الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام0%

الإمام جعفر الصادق علیه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 333

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المستشار عبد الحليم الجندي
تصنيف: الصفحات: 333
المشاهدات: 88271
تحميل: 11146

توضيحات:

الإمام جعفر الصادق علیه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88271 / تحميل: 11146
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سمعته؟ قال لا. لكنها رواية رويناها عن أبائنا» ..).. وعقبنا ذلك بقولنا (والشافعي(١) ويحيى بن معين(٢) متفقان على توثيقه. وهو شيخ مالك وليس بعد هؤلاء أدلة على جواز طريقة الإمام جعفر مع علمه الضخم في كل باب) .

وفي كتابنا (الإمام الشافعي)(٣) أجملنا الكلام عن موضع الإمام من الإسلام كله في كلمات (الإمام جعفر... يمثل صميم الإسلام.. يجتمع في نسبه النبي عليه الصلاة والسلام وأبوبكر وعلي. وهو إمام في الدين والفقه وبحر في العلوم الطبيعية) .

وهذا البحر، والقطعة من الإسلام والمسلمين الثلاثة الأولين- بل الأربعة الأولين وفيهم أم المؤمنين خديجة- إمام يهتدى بهديه واجتهاده أئمة أهل السنة كافة. أما الشيعة الإمامية، فقول الإمام المعصوم يجري عندهم مجرى قول النبي من كونه حجة على العباد. ولقد توسع علماؤهم في اصطلاح السنة إلى ما يشمل «قول كل واحد من المعصومين وفعله وتقريره» فالأئمة المعصومون ليسوا، بهذه المثابة، من قبيل رواة السنن، بل هم منصوبون من الله تعالى، على لسان النبي، لتبليغ الأحكام عن طريق الإلهام، كالنبي بطريق الوحي إليه، وهو خاص به، أو عن طريق التلقي من المعصوم الذي يسبق.

أما فعل المعصوم فدليل على الإباحة. وأما تركه فدليل على عدم الوجوب .

___________________

(١) يذكر ابن النديم في الفهرست (وكان الشافعي شديدا في التشيع. ذكر له رجل يوما مسألة فأجاب فيها. فقال له خالفت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال له أثبت لي هذا عن علي بن أبي طالب حتى أضع خدي على التراب وأقول قد أخطأت وأرجع عن قولي إلى قوله)

وحضر الشافعي ذات يوم مجلسا لأحد الطالبين فقال (لا أتكلم في مجلس يحضره أحدهم. هم أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل)

(٢) يقول فيه أحمد بن حنبل (كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث) وهو من آباء علوم الحديث. ومؤلفاته مراجع فيها- وهي علوم أوصلها الحاكم النيسابوري إلى اثنين وخمسين علما وأوصلها النووي إلى خمسة وستين.

(٣) الامام الشافعي ناصر السنة وواضح الأصول- الطبعة الثانية ص ١٧١ طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .

١٦١

وتآليف الإمام الصادق كثيرة منها رسالة في شرائع الدين. ووصاياه للإمام الكاظم. ورسالة في الغنائم ووجوب الخمس، وتوحيد المفضل، وكتاب الأهليلجة، وكتاب الشريعة، وكتاب مفتاح الحقيقة، ورسالة إلى أصحابه، ورسالة إلى أصحاب الرأي والقياس. ورسالة لمحمد ابن النعمان. وأخرى لعبد الله بن جندب. ورسالة في وجوه المعايش للعباد. ووجوه إخراج الأموال. ورسالة في احتجاجه على الصوفية فيما ينهون عنه من طلب الرزق، ورسالة حكم قصيرة .

والرسالتان الأخيرتان عملان أساسيان في الاقتصاد والاجتماع، يدلان على منهاج الإمام في صلاح الدنيا بالعمل والعبادة معا.

وثمة الرسائل العلمية المقترنة بجابر بن حيان.

أما كتاب الجفر المنسوب إلى الإمام الصادق- فيقول عنه ابن خلدون (٧٣٢-٨٠٦) (١٣٣٢-١٤٠٦) (واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد البجلي- وهو رأس الزيدية- كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم. وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون البجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب عليه. لأن الجفر في اللغة هو الصغير. وصار هذا الاسم علما على الكتاب عندهم. وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه. وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل. ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه. فهم أهل الكرامات. وقد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصبح كما يقول).

١٦٢

والروايات متضافرة على أن الجفر غير (الجامعة) والبعض يقول إن الجفر من مؤلفات علي أملاه النبي(١) .

وهو جفران: الأبيض وهو وعاء من أدم فيه علوم الأنبياء والوصيين والذين مضوا من علماء بني اسرائيل. والأحمر فيه علم الحوادث والحروب.

كان تلاميذ الصادق مدونين كباراً، فلقد عاشوا في عصر نهضة علمية كبرى أعجب بها العالم، تبارت فيها يراعات المدونين. ودارت عجلات التدوين كهيئة ما دارت عجلات الطباعة عند ظهور المطبعة. بدأها عمر بن عبد العزيز على رأس القرن إذ أمر بتدوين السنة. وتابعها علماء الأمة من أهل السنة .

ومن بعد وفاة الصادق في عام ١٤٨ دون أربعة آلاف من التلاميذ في كل علومه، ومن جملتها ما يسمى (الأصول الأربعمائة). وهي أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف من فتاوى الصادق. وعليها مدار العلم والعمل من بعده. وخير ما جمع منها كتب أربعة هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم إلى اليوم. وهي «الكافي» «ومن لايحضره الفقيه» «والتهذيب» «والاستبصار» .

والكافي- للكليني أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني(٣٢٩-أعظمها وأقومها، وأحسنها وأتقنها. فيه ١٦١٩٠ حديثا ألفه الكليني في عشرين سنة.

وأما كتاب من لا يحضره الفقيه، فوضعه ابن بابويه القمي- محمد بن

___________________

(١) يقول ابن قتيبة عن الجفر في «أدب الكاتب» إن الامام الصادق كتبه، وإن فيه كل ما يحتاجونه إلى يوم القيامة.

