زاد المناسبات

زاد المناسبات21%

زاد المناسبات مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 274

زاد المناسبات
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45700 / تحميل: 4469
الحجم الحجم الحجم
زاد المناسبات

زاد المناسبات

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ألوان الدعاء والحمد والثناء التي تمثّل العبوديّة المخلصة لله تعالى فكانت الصحيفة السجّاديّة التي سمّيت بإنجيل أهل البيتعليه‌السلام وزبور آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتي سجّل فيها الإمام القيم الخُلُقيّة والحقوق والواجبات معالجاً فيها مشاكل الفرد والمجتمع ناشراً فيها أجواء روحيّة تثبت المسلم عندما تعصف به المغريات وتشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها.

وقد تناقل علماؤنا هذه الصحيفة المباركة بأسانيد معتبرة وطرق عالية ذكر والد العلّامة المجلسي بأنّها تزيد على الآلاف، وقد ذكر هذا العالم الجليل أنّه رأى ذات يوم في الرؤيا صاحب الزمان وخليفة الرحمن عجل الله تعالى فرجه الشريف وسأله أن يعطيه كتاباً يعمل عليه فأرشده إلى الصحيفة السجّاديّة.

ولقيمة هذه الصحيفة كانت محلّ افتخار كبير في وصيّة الإمام الخمينيقدس‌سره الراحل الذي قال فيها: " نحن فخورون بأنّ الأدعية التي تهب الحياة والتي تسمّى بالقرآن الصاعد هي من أئمتنا المعصومين، نحن نفخر أنّ منّا مناجاة الأئمّة الشعبانيّة ودعاء عرفات للحسين بن علي عليهما السلام، والصحيفة السجّاديّة زبور آل محمد..".

٢١

باب الحوائج

المناسبة: ولادة الإمام الكاظمعليه‌السلام

التاريخ: ٧ صفر سنة ١٢٧ ه

عرف الامام الكاظمعليه‌السلام بباب الحوائج إلى الله تعالى لما عرف عنه في العمل المتواصل في خدمة الناس وقضاء حوائجهم.

قضاء الحوائج:

فقد كانعليه‌السلام يتفقّد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم الدقيق والتمر من دون أن يعلموا من أيّ جهة هو، وقد ورد في تاريخ بغداد أنّهعليه‌السلام كان يصُّر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ويخرج بها ليلاً ليوزعها على بيوت المحتاجين، وكان يضرب المثل بصراره.

وقد ورد في حياة الإمام الكاظمعليه‌السلام قصص كثيرة تعبِّر

٢٢

عن مدى اهتمامه بخدمة الناس وقضاء حوائجهم.

فقد ورد أنّ الإمامعليه‌السلام مرَّ برجل من أهل السواد دميم المنظر فسلَّم عليه، ونزل عنده، وحادثه طويلاً ثمّ عرض عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت.فقيل له: يا ابن رسول الله، أتنزل إلى هذا، ثمّ تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟ فقالعليه‌السلام : " عبد من عبيد الله، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاده، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم.وأفضل الأديان الإسلام"(١) .

وورد عن أحد معاصريه قوله: " قدمت المدينة أطلب دَيناً فأعياني، فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام فشكوت إليه، فأتيته في ضيعته فذكرت له قضيّتي فدخل ولم يقم إلّا يسيراً حتى خرج إليّ، فقال لغلامه: " اذهب" ثمّ مدَّ يده إليَّ فرفع إليَّ صرَّة فيها ثلاثمائة دينار ثمّ قام فولَّى، فركبت دابتي فانصرفت.

وكانعليه‌السلام يحثُّ الآخرين على التحلِّي بمكرمة خدمة الناس الجليلة.فقد ورد أنّهعليه‌السلام : " كتب إلى أحدهم طالباً إعفاءه أحد المسلمين ممّا يراه عليه حقاً وممّا ورد في تلك الرسالة: " اعلم أنّ الله تعالى تحت عرشه ظلاًلا يسكنه إلّا من

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٢٥

٢٣

أسدى إلى أخيه معروفاً، أو نفَّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك، والسلام"(١) .

وكانعليه‌السلام يدعو الناس إلى مساعدة الناس الضعفاء المحتاجين فكان يقول: " عونك للضعيف من أفضل الصدقة"(٢) .

