زاد المناسبات

زاد المناسبات28%

زاد المناسبات مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 274

زاد المناسبات
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45701 / تحميل: 4469
الحجم الحجم الحجم
زاد المناسبات

زاد المناسبات

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

كنت سائلي عنه، فاسأله عنه، فعنده ما تحتاج إليه"(١) .

صفاته:

قال أحد المتشرّفين بلقاء الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام : " دخلت سرّ من رأى وأتيت إلى الحسن العسكريعليه‌السلام فرأيته جالساً على بساط أخضر، ونور جماله يغشى الأبصار، فأمرني بالجلوس فجلست وأنا لا أستطيع النظر إلى وجهه إجلالاً لهيبته".

ويذكر أحد الذين تشرّفوا بخدمته: " إذا نام سيدي أبو محمّد العسكري رأيت النور ساطعاً من رأسه إلى السماء".

عبادته:

عبَّر أحد أصحاب الإمام عن عبادته قائلاً: " كانعليه‌السلام يجلس في المحراب ويسجد، فأنام وأنتبه وأنام وهو ساجد"(٢) .

وروي أنّ العباسيّين أرادوا التضييق على الإمامعليه‌السلام وهو في السجن فأمروا آمر السجن بذلك فأجابهم: " ما أصنع به، وقد وكلت به رجلين شرَّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى

____________________

١- الأمين - السيد محسن - اعيان الشيعة - ج ٢ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٠٧

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٥٣

٦١

أمر عظيم"، ثمّ أمر بإحضار الموكلين به فقال لهما: " ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل" ؟ فقالا له: " ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كلّه، لا يتكلّم، ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا"(١) .

مكانته الاجتماعيّة:

رغم العمر القصير الذي عاشه الإمامعليه‌السلام والذي يقلّ عن ثلاثين عاماً فقد حاز على مكانة اجتماعيّة عظيمة رغم التضييق الأمني الشديد الذي مارسته السلطة عليه والذي يتمثّل بفرض الإقامة شبه الجبريّة عليه وإجباره على الحضور يومين في الأسبوع إلى دار الخلافة وقد وصف أحد المرافقين للإمامعليه‌السلام في سيره نحو دار الخلافة مشهد الناس الذي يعبِّر عن مكانة الإمامعليه‌السلام لديهم فكان يصف يوم خروج الامام بحيث " يغصُّ الشارع بالدواب والبغال والحمير والضجة،فلا يكون لأحد موضع يمشي، ولا يدخل بينهم، وإذا جاء أستاذي (يعني الإمامعليه‌السلام ) سكنت الضجة، وهدأ صهيل الخيل، ونهاق الحمير، وتفرّقت البهائم، حتى يصير الطريق واسعاً...،

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٠٨

٦٢

ثمّ يدخل...وإذا أراد الخروج وصاح البوابون: هاتوا دابة أبي محمد، سكن صياح الناس، وصهيل الخيل، وتفرّقت الدواب حتى يركب ويمضي"(١) .

واستطاعت مكانة الإمام العسكريعليه‌السلام أن تخرق جدران أنفس أعدائه الحاقدين فقال عنه أحد الشخصيّات البارزة في الحكم العباسي حينما ذكر أمامه أبناء أمير المؤمنين عليعليه‌السلام فقال: " ما رأيت منهم مثل الحسن بن محمّد بن الرضا، دخل حاجبه على أبي (وكان وزيراً عند المعتمد العباسي) فقال: أبو محمّد ابن الرضا بالباب، فزجرهم واستقبله، ثمّ أجلسه على مصلّاه، وجعل يكلّمه، ويفديه بنفسه، فلمّا قام شيَّعه، فسألت أبي عنه، فقال: يا بنيّ ذلك إمام الرافضة، ولو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره، لفضله وعفافه وصومه وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه...ولقد كنت أسأل عنه دائماً، فكانوا يعظّمونه ويذكرون له كرامات، وقال: ما رأيت أنفع ظرفاً (أي أغزر علماً وأدباً)، ولا أغضَّ طرفاً، ولا أعفَّ لساناً وكفاً من الحسن العسكري".

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٥٠ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٥٢

٦٣

الحوراء زينبعليها‌السلام : ودورها الرسالي

المناسبة: ولادة الحوراء زينبعليها‌السلام

التاريخ: ٥ جمادى الأولى

تألقت مجموعة من الشخصيات عبر التاريخ من خلال الادوار التي قاموا بها في حفظ دين الله تعالى وقد كان للسيدة زينبعليها‌السلام هذا الدور العظيم بعد واقعة كربلاء حيث قامت بحفظ الدين من خلال حماية حجة ذلك العصر الإمام زين العابدينعليه‌السلام

كرامة الولادة:

وقد شاء الله تعالى أن يكرِّم هذه السيدة الجليلة منذ ولادتها حينما أتت بها أمها الزهراءعليها‌السلام إلى أبيها أمير المؤمنينعليه‌السلام قائلة له: " سمِّ هذه المولودة".فقالعليه‌السلام : " ما كنت

٦٤

لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ".وكان في سفر له، ولما جاء وسأله عليعليه‌السلام عن أسمها فقال: " ما كنت لأسبق ربي تعالى"، فهبط الأمين جبرائيلعليه‌السلام ...قال له: " سمِّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم"(١) .

حبيبة أهل البيتعليه‌السلام :

وتعلَّق أهل بيت العصمةعليه‌السلام بالطفلة الصغيرة زينب تعلقاً شديداً، فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي حينما تحدِّثه وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام يكثر من الحديث معها بما يُظهر علمها اللدني، كقولهعليه‌السلام لها: " قولي واحد"، فقالت:" واحد "، فقال " قولي اثنين"، فسكتت، فطالبهاعليه‌السلام : " تكلّمي يا قرَّة عيني" فقالت: " يا أبتاه، ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد"(٢) .

