زاد عاشوراء 1431 هـ

زاد عاشوراء 1431 هـ0%

زاد عاشوراء 1431 هـ مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 156

  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11489 / تحميل: 3729
الحجم الحجم الحجم
زاد عاشوراء 1431 هـ

زاد عاشوراء 1431 هـ

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

سلسلة زاد عاشوراء

زاد عاشوراء

للمحاضر الحسيني

١٤٣١ه

١

الكتاب: زاد عاشوراء

نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

إعداد: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسين

الطبعة: تشرين٢, ٢٠٠٩م- ١٤٣٠ه

جميع حقوق الطبع محفوظة ©

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

السياسات العامّة للخطاب العاشورائي

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين سيّما بقيّة الله في الأرضين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك.

السادة الأفاضل محاضري وخطباء المنبر الحسينيّ دمتم موفّقين.

ما أحوجنا ونحن نستجلي مواقف كربلاء ونسبر أعماق أسرارها, ونضيء شعلاً من قبس أنوارها, نستهدي فيها نور الفتح والفوز, لتكون كربلاء مدرسة نابضة حيّة مستمرّة تلهم الأجيال في كلّ العصور درس الإيمان والثبات المنتصر على ظلامة العدوّ وجوره, لأنّ حركة الإمامعليه‌السلام حركة تكامل وصلاح, وتحمل ديموميّة حيّة مرتبطة بالتكامل والسعادة الإلهيّة.

ولا غرابة إذا قال في حقّه من لم يَفُه إلّا حقاً ولم ينطق إلّا وحياً "حسينٌ منّي وأنا من حسين", لتخلد في أفق الوجود حقيقة مشرقة أنّ الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء.

لقد أروى سيّد الشهداء شجرة الإسلام العطشى بدمائه الزكيّة، ووهبها حشاشة نفسه, ومنحها مُهجة قلبه, فأينعت وأثمرت لتكون أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء.

ولأنّ الإمامعليه‌السلام هو الجاذب للناس بدافع الفطرة وشكر المنعم, كان هذا الكتاب الماثل بين يديك أخي المبلّغ عوناً لك في الليالي العاشورائية, تعيد فارّاً هنا وترشد هارباّ هناك, وتهدي ضالّاً هنا وتزيل شاكّاً هناك, وتزيد إيمان رجل هنا وتصبّر امرأة هناك, وتشدّ إلى النور شاباً وترفع للدرجات فتاة... لنحقّق بعضاً مِنْ "...خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس" أو نبذة من "طلب الإصلاح في أمّة رسول الله".

ونطرح هنا بعض السياسات لهذا الخطاب العاشورائي التعبويّ المطلوب:

١- التأكيد على أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا الجانب في استنزال المدد والنّصر الإلهيّ ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.

٢- ربط الناس بالتّكليف الإلهي, على قاعدة كونه الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.

٣

٣- توجيه الناس نحو العمل للآخرة, لضمان استمرار الحياة بسعادة باقية. وإبراز دور الشهادة في تحقيق ذلك.

٤- غرس روح التضحية في أبناء الأمّة لكون معركة الحقّ ضدّ الباطل لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء الدليل الواضح على ذلك.

٥- الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة وترشيدها. وأنّ وحدة الولي والقائد هي الضمان لوحدة الأمّة وعزِّها.

٦- تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام أعدائهم.

٧- تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم في الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل والتطرّق إلى الممارسات الإرهابية التي يمارسها هؤلاء الطواغيت ضدّ مسلمي ومستضعفي العالم.

٨- بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.

٩- التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل ودورها في تحقيق النصر الإلهيّ.

١٠- إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى أهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة الشرائح المتنوّعة من المجتمع لنصرة الحقّ (شبّان، شيوخ، نساء، أطفال، طبقات اجتماعيّة متفاوتة).

١١- الإلفات إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته ضدّ الباطل.

١٢- تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان| وتبيان مسئوليّتهم في التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار التضحية بين يديه.

والحمد لله ربّ العالمين

معهد سيد الشهداءعليه‌السلام للمنبر الحسينيّ

٤

توجيهات الإمام الخميني قدس سره للمحاضرين والخطباء الحسينيّين‏

١- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتى آخر الخطبة, ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيتعليهم‌السلام

٢- ليهتمّ خطباء المنابر ويسعوا إلى دفع الناس نحو القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.

