زبدة التفاسير الجزء ٤

زبدة التفاسير12%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-06-X
الصفحات: 609

  • البداية
  • السابق
  • 609 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15830 / تحميل: 4532
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: ٩٦٤-٧٧٧٧-٠٦-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

من نتائج التطبيق:

إيجابيّات

استنساخ أعداد كبيرة من العباقرة والموهوبين وراثيّاً.

سلبيات:

١ - فتح باب الإنجاب بلا زواج.

٢ - ليست المواهب ولا الفضائل نتيجة الوراثة فحسب.

٣ - احتمال الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثيّاً، فالمعروف أنّ التغاير والتشاكل في الوراثة من أسباب حماية الجنس البشري وارتقائه(١) .

ويقول طبيب آخر في هذا الموضوع:

أمّا موضوع التكاثر اللاّتزاوجي الذي أُطلق عليه( الاستنساخ ) فأُحب أنْ أضع فيه بعض النقاط على الحروف، فطريقة الاستنساخ ليست وسيلة تكاثر، أعني ليس أنّ شخصاً أنتج شخصاً آخر بوسيلة لا تزاوجيّة، أي بغير تزاوج، ولكنّ المهمّ هنا أنّ هذا الوليد تكون فيه جميع الخصائص الوراثيّة لهذا الكائن، وهذا لا يحدث إطلاقاً في أيّ تكاثر بطريقة التزاوج ؛ لأنّ كلّ مولود نصفه من الأُمّ ونصفه من الأب، أمّا هذا المولود فكلّه من الأب، أو كلّه من الأُمّ، إذا حصل يجب أن يكون كلّه من الأب ؛ لأجل أن يرث جميع الخصائص الممتازة.

___________________

(١) ص١٣١ وص١٣٢، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٢١

هذا الخيال صار حقيقةً مؤكّدةً، وأنتج ٢٠ ضفدعةً واحدة في عمليّة واحدة، فكلّها معبَّر عنها بأنّها توائم الأب ؛ لأنّها نسخة طبق الأصل من هذا الأب ولكنّها أصغر منه سنّاً ؛ لأنّها اُنتجت بعد عشرين سنة أو أربعين سنة، ولكنّها صورة دقيقة للغاية، كأنّها التوأم المتشابه(١) .

وعرّف الاستنساخ أو النسخ طبيب ثالث بقوله: إنّه يريد به المختصّون محاولة تقديم كائن، أو خليّة، أو جزيء يمكنه التكاثر عن غير طريق التلقيح ومن غير نقص أو إضافة للمحتوى الوراثي(٢) .

أقول في المقام مطالب:

١ - إذا حصل العلم من مذاق الشرع(٣) بعدم رضاه بتحقّق إنسان من رجل وامرأة بهذا النحو(٤) لا نكاح بينهما حتّى إذا لم يستلزم الزنا وحراماً آخر فيقيّد جواز العمليّة من الوجهة الدينيّة بأخذ الخليّتين المذكورتين من الزوجين فإنّها إنجاب بلا جماع لا بلا طرفين كما لا يخفى، وإلاّ فلا.

٢ - الظاهر جواز العمليّة المذكورة خارج الرحم لأصالة البراءة، نعم في صحّة نسبه إلى رجل أُخذت الخليّة من جسده، وإلى امرأة صاحبة البويضة غير واضح ؛ فإنّه لم يخلق من مائه:( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) (٥) ، وأمّا صاحبة البويضة فإنّها غير حامل وغير والدة ،

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٥٥ نفس المصدر.

(٣) هذا ما يُسمّى بالدليل اللُبّي في مقابل الدليل اللّفظي، والدليل اللّفظي غير متوفّر بنظري في المقام.

(٤) أي من منيّ امرأة وخليّة جسديّة من رجل.

(٥) الطارق آية ٦.

١٢٢

( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) ، فلاحظ.

وعلى كلٍّ، لا مانع من فرض إنسان أُمّ له شرعاً ( أو لا والد له ) فلا تحرم العمليّة المذكورة مادامت إرادة هذا المولود حرّةً، واختياره غير مسلوب فلاحظ، ومادامت الصفات المورثة ممّا لم تكن مبغوضة للشرع.

٣ - إذا ثبت في علم الطب - ولمّا يثبت لعدم وقوع الفرض حتّى تناله التجربة - أنّ الكوارث المرضيّة الجامعة في هؤلاء المتشابهين وراثياً ذات مخاطر فتحرم العمليّة لأجلها، فكما يحرم الإضرار بالغير الموجود يحرم التوسط في إيجاد موجود محفوف بالضرر والنقص.

٤ - لا سلبيّات للعمليّة سوى احتمال تلك الكوارث، تعتمد عليها في منع العمليّة شرعاً، وما قيل، من سلبيات أُخر، ضعيف أيضاً(٢) .

٥ - إذا حملته صاحبة البويضة وولدته فإنّها أُمّه جزماً، وإنْ شككنا أو نفينا نسبه عن الرجل، فإنّ مريم أمّ عيسىعليها‌السلام بلا شكّ، ولا والد لهعليه‌السلام .

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

(٢) الإنجاب في ضوء الإسلام ص١٥٦.

١٢٣

المسألة الخامسة عشرة

المستقبل البيوتكنولوجي للإنسان ومعطيات النظام الاجتماعي

توصّل علماء الطبّ والبيولوجيا والكيمياء إلى اكتشاف بعض خبايا ميكانيكيّة الخليّة الحيّة، وصاغوا بعض القوانين العلميّة التي تحكم الشِّفْرة الوراثيّة للخليّة، ثمّ شرعوا بعد ذلك، في هندسة المستقبل الوراثيّة للأنواع الحيّة، إمّا عن طريق تجزئة الخلايا( الهندسة الوراثيّة ) وإمّا عن طريق اتّحاد الخلايا( الهندسة المشيجيّة ) .

واستعمل العلماء هذه الطرق، في التحكّم في التكوين الخلقي للخليّة، وفي تطويرها، فهناك ما يُسمّى بالتكاثر بالخلايا الجسديّة، حيث يراود العلماء الأمل، في تحويل الخليّة الجسديّة إلى خليّة جنينيّة يمكن لها أن تتكاثر، مثلها في ذلك مثل أصلها وهو البويضة الملقّحة، وذلك بعد تخليصها من القفل الكيميائي الذي يمنعها من محاكاة أصلها.

ومن بين الاستخدامات المتصوَّرة لتكنيك التكاثر بالخلايا الجسديّة بعث الذات البيولوجية للإنسان، وقوام هذا الاستخدام، هو نسخ نسخة طبق الأصل من الإنسان الذي أُخذت من جسده الخليّة الجسديّة. ويقال: إنّه من الممكن تحقيق نفس الغرض حتّى إذا أُخذت الخليّة من جثّة الإنسان، مادام أنّ هذه الخليّة ذاتها لم تمت. وبذلك يمكن ضمان بقاء العباقرة على قيد الحياة لتستفيد البشريّة من علمهم.

ولا بأس من أن أذكر تطبيقاً آخر للإمكانيّات البيولوجية الحديثة التي

١٢٤

ترتّب عليها كسر الحدود الفاصلة بين الأنواع المختلفة للكائنات.

فمما تفتّقت عنه قريحة العلماء: فكرة خلط خلايا بشريّة بخلايا نباتيّة أو حيوانيّة، لنصل بذلك إلى الإنسان الخضري ( الكلورفيلي ) أو الإنسان المجتر. ويستهدف العلماء من أبحاثهم هذه إنتاج سلالة بشريّة جديدة، يدخل في تكوينها بعض الصفات النباتيّة أو الحيوانيّة المرغوبة، كجعل الإنسان ذاتي التغذية، يعتمد على ذاته في غذائه كالنبات ( التمثيل الضوئي ).

ويفكّر العلماء - أيضاً - في إنتاج طراز جديد من الجنس البشري، عن طريق استخدام طريقة التكاثر الجسدي في تنمية الخلايا المختلطة، وبعد التأكّد من نجاح إنتاج هذا الطراز الجديد، فيمكن تعميمه بالطريق الطبيعي أي التكاثر الجنسي.

ولم يقف التلاعب بالحياة على المستوى العضوي، بل إنّ الفكر العلمي الحديث يتّجه إلى ابتداع طرق التحكّم في إرادة الإنسان بأجهزة الكترونية، وهذا هو الإنسان الالكتروني، الذي يمكنه إشباع رغباته وحاجاته عن طريق أزرار مركّبة على جسده.