حقاً إنها كما قال لها الإمام زين العابدينعليه‌السلام : " أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، و فهمة غير مفهَّمة"(٣) . وتعلَّق الحسنان عليهما السلام بأختهما زينبعليها‌السلام تعلقاً ظهرت معالمه في صور كثيرة

____________________

١- القزويني - السيد لطفي - رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٥٩

٢- الشاكري - الحاج حسين - العقيلة والفواطم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٩

٣- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٥ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٦٤

٦٥

في حياتهم كتلك الصورة الرائعة التي رأى فيها الإمام الحسينعليه‌السلام - وهو صغير السن - أخته زينب نائمة والشمس مسلَّطة عليها، فوقف يواريها بجسده المبارك من الشمس.

وكانتعليها‌السلام إذا أرادت الخروج لزيارة جدهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخرج ليلاً والحسنعليه‌السلام عن يمينها والحسينعليه‌السلام عن شمالها، وأبوها أمير المؤمنينعليه‌السلام أمامها، فإذا قربت من المرقد المطهَّر أخمد أمير المؤمنينعليه‌السلام القناديل، فسأله الإمام الحسنعليه‌السلام مرةً عن ذلك، فأجابعليه‌السلام : " أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب"(١) .

دورها الاجتماعي:

كان للسيدة زينبعليها‌السلام دور بارز في تحصين وتطوير المجتمع النسائي، فحينما كانت في الكوفة، كان لها مجلس في بيتها تفسِّر فيه القرآن الكريم، وذكر الشيخ الصدوققدس‌سره أنه كانت للسيدة زينبعليها‌السلام نيابة خاصة عن الإمام الحسينعليه‌السلام ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى شُفي الإمام زين العابدينعليه‌السلام من مرضه.

____________________

١- البياتي - جعفر- الأخلاق الحسينية - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٢٣

٦٦

عبادتها:

قال من عرفها: ما تركت السيدة زينبعليها‌السلام تهجدها طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.ويحدِّثنا الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنه رآها تلك الليلة تصلِّي من جلوس، بل ذكر عبادتها في طريق الشام فقالعليه‌السلام : " إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية"(١) .

____________________

١- الشاكري - الحاج حسين - العقيلة والفواطم - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٥٠

٦٧

أسماء الزهراءعليها‌السلام

المناسبة: شهادة الزهراءعليها‌السلام

التاريخ: ٣ جمادى الثانية سنة ١١ ه.

تشرّفت بالسيدة الزهراءعليها‌السلام أسماء عديدة تعبِّر عن جانبٍ من مقامها الكبير نتعَّرض هنا للإشارة إلى بعضها:

الحوراء الإنسيّة:

وهو الاسم الذي سمَّاها به أبوها المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلّلاً له بقوله: " لمـّا تزوجتُ خديجة، عرج بي إلى السماء فانطلق بي جبرائيلعليه‌السلام إلى شجرة طوبى يستظلّ بظلّها فتناول جبرائيل من ثمرها فناولنيه، فأكلت فصارت نطفة في صلبي، فواقعت خديجة، فَوَلَدَت فاطمة، فإذا اشتقت إلى الجنّة شممتها ففاطمة حوراء إنسيّة"(١) .

____________________

١- الكوفي - فرات بن ابراهيم -تفسير فرات الكوفي - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢١٦

٦٨

المحدّثة:

وسمِّيِت بهذا الاسم لدورها في نشر تعاليم الإسلام وأحاديث أبيها الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سيَّما للنساء المؤمنات، فقد ورد أنّ الإمام الباقرعليه‌السلام سئل بعض المسائل فأجاب وأردف: " إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر بذلك فاطمة، وكانت تأمر بذلك المؤمنات"(١) .

وورد أيضاً في سرِّ هذا الاسم أنّهاعليه‌السلام كانت بكرامة من الله تعالى تحدِّث أمها خديجة الكبرى وتؤنسها وهي في بطنها، ففي الرواية أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قاطعت نساء قريش السيدة خديجة (رضوان الله عليها) سمعها تتحدّث ولا أحد معها فسألها من تحدِّثين؟ قالت: " الجنين الذي في بطني يحدِّثني ويؤنسني".فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: " يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنّها أنثى وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة وإنّ الله سيجعل نسلي منها..."(٢) .

الزكيّة الزاكية:

فقد كانتعليه‌السلام المرأة الأولى في تزكية نفسها فكانت كما ورد في سيرتها تصلّي وتُطيل القيام حتى تتورَّم قدماها، وكانت

____________________

١- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٧٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١١٤

٢- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢

٦٩

إذا قامت إلى الصلاة تتغيَّر معالمها من خشية الله.وقد شهد بتزكية نفسها القريب والبعيد فعن الحسن البصري: لم يكن في الأمّة أعبد من فاطمةعليه‌السلام .ومن قصص عبادتها لله تعالى والتي لم تكن فيها تنسى المؤمنين ما ورد عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام أنّه قال: " رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء"، فقلت لها: " يا أمّاه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟! فقالت: " يا بني الجار ثمّ الدار"(١) .

الشهيدة:

ففي زيارتها: " السلام عليك أيّتها الصدِّيقة الشهيدة"(٢) .