٣- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كلّ عصر ومصر.

توجيهات الإمام الخامنئي دام ظله للمحاضرين والخطباء الحسينيّين‏

أوّل شي‏ء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في المصيبة وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.

كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟

إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من يشعر بالمسؤوليّة في هذه القضيّة، وباعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:

١- تكريس محبّة أهل البيتعليهم‌السلام ومودّتهم في القلوب, لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم ووثيق.

٢- إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء, وتبيانها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة والنفسيّة والاجتماعيّة.

٣- تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ. والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخيّة ذات عبرة.

على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.

٥

خطاب الإمام الخميني قدس سره للمحاضرين والخطباء الحسينيّين‏

إنّ ما أودّ أن أعرضه على السادة الخطباء هنا هو أنّ قيمة العمل الذي يقومون به ومدى أهميّة مجالس العزاء لم تدرك إلّا قليلاً، ولربما لم تدرك بالمرّة, فالروايات التي تقول إنّ كلّ دمعة تذرف لمصاب الحسينعليه‌السلام لها من الثواب كذا وكذا، وتلك الروايات التي تؤكّد أنّ ثواب من بكى أو تباكى... لم تكن من باب أنّ سيّد المظلومينعليه‌السلام بحاجة إلى مثل هذا العمل، ولا لغرض أن ينالوا هم وسائر المسلمين هذا الأجر والثواب بالرغم من أنّه محرزٌ ولا شكّ فيه حتماً، ولكن لِمَ جُعِلَ هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء؟ ولماذا يجزي الله تبارك وتعالى من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب والجزاء العظيم؟.

إنّ ذلك يتّضح تدريجيّاً من ناحيته السياسيّة وسيُعرف أكثر فيما بعد إن شاء الله، إنّ هذا الثواب المخصّص للبكاء ومجالس العزاء، إنّما يُعطى- علاوة على الناحية العباديّة والمعنويّة- على الناحية السياسيّة، فهناك مغزى سياسيّ لهذه المجالس.

لقد قيلت هذه الروايات في وقت كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأمويّ, وأكثر منه بالحكم العباسيّ, وكانت فئة قليلة مستضعفة تواجه قوى كبرى.

لذا وبهدف بناء هذه الأقليّة وتحويلها إلى حركة متجانسة، اختطّوا لها طريقاً بنّاءً، وتمَّ ربطها بمنابع الوحي، وبيت النبوة وأئمّة الهدىعليهم‌السلام ، فراحوا يخبرونهم بعظمة هذه المجالس واستحقاق الدموع التي تذرف فيها الثواب الجزيل, ممّا جمع الشيعة- على الرغم من كونهم آنذاك أقليّة مستضعفة- في تجمّعات مذهبيّة ولربما لم يكن الكثير منهم يعرف حقيقة الأمر، ولكنّ الهدف كان بناء هيكل هذه الأقليّة في مقابل الأكثريّة.

وطوال التأريخ، كانت مجالس العزاء -هذه الوسائل التنظيميّة- منتشرة في أرجاء البلدان الإسلاميّة، وفي إيران التي صارت مهداً للإسلام والتشيّع, أخذت هذه المجالس تتحوّل إلى وسيلة لمواجهة الحكومات التي توالت على سدّة الحكم, ساعية لاستئصال الإسلام وقلعه من جذوره، والقضاء على العلماء، فهذه المجالس والمواكب هي التي تمكّنت من الوقوف بوجهها وإخافتها.

في المرّة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكيّ وجيء بي من قم إلى طهران, قال لي بعض رجال أمنهم الذين اصطحبوني في السيّارة: لقد جئنا لإلقاء القبض عليك والخشية تملؤنا من أن

٦

يطّلع على أمرنا أولئك الموجودون في تلك الخيم والتكايا بمدينة قم فنعجز حينذاك عن أداء مهمّتنا. وخوف هؤلاء ليس بشيء، لكنّ القوى الكبرى تخشى هذه المواكب والمآتم، القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم الذي لا يستند إلى يد واحدة تحركه، فالشعب يجتمع في هذه المجالس طواعيّةً، وتنعقد هذه المجالس في كلّ أنحاء البلاد، في بلد مترامي الأطراف في أيام عاشوراء وخلال شهري محرّم وصفر وفي شهر رمضان المبارك فهذه المواكب والمآتم هي التي تجمع الناس.