ورغم ما يُقال عن تكنولوجيا التكاثر من أنّها ما زالت في طور الخيال، وأنّها لا تعدو أن تكون حاليّاً مجرّد أضغاث أحلام، إلاّ أنّ استخدامها الناجح على مستوى الحيوان والنبات، شجّع العلماء على التفكير في تطبيق قوانينها العلميّة على الجنس البشري، وما زراعة الأجنّة، أو طفل الأُنبوب، إلاّ تجسيد حيّ لطموح الإنسان في التحكّم في خلقته وصفاته، ولعلّ جهود العلماء في هذا المضمار، تجسّد رغبة الإنسان في التوصّل إلى إكسير الحياة ؛ ليكرّس بذلك خلوده وانتصاره على الموت، الذي هو مع ذلك سنّة الله في خلقه، ونذكر هنا أنّ أحد المليونيرات الأجانب طلب إنتاج نسخة من ذاته

١٢٥

وأبدى استعداده لتمويل أبحاث التكاثر الجسدي. ومثل هذا التفكير يحمل في طيّاته معاني كثيرة يفهمها كلّ لبيب(١) .

وقال بعضٌ آخر من الأطبّاء: موضوع الهندسة الوراثيّة في غاية الأهمّيّة، لسبب أنْ تقرّر أنّ كلّ القرارات الإلهيّة الموجودة داخل الخليّة يبدأ البحث فيها بمنتهى الدقّة، وهي تمثّل ٣٠٠ مليون جزئيّة. العالم بدأ في دراستها علميّاً واعتمد لها ١٥ مليار دولار، فتولّت ثلاث دول هذه العمليّة: أمريكا واليابان وألمانيا الغربيّة.

ومن المنتظر أنْ يتمّ الكشف عن هذه الجينوم، أو هذه الوثيقة بعد ١٥ عاماً...(٢) .

وقيل: إنّ بداية الإنسان ما هو إلاّ خليّة واحدة فيها نواة، إذا درسنا هذه النواة نجد أنّ فيها الحقيبة الوراثية، عبارة عن ٤٦ صبغ موجودين بين ٢٣ من الأب و٢٣ من الأُمّ، هذه الصبغيّات تحمل مورِّثات، هذه المورِّثات سواءٌ كانت تتحكّم في الصفات الطبيعيّة، أم الصفات المرضيّة، عددها كبير جدّاً يُقدّر بحوالي ٢ مليون مورِّث لغاية الآن، نحن الآن لم نعرف تقريباً أكثر من (٤٣٤٠) مورِّث بعضها يقيني وبعضها ليس بيقيني... ربّما يكون الأب سليماً من مرض، ثمّ يُبتلى ابنه به لوجود الصفات الوراثيّة في نواة الخليّة، انتهى كلامه بتغيير(٣) .

أقول : هذا البحث - من ناحيةٍ علميّةٍ - طويل عريض عميق جداً، ويُقال: إنّ العلم قادر على إيجاد لونٍ خاصٍّ لشعر المولود، وكيفيّة وجهه إلى

___________________

(١) الإنجاب في ضوء الإسلام ص ١٣٨ وما بعدها.

(٢) ص ٦٣٦ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٣) ص ٤٩١ وص ٤٩٢ نفس المصدر، ولم أفهم وجه التفاوت بين الرقمين ( ٣٠٠ مليون ) و ( حوالي مليونين ).

١٢٦

غير ذلك من الإنجازات المحيِّرة للعقول العامّيّة، وتحقيق هذه المسائل وأحكامها الفقهيّة ربّما يحتاج إلى تأليفٍ مستقلٍّ، وكلّ ميسّر لما خلق لأجله.

وحيث لا سبيل لي إلى جزئيّات هذه المسألة وإلى عشرين أعشارها ؛ نقتصر على ذكر بعض الأحكام الشرعيّة، حسب ما أدّى إليه نظري، والله العاصم والهادي:

التغيير في جنين الإنسان أو نطفته ربّما يكون على نحو نعلم بعدم رضا هذا الإنسان بعد ولادته وإدراكه وبلوغه بل يتنفّر منه ويتأذّى، بل يكون له ضرريّاً، وهذا غير مباح حتّى إذا طلبه الزوجان، إذ لا ولاية لهما على أولادهما بهذه السعة والإطلاق، وقد لا نعلم بذلك أو نعلم رضاه به، وهو على أقسام:

القسم الأوّل: إن التغيير قد ينجرّ إلى ما يستلزم إفراطه في الشهوة الجنسيّة، أكثر ممّا هو عليه الآن، أو تمايله الشديد في القتل والتعدّي.

وبالجملة: يصل الإنسان بوسيلة العمليّة الطبّيّة والبيولوجية والكيمياوية إلى حدٍّ تقوى غرائزه الحيوانيّة، بحيث تضعف به قواه العقلانية، ويختلّ به النظام الاجتماعي، والسلوك الأخلاقي، والاقتضاء الروحاني، وهذا حرام غير جائز بلا شبهة، ومخالف لهدف خِلقة الإنسان، وقد لا يستلزم ذلك بل إلى حدٍّ ما من الشرور، وفي جوازه نظر وبحث.

القسم الثاني: قد ينجرّ إلى ما يرغِّبه في الطاعات والخيرات، بحيث يسلب إرادته للشرور والمعاصي، والظاهر عدم جوازه ؛ لأنّ الطاعة المقبولة المطلوبة من الإنسان ما صدر عنه باختياره:( وَ لَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ

١٢٧

أَجْمَعِينَ‌ ) (١) .

ومنه يظهر حرمة ما يرغبه في المعاصي بحيث يسلب عنه إرادة الصالحات، بطريق أولى.

القسم الثالث: وقد يرغِّبه الى الأفعال الصالحة والأخلاق الحميدة من غير سلب اختياره، وعندي أنّه جائزٌ بل حسن، يظهر وجهه ممّا ورد في حق الأُمّ المرضِعة وغير ذلك.

القسم الرابع: وقد ينجرّ إلى سلب إرادة الإنسان وجعله تابعاً في أفعاله - سواء كانت مباحة أو غير مباحة - إلى إرادة الغير، صالحاً كان أو شريراً، فهذا - أيضاً - غير جائز، فإنّه مضادٌّ لغرض الخِلقة، فإنّ الله سبحانه خلق الإنسان للتكامل الحاصل من العبوديّة، وإطاعة الربّ في جميع شئون الحياة، وهذا التكامل لا يحصل إلاّ بكونه مريداً مختاراً لا مجبوراً مضطرّاً.

القسم الخامس: وقد ينجرّ إلى تغييرات جسمانيّة بداع التجمّل والتحسّن، وهذا لا بأس به في حدّ نفسه، حتّى إذا سبّب طول قامته أو قصرها أو هزاله أو سمنه، فضلاً عن بياض وجهه، وشباهة عينه بعين الظبي، واصفرار لون شعره ونحو ذلك.

وقد تقدّم حكم بعض مانقلناه في أوّل الكلام هنا في المسائل المتقدّمة، والله الموفِّق.

___________________

(١) النحل آية ٩.

١٢٨

المسألة السادسة عشرة

التحكّم في معطيات الوراثة

عرّفت الوراثة بانتقال الصفات من الأُصول إلى الفروع، أو من السَّلف إلى الخَلَف، وهي تشمل إلى جانب الخصائص، الأمراض القابلة للتوريث(١) .

قيل: إنّ الصور المطروحة على بساط البحث لا تعدو ثلاثة أنواع، هي:

١ - النسخ ( الاستنساخ )، وهو الحصول على نسخ من الكائن دون التزاوج.

٢ - المزج بين صفات وخصائص معيّنة في المخلوق بالتصرّف في مورِّثاته.

٣ - استصفاء جنس معيّن باستبقاء عنصره في الطّور الأوّل للجنين(٢) .

أقول : أمّا الأوّل، فقد مرّ توضيحه وحكمه.

وأمّا الثاني، فقد سمّاه بعض الأطبّاء بالاستبدال، وهو كما عرّفه المختصّون: التمويل على ما للحامض النووي ( النوويك ) من خصائص ولاسيّما خاصّة الالتحام عند قصّه بحيث يمكن التحكّم في إبدال المورِّثات من خلال عمليّات معقّدة يعود تحقّق نتائجها إلى تلك الخصائص في الحامض المذكور.

___________________

(١) ص ١٤٩ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص ١٥١ نفس المصدر.

١٢٩

فإن اتّجه هذا التصرّف إلى العلاج من علّة، سواءٌ كانت مرضاً وراثيّاً قائماً بالجسم، أم انحرافاً في الطبيعة الأصليّة، أم تقاصراً عن القدر المألوف فيها ؛ فإنّه ممّا يندرج في التصرّفات المشروعة شرعاً، وإمّا إن اتّجه إلى سلب الإرادة حتّى في جانب الخير، أو إلى الانحراف بالسجايا إلى الميول الشرّيرة، فلا يجوز، كما لا يجوز كلّ ما يُؤثر على الفطرة الأصليّة، سواء كان بأسباب مادّيّة منضبطة: كالإسكار والتخدير، والإكراه الملجئ أو بأسباب أُخرى خاصّة، كالذي يتعاطاه السحرة النافثون في العُقَد، أو الحسدة هواة الإصابة بالعين، أو المرجفون، وما إلى ذلك من المؤثِّرات المعنويّة، أو النفسيّة السلبيّة أو المفسدة.

