شبهات وردود - الحلقة الثالثة الجزء ٣

شبهات وردود - الحلقة الثالثة0%

شبهات وردود - الحلقة الثالثة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 174

شبهات وردود - الحلقة الثالثة

مؤلف: السيد سامي البدري
تصنيف:

الصفحات: 174
المشاهدات: 15083
تحميل: 3492


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 174 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15083 / تحميل: 3492
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود - الحلقة الثالثة

شبهات وردود - الحلقة الثالثة الجزء 3

مؤلف:
العربية

وقال قسم آخر منهم : " ان امامة علي بن الي طالب ثابتة في الوقت الذي دعا الناس واظهر امره ".

و قد قيل للحسن بن الحسن بن علي الذي كان كبير الطالبيين في عهده وكان وصي ابيه وولي صدقة جده : ألم يقل رسول الله : من كنت مولاه فعلي مولاه ؟ فقال : بلى ولكن - والله - لم يعن رسول الله بذلك الامامة والسلطان ، ولو اراد ذلك لأفصح لهم به.

وكان ابنه عبد الله يقول : " ليس لنا في هذا الامر ما ليس لغيرنا ، و ليس في احد من اهل البيت امام مفترض الطاعة من الله ، وكان ينفي امامة اميرالمؤمنين انها من الله.

مما يعني ان نظرية النص وتوارث السلطة في اهل البيت فقط ، لم يكن لها رصيد لدى الجيل الاول من الشيعة ، ومن هنا فقد كانت نظرتهم الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية ، اذ لم يكونوا يعتبرونهما "غاصبين" للخلافة التي تركها رسول الله (ص) شورى بين المسلمين ولم ينص على أحد بالخصوص. وهذا ما يفسر أمر الامام الصادق لشيعته بتوليهما.

١٠١

الرد على الشبهة

يقال للاستاذ الكاتب ان المقولة التي نقلتها ونسبتها إلى أجيال من الشيعة الأوائل إنما هي مقولة أوائل البترية من الزيدية.

وفي قبال مقولتهم مقولة شيعة أوائل أيضا تبعا لمفهوم أولوية الاختصاص كانوا يقولون (ان علي ابن أبي طالب إمام ومفروض الطاعة من الله ورسوله بعد رسول الله (ص) يجب على الناس القبول منه والأخذ منه ولا يجوز لهم غيره من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله لما أقامه رسول الله علما لهم وأوجب إمامته وموالاته وجعله أولى بهم منهم بأنفسهم والذي وضع عنده من العلم ما يحتاج إليه الناس من الدين والحلال والحرام وجميع منافع دينهم ودنياهم ومضارها وجمع العلوم كلها جليلها ودقيقها واستودعه ذلك كله واستحفظه إياه وانه استحق الإمامة ومقام النبي (ص) لعصمته وطهارة مولده وسبقه وعلمه وشجاعته وجهاده وسخائه وزهده وعدالته في رعيته وان النبي (ص) نص عليه وأشار إليه ، باسمه ونسبه ، وعينه وقلد الأمة إمامته وإقامة ونصبه لهم علما ، وعقد له عليهم إمرة المؤمنين ، وجعله وصيه وخليفته ووزيره في مواطن كثيرة ، اعلمهم ان منزلته منه منزلة هارون من موسى ، إلا انه لا نبي بعده ، وإذ جعله نظير

١٠٢

نفسه في حياته ، وانه أولى بهم بعده ، كما كان هو (ص) أولى بهم منهم بأنفسهم.

قال النوبختي والاشعري (فلم تزل هذه الفرقة ثابتة قائمة لازمة لإمامته وولايته على ما ذكرنا ووصفنا إلى ان قتل صلوات الله عليه(١) .

وقد المح الاستاذ الكاتب إلى قول هذه الفئة من الشيعة في الفصل الثاني من الجزء الأول ولكنه سماها بـ (الفئة السبئية) وقال عنها أنها جماعة قليلة من الشيعة في عهد الإمام علي وان الإمام نفسه قد رفض مقولتهم وزجرهم (ص ٢٥) وسيأتي التعليق عليه.