وكانعليه‌السلام يعتبر أنّ كفّارة العمل في السلطة وإن كان شرعياً تتحقّق في خدمة الناس فمن أقواله لعلي ابن يقطين: " كفارة عمل السلطان الإحسان للإخوان"(٣) .

وكانعليه‌السلام يحذِّر من عدم الإنفاق من الطاعة فيؤدّي ذلك إلى إنفاق الأكثر في المعصية.فكان يقول: " إيّاك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله"(٤) .

العبد الصالح:

إنّ كلّ ما مرَّ هو غيض من فيض سيرة الإمام الكاظمعليه‌السلام في خدمة الناس التي اشتهر بها عند المسلمين من كافّة

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧١ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣١٣

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٢٦

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ١٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٤٧

٤- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٢٠

٢٤

مذاهبهم فعرَّفه الشيخ كمال الدين بن طلحة الشافعي بقوله: " هو الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، المشهور له بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظماً، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عباداته كان يُسمّى بالعبد الصالح، ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله، لنجح المتوسّلين إلى الله تعالى به، كرامته تحار فيها العقول، وتقضي بأنّ له عند الله تعالى قدم صدق لا تُزلُّ ولا تزول".

٢٥

الإمام الحسينعليه‌السلام ،عهدٌ ووفاء

المناسبة: زيارة الأربعين

التاريخ: في ٢٠ صفر

حثَّ نبيّ الإسلام وأهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على زيارة مراقدهم المطهّرة فقد ورد أنّ النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاطب أمير المؤمنينعليه‌السلام قائلاً: " يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار أبنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيّره معي في درجتي"(١) .

فضل الزيارة:

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام : " إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٧ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٢٣

٢٦

أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة"(١) .

ولا يقتصر استحباب زيارة مراقد أهل البيتعليه‌السلام على السفر إليها بل ورد استحباب زيارتهم عن بُعد فعن الإمام الصادقعليه‌السلام : " إذا بعدت بأحدكم الشقّة، ونأت به الدار، فليعلُ أعلى منزله، فيصلّي ركعتين، وليُومِ بالسلام إلى قبورنا، فإنّ ذلك يصير إلينا"(٢) .

زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام :

وممّا أكّد عليه أهل البيتعليه‌السلام تأكيداً حثيثاً هو زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام فقد ورد عن سدير: قال لي الصادقعليه‌السلام : " يا سدير تزور قبر الحسينعليه‌السلام في كلّ يوم؟ قلت: جعلت فداك لا، قالعليه‌السلام : " ما أجفاكم! فتزورونه في كلّ جمعة؟ قلت: لا، قالعليه‌السلام : فتزورونه في كلّ شهر؟ قلت: لا قالعليه‌السلام : فتزورونه في كلّ سنة؟ قلت: قد يكون ذلك.قال: يا سدير،

____________________

١- الشيخ الكليني - الكافي - ج ٤ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٦٧

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٦٥

٢٧

ما أجفاكم بالحسينعليه‌السلام ، أما علمت أنّ لله ألفي الف ملك شعثاً غبراً يبكونه ويزورونه، لا يفترون، وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في كلّ جمعة خمس مرات، في كلّ يوم مرّة " قلت جعلت فداك، إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقالعليه‌السلام : تصعد فوق سطحك، ثمّ تلتفت يمنة ويسرة، ثمّ ترفع رأسك إلى السماء، ثم تنحوّ نحو قبر الحسينعليه‌السلام فتقول: (السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته)، تكتب لك زورة، والزورة حجّة وعمرة"(١) .

- وقد ورد استحباب زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام في مناسبات خاصّة عديدة كالأوّل من رجب ومنتصفه، ومنتصف شعبان، وليالي القدر، وعيدي الفطر والأضحى، ويوم عرفة، وعاشوراء والعشرين من صفر وهو اليوم الأربعين بعد شهادته المباركة ففي الحديث المشهور عن الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام : " علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر بـبسم الله الرحمن الرحيم"(٢) .