لقد رحلت الصدّيقة الكبرى إلى بارئها عقب سلسلة أحداث مؤلمة بعد أن أوصت أن تدفن سراً ليكون قبرها المجهول علامة على الحقّ فسلام عليها حوراء إنسيّة زاكية زكيّة شهيدة وفاطمة تفطم شيعتها من النار.

____________________

١- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٨١

٢- االعلامة المجلسي - بحار الانوار - ج ٩٧ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٩٥

٧٠

قدوة النساء الزهراءعليها‌السلام

المناسبة: ولادة الصديقة الكبرى

التاريخ: ٢٠ جمادى الثاني في العام الخامس من بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أشرق الكون بنور ولادة السيدة الزهراءعليها‌السلام في العشرين من جمادى الثاني في العام الخامس من بعثة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أعلنه الامام الخمينيقدس‌سره يوماً عالمياً للمرأة قائلاً: " إذا كان لا بدّ من يوم للمرأة فأيّ يوم أسمى وأكثر من يوم مولد فاطمة الزهراءعليها‌السلام المرأة التي هي مفخرة بيت النبوة وتسطع كالشمس على جبين الإسلام العزيز".

مجمع الكمالات:

كانت سيدة نساء العالمينعليه‌السلام مجمع الكمالات الإنسانيّة، فقد جسَّدت كما قال حفيدها الإمام الراحل: " الهوية الإنسانيّة

٧١

الكاملة"، فبعد خلقها نوراً كان الإنعقاد الأول من ثمرة الجنّة، وكانت بشارة جبرائيل بأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وهي جنين في رحم أمها.

وكانتعليها‌السلام خير ابنة لخير أب فسمَّاهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " أمّ أبيها"(١) .

وكانتعليها‌السلام خير زوجة لخير زوج قال عنهاعليه‌السلام : "...ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان"(٢) .

وكانتعليها‌السلام خير أمّ لخير أولاد فكانت تعلّمهم القرآن والصلاة والصوم والتسبيح والدعاء.

وكانت العابدةعليها‌السلام التي ترتعد فرائصها من خيفة الله، والمسبِّحة التي أقترن أسم التسبيح بإسمها.

وكانتعليها‌السلام في ساحة التحدّي العقائديّ فهي: نساءنا(في آية المباهلة)

﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ(٣) .

وكانتعليها‌السلام المعلّمة في ساحة الشريعة فهي مرجع

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٩

٢- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٤٣ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٤٣

٣- آل عمران:٦١.

٧٢

المؤمنات تعلّمهن أمور دينهن، وناشرة لسنَّة أبيها الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ورد أنّ ابن مسعود سأل السيدة الزهراءعليها‌السلام : هل ترك رسول الله شيئاً تطرفينيه (تحدثين به)؟ فأتت بجريدة قرأت منها: " قال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه(دهائه وغله وظلمه) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت، إنّ الله عزّ وجلّ يحبُّ الحليم المتعفِّف ويبغض الفاحش الضنين السئآل الملحف (كثير الاسئلة الملح)، إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء (الكلام القبيح)، والبذاء في النار"(١) .

جهاد الزهراءعليها‌السلام :

- وكانتعليها‌السلام المجاهدة في ساحة التحدّي، وتواكب جهاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد روى ابن عباس أنّ قريشاً عندما تعاهدت باللات والعزَّى ومناة الثالثة ليقتلن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلغ ذلك فاطمةعليها‌السلام فجاءت وأخبرت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..فدعا بماء فتوضّأ وخرج إليهم، وقال: " شاهت (قبُحت) الوجوه"، ورماهم بالحصى، فمن

____________________

١- الطبري (الشيعي)- محمد بن جرير - دلائل الامامة - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٦٦

٧٣

أصابته قتل يوم بدر(١) .

ولمـّا اجتمعت قريش لتحاصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، دخل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه ابنته فاطمة إلى شعب أبي طالب، فعاشوا فيه مدّة ثلاث سنين في حصار اقتصادي، فكانت فاطمةعليها‌السلام كبقيّة المسلمين تربط الحجر على بطنها من شدّة الجوع.

- وفي معركة أُحُد كانت السيدة الزهراءعليها‌السلام تمسح الدم عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهب أمير المؤمنينعليه‌السلام ليأتي بالماء قائلاً لفاطمةعليها‌السلام : " امسكي هذا السيف غير ذميم(غيرمعيب)"(٢) ولمـّا رأت السيدة الزهراءعليها‌السلام أنّ الدم لم ينقطع من وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثمّ ألصقته بالجرح فاستمسك الدم(٣) .

- وفي معركة الخندق ورد عن الإمام عليعليه‌السلام : " كنّا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في حفر الخندق، إذ جاءته فاطمةعليها‌السلام بكسرة من خبز فرفعتها إليه، فقال: " ما هذا يا فاطمة؟ قالت: من قرصٍ اختبزته لابني جئتك منه بهذا الكسرة فقال: " يا بنية، أما إنّها

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج١٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٦٠

٢- الأمين- السيد محسن - أعيان الشيعة - ج ١ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٩

٣- الأمين- السيد محسن - أعيان الشيعة - ج ١ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ٣٨٩

٧٤

لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام"(١) .

- وفي فتح مكّة كانت السيدة الزهراءعليها‌السلام مع أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام على رأس الداخلين.وأبتعليه‌السلام إلا أن تختم جهادها بالشهادة.