وإذا كان هناك موضوع يراد منه خدمة الإسلام, وإن أراد امرؤ أنّ يتحدّث عن قضية معيّنة, نرى أنّ ذلك يتسنّى له في كلّ أنحاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة, فينتشر الموضوع المراد تبليغه للناس مرّة واحدة في جميع أنحاء البلاد. واجتماع الناس تحت هذا اللواء الإلهيّ، هذا اللواء الحسينيّ، هو الذي يؤدّي إلى تعبئة الجماهير.

ولو أنّ القوى الكبرى عزمت على عقد مثل هذه التجمّعات الجماهيريّة الكبرى في البلدان التي تحكمها فإنّ ذلك يحتاج منها إلى أعمال ونشاطات وجهود كبرى تستغرق عدّة أيّام أو عشرات الأيّام فهي مضطّرة ولأجل عقد تجمّع جماهيريّ في مدينة من المدن يضمّ مثلاً مائة ألف أو خمسين ألفاً إلى إنفاق مبالغ طائلة وبذل جهود جبّارة، لجمع الناس وجعلهم يستمعون لحديث محدّثهم.

ولكنّكم ترون كيف أنّ هذه المجالس والمواكب التي ربطت الجماهير ببعضهم، هذه المآتم التي حركت الجماهير، يلتئم شملها من جميع الشرائح الاجتماعيّة المعزّية بمجرّد أن يحصل أمر يستدعي التجمّع، وليس في مدينة واحدة بل في كلّ أنحاء البلاد، ودون الحاجة إلى بذل جهودٍ كبرى أو إعلام واسع النطاق.

إنّ الناس يجتمعون على كلمة واحدة لمجرّد أنّهم يعتقدون أنّها خرجت من فم الحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام في الرواية الواردة عن أحد الأئمّة (ولعلّه الإمام الباقرعليه‌السلام لا أذكر تماماً)** يوصيعليه‌السلام أن يقام العزاء عليه ويرثى في منى بعد وفاته، ليس ذلك لأنّ الإمام الباقرعليه‌السلام بحاجة إلى ذلك، أو أنّ هناك منفعة شخصيّة ستعود عليهعليه‌السلام ولكن انظروا إلى الأثر السياسيّ لهذا الأمر، فعندما يأتي الناس من كلّ أنحاء العالم لأداء مراسم الحجّ، ويجلس من يندب الإمام الباقرعليه‌السلام ويقرأ المراثي بشأنه ويوضح جرائم مخالفيه ومن سقوه كأس الشهادة, فإنّ ذلك يخلق أمواجاً من الغضب في كلّ أنحاء العالم، لكن البعض يستهينون بأهميّة هذه المجالس.

____________________

** الكليني: الكافي ج ٥ ص ١١٧.

٧

قد يسمّينا المتغرّبون بـ (الشعب البكّاء) ولعلّ البعض منّا لا يتمكّن من قبول أنّ دمعة واحدة لها كلّ هذا الثواب العظيم، لا يمكن إدراك عظمة الثواب المترتّب على إقامة مجلس للعزاء، والجزاء المعدّ لقراءة الأدعية، والثواب المعدّ لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلاً.

إنّ المهمّ في الأمر هو البعد السياسيّ لهذه الأدعية وهذه الشعائر، المهم هو ذلك التوجّه إلى اللّه وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبّئ الشعب باتجاه هدف وغاية إسلاميّة فمجلس العزاء لا يهدف للبكاء على سيّد الشهداءعليه‌السلام والحصول على الأجر- وطبعاً فإنّ هذا حاصل وموجود- الأهمّ من ذلك هو البعد السياسيّ الذي خطّط له أئمّتناعليهم‌السلام في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية, وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبهدف واحد، ولا يمكن لأيّ شيء آخر أن يحقّق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيّد الشهداءعليه‌السلام

إنّ هذه المجالس التي تُذكر فيها مصائب سيّد المظلومينعليه‌السلام وتظهر مظلوميّة ذلك المؤمن الذي ضحّى بنفسه وبأولاده وأنصاره في سبيل اللّه، هي التي خرّجت أولئك الشبّان الذين يتحرّقون شوقاً للذهاب إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفخرون بها، وتراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها.

