أن يجرَّ الإمام الهادي (ع) الى شرب الخمر، ثم يُظهره للناس سكراناً لتسقط عقيدتهم به!

وهذه لجاجةٌ منه لأنه يعرف أن الإمام (ع) من العترة الذين طهرهم الله تعالى! روى في الكافي « 1 / 502 »: « حدثني أبوالطيب المثنى يعقوب بن ياسرقال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا! أبى أن يشرب معي أوينادمني أوأجد منه فرصة في هذا! فقالوا له: فإن لم تجد منه، فهذا أخوه موسى قَصَّافٌ عَزَّاف، يأكل ويشرب ويتعشق. قال: إبعثوا إليه فجيئوا به حتى نُمَوِّهَ به على الناس ونقول ابن الرضا! فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها، وحول الخمارين والقيان إليه، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً، حتى يزوره هوفيه!

٧١

فلما وافى موسى تلقاه أبوالحسن (ع) في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط.

فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل، فإنما أراد هتكك، فأبى عليه، فكرر عليه. فلما رأى أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهوعليه أبداً!

فأقام ثلاث سنين، يبكر كل يوم فيقال له: قد تشاغل اليوم فَرُحْ فَيروح. فيقال: قد سكر فبكِّر، فيبكر. فيقال: شرب دواءً! فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه عليه ».

أقول: لما رأى الإمام (ع) إصرار أخيه على المنكر، وعلى إعطاء المتوكل مبرراً للطعن بإمامة العترة النبوية (ع)، دعاعليه بأن لا يلتقي بالمتوكل أبداً، وهو يعلم أن الله تعالى لا يردُّ له طلبة، فأخبره بأنه لن يجتمع مع صاحبه الخليفة الخمَّار أبداً!

هذا، وقد روي أن موسى المبرقع تاب بعد ذلك وأناب واستقام. وله ذرية كثيرة، وفيهم أبرار وعلماء أجلاء.

4. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام (ع):

« عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال: بعث يوماً المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن (ع) أن اركب وأخرج معنا إلى الصيد لنتبرك بك، فقال للرسول: قل له إني راكب، فلما خرج الرسول قال لنا: كذب، ما يريد إلا غير ما قال! قالا: قلنا: يا

٧٢

مولانا فما الذي يريد؟ قال: يظهر هذا القول فإن أصابه خير نسبه إلى ما يريد بنا ما يبعده من الله، وإن أصابه شرٌّ نسبه إلينا، وهويركب في هذا اليوم ويخرج إلى الصيد فيرد هو وجيشه على قنطرة على نهر، فيعبر سائر الجيش ولا تعبر دابته، فيرجع ويسقط من فرسه فتزل رجله وتتوهن يداه، ويمرض شهراً.

قال فارس: فركب سيدنا وسرنا في المركب معه والمتوكل يقول: أين ابن عمى المدني؟ فيقول له: سائرٌ يا أمير المؤمنين في الجيش، فيقول: ألحقوه بنا، ووردنا النهر والقنطرة، فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وتهدمت، ونحن نسير في أواخر الناس مع سيدنا، ورُسل المتوكل تحثُّه، فلما وردنا النهر والقنطرة امتنعت دابته أن تعبر، وعبر سائر الجيش ودوابنا، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته فلم تعبر، وعثر المتوكل فلحقوا به، ورجع سيدنا، فلم يمض من النهار إلا ساعات حتى جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته وزلت رجله وتوهنت يداه، وبقي عليلاً شهراً! وعتب على أبي الحسن (ع) قال: أبوالحسن (ع) إنما رجع عنا لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به، فقال أبو الحسن (ع): صدق الملعون ».

5. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام (ع) وتنذر له:

روى في الكافي « 1 / 499 »: « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال: مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها. وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون

٧٣

عنده صفة يفرج بها عنك، فبعث إليه ووصف له علته، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « بالضم عُصارة الدهن » فيداف بماء ورد، فيوضع عليه.

فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله، فقال له الفتح: هو والله أعلم بما قال. وأحضر الكسب وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن، ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته، فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت خاتمها. ثم استقل من علته فسعى به البطحائي العلوي، بأن أموالاً تحمل إليه وسلاحاً، فقال لسعيد الحاجب: أُهْجُمْ عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح، واحمله إليَّ.

قال إبراهيم بن محمد: فقال لي سعيد الحاجب: صرت إلى داره بالليل ومعي سلم فصعدت السطح، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة، لم أدر كيف أصل إلى الدار، فناداني: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدته: عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة، على حصير بين يديه، فلم أشك أنه كان يصلي، فقال لي: دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً وقال لي: دونك المصلى، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس.

فأخذت ذلك وصرت إليه، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت قد نذرت في علتك لما آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه، وهذا خاتمي على الكيس، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته، ورددت السيف

٧٤

والكيسين وقلت له: يا سيدي عَزَّ عليَّ! فقال لي: وَسَيَعْلَمُ أَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

أقول: البطحائي العلوي، الذي افترى على الإمام (ع) هو مع الأسف: محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ع).

6. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار:

من غطرسة المتوكل وبذخه: أنه قرر بناء عاصمة قرب سامراء، وسماها سامراء وأجبر الناس على أن يبنوا بيوتهم فيها، وكان يعطيهم نفقاتها، أو قسماً منها.

فقال الإمام الهادي (ع) كما في الهداية / 320: « إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر، وأعوانه عليه الترك ...

ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري وما أمر به بني هاشم وغيرهم من الأبنية هناك ما تحدث به، ووجه إلى أبي الحسن (ع) بثلاثين ألف درهم، وأمره أن يستعين بها على بناء دار، وركب المتوكل يطوف على الأبنية، فنظر إلى دار أبي الحسن (ع) لم ترتفع إلا قليلاً، فأنكر ذلك وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان: عليَّ وعليَّ يميناً وأكدها: لئن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن (ع) لأضربنَّ عنقه، فقال له عبيد الله: يا أمير المؤمنين لعله في إضاقة، فأمر له بعشرين ألف درهم وجه بها إليه مع أحمد ابنه، وقال له: تحدثه بما جرى، فصار إليه وأخبره بما جرى فقال: إنْ رَكِب فليفعل ذلك! ورجع أحمد إلى أبيه عبيد الله فعرفه ذلك، فقال عبيد الله: ليس والله يركب »! أي قال رئيس الوزراء: إن المتوكل لن يركب، لأنه يعرف أن الإمام (ع) يتكلم بإلهام من الله تعالى!

٧٥

7. حاول المتوكل إذلال الإمام (ع) فدعا عليه:

« عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعياً أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً، ودون ولده وأهله، أراد أن يبين موضعه عندهم. فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن يَزَّينوا بأحسن التزيين، ويظهروا في أفخر عُدَدهم وذخائرهم، ويَخرجوا مشاة بين يديه، وأن لا يَركب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى!

ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رَجَّالَة، وكان يوماً قائظاً شديد الحر.

وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد (ع) وشقَّ ما لقيه من الحر والزحمة. قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت له: يا سيدي يعز والله عليَّ ما تلقى من هذه الطغاة، وما قد تكلفته من المشقة، وأخذت بيده فتوكأ عليَّ وقال: يا زرافة ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني، أوقال بأعظم قدراً مني، ولم أزل أسائله وأستفيد منه، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالإنصراف. فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري، ولوُلدي مؤدبٌ يتشيع من أهل العلم والفضل، وكانت لي عادةٌ بإحضاره عند الطعام، فحضر عند ذلك وتجارينا الحديث، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الأشراف وذوي الأقدار بين أيديهما، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد

٧٦

وما سمعته من قوله: ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني. وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده وقال: بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه؟ فقلت له: والله إني سمعته يقوله، فقال لي: إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك! فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أوسبب يجري.