____________________

١- القندوزي- ينابيع المودة لذوي القربى - ج ٢ - مكتبة أهل البيتعليهم‌السلام - ص ١٣٦

٧٥

الإمام الخمينيقدس‌سره : في كلام القائد دام ظله

المناسبة: ولادة الإمام الخمينيقدس‌سره

التاريخ: ٢٠ جمادى الثانية

في مناسبة ولادة الامام الخمينيقدس‌سره نطلُّ على جانب من كلام الإمام الخامنئي دام ظله حول شخصية الإمام الخميني الراحلقدس‌سره والتي يعتبرها شخصية تاريخية استثنائية لم يشهد التاريخ مثلها، فيقول:

الشخصية الفريدة:

" لا توجد عندنا شخصية لا في زماننا هذا ولا في الأزمان الماضية -فيما عدا الأنبياء والأولياءعليه‌السلام - تناظر شخصية قائدنا الكبير العزيز وإمامنا الفقيه الجليل الذي كان من بين

٧٦

ألمع الشخصيات وأبرز الوجوه في هذا العالم، ولا يوجد له نظير في الوجوه البارزة المعروفة في العالم المعاصر، فهو إنسان تجتمع فيه شتى الأبعاد ومختلف الصفات وينعدم وجود مثله يجمع كل هذه الصفات الإيجابية،..لقد اجتمعت في شخصية الإمام مجموعة من الصفات النفيسة والصفات السامية التي لم تجتمع لقرون متمادية -إلّا بندرة- في إنسان واحد، فقد كان يجمع قوة الإيمان إلى قوة العمل الصالح، والإرادة الفولاذية إلى الهمة العالية، والصفاء المعنوي والروحي إلى الذكاء والكياسة، والتقوى والورع إلى السرعة والحزم، والهيبة ووقار القيادة إلى الرقة والعطف والرأفة، وهي صفات يندر اجتماعها مرة واحدة".

السيطرة على النفس:

وفيما يرتبط بشدة ورع الإمام وإرادته الصلبة وتواضعه وصبره وحلمه، يقول الإمام الخامنئي دام ظله : " كان -أي الإمام- يتحكّم في أهوائه ويسيطر على رغباته النفسية، ولم تكن أهواؤه وميوله هي المسيطرة عليه، وفي نفس الوقت فإنه كان بمنتهى التواضع، وفي قمة الصبر والحلم، ولم تكن النوازل

٧٧

الضخمة والوقائع الكبرى تحدث الأمواج المتلاطمة في بحر صبره العظيم..فقد كان يتغلب على المصائب، ولم يترك العمل والسعي الدؤوب حتى وهو في سن الشيخوخة".

ويعتبر الإمام الخامنئي دام ظله أن الإنجازات النجاحات الكبرى التي حققها الإمام الخمينيقدس‌سره كانت بفعل ارتباط الإمام بالله والتزامه بالطاعات والتضرع والإستغفار والمناجاة والدعاء والتوسل، وبفعل إخلاصه وطهارة ذاته وصفاء نيته وتربيته لنفسه بإستمرار.

يقول دام ظله : " إنني أعتقد أن إمامنا العظيم الذي لا نجد له نظيراً بين أناس هذا الزمان، ويأتي من حيث المنزلة بعد أئمة الهدى وأولياء الله، لو لم يكن من أهل التضرع والاستغفار والاستقامة والبكاء والمناجاة والدعاء والتوسل، لكان من المستبعد أن يحصل على كل هذا التوفيق من قبل الله تبارك وتعالى، وإن النجاح الذي حققه هذا الإنسان الفذ رهين إلى حد كبير بهذا الارتباط بالله، ورهين بانفتاح قلبه على مصراعيه على الحضرة الإلهية والتزامه دائماً بالاستغاثة والمناجاة والدعاء وأمثال هذه الطاعات".

٧٨

علاقة التقوى بالنصر:

ويقول دام ظله : " كلنا نحتاج إلى إحداث التغيير في أخلاقنا وأمورنا الروحية وإنني كثيراً ما خطر في ذهني طوال هذه السنوات المنصرمة أن قسماً مهماً من انتصاراتنا ناشئ من القضايا الروحية والمزايا المعنوية التي كان يتمتع بها سماحة الإمام شخصياً، فذلك الإنسان الجليل الفذ - وعلاوة على كونه حقاً وإنصافاً ينطوي على ذات طاهرة، وكل الذين يعرفونه منذ زمن طويل يؤكدون أنه كان شخصاً مميزاً أخضع نفسه لأنواع التربية والرياضات الروحية، وأتعب نفسه في بناء ذاته - لم يتوقف عن مسيرة التكامل بل كان في حالة تطور دائم وتكامل مستمر..وهذا هو حال الإنسان المؤمن فهو يتقدم ويتطور بين لحظة وأخرى، وهكذا كان الإمام بالضبط وخصوصاً في مواقف وأوقات خاصة مثل شهر رمضان، حيث كان يمتنع في هذا الشهر عن اللقاءات العامة وينكب على نفسه وينشغل بها، ولذلك فبعد أن يلتقيه المرء بعد شهر رمضان يحس أنه أصبح نورانياً أكثرمما كان عليه قبل شهر رمضان، وأكثر توفراً على القضايا المعنوية، ويقيناً أن الكثير من النجاحات التي حظيت بها الثورة وحققها الشعب يعود الفضل فيها إلى ذلك المركز الفوار النيّر".

٧٩

الشهر الأصب

المناسبة: إطلالة شهر رجب

التاريخ: ١ رجب

ورد عن خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله: " إن لربَّكم في أيَّام دهركم نفحات ألا فتعرَّضوا لها"(١) .