هذه المجالس هي التي خرّجت أمهات يفقدن أبناءهنّ ثم يقلن بأنّ لديهن غيرهم, وأنّهن مستعدّات للتضحية بهم أيضاً.

إنّها مجالس سيّد الشهداءعليه‌السلام ومجالس الأدعية من دعاء كميل وغيره، هي التي تصنع مثل هذه النماذج وتبنيها، وقد وضع الإسلام أساس ذلك منذ البداية وعلى هذه الركائز، وقدّر له أن يتقدّم ويشق طريقه وفق هذا المنهج.

ولو كان هؤلاء يعلمون حقيقة ويدركون أهميّة هذه المجالس والمواكب وقيمة هذا البكاء على الحسينعليه‌السلام والأجر المعدّ له عند اللّه لما سمّونا شعباً بكّاءً بل لقالوا عنّا شعب الملاحم.

لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجّادعليه‌السلام وكيف أنّ بإمكانها تعبئة الجماهير وتحريكهم وهوعليه‌السلام الفاقد لتوّه كلّ أهل بيته في كربلاء والذي عاش في ظل حكومة مستبدّة جائرة تفرض هيمنتها على كلّ شيء لما قالوا لنا ما جدوى هذه الأدعية, ولو أنّ مثقّفينا أدركوا الأبعاد السياسيّة والاجتماعيّة لهذه المجالس والأدعية والأذكار لما قالوا: لِمَ تفعلون كلّ هذه الأمور وتتمسّكون بها...

٨

ليعلم شعبنا قيمة وأهميّة هذه المجالس التي أبقت الشعوب حيّة، في أيّام عاشوراء بنسبة أكبر وفي سائر الأيّام بدرجة أقلّ وبهذا الشكل الذي نراه، ولو كان المبهورون بالغرب يعرفون البعد السياسيّ لها، ولو كانوا يدّعون -حقّاً- السعي لتحقيق مصالح الشعب والبلد لرغبوا هم فيها أيضاً ولبادروا إلى إقامتها.

إنّني آمل أن تقام هذه المجالس بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع, وإنّ للجميع بدءً من الخطباء وانتهاءً بقرّاء المراثي والقصائد دوراً وتأثيراً في ذلك، فإنّ ذلك الذي يقف أسفل المنبر ويقرأ بعض الرثاء، وذلك الذي يرتقي المنبر خطيباً، كلاهما له تأثيره ودوره الطبيعي وإن كان البعض لا يدركُ قيمة عمله، من حيث لا يشعر...

إنّ على السادة الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة أن يوضحوا هذه الأمور للناس أكثر من وضوحها لي، لا يظنّوا أنّنا مجرّد "شعب بكّاء" فإنّنا شعب تمكّن بواسطة هذا البكاء والعزاء من الإطاحة بنظام عمّر ألفين وخمسمائة عام(*) .

جمعية المعارف الاسلامية الثقافية

____________________

* من حديث للإمام الخمينيّقدس‌سره مع علماء ووعّاظ قم وطهران بتاريخ ٢١/٦/١٩٨٦

٩

١٠

الليلة الأولى

المحاضرة الأولى: فلسفة البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام

الهدف

الإضاءة على البعد الروحيّ والولائيّ لقضيّة البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام والتأكيد على مشروعيّتها وثوابها، وأنّها ليست تقليداً أو طقساً اعتباريّاً.

تصدير الموضوع

روي عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام أنّه قال: "ما من مؤمن ذَكَرَنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلّا بنى الله له بيتاً في الجنّة, وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين النّار"(١) .

____________________

١ - الغدير، الشيخ الأمينيّ، ج٢، ص ٢٠٢.

١١

مشروعيّة البكاء على الحسينعليه‌السلام

قال الإمام الرضاعليه‌السلام :"يا بن شبيب!.. إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون, ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قُتل، فهم عند قبره شعثٌ غبْرٌ إلى أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، وشعارهم: يا لثارات الحسين.

يا بن شبيب!.. لقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه: أنّه لما قُتل جدّي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر"(١) .