وإلى هذا الجفر، واحتوائه على كل شيء، يشير أبو علاء المعري في شعره:

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كل عامرة وقفر

وربما نسبوا من أجل ذلك إلى الامام علوم كشف الغيب أو النجامة.

١٦٣

علي بن موسى بن بابويه القمي(١) الملقب (بالصدوق) - (دخل بغداد سنة ٣٥٠ ومات بالري سنة ٣٨١). وفيه ٥٩٦٣ حديثا. وهذا الكتاب أهم مؤلفاته مع أنه ألف ثلاثمائة كتاب.

وأما «التهذيب» «والاستبصار» فوضعهما بعد نحو قرن محمد بن الحسن ابن علي الطوسي(٤٦٠) الملقب (شيخ الطائفة). وكان فقيها في مذهبي الشيعة وأهل السنة.

وفي التهذيب ١٣٥٩٠ حديثا وفي الاستبصار ٥٥١١ حديثا.

دخل الطوسي بغداد سنة ٤٠٨ واستقر بها في أيام الشيخ المفيد. محمد بن النعمان(٣٣٦-٤١١) صاحب شرح عقائد الصدوق وأوائل المقالات ونحو مائتي مؤلف.

وتلمذ الطوسي بعد موت الشيخ المفيد للشريف المرتضى فنجب في مدرسة الشرف، وفي «دار العلم» التي أنشأها، وكان يجري عليه اثني عشر ديناراً في الشهر طوال ملازمته له حتى وفاة المرتضى. وانتفع بكتب المرتضى والكتب التي حوتها مكتبته. فألف في كل علوم الإسلام. واجتهد الاجتهاد المطلق. فكان حجة في فقه الشيعة والسنة.

ومن أجل آثاره تدريسه في مجالسه، وأماليه «بالنجف الأشرف» في جوار مشهد أمير المؤمنين علي. وبهذا افتتح عصر العلم بالنجف الأشرف فصار صنواً للأزهر الأغر -الذي أقامته دولة من دول الشيعة- والمعهدان هما اللذان حفظا علوم الإسلام.

فالطوسي، والشريفان الرضي والمرتضى، والشيخان المفيد والصدوق، والكليني، قد وصلوا ما انقطع من التأليف منذ عصر الإمام الصادق حتى منتصف القرن الخامس، ليستمر التيار في التدفق.

والشريفان في مدرسة جدهما صفوان. أبوهما أبو أحمد الموسوي (نسبة إلى جده الإمام موسى الكاظم). وفيه قول ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة

___________________

(١) نسبة إلى مدينة قم في ايران وهي أقدم المدن التي بدأ فيها الشيعة الإمامية في ايران وقد نشأت على أيدي جماعة من الناجين من جيش ابن الأشعث (٨٣).

١٦٤

للشريف الرضي: كان أبوه أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس وبني بويه. ولقب «بالطاهر ذي المناقب» ولقبه أبو نصر بن بويه «بالطاهر الأوحد» ولي نقابة الطالبيين عدة دفعات. كما ولي النظر في المظالم. وحج بالناس مراراً على الموسم .

عاش أبو أحمد طوال القرن الرابع(٣٠٤-٤٠٠) وكان يستخلف على الحج ولديه «الرضي»«والمرتضى» .

والشريف الرضي(٣٥٨-٤٠٦) هو شاعر العربية الشهير. وجامع «نهج البلاغة» الأشهر، من خطب أميرالمؤمنبن علي. تولى نقابة (الطالبيين) في حياة أبيه ومن بعده. وتولى النيابة عن الخليفة العباسي.

فهذه ولاية ينفرد بها في التاريخ، تجمع بين نقابة الطالبيين وبين نيابة الخلافة السنية .

وللشريف الرضي تآليف عظيمة في تفسير القرآن منها تلخيص البيان في معجزات القرآن حقائق التأويل ومتشابه التنزيل معاني القرآن. كذلك له مجازات الآثار النبوية خصائص الأئمة.

أما الشريف المرتضى(٤٣٦) فيقول عنه الثعالبي في «يتيمة الدهر»- وهما متعاصران- «انتهت الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم. وله شعر نهاية في الحسن. ومؤلفاته كثيرة. منها أمالي المرتضى - الشافي - تنزيه الأنبياء - المسائل الموصلية الأولة - مسائل أهل الموصل الثانية - مسائل أهل موصل الثالثة - المسائل الديلمية - المسائل الطرابلسية الأخيرة - المسائل الحلبية الأولة - المسائل الجرجانية - المسائل الصيداوية - وتآليف أخرى كبيرة في الفقه والقياس ورفضه. وقد شرح تلميذه الطوسي أكثر من مؤلف له» .

ومن أعظم آثاره إنشاء «دار العلم» ببغداد ورصده الأموال عليها وإجراؤه العطاء على التلاميذ وإطعامهم وإسكانهم. وكان يتبع «دار العلم» هذه مكتبته التي تحوي أكثر من ثمانين ألف مجلد.

وحسبه أن يكون الطوسي من تلاميذه.

وفي آثار هذا السلف العظيم تتابع ركب العلماء والمؤلفين الفحول يخلدون فقه الإسلام.

١٦٥

مشيخة العلماء

كان مع الكتب التي آلت عن علي ومعاصريه، مؤلفات كبيرة أو صغيرة، وضعها من جاءوا بعده، وسير لهذا الثبت الضخم من شيعته من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. فهذا هو التراث التاريخي للشهداء وأشياع الشهداء. لا تكف الأمة عن ترديده، جهرة وخفية، يتصدرهم الصحابة العظماء، وإليك بعض الأسماء:

سلمان الفارسي (والذي يطلق عليه سلمان المحمدي). وأبو ذر (أصدق الناس لهجة). وعمار الذي (تقتله الفئة الباغية) هو في التسعين يحارب مع علي. والعباس بن عبد المطلب. وأبو أيوب الأنصاري. والمقداد بن الأسود الكندي الذي قال لعلي يوم بيعة السقيفة (إن أمرتني ضربت بسيفي وإن أمرتني كففت)، قال: (اكفف). وخزيمة ذو الشهادتين. وأبو التيهان. وعبد الله والفضل ابنا العباس. وبلال بن رباح. وهاشم بن عتبة المرقال. وابان وخالد ابنا سعيد بن العاص. وأبي بن كعب سيد القراء. وأنس بن الحرث بن نبيه. وعثمان وسهل ابنا حنيف. وبريدة. وحذيفة. وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار. وهند بن أبي هالة - أمه أم سلمة أم المؤمنين - وجعد بن هبيرة المخزومي - أمه أم هاني بنت أبي طالب - وجابر ابن عبد الله الأنصاري.