فقلت له: من أين لك ذلك؟ فقال: أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة وقوله تعالى: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. ولا يجوز أن تبطل قول الإمام (ع)! قال زرافة، فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه، والفتح بن خاقان جميعاً، قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال الله نعمته ومملكته!

فلقيت الإمام أبا الحسن (ع) بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله، فقال: صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن، وهودعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله ». « مهج الدعوات / 267 ».

وفي الخرائج: 1 / 402: ذكر زرافة حديثه مع مؤدبه وقال: « فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يدي، فخرج. فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك، قال: فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما

٧٧

كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي، فتشيعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعولي وتوليته حق الولاية ».

وفي الثاقب / 539: « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال: دخلت على سعيد بن صالح الحاجب فقلت: يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك، وكان سعيد يتشيع. فقال: هيهات! قلت: بلى والله. فقال: وكيف ذلك؟ قلت: بعثني المتوكل وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل، ففعلت ذلك فوجدته يصلي فبقيت قائماً حتى فرغ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال: يا سعيد، لا يكف عني جعفر أي المتوكل حتى يقطع إرباً إرباً! إذهب واعزب، وأشار بيده الشريفة فخرجت مرعوباً ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه! فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية، فسألت عنه فقيل: قتل المتوكل، فرجعنا وقلتُ بها ».

أقول: كذب سعيد، فقد كان جلوازاً سيَّافاً عند بني العباس، ثم ادعى التشيع!

وفي الخرائج: 1 / 412: « حدثنا ابن أرومة قال: خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله، فلما دخلت عليه، قال: تحب أن تنظر إلى إلهك؟ قلت: سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار. قال: هذا الذي تزعمون أنه إمامكم! قلت: ما أكره ذلك. قال: قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه.

٧٨

فلم ألبث أن خرج قال: أدخل، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً، قال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى. قال: لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك. فسكن ما كان بي فقال: إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته. قال: فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه ».

8. أظهر الله قدرة وليه (ع) فخاف الطاغية:

روى الخصيبي في الهداية الكبرى / 322: « عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد الله الحسني، قال: دخلنا على سيدنا أبي الحسن (ع) بسامرا وبين يديه أحمد بن الخصيب ومحمد وإبراهيم الخياط، وعيونهم تفيض من الدمع، فأشار الينا (ع) بالجلوس فجلسنا وقال: هل علمتم ما علمه إخوانكم؟ فقلنا: حدثنا منه يا سيدنا ذكراً. قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعاً لحفدته وأهل مملكته: تقول شيعتك الرافضة إن لك قدرة، والقدرة لا تكون إلا لله، فهل تستطيع إن أردت بك سوءً أن تدفعه؟ فقلت له: وإن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو.

فأطرق ثم قال: إنك لتروي لكم قدرة دوننا، ونحن أحق به منكم، لأننا خلفاء وأنتم رعيتنا. فأمسكت عن جوابه، لأنه أراد أن يبين جبره بي، فنهضت فقال: لتقعدن وهو مغضب، فخالفت أمره وخرجت، فأشار إلى من حوله: الآن خذوه، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني! فصاح: الآن قد أريتنا قدرتك والآن نريك قدرتنا، فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت!

٧٩

فسقط لوجهه، وخرجتُ فقلت: في غدٍ الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا له. فبكينا على إمهال الله له وتجبره علينا وطغيانه.

فلما كان من غد ذلك اليوم، فأذن لنا فدخلنا فقال: هذا ولينا زرافة يقول إنه قد أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين، وأمره أن يرسل إليَّ فإذا حضرت مجلسه أخلى زرافة لأمته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به، ولن يقدر على ذلك.

