الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام0%

الإمام جعفر الصادق علیه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 333

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المستشار عبد الحليم الجندي
تصنيف: الصفحات: 333
المشاهدات: 92352
تحميل: 12184

توضيحات:

الإمام جعفر الصادق علیه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92352 / تحميل: 12184
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب يقول في الجوزجاني (وأما الجوزجاني فلا عبرة بحطه على الكوفيين فالتشيع في عرف الأقدمين هو ..أن عليا كان مصيبا في حروبه وأن مخالفه مخطئ. مع عدم تقديم الشيخين. وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا، صادقا، مجتهداً، فلا ترد روايته) .

وهذا هو الذي جعل روايات الرواة الذين ذكرناهم، وأمثالهم، تتردد في كتب الصحاح والسنن.

هكذا كان انقسام الأمة نقمة على العلم. وكان الوقوف على أبواب السلاطين نقمة أخرى. والوسائل طيعة، من ترهيب وترغيب وبث للعيون والأرصاد، وبخاصة على الشيعة. مما أورث هؤلاء العمل بالتقية. والتقية أو الحذر يوجبان الانطواء أو التباعد.

وفي عصر الخلافة العباسية كان «مذهب السلطان» مذهب أبي حنيفة في المشرق، ومذهب مالك بإفريقية في المغرب، في حين كانت المعتزلة تتزعم التجديد وتلتصق بالخلفاء. وكان -الشافعية- كإمامهم – أساتيذ جدل، وكمثلهم كان أهل الظاهر أتباع داود، وقد بدأ شافعيا. وأما المحدثون فقد كانوا يمثلون السلف والدفاع عن السنة.

وكانت خلافات المتفقهة سمة العصر، ومثلهم المالكية.

وفي القرن الرابع الهجري جاب المقدسي(٣٨٠) العالم الإسلامي، فذكر أن أهل الأندلس كانوا إذا وقعوا على معتزلي أو شيعي قتلوه، ثم وصف تناحر الوسط العلمي في عصره بعبارات حادة، قال (قلما رأيت في بغداد من فقهاء أبي حنيفة إلا رأيت أربعا: الرياسة، مع لباقة فيها، والحفظ، والخشية، والورع. وفي أصحاب مالك أربعا: النقل والبلادة والديانة والسنة. وفي أصحاب الشافعي: النظر والشغب والمروءة والحمق- وفي أصحاب داود: الكبر والحدة والكلام واليسار: وفي الشيعة البغضة، والفتنة، واليسار، والصيت).

أما الصفتان الأوليان اللتان يصف بهما الشيعة فمردهما إلى التمسك بمقدساتهم وعلومهم في مواجهة المتعصبين الذين لا يكفون عن التناؤش معهم من قريب أو بعيد وأما الصيت، فأي صيت في الأمة أبعد من صيت أهل البيت أو محبيهم! وأما اليسار فمرده إلى فتوح الله عليهم، بالعلم الذي طالما علمهم الإمام جعفر الصادق، في «منهج كامل في الاقتصاد»، سنعرض له فيما بعد.

١٨١

الفصل الثاني : الدرس الكبير

لكل نبي وصي ووارث. وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب

(حديث شريف)

الدرس الكبير

أحدث انقسام الأمة بفعل بني أمية أثره في الفقه وليس كلام بعض المسلمين في أفراد من الصحابة إلا أثر من آثار هذا الانقسام. ومن الطبيعي ألا تمتنع الألسنة عما لم تمتنع عنه الأسلحة. وأن تستمر معارك الكلام وإن توقفت رحى الحرب.

شق أهل الشام عصا الطاعة لأمير المؤمنين منذ استخلف. وانتهت يوم «وقعة الجمل» فتنة عمياء فيومئذ قال محمد بن الحنفية وهو يحمل الراية: هذه والله الفتنة الكاملة العمياء. وناداه أمير المؤمنين (هل عندك في جيش، مقدمه أبوك، شيء !) .

ونفر البطل للقاء أهل الشام في صفين. ورفع جيش معاوية المصاحف. ثم كانت خدعة التحكيم وخروج الخوارج وهزيمتهم. لكنهم ظلوا يمثلون التعصب العميق لفكر لم يتمرس بالسياسة وتبعات القيادة وحقن الدماء. فلاموا عليا لقبوله التحكيم مع معاوية(١) . وعندئذ لم يوالوا عليا ولا من والاه- لكن الدولة لم تؤل إليهم، ولهذا قل أثرهم في الاتجاه العام للأمة.

وأنما الذي أحدث أثره العظيم في الأمة خلاف معاوية. إذ ولي الحكم وألزم ولاته بالطعن في علي. والتنكيل بمن والاه.ونظرت العامة إلى مصلحتها العاجلة في توقي الشرور من السلطة. ونظر المتفقهون - ومعهم جمهور الأمة- جبارين. فقل عدد الشيعة أو توارى بعضهم تقية، كما قل اتصال أهل البيت بالعامة وفقهاء الجمهور. واستمسك الشيعة بفقههم وروايات الأحاديث من أئمتهم أو عن أئمتهم.

___________________

(١) كفروا عليا لقبوله التحكيم ورأوا أن الخلافة لابد لها من بيعة الجمهور. وأنها لا تنحصر في بيت معين وبرئوا من علي وعثمان ومعاوية. الأول لقبوله التحكيم والثاني لمخالفة سياسة الشيخين أبي بكر وعمر والثالث لاستيلائه على الأمر بالقوة يأخذون بظاهر العبارة من القرآن. ولا يأخذون من السنة إلا ما يرويه من يتولونهم. وعمدتهم في ذلك الأحاديث المروية على عهد الشيخين. وكل من تعدى حدود الله عندهم فاسق. ولذلك عدوا أشياع معاوية والذين لم يتبرءوا من علي وعثمان - وهؤلاء جمهور الأمة - خارجين على الإسلام واستحلوا مالهم وقتلهم، وبهذا نفر الناس منهم .

