زاد المناسبات

زاد المناسبات21%

زاد المناسبات مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 274

زاد المناسبات
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45714 / تحميل: 4472
الحجم الحجم الحجم
زاد المناسبات

زاد المناسبات

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولـمـّا أخبر النبي عن نزول الوحي وتلا الآيتين إرتفعت أصواتهم بقولهم: اتنهينا، اتنهينا.

وكلّ هذا يعرف عن رسوخ هذه العادة الشنيعة وهذا العمل القبيح في المجتمع العربي آنذاك إلى درجة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستطع ـ تحت ضغط الظروف ـ أن يقطع مادة الفساد منذ هبوطه أرض المدينة دفعة واحدة، بل تدرّج في تحقيق التحريم، وترسيخه في أذهانهم ونفوسهم.

رووا أصحاب السنن والمسانيد أنّه لـمّا نزل تحريم الخمر قال عمر: أللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في البقرة:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ ) قال فدعي عمر فقرئت عليه فقال: أللّهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في سورة النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ) فكان منادي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اُقيمت الصّلاة ينادي ألّا يقربنّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: أللّهم بيّن لنا بياناً شافياً، فنزلت:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) .

قال عمر: اتنهينا، اتنهينا(١) .

ويظهر ممّا رواه ابن هشام عن بعض أهل العلم: انّ نهي الرسول عن الخمر كان مشهوراً عندما كان مقيماً بمكّة بين ظهراني قريش، وخرج الأعشى إلى رسول الله يريد الإسلام ومعه قصيدته المعروفة في مدح النبي التي مستهلّها:

الم تغتمض عينك ليلة أرمدا

وبتّ كما بات السليم مسهّدا

وما ذاك من عشق النساء وإنّما

تناسيت قبل اليوم صحبة مهددا

__________________

(١) سنن أبي داود: ج ٢ ص ١٢٨، مسند أحمد: ج ١ ص ١٥٣، سنن النسائي: ج ٨ ص ١٨٧، مستدرك الحاكم: ج ٢ ص ٢٧٨، إلى غير ذلك من المصادر.

٤١

إلى أن قال:

فإيّاك والميتات لاتقربنها

لا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا

و لاتقربنَّ حرّة كان سرها

عليك حراماً فانكحن أو تأبّدا(١)

فلمّا كان بمكّة أو قريباً منها إعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنّه يريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للسلم فقال له: يا أبا بصير إنّه حرّم الزنا، فقال الأعشى: والله إنّ ذلك لأمر ما لي فيه من ارب، فقال له يا أبا بصير:

فإنّه يحرّم الخمر، فقال الأعشى:

أمّا هذه فو الله إنّ في النفس منها لعُلالات، ولكنّي منصرف فأتروّى منها عامي هذا، ثم آتيه فاُسلم، فانصرف فمات في عامه هذا، ولم يعد إلى رسول الله(٢) .

وببالي أنّه جاء في بعض المصادر أنّه قيل له: إنّه يحرّم الأطيبين والمراد بهما الخمر والزنا، وقد عرفت أنّه مع ما رأى من نور النبوّة ودخل عليه من بصيص الإيمان لم يتحمّل ترك الخمر، فعاد ليتروّى منها، ليعود بعد عام إلى المدينة، ولكن وافاه الأجل قبل أن يسلم.

وهذا مَثل آخر يعرب عن ترسّخ هذه العادة القبيحة في ذلك المجتمع.

٨ ـ وأد البنات

أوّل من لطّخ يده بدم البنات البريئات هم العرب الجاهليّون، فقد كانوا يئدون بناتهم لأعذار مختلفة واهية، فتارة يتذرّعون بخشية الإملاق، والاُخرى يتجنّون بحجّة

__________________

(١) الأرمد: الذي يشتكي عينيه من الرمد، والسليم: الملدوغ، والمسهّد: الذي منع من النوم، والمهدد ـ على وزن معلل ـ: اسم امرأة، وتأبّد: أي تعزّب وابتعد عن النساء.

(٢) السيرة النبوية: ج ١ ص ٣٨٦.

٤٢

الاجتناب عن العار، وقد حكى سبحانه عقيدة العرب في بناتهم ووأدهنّ في آيات نذكر ما يلي:

( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) ( النحل / ٥٨ و ٥٩ ).

والآية تصوّر احساس القوم وإنفعالهم عندما كان أحدهم يبشّر بولادة أُنثى له، فكان يتجهّم وجهه ويتغيّر إلى السواد، ويظهر فيه أثر الحزن والكراهة، والقوم يكرهون الاُنثى مع أنّهم جعلوها لله سبحانه(١) ، ثمّ لم يزل الحزن يتزايد فيمتلئ الشخص غيظاً، وعند ذلك يستخفي من القوم الذي يستخبرونه عمّا ولد له، إستنكافاً منه، وخجلاً ممّا بشّر به من الاُنثى، ثمّ هو ينكر في أمر البنت المولودة له أيحفظها على ذل وهوان، أم يخفيها في التراب، ويدفنها حيّة وهذا هو الوأد( أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ) أي في قتل البنات البريئات المظلومات.

ثمّ إنّه سبحانه يحارب بشدّة هذا العمل الإجرامي في بعض الآيات ويقول:

( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ) ( الإسراء / ٣١ ).

فالله سبحانه هو المتكفّل برزقهم ورزق أولادهم وقتلهم خطأ عظيم عند الله.

وقال سبحانه:( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) ( الأنعام / ١٥١ )

ويؤكّد القرآن على تحريم قتل هذه البنات المظلومات بأنّ المؤودة سيسأل منها يوم القيامة، قال سبحانه:( وَإِذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ) ( التكوير / ٨ ).

__________________

(١) إشارة إلى قوله سبحانه:( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَىٰ *تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ ) ( النجم / ٢١ و ٢٢ ).

٤٣

وقد ذكر أصحاب السير بعض الدوافع التي دفعت العرب إلى اتّخاذ مثل هذا الموقف الظالم بشأن تلك البريئات لا يسع المجال لنقلها، ولكن يظهر ممّا نقله صعصعة بن ناجية ـ جد الفرزدق ـ: أنّ ذلك العمل الإجرامي كان شائعاً ورائجاً في غير واحدة من القبائل آنذاك، وإليك البيان:

إنّ صعصعة بن ناجية بن عقال كان يفدّي المؤودة من القتل، ولـمـّا أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا رسول الله إنّي كنت أعمل عملاً في الجاهلية، أفينبغي ذلك اليوم ؟ قال: وما عملك ؟ فقال: إنّه حضر ولادة امرأة من العرب بنتاً، فأراد أبوها أن يئدها، قال فقلت له: أتبيعها ؟ قال: وهل تبيع العرب أولادها ؟ قال: قلت إنّما أشتري حياتها ولا أشتري رقّها، فاشتريتها منه بناقتين عشراوين وجمل، وقد صارت لي سُنَّة في العرب على أن أشتري ما يئدونه بذلك فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومائتا مؤودة وقد أنقذتها.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام(١) .