الشهر الأصب:

شرَّف الله تعالى ليالي على ليال كليلة القدر على غيرها، وأياماً على أيام كيوم الجمعة على غيره، وأشهراً على أشهر كأشهر النور الثلاثة التي تبتدئ بشهر رجب، الذي عظمه الله تعالى وكرَّمه فوصفه بالأصبّ لأن الرحمة تصب فيه صباً، ففي الحديث: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً: " أيها المسلمون قد أظلكم

____________________

١- العلامة المجلسي - بحار الانوار - ج٦٨ - مكتبة اهل البيتعليهم‌السلام - ص ٢٢١

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

[ وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر ؛ لأنّ المتعة هي التي وجبت بالطلاق ، والشقص عوض عنها(١) .

ولو أخذ من المكاتب شقصاً عوضاً عن النجوم ، فلا شفعة عندنا ](٢) .

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها ؛ لأنّ النجوم هي التي قابلته(٣) .

ولو جعل الشقص اُجرة دار ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يؤخذ بقيمة المنفعة ، وهي اُجرة مثل الدار(٤) .

ولو صالح على الشقص عن دم ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمة الدم ، وهي الدية(٥) . ويعود فيه مذهب مالك(٦) .

ولو استقرض شقصاً ، فلا شفعة عندنا.

وقال الشافعي : يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا : إنّ المستقرض يردّ المثل ؛ لأنّ القرض مبنيّ على الإرفاق ، والشفعة ملحقة بالإتلاف(٧) (٨) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٢) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » نصّاً ، ونحوه في « التهذيب » للبغوي ، و « روضة الطالبين ». وبعضه الآخَر من تصحيحنا لأجل السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٤و٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

(٦) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة. وورد في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ - تتمّةً لقول الشافعي - : « ويقود منه الجريح ويذهب ملكه » بدل « ويعود فيه مذهب مالك ».

(٧) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بالإتلاف ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٨) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١.

٢٦١

مسالة ٧٤٧ : لو كان الثمن مؤجَّلاً‌ ، مثلاً : اشترى الشقص بمائة مؤجَّلة إلى سنة ، فللشيخرحمه‌الله قولان :

أحدهما - وهو الأقوى عندي ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم(١) - : أنّ للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليّاً ، وليس له الصبر والأخذ عند الأجل(٢) .

لنا : أنّ الأخذ إنّما يكون بالثمن ، ويجب أن يكون على الشفيع مثل الثمن قدراً ووصفاً ، والتأجيل وصف في الثمن. ولأنّ الشفعة على الفور ، وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفوريّة ، وأخذها بالثمن المعجّل إضرار بالشفيع بغير وجه ، فلم يبق إلّا ما قلنا توصّلاً إلى الجمع بين الحقوق كلّها.

وقال الشيخ أيضاً : يتخيّر الشفيع بين أن يأخذه ويعجّل الثمن ، وبين أن يصبر إلى أن يحلّ الأجل ثمّ يأخذه بالثمن(٣) - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد(٤) - لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمّة الشفيع ، والذمم لا تتماثل ، ولهذا إذا مات مَنْ عليه الدَّيْن المؤجَّل ، حلّ الأجل ، ولم ينتقل إلى ذمّة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل الذمم ، فإنّها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

____________________

(١) الموطّأ ٢ : ٧١٥ ، ذيل الحديث ٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٩ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣ ، المحلّى ٩ : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، وانظر : روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) النهاية : ٤٢٥.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٢ ، الخلاف ٣ : ٤٣٣ ، المسألة ٩ من كتاب الشفعة.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٣ / ١٩٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٥٦ ، الوسيط ٤ : ٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧١ - ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٢٣.

٢٦٢

ولأنّ في ذلك تغريراً بالمشتري ؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول الأجل ، فيلزمه غرمه ، ولا يجوز أن يلزمه ذلك ، ولم يحصل له حظّ بهذا البيع.

وهو ممنوع ؛ لأنّا نلزم الشفيع بكفيل مليّ يرتضيه المشتري ، فاندفع المحذور.

وللشافعي قولٌ ثالث : إنّ الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة ؛ لأنّه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجّل على ما تقدّم ، وإن أخذها بثمنٍ حالّ في الحال أو بعد انقضاء الأجل ، فقد كلّفناه أكثر من الثمن ؛ لأنّ ما يباع بمائة إلى سنة لا يساويها حالّا ، ولئلّا يتأخّر الأخذ ولا يتضرّر الشفيع(١)

وعلى ما اخترناه فإنّما يأخذه بثمنٍ مؤجّل إذا كان مليّاً موثوقاً به أو(٢) إذا أعطى كفيلاً مليّاً ، وإلّا لم يأخذه ؛ لأنّه إضرار بالمشتري ، وهو أحد قولي الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له : أنّ له الأخذ على الإطلاق ، ولا ينظر إلى صفته ، ولو أخذه ثمّ مات ، حلّ عليه الأجل(٣) .

وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حقّ الشفيع بالتأخير ؛ لأنّه تأخير بعذر ، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على الطلب؟ فيه وجهان ، أحدهما : لا ؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني : نعم ؛ لأنّه ميسور وإن كان الأخذ معسوراً(٤) .

ولو مات المشتري وحلّ عليه الثمن ، لم يتعجّل الأخذ على الشفيع ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

٢٦٣

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال ، وإن شاء صبر إلى مجي‌ء ذلك المحلّ.

ولو مات الشفيع ، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.

ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحلّ الأجل ، صحّ البيع ؛ لأنّ الثمن لو كان حالّاً فباع المشتري صحّ بيعه ، فإذا كان مؤجّلاً وتأخّر الأخذ ، كان جواز البيع أولى ، ويتخيّر الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن الثاني وبين أن يفسخه إمّا في الحال أو عند حلول الأجل ، ويأخذه بالثمن الأوّل ؛ لأنّ ذلك كان له ، ولا يسقط بتصرّف المشتري.