١٨٢

بفقه طابعه الشمول، أنزل الخلفاء الراشدين الأربعة منازلهم. وسبحت ثلة منهم بزوارق السلطة خوفا أو طمعا. ورأى البعض إرجاء إبداء الآراء. وبطش بنوا أمية

ولما قتل معاوية حجر بن عدي، لغضب الصحابي الجليل من القدح في أهل البيت، كان معاوية يقتل استقلال الآراء عن السلطة ثم كانت البطشة الكبرى بأهل البيت في كربلاء (سنة ٦١) متابعة من يزيد لأبيه في حماية «العرش» الأموي بغير حساب. ثم صفت وقعة الحرة (٦٣) جيل الصحابة من المهاجرين والأنصار.

وفصلت حروب المختار بن عبيد بين أشياع السلطة وبين علي من جديد - ولم تكن حرب ابن الزبير مع أهل الكوفة، ولا حربهم لبني مروان، الا أسبابا جديدة لانكماش الشيعة. والحجاج - والي عبد الملك بن مروان - مصلت سيفه وكمثله الولاة بعده .

في أخريات هذا العهد كان زين العابدين قد ملأ الأفق بورعه وعلمه وسخائه، حتى مات. وبزغ نجم الباقر في سماء المدينة، وأعقبه الصادق، ليبدأ إمامة مهّد لها أبوه. ومكّن لهم أن ينشروا العلم، الانصراف عن السياسة أو المطالبة بالحكم، فأشرق الفجر الجديد .

لكن خروج زيد بن علي، ثم هجوم الخوارج على المدينة، ثم هزيمتهم، ثم هزيمة بني مروان أمام العباسيين، ثم فتكات العابسين بأبناء علي، وقد تضاءلت بالنسبة لها صعقات الأمويين، كل أولئك زاد القطيعة بين أصحاب السلطة وبين أهل البيت، والانطواء من الشيعة على أنفسهم، والانفصال بين معظم الرواة من أهل السنة وبينهم:

فرأينا عامر بن شراحبيل الشعبي(١٠٤) شيخ المحدثين في العراق وقاضي بني مروان يقول: «ماذا لقينا من آل علي إذا أحببناهم قتلنا وإن عاديناهم دخلنا النار».

ومن كثرة ما عمل للخفاء، صار دربا على معاملة الأمراء: سأله الحجاج كم عطاءك قال ألفين: فاستدرك الحجاج وقال: ويحك كم عطاؤك؟ قال ألفان. قال لم لحنت؟ قال: لما لحن الأمير لحنت. ولما عرب أعربت..

وسمعنا الحسن البصري(١١٠) الجسور، أذ يروي عن علي، يقول: «قال أبو زينب» - ولما سأله ابن عياش (ما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي؟) أجاب (يا ابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة لولا ذلك لسالت بي أعشب) .

ولما تقطعت بين الشيعة وغيرهم الأسباب، اضمحلت، أو قلت، المشاركة العلمية، وصار هنالك عالمان فقيهان متقاطعان.

١٨٣

ولم يكن غريبا في هذه القطيعة أن تقل رواية أهل السنة عن أهل البيت. أو أن نرى مالك بن أنس - في المدينة ذاتها - يسال عن سبب ندرة الرواية منه عن علي وابن عباس فيجيب: لم يكونا ببلدي. (يقصد أن عليا كان بالكوفة وابن عباس بمكة) أو نراه يقتصر، فيما يرويه عن الإمام الصادق، على أحاديث قليلة جداً في الموطأ، وفيه نحو من ألف حديث(١)

ولما قال البخاري بعد أكثر من مائة عام من قيام الدولة العباسية - عن صحيحه (ما وضعت فيه إلا الصحيح. وما تركت من الصحيح أكثر)،

___________________

(١) من أدلة وحدة العلم أو التقارب فيه حديث، من هذه القلة، هو حديث اليمين مع الشاهد وهي مسألة أريق فيها مداد كثير لفقهاء أهل السنة جاء في الموطأ رواية محمد بن الحسن:

(أخبرنا مالك أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى باليمين مع الشاهد) .

قال محمد بن الحسن - ذكر ذلك ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال سألته عن اليمين مع الشاهد فقال بدعة. وأول من قضى فيها معاوية. - وابن أبي شهاب أعلم عند أهل المدينة بالحديث من غيره. وكذلك ذكر ابن جريج عن عطاء بن ابي رباح قال: (كان القضاء الأول : لا يقبل إلا شاهدان وأول من قضى باليمين مع الشاهد عبد الملك بن مروان..).

وهذا الحديث وارد في سنن الترمذي وابن ماجه ورواه عن ابن عباس مسلم وأبو داود والنسائي ومسند أحمد. والصحاح الخمسة تذكره موصولا- وتعمل به المدينة ومكة، وقد ذكر ابن الجوزي أن رواة الحديث يزيدون عن عشرين صحابيا.

والمذاهب الثلاثة تعمل به وأبو حنيفة لا يعمل به.

١٨٤

كان في هذا القول دلالة على الاحتياط العلمي، وعلى أن أحاديث صحاحا قد أغفلت. وأنها أكثر مما تضمنه كتابه من الصحيح. ولعله بهذا القصد، فيما يقصد، أحاديث «علي» وأهل البيت فيما تركه من صحاح. فهو لم يرو أحاديث أهل البيت، في حين احتج بها الجميع(١) وورد الكثير منها في سائر الصحاح والمسانيد(٢) .