فلا يقلّ عن هذه التصرّفات في الخطورة، ما يصل إليه الإنسان من نتائج بالوسائل المادّيّة المختبريّة والإجراءات الطبيّة، فكلّ مِن هذا وذاك استجابة لأمر الشيطان، ومطاوعة لنزغاته بالقيام بالتصرّف المُعْتَبر سبباً تنشأ عنه مسبِّبات منسجمة مع ذلك التغيير، فإنّ الله ربط الأسباب بالمسبِّبات، والحكم كما يتعلّق بالمباشر، يتعلّق بالتسبّب إذا ما توفّرت صلته السببيّة كما ذكره بعضهم(١) ولا يخلو عن متانةٍ وصحّةٍ.

وأمّا الثالث، وهو التحكّم في جنس الجنين بعد تشخيصه(٢) فهو - أيضاً - في حدّ نفسه جائز، وقد مرّ تفصيله.

___________________

(١) ص١٥٨ نفس المصدر.

(٢) وفسّر الاستصفاء بعضهم بالاصطفاء لأحد الجنسين على الآخر.

١٣٠

المسألة السابعة عشرة

حكم البييضات الفائضة

تبقى من البييضات المخصبة في أُنبوبة المختبر، إذ يمكن تلقيح عشرين بويضة ولا يحتاج إلاّ إلى اثنين أو ثلاثة، فما هو حكم البقيّة الفائضة ؟

الأسئلة الشرعيّة المتعلِّقة بالمقام أُمور:

١ - هل يجوز إهدارها والإزهاق بها أو يحرم ؟

٢ - هل تجب الديّة بإهدارها ؟

٣ - هل يُعزل لها من الإرث سهمها ؟

٤ - ما هو الحكم بالنسبة إلى عدّة صاحبتها ؟

٥ - هل يُعطّل الحدّ الشرعي بالنسبة إلى صاحبتها ؟

٦ - مَن يملك التصرّف فيها ؟

٧ - هل يجوز نقلها في رحم صاحبتها بعد وفاة زوجها، أو بعد طلاقها ؟

وإليك أجوبة هذه الأسئلة مستعيناً بالله تعالى:

أمّا السؤال الأوّل فجوابه: أنّه لا مصرف للبييضات الفائضة إلاّ رحم صاحبتها أيّام حياة زوجها، فإن أمكن وجب إبقائها على الأحوط، حتّى تُنقل إليها، وإن لم يمكن - ولو بانصراف صاحبتها عنها - فلا بُدّ من إتلافها ؛ حذراً من استعمالها على نحو الحرام شرعاً.

نعم، إذا كانت البييضات في الأُنبوبة في مسير حياتها الإنسانيّة، وأمكن ذلك طبّيّاً، ولم يستلزم المؤنات الكثيرة ؛ فالأحوط لزوماً إبقاءها، بل إذا تعلّق

١٣١

بها الروح وجب حفظها، مهما أمكن ؛ فإنّها نفسٌ محترمةٌ يحرم إتلافها، بلا فرق بين كونها في رحم، أو في أُنبوبة، أو في محلٍّ آخر.

وجواب السؤال الثاني: أنّه إذا وجب إهدارها لا ديّة لها، وإذا تعلّق بها الروح، وأمكن حفظها، وجبت الديّة جزماً على مَن أتلفها، وإذا لم تتعلّق بها الروح، وكان في مسيرها إلى الحياة الإنسانيّة فالأحوط لزوماً وجوب الديّة بالشرطين المذكورين، ( أيّ إمكان حياتها إلى ولادتها في الأُنبوبة طبّاً، ووجود مَن يقوم بمؤنتها ).

وعلى كلٍّ، الأحوط للطبيب أنْ لا يخصب البيضات أكثر من حاجة صاحبتها.

وجواب الثالث: أنّها إذا تعلّق بها الروح، وخرجت من الأُنبوبة إنسانا حيّاً يرث أباه، وقد مرّ الإشكال في نسبه إلى صاحبة البويضة، فإنّ الحكم بأُمومتها مع قوله تعالى:( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) مشكل، وإذا علموا بعدم خروجها حيّةً فلا يعزل له سهم، وأمّا إذا شكّ فالأحوط عزل السهم له، وكذا إذا علم بخروجه حيّاً من الأُنبوبة.

ويمكن أن يُقال بعدم وجوب عزل سهمٍ له، لأنّ موضوعه الحمل، ولا يصدق على ما في الأُنبوبة حمل بوجه، فإذا خرج حيّاً وقد قسّم الورثة الإرث بينهم، عليهم أن يردّ كلُّ واحدٍ من سهمهم ما يبلغ حقّ الحيّ المذكور.

وأمّا جواب الرابع: فهو منفيٌّ جزماً، فإنّ وجود البييضة في الأُنبوبة لا تجعلها حاملاً، وهذا واضح.

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

١٣٢

وجواب الخامس: أنّه لا يُعطّل الحدّ عليها، نعم إذا فرضنا الجنين في معرض الخروج عن الأُنبوبة حيّاً، ولا توجد له حاضنة ومربّية سواها، ففي جريان الحدّ عليها تردّد، وتحقيقه في محلّه.

وجواب السادس: أنْ حق الأولويّة لصاحب الحيوان المنوي وصاحبة البويضة، وإذا مات أحدهما سقط حقّ الاستفادة عن البويضة المخصَّبة نهائيّاً كما ظهر ممّا سبق.

وأمّا جواب الأخير فقد اتّضح ممّا سبق، وأنّ النقل المذكور غير جائز.

بقي في المسألة أُمورٌ ينبغي ذكرها:

١ - إذا أُخصبت البييضة بحيوانٍ منويٍّ من غير الزوج، ثمّ تزوّج بصاحبتها، فهل يجوز نقلها إلى رحمها بعد الزواج ؟ فيه وجهان: أقربهما الجواز لعدم المانع، وهذا غير مَن حملت من أجنبي ثمّ زُوّجته، فإنّ الولد ولد زنا، ولا يرث من الرجل، ولا يخرج الولد بالعقد اللاحق عمّا انعقد عليه من الزنا بلا شبهة. نعم هو ولده لغةً وطبّاً، ولكنّه ليس بولده بحيث يرث منه ويورِث، كما مرّ.

٢ - إنّ زراعة خلايا بشريّة جنينيّة من خلال ثقب صغير بالجمجمة بمقدار ستّة مليمترات مكعّبة، بالأُسلوب الجراحي المجسّم، قد تمّت في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس ١٩٨٩(١) ، فإذا أمكنت زراعة البييضات الفائضة في ذلك فلا بأس به شرعاً، كما أنّ زراعة خلايا بشريّة من جنينٍ ساقطٍ - أيضاً - لا مانع منه، لكنّ جواز الأوّل في فرض كون البييضات الفائضة

___________________

(١) ص٦٥ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

١٣٣

من صاحبة الجنين لا غير، كما عرفت سابقاً، نعم الخلايا غير المنويّة من أحد لا بأس بزراعتها في بدن جنينٍ آخر.

٣ - قيل: يمكن الاحتفاظ باللقيحة الى خمسين سنة، يعني حتّى إلى ما بعد المعدّل الأقصى لعمر الأبوين، إذ المعتاد أنْ لا يباشر الأطبّاء عملية التلقيح المُجرى إلاّ ما بعد الثلاثين سنة من عمر الأبوين(١) .

٤ - قيل: إنّه يمكن استخراج خمسين بويضة من امرأةٍ واحدةٍ، وإنّ أحد مراكز أطفال الأنابيب كان لديه ١٢٠٨ جنيناً فائضاً، أُودعت الثلاّجات وجمدت من ٤٣٢ امرأة أُجريت لهنّ عمليّة طفل الأُنبوب(٢) .

أقول : للحكومة منع إنشاء الأجنّة الفائضة عن مقدار الحاجة بتاتاً ؛ سدّاً لذرائع الفساد والحرام، لأجل حصول الثروة - كما منعت ألمانيا الغربية على ما نُقل - بل الأحسن منع استخراج البييضات الفائضة عن حاجة الزوجين مطلقاً.

___________________

(١) ص١١١ وص١١٢ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٤ نفس المصدر.

١٣٤

المسألة الثامنة عشرة

في دفع الموت في الجملة

من الممكن قدرة الطبّ - في مستقبلٍ قريبٍ أو بعيدٍ - على حفظ الصحّة العامّة للبدن وحفظ خلاياه عن الفتور والفساد، فلا يُستبدل الشباب بالهرم والشيخوخة، فيدفع الموت ويطيل عمر الإنسان، بل تأثير الطبّ في دفع الأمراض المُهْلِكة، وتكثير النسل الإنساني، وطول العمر في الجملة، واقعٌ بالفعل ومن زمنٍ ولا مجال لإنكاره.

وقد يُتوهم حرمة دفع الموت شرعاً لجريان سنّة الله، على أنّ كلّ نفس ذائقة الموت، قال الله سبحانه وتعالى:

( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ... ) (١) ، وقال تعالى:( وَ اللَّهُ خَلَقَکُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاکُمْ ) (٢) ، وقال سبحانه:( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيکُمْ ) (٣) .