وقد ذكر الفرزدق إحياء جدّه للمؤودات في كثير من شعره كما قال:

ومنّا الذي منع الوائدات

وأحيى الوئيد فلم يؤدد(٢)

ويعرب عن شيوع هذه العادة الوحشيّة والمروّعة قوله سبحانه:

( وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ( الأنعام / ١٣٧ ).

وكذا قوله:( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) ( الأنعام / ١٤٠ ).

__________________

(١) بلوغ الارب: ج ٣ ص ٤٤.

(٢) المصدر نفسه.

٤٤

٩ ـ أكل الخبائث من الدماء والحشرات

كانت العرب تأكل لحوم الأنعام وغيرها من الحيوانات كالفأر والضب الوزغ، وتأكل من الأنعام ما قتلته بذبح ونحوه، وتأكل الميتة بجميع أقسامها أعني المنخنقة، والموقوذة، والمتردّية والنطيحة، وما أكل السبع، وكانوا يملؤون الأمعاء من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف، وكانوا إذا أجدبوا جرحوا إبلهم بالنصال وشربوا ما يسيل منها من الدماء.

هذا ورغم أنّه مضى على ظهور التشريع الإسلامي إلى الآن أربعة عشر قرناً كثيراً من الاُمم غير المسلمة تأكل أصناف الحيوانات حتّى الكلب والهر، بل والديدان والأصداف، وقد اتّخذ الإسلام بين هذا وذاك طريقاً وسطاً، فأباح من اللحوم ما تستطيبه الطباع المعتدلة من بني الإنسان، فحلّل من البهائم الضأن والمعز والبقر والإبل، وكرّه أكل لحوم الفرس والحمار، وحلّل من الطيور غير ذات الجوارح ممّا له حوصلة ودفيف ولا مخلب له، كما حلّل من لحوم البحر بعض أنواع السمك، واشترط في كل واحد من هذه اللحوم نوعاً من التذكية.

والإمعان في الآية التالية يقودنا إلى أنّ العرب كانت تفقد نظام التغذية، أو كانت تتغذّى من كلّ ما وقعت عليه يدها من اللحوم، كما أنّها كانت تفقد الطريقة الصحيحة لذبح الحيوان، فكانوا يقتلونه بالتعذيب بدل ذبحه، وإليه يشير قوله سبحانه:

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ) ( المائدة / ٣ ).

فقد كانوا ينتفعون من الميتة والدم ولحم الخنزير والمذبوح باسم الأصنام والأوثان.

كما كانوا يستفيدون من « المنخنقة » وهي التي تدخل رأسها بين شعبتين من

٤٥

شجرة فتختنق فتموت أو تخنق بحبل الصائد، « والموقوذة » وهي التي تضرب حتّى تموت، « والمترديّة » وهي التي تقع من جبل أو مكان عال أو تقع في بئر، « والنطيحة » وهي التي ينطحها غيرها فتموت.

١٠ ـ التقسيم بالأزلام

كان التقسيم بالأزلام ميسراً رائجاً بينهم، وكان لهذا العمل صبغة الدين، وقد اختلفوا في تفسيره على قولين:

١ ـ قالوا: المراد طلب قسم الأرزاق بالقداح التي كانوا يتفائلون بها في أسفارهم، وابتداء أُمورهم، وهي سهام كانت في الجاهليّة مكتوب على بعضها: « أمرني ربّي »، وعلى بعضها « نهاني ربّي »، وبعضها غفل لم يكتب عليه شيء، فإذا أرادوا سفراً أو أمراً يهتمّون به، ضربوا على تلك القداح، فإن خرج السهم الذي عليه « أمرني ربّي »، مضى الرجل في حاجته، وإن خرج الذي عليه « نهاني ربّي » لم يمض، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعاد.

٢ ـ روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين كيفيّة التقسيم بالأزلام بشكل آخر، فقال:

إنّ الأزلام عشرة، سبعة لها انصباء وثلاثة لا انصباء لها، فالتي لها انصباء: الفذ، التوأم، المسبل، النافس، الحلس، الرقيب، المعلى. فالفذ له سهم، والتوأم له سهمان، والمسبل له ثلاثة أسهم، والنافس له أربعة أسهم، والحلس له خمسة أسهم، والرقيب له ستّة أسهم، والمعلى له سبعة أسهم.

والتي لا انصباء لها: السفيح والمنيح والوغد.

وكانوا يعمدون إلى الجزور فيجزّئونه أجزاء، ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السهام، ويدفعونه إلى رجل، وثمن الجزور على من تخرج له « التي لا انصباء لها »

٤٦

وهو القمار، فحرّمه الله تعالى(١) .

والتفسير الثاني أنسب لكون البحث في الآية عن اللحوم المحرّمة.

١١ ـ النسيء في الأشهر الحرم

لقد شاع في الألسن أنّ العرب لـمّا كانوا أصحاب غارات وحروب وكان استمرار الحروب والغارات مانعاً عن إدارة شؤون المعاش، عمدوا إلى تحريم القتال والحرب في الأشهر الأربعة المعروفة بالأشهر الحرم أعني: « رجب وذي القعدة وذي الحجة ومحرّم ».

والظاهر من بعض الآيات أنّ التحريم هذا كان مستنداً إلى تشريع سماوي، كما هو المستفاد من قول الله تعالى:

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) ( التوبة / ٣٦ ).

فإنّ قوله( ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) إشارة إلى أنّه جزء من الدّين القيّم لا من طقوس العرب الجاهلي، ولعلّه كان سنّة من سنن النبي إبراهيم ورثتها عنه العرب.

وعلى كلّ تقدير فقد كان العرب يتدخّلون في هذا التشريع الإلهي فيؤخّرون الحرمة من الشهر الحرام إلى بعض الأشهر غير المحرّمة.

وبعبارة اُخرى كانوا يؤخّرون الحرمة، ولا يبطلونها برفعها من أساسها واصلها حفاظاً على السنّة الموروثة عن أسلافهم عن النبي إبراهيمعليه‌السلام .

فمثلاً كانوا يؤخّرون تحريم محرّم إلى صفر، فيحرّمون الحرب في صفر

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٢ ص ١٥٨ وما أشبه التقسيم بالأزلام بالعمل المعروف في عصرنا ب‍ « اليانصيب الوطني ».

٤٧

ويستحلّونها في محرّم فيمكثون على ذلك زماناً ثمّ يزول التحريم عن صفر ويعود إلى محرّم، وهذا هو المعنى بالنسيء ( أي التأخير ).