٢. أما ما نسبه إلى الحسن بن الحسن بن علي (ع) من كلام فهو جزء رواية رواها ابن عساكر تحت ترجمة الحسن بن الحسن بن علي (ع) غير أنها للحسن بن الحسن بن الحسن.

قال الفضيل بن مرزوق سمعت الحسن بن الحسن أخا عبد الله بن الحسن يقول لرجل من الرافضة ولو كان الأمر كما تقولون ان الله ورسوله اختار عليا لهذا الأمر والقيام على الناس بعده ، ان كان علي لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرما في ذلك ان ترك أمر رسول الله (ص) ان يقوم فيه كما أمره أو يعذر فيه إلى الناس.

____________________

(١) ١٠:٧.

١٠٣

فقال الرافضي ألم يقل رسول الله (ص) لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه قال أم والله ، ان لو يعني رسول الله بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس لأفصح لهم بذلك كما افصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت ولقام لهم أيها الناس ان هذا ولي أمركم بعدي فاسمعوا له وأطيعوا(١) .

والحسن بن الحسن بن الحسن أخو عبد الله بن الحسن هو الذي قال فيه ، الصادق (ع) كما في خبر الاحتجاج للطبرسي (ان الحسن لو توفي بالزنا وشرب الخمر كان خيراً مما توفي عليه).

وفي خبر الاحتجاج أيضا عن ابن أبي يعفور قال لقيت أنا والمعلى الحسن بن الحسن فقال يا يهودي فاخبرنا بما قال جعفر بن محمد (ع) فقال هو والله أولى باليهودية منكما ان اليهودي من شرب الخمر(٢) .

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ج٦/٣٢٩-٣٣٣ ، تاريخ دمشق ج١٣ وقد خلط ابن عساكر في الروايات بين الحسن بن الحسن بن علي والحسن بن الحسن بن الحسن بن علي ، ولعل الخلط من الناسخ.

(٢) قاموس الرجال ترجمة الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) وترجمة الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، قال التستري رح والمراد بشربه الخمر النبيذ الذي هو خمر عند ائمتنا (ع) ويحله غيرهم.

١٠٤

وقد روى ابن عساكر عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة والله ان قتلك لقربة إلى الله عز وجل ، فقال له الرجل انك تمزح فقال والله ما هذا بمزاح ولكنه مني الجد(١) .

وفيه أيضا عن فضيل بن مرزوق قال سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل من الرافضة : والله لئن أمكننا الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ثم لا تقبل منكم توبة(٢) .

وقد روى ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن روايات تكشف عن وحدة موقف بينهما من الرافضة.

فقد روى عن أبي بكر بن عياش عن سليمان بن قرم قال قلت لعبد الله بن الحسن في أهل قبلتنا كفار ؟ قال نعم ، الرافضة.

وروى عن أبي خالد الأحمر قال سألت عبد الله بن الحسن عن أبي بكر وعمر فقال صلى الله عليهما ولا صلى على من لم يصل عليهما.

وروى عن عمار بن زريق عن عبد الله بن الحسن قال : ما أرى رجلا يسب أبا بكر وعمر تيسر له توبة أبدا.

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ج٦/٣٣١.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ج٦ /٣٣٢.

١٠٥

وروى عن شبابة عن حفص بن قيس قال سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين ؟ فقال امسح فقط مسح عمر بن الخطاب ، فقلت إنما أسألك أنت أتمسح ؟ قال ذلك اعجز لك حين أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي فعمر كان خير مني وملء الأرض مثلي ، قلت يا أبا محمد ان ناساً يقولون ان هذا منكم تقية فقال لي ونحن بين القبر والمنبر : اللهم ان هذا قولي في السر والعلانية فلا تسمعن قول أحد بعدي. ثم قال هذا الذي زعم ان عليا كان مقهوراً وان رسول الله (ص) أمره بأمر فلم ينفذه فكفى بهذا إزراء على علي (ع) ومنقصة ان يزعم قوم ان رسول الله (ص) أمره بأمر فلم ينفذه(١) .