___________________

(١) والشافعي الذي يرى زين العابدين أعلم أهل المدينة، يقول في دفاعه العلمي المجيد عن حجية خبر الواحد في الرسالة -(وفي تثبيت خبر الواحد أحاديث يكفي بعض هذا منها ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل ووجدنا علي ابن حسين (يقصد زين العابدين) يقول: أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال: (لا يرث المسلم الكافر) فثبتها سنة ويثبتها الناس بخبره سنة.

ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين (يقصد الباقر) يخبر عن جابر عن النبي وعن عبد الله ابن أبي رافع عن أبي هريرة فيثبت كل ذلك سنة.

ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم. ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيد بن طلحة بن ركانة، ومحمد بن طلحة بن ركانة. ونافع بن هجير بن عبد يزيد، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وحميد بن عبد الرحمن، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وخارجة بن زيد بن ثابت. وعبد الرحمن بن كعب بن مالك. وعبد الله بن أبي قتادة. وسليمان ابن يسار. وعطاء بن يسار، وغيرهم من محدثي أهل المدينة، كلهم يقول حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النبي أو من التابعين عن رجل من أصحاب البي، فيثبت ذلك سنة).

وإنك لتلاحظ أن الشافعي يستند إلى رواية زين العابدين والباقر فيضع زين العابدين في مقام خاص به. هو الأول. ويضع ابنه الباقر في المقام التالي لأبيه. ثم يجيء بالأبناء العلماء، للصحابة العظماء، وراء هذين المقامين، ويجيء بهم مجموعين، ثم يجيء بفضلاء التابعين بعد هؤلاء جماعات.

(٢) روى أحمد بن حنبل أحاديث أهل البيت في مسنده الأعظم. وروى كذلك مسلم بن الحجاج(٢٦١) وسليمان بن الأشعث السجستاني (أبوداود-٢٧٥) ومحمد بن عيسى الترمذي(٢٧٩) ومحمد بن يزيد بن ماجه(٢٧٩) والنسائي أحمد بن علي بن شعيب(٣٠٣) بقية أصحاب الصحاح كما يسميها أهل السنة.

والنسائي من شهداء الوفاء لعلي: خرج من مصر إلى الشام فسألوه عن فضائل معاوية- إذ كان قد ألف في فضائل علي- وقيل إنه أجاب: ألا ترضى رأسا برأس حتى تفضل؟ أو قال لا أعلم له فضيلة. فما زالوا يدفعونه في خصيته حتى أخرجوه من المسجد وقد أشرف على الموت فقال احملوني إلى مكة فحمل إليها حيث توفي.

١٨٥

ومع أن الحرب الكلامية والافتراءات الموجهة للرواة كانت ضروسا فقد وثق الأئمة الفقهاء والمحدثون- أعظم التوثيق - الإمام جعفر الصادق وشرفوا بالرواية عنه. ووقفت المذاهب الأربعة موقف الإجلال له. فكان ذلك إعلانا من أهل العلم أن أئمة أهل البيت للجميع لا للشيعة وحدهم. وأن الحديث متى ثبت عنهم هو حديث جدهم صلى الله عليه وسلم:

كان يوسف بن أبي يوسف يروي عن أبيه عن أبي حنيفة عن «جعفر بن محمد» عن سعيد بن جبير عن ابن عمر حديث رسول الله. وفي الوقت ذاته يروي عن أبيه عن أبي حنيفة عن اسحاق بن ثابت عن أبيه عن علي بن الحسين حديث رسول الله، مع أن علي بن الحسين (زين العابدين) لم ير جده - واللقاء من شروط البخاري - ويروي يوسف عن أبيه عن أبي حنيفة عن «جعفر بن محمد» حديث رسول الله - مع أن الصادق حفيد زين العابدين - فهذا أبوحنيفة ومن روى عنهم - كمثل مالك وغيره - يروون عن أئمة أهل البيت، ويأخذون بحديثهم عن رسول الله، مع أنهم لم يلقوه أو لم يكن بينهم وبين الرسول صحابي.

والكتب التي يقوم عليها الفقه الشيعي تروى كلها عن الإمام جعفر الصادق أو الأئمة المعصومين. يستوي في ذلك الكتب الأربعة الشهيرة وغيرها.

في هذه الأضواء نستطيع أن نفهم انقسام العلم بانقسام مصادره. وانحسار هذا البحر من بحاره عن الجمهور، باقتصاره على الشيعة. ولا جرم كانت فيه كفاية لإنتاج دق الفقه وجله، بما فيه عن غزارة، وباعتماده على النقل والعقل معاً. وبإقبال الشيعة - شأن الأقليات جميعها - على تعميق علومها، وتقوية شعوبها. وساعدهم انفتاح الفكر واجتهاد الرأي في تطهير وسطهم العلمي والاجتماعي ممن ينتسبون، أو ينسبهم الخصوم، إليهم، من

١٨٦

الغلاة في علي بن أبي طالب(١) . ثم تمييز علمهم من علم المخالفين الذين يتولون غير الإمام جعفر

___________________

(١) كان وجود غلاة في الشيعة فرصة للمغرضين، إذ نسبوا عمل الغلاة إلى الشيعة كلهم. فأحدثوا بذلك أثراً كاذباً في أفهام الآخرين، بدعاوى هم منها براء، مثل أن الإمام هو الله ظهورا واتحادا وهو غلو يبلغ الكفر.وأكثر المنسوبين للشيعة غلوا أتباع ابن سبأ وأبي الخطاب الأسدي الذين يؤلهون عليا والأئمة. وهؤلاء ليسوا مسلمين.