وكان الدافع وراء هذا النسيء هو انّهم أصحاب حروب وغارات، فكان يشقّ عليهم أن يمتنعوا عن القتال ثلاثة أشهر متوالية وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم، ولا يغزون فيها، ولهذا كانوا يؤخّرون تحريم الحرب في محرّم إلى شهر صفر، قال سبحانه:

( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( التوبة / ٣٧ ).

روى أهل السير أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في خطبة حجّة الوداع:

« ألا وانّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات، ذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ورجب مضربين جمادى وشعبان »(١) .

والحديث يعرب عن شكل آخر للنسيء غير ما ذكرناه فإنّ ما ذكرناه كان مختصاً بتأخير حكم الحرب من محرّم إلى صفر، ولكن النسيء المستفاد من الحديث على وجه آخر وهو أنّ المشركين كانوا يحجّون في كل شهر عامين فحجّوا في ذي الحجة عامين، وحجّوا في محرّم عامين، ثمّ حجوا في صفر عامين، وكذا في بقيّة الشهور اللاحقة حتّى إذا وافقت الحجّ التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة ثمّ حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في العام القادم حجّة الوداع، فوافقت في ذي الحجة، فعند ذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته ».

__________________

(١) مجمع البيان: ج ٣ ص ٢٢.

٤٨

١٢ ـ الربا ذلك الاستغلال الجائر

كان العرب الجاهليّون يرون البيع والربا متماثلين، ويقولون: « إنّما البيع مثل الربا » فيضفون الشرعيّة على الربا كإضفائها على البيع، ولكن شتّان ما بين البيع والربا، فإنّ الثاني ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة، ويفسد الأمن والاستقرار، ويهيء النفوس للانتقام بأية وسيلة ممكنة ويدعو إلى الفرقة والاختلاف سواء كان الربا مأخوذاً من قبل الفرد أو مأخوذ من جانب الدولة.

وفي الثاني من المفاسد ما لا يخفى إذ أدنى ما يترتّب عليه تكديس الثروة العامّة، وتراكمها في جانب، وتفشّي الفقر والحرمان في الجانب الآخر، وظهور الهوّة السحيقة بين المعسرين والموسيرين بما لا يسدّه شيء.

ولسنا هنا بصدد بيان هذه المفاسد والمساوئ، لكن الهدف هو الإشارة إلى أنّ الربا كان من دعائم الاقتصاد الجاهلي، والقرآن نزل يوبّخ العرب على ذلك بوجه لا مثيل له، ويقول سبحانه:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) ( البقرة / ٢٧٨ و ٢٧٩ ).

ويقول سبحانه:( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إلّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) ( البقرة / ٢٧٥ ).

والآية تشبّه آكل الربا بالممسوس المجنون، فكما أنّه لأجل اختلال قوّته المميّزة لا يفرّق بين الحسن والقبح، والنافع والضار، والخير والشر، فهكذا حال المرابي عند أخذ الربا، فلأجل ذلك عاد لا يفرّق بين الربا والبيع، ويقول:( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ) مع أنّ الذي تدعو إليه الفطرة وتقوم عليه الحياة الإجتماعية للإنسان، هو أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه، بما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه.

٤٩

وأمّا إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه، مع زيادة فهذا شيء يخالف قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإنّ ذلك يؤدِّي من جانب المرابي إلى إختلاس مال المدين، وتجمّعه عند المرابي وهذا المال لا يزال ينمو ويزيد، ولا ينمو إلّا من مال الغير، فهو في الانتقاص والانفصال من جانب، وفي الزيادة والانضمام من جانب آخر، ونتيجة ذلك هو ظهور الاختلاف الطبقي الهائل الذي يؤول إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين: طبقة ثريّة تملك كل شيء، وطبقة فقيرة تفقد كل شيء، والأُولى تعاني من البطنة، والثانية تتضرر من السغب.

خاتمة المطاف

ونختم البحث بما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره من أنّه قدم أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس ـ وهما من الخزرج ـ وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بغوا فيها دهوراً طويلة، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث، وكانت الأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعُتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم. فقال عتبة: بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء.

قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم ؟

قال له عتبة: خرج فينا رجل يدّعي أنّه « رسول الله » سفَّه أحلامَنا وسبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا.

فقال له أسعد: من هو منكم ؟

قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب من أوسطنا شرفاً وأعظمنا بيتاً.

وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم: النضير وقريظة وقينقاع: أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهجره المدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب.

٥٠

فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود.

فقال: فأين هو ؟ قال: جالس في الحجر وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلّا في الموسم فلا تسمع منه ولا تكلَّمه فإنّه ساحر يسحرك بكلامه، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.

فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر ؟ لابدّ أن أطوف بالبيت، فقال له: ضع في أُذنيك القطن.

فدخل أسعد المسجد وقد حشّى اُذنيه من القطن، فطاف بالبيت ورسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم فنظر إليه فجأة.

فلمّا كان الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل منّي أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا أعرفه حتّى أرجع إلى قومي فأخبرهم، ثمّ أخذ القطن من اُذنيه ورمى به، وقال لرسول الله: « أنعم صباحاً » فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحيّة أهل الجنّة: السلام عليكم.

فقال أسعد: إنّ عهدي بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمّد ؟

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إلى شهادة اَن لاَ إلَه إلّا الله وإنّي رسولُ الله وأدعوكم:

١ ـ إلّاتُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

٢ ـوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا .

٣ ـوَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .

٤ ـوَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .

٥ ـوَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلّا بِالحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .

٦ ـوَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ .

٧ ـوَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالمِيزَانَ بِالْقِسْطِ .

٥١

٨ ـلا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلّا وُسْعَهَا .

٩ ـوَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ .

١٠ ـوَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأنعام / ١٥١ و ١٥٢ ).

فلمّا سمع أسعد هذا قال: أشهد أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وإنّك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، بيننا وبين إخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك، فلا أحد أعزّ منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن ينعم الله لنا أمرنا فيه، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك، كانوا يبشّروننا بمخرجك ويخبروننا بصفتك وأرجو أن تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلّا لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له(١) .

إنّ هذا النص التاريخي يدفعنا إلى القول بأنّ رئيس الخزرج كان قد وقف على داء قومه العيّاء، ودوائه الناجع، وإنّ قومه لن يسعدوا أبداً بالتحالف مع هذا وذاك وشن الغارات وإن انتصروا على الأوس، وإنّما يسعدون إذا رجعوا إلى مكارم الأخلاق، وتحلّوا بفضائلها التي جاءت أُصولها في هاتين الآيتين اللتين تلاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر إسماعيل.