وروى الصفار في بصائر الدرجات عن علي بن سعيد وكان عند الصادق (ع) ان رجلا قال له جعلت فداك ان عبد الله بن الحسن يقول ليس لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا فقال أبو عبد الله (ع) بعد كلام أما تعجبون من عبد الله يزعم ان أباه علي لم يكن إماما ويقول انه ليس عندنا علم ، وصدق والله ما عنده علم ولكن والله وأهوى بيده إلى صدره ان عندنا سلاح رسول الله (ص) وسيفه ودرعه وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله وانه لإملاء رسول

____________________

(١) تاريخ دمشق ج٢٧ ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن ص ٣٧٣-٣٧٦.

١٠٦

الله (ص) وخط علي بيده(١) .

قال العلامة التستري رح : (ونقل البحار عن (الإقبال) تصدية للاعتذار لإبائه بني الحسن ولهذا (اي لعبد الله بن الحسن) فأورد كتاب الصادق (ع) إليه تسلية عند حمله وأهل بيته ذاكرا في عنوان المكتوب (إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه ثم أورد المكتوب وقال اشتملت هذه التعزية على وصف عبد الله بالعبد الصالح والدعاء له ولبني عمه بالسعادة وهذا يدل على ان جماعة المحمولين كانوا عند مولانا الصادق معذورين وممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين ، وقد يوجد في الكتب انهم كانوا للصادق مفارقين وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب اظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة ثم ساق أخبارا كثيرة مؤيدة لما ذكره من عذرهم ومعرفتهم واعتراف عبد الله بان ولده ليس هو المهدي الموعود وتصديقه للصادق (ع) بان المهدي من ولده ونقل رواية عن الصادق عن أبيه عن فاطمة بنت الحسين (ع) أنها سمعت أباها يقول يقتل منك أو يصاب منك بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يعدلهم الآخرون) وهؤلاء المقتولون منهم عبد الله وهو رأسهم وشيخ بني هاشم.

قال

____________________

(١) بصائر الدرحات ص ٢٥٣ ومثله في ١٥٦ ،١٦٠.

١٠٧

(المصنف)(١) كلما أمعنت النظر في أخبار المدح والقدح لم اهتد إلى وجه جميع.

قال العلامة التستري(رح) (بل أخبار القدح مستفيضة وأخبار المدح شاذة ومن طرق الزيدية وقرر القادحة القدماء فرواها محمد بن الحسن الصفار ومحمد بن يعقوب الكليني ونظرائهما عن الائمة ساكتين عن تأويلها , والتاريخ أيضا يعضدها ولم تنحصر الأخبار بما نقل بل لو أريد الاستقصاء لطال الكلام وقد رويت عنه أمور منكرة فوق عدم استبصاره ففي خبر انه قال للصادق (ع) ان الحسين كان ينبغي له إذا عدل ان يجعلها في الاسن من ولد الحسن ، وروي الطبري في ذيله بإسناده عن سليمان بن قرم قال قلت لعبد الله بن الحسن أفي قبلتنا كفار قال نعم الرافضة ، وقال ابن قتيبة روى عبد الله بن الحسن يوما يمسح على خفيه فقال مسح عمر ومن جعله بينه وبين الله فقد استوثق.(٢)

قوله : (ومن هنا فقد كانت نظرتهم - أي اهل البيت - الى الشيخين ابي بكر وعمر نظرة ايجابية إذ لم يعتبروهما غاصبين للخلافة … ، وهذا يفسر امر الامام الصادق (ع) لشيعته بتوليهما).

____________________

(١) يريد العلامة المامقاني (رح) صاحب كتاب تنقيح المقال.

(٢) قاموس الرجال ترجمة عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع).

١٠٨

اقول : ان كان يريد بـ (اهل البيت) الائمة المعصومين فقد اخطأ القول فيما نسب اليهم ، وذلك لان موقفهم (ع) منهما هو موقف ابيهم علي (ع) وجدتهم الزهراء (ع).