____________________

١- العاملي - الحر - وسائل الشيعة (آل البيت) ج ١٤ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ٤٩٤

٢- السيد ابن طاووس- اقبال الاعمال ج ٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٠٠

٢٨

- وقد ورد في الأربعين زيارة خاصّة عن الإمام الصادقعليه‌السلام وهي كغيرها من الزيارات المأثورة تحمل المضامين العالية التي أراد أهل البيتعليه‌السلام إيصالها إلى الأمّة لبثِّ المعرفة والوعي بين أفرادها، وليعلن الزائر فيها عن استعداده لنصرة قضيّة سيد الشهداءعليه‌السلام في أيِّ عصر ناصراً حسين عصره مواجهاً يزيده ففي نصّ زيارة الأربعين: " أمري لأمركم متَّبع ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يأذن الله لكم، فمعكم معكم لا مع عدوّكم"(١) وفي بعض نصوص زيارات الإمام الحسينعليه‌السلام " لبيك داعي الله"(٢) مكرَّرة سبع مرّات، ولعلّ ذلك كما أفاد بعض العلماء لأنّ الإمام أبا عبداللهعليه‌السلام لما رأى كثرة من قتل من أصحابه استنصر الناس سبع مرّات فجاءت التلبيات السبع لنصرة قضيّة الإمام بعد شهادته وهي قضيّة الحقّ والعدل في مواجهة الباطل والظلم وهذه القضيّة كانت في التاريخ وما زالت في الحاضر وستبقى حتى يخرج من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

____________________

١- الشيخ الطوسي - مصباح المتهجد - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٧٨٩

٢- ابن قلويه - كامل الزيارات - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٨

٢٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلماته الأخيرة

المناسبة: وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

التاريخ: ٢٨ صفر الحرام

قال الله تعالى:﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ(١)

لقاء الله:

ذكر المؤرّخون أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استدعى أحد مواليه في أواخر صفر وطلب منه مرافقته إلى البقيع قائلاً له: " إنّي قد أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي "، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر....، وقال لغلامه: " إنّي قد أوتيت مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثمّ الجنّة، وخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربّي والجنّة، فاخترت لقاء ربّي والجنّة"، قال له غلامه: بأبي أنت وأمّي فخذ مفاتح خزائن الدنيا والخلد فيها ثمّ الجنة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " لا والله

____________________

١- الزمر: ٣٠.

٣٠

يا أبا مُوَيهبة، لقد اخترت لقاء ربّي والجنة"، ثمّ استغفر لأهل البقيع ورجع(١) .

طلب المسامحة من الناس

بعد ساعات وفي حشد من الناس دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد برأس معصوب وطلعة نالت منها الحمّى، فجلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: " إنّ عبداً من عباد الله خيّره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله"(٢) ثمّ سكت والناس قد طأطأوا رؤوسهم، وتابع خطابه وفي بالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قد خطّط له لحرب الروم وجهّز له من جيش كبير بقيادة أسامة بن زيد البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً آمراً أصحابه وبقيّة المسلمين الانضواء تحت رايته لذا قال من منبر المسجد: " أيّها الناس، انفذواجيش أسامة...(٣) ثم سكت ولهيب الحمّى يزداد اشتعالاً ثم قال: " أيّها الناس، إنّي أحمد إليكم الله، لقد دنا منّي خفوق من بين أظهركم فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا

____________________

١- الطبري- تاريخ الطبري - ج ٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٣٢.

٢- الطبري -تاريخ الطبري -ج ٢ -مكنبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٣٤.

٣- الريشهري - محمد -القيادة في الاسلام - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٥.

٣١

ظهري فليستقض منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه...، ولا يقل رجل إنّي أخاف الشحناء من رسول الله، ألا وإنّ الشحناء(أي العداوة) ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإنّ أحبّكم إليّ من أخذ منّي حقاً إن كان له، أو حللني فلقيت الله، وأنا طيب النفس..."(١) ثمّ نزل من المنبر وأقام الصلاة وبعدها قام ينتظر الناس الذين أثقلهم سؤال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المعصوم الكامل الذي امتدحه الله تعالى بأنّه على خلق عظيم، فجأة نهض رجل يضطرب ليقول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ سوطه وقعت ذات يوم على بطنه (بطريق الخطأ) فإذا بخاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكشف بطنه طالباً من الرجل أن يقتصّ منه، فتقدّم الرجل وسط ذهول الناس ليقبّل جسده الشريف، ليكون آخر العهد منه أن يلامس جسدُه جسدَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعدها دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيته حيث كان الرحيل المحزن الذي أصيب به الخلق والذي دعانا أهل البيتعليه‌السلام أن نتذكّره حين نصاب بأمر يخصّنا، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام : " إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك، فاذكر مصابك برسول الله فإنّ الخلائق لم

____________________

١- ابن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة -ج ١٣ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٨.