وسيجري في آثاره الصحابة التابعون لهم وتابعو التابعين. فيضيفون إلى التراث العظيم آثار رجال عظماء منهم، من أشياع علي، الأحنف بن قيس. سويد بن غفلة. الحكم بن عيينة. سالم بن أبي الجعد. علي بن أبي الجعد: السعيدان. ابن جبير وابن المسيب(١) يحيى بن نظير العدواني.

الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم العروض. أبو مسلم معاذ بن مسلم الهراء مؤسس علم الصرف.

___________________

(١) سعيد بن جبير هو الشهيد الوحيد الذي قتل من الرعب قاتله! سأله الحجاج وهو يقدمه للقتل: أي قتلة تشاء ؟ فأجابه : «اختر أنت فالقصاص أمامك». ذلك أن القصاص قتل بقتل. فكان الحجاج بعد استشهاد سعيد يهب من نومه فزعا وهو يقول: مالي ولسعيد بن جبير!! ثم مات بعده بشهر. مات في رمضان وسعيد في شعبان سنة ٩٥. ورفض ابن المسيب أن يبايع لولدي عبد الملك بن مروان - الوليد وسليمان - وتمسك برأيه فأخذوه ليقتلوه، ثم اكتفوا بضربه بالسياط وجردوه من ثيابه وطافوا به .

ورفض أن يزوج بنته للوليد بن عبد الملك، وهو ولي عهد عبد الملك، وآثر أن يزوجها تلميذا فقيراً من تلاميذه.

١٦٦

وفي مدرسة التابعين هذه برز أبو هاشم (عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أمير المؤمنين). وأبو هاشم أول من تكلم في علم الكلام. ومن بعده نشأت مدرسة المعتزلة يتزعمها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد. وبأبي هاشم تبدأ مدرسة المتكلمين من الشيعة.

ومن جيل التابعين هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأبو مخنف الأزدي المؤرخان.

ويتوالى موكب العلم العظيم من عهد علي. وتتعالى أصوات الدعاة العظاء للمذهب الشيعي، كالنابغة الجعدي: شهد صفين مع أمير المؤمنين، وله فيها أشعاره المشهورة، وكان معه عروة بن زيد الخيل، ولبيد بن ربيعة، وكعب بن زهير صاحب قصيدة «بانت سعاد». ومن بعدهم: الفرزدق، وكثيرعزة من شعراء القرن الأول، ثم الكميت، وقيس بن ذريح، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وأبو تمام، والبحتري، وديك الجن، والحسين بن الضحاك وابن الرومي، والأشجع السلمي(١) ...

___________________

(١) من الطبيعي أن يكون كثرة الشعراء شيعة. فالشعر ضمير الجماعة وصوتها الصداح. والضمير الاسلامي كله، يثقله أو يعذبه، أو يهيج قرائحه، ما أصاب أهل البيت من ظلم الدول. ويخفف عنه ما يعقده حول أهل البيت من أمل لهم وله .

وكلما أحس الشعب ظلما طلب الرجاء والاقتداء بأبناء النبي صلى الله عليه وسلم- وبهذا انضاف إلى الثبت الحافل السابق ذكره: ابن هانئ الأندلسي. ومهيار الديلمي. وأبو فراس الحمداني. والناشئ الصغير. والناشئ الكبير. وكشاجم. وأبو بكر الخوارزمي. والبديع الهمذاني. والطغرائي. والسري الرفا. وعمارة اليمني.

بل أصبح ثناء على الشاعر أن يقال (يترفض في شعره) أي يتشيع، وللمتنبئ وأبي العلاء شعر شيعي .

وأما أشراف العلويين فمنهم الشريف الرضي والشريف المرتضى. وكان الشريف علي الجماني يقول (أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر) ومنهم الشريف الشجري.

بل كان من الأمويين متشيعون: ابان بن سعيد بن العاص وخالد بن سعيد بن العاص وعمر بن عبد العزيز. وعبد الرحمن أخو مروان بن الحكم. ومروان بن محمد السروجي الذي يقول :

يا بني هاشم بن عبد مناف

أنا منكمو بكل مكان

ولئن كنت من أمية إني

لبريء منهمو إلى الرحمن

وأبو الفرج الأصفهاني(٢٨٤-٣٥٦) جده السابع مروان بن محمد آخر خلفاء بني مروان. وأبو الفرج صاحب «الأغاني» «ومقاتل الطالبين» ومن العباسيين شيعة: المأمون، والمعتضد، وأحمد بن الموفق. ومن الأيوبيين كان الأفضل بن صلاح الدين. ومن الفلاسفة متشيعون: الكندي فيلسوف العرب(٢٤٦) والفارابي(٣٣٩) وابن سينا(٤٢٨) ومن الورزاء المشهورين : أبو سلمة الخلال - قتله السفاح - ويعقوب بن داود. حبسه المهدي وأفرج عنه الرشيد - والفضل والحسن ابنا سهل - قتل المأمون الأول وأصهر إلى الثاني ليستل سخيمته. وبنو طاهر الخزاعي ووزراء المأمون. وأبو دلف العجلي والصاحب بن عباد الخ .

١٦٧

وعلم أهل البيت علم كل الأمة. فأمير المؤمنين علي في قمة السند عند الجميع من سنة وشيعة. لكن الذين ينقلون عنه - من الشيعة أو أهل السنة - محل تفاوت.

فالشيعة لا يقبلون كلمة ممن حارب عليا أو ظلمه من الصحابة أو التابعين. وأهل السنة، مع اختلافهم من ناحية شروط الرواية والراوين، لا يقبل بعضهم ما لا يصل إليه بطريقته، ويتشكك بعضهم في بعض ما يرويه الشيعة لأمور تتعلق بالسند أو بالمتن أو براويه من الشيعة.