أقول : إنْ أراد هذا القائل أنّ الله تعالى أراد موت كلِّ إنسانٍ حين أجله، استناداً إلى هذه الآيات وأمثالها، فلا يجوز دفعه ؛ لأنّه تعجيز له تعالى ! فهو هذيان، والقائل به جاهل بالله وقدرته، وربّما لا يكون مؤمناً، قال الله تعالى:

( وَ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) (٤) ، وقال تعالى:( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) ، وقال سبحانه:( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي

___________________

(١) النساء آية ٧٨.

(٢) النحل آية ٧٠.

(٣) الجمعة آية ٨.

(٤) البقرة آية ١١٧.

١٣٥

السموات ولا في الأرض ) (١) وقال تعالى:( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ) (٢) .

وبالجملة: بطلان هذا التخيّل على ضوء العقل والدين غير خفي، وقد ثبت في محلّه أنّ الكائنات تفتقر إليه تعالى في وجودها وصفاتها وأفعالها، حدوثاً وبقاءً.

على أنّ تأثير الأسباب في المسبَّبات، ووصول الإنسان الساعي إلى الأسباب - أيضاً - من سنّة الله ومشيئته، وقال سبحانه:( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ ) (٣) ، وقال سبحانه:

( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطَانٍ ) (٤) .

وهل علم الإنسان وقدرته إلاّ قطرة مفاضة من علمه وقدرته اللذين لا يت-ناهيان.

ولبّ الكلام: أنّ البحث في إرادته التشريعيّة التي هي بمعنى طلبه تعالى شيئاً أو تركاً من المكلَّف، من طريق إرادته واختياره، فقد يمتثله المكلَّف وقد يعصيه. لا في إرادته التكوينيّة التي يستحيل تخلّف المراد عنها، بناءً على وحدة واجب الوجود واستحالة الشرك. وهذا، فليكن ببال القرّاء في جميع مطالب هذا الكتاب وغيره.

وإن أراد القائل المذكور أنّ دفع الموت حرام على المكلَّفين، فهذا شيءٌ ممكنٌ عقلاً، لكنّه باطلٌ ؛ لعدم دليل في الكتاب والسنّة يدلّ على

___________________

(١) فاطر آية ٤٤.

(٢) الأنفال آية ٥٩.

(٣) البقرة آية ٢٥٥.

(٤) الرحمن آية ٣٣.

١٣٦

حرمته، بل لا شكّ في جواز المواظبة على أساس التوصيات الطبّيّة على صحّة البدن، وطول العمر، ولزوم العلاج على المريض بكلّ الوسائل الممكنة، كما سبق.

وإنْ أراد أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر بانّ كلّ إنسانٍ يموت، وهذا يكشف عن عدم إمكان دفع الموت، فكلّ محاولةٍ له تصبح فاشلةً لا محالة، فتحرم لكونها عبثاً وإسرافاً للمال، فممنوع أيضاً ؛ لأنّ الطبّ لا يدّعي - ولا يصحّ له أن يدّعي - دفع الموت عن الإنسان بنحوٍ مطلق، وأنّه لا يموت أصلاً، ضرورة أنّ للموت أسباباً، غير صحّة البدن ونشاط الخلايا، كالغرق والحرق والقتل وافتراس مفترس وغير ذلك، والله سبحانه قادر على إماتة الإنسان بكلّ هذه الأسباب.

والطبُ إنّما يدّعي دفع الموت عن طريقٍ واحدٍ وسببٍ فاردٍ، فلا تناقض بين الأخبار عن موت كلّ أحدٍ، وقدرة الطبّ على دفع الموت عن بعض الأفراد، وهي من قدرة الله وتقديره.

وفي الدِّين ما يؤيّد إمكان الطبّ على دفع الموت وتطويل العمر: بحفظ الخلايا، ودفع الأمراض، من بقاء عيسى بن مريمعليه‌السلام على أظهر الأقوال، بل وببقاء الخضرعليه‌السلام كما اشتهر، وببقاء وليّ العصر، وناموس الدهر، المهدي الموعود المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه - على عقيدتنا الشيعيّة الإماميّة.

فإن قيل: إنّ القرآن يقول بأنّ لكلّ أُمّةٍ أجلٌ لا يستقدمون منه ساعة ولا يستأخرون(١) ، فأيّ أثر للطّب ؟

يُقال له: لا شكّ في صدق القرآن في

___________________

(١) الأعراف آية ٣٤، ويونس آية ٤٩.

١٣٧

إخباره، لكن من أين علمت أنّ أجل مَن ينتفع بالطبّ، ويستفيد من العلم الحديث ثمانون سنةً فقط لا ألف ومئة وثمانون سنة، أو أنّه مليون سنة.

والواقع أنّ كثيراً من مدّعي العلم، الذين ليسوا من الراسخين في المعارف الإسلاميّة، وجميع الملحدين المادّيّين، يتخيّلون إرادة الله تعالى وأفعاله في عرض الأسباب الطبيعيّة، فتحيّروا ضلالةً وجهالةً، بل ألحد المادّيّون بأنّ الأسباب المادّيّة تُغني عن الخالق المدبِّر المريد، ولو علموا أنّ إرادة الله وأفعاله في طول الأسباب المادّيّة، وأنّ الموجودات محتاجة إلى إفاضته تعالى في جميع شؤنها حدوثاً وبقاءً ؛ لم يضلّوا ولن يلحدوا، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنّ هدانا الله.

نعم أجل كلّ إنسانٍ يُحدّد في ضمن الأسباب المادّيّة لا خارجها، وفهم ذلك ينفعك في مقامات كثيرة بإذن الله المنّان دائم الفضل.

وفي الأخير تخيّل متخيّل: أنّ دفع الموت يهدم تشريع الميراث الذي اهتمّ به الشارع، وهو خبط عشواء، فإنّ أحكام الإرث تترتّب على الموت وإنّما اهتمّ بها الشارع في فرض الموت، فإذا زال الموضوع أو تأخّر زالت الأحكام أو تأخّرت بتبعه، كما أنّ الأحكام المتعلّقة بالسفر والمسافر، من قصر الصلاة وإفطار صوم رمضان تزول بزواله.

وبالجملة: الأحكام لا توجب حفظ الموضوع بل تترتّب إذا تحقّق، وليكن هذا واضحاً.

ولنا أنْ نقول على سبيل النقض والجدل: إنّ الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ومن أهمّ الواجبات، فيجب حفظ الحياة، وإطالة العمر، لحفظ الإيمان بالله تعالى وتحصيل مرضاته !

١٣٨

المسألة التاسعة عشرة

نهاية الحياة الإنسانيّة

( ١ )

نظر الشريعة الإسلاميّة

المفهوم من القرآن المجيد أنّ موت الإنسان - وهو نهاية الحياة الإنسانيّة - بأخذ روحه، وهو انقطاع اتّصال الروح وتدبيرها عن البدن انقطاعاً نهائيّاً غير مؤقّت.

قال الله تعالى:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ) (١) ، وقال:( قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ) (٢) ، وقال:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِکَةُ ) (٣) ... وقال:( كلّ نفسٍ ذائقة الموت ) (٤) ، وقال:( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٥) ، وقال:( إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‌ ) (٦) ، وقال:( إذا بلغت التراقي ) (٧) - بناءً على رجوع الضمير المستتر في كلمة( بلغت ) إلى النفس أو الروح وقوله:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى

___________________

(١) الزمر آية ٤٢.

(٢) السجدة آية ١١.

(٣) النحل آية ٣٢.

(٤) آل عمران ١٨٣ وغيرها.

(٥) الأنعام آية ٩٣.

(٦) الواقعة آية ٨٣.

(٧) القيامة آية ٢٦.

١٣٩

رَبِّکِ... ) (١) ، وغيرها من الآيات.

وليكن هذا واضحاً مسلّماً غير قابل للخلاف والنقاش في الشريعة الإسلاميّة(٢) …، لكن لحظة انقطاع الروح غير محسوسة ولا منصوصة، فهل لها علامة طبيّة وما هي ؟

هل هي سكون القلب عن النبض كما يقول به الأطبّاء القدامى ؟

أو موت جذع المخّ كما يعتقد به الأطبّاء الجدد ؟ أو كلاهما ؟

لا شكّ أنّ إدراك الكليّات والعواطف الإنسانيّة: كالإيثار، وحبّ العلم والكمال، وحب الله تعالى، وغيرها، من أبرز آثار الروح والنفس الإنسانيّة، بل وكذا الإحساس والحركة الإراديّة.

وربّما يتوهّم متوهّمٌ أنّ الحسّ والحركة الإراديّة من خواصّ النفس الحيوانيّة دون الإنسانيّة لثبوتهما في الحيوانات أيضاً، لكنّه توهُّمٌ خاطئ، فإنّهما وإن وُجدا في الحيوان والإنسان معاً، لكن ليس للإنسان نفسٌ حيوانيّة في قِبال النفس الإنسانيّة، ليستند إليها الحسّ والحركة، بل هما يستندان إلى النفس الإنسانيّة، ومن هنا جعل الاستهلال والحركة في المولود علامتين لحياته في الأحاديث(٣) .