ثواب البكاء على الحسينعليه‌السلام

عن الإمام الرضاعليه‌السلام : "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"(٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: "كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين، فإنّها ضاحكة مستبشرة"(٣) .

عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام : "… وأيّما مؤمن دمعت

____________________

١ - موسوعة أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، الشيخ هادي النجفيّ، ج٢، ص٧٨.

٢- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص١٩١.

٣ - عوالم الإمام الحسينعليه‌السلام ، الشيخ البحرانيّ، ص٥٣٤.

١٢

عيناه دمعاً حتّى يسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنّة(١)

يا بن شبيب!.. إن بكيتَ على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك، غفر الله لك كلّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيرا"(٢) .

وعن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال: "كان أبي علي بن الحسينعليه‌السلام يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسينعليه‌السلام ومن معه حتّى تسيل على خدّيه بوّأه الله في الجنّة غرفاً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتّى يسيل على خدّيه لأذى مسّنا من عدّونا بوأه الله مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عنه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه ومن النّار".

كما ورد أيضاً الحثّ على التباكي، فروي أن أبا ذرّ حدّث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال:إذا استطاع أحدكم أن يبكي فليبكِ, ومن لم يستطع فليستشعر قلبه بالحزن وليتباك, فإنّ القلب القاسي بعيد عن الله.

فلسفة البكاء على الحسينعليه‌السلام

١- إظهار المحبّة والولاء: إنّ البكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام يعني أنّنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وعدوّ لمن عاداهم, فالحزن والبكاء عليه هو إعلان الولاء والانتماء

____________________

١- مدينة المعاجز، الشيخ البحرانيّ، ج٤، ص١٥٢.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ، ج٢، ص٢٦٨.

١٣

والبيعة له ولأهل البيتعليهم‌السلام

٢- الإجلال والتعظيم : إنّ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو تعظيم لقدره وتجليل لمقامه وتبيان لعظيم كرامته أمام جميع الناس، حيث ورد عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: ميّت لا بواكي عليه لا إعزاز له.

وبالتالي فإنّ بكاؤنا هنا هو إعطاء شخصيّة الحسينعليه‌السلام عظمتها ومكانتها في نفوسنا.

٣- تعليم مبادىء ثورة الحسين عليه‌السلام : فالبكاء يستهدف التفاعل القلبيّ والروحيّ مع المبادئ التي طرحها الإمام الحسينعليه‌السلام والانصهار بها، تلك المبادئ التي خلّدت الإسلام كالمطالبة بالحقّ المغصوب، والرفض القاطع للظلم، والتفاني والإيثار، والجهاد بكلّ غالٍ ونفيس، لذلك اعتبر البكاء على الحسينعليه‌السلام وسيلة لتربية النفس البشريّة.

٤- مواساة أهل بيت العصمة عليه‌السلام : إنّ البكاء وإقامة المآتم يعتبران لوناً من ألوان المواساة لأهل البيتعليهم‌السلام ، والشعائر الحسينيّة هي بمثابة تعزية للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذبح سبطه وولده الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وسبي عياله، وهذه المواساة نتوسّم منها نيل الأجر وعظيم المثوبة، فإنّ من صفات شيعتهم وأتباعهم أنّهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.

٥- إحياء وتزكية الثورة في النفوس: وللبكاء على الإمام

١٤

الحسين دلالات يعبّر الإمام الراحل قدس سره عن جانب منها بقوله: "البكاء على مصاب الإمام الحسينعليه‌السلام هو إحياء للثورة، وإحياء لفكرة وجوب وقوف الجمع القليل بوجه إمبراطوريّة كبيرة".

١٥

المحاضرة الثانية: الصراع بين الحقّ والباطل

الهدف

إنّ عمليّة الصراع بين الحقّ والباطل بدأت مع وجود الإنسان على الأرض، وعلى الإنسان أن يتخذ موقفاً إزاء عمليّة الصراع هذه ولا يجوز أن يكون حياديّاً.

تصدير الموضوع

قال تعالى:﴿ يَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ (١) .

وقال تعالى:﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ (٢) .

الحقّ ما ينفع الناس

قال الله تعالى:﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ

____________________

١ - الشورى ، ٢٤.