ولقد حرق علي النار من ألهوه وتبرأ الصادق من أبي الخطاب الأسدي. وقتله جند أبي جعفر.

وكان ابن سبأ يهوديا من صنعاء أسلم وانطلق إلى الحجاز والبصرة والشام ومصر. والمؤرخون الأولون كالطبري(٢١٠) والمؤرخان الشيعيان ابو خلف القمي(٣٠١) والنوبختي(٣١٠) يؤكدون وجوده، في حين يشكك في وجوده آخرون ممن جاءوا بعد ذلك.

كان ابن سبأ يحرض أبناء العشائر ضد عثمان. قائلا إن لعلي مكانا فوق الصحابة بل فوق سائر الخلق. ولما قتل علي قال انه سيرجع. وقد نفاه علي إلى المدائن إذ كان يقول له (أنت أنت) ثم صار يقول (عجبا من الذين يكذبون رجوع محمد في حين إن عيسى يرجع) ويقول ان محمد خاتم النبيين وعليا خاتم الأوصياء. ويقول ان عثمان ولي الخلافة بغير حق.

وقال البعض إن ابن سبأ دفع أبا ذر ليقول ما قال لعثمان. ولا شك أن ابن سبأ أقل من أن يرتفع إلى مستوى تحريض أبي ذر. وأن نسبة أثار ضخمة جداً لأراجيف ابن سبأ في محيط صغير جداً وزمان قصير جداً - ليس إلا وجه من تعليق الأوزار، التي ارتكبتها أجيال أفرخت فيها الفتن، على عاتق رجل لا قيمة له. والكثيرون من المؤرخين على أن ابن سبأ لم يلق أبا ذر.

وتعليق الأوزار هروب. وهو عيب قديم في المجتمعات التي تفقد صدق الرؤية، فتبرئ نفسها - ظلما - من عيوبها، فتلقيها على الآخرين. وهو أيا كانت الحال غلو في تضخيم شأن ابن سبأ وأشباهه لتبغيض الشيعة إلى الآخرين. ولقد طالما أحدث هذا التبغيض من قوم لا يعلمون الحقائق آثاره في نفس قوم مخلصين. وفي ظلمات هذه الجهالات يتوارث المسلمون فرقة يفرضها عليهم من يفيدون لأنفسهم ومن يجهلون.

١٨٧

وغير أبيه كالزيدية(١) .

___________________

(١) الزيدية. أتباع زيد بن علي زين العابدين - أخي الباقر- قالوا إنه فوض في الإمامة قبل أن يستشهد إلى محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية).

وكان زيد يجيز إمامة المفضول مع وجود الأفضل لمصلحة يراها المسلمون. ولهذا أجاز خلافة أبي بكر وعمر. فرفضه شيعة العراق فسموا رافضة ومنذئذ أطلق على الشيعة الامامية اسم الرافضة. وقيل سموا الرافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر. والأول رأي الشهرستاني والأخير رأي ابي الحسن الأشعري. والشهرستاني من الشيعة والأشعري من أهل السنة.

وزيد يقول إن الأدلة اقتضت تعيين علي إماما «بالوصف» لا بالشخص.ويقول ان - الشيوخ يختارون «الأفضل» من أولاد علي من فاطمة، عموماً، «بالاجتهاد».

ومن شروط الزيدية أن يجتهد أئمتهم. ولذلك كثر فيهم الأئمة المجتهدون. ومن شروطهم أن يخرج الإمام داعياً لنفسه. وعلى هذا الشرط جادل الباقر أخاه زيدا بقوله «على قضية مذهبك والدك ليس بإمام فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج» ومن الزيدية اليعقوبية يقولون بولاية أبي بكر وعمر ولا يتبرئون ممن يبرأ منهما وينكرون رجعة الأموات. وبقية الزيدية تتوقف في أمر الرجعة لا يقولون بها ولا ينكرونها

وظهرت في المذهب الزيدي مذاهب منها الهادوي والقاسمي والناصري والهاروني التي تخالف الأصل في فروع يسيرة وتسير عليه في جملة الفروع وتلتقي بمذاهب اهل السنة، وبخاصة المذهب الهادوي الذي أسسه امام اليمن الإمام الهادي (يحيى بن الحسن بن إبراهيم بن القاسم) صاحب صعدة(٢٨٠-٢٨٩) وكان أئمة المذهب الهادوي من عظم اتفاقهم مع المذهب الحنفي يرون الأخذ بالمذهب الحنفي إذا لم يجدوا عن الإمام الهادي نصا في المسألة. بل يذهبون إلى ابعد من ذلك فيأخذون بأرجح ما في المذاهب الأخرى.

والزيدية ترى أن كل من دعا لنفسه من أولاد علي من فاطمة الزهراء وكان مستكمل الصفات وجب اتباعه.

وقد كتب لهم النجاح في اليمن وطبرستان إلى الجنوب من بحر قزوين. والعرب تسمي بحر قزوين بحر طبرستان. وقد ملك طبرستان الحسن بن زيد بن الحسن بن علي سنة ٢٥٠ حتى سنة ٢٧٠. وكانت ثورة ابن طباطبا في بغداد في أيام المأمون زيدية.

١٨٨

أو من علم الذين يتولون غيره وغير ابيه وجده(١) كالكيسانية.

يقول الشيخ المفيد في غلاة الشيعة (وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريتهعليهم‌السلام إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم في الدين والدنيا بما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد. فهم ضلال وكفار).