فقلنا: يا مولانا إجعل لنا من الغم فرجاً. فقال: أنا راكب إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى. قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل، فركب وهويقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً. ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله، فما جلس حتى أتينا إليه فقال لنا: أجلسوا يا إخواني حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي، ومن مولاي أبي الحسن (ع)، فقلنا له: سُرَّنَا سَرَّك الله، فقال: إنه أخرج إلي سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري وأعلومولاي بالسيف فأقتله. فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفاً فاعلم ما يأمر به، وقد أخليت المجلس وأبطأت، فبعث إلي هذا الطاغي خادماً يقول إمض ويلك ما آمرك به. فأخذت السيف بيدي ودخلت، فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الأرض، وظهر منها ثعبان عظيم فاتحٌ فاه، لوابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بغير حقّ، أو جارك بغير حقّ، أو من هو أضعف منك، لا تحرّك يدك إلى ما لا يحلّ لك، لأنّ اليد سوف تشهد عليك غداً ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(١) ،" فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل" يوم القيامة

" ومن الناس اللائمة في العاجل، ولا تقبضها عما افترض الله عليها" أي لا تمسك يدك عن المسؤوليّات التي يريد الله لك أن تتحرّك فيها، فلا تمسك يدك عن الجهاد إذا كان الجهاد واجباً عليك، أو عن العطاء إذا كان العطاء واجباً، عليك أو عن الدفاع عن المظلومين إذا كان الدفاع عن المظلومين واجباً عليك، " لكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحلّ لها - أي تمسكها عن الحرام - وبسطها إلى كثير مما ليس عليها" أي ترسلها للحلال، فإذا التزمت هذا البرنامج في يدك بأن منعتها عن الحرام وأرسلتها للحلال

" فإذن هي قد عقلت وشرفت في العاجل، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل"(٢) .

____________________

١- يس: ٥٦.

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١١

١٤١

الإعداد لنصرة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف

المناسبة: ولادة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف

التاريخ: ١٥ شعبان

ورد في زيارة آل ياسين أن المؤمن الزائر يخاطب فيها إمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف قائلاً: " ونصرتي لكم معدّة" فكيف نكون صادقين في هذا الخطاب؟.

ذكر أهل البيتعليه‌السلام عناوين عديدة ينبغي للمؤمن أن يحقّقها في نفسه في عمليّة الإعداد لنصرة صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف منها:

الإخلاص لله تعالى:

فالإمام الجوادعليه‌السلام في حديثه عن المنتظرين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول:"..ينتظر خروجه المخلصون.."(١) ، وذلك لما

____________________

١- العلامة المجلسي- بحار الانوار- ج ٥١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٥٨

١٤٢

للإخلاص من دور في كمال الفرد ولدوره في استنزال المدد الغيبي والنصر الإلهي على الأمة.

الجهوزية القتاليّة:

فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : " ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإنّ الله تعالى إذا علم ذلك من نيته رجوت لأن ينسىء في عمره حتى يدركه فيكون من أعوانه وأنصاره"(١) .

الثبات في الموقف:

فقد تحدّث أهل البيتعليه‌السلام عن الابتلاء الذي يبتلى به أصحاب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حتى عبّر الإمام الصادقعليه‌السلام عنه بقوله: " إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر..وإنّ أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف يبتلون بمثل ذلك"(٢) .

وهذا الأمر بحاجة إلى إعداد نفسي وروحي بالصمود والثبات أمام الابتلاء، ليكون في زمرة أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف الذين وصفوا بثبات القلوب بقول الإمام الصادقعليه‌السلام : " إنّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد، لو مرّوا بالجبال الحديد، لتدكدكت

____________________

١- النعماني - محمد بن ابراهيم - كتاب الغيبة - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٣٥

٢- النعماني - محمد بن ابراهيم - كتاب الغيبة - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٣١

١٤٣

لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عزّ وجلّ"(١) .

