زبدة التفاسير الجزء ٥

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-07-8
الصفحات: 597
مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-07-8
الصفحات: 597
المسبّب لها وحده، فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة( وَهُوَ السَّمِيعُ ) لقولكم: نخشى الفقر( الْعَلِيمُ ) بما في ضمائركم.
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) )
ثمّ عجّب سبحانه رسوله والمؤمنين من إيمان المشركين بالباطل، مع اعترافهم بأنّ الله هو خالق كلّ شيء، فقال:( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) سألت أهل مكّة( مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) ومن ذلّلهما وسيّرهما في دورانهما على طريقة واحدة لا تختلف( لَيَقُولُنَّ اللهُ ) في جواب ذلك، لـما تقرّر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فكيف يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك؟!( اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ) يوسّعه( لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) يحتمل أن يكون الموسّع له والمضيّق عليه واحدا، على أنّ البسط والقبض على التعاقب
حسب المصلحة. وأن يريد ويقدّر لمن يشاء. فوضع الضمير موضع من يشاء، لأنّ من يشاء منهم غير معيّن، فكان الضمير مبهما مثله.( إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يعلم مصالحهم ومفاسدهم.
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ ) معترفين بأنّه الموجد للممكنات بأسرها، أصولها وفروعها، ثمّ إنّهم يشركون به بعض مخلوقاته الّذي لا يقدر على شيء من ذلك.
( قُلِ ) يا محمّد عند ذلك( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) على ما عصمك من مثل هذه الضلالة. أو على تصديقك وإظهار حجّتك.( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) فيتناقضون، حيث يقرّون بأنّه المبدئ لكلّ ما عداه، ثمّ إنّهم يشركون به الأصنام. وقيل: لا يعقلون ما تريد بقولك: الحمد لله، ولا يفطنون لم حمدت الله عند مقالتهم؟! ولـمّا كانت الدنيا وما فيها ـ مع عظم سعتها ـ لا تزن عند الله جناح بعوضة، أشار إليها تحقيرا وإزراء بقوله:( وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ) ما هي ـ لسرعة زوالها عن أهلها ـ إلّا كما يلعب ويلهى به الصبيان، يجتمعون عليه، ويبتهجون به ساعة، ثمّ يتفرّقون متعبين.
( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) يعني: الجنّة( لَهِيَ الْحَيَوانُ ) لهي دار الحياة، أو ذات الحياة الحقيقيّة، لامتناع طريان الموت عليها. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. أو جعلت في ذاتها حياة للمبالغة.
والحيوان مصدر: حيي. سمّي به ذو الحياة. وقياسه: حييان، فقلبت الياء الثانية واوا. وهو أبلغ من الحياة، لـما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة، كما أنّ الموت سكون، ولذلك اختير عليها هاهنا.
( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) لم يؤثروا عليها الدنيا الّتي أصلها عدم الحياة، والحياة فيها عارضة سريعة الزوال.
( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩) )
( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ ) متّصل بما دلّ عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم، أي: هم على ما وصفوا به من الشرك، فإذا ركبوا في السفن في البحر، وهاجت به الرياح، وتلاطمت به الأمواج، وخافوا الهلاك( دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين، حيث لا يذكرون إلّا الله، ولا يدعون معه إلها آخر، لعلمهم بأنّه لا يكشف الشدائد إلّا هو، فلم يطلبوا من شركائهم إنجاءهم. وفي تسميتهم مخلصين ضرب من التهكّم.
( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ) وأمنوا من الهلاك( إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) فاجئوا المعاودة إلى الشرك.
( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ ) اللام فيه لام «كي» أي: يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة( وَلِيَتَمَتَّعُوا ) وليكونوا قاصدين التمتّع بها والتلذّذ لا غير، ومجتمعين على عبادة الأصنام وتوادّهم، على خلاف ما هو عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة، إذا أنجاهم الله أن يشكروا نعمة الله في إنجائهم، ويجعلوا
نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد طاعة الله بالإخلاص، لا إلى التمتّع والتلذّذ.
أو لام الأمر على التهديد. ونحوه قوله تعالى:( اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١) . ويؤيّده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي، وقالون عن نافع: وليتمتّعوا بالسكون.
( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) عاقبة ذلك حين يعاقبون.