والإمامية لا يجيزون القدح في الصحابة. فإذا وجد قادحون منهم فآراؤهم فردية، في أفراد، من الصحابة. يبديها المتطرفون، وأشباههم موجودون في أهل السنة، ممن قدحوا في بطل الإسلام «علي» ، وريحانتي النبي «الحسن» و «الحسين» .

والقدح «معصية» لا تخرج من الإسلام.

ولا يعتبر معصية اجتهاد «مجتهد» تأول فأخطأ وقد نظر علماء السنة هذا النظر الأخير إلى خلافات المعتركين من الصحابة في الجمل وصفين فاعتبروها اجتهادات فيها الخطأ والصواب.

___________________

(١) الكيسانية يقولون بإمامة محمد بن الحنفية بعد وفاة أبيه. وإن الحسن والحسين انما خرجا بإذنه. ومن الكيسانية أشياع المختار بن عبيد الله الثقفي .(٦٧).

ومنهم الهاشمية. الذين يقولون إن محمدا أفضى إلى ابنه أبي هاشم بالأسرار التي أفضى إليه بها أبوه. ولما مات أبو هاشم انقسمت فرقته فرقا. واحدة تقول انه أوصى لأخيه علي. وان الوصية لا تخرج عنهم حتى «يرجع» محمد بن الحنفية. وواحدة تنقسم إلى فرق. منها فرقة تقول انه أوصى إلى معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (وقد قتله ابو مسلم الخراساني). وفرقة تقول انه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. وهاتان فرقتان تخرجان الإمامة إلى غير ابناء علي. وتفسران اهل البيت تفسيراً يسع غير أبناء علي.

١٨٩

والإمام علي معلم أول للأصول والفقه وأدب الدنيا والدين: يقول عن الخوارج الذين كفروه! وطلبوا إليه التوبة! (إخواننا بغوا علينا)(١) .

والإمامية يقولون إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى إلى اثني عشر إماما بأسمائهم. كل منهم يبين خلفه باسمه. إذ يكشف الله له. أولهم علي الذي أوصى للحسن. وأوصى الحسن للحسين. وتتابعت لزين العابدين ومنه للباقر الذي أوصى للصادق. وتتابعت الوصية من الصادق إلى ابنه موسى الكاظم(١٨٣) فابن الكاظم علي الرضا،(٢٠٣) فابن الرضا محمد الجواد(٢٢٠) فابن الجواد علي الهادي(٢٥٤) فابن الهادي الحسن العسكري(٢٦٠) فابن العسكري محمد المهدي المولود بسامرا سنة ٢٥٦ ، والمختفي بعد عام ٢٦٠ والمنتظر ظهوره ليملأ الدنيا عدلا.

___________________

(١) ويقول ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (وكل من عاداه أو حاربه وأبغضه فإنه عدو لله سبحانه وتعالى وخالد في النار مع الكفار والمنافقين إلا من ثبتت توبته ومات على توليه وحبه. فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله.. رأيناه رضي إمامتهم وبايعهم وصلى خلفهم وأنكحهم وأكل فيئهم ألا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه. ولما لعنه لعناه. ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان بينهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد الله ابنه حكمنا أيضا بضلالهم.. والحاصل أننا لم نجعل بينه وبين النبي إلا رتبة النبوة وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه. ولم نطعن في أكابر الصحابة. الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم) .

وقول ابن أبي الحديد منطقي في اتباع علي. ومن المنطق كذلك ترتيب الآثار على بيعة الجمهور لخليفة جديد، هو أمير المؤمنين الحسن بن علي، ثم انعقاد الصلح بينه وبين معاوية في السنة الحادية والأربعين، فلا تسوغ معاملة أشياع معاوية معاملة المحاربين أو الخارجين على الإسلام. فلقد أصلح الله بالحسن بين هاتين الفئتين من المسلمين.

١٩٠

السنة

يروي الحارث الأعور : قلت يا أمير المؤمنين إذا كنا عندك سمعنا منك ما يشد ديننا وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة ولا ندري ما هي؟ قال: أو فعلتموها؟.. سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول (أتاني جبريل فقال : يا محمد ستكون في أمتك فتن. قلت فما المخرج منها؟ فقال كتاب الله) وإذا كان في الكتاب حل لكل مشكلة، فالسنن موضحة ومنفذة لأحكامه .

والسنن إذ تروي عن جعفر بن محمد الصادق أو عنه عن آبائه أو تروي عن الأئمة عامة لا يوجد فيها صحابي يختلف الشيعة معه. وعلى أساس هذه الأحاديث قام فقه الشيعة الإمامية. مرويا عن الإمام فلا يناقشونه. فكلامه نصوص. أي هو سنة. في غنى عن الإسناد، تغني عن الاجتهاد، وفي كتبهم كما قيل ما يكفي الأمة حتى أرش الخدش.

وقد دون علم الأئمة وفقههم في كتبهم. ومنه علم لدني عن الإمام المعصوم. ومنه تفسيرهم للقرآن(١) والأئمة - عندهم - قد اختصوا بعلم ما لم ينص عليه وما لم يعلنه النبي - صلى الله عليه وسلم.

وأقوال الأئمة حجة تلي الكتاب والسنة. والفقهاء الشيعة لا يتجهون إلى الأدلة إلا في غيبة الإمام أو حديث الإمام .

والسنة اساسها القرآن. يقول الإمام الصادق «إذا رويت لكم حديثا فسلوني أين أصله من القرآن». روى يوما نهي النبي «عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال) فقيل له أين هذا من كتاب الله؟ فأجاب: (إن الله تعالى يقول (لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)وقال تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيام)وقال تعالى (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) .

فهذه أصول قرآنية ثلاثة لحديث واحد في السلوك. وهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.