توّلي ولي الأمر في غيبته والتبرؤ من أعدائه:

يشير الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إحدى الروايات إلى المدركين لظهور الإمام مميزاً فئة منهم لم تتولَّ الظالمين في غيبته كما أنّها لم تعش الفراغ السياسي على مستوى الولاء للقيادة بل كانت تتولى ولي الأمر الشرعي في غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وتتبرّأ من أعدائه فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مادحاً هؤلاء: " طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولى وليَّه ويتبرّأ من عدوه"(٢) .

وقد حدّد الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الولي الذي على المؤمنين توليه في غيبته في المكاتبة الواردة عنه وفيها: " أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله"(٣) .

علاقة المؤمن بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف :

إنّ الارتباط بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس ارتباطاً بفكرة عقائديّة بل

____________________

١- المغربي - القاضي النعماني - شرح الاخبار - ج ٣ -مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٦٩

٢- الشيخ الطوسي - الغيبة - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٥٦

٣- الريشهري - محمد - ميزان الحكمة - ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٤٣

١٤٤

بإنسان كامل حي جسداً وروحاً يعيش بيننا يرانا ونراه وهو إمام الأنس والجن بل إمام الكون وقوامه، فلو فقد من الأرض ساعة لساخت بأهلها، وعليه تعرض أعمالنا فيحزن لسيئها ويفرح لما حسُن منها، لذا فعند الحديث عن آداب العلاقة معه - أرواحنا له الفداء - علينا أن نبتدئ بتطهير نفوسنا والنظر في أعمالنا مراقبةً ومحاسبةً لتكون لائقة للعرض في محضر الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره : " علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وبعد النظر في صحيفة الأعمال قد نكون لائقين بجملة من آداب العلاقة مع الإمام الأعظم نذكر منها:

١- التشوّق إلى رؤيته:

فقد ورد أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ذكر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من ولده فأومأ إلى صدره شوقاً إلى رؤيته.وعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال - وهو يتشوّق لرؤيته -:"..ولو أدركته لخدمته أيام حياتي.."(١) .

وعلَّمنا أهل البيتعليه‌السلام أن ندعو الله لرؤيته، ففي أدعيتهم:

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -١٤٨

١٤٥

" اللهمّ أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني إليه.."(١) . " اللهم ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك المذكّر بك وبنبيك.."(٢) . " اللهم أرنا وجه وليّك الميمون في حياتنا وبعد المنون.."(٣) . وورد في دعاء الندبة:" هل إليك يا ابن أحمد من سبيل فتُلقى"(٤) .

٢- البكاء على فراقه:

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : " والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم..ولتدمعن عليه عيون المؤمنين.."(٥) .

٣- الدعاء له:

لا سيما دعاء: " اللهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن..."(٦) .

٤- زيارته:

لا سيما زيارة آل ياسين الواردة عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف يعلمنا

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -٩٦

٢- السيد ابن طاووس - إقبال الاعمال - ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -٥١٢

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -٩٥

٤- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -١٠٨

٥- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -٢١٨

٦- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج٢٦ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٤٩

١٤٦

فيها كيف نشعر بحضوره فنقول: " السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبيّن، السلام عليك حين تصلّي وتقنت السلام عليك حين تركع وتسجد"(١) .

٥- التوسّل به:

سواء في أمور الحياة الدنيا كما توسّل به الإمام القائد الخامنئي المفدّى}في مسجد جمكران من أجل نصر المقاومة الإسلامية في حرب نيسان.أو في أمور الآخرة شفيعاً لنا كما في دعاء التوسّل.

٦- الصلاة عليه:

فقد ورد استحباب الصلاة عليه في أكثر من مورد كما في دعاء الافتتاح وكالصلاة الواردة: " اللهم صل على الخلف الصالح الهادي المهدي، وإمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين"(٢) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -١٧١

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام -٢١

١٤٧

٧- القيام عند ذكر اسمه:

لا سيما" القائم" فقد ورد أنّ ذكر اسمه المبارك عجل الله تعالى فرجه الشريف في مجلس الإمام الصادقعليه‌السلام فقام تعظيماً واحتراماً له.