( أَوَلَمْ يَرَوْا ) يعني: أهل مكّة( أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ) أي: جعلنا بلدهم آمنا أهله عن القتل والسبي، مصونا عن النهب والتعدّي( وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ ) ويختلسون قتلا وسبيا( مِنْ حَوْلِهِمْ ) إذ كانت العرب حول مكّة يغزو بعضهم بعضا، ويتغاورون ويتناهبون، وأهل مكّة قارّون آمنون فيها، لا يغزون ولا يغار عليهم، مع قلّتهم وكثرة العرب. فذكّرهم الله هذه النعمة الخاصّة عليهم، ليذعنوا له بالطاعة، وينزجروا عن عبادة غيره.
( أَفَبِالْباطِلِ ) أبعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها ممّا لا يقدر عليه إلّا الله بالصنم أو بالشيطان( يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ ) حيث أشركوا به غيره. وتقديم الصلتين للاهتمام، أو الاختصاص على طريق المبالغة.
ثمّ وبّخهم بقوله:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) بأن زعم أنّ له شريكا( أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ ) يعني: الرسول، أو الكتاب. وفي «لمّا» تسفيه لهم بأن لم يتوقّفوا ولم يتأمّلوا قطّ حين جاءهم، بل سارعوا إلى التكذيب أوّل ما سمعوه.
( أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ ) تقرير لثوائهم. وحقيقته أنّ الهمزة همزة الإنكار دخلت على النفي، فرجع إلى معنى: ألا يستوجبون الثواء فيها، وقد افتروا مثل هذا الكذب على الله تعالى، وكذّبوا بالحقّ مثل هذا التكذيب؟! أو تقرير
__________________
(١) فصّلت: ٤٠.
لاجترائهم، أي: ألم يعلموا أنّ في جهنّم مثوى للكافرين، حتّى اجترءوا مثل هذه الجرأة؟!( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا ) في حقّنا، ومن أجلنا، ولوجهنا خالصا. وأطلق المجاهدة ولم يقيّدها بمفعول، ليعمّ جهاد الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعه. فكأنّه قال: والّذين جاهدوا الكفّار ابتغاء مرضاتنا وطاعة لنا، وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منّا.
( لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) سبل السير إلينا، والوصول إلى غاية التقرّب لنا. أو لنزيدنّهم هداية إلى سبيل الخير، وتوفيقا لسلوكها، كقوله:( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) (١) . وفي الحديث: «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لا يعلم».
وعن بعضهم: إنّ الّذي نرى من جهلنا بما لا نعلم، إنّما هو من تقصيرنا فيما نعلم.( وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) بالنصر والإعانة.
__________________
(١) محمّد: ١٧.
(٣٠)
سورة الروم
مكّيّة. وهي ستّون آية. عن أبيّ بن كعب، عن النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات، بعدد كلّ ملك سبّح لله بين السماء والأرض، وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
( الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) )
ولـمّا أجمل في آخر العنكبوت ذكر المجاهدين، فصّله في هذه السورة، فقال :
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) أقرب أرض العرب منهم، لأنّ الأرض المعهودة عندهم أرضهم. وهي أطراف الشام. أو في أدنى أرضهم من العرب، على إنابة اللام مناب المضاف إليه. وقال مجاهد: هي أرض الجزيرة. وهي أدنى أرض الروم إلى فارس. وعن ابن عبّاس: الأردن وفلسطين.
( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ) من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: من بعد غلبة فارس إيّاهم( سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ) وهو ما بين ثلاث إلى العشر.
روي: أنّه احتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى، فغلبت فارس الروم.
فبلغ الخبر مكّة، فشقّ على رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين، لأنّ فارس مجوس لا كتاب لهم، والروم أهل الكتاب. وفرح المشركون وشمتوا، وقالوا: أنتم والنصارى أهل الكتاب، ونحن وفارس أمّيّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، فسنظهرنّ نحن عليكم كما ظهرت فارس على الروم.
فقال لهم أبو بكر: لا يقرّنّ الله أعينكم، فو الله لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين.
فقال له أبيّ بن خلف: كذبت اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه. والمناحبة: المراهنة. وهي غير محرّمة في مبدأ الإسلام.
فناحبه على عشر قلائص(١) من كلّ واحد منهما. وجعلا الأجل ثلاث سنين.