عرف وافد الخزرج على أنّ مجتمع يثرب ومن والاه قد أشرفوا على الدمار والإنهيار، لأجل أنّهم غارقين في غمرات الشرك، ووأد البنات، واقتراف الفواحش، وقتل النفس المحترمة، وأكل مال اليتيم، وبخس الأموال عند الكيل والتوزين، وترك العدل والقسط في القول والعمل، ونقض عهود الله إلى غير ذلك من الأعمال السيئة فلا يصلحهم إلّا إذا خرجوا عن شراك هذه المهالك والموبقات.

__________________

(١) أعلام الورى بأعلام الهدى: ص ٥٧، وللقصة ذيل جدير بالمطالعة وقد أخذنا منها موضع الحاجة.

٥٢

فخرج إلى يثرب ومعه مبعوث من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعني « مُصعبَ بن عُمير » فبشّر أهل يثرب بما عرف من الحقّ، وصار ذلك تمهيداً لقدوم الرسول الأكرم إلى بلده، بعد ما بعثوا وفوداً إلى مكّة ليتعرّفوا على رسول الله ويبايعوه على ما هو مذكور في السيرة والتاريخ.

فنقول: كان هذا هو موطن النبي ودار ولادته وهذه هي ثقافة قومه وحضارة بيئته، وهذه صفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذه هي علومهم ومعارفهم، حروبهم وغاراتهم، عطفهم وحنانهم، كل ذلك يعرب عن إنحطاط حضاري، وإنحلال خلقي، كاد أن يؤدي بهم إلى الهلاك والدمار لو لا أن شاء الله حياتهم الجديدة وميلادهم الحديث.

وأين هذا ممّا جاء به القرآن الكريم والسنّة النبويّة من الدعوة إلى التوحيد، ورفض الأصنام والأوثان، وحرمة النفوس، والأعراض والأموال، والدعوة إلى العلم، والقراءة والكتابة، والحث على العدل والقسط في القول والعمل، والتجنّب عن الدعارة والفحشاء، ومعاقرة الخمر والميسر، فلو دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على أنّ ما جاء به من الأُصول لا يمتّ إلى بيئته بصلة.

هذا ما في الذكر الحكيم حول الوضع الإجتماعي والثقافي والعقائدي والعسكري للعرب في العصر الجاهلي وما كانوا عليه من حيرة وضلال، وسقوط وانهيار، فهلمّ معي ندرس وضع العرب الجاهلي عن طريق آخر وهو الإمعان في كلمات الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام الذي عاين الوضع الجاهلي بأُمّ عينيه، فقد قام الإمام في خطبه ورسائله وقصار كلماته ببيان أحوال العرب قبل البعثة، وما كان يسودهم من الوضع المؤسف، وبما أنّ الإمام هو الصادق المصدّق، نقتطف من كلامه في مجال الخطب والرسائل والكلم القصار ما يمتّ إلى الموضوع بصلة، وفي ذلك غنى وكفاية لمن أراد الحقّ:

٥٣

أ ـ الفوضويّة العقائديّة

١ ـ« وَأَهْلُ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقةٌ، وَأهْواءٌ مُنتَشِرَةٌ، وَطَرائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِ بِخَلْقِهِ، اَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ اَوْ مُشِيرٍ إلى غَيْرِهِ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ وَاَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ » (١) .

٢ ـ« بَعَثَهُ والنَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ، وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ، قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الأَهْوَاءُ، واسْتَزَلَّتْهُمُ الكِبْرِيَاءُ، واسْتَخَفَّتْهُمُ الجَاهِلِيَّةُ الجَهْلاَءُ، حَيَارَىٰ فِي زَلْزَالٍ مِنَ الأَمْرِ، وَبَلاَء مِنَ الجَهْلِ فَبَالَغَ صلى‌الله‌عليه‌وآله فِي النَّصِيْحَةِ ومضَىٰ عَلَى الطَّرِيقَةِ وَدَعَا إلى الحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ » (٢) .

٣ ـ« والنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَزَمَ فِيْهَا حَبْلُ الدِّينِ، وتزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وتشَتَّتَ الأَمْرُ، وَضَاقَ المَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، وَالعَمَى شَامِلٌ، عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وتنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ. اَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ اَعْلاَمُهُ، وقامَ لِوَاؤُهُ. فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِاَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بِاَظْلاَفِهَا، وقامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيْهَا تَائِهُونَ، حَائِرُونَ، جَاهِلُونَ، مَفْتُونُونَ، في خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيْرَانٍ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بِاَرْض عَالِمِهَا مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ » (٣) .

٤ ـ« واشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ والنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ، وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ اَزِمَّةُ الحَيْنِ، واسْتَغْلَقَتْ عَلَى اَفْئِدَتِهِمْ اَقْفَالُ الرَّيْنِ » (٤) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٩٥.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ٢.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٩١.

٥٤

٥ ـ« ثُمَّ اِنَّ الله سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ حِيْنَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الاِنْقِطَاعُ، واقْبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الإِطِّلاعُ، واظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ اِشْرَاقٍ، وقَامَتْ بِاَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ، وازِفَ مِنْهَا قِيادٌ، فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ اَشْرَاطِهَا، وتصَرُّم مِنْ اَهْلِهَا، وانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا، وانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا، وَعَفَاءٍ مِنْ اَعْلاَمِهَا، وتكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا، وقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا، جَعَلَهُ اللهُ بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لأمَّتِهِ، وربِيعاً لأهْلِ زَمَانِهِ، ورفْعَةً لأعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لأنْصَارِهِ » (١) .

ب ـ الوضع الإجتماعي في العصر الجاهلي

٦ ـ« اَرْسَلَهُ عَلَى حِيْنِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَطُوْلِ هَجْعَةٍ مِنَ الاُمَمِ، واعْتِزَام مِنَ الفِتَنَ وانْتِشَارٍ مِنَ الاُمُورِ، وتلَظٍّ مِنَ الحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الغُرُورِ، عَلَى حِيْنِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وايَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، واغْوِرَاءٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الهُدَى، وَظَهَرَتْ اَعْلاَمُ الرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهِا ثَمَرُهَا الفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا الجِيْفَةُ، وَشِعَارُهَا الخَوْفُ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ، فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ وَاذْكُرُوا تِيْكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ واخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ » (٢) .

ج ـ المستوى الثقافي لأهل الجاهلية

٧ ـ« وَلاَتَكُونُوا كَجُفَاةِ الجَاهِلِيَّةِ، لاَ فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، وَلاَ عَنِ الله يَعْقِلُونَ، كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي اَدَاحٍ يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً ويخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً » (٣) .

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٨.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ٨٩.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٦٦.