٨- التصدّق عنه:

فقد ورد في دعاء التصدّق حين السفر: " اللهمّ إنّ هذه لك ومنك وهي صدقة عن مولانا محمّد عجل الله تعالى فرجه الشريف وصلّ عليه بين أسفاره وحركاته وسكناته في ساعات ليله ونهاره".

هذه بعض آداب العلاقة مع الولي الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لتأديتها.

١٤٨

المسجد بين ضيافة الله ودور الناس

المناسبة: أسبوع المسجد

التاريخ: آخر أسبوع من شهر شعبان

فضّل الله بقاعاً في الأرض فنسبها إليه بيوتاً واعتبر زائرها زائراً له، فأوجب له الكرامة ألا وهي المساجد، ففي الحديث القدسي: " إن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهّر في بيته، ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر"(١) .

صور الضيافة الإلهية:

١- وتبتدئ كرامة الله لزائريه في بيته من أول المسير إليه، فعن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " من مشى إلى مسجد من مساجد الله، فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٨٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٧٣

١٤٩

ويمحي عنه عشر سيئات ويرفع له عشر درجات"(١) .

٢- وتستمر الضيافة الربانيّة في نفس الجلوس في المسجد، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر أبا ذر (رضوان الله عليه) قائلاً: " إن الله يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة وتصلي عليك الملائكة.."(٢) .

٣- وتعظم هذه الضيافة الإلهية بالصلاة في المسجد ليكون مكان الصلاة شاهد خير يوم القيامة، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : " صلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة"(٣) .

دور المسجد:

والثواب العظيم الذي عرضنا بعضه ليس إلا للدور الكبير للمساجد في حياة الإنسان والمجتمع فالمسجد:

١- بيت القرآن: فعن النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " إنما نصبت المساجد للقرآن"(٤) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٨٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٦٨

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٨٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٧٠

٣- العاملي - الحر - وسائل الشيعة (آل البيت)- ج ٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٨٨

٤- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٨٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٦٣

١٥٠

٢- بيت الصلاة والدعاء: فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : " عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض..فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء"(١) .

٣- بيت العلم: فعن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " من راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيراً أو ليعلّمه فله أجر حاج تام الحجة"(٢) .

٤- بيت الأخوة: فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : " لا يرجع صاحب المسجد بأقل من أحد ثلاث (منها)...أخ يستفيده في الله.."(٣) .

٥- بيت الوعي السياسي: فمن المسجد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبث الوعي في نفوس المسلمين، وعن هذا قال إمام الأمة الراحلقدس‌سره : " المسجد هو مركز الاجتماعات السياسية".

٦- بيت الدفاع عن المسلمين: فمنه كان ينطلق المسلمون بقيادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للدفاع عن الإسلام وفي هذا قال إمام الأمة الراحلقدس‌سره : " المسجد أحد خنادق الدفاع عن الإسلام،والمحراب محلٌّ للحرب".

____________________

١- السيد البروجردي - جامع أحاديث الشيعة - ج ٤ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٣١

٢- النيسبوري - الحاكم - المستدرك - ج ١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٩١

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٧٥

١٥١

فالمسجد منطلق المجاهدين المدافعين عن الإسلام الموطئين لدولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وكم من الشهداء الأبرار تخرجوا من المساجد بعد أن عمروها بقلوبهم فأعمرت قلوبهم.

من هنا شدّد الإمام الخمينيقدس‌سره على أهمية المساجد فكان يقول: " إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم".وكانقدس‌سره يقول: " لا تهجروا المساجد فإن ذلك هو تكليفكم".

ومن بركات توجيهات إمام الأمة الراحلقدس‌سره كان إعلان آخر جمعة من شهر شعبان أسبوعاً للمسجد، يؤكد فيها الملتزمون بالإسلام المحمدي الأصيل المتمثل بنهج الإمام الخميني إهتمامهم بالمسجد حضوراً فيه وتفعيلاً لدوره ليبقى مركزاً لتربية الإنسان وخندقاً للدفاع عن الإسلام.