٢- الأنبياء ، ١٨.

١٦

الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ (١) .

الحقّ طريق الجنّة

عن الإمام عليّعليه‌السلام : الحقّ طريق الجنّة والباطل طريق النّار، وعلى كلّ طريق داع...(٢)

سبيل اجتناب الباطل ومعرفة أهل الحقّ

يعلّمنا أمير المؤمنينعليه‌السلام أن لا سبيل إلى الاتصال بالحقّ والباطل معاً، وأنّ الاتصال بأحدهما يعني الانفصال عن الآخر.

فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف ينفصل عن الباطل من لم يتصل بالحقّ(٣)

قال تعالى:﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٤) .

قول الإمام عليّعليه‌السلام لأحد المتحيّرين يوم معركة الجمل: اعرف الحقّ تعرف أهله, فإنّ الحقّ والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال(٥) .

العلاقة مع الحقّ والباطل

يوصينا أمير المؤمنينعليه‌السلام أن نعرف الحقّ وننصره ونعرف الباطل ونبطله.

____________________

١ - الرعد ، ١٧.

٢ - ميزان الحكمة، ج١، ص٢٦٨.

٣ - ميزان الحكمة، ج١، ص٢٦٨.

٤ - يونس ، ٣٢.

٥ - أنساب الأشراف، البلاذريّ، ص٢٧٤.

١٧

فعنهعليه‌السلام وهو يذمّ أصحابه: "لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ"(١) .

وعنهعليه‌السلام : فلأنقبنّ الباطل حتّى يخرج الحقّ من خاصرته(٢) .

وعنهعليه‌السلام : ما ترك الحقَّ عزيزٌ إلّا ذلّ، ولا أخذَ به ذليلٌ إلّا عزَّ(٣) .

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : إنّ من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك على الباطل وإن نفعك(٤) .

لبس الحقّ بالباطل

إنّ أشدّ الابتلاءات اليوم هو أن كلّ الأطروحات والأفكار الثقافيّة تقدّم للناس باسم الحقّ والدين، ولذلك كان لا بد من تنقية الحقّ وتشذيبه من شوائب الباطل، فقد كان الإمام عليّعليه‌السلام يقول: "ولو أنّ الحقّ خلص لم يكن اختلاف".

قال تعالى:﴿ وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (٥) .

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : كم من ضلالة زخرفت بآيةٍ من كتاب الله كما يزخرف الدرهم النحاس بالفضّة المموّهة(٦) .

____________________

١ - ميزان الحكمة، ج١، ص٢٦٨.

٢ -شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج٧، ص١١٦.

٣ - تحف العقول، الحّراني، ص٤٨٩.

٤ - الخصال، الشيخ الصدوق، ص٥٣.

٥ - البقرة ، ٤٢.

٦ - عيون الحكم والمواعظ، ص٣٨١.

١٨

قول الإمام عليّعليه‌السلام لأصحابه يوم صفّين عندما رفع أصحاب معاوية المصاحف على رؤوس الرماح: "ويحكم إنّها كلمة حقّ يراد بها باطل"(١) .

وما جرى في كربلاء من أعظم شواهد الصراع بين الحقّ والباطل، والذي يرفع فيه الإمام الحسينعليه‌السلام شعار نصرة الحقّ ومواجهة الباطل حتّى لو أدّى الأمر إلى الشهادة، بل تراه يرفع شعار الشهادة سبيلاً إلى نصرة الحقّ.

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، فليرغب المؤمن محقّاً في لقاء ربّه(٢) .

____________________

١ - شرح أصول الكافي، ج٦، ص٢٨٤.

٢ - عوالم الإمام الحسينعليه‌السلام ، الشيخ عبد الله البحرانيّ، ص٢٢٢.

١٩

المحاضرة الثالثة: تحمّل المسؤوليّة

الهدف

توعية الناس على تحمّل مسؤوليّاتهم وواجباتهم الفرديّة والعامّة ورفض اللامبالاة والحياديّة السلبيّة.

تصدير الموضوع

قال تعالى:﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُول - ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً (١) .

النهي عن عدم تحمّل المسؤوليّة

يرّبي الإسلام الإنسان على ضرورة تحمّله للمسؤوليّة في

____________________

١ - الإسراء ، ٣٦.

٢٠