___________________

(١) والشيعة تنفي قول القائلين بالصرفة وهو ما يزعمه بعض المعتزلة (النظام) من أن الله صرف المشركين عن أن يحاولوا الإتيان بمثله. فهذا القول مصيره نفي الإعجاز. والإعجاز آية الرسول صلى الله عليه وسلم .

١٩١

وإذا لم يكشف الإجماع عن رأي الامام المعصوم فباب الاجتهاد مفتوح لطلب الحكم الشرعي فيما ليس فيه نص. والعقل - مع الضوابط التي يضعوا بها من قواعد وأصول - قدير على أن يبلغ المجتهد طلبه.

روى هشام بن سالم قول الصادق (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا) - وفي نهج البلاغة جملة من الأصول التي نبه عليها أمير المؤمنين علي، وتكلم فيها الأئمة الباقر والصادق والرضا: كالكلام عن الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنوافل والفرائض والرخصة والعزيمة والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والواجب وغير ذلك ومما ردده الأئمة الثلاثة قواعد الجمع بين الحديثين المتعارضين، والترجيح بينهما، والتخيير، وأحكام النسخ، ولزوم رد المتشابه إلى المحكم، وجواز الأخذ بخبر الواحد، والعمل بالظاهر، ومنع القياس أو تفسير القرآن بالرأي، والعمل بالاستصحاب، وأصالة الحل والإباحة، والطهارة والبراءة والصحة وقواعد الفراغ واليد والقرعة.

وكلام الامام الصادق في هذه الأبواب كثير. ولهشام بن الحكم كتاب في مباحث الألفاظ وفي الأصول. وكذلك ليونس بن عبد الرحمن كتاب في الأصول.

والسنة المتواترة هي التي يتكاثر رواتها ويتفرقون إلى حد لا يمكن معه اتفاقهم على الكذب. وبهذا يتحصل علم قاطع بأنهم لم يجمعهم جامع على الكذب. والتواتر عن الرسول كالتواتر عن الإمام المعصوم.

والإمام الصادق يقول (حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي. وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين. وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله. وحديث رسول الله قوله تعالى)

والتعبير بأن حديث الرسول هو قوله تعالى يعدل القول بأن السنة هي الحكمة التي ذكر القرآن أن الرسول يعلمها للمسلمين.

١٩٢

وخبر الواحد مقبول لدى جمهور الفقهاء عندهم. وحجتهم في ذلك - على الجملة - كحجج أهل السنة(١) .

والصادق لا يرى بأسا في رواية الحديث بالمعنى سأله تلميذه أسمع منك الحديث فأزيد وأنقص؟ فأجاب: (أن تريد معانيه فلا بأس) .

___________________

(١) أما الرواة عموما فيشترط أن يكونوا من الإمامية الاثنا عشرية يروون عن «إمام» عن النبي. وثمة من يقبل رواية غير الإمامي مادام موثقا أي أمينا عند الإمامية. قالوا (لو كان بعض رجال السند غير إمامي مصرحا بالتوثيق أو مصرحا بالمدح لابد من كون الباقي إماميا موثقا).

١٩٣

ولا يضيقون صدرا بالإرسال من الثقات، بغير معارض، فلقد تقرأ (صحيح فلان عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام )(١) .

ويمكن القول إجمالا إن الحديث عندهم صحيح وحسن وموثق وضعيف.

فالحديث الصحيح هو الذي ينقله العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات حتى الإمام المعصوم.

والحديث الحسن هو المتصل السند بالإمام المعصوم. فإن انقطع السند لم يعد حسنا. ويشترط أن يكون الراوي ممدوحاً من غير معارضة ذم وإن لم تثبت العدالة. فلو ثبتت لكان صحيحا.

ولا يمكن أن تصل رواية غير الإمامي إلى إحدى هاتين الدرجتين مهما كانت منزلته من التقى والفقه.

والحديث الموثق هو ما دخل في طريقه غير إمامي إذا كان الأصحاب الإمامية يوثقونه. وهنا لا يشترط الاتصال بالإمام المعصوم. وهناك من يشترط أن يتوسط غير الإمامي إماميين. وهناك من يرفضه.

___________________

(١) والإرسال لا يمنع قبول الحديث عند أهل السنة.

كان إبراهيم النخعي يروي الحديث مرسلا. فيقول له الأعمش إذا رويت لي حديثا فأسنده فيجيب: إذا قلت حدثني فلان عن ابن مسعود فهو الذي رواه وإذا قلت قال عبد الله فغير واحد. والحسن البصري يقول (إذا قلت لكم حدثني فلان فهو حديثه ومتى قلت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعن سبعين).

١٩٤

والحديث الضعيف غير هذه الأقسام الثلاثة :

وما لا يبلغ حد التواتر يسمى خبر الواحد. فوصف الواحد يراد به عدم التواتر، وقد يكون عن متعددين. فالخبر المستفيض والمشهور نوع من خبر الواحد. المستفيض ما رواه أكثر من اثنين. والمشهور ما اشتهر على الألسن وفي الكتب، وإن كان رواية واحد(١) .

أما الشهادة فيقول فيها الإمام جعفر (لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء، والأوصياء. فمن لم تره بعينيك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر. وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا).

وإذا كان في بعض المذاهب من لا يقبل شهادة أصحاب الصنائع التي يسمونها (دنيئة) فالإمامية يرون قبول شهادتهم. والله يقول (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فليس في الصناعات شريف ومشروف، وإنما الصناع فيهم من هؤلاء وهؤلاء .

والشيعة - مع هذا - ضائق صدرهم بالطفيليين والمستجدين. فهؤلاء متساهلون في عزة النفس التي أمر الله بها المسلمين.