اما موقف ابيهم علي (ع) فقد اتضح من خلال اقواله التي نقلناها عنه فيما مضى كقوله (ع) في خطبته المعروفة بالشقشقية (اما ولله لقد تقمصها ابن ابي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا … وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر على طخية عمياء … فرأيت ان الصبر على هاتا احجى) وقوله (ع) (اللهم اني استعديك على قريش … فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن المنية … وصبرت من كظم الغيظ على امر من العلقم وآلم للقلب من حز الشفار) وقوله (ع) (لو وجدت اربعين ذوي عزم لناهضت القوم) ولازم هذه الأقوال انهما اغتصبا حقه ، وكان يرى استرجاع حقه بالقوة لو كانت له قوة.

اما موقف جدتهم الزهراء (ع) : فهو واضح من خلال ما ثبت عنها انها غضبت عليهما ثم اصرّت على ابراز غضبها هذا عليهما حتى بعد موتها حيث اوصت ان لا يشهدا جنازتها وان لا يصليا عليها وان تدفن ليلا حرصا على تحقيق ذلك ، وقد نفذ علي (ع) وصيتها ودفنها ولم يؤذن ابا بكر بدفنها.

١٠٩

روى البخاري عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة (ع) وجدت على ابي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت … دفنها زوجها علي (ع) ليلا ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها)(١) .

قال العيني وابن حجر شرح البخاري(٢) قوله (ليلا) أي في الليل وذلك بوصية منها لارادة الزيادة في التستر.

اقول : ليس الامر كذلك بل حرصا على ان لا يشهداها ويصليا عليها بقرينة ان عليا (ع) لم يُعلم ابا بكر بها.

وفي دلائل الامامة للطبري عن ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) قال: لما دخلا عليها قالا لها: كيف انت يا بنت رسول الله (ص) فقالت بخير والحمد لله. ثم قالت لهما: اما سمعتما النبي(ص) يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله؟ قالا: بلى، قالت : والله لقد آذيتماني فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما(٣) .

____________________

(١) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر، وباب قول رسول الله (ص) (لا نورث) ، وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير ، ومشكل الآثار ج١: ٤٨، وتاريخ الطبري ج٣ : ٢٠٨.

(٢) عمدة القاري ج١٧/٢٥٩، فتح الباري ٩/٣٤.

(٣) بحار الانوار ج٤٣/١٧٠.

١١٠

وفي رواية زرارة عن الباقر (ع) ان زيداً لما قال له سالم بن ابي حفصة وكثير النوا وابو الجارود انهم يتولون ابا بكر وعمر ويتبرءون من اعدائهم قال لهم زيد ويلكم أتتبرءون من فاطمة؟ بترتم امرنا بتركم الله فيومئذ سموا البترية(١) .

وقد سئل الرضا (ع) عن الشيخين فقال كانت لنا امة بارة خرجت من الدنيا وهي عليهما غضبى ونحن لانرضى حتى ترضى(٢) .

اما ما نسب الى الباقر والصادق(ع) من روايات الترضي والتولي فهي من باب التقية في العهد الاموي اما مانسب الى علي (ع) فهي روايات موضوعة عليه في العهد العباسي نرجيء بحثها الى فرصة قادمة.

____________________

(١) قاموس الرجال ج٤/٥٩٩.

(٢) القاب النبي وعترته ضمن مجموعة نفيسة ص٤٤، والطرائف لاببن طاووس ص٢٥٢.

١١١

المورد الثالث عشر:

الأشعري وأخبار عبد الله بن سبأ

قوله:

يسجل المؤرخون الشيعة الاوائل النوبختي والاشعري والكشي أول تطور ظهر في صنوف الشيعة على يد عبد الله بن سبأ

أقول :

بل سجله الاشعري فقط وقد اخذ ذلك عن غير الشيعة وعنه اخذ الكشي وغيره.