وفي أسناد الشيعة فحول - بكل المقاييس في العدالة والنزاهة والعلم تتردد أساؤهم عالية في «كتب الحديث» والصحاح، التي يقوم عليها العلم عند أهل السنة - والحق أن «جوهر الحديث النبوي» واحد عند هؤلاء وأولاء، مع تعدد الطرق .

ومن هؤلاء:

- الحارث بن عبد الله الهمداني (٦٥) صاحب أمير المؤمنين علي وخاصته. حديثه في كتب السنن الأربعة: قال ابن سيرين «كان من أصحاب ابن مسعود خمسة يؤخذ عنهم أدركت أربعة منهم وفاتني الحارث، فلم أره. وكان يفضل عليهم وكان أحسنهم. ويختلف في هؤلاء أيهم أفضل: علقمة ومسروق وعبيدة» .

- علقمة بن قيس النخعي (٦٢) عم الأسود وأخويه أبناء يزيد. كان من أولياء آل محمد. والشهرستاني يعده من الشيعة فهو قد شهد صفين مع أمير المؤمنين. واستشهد فيها أخوه أبي. وخضب علقمة سيفه من دماء الخوارج. ولم يزل عدوا لمعاوية حتى مات. ومكانة علقمة عند أهل السنة من المسلمات: كان عنده كل علم ابن مسعود .

وفي بيت علقمة نشأت مدرسة النخعيين. وفيها نجب إبراهيم بن يزيد واسطة العقد في فقه العراق

- ظالم بن عمرو قاضي البصرة لعلي (أبو الأسود الدؤلي)(٦٩). احتج به أصحاب الصحاح الستة. وهو واضع علم النحو. ومكان النحو من اللغة، ومكانة اللغة من القرآن والسنة وكل علوم الأمة، يضعان ابا الأسود في أعلى مكان.

- عبد الله بن شداد بن الهاد (٨١). أمه سلمى بنت عميس أخت أسماء أم عبد الله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي.

١٦٨

وهو أخو عمارة بن حمزة لأمه. وحمزة بطل أحد وشهيدها.

روى عن علي وأمي المؤمنين عائشة وميمونة. خرج مع القراء أيام ثورة ابن الأشعث فقتل يوم دجيل. أحتج بحديثه أصحاب الصحاح وسائر الأئمة أصحاب المسانيد.

- سليمان بن صرد الخزاعي (٦٥) كبير الشيعة في عصره. وبطل من أبطال صفين. يحتج به المحدثون. وحديثه عن رسول الله بلا واسطة، أو بواسطة الصحابي جبير بن مطعم، موجود في صحيحي البخاري ومسلم. وحديثه في غيرهما كثير.

وهو أمير التوابين الخارجين للثأر لدم الحسين. وكانوا أربعة آلاف ساروا إلى عبيد الله بن زياد وهو في سبعين ألفا، فتلاقوا في موضع يقال له «عين الوردة» حيث استشهد سليمان عن ثلاثة وتسعين عاما وهو يحارب جيش عبيد الله بن زياد.

أما عبيد الله بن زياد فقتله إبراهيم بن الأشتر النخعي بيده .

- صعصعة بن صوحان العبدي: أسلم في عهد النبي ولم يره. وهو من مشاهير خطباء العربية الذين خلدت بلاغتهم، فهو تلميذ في مدرسة أمير المؤمنين. شهد معه «الجمل» ومعه أخواه زيد وسيحان. وكانت الراية بيد سيحان يوم ذاك، فقتل، فأخذها زيد فقتل، فأخذها صعصعة وانتصر. ثم شهد صفين مع أمير المؤمنين .

روى عن علي وابن عباس. ونفاه المغيرة بن شعبة والي العراق بأمر معاوية، إلى الجزيرة في البحرين فمات- احتج به النسائي.

- عمرو بن وائلة - أبو الطفيل -(١١٠) كان صاحب راية المختار ابن عبيد الثقفي. وهو آخر الصحابة موتا. قدم على معاوية يوماً فقال له:

كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟ (يقصد أمير المؤمنين عليا) فأجاب: كوجد أم موسى على موسى. وأشكو إلى الله التقصير. قال معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال لا ولكن فيمن حضره. قال معاوية: فما منعك من نصره.

قال: فما منعك أنت من نصر عثمان؟ كنت في أهل الشام وكلهم تابع لك فيما تريد.

قال معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟ قال إنك لكما قال أبو جعف:

لألفينك بعد الموت تطلبني

وفي حياتي ما زودتني زادا

وحديثه في صحيح مسلم. روى عن رسول الله وعن علي وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وحذيفة بن سعد وابن عباس وعمر ومعاذ .

١٦٩

- إبراهيم بن يزيد النخعي (٩٥) أبوه يزيد بن عمرو بن الأسود النخعي. وأخواله الأسود وإبراهيم وعبد الرحمن ابناء يزيد بن قيس يؤلفون - مع علقمة بن قيس - مدرسة النخعيين. وابن قتيبة يعتبر إبراهيم من الشيعة .

وروايته في الصحيحين وعنه يروي حماد بن أبي سليمان. وعن حماد يروي أبوحنيفة.

ومن فحول القرن الثاني كثيرون نختار منهم بعض الأسماء:

- عطية العوفي(١١١) كان أبوه من أصحاب علي وعلي هو الذي أعطاه اسمه. ضربه الحجاج ٤٠٠ سوطا لامتناعه عن سب علي (وجد الجلد مائة!) له ذرية نبلاء من الشيعة.منهم الحسين بن الحسن بن عطية الذي ولي القضاء.

يحتج به أبو داود والترمذي.

- جابر بن يزيد الجعفي(١٢٧) قالوا إنه كان يؤمن بالرجعة. وأحاديثه في مسلم وروى عنه النسائي والترمذي وأبو داود وأخذ عنه شعبة. ومن أجل قولهم عنه ووثاقته يروي ابن عبد الحكم عن الشافعي «أن سفيان (بن عيينة) قال لشعبة : لئن تكلمت في جابر لأتكلمن فيك» .