٥٥

٨ ـ« اَمَّا بَعْدُ فَاِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وَلَيْسَ اَحَدٌ مِنَ العَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَيَدَّعِي نُبُوَّةً، وَلاَ وَحْياً » (١) .

د ـ سيادة الوثنية

٩ ـ« فَبَعَثَ الله مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ اِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إلى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَاَحْكَمَهُ » (٢) .

١٠ ـ« بَعَثَهُ حِينَ لاَعَلَمٌ قَائِمٌ، وَلاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ، وَلاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ » (٣) .

ه‍ ـ العصبية الجاهليّة

١١ ـ« اَضَاءَتْ بِهِ البِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ المُظْلِمَةِ، والجَهَالَةِ الغَالِبَةِ، وَالجَفْوَةِ الجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الحَرِيمَ وَيسْتَدِلُّونَ الحَكِيمَ، وَيحْيَونَ عَلَى فَتْرَةٍ، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَة » (٤) .

و ـ مأكلهم ومشربهم

١٢ ـ« اِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَاَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَاَنْتُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنْيِخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ، وَحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الكَدِرَ، وَتأْكُلُونَ الجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ،

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ١٠٤ و ٣٣.

(٢) نهج البلاغة، الخطبة ١٤٧.

(٣) نهج البلاغة، الخطبة ١٩٦.

(٤) نهج البلاغة، الخطبة ١٥١.

٥٦

وَتَقْطَعُونَ اَرْحَامَكُمْ، الاَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، والآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ » (١) .

ز ـ مكانة المرأة في الجاهلية

١٣ ـ كلامه في المرأة الجاهلية مخاطباً عسكره قبل لقاء العدوّ بصفّين:« وَلاَ تَهِيْجُوا النِّسَاءَ بِأَذىً وَاِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ اُمَرَاءَكُمْ، فَاِنَّهُنَ ضَعِيفَاتُ القُوَى والاَنْفُسِ والعُقُولِ، اِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَاِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بِالفَهْرِ، أَوِ الهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ » (٢) .

( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )

__________________

(١) نهج البلاغة، الخطبة ٢٦.

(٢) نهج البلاغة، الكتاب رقم ١٤ من وصيّته لهعليه‌السلام .

٥٧
٥٨

(٣)

ميلاد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

أو

تبلّج النور في الظلام الحالك

إنّ التعرّف على حياة النبي يتوقّف على دراسة مراحل ثلاث تشكّل فصول عمره المبارك وهي:

١ ـ من ولادته إلى بعثته.

٢ ـ من بعثته إلى هجرته.

٣ ـ من هجرته إلى رحلته.

إنّ أصحاب السير والتواريخ درسوا الفصول الثلاثة على ضوء الروايات والأحاديث التي تلقّوها عن الصحابة والتابعين، ونحن ندرسها على ضوء القرآن الكريم، فنقول:

إتّفق المؤرخون على أنّ النبي الأكرم ولد عام الفيل، وهي السنة الّتي عمد أبرهة إلى تدمير الكعبة وهدمها ولكنّه باء بالفشل وهلك هو وجنوده بأبابيل، كما يحكي عنه قوله سبحانه:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ *وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ *تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ *فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) ( الفيل / ١ ـ ٥ ).

ومن أراد الوقوف على تفصيل القصّة فعليه المراجعة إلى كتب السيرة والتفسير والتاريخ.

٥٩

ويظهر ممّا أخرجه مسلم أنّ هذا اليوم يوم مبارك، قال: إنّ أعربياً قال: يا رسول الله ما تقول في صوم يوم الإثنين ؟ فقال: ذلك يوم ولدت فيه، واُنزل عليّ فيه(١) .

لم يذكر القرآن ما يرجع إلى المرحلة الاُولى من حياته إلّا شيئاً قليلاً نشير إليها إجمالاً:

١ ـ عاش يتيماً فآواه سبحانه.

٢ ـ كان ضالاًّ فهداه.

٣ ـ كان عائلاً فأغناه.

٤ ـ كما ذكر أسماءه في غير واحد من السور.

٥ ـ جاءت البشارة باسمه « أحمد » في الإنجيل.

٦ ـ كان أُمّياً لم يدرس ولم يقرأ ولم يكتب.

٧ ـ كان قبل البعثة مؤمناً موحّداً عابداً لله فقط.

فإليك البحث عن هذه الاُمور واحد بعد آخر:

١ ـ الإيواء بعد اليُتمْ

ولد النبيّ الأكرم من والدين كريمين فوالده عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم.

واتّفقت الإماميّة والزيديّة وجملة من محقّقي السنّة على أنّه كان موحّداً مؤمناً.

ويستدل من صفاته المحمودة، وفضائله المرموقة، والأشعار المأثورة، على

__________________

(١) مسند أحمد: ج ٥ ص ٢٩٧ ـ ٢٩٩، والسنن الكبرى للبيهقي: ج ٤ ص ٢٩٣، وصحيح مسلم ـ كتاب الصيام باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر: ج ١ ص ٩٧.

٦٠

كنت سائلي عنه، فاسأله عنه، فعنده ما تحتاج إليه"(١) .

صفاته:

قال أحد المتشرّفين بلقاء الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام : " دخلت سرّ من رأى وأتيت إلى الحسن العسكريعليه‌السلام فرأيته جالساً على بساط أخضر، ونور جماله يغشى الأبصار، فأمرني بالجلوس فجلست وأنا لا أستطيع النظر إلى وجهه إجلالاً لهيبته".

ويذكر أحد الذين تشرّفوا بخدمته: " إذا نام سيدي أبو محمّد العسكري رأيت النور ساطعاً من رأسه إلى السماء".

عبادته:

عبَّر أحد أصحاب الإمام عن عبادته قائلاً: " كانعليه‌السلام يجلس في المحراب ويسجد، فأنام وأنتبه وأنام وهو ساجد"(٢) .

وروي أنّ العباسيّين أرادوا التضييق على الإمامعليه‌السلام وهو في السجن فأمروا آمر السجن بذلك فأجابهم: " ما أصنع به، وقد وكلت به رجلين شرَّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى

____________________

١- الأمين - السيد محسن - اعيان الشيعة - ج ٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٠٧

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٥٣

٦١

أمر عظيم"، ثمّ أمر بإحضار الموكلين به فقال لهما: " ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل" ؟ فقالا له: " ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كلّه، لا يتكلّم، ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا"(١) .