١١٢

١١٣

نص الشبهة

يسجل المؤرخون الشيعة الامامية الاوائل :(النوبختي والاشعري القمي والكشي) اول تطور ظهر في صفوف الشيعة في عهد الامام اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع) على يدي المدعو (عبدالله بن سبأ) الذي يقولون : انه كان يهوديا واسلم ، والذي يقول النوبختي عنه : انه اول من شهر القول بفرض امامة علي ، وكان يقول في يهوديته بيوشع بن نون وصيا لموسى فقال كذلك في اسلامه في على بعد رسول الله ، واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه واظهر الطعن على اى بكر وعمر وعثمان والصحابة.

وسواء كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية أم اسطورية فان المؤرخين الشيعة يسجلون بوادر ظهور اول تطور فى الفكر السياسي الشيعي اعتمادا على موضوع (الوصية) الروحية والشخصية ، الثابتة من الرسول الاكرم الى الامام علي ، واضفاء المعنى السياسي عليها ، وذلك قياسا على موضوع (الوصية) من النبي موسى (ع) الى يوشع بن نون وتوارث الكهانة في ابناء يوشع.

١١٤

ومع ان هذا القول كان ضعيفا ومحصورا في جماعة قليلة من الشيعة في عهد الامام علي ، وان الامام نفسه قد رفضه بشدة وزجر القائلين به ، الا ان ذلك التيار وجد في تولية معاوية لابنه يزيد من بعده ارضا خصبة للنمو والانتشار ، ولكن المشكلة الرئيسية التي واجهته هو عدم تبني الامام الحسن والحسين له واعتزال الامام على بن الحسين عن السياسة ، مما دفع القائلين به الى الالتفاف حول محمد بن الحنفية باعتباره وصي امير المؤمنين ايضا ، خاصة بعد تصديه لقيادة الشيعة في اعقاب مقتل الامام الحسين ، وقد اندس السبئية في الحركة الكيسانية التي انطلقت للثأر من مقتل الامام الحسين بقيادة المختار بن عبيدة الثقفي(١) .

____________________

(١) تطور الفكر السياسي الشيعي :٢٥.

١١٥

الرد على الشبهة

اقول:

١. دار جدل في الأوساط العلمية الشيعية حول كتابَيْ (المقالات والفرق) و(فرق الشيعة)

هل هما نسختان لكتاب واحد ومؤلف واحد أو هما كتابان لمؤلفين مختلفين والاتجاه الراجح هو الأول وهو الحق ، ويبقى الكلام حول المؤلف من هو ؟ وقد ذهب الأستاذ عباس إقبال الاشتياني انه تأليف سعد بن عبد الله الاشعري المعاصر للنوبختي وقد كتب رأيه هذا قبل العثور على كتاب المقالات والفرق للاشعري الذي نشره الدكتور جواد مشكور ، وبعد ان انتشر الكتابان كتب السيد محد رضا الحسيني مقالا نشره في مجلة تراثنا العدد الأول السنة الأولى ١٤٠٥ ص ٢٩-٥١ يؤيد فيه رأي الاشتياني وذهب إلى ان كتاب فرق الشيعة المطبوع باسم النوبختي هو نسخة مختصرة من كتاب (المقالات والفرق) لـ (سعد الاشعري)(١) .

____________________

(١) انظر شبهات وردود احلقة الاولى ص ٢٥.

١١٦

٢. ما ذكره الكشي عن ابن سبأ أمران :

الأول : خمس روايات رواها الكشي عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله الاشعري عن رواة شيعة ينتهي سند احداها إلى علي بن الحسين (ع) والاخرى إلى الباقر (ع) وثلاث إلى الإمام الصادق (ع) وهذه الروايات تدور حول قضية واحدة هي ادعاء ابن سبأ الربوبية في علي (ع) ، وكون علي (ع) احرق ابن سبأ لأجل ذلك(١) .

الثاني قوله (أي الكشي) وذكر بعض أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهودياً فاسلم ووالى عليا (ع) وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغو ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (ص) في علي (ع) مثل ذلك وكان أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.

فمن هيهنا قال من خالف الشيعة اصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية(٢) .

اقول : وهذا القول بنصه هو جزء مما أورده سعد الاشعري في كتابه المقالات وفيما يلي كل ما أورده سعد الاشعري في كتابه.