- شعبة بن الحجاج(١٦٠) أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين .

- عبد الرزاق بن همام(٢١٠) شيخ أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وإسحق بن راهوية سئل يحيى، وهو أستاذ الجرح والتعديل، عن الرواية عن عبد الرزاق مع تشيعه. فقال : لو أرتد عن الإسلام ما تركنا حديثه.

وكان عبد الرزاق يتكلم في عثمان. وذكر أمامه معاوية مرة فقال: لا تقذروا مجالسنا بذكر ولد أبي سفيان(١)

___________________

(١) سأل الترمذي أحمد بن حنبل عن عائشة والزبير وطلحة فأجاب: «من أنا حتى أقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! كان بينهم شيء الله أعلم به» فأحمد لا يسيغ قدحا في الصحابة لورعه. وهم بأعمالهم وآرائهم أصل من أصوله حتى أنه ليبعث إلى يحيى بن معين يقول له: هو ذا تكثر الحديث عن عبد الله بن موسى العبسي وقد سمعته تناول معاوية. وقد أكثر الحديث عنه. فقال يحيى للرسول (إقرأ على أبي عبد الله أحمد بن حنبل السلام وقل له: أنا وأنت سمعنا عبد الرزاق (بن همام) يتناول عثمان بن عفان. فاترك الحديث عنه فإن عثمان أفضل من معاوية) .

ولم يترك أحمد حديث عبد الرزاق.

١٧٠

- الأعمش - سليمان بن مهران الأسدي الكوفي -(١٤٨) يحتج به أصحاب الصحاح الستة. ويروي عنه شعبة وجرير والسفيانان (الثوري إمام الكوفة وابن عيينة إمام المدينة). بعث إليه هشام بن عبد الملك ليكتب له مناقب عثمان ومساوئ علي.فأخذ القرطاس وأدخلها في فم شاة وقال للرسول: قل له هذا جوابه. قال الرسول : لقد أقسم أن يقتلني إن لم آت بجوابك. فكتب (أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعلي مساوئ أهل الأرض ما ضرتك. فعليك بخويصة نفسك. والسلام).

- ابن لهيعة(١٧٤) قاضي مصر. يقول عنه سفيان «عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع»

- شريك بن عبد الله النخعي القاضي(١٧٧). كان يقول «علي خير البشر فمن أبى فقد كفر». سأله الخليفة المهدي يوماً : ماذا تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: ما قال فيه جداك العباس وعبد الله. قال وما قالا؟ قال شريك: أما العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة. وكان يرى المسلمين يسألونه عما ينزل من النوازل. وما احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله. وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين. وكان في حروبه سيفا

١٧١

منيعا وقائدا مطاعا. فلو كانت إمامته على جور كان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه وفقهه في أحكام الله. ولم يمض طويل وقت حتى عزل شريك(١) .

___________________

(١) ربما كان في هذه الفترة الحرجة ما قيل من أنه دخل يوما على المهدي. فقال المهدي: علي بالسيف والنطع.قال شريك: ولم يا أمير المؤمنين؟قال المهدي: رايتك في منامي كانك تطأ بساطي وأنت معرض عني. فقصصت رؤياي على من عبرها فقال لي: يظهر لك طاعته ويضمر معصيته. قال شريك: والله ما رؤياك برؤيا ابراهيم الخليل. ولا معبرك بيوسفعليه‌السلام . أفبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ فاستحى المهدي وقال: اخرج عني وأبعده.

وكان الحقد على أمير المؤمنين علي غذاء يوميا على موائد بني العباس. لا تخلو منه واحدة حتى ولو كانت مائدة لخليفة يتشيع هو المأمون. أنبأه عمه ابراهيم بن المهدي- وكان شديد الانحراف عن علي - أنه رأى في المقام عليا فمشيا حتى جاءا قنطرة فتقدم لعبورها فأمسكه ابراهيم وقال: أنت تدعي هذا الأمر بامرأة (يقصد أمر الخلافة وفاطمة الزهراء وأن عليا يتقدم بزواجه منها) فما رأيت له بلاغة في الجواب ما زادني على أن قال : سلاما سلاما .

فنهره المأمون على ما افتضح من عقله الباطن في صورة حلم. قال:

لقد أجابك أبلغ الجواب. عرفك أنك جاهل لا يجاب مثلك قال الله تعالى : (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).

ولقد نهره أحمد بن أبي داود مرة أخرى إذ لم يتوقر في مجلس القضاء، فقال له (يا ابراهيم إذا نازعت في مجلس الحكم بحضرتنا أمرءا فلا أعلمن أنك رفعت عليه صوتا ولا أشرت بيد. وليكن قصدك أمما. وريحك ساكنة. وكلامك معتدلا. ووف مجالس الخليفة حقها من التوقير والتعظيم) .

وكان مغنيا يعربد.نصبه أهله خليفة لمدة عامين في ثورة على المأمون. ثم عفا عنه المأمون بعد أن ضبطوه يحاول الفرار في ثياب امرأة.

١٧٢

- خالد بن مخلد القطواني(٢١٣) شيخ البخاري. قال عنه أبو داود.

صدوق ولكن يتشيع!

- هشيم بن بشير أول أشياخ أحمد بن حنبل المحدثين(١٦٣) .

- عبد الله بن موسى العبسي(٢٦٣) من مشايخ البخاري.

- معروف الكرخي(٢٠٠) زعيم الصوفية.

وصف ابن حنبل معروفاً لابنه عندما سأله : هل عنده علم؟ فقال : كان عنده رأس الأمر كله. تقوى الله.

التلاميذ من الشيعة

صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة كتابا جمع فيه رجال الصادق ورواة حديثه وأنهاهم إلى أربعة آلاف. وكتب من أجوبته أربعمائة مصنف.

وإنما أمكنه من ذلك أنقطاعه المخلص للتعليم عامة وتعليم السنن والفقه والتفسير خاصة، للشيعة ولغيرهم.

كان الرواة من تلامذته ومن غيرهم - كما يقول اليعقوبي - يروون عنه فيقولون: قال (العالم).