٣٢

يصابوا بمثله قط"(١) .

وقد ورد في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يستحب فيها أن نقول: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أُصبنا بك يا حبيب قلوبنا، فما أعظم المصيبة بك، حيث انقطع الوحي، وحيث فقدناك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون"(٢) .

____________________

١- الشيخ الكليني _ الكافي - ج ٣ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٢٠

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار -ج ٩٩ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٢

٣٣

الإمام الحسنعليه‌السلام :دروس الحب والولاء

المناسبة: شهادة الإمام الحسنعليه‌السلام

التاريخ: ٢٨ صفر سنة ٥٠ ه

تحدَّث القرآن عن أبوّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام الحسنعليه‌السلام فقال تعالى في آية المباهلة:﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ(١) .وشعر خاتم الأنبياء بحلاوة بنوّة حفيده فكان يردّدها وهو يضمّ الحسنعليه‌السلام : " اللهمّ إنّ هذا ابني وأنا أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه"(٢) .

طهارة العصمة:

ومع صغر سنّ الإمام الحسنعليه‌السلام أبى القرآن الكريم إلّا أن يخبر عن عصمته الإلهيّة عن كلّ رجس فقال تعالى:

____________________

١- آل عمران: ٦١

٢-السبحاني - الشيخ جعفر -في ظل أصول الاسلام - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٨٤

٣٤

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(١) .

سيادة الجنّة:

وفي طفولته أخبرنا كتاب الله تعالى عن موقع الإمام الحسنعليه‌السلام في جنّة الله عزّ وجلّ فقال تعالى محدِّثاً عنه وعن بقيّة أصحاب الكساء: ﴿وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا(٢) .وورد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول للمسلمين: "من سرَّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسن"(٣) .

الدعوة إلى حبّه:

وأوجب الله تعالى حبَّ الإمام الحسنعليه‌السلام بل جعل حبَّه أجر النبي من الناس في تأدية رسالة الإسلام فقال تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(٤) ،وسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء القربى؟ فأجاب: " علي وفاطمة وابناهما"(٥) .

____________________

١- الأحزاب: ٣٣.

٢- الإنسان ١٢.

٣- ابن شهر آشوب - مناقب آل أبي طالب - ج ٣ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٨٥

٤- الشورى: ٢٣.

٥- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٢٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٣٢

٣٥

وعمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاهداً في تعزيز حبِّ الإمام الحسنعليه‌السلام في قلوب الناس فكان يقول:" من أحبّني فليحبَّه فليبلغ الشاهد الغائب"(١) ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأخذ بيده ويد أخيه الحسينعليه‌السلام ويقول: " من أحبَّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة"(٢) .

المسلمون ينقادون في حبّه:

وكانت لدعوات القرآن والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدى في قلوب المسلمين التي تعلّقت بحبّ الإمام الحسنعليه‌السلام وزاد حبّهم له حينما كبر الإمامعليه‌السلام ليرى فيه المسلمون أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً برسول الله فكانوا يرونه حينما يتوضأ ويصلّي وفرائصه ترتعد ولونه يصفرّ، وعرفوا زهده في الدنيا وهو الذي قاسم الله ماله ثلاث مرّات وخرج منه مرّتين، ورأوا مزاياه وخصاله التي ملأت قلوبهم حباً وتعظيماً له فكان حينما يخرج ليُبْسَط له عند باب داره ينقطع الطريق فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له.وذات مرّة وفي طريق مكّة نزل الإمام الحسنعليه‌السلام ليمشي فما من

____________________

١- السبحاني - الشيخ جعفر -في ظل أصول الاسلام - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٨٤

٢- ابن الامام جعفر الصادقعليه‌السلام - مسائل علي بن جعفر - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٠

٣٦

خلق الله أحداً إلّا نزل ومشى إجلالاً للإمامعليه‌السلام .