والصادق يقول (إن الإجماع لا ريب فيه) وهو عند الإمامية (اتفاق جماعة يكشف اتفاقهم عن رأي المعصوم) فلا يخلو عصر من وجود الإمام ظاهراً أو خافياً. وإذ كان اتفاق جماعة من الإمامية فيخرج غيرهم. ومن أجل ذلك عرفت أراء الصادق من خلال اتفاق تلاميذه.

وليست الحجة للإجماع. بل هي لرأي الإمام المعصوم الذي يكشف عنه الإجماع.

___________________

(١) الخبر الذي يحصل العلم بصدوره من قرائن داخلية أو غيرها مطابقة لظاهر القرآن أو معانيه أو لأدلة العقل، حجة معتبرة، لا للشهرة أو الاستفاضة أو التواتر أو أي شيء آخر، بل العلم بصدوره الذي هو حجة بنفسه - فالخبر المتواتر أو المعلوم بصدوره لا حاجة لشروط في روايته وإنما الشروط في خبر الواحد.

وقد يعملون بالضعيف إذا اشتهر العمل به بين الأقدمين - أما علامات وضع الحديث فهي كمثلها عند أهل السنة تقريبا. وليس عجيبا أن تكون السنة التي يتمسك بها الشيعة في مجموعها هي السنة التي يتمسك بها أهل السنة. فخلافات الروايات واسنادها أو إضافة مصدر الأئمة، لم تدخل في التراث النبوي العظيم ما يغيره.

ومشايخ الإمامية يوثقون الإمامية المخطئين في الاعتقاد. والإمام الصادق إذ يقول (خذوا ما رووا. وذروا ما رأوا) يقصد أراءهم ولقد طالما رفض مجتهدوهم أحاديث ذكرت في كتبهم، وأخذوا بما جاء في صحيحي البخاري ومسلم لتفحصهم أحوال رجالهما.

١٩٥

والإجماع يثبت بالتواتر والمشاهدة وبخبر الواحد. وليس اجتماع الرجال شرطاً عندهم. والإجماع من عصر أو عصرين لا يجعل الحكم ضرورة دينية أو مذهبية. بل يكون أجتهادياً يقبل الجدال. أما إجماع الأمة في كل عصر ومصر، من عهدة الرسول للأن، فيجعل الحكم من ضرورات الدين. والإجماع من الصحابة يدخل فيه علي بن أبي طالب. فهو الإمام المعصوم .

والعقل يكشف عن نظر الإمام إن لم يوجد نص أو إجماع .

فالاجتهاد(١) مفتوح أبدا في الظنيات التي ليس فيها دليل من الشرع يفيد اليقين، وليس للعقل فيها حكم واجب حتم. كخلاف الصحابة في العول في المواريث وعدة الحامل المتوفى عنها زوجها. وكالمعاملات. أما القطعيات فلا اجتهاد فيها كالعقائد الواجبة، وما ثبت من الأحكام العملية بالتواتر. والعقائد كاتصاف الله بالكمال وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، والبعث والحساب. والأحكام العملية كالصلاة والصوم والحج.

وليس من وسائل اجتهاد الشيعة القياس. فالإمام الصادق يقول (إن السنة إذا قيست محق الدين) ولما قيل له أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ قال (ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لسنا من أرأيت في شيء) لكن وسائل استعمال العقل مباحة للمجتهد .

___________________

(١) يشترط الشيعة في المجتهد:

١ ـ العلم باللغة.

٢ ـ بالكلام.

٣ ـ بكتاب الله والسنة.

٤ ـ بطرق الإستنباط.

٥ ـ المسائل المجمع عليها حتى لا يخالفها اجتهاد.

٦ ـ الفطنة وإدراك الحقائق.

٧ ـ العلم بمواطن الخلاف. كل ذلك

٨ ـ وهو إمامي.

١٩٦

والإمام الصادق يقول : «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال» .

وآيات الأحكام قليلة، وكمثلها قلة، أحاديث أصول الأحكام،(١) فوجب الاجتهاد ونحن مأمورون باستعمال العقل. وحكم السماء تظهر للعقول بالتدريج.

كان أصحاب النبي يجتهدون في وجوده وازدادت حاجتهم للاجتهاد بعد موته. والدنيا أطوار تحتاج للفقه الذي يطبق عليها حكم الشريعة لتبقى الحياة محكومة بالدين، وتتطور في حدود مقاصد الشارع.

___________________

(١) آيات الكتاب (٦٢٣٦) آية على طريقة عد الكوفيين كما ورد في التعليق على المصحف المتداول بمصر من سنه ١٣٣٧ هجرية أحصى بعض فقهاء أهل السنة نحو(١٤٠) في العبادات، (٧٠) في المعاملات، (٧٠) في الأحوال الشخصية والمواريث،(٢٠) في الجنايات،(١٣) في المرافعات، و(٢٠) في القضاء والشهادة،(١٠) في الاقتصاديات و(١٠) في المسائل الدستورية،(٢٥) في المسائل الدولية - وأحاديث أصول الأحكام عندهم نحو(٤٥٠) بين آلاف الأحاديث أكثرها بيان مجمل أو تفصيل موجز أو تشريع ما سكت عنه.

١٩٧

وحكم الله في كل مسألة معين، نصب الله دليلا عليه. فمن المجتهدون من يصل إليه ويصيبه. ومنهم من لا يصل إليه ويظن غيره. فهو مخطئ معذور. مغفور له خطؤه مادام قد بذل جهده دون هوى. وللمصيب أجران لصوابه واجتهاده وللمخطئ أجر واحد على اجتهاده. فذلك حكمه صلى الله عليه وسلم(١) ومن أجله كانت السماحة التي اتصف بها الصحابة إذ يختلفون.