وكثيرا ما جلس في مجلس الإمام المخضرمون إلى جوار الجيل الجديد من المتفقهة، ومن الأولين قيس الماصر، وأبان بن تغلب، ومؤمن الطاق.

وكثير ما درب التلاميذ بين يديه ليصنعوا على عينيه:

يفد على المدينة وافد من الشام فيعدوا إلى المجلس يناقشهم في «وجوب تنصيب الإمام» فيتجارون في جداله حتى يسلم لهم. ثم يعلق الإمام الصادق على طريقتهم أو قدرتهم. فيقول لحمران بن أعين «تجري الكلام على الأثر فتصيب» ثم يلتفت لهشام بن سالم فيقول له «تريد الأثر ولا تعرفه» ويلتفت إلى الأحول (الطاقي) ويقول «قياس رواغ تكسر باطلا بباطل. لكن باطلك أظهر» ويقول لقيس الماصر «تتكلم وأقرب ما تكون إلى الخبر عن رسول الله أنت والأحول قفازان حاذقان» وأخيرا يقول لهشام بن الحكم «يا هشام: لا تكاد تقع. تلوي رجليك. إذا هممت بالأرض طرت. مثلك يكلم الناس. فاتق الزلة..».

١٧٣

ولقد يلاحظ المرء من ذلك تعدد طرقهم وتفاوت علمهم ونفاذ بصر الإمام إلى خصائصهم، ودوره في تصويب وتدريب كل منهم. وهو لا يتركهم دون تشجيع: يشير إلى زرارة بن أعين وبريد العجلي وأبي بصير المرادي ومحمد بن مسلم فيقول : (لولا هؤلاء لانقطعت آثار النبوة واندرست). وكان في أسرة زرارة الحفاظ المدققون يتصدرهم تلميذا الإمام، الحسن والحسين ابنا زرارة. والإمام يهب الأسرة جلال الذكرى في التاريخ فيقول: (لولا أسرة زرارة ونظرائه لانقطعت أحاديث أبي).

وهو إذ يثني على أسرة زرارة، يشجع النظراء، وربما لا يتركهم الإمام دون تضييف :

فالمستشرق رونلدسن يصور بعض مجالس الإمام مع تلاميذه فيقول ما تعريبه (ومن الوصف الذي نقرؤه عن إكرام جعفر الصادق ضيوفه في بستانه الجميل في المدينة، واستقباله الناس على اختلاف مذاهبهم، يظهر لنا أنه كانت له مدرسة شبه سقراطية.وقد ساهم تلاميذه مساهمة عظمى في تقدم علمي الفقه والكلام. وصار اثنان من تلامذته وهما (أبوحنيفة ومالك) فيما بعد من أصحاب المذاهب الفقهية. وأفتوا بالمدينة أن اليمين التي أعطيت في بيعة المنصور لا تعتبر، ما دامت أعطيت بالإكراه. ويروى أن تلميذا آخر من تلامذته وهو «واصل بن عطاء» رئيس المعتزلة جاء بنظريات في الجدل مما أدى إلى إخراجه من حلقة تدريس الإمام جعفر وكان «جابر بن حيان» الكيماوي الشهير من تلامذته أيضا).

اليك بعض الأسماء :

«أبان بن تغلب»(١٤١) تلميذ زين العابدين والباقر والصادق.

قال له الباقر (اجلس في المسجد وأفت الناس. فأنا أحب أن يرى في شيعتي مثلك) وقال له الصادق : (ناظر أهل المدينة فأنا أحب ان يكون مثلك من رواتي ورجالي).

كان إذا دخل على الصادق عانقه وأمر بوسادة تثنى له، وأقبل عليه بكله، ولما مات قال: أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان.

١٧٤

روى عن الصادق ثلاثين الف حديث. وهو - بهذه المثابة - شاهد على التعاقب والاستمرار والشمول في علم أهل البيت. يعرف الشيعة بأنهم (الذين إذا اختلف الناس أخذوا بقول علي وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد) فهو القائل في جعفر بن محمد (ما سألته عن شيء إلا قال: قال رسول الله)

كان إذا جلس بالمسجد تقوضت إليه الحلق. وأخليت له سارية النبي. فيجيئه الناس يسألونه فيجيئهم بمختلف الأقوال. ثم يذكر قول أهل البيت ويورد حججه. ومن أجل هذا المنهج في التدريس كان الصادق يوصي التلاميذ بأن يعبوا من منابعه؛ يقول لأبان بن عثمان: إيت أبان فإنه سمع عني ثلاثين ألف حديث فاروها عنه. فهو لا يتردد في تفضيله حتى ليجعله طبقة بينه وبين سميه في الرواية عنه.

وقد احتج بحديثه مسلم بن الحجاج في صحيحه وأصحاب السنن الأربعة وروى عنه سفيان بن عيينة شيخ الشافعي. وله كتب شتى منها كتاب في الأصول.

- ثابت بن دينار(١٥٠) -أبو حمزة الثمالي- تلميذ الصادق والسدي المفسر. يقول فيه الرضا حفيد الصادق : أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه.

استشهد بنوه الثلاثة حمزة ونوح ومنصور في خروجهم مع زيد بن علي- روى عنه الترمذي.

- «مؤمن الطاق» - كما يسميه الشيعة - نسبة إلى «طاق المحامل» حيث كان متجره. أو «شيطان الطاق» كما يسميه فقهاء السنة: هو محمد بن علي بن النعمان الأحول. ويقال ان أبا حنيفة هو الذي لقبه بشيطان الطاق لمناظرة جرت بين الخوارج وبينه أمام أبي حنيفة. والراجح أن خصومه سموه كذلك لعبقريته. أما الإمام الصادق فيناديه بعبارة بارعة يرضاها الجميع «ياطاقي» أو يقول «صاحب الطاق»

كان مناظرا لا يشق له غبار. رآه تلميذ آخر يناظر، وأهل المدينة يضيقون بمناظرته حتى قطعوا آراءه، وهو لا ينكف عن الجدل. فنبهه على أن الإمام ينهاهم عن الكلام. فالتفت إليه وقال: أو أمرك أن تقول لي؟ قال لا. ولكنه أمرني أن لا أكلم أحدا. قال: اذهب فأطعه فيما أمرك.