هذا إذا قلنا : إنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ، وهو الظاهر عندهم(١) ، وفيه خلاف ، وإن قلنا بالثالث ، فتعيين(٢) العرض إلى الشفيع وتعديل القيمة [ إلى ](٣) مَنْ يعرفها.

ولو لم يتّفق طلب الشفعة حتى حلّ الأجل ، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلّا بالسلعة المعدلة ؛ لأنّ الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع ، ألا ترى أنّه إذا باع بمتقوّم ، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين الآخَرَيْن لو أخّر الشفعة ، بطل حقّه.

مسالة ٧٤٨ : لو ضمّ شقصاً مشفوعاً إلى ما لا شفعة فيه في البيع‌ ، مثل أن يبيع نصفَ دار وثوباً أو عبداً أو غيرهما صفقةً واحدة ، بسط الثمن عليهما باعتبار القيمتين ، وأخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن ، عند علمائنا ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) ، ولا شفعة في المضموم ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فيتعيّن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

٢٦٤

لأنّ المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة ، فلا تثبت فيه الشفعة ، كما لو أفرده.

وقال مالك : تثبت الشفعة فيهما معاً. ويروى عنه أيضاً أنّه إن كان من مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان ، أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك ، لم يأخذه ؛ لأنّه لو أخذ الشقص وحده ، تبعّضت الصفقة على المشتري ، وفي ذلك ضرر ، ولا يزال الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري(١) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه الشفعة وما لا تثبت.

ثمّ النظر إلى قيمتهما يوم البيع ؛ فإنّه وقت المقابلة.

قال الجويني : إذا قلنا : إنّ الملك ينتقل بانقطاع الخيار ؛ فيجوز أن يعتبر وقت انقطاع الخيار ، لأنّ انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة - حينئذٍ يحصل(٢) .

وهذا يتأتّى على قول الشيخ أيضاً.

وإذا أخذ الشفيع الشقص ، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرّقت الصفقة عليه ، لدخوله فيها عالماً بالحال.

مسالة ٧٤٩ : إذا اشترى شقصاً من دار فاستهدمت إمّا بفعل المشتري أو بغير فعله ، فلها أحوال :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠ ، المغني ٥ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٠.

٢٦٥

أ - أن تتعيّب من غير تلف شي‌ء منها ولا انفصال بعضها عن بعض بأن يتشقّق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف ، فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكلّ الثمن ، وبين الترك ، ويكون تعيّبه في يد المشتري كتعيّب المبيع في يد البائع ، فإنّه يتخيّر المشتري بين الفسخ وبين الأخذ بجميع الثمن ، عند بعض(١) علمائنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

وعند بعضهم(٣) يسقط(٤) الأرش ، فينبغي هنا أن يكون كذلك.

ب - أن يتلف بعضها ، فيُنظر إن تلف شي‌ء من العرصة بأن غشيها السيل فغرّقها ، أخذ الباقي بحصّته من الثمن.

وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراقٍ وغيره ، فإن قلنا : إنّ الأبنية كأحد العبدين المبيعين(٥) ، أخذ العرصة بحصّتها من‌

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ ، والمبسوط ٢ : ١٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٠٥.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٢ - ١٧٣.

(٣) اُنظر : نكت النهاية ( النهاية ونكتها ) ٢ : ١٦١ - ١٦٢.

(٤) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٩ حيث نقل عبارة التذكرة قال : « لا يسقط الأرش ». وقال المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ عند شرح قول المصنّف في القواعد : « ولو انهدم أو تعيّب بفعل المشتري قبل المطالبة » : فهاهنا أربع صور : الاولى : أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة بأن ينقض البناء أو يشقّ الجدار أو يكسر الجذع إلى أن ساق الكلام إلى قوله : وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيّب المبيع في يده فينبغي أن يكون هنا كذلك ، وقد نبّه كلام المصنّف في التذكرة على ذلك. انتهى ، فلاحظ قوله : « وجوب الأرش على البائع » حيث إنّه يخالف قول المصنّف : « يسقط الأرش » ويوافق ما في الجواهر من قوله : « لا يسقط ». وانظر أيضاً : الكافي في الفقه - للحلبي -: ٣٥٥.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « المسمّيين » بدل « المبيعين ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٦

الثمن ، وهو الأصحّ ، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(١) .

وإن قلنا : إنّها كأطراف العبد وصفاته ، أخذها بكلّ الثمن على رأي - وبه قال الشافعي(٢) - وبما بعد الأرش على رأي.

وفرّق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماويّة ، فيأخذها بجميع الثمن ، أو بإتلاف متلفٍ ، فيأخذها بالحصّة ؛ لأنّ المشتري يحصل له بدل التالف ، فلا يتضرّر ، وبه قال أبو حنيفة(٣) .

ج - أن لا يتلف شي‌ء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام وسقوط الجدران ، فإنّ الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأنّها دخلت في البيع وكانت متّصلة به حالة البيع ممّا يدخل في الشفعة ، فكذا بعد النقض ، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلّق حقّ الشفيع به ، والاعتبار بحال جريان العقد ، ولهذا لو اشترى داراً فانهدمت ، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في البيع لو وقع بعد الانهدام.

والثاني للشافعي : لا يأخذ الشفيع النقض ؛ لأنّه منقول كما لو كان في الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع ، لا يؤخذ بالشفعة(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

٢٦٧

فإن قلنا بالأوّل ، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش على ما تقدّم ، أو يعرض عن الكلّ.