____________________

(١) انظر اختيار معرفة الرجال الروايات (١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٣ ، ١٧٤ وهذه الاخيرة جزء من رواية رقم ٥٤٩).

(٢) اختيار معرفة الرجال تصحيح وتعليق ميرداماد تحقيق السيد مهدي الرجائي ج ١/٣٢٤. وايضا تحقيق وتعليق حسن المعطفوي ص ١٠٨.

١١٧

قال سعد الاشعري في كتابه المقالات والفرق :

(فلما قتل علي صلوات الله عليه افترقت الأمة التي أثبتت له الإمامة من الله ورسوله فرضا واجبا فصاروا فرقاً ثلاثة :

فرقة منها قالت :

ان عليا لم يقتل ولم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض ويسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطاً وعداً كما ملئت ظلما وجوراً.

وهي أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي من هذه الأمة. وأول من قال بينها بالغلو. وهذه الفرقة تسمى السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني وساعده على ذلك عبد الله بن حرس وابن اسود وهما من اجلة أصحابه.

وكان أول من اظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم.

وادعى ان علياعليه‌السلام أمره بذلك ، وان التقية لا تجوز ولا تحل ، فاخذه علي فسأله عن ذلك فاقرَّ به وامر بقتله. فصاح الناس اليه من كل ناحية يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فسيره على إلى المدائن.

وحكى جماعة من أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فاسلم ووالى عليا ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون

١١٨

وصى موسى بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (ص) في علي بمثل ذلك. وهو أول من شهر بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب ، واظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وأكفرهم.

فمن هاهنا قال من خالف الشيعة ان اصل الرفض مأخوذ من اليهودية.

ولما بلغ ابن سبأ وأصحابه نعي على وهو بالمدائن وقدم عليهم راكب فسأله الناس. فقال ما خبر أمير المؤمنين قال ضربه اشقاها ضربة قد يعيش الرجل من اعظم منها ويموت من وقتها ، ثم اتصل خبر موته فقالوا للذي نعاه كذبت يا عدو الله أو جئتنا والله بدماغه في صرة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ، ولعلمنا انه لم يمت ولم يقتل. وانه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض(١) .

ثم مضوا يومهم حتى اناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحياته الطامع في الوصول إليه ، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده سبحان الله ما علمتم ان أمير المؤمنين قد استشهد قالوا أنا لنعلم انه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه وسوطه كما قادهم بحجته وبرهانه. وانه ليسمع النجوى ويعرق تحت الدثار الثقيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحاسم.

____________________

(١) إلى هنا ينتهي الحديث عن فرقة السبأية في كتابه فرق الشيعة للنوبختي.

١١٩

فهذا مذهب السبائية ومذهب الحربية وهم أصحاب عبد الله بن سبأ واصحاب عمر بن الحرب الكندي في علي (ع). وقالوا بعد ذلك في علي انه اله العالمين وانه توارى عن خلقه سخطاً منه عليهم وسيظهر(١) .

هذا هو كل ما اورده سعد الاشعري عن فرقه السبائية.

ولابد ان نذكر القارئ الكريم بنكتة أساسية تتعلق بمنهج سعد الاشعري ذكرها في مقدمة كتابه حيث قال :

(ان فرق الامة كلها المتشيعة وغيرها اختلفت في الإمامة في كل عصر ووقت كل إمام بعد وفاته وفي عصر حياته منذ قبض الله محمداً (ص) ، وقد ذكرنا في كتابنا هذا ما يتناهى إلينا من فرقها وآرائها واختلافها)(٢) .

ومعنى ذلك ان الذي ذكره سعد في كتابه هو ما تناهى إليه من القول فيها من كتب المقالات والفرق المكرسة لذلك أو التي تطرقت إلى ذلك عرضاً التي كانت قبله أو التي عاصر مؤلفيها.

ومن اجل التأكد من هذه الحقيقة نحاول ان نتتبع المعلومات التي وردت في كلام الاشعري في كتب المقالات والفرق والحديث

____________________

(١) المقالات والفرق ص ١٩-٢١.

(٢) ١٠:٧ ص.

١٢٠