١٧٥

وسمع الصادق بالواقعة، من التلميذ، فتبسم. بل هو قال له: إن صاحب الطاق يكلم الناس فيطير. أما أنت إن قصوك لن تطير.

ويروى أنه ناظر زيد بن علي في إمامة الإمام الصادق .

كان أبوحنيفة يتهمه بالرجعة. وهو يتهم أباحنيفة بالقول بالتناسخ. تلاقيا بالسوق يوما ومع صاحب الطاق ثوب يبيعه. قال أبوحنيفة أتبيعه إلى حين رجعة؟ قال: إن أعطيتني كفيلا أن لا تمسخ قردا .

ولما مات الإمام الصادق قال له أبوحنيفة: مات إمامك. فأجابه: لكن إمامك لا يموت إلا يوم القيامة. إمامك إبليس!

وله كتاب في مناظراته لأبي حنيفة.

-أبان بن عثمان بن أحمر البجلي. يروي عن الصادق ثم عن الكاظم، وله مؤلفات شتى، وذكره ابن حيان في الثقات.

وهو على رأس الستة الذين أجمع الشيعة على تصحيح ما يصح عنهم والإقرار بالفقه لهم. وهم: أبان. وجميل بن دراج. وعبد الله ابن مسكان. وعبد الله بن بكير. وحماد بن عيسى. وحماد بن عثمان.

- هشام بن الحكم :(١٧٩) نشأ بالكوفة ودخل بغداد للتجارة واستقر بها. ولزم الإمام الصادق ثم صار خصيصا بالإمام الكاظم يقول عنه ابن النديم: هو من جلة أصحاب جعفر. وهو من متكلمي الشيعة ممن فتقوا الكلام في «الإمامة»

عمل مدة من الزمان قيما بمجالس الكلام عند يحيى بن برمك وزير الرشيد.

وكان أول أمره من أصحاب جهم بن صفوان ثم انتقل إلى القول بالإمامة في شبابه فكان الصادق يدعو له (لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك).

ونفذ هشام إلى المعتزلة من خلال (النظام). وظل أثره قويا في غير المعتزلة حتى ظهر المذهب الأشعري .

١٧٦

وهشام هو الذي يقول: ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاه الله من سمائه فعزلوه وإلى من عزله الله من سمائه فولوه (يقصد تبليغ علي سورة براءة بدلا من أبي بكر. وقول جبريل للرسول : لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك) كان إذا قصد إفحام معارضيه لم يثبت أمامه رجل سمعه الرشيد في بعض مجالس يحيى بن برمك وكان يحضرها من وراء الستر فقال: «إن لسان هشام أوقع في نفوس الناس من ألف سيف» .

ولما فتك الرشيد بالبرامكة طلب هشاما فاختفى. فأخذ به خلقا كثيرا ثم أطلقهم بعد أن مات هشام مستترا.

ولم تكن مجالس المناظرات خالية من الخطر. يسأل هشاما سائل ذات يوم (أما علمت أن عليا نازع العباس (جد الرشيد) - إلى أبي بكر؟ فأيهما كان الظالم لصاحبه؟ - قال هشام فيما بعد «قلت في نفسي إن قلت العباس بلغ ذلك الرشيد، وإن قلت عليا ناقضت نفسي» - قال هشام: لم يكن فيهما ظالم. قال السائل أفيختصم اثنان ..وهما محقان!! قال هشام: نعم اختصم الملكان إلى داود، وليس فيهما ظالم. وإنما أرادا أن ينبهاه. كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليعلماه ظلمه). فهو ينجو من المزالق، ويكرم الرجلين، ويفضل عليا على أبي بكر.

ومن وصية الإمام الصادق له قوله: (يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليفزع إلى الله في مسألته إن كل له عقل. فمن عقل قنع بما يكفيه. ومن قنع استغنى. ومن لم يقنع لم يدرك الغنى أبدا يا هشام كما تركوا لكم الحكمة اتركوا لهم الدنيا العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه. إن الزرع ينبت في السهل من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه) .

وكان يحذره من التشبيه والتجسيم، وقد كانت تبلغه عنه زلات في هذا الشأن. ومع ذلك لا يكف عن تشجيعه. فيستعيده رواية ما وقع منه مع عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة. ويستحي هشام فيقول له الإمام: «إذا أمرتكم بشيء فافعلوا». فيقول هشام:

(بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي. فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة وأتيت

١٧٧

المسجد، وإذا بحلقة عظيمة فيها عمرو والناس يسألونه فقعدت في آخر القوم على ركبتي. ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة قلت : ألك عين؟ قال نعم فقلت الك أنف؟ ألك لسان؟ ألك أذن؟ قال نعم. قلت ألك قلب؟ قال نعم. قلت فما تصنع به؟ قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح والحواس قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب. قال لا. قلت لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال نعم. فقلت : يا أبا مروان والله تعالى لم يزل جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وتتيقن به مما شكت فيه. ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم. ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه شكك وحيرتك؟ فسكت ثم التفت إلي وقال: أنت هشام بن الحكم) ..

فضحك الإمام وقال: من علمك هذا ؟ قال شيء أخذته منك قال: (هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى) .

وظاهر أن طريقته كانت طريقة الإمام في استعمال المحسوسات والاعتبار بها في الإثبات واستعمال العقل بنزاهة في الاستدلال. وسنعرض لها فيما بعد .

بلغت مؤلفات هشام سبعة عشر مؤلفا منها كتاب «الإمامة» كتاب الوصية والرد على من يطلبها.وكتاب الحكمين.