وجاء وقت الإستحقاق:

ورغم مظاهر الحبِّ التي أبداها المسلمون للإمام الحسنعليه‌السلام نجد مواقف من الكثير منهم تشهد على أنّ هذا الحب وقف عند حدِّ العاطفة ولم يُتَرجم إلى ولاء عملي بل كانت النتيجة معاكسة في وقت الاستحقاق حينما قرَّر الإمامعليه‌السلام محاربة جرثومة الفساد معاوية فخانه الكثير اغتراراً بمناصب الدنيا وزخرفها وتجرأ البعض على الإمام بالكلام معه تارةً ونهب خيمته أخرى، حتى وصل الأمر إلى تعرّض الإمام أكثر من مرة لمحاولات إغتيال.

لقد أحبّ الناس إمامهم الحسنعليه‌السلام بقلوبهم لكن الكثير منهم خانوه بسيوفهم متناسين أنّ فرض حبِّه كان الجسر لطاعته وولائه وقد أصمّوا آذانهم عن قول الله تعالى:﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ(١) .

إنّه درس في الحبّ والولاء في وقت الاستحقاق أفلا نتعلّم!

____________________

١- آل عمران: ٦١.

٣٧

الإمام الرضاعليه‌السلام :علم وعبادة وأخلاق

المناسبة: شهادة الإمام الرضاعليه‌السلام

التاريخ: ٢٩ صفر ٢٠٣ ه

تجتمع في أواخر شهر صفر مناسبات حزينة آخرها مناسبة شهادة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام الذي قضى حياته في الدعوة إلى الله تعالى، فعمل على نشر علوم ومعارف الإسلام المحمدي الأصيل، مغتنماً كلّ فرصة لذلك فتجوَّل بين البلدان مروِّجاً للشريعة المقدّسة علم الامام، روي أن محمّد بن عيسى اليقطيني ذكر أنّ ما جمعه من أجوبة الإمام الرضاعليه‌السلام عن مسائل سئل عنها يبلغ خمسة عشر ألف مسألة.

وجالس الإمامعليه‌السلام العلماء في مناظرات فريدة وصفها أحدهم مبتدئاً بوصف الإمامعليه‌السلام : " ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، ولا رآه عالم إلّا شهد بمثل شهادتي،

٣٨

ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلّمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلّا أقرَّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول: كنت أجلس معهم في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليّ المسائل فأجبت عنها!!"(١) .

عبادة الإمامعليه‌السلام وأخلاقه:

وعُرِفَ الإمام الرضاعليه‌السلام بأخلاقه التي شهد بها القريب والبعيد حتى قال المأمون: " هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم"(٢) ، وقال رجاء بن أبي الضحاك: " فوالله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ"(٣) .

وقد ورد عنهعليه‌السلام في عبادته أنّه كان إذا صلّى الفجر في أوّل وقتها يسجد لربِّه فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس وكان

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٠٠

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٩٥

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٩ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٩٢

٣٩

يكثر بالليل من تلاوة القرآن فيختمه كلّ ثلاثة أيّام وكان يقول: " لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت ولكنّني ما مررت بآية قط إلّا فكّرت فيها، وفي أيّ شيء أنزلت، وفي أيّ وقت، فلذلك صرت أختم كلّ ثلاثة أيام"(١) .

وعن أخلاق الإمامعليه‌السلام في تعامله مع الآخرين قال إبراهيم بن العباس: " إنّي ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وشهدت منه ما لم أشهد من أحد، ما رأيته جفا أحداً بكلام قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما ردَّ أحداً عن حاجة قدر عليها ولا مدّ رجليه بين يدي جليس له قط ولا اتكى بين يدي جليس له قط...ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسّم وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس"(٢) .

من وصاياهعليه‌السلام :

" اتقوا الله أيّها الناس في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم

____________________

١- القمي - الشيخ عباس - الانوار البهية - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٢

٢- الامين - السيد محسن - اعيان الشيعة - ج ٢ مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٤

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