مكانته الاجتماعيّة:

رغم العمر القصير الذي عاشه الإمامعليه‌السلام والذي يقلّ عن ثلاثين عاماً فقد حاز على مكانة اجتماعيّة عظيمة رغم التضييق الأمني الشديد الذي مارسته السلطة عليه والذي يتمثّل بفرض الإقامة شبه الجبريّة عليه وإجباره على الحضور يومين في الأسبوع إلى دار الخلافة وقد وصف أحد المرافقين للإمامعليه‌السلام في سيره نحو دار الخلافة مشهد الناس الذي يعبِّر عن مكانة الإمامعليه‌السلام لديهم فكان يصف يوم خروج الامام بحيث " يغصُّ الشارع بالدواب والبغال والحمير والضجة،فلا يكون لأحد موضع يمشي، ولا يدخل بينهم، وإذا جاء أستاذي (يعني الإمامعليه‌السلام ) سكنت الضجة، وهدأ صهيل الخيل، ونهاق الحمير، وتفرّقت البهائم، حتى يصير الطريق واسعاً...،

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٠٨

٦٢

ثمّ يدخل...وإذا أراد الخروج وصاح البوابون: هاتوا دابة أبي محمد، سكن صياح الناس، وصهيل الخيل، وتفرّقت الدواب حتى يركب ويمضي"(١) .

واستطاعت مكانة الإمام العسكريعليه‌السلام أن تخرق جدران أنفس أعدائه الحاقدين فقال عنه أحد الشخصيّات البارزة في الحكم العباسي حينما ذكر أمامه أبناء أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فقال: " ما رأيت منهم مثل الحسن بن محمّد بن الرضا، دخل حاجبه على أبي (وكان وزيراً عند المعتمد العباسي) فقال: أبو محمّد ابن الرضا بالباب، فزجرهم واستقبله، ثمّ أجلسه على مصلّاه، وجعل يكلّمه، ويفديه بنفسه، فلمّا قام شيَّعه، فسألت أبي عنه، فقال: يا بنيّ ذلك إمام الرافضة، ولو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره، لفضله وعفافه وصومه وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه...ولقد كنت أسأل عنه دائماً، فكانوا يعظّمونه ويذكرون له كرامات، وقال: ما رأيت أنفع ظرفاً (أي أغزر علماً وأدباً)، ولا أغضَّ طرفاً، ولا أعفَّ لساناً وكفاً من الحسن العسكري".

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٥٢

٦٣

الحوراء زينبعليها‌السلام : ودورها الرسالي

المناسبة: ولادة الحوراء زينبعليها‌السلام

التاريخ: ٥ جمادى الأولى

تألقت مجموعة من الشخصيات عبر التاريخ من خلال الادوار التي قاموا بها في حفظ دين الله تعالى وقد كان للسيدة زينبعليها‌السلام هذا الدور العظيم بعد واقعة كربلاء حيث قامت بحفظ الدين من خلال حماية حجة ذلك العصر الإمام زين العابدينعليه‌السلام

كرامة الولادة:

وقد شاء الله تعالى أن يكرِّم هذه السيدة الجليلة منذ ولادتها حينما أتت بها أمها الزهراءعليها‌السلام إلى أبيها أمير المؤمنينعليه‌السلام قائلة له: " سمِّ هذه المولودة".فقالعليه‌السلام : " ما كنت

٦٤

لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ".وكان في سفر له، ولما جاء وسأله عليعليه‌السلام عن أسمها فقال: " ما كنت لأسبق ربي تعالى"، فهبط الأمين جبرائيلعليه‌السلام ...قال له: " سمِّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم"(١) .

حبيبة أهل البيتعليه‌السلام :

وتعلَّق أهل بيت العصمةعليه‌السلام بالطفلة الصغيرة زينب تعلقاً شديداً، فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي حينما تحدِّثه وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يكثر من الحديث معها بما يُظهر علمها اللدني، كقولهعليه‌السلام لها: " قولي واحد"، فقالت:" واحد "، فقال " قولي اثنين"، فسكتت، فطالبهاعليه‌السلام : " تكلّمي يا قرَّة عيني" فقالت: " يا أبتاه، ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد"(٢) .

حقاً إنها كما قال لها الإمام زين العابدينعليه‌السلام : " أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، و فهمة غير مفهَّمة"(٣) . وتعلَّق الحسنان عليهما السلام بأختهما زينبعليها‌السلام تعلقاً ظهرت معالمه في صور كثيرة

____________________

١- القزويني - السيد لطفي - رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٥٩

٢- الشاكري - الحاج حسين - العقيلة والفواطم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٩

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٦٤

٦٥

في حياتهم كتلك الصورة الرائعة التي رأى فيها الإمام الحسينعليه‌السلام - وهو صغير السن - أخته زينب نائمة والشمس مسلَّطة عليها، فوقف يواريها بجسده المبارك من الشمس.

وكانتعليها‌السلام إذا أرادت الخروج لزيارة جدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخرج ليلاً والحسنعليه‌السلام عن يمينها والحسينعليه‌السلام عن شمالها، وأبوها أمير المؤمنينعليه‌السلام أمامها، فإذا قربت من المرقد المطهَّر أخمد أمير المؤمنينعليه‌السلام القناديل، فسأله الإمام الحسنعليه‌السلام مرةً عن ذلك، فأجابعليه‌السلام : " أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب"(١) .

دورها الاجتماعي:

كان للسيدة زينبعليها‌السلام دور بارز في تحصين وتطوير المجتمع النسائي، فحينما كانت في الكوفة، كان لها مجلس في بيتها تفسِّر فيه القرآن الكريم، وذكر الشيخ الصدوققدس‌سره أنه كانت للسيدة زينبعليها‌السلام نيابة خاصة عن الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى شُفي الإمام زين العابدينعليه‌السلام من مرضه.

____________________

١- البياتي - جعفر- الأخلاق الحسينية - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٢٣

٦٦

عبادتها:

قال من عرفها: ما تركت السيدة زينبعليها‌السلام تهجدها طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.ويحدِّثنا الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنه رآها تلك الليلة تصلِّي من جلوس، بل ذكر عبادتها في طريق الشام فقالعليه‌السلام : " إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية"(١) .

____________________

١- الشاكري - الحاج حسين - العقيلة والفواطم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٠

٦٧

أسماء الزهراءعليها‌السلام

المناسبة: شهادة الزهراءعليها‌السلام

التاريخ: ٣ جمادى الثانية سنة ١١ ه.

تشرّفت بالسيدة الزهراءعليها‌السلام أسماء عديدة تعبِّر عن جانبٍ من مقامها الكبير نتعَّرض هنا للإشارة إلى بعضها:

الحوراء الإنسيّة:

وهو الاسم الذي سمَّاها به أبوها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلّلاً له بقوله: " لمـّا تزوجتُ خديجة، عرج بي إلى السماء فانطلق بي جبرائيلعليه‌السلام إلى شجرة طوبى يستظلّ بظلّها فتناول جبرائيل من ثمرها فناولنيه، فأكلت فصارت نطفة في صلبي، فواقعت خديجة، فَوَلَدَت فاطمة، فإذا اشتقت إلى الجنّة شممتها ففاطمة حوراء إنسيّة"(١) .