١٥٢

حكمة الصيام

المناسبة: بداية شهر رمضان

التاريخ: ١ رمضان

تعددت النصوصُ الشريفة المبيِّنةُ لحكمةِ تشريع الصوم، ففي حين رسم القرآن الكريم (التقوى) هدفاً أساساً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(١) بيَّنت روايات أهل بيت العصمةعليه‌السلام أهدافاً متعدِّدة تصبُّ في خانة التقوى نذكر منها:

الشعور بالفقراء:

وهو ما ذكره الإمام الصادقعليه‌السلام لصاحبه الجليل هشام بن الحكم حينما سأله عن حكمة وجوب الصيام فقالعليه‌السلام : إنما فرض الله عز وجل الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك

____________________

١- البقرة: ١٨٣.

١٥٣

ان الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير، لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وان يذيق الغني مَّس الجوع والألم ليرقَّ على الضعيف فيرحم الجائع"(١) .

تذكر الآخرة:

فقد روي عن الإمام الرضاعليه‌السلام تبيان لحكمة الصوم بقوله: " لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة.."(٢) .

الصبر على الطاعة:

ويكمل الإمام الرضاعليه‌السلام الحديث السابق بقوله:"..وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش.."(٣) .

التحرُّر من سيطرة الشهوات:

ويكمل الإمامعليه‌السلام بقوله: " مع ما فيه من الانكسار عن

____________________

١- الشيخ الصدوق - من لا يحضره الفقيه -ج ٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٧٣

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٦٩

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٧٠

١٥٤

الشهوات …"(١) فالصوم يعرِّف الإنسان بقدرته على السيطرة على شهواته وعاداته لينظمها هو كما يريد بدل أن تجرفه هي إلى حيث تميل.

التذلل لله تعالى:

فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : " وعن ذلكَ ما حرسَ اللهُ عبادهُ المؤمنين بالصلواتِ والزكوات ومجاهدةِ الصيام في الأيام المفروضاتِ، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهمْ، وتخفيضاً لقلوبهمْ، وإذهَاباً للخُيلاءِ عنهمْ.لِما في ذلك من تعفيرِ عِتَاقِ الوجوه بالترابِ تواضعاً، والتصاقِ كرَائِم الجوارح بالأرض تصاغُراً، ولُحُوقِ البطون بالمُتُونِ من الصيام تَذُلُّلاً"(٢) .

تثبيت الإخلاص:

وهذا ما ذكرته سيدة نساء العالمينعليه‌السلام في خطبتها المعروفة قائلة: " فرض الله الصيام تثبيتاً للإخلاص"(٣) .

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٦ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٧٩

٢- خطب الامام عليعليه‌السلام - نهج البلاغة- ج ٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٤٩

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٦٨

١٥٥

ففي الصوم خصوصية بين العبادات عبَّر عنها أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله: " الصوم عبادة بين العبد وخالقه لا يطلع عليها غيره وكذلك لا يجازي عنها غيره"(١) .

فالصائم يشعر ولو كان وحيداً بمراقبة الله تعالى له مما يثبِّت حالة الإخلاص لله في نفسه، ومع مراعاة هذا الأدب الباطني يشعر الصائم بالأنس مع الله تعالى فيعشق عبادته ليكون افضل الناس كما حدثَّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:"افضل الناس من عشق العبادة فعانقها، واحبها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما اصبح من الدنيا على عسر أم على يسر"(٢) .

ولعل عشق العبادة التي منها الصيام يتبين حينما نتعرف على معنى العشق في اللغة، فإن كلمة العشق مأخوذة من نبتة تسمَّى " عشقة " تلصق نفسها بشجرة تعيش عليها ولا تتركها حتى تذبل الشجرة فيقال لها: أصابتها عشقة.