كما لا شكّ في علم الطبّ، وعلم الجنين، وغيرهما، لحدّ الآن أنّ القلب - كاليد والرجل والأنف والكبد والكلية ونحوها - لا حسّ له ولا علم ولا إدراك، بل هو أجنبي عن العواطف الإنسانيّة أيضاً، وهي من آثار المخّ

___________________

(١) الفجر آية ٢٨.

(٢) والمتأمِّل المتدبِّر في هذه الآيات يفهم أنّ قوله تعالى:( ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ) يُراد به ظاهراً إنشاء اتصال الروح بالجنين، وبه تبدأ الحياة الإنسانيّة. فافهم ذلك جيّداً.

(٣) ص٣٥٠ وص٣٥١ ج٢٤ جامع أحاديث الشيعة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

ثمّ أكّد سبحانه ما قدّمه من أدلّة التوحيد، فقال:( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ) لتقدّسه عن مماثلة أحد( وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ ) يساهمه في الألوهيّة( إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ) جزاء شرط محذوف، لدلالة ما قبله عليه، أي: لو كان معه آلهة كما تقولون لذهب كلّ واحد منهم بما خلقه، أي: لانفرد كلّ واحد من الآلهة بخلقه الّذي خلقه واستبدّ به، ولرأيتم ملك كلّ واحد منهم متميّزا عن ملك الآخرين.

( وَلَعَلا ) ولغلب( بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) ووقع بينهم التجاذب والتحارب، وظهر التغالب، كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، فلم يكن بيده وحده ملكوت كلّ شيء. واللازم باطل بالإجماع والاستقراء، وقيام البرهان على استناد جميع الممكنات إلى واجب واحد، فما كان معه من إله.( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) من الولد والشريك، لـما سبق من الدليل على فساده.

( عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو عالم ما غاب وما حضر، فلا يخفى عليه شيء. وقد جرّ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص على الصفة. وهو دليل آخر على نفي الشريك، بناء على توافقهم في أنّه المنفرد بذلك. ولهذا رتّب عليه قوله:( فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) بالفاء.

روي: أنّه سبحانه أخبر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن له في أمّته نقمة، ولم يخبره أفي حياته أم بعد وفاته، فأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:( قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ) «ما» والنون مؤكّدتان، أي: إن كان لا بدّ من أن ترينّي( ما يُوعَدُونَ ) من العذاب في الدنيا والآخرة.

٤٦١

( رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) قرينا لهم في العذاب، فأخرجني من بينهم إذا أردت إحلال العذاب بهم. وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان معصوما من نزول العذاب عاجلا وآجلا، لكن صدور هذا القول منه لأنّه يجوز أن يسأل العبد ربّه ما علم أن يفعله، وأن يستعيذ به ممّا علم أنّه لا يفعله، هضما لنفسه، وإظهارا للعبوديّة، وتواضعا لربّه، وإخباتا له. ومنه استغفاره إذا قام من مجلسه سبعين مرّة أو مائة مرّة. وقول إبراهيمعليه‌السلام :( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) (١) .

وتكرير النداء، وتصدير كلّ واحد من الشرط والجزاء، حثّ على فضل تضرّع وجؤار(٢) .

( وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ) لكنّا نؤخّره، علما بأنّ بعضهم أو بعض أعقابهم يؤمنون. أو لأنّا لا نعذّبهم وأنت فيهم. قيل: ردّ لإنكار هم الموعود، واستعجالهم له استهزاء به. وقيل: قد أراه، وهو قتل بدر أو فتح مكّة.

روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن أبي صالح، عن ابن عبّاس وجابر بن عبد الله أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حجّة الوداع وهو بمعنى: «ولا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّي في كتيبة يضاربونكم. قال: فغمز من خلفه منكبه الأيسر، فالتفت فقال: أو عليّ. فنزلت الآيات المذكورة»(٣) .

( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) )

__________________

(١) الشعراء: ٨٧.

(٢) جأر يجأر جؤارا إلى الله: رفع صوته بالدعاء وتضرّع.

(٣) شواهد التنزيل ١: ٥٢٦ ح ٥٥٩.

٤٦٢

ثمّ أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب، فقال:( ادْفَعْ بِالَّتِي ) بالخصلة أو الفعلة الّتي( هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) وهي الصفح عن إساءة المسيء، والإحسان في مقابلتها.

قيل: هي منسوخة بآية السيف(١) . وقيل: محكمة، لأنّ المداراة محثوث عليها، لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدين.

وقيل: ادفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه وأوضحها، وأقربها إلى الإجابة والقبول.

وعن ابن عبّاس: هي كلمة التوحيد، والسيّئة الشرك. وقيل: هو الأمر بالمعروف، والسيّئة المنكر. وهو أبلغ من: ادفع بالحسنة السيّئة، لـما فيه من التنصيص على التفصيل.

( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ) أي: بما يصفونك به. أو بوصفهم إيّاك على خلاف حالك، وأقدر على جزائهم، فكل إلينا أمرهم.

( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) ونزعاتهم ووساوسهم. وأصل الهمز: النخس. ومنه: مهماز(٢) الرائض. شبّه حثّهم الناس على المعاصي بهمز الراضة للدوابّ

__________________

(١) التوبة: ٥ و ٢٩.

(٢) المهماز: عصا في رأسها حديدة تنخس بها الدابّة. والرائض: معلّم الدوابّ وسائسها.

٤٦٣

حثّا لها على المشي. ونحو الهمز الأزّ في قوله:( تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) (١) . والجمع للمرّات، أو لتنوّع الوساوس، أو لتعدّد المضاف إليه.

( وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) يحوموا حولي في شيء من الأحوال. وقيل: حال الصلاة. وعن ابن عبّاس: عند قراءة القرآن. وعن عكرمة: عند حلول الأجل. ووجه التخصيص أنّها أقوى الأحوال بأن يخاف عليه.

( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) متعلّق بـ «يصفون» أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت. وما بينهما اعتراض، لتأكيد الإغضاء عنهم بالاستعاذة بالله من الشيطان أن يزلّه عن الحلم، ويغريه على الانتقام منهم. أو بقوله:( وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (٢) .

( قالَ ) تحسّرا عند الموت على ما فرّط فيه من الإيمان والطاعة لـمّا اطّلع على حقيقة الأمر( رَبِّ ارْجِعُونِ ) ردّوني إلى الدنيا. والواو لتعظيم المخاطب، كقوله: فإن شئت حرّمت النساء سواكم(٣) وقوله: ألا فارحموني يا إله محمّد(٤) وكما قال:( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ ) (٥) .

( لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) في الإيمان الّذي تركته، أي: لعلّي آتي بالإيمان وأعمل فيه، كما تقول: لعلّي أبني على أسّ. وقيل: فيما تركت من المال، أو في الدنيا. وقال الصادقعليه‌السلام : «إنّه في مانع الزكاة، يسأل الرجعة عند الموت».

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: أنرجعك إلى الدنيا؟ فيقول :

__________________

(١) مريم: ٨٣.

(٢) المؤمنون: ٩٠.

(٣) للعرجي. وعجزه: وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا. والنقاخ: الماء العذب البارد. والبرد :النوم.

(٤) وعجزه: فإن لم أكن أهلا فأنت له أهل.

(٥) القصص: ٩.

٤٦٤

إلى دار الهموم والأحزان! بل قدوما إلى الله. وأمّا الكافر فيقول: ربّ ارجعون».

( كَلَّا ) ردع عن طلب الرجعة، وإنكار واستبعاد لها( إِنَّها كَلِمَةٌ ) يعني قوله:( رَبِّ ارْجِعُونِ ) إلى آخره. والكلمة: الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض.( هُوَ قائِلُها ) لا محالة، لا يسكت عنها، لتسلّط الحسرة عليه، واستيلاء الندم، ولا فائدة له في ذلك.

( وَمِنْ وَرائِهِمْ ) أمامهم. والضمير للجماعة.( بَرْزَخٌ ) حائل بينهم وبين الرجعة. وهو الزمان الّذي يكون بين الموت والبعث، فمن مات فقد وقع في البرزخ.( إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) يوم القيامة. وهو إقناط كلّي عن الرجوع إلى الدنيا، لـما علم أنّه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا، وإنّما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.

وفي الآية دلالة على أنّ أحدا لا يموت حتّى يعرف منزلته عند الله تعالى، وأنّه من أهل الثواب أو العذاب.

( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) )

٤٦٥

ثمّ بيّن سبحانه حال الفريقين يوم البعث، فقال:( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ ) لقيام الساعة بالصوت الهائل العظيم. وهو شبه قرن لنفخة إسرافيلعليه‌السلام . وفي الحديث: «كيف أنعم وصاحب الصور التقم الصور، أو التقمه».