____________________

١- الكوفي - فرات بن ابراهيم -تفسير فرات الكوفي - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٦

٦٨

المحدّثة:

وسمِّيِت بهذا الاسم لدورها في نشر تعاليم الإسلام وأحاديث أبيها الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيَّما للنساء المؤمنات، فقد ورد أنّ الإمام الباقرعليه‌السلام سئل بعض المسائل فأجاب وأردف: " إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر بذلك فاطمة، وكانت تأمر بذلك المؤمنات"(١) .

وورد أيضاً في سرِّ هذا الاسم أنّهاعليه‌السلام كانت بكرامة من الله تعالى تحدِّث أمها خديجة الكبرى وتؤنسها وهي في بطنها، ففي الرواية أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قاطعت نساء قريش السيدة خديجة (رضوان الله عليها) سمعها تتحدّث ولا أحد معها فسألها من تحدِّثين؟ قالت: " الجنين الذي في بطني يحدِّثني ويؤنسني".فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: " يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنّها أنثى وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة وإنّ الله سيجعل نسلي منها..."(٢) .

الزكيّة الزاكية:

فقد كانتعليه‌السلام المرأة الأولى في تزكية نفسها فكانت كما ورد في سيرتها تصلّي وتُطيل القيام حتى تتورَّم قدماها، وكانت

____________________

١- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١١٤

٢- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢

٦٩

إذا قامت إلى الصلاة تتغيَّر معالمها من خشية الله.وقد شهد بتزكية نفسها القريب والبعيد فعن الحسن البصري: لم يكن في الأمّة أعبد من فاطمةعليه‌السلام .ومن قصص عبادتها لله تعالى والتي لم تكن فيها تنسى المؤمنين ما ورد عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام أنّه قال: " رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء"، فقلت لها: " يا أمّاه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟! فقالت: " يا بني الجار ثمّ الدار"(١) .

الشهيدة:

ففي زيارتها: " السلام عليك أيّتها الصدِّيقة الشهيدة"(٢) .

لقد رحلت الصدّيقة الكبرى إلى بارئها عقب سلسلة أحداث مؤلمة بعد أن أوصت أن تدفن سراً ليكون قبرها المجهول علامة على الحقّ فسلام عليها حوراء إنسيّة زاكية زكيّة شهيدة وفاطمة تفطم شيعتها من النار.

____________________

١- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٨١

٢- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٧ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٩٥

٧٠

قدوة النساء الزهراءعليها‌السلام

المناسبة: ولادة الصديقة الكبرى

التاريخ: ٢٠ جمادى الثاني في العام الخامس من بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أشرق الكون بنور ولادة السيدة الزهراءعليها‌السلام في العشرين من جمادى الثاني في العام الخامس من بعثة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أعلنه الامام الخمينيقدس‌سره يوماً عالمياً للمرأة قائلاً: " إذا كان لا بدّ من يوم للمرأة فأيّ يوم أسمى وأكثر من يوم مولد فاطمة الزهراءعليها‌السلام المرأة التي هي مفخرة بيت النبوة وتسطع كالشمس على جبين الإسلام العزيز".

مجمع الكمالات:

كانت سيدة نساء العالمينعليه‌السلام مجمع الكمالات الإنسانيّة، فقد جسَّدت كما قال حفيدها الإمام الراحل: " الهوية الإنسانيّة

٧١

الكاملة"، فبعد خلقها نوراً كان الإنعقاد الأول من ثمرة الجنّة، وكانت بشارة جبرائيل بأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وهي جنين في رحم أمها.

وكانتعليها‌السلام خير ابنة لخير أب فسمَّاهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أمّ أبيها"(١) .

وكانتعليها‌السلام خير زوجة لخير زوج قال عنهاعليه‌السلام : "...ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان"(٢) .

وكانتعليها‌السلام خير أمّ لخير أولاد فكانت تعلّمهم القرآن والصلاة والصوم والتسبيح والدعاء.

وكانت العابدةعليها‌السلام التي ترتعد فرائصها من خيفة الله، والمسبِّحة التي أقترن أسم التسبيح بإسمها.

وكانتعليها‌السلام في ساحة التحدّي العقائديّ فهي: نساءنا(في آية المباهلة)

﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ(٣) .

وكانتعليها‌السلام المعلّمة في ساحة الشريعة فهي مرجع

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٩

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٣

٣- آل عمران:٦١.

٧٢

المؤمنات تعلّمهن أمور دينهن، وناشرة لسنَّة أبيها الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ورد أنّ ابن مسعود سأل السيدة الزهراءعليها‌السلام : هل ترك رسول الله شيئاً تطرفينيه (تحدثين به)؟ فأتت بجريدة قرأت منها: " قال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه(دهائه وغله وظلمه) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت، إنّ الله عزّ وجلّ يحبُّ الحليم المتعفِّف ويبغض الفاحش الضنين السئآل الملحف (كثير الاسئلة الملح)، إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء (الكلام القبيح)، والبذاء في النار"(١) .

جهاد الزهراءعليها‌السلام :

- وكانتعليها‌السلام المجاهدة في ساحة التحدّي، وتواكب جهاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد روى ابن عباس أنّ قريشاً عندما تعاهدت باللات والعزَّى ومناة الثالثة ليقتلن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلغ ذلك فاطمةعليها‌السلام فجاءت وأخبرت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..فدعا بماء فتوضّأ وخرج إليهم، وقال: " شاهت (قبُحت) الوجوه"، ورماهم بالحصى، فمن

____________________

١- الطبري (الشيعي)- محمد بن جرير - دلائل الامامة - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٦٦

٧٣

أصابته قتل يوم بدر(١) .

ولمـّا اجتمعت قريش لتحاصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه ابنته فاطمة إلى شعب أبي طالب، فعاشوا فيه مدّة ثلاث سنين في حصار اقتصادي، فكانت فاطمةعليها‌السلام كبقيّة المسلمين تربط الحجر على بطنها من شدّة الجوع.

- وفي معركة أُحُد كانت السيدة الزهراءعليها‌السلام تمسح الدم عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهب أمير المؤمنينعليه‌السلام ليأتي بالماء قائلاً لفاطمةعليها‌السلام : " امسكي هذا السيف غير ذميم(غيرمعيب)"(٢) ولمـّا رأت السيدة الزهراءعليها‌السلام أنّ الدم لم ينقطع من وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثمّ ألصقته بالجرح فاستمسك الدم(٣) .