فالعاشق إنسان أصابته العبادة فصام لله تعالى واستكان إليه وخضع له فاصفر لونه و ضعف بدنه، لذا قالوا: ان من أسرار

____________________

١- ابن ابي الحديد - شرح نهج البلاغة - ج ٢٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٩٦

٢- الريشهري - محمد - ميزان الحكمة - ج ٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٧٩٦

١٥٦

الصيام هو انه يقلل النشاط الحيواني للإنسان مثل الشجرة التي أصابتها عشقة فاثر ذلك عليها.

وهذا العشق للصيام يوصل الإنسان إلى القرب الإلهي الذي بينّ الله تعالى مرتبته بقوله: " الصوم لي وأنا اجزي به"(١) ، فلم يكتف تعالى بالقول " الصوم لي " بل قال " وأنا أجزي به" فقدم ضمير المتكلم " أنا" على الفعل ولم يقل " وأجزي به" ليبين المرتبة العليا لمن سار في طريق عشق الصيام عشقا لكاتبه على الذين آمنوا لعلهم يتقون.

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٢

١٥٧

السيدة خديجة رضوان الله عليها : عنوان التضحية والوفاء

المناسبة: وفاة السيدة خديجة رضوان الله عليها

التاريخ: ٧ رمضان

السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها:

أم المؤمنين وكانت اكثر النساء شرفاً و مالاً، وأحسنهن جمالاً.واشتهرت في الجاهلية " بالطاهرة" ويقال لها: سيدة قريش، وكما في الحديث: " انها مع مريم من خير نساء السماء والارض، وهي مع مريم وآسية...وفاطمة من أكمل النساء".

وكانت أصيلة النسب فهي من قبيلة بني أسد، قرشية، وبنو اسد من أثرياء مكة وسادتها.

قصة زواجها بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

مما يلفت النظر في التاريخ ما أثير حول زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٥٨

خديجة، خصوصاً ما يتعلق بزواجها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك بهدف الحط من شخصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة رضوان الله عليها.

كيفية الزواج:

يذكر المؤرخون روايتين لكيفية الزواج:

الأولى: عندما أرسلته بسفر تجارة الى الشام، وأعجبتها أمانته وشخصيته....

الثانية: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمل بالتجارة مضاربة أو شراكة مع خديجة، ولم يكن أجيراً لأحد،واختارته لما عرفته من كرم أخلاقه وروحيته...وعرضت عليه الزواج بواسطة أو مباشرة...وخطب أبو طالب خطبة مشهورة في زواجهما...

عمرها عن الزواج:

يتراوح عمرها حسب الروايات المختلفة بين ٢٥ أقل رواية و٤٦ أكثر رواية...والقول الأرجح كما في الصحيح من السيرة هو ٢٨ سنة، وعلى أكثر الروايات ٣٠ سنة.

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوج خديجة الأول:

روى كبار علماء الإمامية كالسيد المرتضىقدس‌سره وغيره أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج خديجة وكانت عذراء، وقد رفضت الزواج من

١٥٩

أشراف قريش ممن تقدموا لها، وما قصة زواجها برجلين قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا لتبرير أشرفية بعض زوجاته الأخريات على غيرها، وأما قصة الأولاد فقد روي أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة، تزوجها رجل مخزومي، فولدت له بنتا اسمها هالة، ثم خلف عليها رجل تميمي يقال له: أبو هند، فأولدها ولدا اسمه هند.وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية، فماتت، ومات التميمي، فلحق ولده هند بقومه، وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى فضمتهم خديجة إليها، وبعد أن تزوجت بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ماتت هالة، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا أولاد خديجة بهذا المعنى...

جهادها الى جانب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

لقد شاركت خديجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جهاده ضد المشركين في أشد الفترة وأصعبها، خلال فترة الدعوة السرية، والحصار في مكة، وقد شكَّل مالها مدداً فعلياً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين والمحاصرين معه، وتحملَّت الأذى من نساء قريش على موقفها هذا.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274