والمنصفون من كل المذاهب يعلنون أن في المذاهب الفقهية المعتبرة خطأ وصوابا. وليس منها مذهب واحد كله خطأ أو كله صواب. لذلك كان التعصب المطلق آفة تؤوف الفقهاء. لقد كثرت مخالفات علي لعمر، ونزول عمر عند رأي علي.

وعلي هو القائل بانه ترك لعمر تنفيذ رأيه (في بيع أمهات الأولاد) في حياة عمر، ولما آل إليه الأمر أنفذ رأيه. فعلمنا أمورا: منها:

١- أن المذهب الشيعي وهو يدور حول آراء علي، إنما هو مذهب حي في حياة الخلفاء الراشدين أنفسهم. فلما آل إليه الأمر وأتيحت له الفرصة التي أتيحت لغيره لتطبيق اجتهاداته أنفذها - ولكن المكان والزمان ضاقا عليه لتوزع جهده في الحروب، وانحصار سلطانه على الأرض، ومعالجته بيد الخوارج .

٢- حق الخليفة في إنفاذ رأيه. ومن ثمة أنفذ عمر رأيه في أمور شتى كما أنفذ أبوبكر رأيه من قبل والرأي اجتهاد.

___________________

(١) يقول عليه الصلاة والسلام لمن سأله أجتهد وأنت حاضر؟ نعم إن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر.

١٩٨

مشروعية الخلاف. وهو درس تعلمه الصحابة من صاحبهم صلى الله عليه وسلم. مطلوب من الجميع أن يتعلموه. وأن يعلموا الناس أنه وسيلة التقدم.

روى النسائي أن رجلا أجنب فلم يصل. فذكر ذلك للنبي فقال:

أصبت. وأجنب رجل فتيمم وصلى، فذكر ذلك للنبي فقال أصبت. وروى البخاري عن عمران بن حصين أنه قال للرجل الذي اعتزل فلم يصل في القوم (فما يمنعك أن تصلي) فقال أصابتني جنابة ولا ماء. قال (عليك بالصعيد. فإنه يكفيك) .

ورأى عمرو بن العاص فيما فهم من قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)جواز التيمم للجنب إذا خاف على نفسه البرد.

والآثار في الخلاف بين الصحابة كثيرة جدا(١)

والخلاف بين المجتهدين أجل من أن يحصر. وفيه ثراء للفكر، وسعة في الدنيا، ورحمة بالأمة.

كان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الفصد والحجامة والرعاف فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف «مالك» وسعيد بن المسيب»؟

وكان مالك يفتي الرشيد أنه لا وضوء عليه إذا هو احتجم. فصلى يوما بعد الحجامة وصلى خلفه «أبو يوسف» صاحب «أبي حنيفة» (وهو يرى الوضوء من الحجامة)

واغتسل أبو يوسف في الحمام، وأخبر بعد صلاة الجمعة أنه كان في بئر الحمام فأرة ميتة فلم يعد صلاته وقال (نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا).

___________________

(١) راجع نحو تقنين جديد للمعاملات والعقوبات من الفقه الإسلامي (من مطبوعات لجنة تجلية مبادئ الشريعة الاسلامية)- عبد الحليم الجندي - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فقرات ٤٢ إلى ٤٨.

١٩٩

فهؤلاء أئمة المذاهب لا يتسامحون في خلافاتهم فحسب، بل يتجاوزون الخلاف العلمي إلى التطبيق العملي.

من أجل ذلك يقول أحمد لتلميذ إسحق بن بهلول إذ ألف كتابا يريد أن يسميه «كتاب الاختلاف»: (سمه كتاب السعة).

ويقول عمر بن عبد العزيز «ما سرني باختلافهم حمر النعم».

الامامة

الإسلام دين ودولة. فالدولة تكفل لمبادئ الإسلام التطبيق، والانتشار، وانتفاع الجماعة والأفراد به. وبالدين عزة الفرد والجماعة، ورسوخ أركان الدولة. والدين للدولة روح للجسد وهو للفرد دم نقي يجري في عروقه أو هواء صحي يتنفسه. ولا حياة إلا بالدم والتنفس. وكان من أيات الإعجاز الإسلامي أن يبلغ المسلمون الذروة أفرادا أو دولا أو مجتمعات في عصر، أو في أشهر، بل في ساعات، بمجرد إخلاصهم في التمسك بالإسلام.

لقد بلغوا ما يدعو إليه الإسلام في «خلافة» أبي بكر وعمر، والسنين الستة الأولى من «خلافة» عثمان، وفي أقل من ثلاثين شهرا في «خلافة» عمر بن عبد العزيز. والخلافة الراشدة قيادة مسددة.

ولقد بلغ المحاربون مبالغهم، في يوم واحد، هو العاشر من رمضان سنة١٣٩٣ ، إذ كانوا يقتحمون حصون إسرائيل وهم يتنادون : الله أكبر: الله أكبر.

والإمامة - أو الخلافة - قد تكون خلافة عن النبي في تبليغ الأمور الدينية أو في الولاية السياسية أو فيهما جميعا. وهي عند الشيعة دينية وسياسية محصورة في أهل البيت. لكنها عند جمهور أهل السنة تجوز لأي قرشي عادل، يختاره المسلمون بشورى صحيحة، وبيعة عام.

ولا تبقى الخلافة إلا ما بقى الخليفة قائما بالعدل، فإذا انحرف لم تبق خلافة نبوية بل استحالت سلطة دنيوية أي ملكا.

٢٠٠