- وفي معركة الخندق ورد عن الإمام عليعليه‌السلام : " كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في حفر الخندق، إذ جاءته فاطمةعليها‌السلام بكسرة من خبز فرفعتها إليه، فقال: " ما هذا يا فاطمة؟ قالت: من قرصٍ اختبزته لابني جئتك منه بهذا الكسرة فقال: " يا بنية، أما إنّها

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج١٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٦٠

٢- الأمين- السيد محسن - أعيان الشيعة - ج ١ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٩

٣- الأمين- السيد محسن - أعيان الشيعة - ج ١ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٩

٧٤

لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام"(١) .

- وفي فتح مكّة كانت السيدة الزهراءعليها‌السلام مع أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام على رأس الداخلين.وأبتعليه‌السلام إلا أن تختم جهادها بالشهادة.

____________________

١- القندوزي- ينابيع المودة لذوي القربى - ج ٢ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٣٦

٧٥

الإمام الخمينيقدس‌سره : في كلام القائد دام ظله

المناسبة: ولادة الإمام الخمينيقدس‌سره

التاريخ: ٢٠ جمادى الثانية

في مناسبة ولادة الامام الخمينيقدس‌سره نطلُّ على جانب من كلام الإمام الخامنئي دام ظله حول شخصية الإمام الخميني الراحلقدس‌سره والتي يعتبرها شخصية تاريخية استثنائية لم يشهد التاريخ مثلها، فيقول:

الشخصية الفريدة:

" لا توجد عندنا شخصية لا في زماننا هذا ولا في الأزمان الماضية -فيما عدا الأنبياء والأولياءعليه‌السلام - تناظر شخصية قائدنا الكبير العزيز وإمامنا الفقيه الجليل الذي كان من بين

٧٦

ألمع الشخصيات وأبرز الوجوه في هذا العالم، ولا يوجد له نظير في الوجوه البارزة المعروفة في العالم المعاصر، فهو إنسان تجتمع فيه شتى الأبعاد ومختلف الصفات وينعدم وجود مثله يجمع كل هذه الصفات الإيجابية،..لقد اجتمعت في شخصية الإمام مجموعة من الصفات النفيسة والصفات السامية التي لم تجتمع لقرون متمادية -إلّا بندرة- في إنسان واحد، فقد كان يجمع قوة الإيمان إلى قوة العمل الصالح، والإرادة الفولاذية إلى الهمة العالية، والصفاء المعنوي والروحي إلى الذكاء والكياسة، والتقوى والورع إلى السرعة والحزم، والهيبة ووقار القيادة إلى الرقة والعطف والرأفة، وهي صفات يندر اجتماعها مرة واحدة".

السيطرة على النفس:

وفيما يرتبط بشدة ورع الإمام وإرادته الصلبة وتواضعه وصبره وحلمه، يقول الإمام الخامنئي دام ظله : " كان -أي الإمام- يتحكّم في أهوائه ويسيطر على رغباته النفسية، ولم تكن أهواؤه وميوله هي المسيطرة عليه، وفي نفس الوقت فإنه كان بمنتهى التواضع، وفي قمة الصبر والحلم، ولم تكن النوازل

٧٧

الضخمة والوقائع الكبرى تحدث الأمواج المتلاطمة في بحر صبره العظيم..فقد كان يتغلب على المصائب، ولم يترك العمل والسعي الدؤوب حتى وهو في سن الشيخوخة".

ويعتبر الإمام الخامنئي دام ظله أن الإنجازات النجاحات الكبرى التي حققها الإمام الخمينيقدس‌سره كانت بفعل ارتباط الإمام بالله والتزامه بالطاعات والتضرع والإستغفار والمناجاة والدعاء والتوسل، وبفعل إخلاصه وطهارة ذاته وصفاء نيته وتربيته لنفسه بإستمرار.

يقول دام ظله : " إنني أعتقد أن إمامنا العظيم الذي لا نجد له نظيراً بين أناس هذا الزمان، ويأتي من حيث المنزلة بعد أئمة الهدى وأولياء الله، لو لم يكن من أهل التضرع والاستغفار والاستقامة والبكاء والمناجاة والدعاء والتوسل، لكان من المستبعد أن يحصل على كل هذا التوفيق من قبل الله تبارك وتعالى، وإن النجاح الذي حققه هذا الإنسان الفذ رهين إلى حد كبير بهذا الارتباط بالله، ورهين بانفتاح قلبه على مصراعيه على الحضرة الإلهية والتزامه دائماً بالاستغاثة والمناجاة والدعاء وأمثال هذه الطاعات".

٧٨

علاقة التقوى بالنصر:

ويقول دام ظله : " كلنا نحتاج إلى إحداث التغيير في أخلاقنا وأمورنا الروحية وإنني كثيراً ما خطر في ذهني طوال هذه السنوات المنصرمة أن قسماً مهماً من انتصاراتنا ناشئ من القضايا الروحية والمزايا المعنوية التي كان يتمتع بها سماحة الإمام شخصياً، فذلك الإنسان الجليل الفذ - وعلاوة على كونه حقاً وإنصافاً ينطوي على ذات طاهرة، وكل الذين يعرفونه منذ زمن طويل يؤكدون أنه كان شخصاً مميزاً أخضع نفسه لأنواع التربية والرياضات الروحية، وأتعب نفسه في بناء ذاته - لم يتوقف عن مسيرة التكامل بل كان في حالة تطور دائم وتكامل مستمر..وهذا هو حال الإنسان المؤمن فهو يتقدم ويتطور بين لحظة وأخرى، وهكذا كان الإمام بالضبط وخصوصاً في مواقف وأوقات خاصة مثل شهر رمضان، حيث كان يمتنع في هذا الشهر عن اللقاءات العامة وينكب على نفسه وينشغل بها، ولذلك فبعد أن يلتقيه المرء بعد شهر رمضان يحس أنه أصبح نورانياً أكثرمما كان عليه قبل شهر رمضان، وأكثر توفراً على القضايا المعنوية، ويقيناً أن الكثير من النجاحات التي حظيت بها الثورة وحققها الشعب يعود الفضل فيها إلى ذلك المركز الفوار النيّر".

٧٩

الشهر الأصب

المناسبة: إطلالة شهر رجب

التاريخ: ١ رجب

ورد عن خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله: " إن لربَّكم في أيَّام دهركم نفحات ألا فتعرَّضوا لها"(١) .

الشهر الأصب:

شرَّف الله تعالى ليالي على ليال كليلة القدر على غيرها، وأياماً على أيام كيوم الجمعة على غيره، وأشهراً على أشهر كأشهر النور الثلاثة التي تبتدئ بشهر رجب، الذي عظمه الله تعالى وكرَّمه فوصفه بالأصبّ لأن الرحمة تصب فيه صباً، ففي الحديث: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً: " أيها المسلمون قد أظلكم

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٦٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٢١

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274