وإن قلنا : إنّه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني - فيبني على أنّ السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا بالأوّل ، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصّتهما من الثمن.

وإن قلنا بالثاني ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يأخذ بالحصّة ؛ لأنّ الأنقاض كانت من الدار المشتراة ، فيبعد أن تبقى للمشتري مجّاناً ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.

والثاني - وهو قياس الأصل المبنيّ عليه - : أن يأخذ بتمام الثمن ، كما في الحالة الاُولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل قبض الشفيع(١) .

ومنهم مَنْ كان يطلق قولين - تفريعاً على أنّ النقض غير مأخوذ من غير البناء - على أنّ النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟(٢)

ووجه الأخذ بالكلّ : أنّه نَقْصٌ حصل عند المشتري ، فأشبه تشقّق الحائط ، والأخذِ بالحصّة : أنّ ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصّته من الثمن ، كما إذا اشترى شقصاً وسيفاً.

واعلم أنّ المزني نقل عن الشافعي أنّ الشفيع مخيّر بين أن يأخذه بجميع الثمن أو يردّ(٣) .

وقال في القديم ومواضع من الجديد : أنّه يأخذه بالحصّة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ - ٥١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٣) مختصر المزني : ١٢٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

٢٦٨

وقد ذكر بعض الشافعيّة فيه خمس طرق :

أ - منهم مَنْ قال : إنّ ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة ، وإنّما يأخذ العرصة وما فيها من البناء ؛ لأنّ ذلك منفصل عنها ، كما لو باع داراً ، لم يدخل فيها ما كان منفصلاً عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي فيها بجميع الثمن أو بالحصّة؟ قولان.

ب - ما ذُكر في الطريقة الاُولى إلّا في أنّه يأخذ ذلك بحصّته من الثمن قولاً واحداً.

ج - إنّ ما انفصل من الدار يستحقّه الشفيع مع الدار ؛ لأنّ استحقاقه للشفعة إنّما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متّصلاً.

د - المسألة على اختلاف حالين ، فالموضع الذي قال : يأخذها بالحصّة إذا ذهب بعض العرصة بغرقٍ أو غير ذلك ، والموضع الذي قال : يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقيةً وإنّما ذهب البناء.

ه- إنّ الموضع الذي قال : يأخذ بالحصّة إذا تلف بعض الأعيان بفعله أو فعل آدميّ ، والموضع الذي قال : يأخذه بجميع الثمن إذا حصل ذلك بأمر سماويّ(١) .

وبهذه(٢) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة(٣) .

أقول : ما فعله المشتري مضمون ( وإن كان إذا )(٤) حصل بغير فعله لم يضمنه ، كما لو قلع عين المبيع ، كان تضمينها عليه ، ولو سقطت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٦٥ - ٢٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٢.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « هذه ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٥١ / ١٩٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١١ ، المغني ٥ : ٥٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٠٣.

(٤) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجريّة : « وإذا كان ».

٢٦٩

لم يسقط شي‌ء من الثمن.

هذا كلّه إذا كان التعيّب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب ، أمّا إذا كان بفعل المشتري بعد الطلب ، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا ، الأقرب : الضمان.

ولو تلف بعض المبيع ، أخذه بحصّته من الثمن.

مسالة ٧٥٠ : إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة ، كان للشريك قلعه‌ ، لا من حيث الشفعة ، بل من حيث إنّ أحد الشريكين إذا بنى أو غرس في الأرض المشتركة ، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء مجّاناً ، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.

وإن كان المشتري قد قسّم - إمّا لغيبة الشريك ، أو لصغره - بإذن الحاكم ، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا ، أو في الاتّهاب فظهر(١) البيع ، أو قاسمه وكيله وأخفى(٢) عنه وجه الحظّ في الأخذ بالشفعة ثمّ يجي‌ء الموكّل فيظهر له الوجه ثمّ بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثمّ علم الشفيع ، فللمشتري قلع غرسه وبنائه ؛ لأنّه ملكه.

فإذا قلعه ، لم يكن عليه تسوية الحفر ؛ لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النقص فإنّما حدث في ملكه ، وذلك ممّا لا يقابله الثمن ، وإنّما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع ، ولا يقابل التراب ، فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.

وإن لم يقلع المشتري الغراس ، تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء : ترك الشفعة ، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني ،

____________________

(١) في « س ، ي » : « فيظهر ».

(٢) في « س ، ي » : « خفي ».

٢٧٠

ويصير الملك له ، وأن يُجبر المشتري على القلع ، ويضمن له ما نقص له بالقلع.

وقيل : رابعٌ : أن يُبقيه في الأرض باُجرة(١) .

فأمّا إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص ، لم يلزمه قلعه ، قاله الشيخ(٢) رحمه‌الله ، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي(٣) ؛ لأنّه بنى في ملكه الذي يملك نفعه ، فلم يُجبر على قلعه مع الإضرار به ، كما لو كان لا شفعة فيه.

وقال أبو حنيفة والثوري : يُجبر على قلعه ؛ لأنّه بنى في حقّ غيره بغير إذنه ، فكان عليه قلعه ، كما لو بنى فيها وبانت مستحقَّةً(٤) .

وفرّق(٥) الأوائل بأنّه غرس في ملك غيره(٦) .

وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به ، والبناء وإن كان في ملكه لكنّه ملكٌ غير مستقرّ ، فلا يؤثّر في منع القلع ، والقياس على عدم الشفعة باطل.