وقيل: هي جمع الصورة. والمعنى: إذا أعيدت الأرواح إلى الأبدان.( فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ ) ينفعهم، لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة، بحيث يفرّ المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه. أو يفتخرون بها.( يَوْمَئِذٍ ) كما ينتفعون اليوم بها. ويحتمل أن تقاطع الأنساب يقع بينهم حيث يتفرّقون معاقبين ومثابين، فتلغوا الأنساب وتبطل.

( وَلا يَتَساءَلُونَ ) ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وخبره، لاشتغاله بنفسه. وهو لا يناقض قوله:( يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) (١) .( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) (٢) . لأنّه عند النفخة، وذلك بعد المحاسبة، فإنّ يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، ففيه أزمنة وأحوال مختلفة، يتساءلون ويتعارفون في بعضها، وفي بعضها لا يفطنون لذلك، لشدّة الهول والفزع. أو التناكر يكون عند النفخة الأولى، فإذا كانت الثانية قاموا من القبور فتعارفوا وتساءلوا. أو عدم التساؤل يكون في القيامة، والتساؤل بعد دخول أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار.

( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ) جمع موزون. وهي الموزونات من عقائده وأعماله.

يعني: من كانت له عقائد صحيحة وأعمال صالحة، يكون لها وزن وقدر عند الله. أو جمع ميزان، كمواعيد جمع ميعاد. وهو القرسطون(٣) الّذي توزن به الأعمال.( فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الفائزون بالنجاة والدرجات.

__________________

(١) يونس: ٤٥.

(٢) الصافّات: ٢٧.

(٣) القرسطون معرّب: كرستون. فارسيّة بمعنى الميزان الكبير، فرهنگ فارسى للدكتور معين ٣: ٢٩٤١.

٤٦٦

( وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) أي: ومن لم يكن له ما يكون له وزن. وهم الكفّار، لقوله تعالى:( فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ) (١) .( فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) غبنوها، حيث ضيّعوا زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها( فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) بدل من «خسروا أنفسهم». أو خبر ثان لـ «أولئك». أو خبر مبتدأ محذوف.

( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) تحرقها. واللفح كالنفح، إلّا أنّ اللفح أشدّ تأثيرا.( وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ) من شدّة الاحتراق. والكلوح تقلّص الشفتين عن الأسنان، كما ترى الرؤوس المشويّة.

عن مالك بن دينار: كان سبب توبة عتبة الغلام أنّه مرّ في السوق برأس أخرج من التنّور، فغشي عليه ثلاثة أيّام ولياليهنّ.

وروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «تشويه النار فتقلّص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتّى تبلغ سرّته».

( أَلَمْ تَكُنْ ) أي: يقال لهم: ألم تكن( آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ) تأنيب وتذكير لهم بما استحقّوا هذا العذاب لأجله.

( قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا ) استعلت علينا سيّئاتنا الّتي أوجبت لنا الشقاوة. وهي: سوء العاقبة والمضرّة اللاحقة. وقرأ حمزة والكسائي: شقاوتنا بالفتح، كالسعادة( وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ ) عن الحقّ. ولـمّا كانت سيّئاتهم الّتي شقوا بها سبب شقاوتهم سمّيت شقاوة توسّعا. ومن أكبر الشقاء أن يترك عبادة الله إلى عبادة غيره، ويترك الأدلّة ويتّبع الهوى.

( رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها ) من النار( فَإِنْ عُدْنا ) إلى التكذيب( فَإِنَّا ظالِمُونَ ) لأنفسنا.

( قالَ اخْسَؤُا ) اسكتوا سكوت هوان( فِيها ) في النار، فإنّها ليست مقام سؤال.

__________________

(١) الكهف: ١٠٥.

٤٦٧

يعني: ذلّوا فيها وانزجروا، كما تنزجر الكلاب إذا زجرت. من: خسأت الكلب إذا زجرته، فخسأ بنفسه. لازم ومتعدّ، فإن أصل هذه اللفظة زجر الكلاب، وإذا قيل ذلك للإنسان يكون للإهانة المستحقّة للعقوبة.( وَلا تُكَلِّمُونِ ) في رفع العذاب، فإنّه لا يرفع ولا يخفّف أبدا. أو لا تكلّمون رأسا.

وعن ابن عبّاس: إنّ لهم ستّ دعوات: إذا دخلوا النار قالوا ألف سنة:( رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا ) (١) .

فيجابون:( حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ) (٢) .

فينادون ألفا:( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ) (٣) .

فيجابون:( ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ) (٤) .

فينادون ألفا:( يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ ) (٥) .

فيجابون:( إِنَّكُمْ ماكِثُونَ ) (٦) .

فينادون ألفا:( رَبَّنا أَخِّرْنا ) (٧) فيجابون:( أَوَلَمْ تَكُونُوا ) (٨) .

فينادون ألفا:( رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً ) (٩) .

فيجابون:( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ) (١٠) .

فينادون ألفا:( رَبِّ ارْجِعُونِ ) (١١) .

__________________

(١) السجدة: ١٢ ـ ١٣.

(٢) السجدة: ١٢ ـ ١٣.

(٣، ٤) غافر: ١١ ـ ١٢.

(٥، ٦) الزخرف: ٧٧.

(٧، ٨) إبراهيم: ٤٤.

(٩، ١٠) فاطر: ٣٧.

(١١) المؤمنون: ٩٩.

٤٦٨

فيجابون:( اخْسَؤُا فِيها ) .

وهو آخر كلام يتكلّمون به، ثمّ لا كلام بعد ذلك إلّا الشهيق والزفير والعواء كعواء الكلاب، لا يفهمون ولا يفهمون.

( إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨) )

ثمّ بيّن علّة استحقاقهم الهوان الشديد والعذاب الأليم بقوله:( إِنَّهُ ) إنّ الشأن( كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي ) يعني: المؤمنين. وقيل: هم أهل الصفّة خاصّة.( يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) يعني: يدعون بهذه الدعوات في الدنيا

٤٦٩

طلبا لـما عندي من الثواب.

( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ) هزؤا. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالضمّ. وهما مصدر سخر كالسخر، إلّا أن في ياء النسبة زيادة قوّة في الفعل ومبالغة، كما قيل: الخصوصيّة في الخصوص. وعند الكوفيّين المكسور بمعنى الهزء، والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبوديّة، أي: تسخّروهم واستعبدوهم.( حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ) من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم على تلك الصفة، أي: تركتم أن تذكروني لاشتغالكم بالسخريّة منهم.

فنسب الإنساء إلى عبادة المؤمنين وإن لم يفعلوا، لـمّا كانوا السبب في ذلك.( وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) استهزاء بهم.

( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ ) يعني: يوم الجزاء( بِما صَبَرُوا ) على أذاكم( أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ ) أي: فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به. وهو ثاني مفعولي «جزيتهم».

وقرأ حمزة والكسائي بالكسر استئنافا، أي: قد فازوا حيث صبروا، فجزوا بصبرهم أحسن الجزاء( قالَ ) أي: الله، أو الملك المأمور بسؤالهم، توبيخا وتبكيتا لمنكري البعث. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: قل، على الأمر للملك، أو لبعض رؤساء أهل النار.( كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) أحياء أو أمواتا في القبور( عَدَدَ سِنِينَ ) تمييز لـ «كم».

( قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) استقصارا لمدّة لبثهم في الدنيا أو القبور بالنسبة إلى خلودهم في النار. أو لأنّها كانت أيّام سرورهم، وأيّام السرور قصار، كما أنّ أيّام المحنة مستطيلة. أو لأنّها منقضية، والمنقضي في حكم المعدوم.

( فَسْئَلِ الْعادِّينَ ) الحسّاب الّذين يتمكّنون من عدّ أيّامها إن أردت تحقيقها، فإنّا لـما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكّرها وإحصائها، إلّا أنّا نستقلّها ونحسبها يوما أو بعض يوم. أو الملائكة الّذين يعدّون أعمار الناس، ويحصون أعمالهم.

ويدلّ على أنّ المراد مدّة لبثهم في القبور، ما روي عن ابن عبّاس أنّه قال: أنساهم

٤٧٠

ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين.

فصدّقهم الله في تقالهم(١) لسني لبثهم في الدنيا، ووبّخهم على غفلتهم الّتي كانوا عليها، فقال:( قالَ ) أي: الله أو الملك. وقرأ الكوفيّون: قل( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً ) لأنّ مكثكم في الدنيا أو في القبور وإن طال، فإنّه متناه قليل بالإضافة إلى طول مكثكم في عذاب جهنّم( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) صحّة ما أخبرناكم به. أو قصر أعماركم في الدنيا، وطول مكثكم في الآخرة في العذاب، لـمّا اشتغلتم بالكفر والمعاصي، وآثرتم الفاني على الباقي.