«جابر بن حيان» - أول من استحق في التاريخ لقب كيميائي، كما تسميه أوربة المعاصرة. وهو الذييشير إليه الرازي(٢٤٠-٣٢٠) - جالينوس العرب- فيقول (استاذنا أبو موسى جابر بن حيان). والمؤرخون - إلا بعضا من غير المسلمين - متفقون على تلمذته للإمام. وعلى صلته أو تأثره به في العلم والعقيدة. وأكثرهم على أنه صار بعد موت الإمام من الشيعة الإسماعيلية. يقول في كتابه الحاصل (ليس في العالم شيء إلا وفيه من جميع الأشياء. والله لقد وبخني سيدي (يقصد الإمام الصادق) على عملي فقال: والله يا جابر لولا أني أعلم أن هذا العلم لا يأخذه عنك إلا من يستأهله وأعلم علما يقينا أنه مثلك، لأمرتك بإبطال هذه الكتب من العلم) .

وكانت كتب رياضة وكيمياء تسبق العصور بجدتها قيل إنه أخذ علمه عن خالد بن يزيد ثم أخذ عن الإمام جعفر.

١٧٨

وهو يشير إلى الإمام دائماً بقوله «سيدي». ويحلف به. ويعتبره مصدر الإلهام له .

يقول في مقدمة كتابه الأحجار (وحق سيدي لولا أن هذه الكتب باسم سيدي - صلوات الله عليه - لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد).

ذكر له المستشرق كراوس k raus ناشر كتبه في العصر الحديث أربعين مؤلفا. وأضاف ابن النديم في القرن الرابع للهجرة عشرين كتابا أخرى. وينقل ابن النديم قوله (ألفت ثلثمائة كتاب في الفلسفة وألفا وثلثمائة رسالة في صنايع مجموعة، وآلات الحرب، ثم ألفت في الطب كتابا عظيما ثم ألفت كتبا صغارا وكبارا، وألفت في الطب نحو خمسمائة كتاب. ثم ألفت في المنطق على رأي أرستطاليس. ثم ألفت كتاب الزيج أيضا نحو ثلاثمائة ورقة. ثم ألفت كتابا في الزهد والمواعظ. وألفت كتبا في العزايم كثيرة وحسنة وألفت في الأشياء التي يعمل بخواصها كتبا كثيرة. ثم ألفت بعد ذلك نحو خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة. ثم ألفت كتابا في الصنعة يعرف بكتب الملك. وكتابا يعرف بالرياض).

وتلاميذ الصادق، المشهورون، فيما عدا من سلف ذكرهم، من كبار أهل السنة أشياخ للفقهاء في جميع المذاهب منهم: سفيان بن عيينة. وسعيد ابن سالم القداح. وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. وعبد العزيز الدراوردي. وقد روى الشافعي عن كل هؤلاء. وجرير بن عبد الحميد، وإبراهيم بن طهمان، وعاصم بن عمر.. بن عمر بن الخطاب.. وأبو عاصم النبيل(٢١٢) شيخ أحمد بن حنبل. وأبو عاصم آخر تلاميذ الصادق وفاة، وقد روى عنه كتابا. والكسائي عالم اللغة، وعبد العزيز بن عبد الله الماجشون زميل مالك في الفتيا في موسم الحج، وعبد العزيز بن عمران.. بن عبد الرحمن بن عوف وابن جريج إمام مكة.والفضيل بن عياض. والقاسم بن معن. وحفص بن غياث والثلاثة أصحاب أبي حنيفة، ومنصور بن المعتمر. ومسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي بمكة. ويحيى بن سعيد القطان.

وإنما أحدثت السياسة الخلافات بين فقهاء السنة والشيعة فأنتجت وجوها لخلافات فقهية وحديثية. فوجدنا للشيعة رواة ليسوا من رواة الكتب التي يتداولها أهل السنة ومنها الصحاح الستة المشهورة. فالشيعة لا يقبلون أحاديث من حاربوا عليا أو أخطأوا في حقه.

١٧٩

ومن الناحية الأخرى وجدنا في بعض كتب الحديث لأهل السنة، أوصافا للرواة من الشيعة، تتضح منها جذور هذه الخلافات.

وإليك بعض أمثال:

- كان الشعبي- شيخ المحدثين بالكوفة على رأس المائة الأولى - يكذب الحارث الهمداني، صاحب علي، فيسلط الله على الشيعي ثقات أثباتا من الرواة يستخفون به

- وأبان بن تغلب نجبة مدرسة السجاد والباقر والصادق. يقول فيه الحافظ السعدي: زائغ مجاهر. ويقول فيه الجوزجاني: زائغ مذموم المذهب. ويقول عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (شيعي جلد. ولكنه صدوق. فلنأخذ صدقه وعليه بدعته).

- وعلى هذا النحو تجد خالد بن مخلد القطواني(٢١٣) ، وهو من مشايخ البخاري، يقول عنه ابن سعد إنه كان مفرطا في التشيع. ويقول عنه أبو داود: «صدوق» لكنه يتشيع.

- وتجد تليد بن سليمان يقول فيه أبو داود - تلميذ أحمد - رافضي يشتم أبابكر وعمر. فلنا «صدقه» وعليه «بدعته». لكن ابن حنبل يأخذ عنه. وحسب الرجل شهادة ابن حنبل.

- وجعفر بن سليمان يقول فيه ابن عدي (أرجو أنه لا بأس به) ، في حين أن أحمد بن حنبل عندما يقال له إن سليمان بن حرب يقول لا تكتبوا حديث جعفر بن سليمان، يرد أحمد (لم يكن ينهى عنه إنما كان جعفر يتشيع) فيبين سبب ظلم سليمان له.

- ولقد تجد الرواية يقول بالرجعة، فيضعفه يحيى بن معين، أستاذ الجرح والتعديل وزميل أحمد بن حنبل، لكنك تجد عبد الرزاق بن همام يقول بالرجعة ومع ذلك يروي عنه الأعمش وسفيان وشعبة وابن حنبل ويحيى نفسه وسفيان بن عيينة شيخ المحدثين بمكة وأستاذ الشافعي. وأحمد ابن حنبل صاحب المسند الأعظم .

- أو تجد زبيد بن الحارث، يقول فيه الجوزجاني (كان ممن لا يحمد الناس مذاهبهم). ويضيف (احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في الحديث) لذلك يحتج به أصحاب الصحاح وأرباب السنن، وكمثلهم الشعبي وإبراهيم ابن يزيد النخعي.

١٨٠