لا يقال : القسمة تقطع الشركة ، وتردّ العلقة بينهما إلى الجوار ، وحينئذٍ وجب أن لا تبقى الشفعة ؛ لاندفاع الضرر الذي كُنّا نثبت الشفعة لدفعه ، كما لا تثبت ابتداءً للجار.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٨ ، الخلاف ٣ : ٤٣٩ ، المسألة ١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥١٩ ، المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فرّقوا ».

(٦) المغني ٥ : ٥٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١٣.

٢٧١

لأنّا نقول : الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلّا أنّه اكتفي به في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء ، ولم يخرّج على الخلاف في بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلاً بالشفعة ؛ لأنّ الجوار على حال ضرب اتّصال قد يؤدّي إلى التأذّي(١) بضيق المرافق وسوء الجوار ، ولذلك اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين تصرّف المشتري والمستعير إذا بنى في أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع ، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.

وهل للشفيع أن يطالبه باُجرة بقاء الزرع؟ الأقوى : العدم ، بخلاف المستعير ، فإنّه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية ، فكان عليه الاُجرة ، أمّا المشتري فإنّه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الثاني : له المطالبة ، كما أنّ المعير يبقي بالاُجرة(٢) . وقد بيّنّا الفرق.

وكذا لو باع أرضاً مزروعة ، لا يطالبه المشتري بالاُجرة لمدّة بقاء الزرع.

وللشافعيّة في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة ، وصورة العارية ، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الاُجرة ، لكنّ الظاهر عندهم في صورة العارية وجوب الاُجرة ، وفي الصورتين الاُخريين المنع ؛ للمعنى الجامع لهما ، وهو أنّه استوفى منفعة ملكه(٣) .

وأمّا إذا زرع بعد المقاسمة ، فإنّ الشفيع يأخذ بالشفعة ، ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ، والأجرة عليه ، لأنّه زرعه‌

____________________

(١) في « س » والطبعة الحجريّة : « على حال ضرر إيصال قد يتأدّى إلى التأذّي ». وفي « ي » : « على حال ضرر أيضاً . .». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٠.

٢٧٢

في ملكه.

تذنيب : إذا زرع ، لزم الشفيع إبقاء الزرع ، وحينئذٍ يجوز له تأخير الشفعة إلى الإدراك والحصاد ؛ لأنّه لا ينتفع به قبل ذلك ، ويخرج الثمن من يده ، فله في التأخير غرض صحيح ، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت ، قاله بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخّرت المنفعة ، كما لو بِيعت الأرض في وسط الشتاء ، لا تؤخّر الشفعة إلى أوان الانتفاع(٢) . ولعلّ بينهما فرقاً.

ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحقّ بالشفعة ، ففي جواز التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعيّة(٣) .

وعندي أنّه يجب الأخذ معجّلاً.

مسالة ٧٥١ : لو تصرّف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما ، صحّ‌ ؛ لأنّه واقع في ملكه ، وثبوت حقّ التملّك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرّف ، كما أنّ حقّ التملّك للواهب بالرجوع(٤) لا يمنع تصرّف المتّهب ، وكما أنّ حقّ التملّك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرّف الزوجة.

وعن ابن سريج من الشافعيّة أنّ تصرَّفاته باطلة ؛ لأنّ للشفيع حقّاً لا سبيل إلى إبطاله ، فأشبه حقّ المرتهن(٥) .

وإذا قلنا بالصحّة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعيّة(٦) - أنّه يُنظر إن كان التصرّف ممّا لا تثبت به الشفعة ، فللشفيع نقضه ، وأخذ‌

____________________

(٣-١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « فالرجوع ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥و٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٧٨.

٢٧٣

الشقص بالشفعة ، وإلّا تخيّر بين الأخذ بالأوّل وفسخ الثاني ، وبين إمضائه والأخذ بالثاني.

وعن المروزي أنّه ليس تصرّف المشتري بأقلّ من بنائه ، فكما لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرّفه(١) .

واختلفت الشافعيّة في موضع هذا الوجه :

فمنهم مَنْ خصّصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرّفات ، أمّا ما لا تثبت فله نقضه ، لتعذّر الأخذ به.

ومنهم مَنْ عمّم وقال : تصرّف المشتري يُبطل حقَّ الشفيع ، كما يُبطل تصرّف المشتري المفلس حقَّ الفسخ للبائع ، وتصرّف المرأة حقَّ الرجوع إلى العين إذا طلّق قبل الدخول ، وتصرّف المتّهب رجوعَ الواهب. نعم ، لو كان التصرّف بيعاً ، تجدّد حقّ الشفعة بذلك(٢) .

وعن أبي إسحاق من الشافعيّة أنّها لا تتجدّد أيضاً ؛ لأنّ تصرّف المشتري إذا كان مبطلاً للشفعة ، لا يكون مثبتاً لها ، كما إذا تحرّم(٣) بالصلاة ثمّ شكّ فجدّد نيّةً وتكبيراً ، لا تنعقد بها الصلاة ؛ لأنّه يحصل بها الحلّ فلا يحصل العقد(٤) .

ووجه ظاهر المذهب : أنّ للشفيع نقض تصرّف المشتري ؛ لأنّ حقّه ثابت بأصل العقد ، فلا يتمكّن المشتري من إبطاله ، ولا يشبه تصرّف المفلس وتصرّف المرأة في الصداق ، فإنّ حقّ البائع والزوج لا يبطل بالكلّيّة ، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة ، والواهب رضي بسقوط حقّه حيث سلّمه إليه وسلّطه عليه ، وهنا لم يبطل حقّ الشفيع بالكلّيّة ، ولم يوجد منه‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢١.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « أحرم » بدل « تحرّم ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٢.

٢٧٤