ثمّ وبّخهم على تغافلهم بقوله:( أَفَحَسِبْتُمْ ) معاشر الجاحدين للبعث والنشور، الظانّين دوام الدنيا( أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ) حال أو مفعول له، أي: عابثين أو للعبث، أي: لم يدعنا إلى خلقكم إلّا حكمة اقتضت ذلك، وهي أن نتعبّدكم ونكلّفكم المشاقّ، من الطاعات وترك المعاصي، ثمّ نرجعكم من دار التكليف إلى دار الجزاء، فنثيب المحسن ونعاقب المسيء. وهو كالدليل على البعث. ومثل ذلك قوله:( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (٢) .

( وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) معطوف على( أَنَّما خَلَقْناكُمْ ) أو «عبثا». وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم.

( فَتَعالَى اللهُ ) عمّا يصفه به الجهّال من الشريك والولد والصاحبة. أو من أن يعمل عبثا.( الْمَلِكُ الْحَقُ ) الّذي يحقّ له الملك مطلقا، لأنّ ما عداه مملوك بالذات مالك بالعرض، ومن وجه دون وجه، وفي حال دون حال، ولأنّ كلّ شيء منه وإليه. أو الثابت الّذي لا يزول هو بنفسه، ولا يزول ملكه.

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ) فإنّ ما عداه عبيد له( رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) الّذي يحيط بجميع

__________________

(١) تقالّ الشيء: عدّه قليلا.

(٢) الذاريات: ٥٦.

٤٧١

الأجرام، وينزل منه محكمات الأقضية والأحكام. ولذلك وصفه بالكرم، وهو كثرة الخير. أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين.

( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ) أي: يعبده( لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ ) صفة اخرى لـ «إلها» لازمة له، نحو قوله:( يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ) (١) . وبناء الحكم عليه، تنبيها على أنّ التديّن بما لا دليل عليه ممنوع، فضلا عمّا دلّ الدليل على خلافه. ويجوز أن يكون اعتراضا بين الشرط والجزاء لذلك، كقولك: من أحسن إلى زيد لا أحقّ بالإحسان منه، فالله مثيبه.

( فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) فهو مجاز له مقدار ما يستحقّه( إِنَّهُ ) إن الشأن( لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ) وضع «الكافرون» موضع الضمير، لأنّ «من يدع» في معنى الجمع. وكذلك «حسابه».

واعلم أنّه سبحانه بدأ السورة بتقرير فلاح المؤمنين، وختمها بنفي الفلاح عن الكافرين، فشتّان ما بين الفاتحة والخاتمة.

ولـمّا حكى الله سبحانه أحوال الكفّار أمر رسوله بأن يتبرّأ منهم، وأن ينقطع إليه عمّا سواه ويسترحمه، فقال:( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ ) ذنوب عبادك( وَارْحَمْ ) وأنعم على خلقك( وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) أفضل المنعمين، وأكثرهم نعمة، وأوسعهم فضلا.

__________________

(١) الأنعام: ٣٨.

٤٧٢

(٢٤)

سورة النور

وهي أربع وستّون آية.

عن أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كلّ مؤمن ومؤمنة، فيما مضى وفيما بقي».

وروى الحاكم أبو عبد الله في الصحيح بالإسناد عن عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تنزلوهنّ الغرف، ولا تعلّموهنّ الكتابة، وعلّموهنّ المغزل وسورة النور»(١) . يعني: النساء.

وروى عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «حصّنوا أموالكم وفروجكم بتلاوة سورة النور، وحصّنوا بها نساءكم، فإنّ من أدمن قراءتها في كلّ يوم أو في كلّ ليلة، لم يزن أحد من أهل بيته أبدا حتّى يموت، فإذا مات شيعه إلى قبره سبعون ألف ملك، يدعون ويستغفرون الله له حتّى يدخل إلى قبره».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) )

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٢: ٣٩٦.

٤٧٣

ولـمّا ختم الله سبحانه سورة المؤمنين بأنّه لم يخلق الخلق للعبث، بل للأمر والنهي، ابتدأ هذه السورة بذكر الأوامر والنواهي وبيان الشرائع، فقال:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُورَةٌ ) أي: هذه سورة. أو فيما أوحينا إليك سورة.( أَنْزَلْناها ) صفتها، أي: أنزلها جبرئيل بأمرنا( وَفَرَضْناها ) وفرضنا ما فيها من الأحكام. وأصل الفرض القطع، أي :جعلناها واجبة مقطوعا بها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد الراء، لكثرة فرائضها، أو المفروض عليهم، أو للمبالغة في إيجابها.

( وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ ) واضحات الدلالة على وحدانيّتنا وكمال قدرتنا، أو حدودنا وأحكامنا الّتي شرعنا فيها( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) لكي تتّعظوا وتتّقوا بما فيها.

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) )

ثمّ شرع في بيان الأحكام، وابتدأ بحكم الزنا الّذي هو أفحش الفواحش، فقال:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ) مرفوعان بالابتداء، وخبرهما محذوف عند الخليل وسيبويه، أي: ممّا فرضنا أو أنزلنا حكمه حكم الزانية والزاني، وهو الجلد. ويجوز أن يرفعا بالابتداء، والخبر قوله:( فَاجْلِدُوا ) أيّها الحكّام( كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) . وعلى الأوّل جملة اخرى معطوفة على الأولى. والثاني قول المبرّد.

وعلى هذا لـمّا كان المبتدأ متضمّنا معنى الشرط، لأنّ اللام بمعنى اسم الموصول، كما تقول: من زنى فاجلدوه، أتى بالفاء، أي: الّتي زنت والّذي زنى فاجلدوهما.

٤٧٤

وإنّما قدّم الزانية، لأنّ الزنا في الأغلب يكون بتعرّضها للرجل وعرض نفسها عليه، ولأنّ مفسدته تتحقّق بالإضافة إليها. والجلد ضرب الجلد بحيث لا يتجاوز ألمه إلى اللحم، فلا يجوز التبريح(١) .

وهذا الحكم مخصّص بالسنّة والكتاب. أمّا السنّة فبالزيادة تارة، كما في حقّ البكر الذكر، فإنّه يزاد التغريب سنة، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام».

ومنعه أبو حنيفة. والخبر يبطل قوله. وكذا عمل الصحابة. وقوله: إنّ الآية ناسخة، ضعيف، لأنّ عدم ذكر التغريب ليس ذكرا لعدمه، لتكون ناسخة له. وفعل الصحابة متأخّر عن الآية، فكيف يكون التغريب منسوخا؟! وبالرجم تارة، كما في حقّ المحصن والمحصنة، فإنّ حدّهما الرجم. هذا إن قلنا بعدم ضمّ الجلد إلى الرجم، وإلّا فهو أيضا زيادة، وقيل: الضمّ في حقّ الشيخين خاصّة.

وقيل: عامّ. وهو الحقّ، لأنّ عليّاعليه‌السلام جلد سراقة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: «جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وكانت سراقة شابّة، وفعلهعليه‌السلام حجّة.

والمراد بالمحصن من له فرج مملوك، بالعقد الدائم أو بملك اليمين، يغدو عليه ويروح. وبالمحصنة من لها فرج بالعقد الدائم، تغدو عليه وتروح. والبكر قيل: هو ما عدا المحصن. وقيل: من أملك ولم يدخل. والطلاق رجعيّا لا ينافي الإحصان مع بقاء العدّة، بخلاف البائن.

وعندنا لا جزّ على المرأة ولا تغريب. وأمّا الكتاب فينصّف الجلد في حقّ الأمة، لقوله تعالى:( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) (٢) . واختلف في العبد، فقيل: كالحرّ. وقيل: كالأمة. وهو الأقوى، للرواية المأثورة عن الأئمةعليهم‌السلام .

__________________

(١) التبريح: الشدّة والأذى. وبرّح به: أتعبه وجهده وآذاه أذى شديدا.

(٢) النساء: ٢٥.

٤٧٥

( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) رحمة وشفقة( فِي دِينِ اللهِ ) في طاعته وإقامة حدّه وحفظه، فتعطّلوه أو تسامحوا فيه. وقرأ ابن كثير بفتح الهمزة(١) .( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فإنّ الإيمان بالمبدأ والمعاد يقتضي الجدّ في طاعة الله، والاجتهاد في إقامة أحكامه وحدوده. وهو من باب التّهييج في إجراء الحكم، والتشديد في أمر الزنا وحسم مادّته، لينحفظ النسب، وتجري الأحكام الشرعيّة المترتّبة على أصولها. ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا معشر الناس اتّقوا الزنا، فإنّ فيه ستّ خصال: ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة. فأمّا اللّاتي في الدنيا: فإنّه يذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر. وأمّا اللّاتي في الآخرة: فإنّه يوجب السخطة، وسوء الحساب، والخلود في النار».

وفي الآية دلالة على أنّه يضرب أتمّ الضرب، فلا ينقص من الحدّ شيء. ولا تجوز الشفاعة في إسقاطه. وفي الحديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «يؤتى بوال نقص من الحدّ سوطا، فيقول: رحمة لعبادك. فيقول الله له: أأنت أرحم بهم منّي، فيؤمر به إلى النار.

ويؤتى بمن زاد سوطا، فيقول: لينتهوا عن معاصيك، فيؤمر به إلى النار».

( وَلْيَشْهَدْ ) وليحضر( عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) زيادة في التنكيل، فإنّ التفضيح قد ينكل أكثر ما ينكل التعذيب. وفي تسمية الحدّ العذاب دليل على أنّه عقوبة.

ويجوز أن يسمّى عذابا، لأنّه يمنع المعاودة، كما سمّي نكالا. وقيّد الطائفة بالمؤمنين، لئلّا يكون إقامة الحدّ مانعة للكفّار من الإسلام. ولذلك كره إقامته في أرض العدوّ.

والطائفة: الفرقة الحافّة حول الشيء. واختلف في كمّيتها.

فعن الباقرعليه‌السلام وابن عبّاس والحسن وغيرهم: أقلّها واحد.

وبه قال مجاهد. وقال عكرمة: اثنان. والزهري: ثلاثة. وفي رواية اخرى عن ابن عبّاس: أربعة. لأنّ بهذا العدد يثبت هذا الحدّ. وهو قريب، لكن قول الباقرعليه‌السلام أقوى. ويؤيّده أنّ الفرقة جمع أقلّه ثلاثة، والطائفة بعضها، فيكون واحدا. فمعنى الطائفة: النفس الّتي من شأنها أن تكون حافّة حول الشيء. ويدلّ

__________________

(١) أي: همزة: رأفة.

٤٧٦

عليه أيضا قوله تعالى:( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (١) فإنّ هذا الحكم يثبت للواحد كما يثبت للجمع.

( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) إذ الغالب أنّ المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح، والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء، فإنّ المشاكلة علّة للألفة والتضامّ، والمخالفة سبب للنفرة والافتراق.

وكان حقّ المقابلة أن يقال: والزانية لا تنكح إلّا من هو زان أو مشرك، لكنّ المراد بيان أحوال الرجال في الرغبة فيهنّ، لأنّ الآية نزلت في ضعفة المهاجرين، لـمّا همّوا أن يتزوّجوا بغايا يكرين أنفسهنّ، لينفقن عليهم من أكسابهنّ على عادة الجاهليّة، ولذلك قدّم الزاني.

ومعنى الجملة الاولى: وصف الزاني بكونه غير راغب في العفائف، بل في الزواني. ومعنى الثانية: وصف الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفّاء، بل للزناة. وبينهما فرق.

وقال في الجامع: «وإنّما قدّمت الزانية على الزاني في الأولى، لأنّ الآية مسوقة لعقوبتهما على جنايتهما، والمرأة منها منشأ الجناية، وهي الأصل والمادّة في ذلك. ثمّ قدّم الزاني عليها في الثاني، لأنّ الآية مسوقة لذكر النكاح، والرجل هو الأصل فيه والمخاطب، ومنه مبدأ الطلب»(٢) .

وعن ابن عبّاس وابن عمر ومجاهد وقتادة والزهري: أنّ رجلا من المسلمين استأذن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يتزوّج أمّ مهزول، وهي امرأة كانت تسافح ولها راية على بابها تعرف بها، فنزلت هذه الآية.

والمراد بها النهي وإن كان ظاهرها الخبر، ويؤيّده ما روي عن أبي جعفر وأبي

__________________

(١) الحجرات: ٩.

(٢) جوامع الجامع ٢: ١٣٦.

٤٧٧

عبد اللهعليهما‌السلام أنّهما قالا: «هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشهورين بالزنا، فنهى الله عن أولئك الرجال والنساء، والناس اليوم على تلك المنزلة، فمن شهر بشيء من ذلك، وأقيم عليه الحدّ، فلا تزوّجوه حتّى تعرف توبته».

ولا يجوز أن تحمل الآية على ظاهر الخبر، لأنّا نجد الزاني يتزوّج غير الزانية.

( وَحُرِّمَ ذلِكَ ) نكاح المشهورات بالزنا( عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) لأنّه تشبّه بالفسّاق، وتعرّض للتهمة، وتسبّب لسوء المقالة والطعن في النسب، وغير ذلك من المفاسد، ولذلك عبّر عن التنزيه بالتحريم مبالغة.

وقيل: الحرمة على ظاهرها. وقيل: الحكم مخصوص بالسبب الّذي ورد فيه.

وقيل: منسوخ بقوله:( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١) فإنّه يتناول المسافحات. ويؤيّده

أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن ذلك، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّله سفاح، وآخره نكاح، والحرام لا يحرّم الحلال».

وقيل: المراد بالنكاح الوطء. وقوله: «ذلك» إشارة إلى الزنا.

( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) )

ولـمّا تقدّم ذكر حدّ الزنا عقّبه سبحانه بذكر حدّ القاذف بالزنا، فقال:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) يقذفون العفائف من النساء بالزنا والفجور( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ) على صحّة ما رموهنّ به من الزنا( بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) عدول يشهدون في مجلس واحد غير متفرّقين ومتّفقين على أنّهم شاهدوهنّ يفعلن ذلك كالميل في المكحلة

__________________

(١) النور: ٣٢.

٤٧٨

( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) سواء كانوا أحرارا أو عبيدا، رجالا أو نساء، لعموم اللفظ. والتنصيف في العبد إنّما جاز في الزنا للنصوص.

( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) ما لم يتب، لدلالة الاستثناء عليه بعد( وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) نهى سبحانه عن قبول شهادة القاذف على التأبيد، وحكم عليهم بالفسق.

واعلم أنّ نظم هذه الآية يقتضي أن تكون هذه الجمل الثلاث بأجمعها جزاء للشرط. فيكون التقدير: من قذف المحصنات فاجلدوهم وردّوا شهادتهم وفسّقوهم، أي: فاجمعوا لهم الجلد وردّ الشهادة والتفسيق. ثمّ استثنى من ذلك بقوله:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) عن القذف( مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا ) أعمالهم، بأن استمرّوا على التوبة. وفي هذا دلالة على أنّ بمجرّد التوبة لا تقبل الشهادة، بل لا بدّ وأن يحصل للتائب ملكة راسخة في النفس.

( فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) علّة للاستثناء، أي: يغفر لهم فلا يجلدون، ولا تردّ شهادتهم ولا يفسّقون. والأبد اسم لزمان طويل انتهى أو لم ينته. فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، سواء حدّ أو لم يحدّ، عند أئمّة الهدىعليهم‌السلام وابن عبّاس. وهو مذهب الشافعي.

واعلم أنّ حدّ القذف حقّ لازم يتوقّف إقامته على المطالبة، ولا يسقط بالتوبة، إلّا مع العفو من المقذوف قبل الثبوت لا بعده، ورضاه جزء من التوبة. وحدّها إكذاب نفسه إن كان كاذبا، والتخطئة إن كان صادقا، فلا تقبل شهادته بدون ذلك.

( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ

٤٧٩

كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠) )

روي: أنّه لـمّا نزلت آية القذف قام عاصم بن عديّ الأنصاري وقال: يا رسول الله إن رأى رجل منّا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأى، جلد ثمانين جلدة وردّت شهادته وفسّق، وإن ضربه بالسيف قتل به، وإن سكت سكت على غيظ، وإلى أن يجيء بأربعة شهداء فقد قضى الرجل حاجته ومضى. قال: كذلك أنزلت يا عاصم. فخرج فلم يصل إلى منزله حتّى استقبله هلال بن أميّة يسترجع. فقال: ما وراءك؟ فقال: شرّ وجدت على بطن امرأتي خولة شريك بن سحماء. فقال: هذا والله سؤالي، فرجعا. فأخبر عاصم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إليها. فقال: ما يقول زوجك؟ فقالت: لا أدري ألغيرة أدركته، أم بخلا على الطعام؟ وكان شريك نزيلهم. فنزلت:( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) بالزنا( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ ) يشهدون لهم على صحّة ما قالوا( إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ) هذا بدل من «شهداء» أو صفة لهم على أن «إلّا» بمعنى: غير( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ) أي: فالواجب شهادة أحدهم، أو فعليهم شهادة أحدهم( أَرْبَعُ شَهاداتٍ ) نصب على المصدر بتقدير: يشهد. ولا يجوز انتصابه بـ «شهادة أحدهم» لأنّ المصدر لا ينصب مصدرا. وقد رفعه حمزة والكسائي وحفص على أنّه خبر «شهادة».

( بِاللهِ ) متعلّق بـ «شهادات» لأنّها أقرب. وقيل: بـ «شهادة» لتقدّمها.( إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) أي: فيما رماها به من الزنا. وأصله: على أنّه، فحذف الجارّ وكسرت «إنّ»، وعلّق العامل عنه باللام تأكيدا.

( وَالْخامِسَةُ ) أي: الشهادة الخامسة( أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) في الرمي. وقرأ يعقوب ونافع بالتخفيف في «أن» ورفع اللعنة.

وتوضيح المعنى: أنّ الرجل يقول أربع مرّات مرّة بعد اخرى: أشهد بالله أنّي لمن

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609