فأخبر أبو بكر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقال البضع: ما بين الثلاث إلى العشر. فزايده في الخطر، ومادّه في الأجل ـ والخطر هو السبق الّذي بين المتراهنين ـ فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين.
ومات أبيّ من جرح رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يوم احد. وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين.
فأخذ أبو بكر الخطر من ذريّة أبيّ، وجاء
__________________
(١) القلائص جمع القلوص، وهي الأنثى الشابّة من الإبل.
به إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال: تصدّق به.
وهذه الآية من الآيات البيّنة الشاهدة على صحّة النبوّة، وأنّ القرآن من عند الله، لأنّها إنباء عمّا سيكون، وهو الغيب الّذي لا يعلمه إلّا الله.
( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ) من قبل كونهم غالبين، وهو وقت كونهم مغلوبين( وَمِنْ بَعْدُ ) ومن بعد كونهم مغلوبين، وهو وقت كونهم غالبين، أي: له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون، ليس شيء منهما إلّا بقضائه، وتلك الأيّام نداولها بين الناس.
وعن أبي سعيد الخدري قال: التقينا مع رسول الله ومشركي العرب، والتقت الروم وفارس، فنصرنا الله على مشركي العرب، ونصر الروم على المجوس، ففرحنا بنصر الله إيّانا على المشركين، ونصر أهل الكتاب على المجوس. فذلك قوله:( وَيَوْمَئِذٍ ) ويوم تغلب الروم على فارس( يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ ) إيّاهم، ومن له كتاب على من لا كتاب له، لـما فيه من انقلاب التفاؤل، وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، وغلبتهم في رهانهم، وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم، ولأنّهم مقدّمة لنصرهم على المشركين.
وقيل: بنصر الله المؤمنين بإظهار صدقهم فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم. أو بأنّه ولّى بعض الظالمين بعضا، وفرّق بين كلمتهم، حتّى تفانوا وتناقصوا، وفلّ(١) هؤلاء شوكة هؤلاء، وفي ذلك قوّة للإسلام.
وعن أبي سعيد الخدري: وافق ذلك يوم بدر، وفي هذا اليوم نصر المؤمنون.
( يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ ) فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء اخرى( وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة، ويتفضّل عليهم بنصرهم اخرى.
( وَعْدَ اللهِ ) مصدر مؤكّد لنفسه، أي: وعد الله ذلك وعدا، لأنّ ما قبله في معنى الوعد، كقولك: له عليّ ألف درهم اعترافا( لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ) بظهور الروم
__________________
(١) أي: كسر.
على فارس، لامتناع الكذب عليه( وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ) أكثر أهل مكّة، وهم كفّارهم( لا يَعْلَمُونَ ) وعده، ولا صحّة وعده، لجهلهم، وعدم تفكّرهم.
ثمّ ذمّهم الله تعالى بأنّهم بصراء بأمور الدنيا، يعلمون منافعها ومضارّها على الوجه الأتمّ، وبله(١) في أمر الدين، فقال:( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) ما يشاهدونه منها، فيبلغون في التجارات وأنواع المكاسب أبلغ المراتب، فيتمتّعون بزخارفها وملاذّها. وعن الحسن: بلغ من علم أحدهم بدنياه أنّه يقلّب الدرهم على ظهره، فيخبرك بوزنه، وينقره(٢) بإصبعه، فيعلم أردئ هو أم جيّد؟ وما يحسن أن يصلّي.
( وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ ) الّتي هي غايتها والمقصود منها( هُمْ غافِلُونَ ) لا تخطر ببالهم. و «هم» الثانية تكرير للأولى. أو مبتدأ، و «غافلون» خبره، والجملة خبر «هم» الأولى. وهو على الوجهين مناد على تمكّن غفلتهم عن الآخرة، المحقّقة لمقتضى الجملة المتقدّمة المبدلة من قوله: «لا يعلمون» تقريرا لجهالتهم، وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها، فإنّ من العلم بظاهرها معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها، وكيفيّة صدورها منها، وكيفيّة التصرّف فيها. ولذا قال «ظاهرا» بالتنكير. وأمّا باطنها، فإنّها مجاز إلى الآخرة، ووصلة إلى نيلها، وأنموذج لأحوالها. وإشعارا بأنّه لا فرق بين عدم العلم، والعلم الّذي يختصّ بظاهر الدنيا.
( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ
__________________
(١) بله بلها: ضعف عقله وعجز رأيه. فهو أبله. وجمعه: بله.
(٢) أي: يضربه.
يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) )
ثمّ حثّ سبحانه على التفكّر والتدبّر فيما يدلّ على توحيده، من خلق السماوات والأرض، ثمّ أحوال القرون الخالية والأمم الماضية، فقال:( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ) أو لم يحدثوا التفكّر في أنفسهم، أي: في قلوبهم الفارغة من الفكر. فالجارّ والمجرور ظرف للفعل. ويحتمل أن يكون صلة له. ومعناه: أو لم يتفكّروا في خلق أنفسهم، فإنّها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها، ليتحقّق لهم قدرة مبدعها على إعادتها، كقدرته على إبدائها.
وقوله:( ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ ) متعلّق بقول أو علم محذوف يدلّ عليه الكلام. تقديره: أو لم يتفكّروا فيقولوا أو فيعلموا هذا القول.
والمعنى: ما خلقها باطلا وعبثا بغير غرض صحيح وحكمة بالغة، بل إنّما خلقها مقرونة بالحقّ، مصحوبة بالحكمة.
( وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) وبتقدير أجل مقرّر مقدّر لا بدّ لها من أن تنتهي إليه، ولا تبقى بعده. وهو وقت قيام الساعة.
( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ ) بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمّى، أو قيام الساعة( لَكافِرُونَ ) جاحدون، يحسبون أنّ الدنيا أبديّة، وأنّ
الآخرة لا تكون.
ثمّ نبّههم سبحانه دفعة اخرى، فقال:( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) تقرير لسيرهم في أقطار الأرض، ونظرهم في آثار المدمّرين من قبلهم.( كانُوا ) هم( أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) كعاد وثمود، لأنّهم كانوا أطول أعمارا، وأكثر عددا وعددا.
( وَأَثارُوا الْأَرْضَ ) وقلّبوا وجهها، لاستنباط المياه، واستخراج المعادن، وزرع البزور، وغيرها. وسمّي الثور ثورا لإثارته الأرض، وبقرة لبقرها، وهو الشقّ.
( وَعَمَرُوها ) وعمروا الأرض( أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها ) من عمارة أهل مكّة إيّاها، فإنّهم حفروا الأنهار، وغرسوا الأشجار، وبنوا الدور، وشيّدوا القصور، ثمّ تركوها وصاروا إلى الهلاك والقبور. وأهل مكّة هم أهل واد غير ذي زرع، لا تبسّط لهم في غيرها.
وفيه تهكّم بهم، من حيث إنّهم مغترّون بالدنيا، مفتخرون بها. وهم أضعف حالا فيها، إذ مدار أمرها على التبسّط في البلاد، والتسلّط على العباد، والتصرّف في أقطار الأرض بأنواع العمارة، وهم ضعفاء ملجئون إلى واد لا نفع لها.
( وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) بالمعجزات، أو الآيات الواضحات( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ) ليفعل بهم ما يفعله الظلمة، فيدمّرهم من غير جرم ولا تذكير( وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) حيث عملوا ما أدّى إلى تدميرهم، من الإشراك بالله وجحد الرسل.
وهذه الآية ناطقة بما ذهب إليه الإماميّة، من وقوع الأعمال من العباد بمشيئتهم وإرادتهم.
وفسّر النيشابوريّ الظلم الواقع في هذه الآية الكريمة، بوضع الأنفس
الشريفة في موضع خسيس، وهو عبادة الأصنام. ثمّ ذكر توجيه أهل البدعة والضلالة لهذه الآية المتقنة، قائلا: «قال أهل السنّة: هذا الوضع كان بمشيئة الله وإرادته، لكنّه صدر عنهم، فأضيف إليهم»(١) انتهى كلامه.
وحاصله: أنّهم حملوا الإسناد على المجاز دون الحقيقة. ومرادهم أنّه سبحانه أراد الظلم وعبادة الأوثان من بعض البريّة.
ولا يخفى فساده على من له أدنى مسكة ودرية، ولكن لا حيلة لمن حاد(٢) عن الجادّة النبويّة إلّا القول بنحو هذه التأويلات الرديّة، وإثبات دينه بمشتبهات السنّة. فسحقا لهم ؛ تأوّلوا الآية المحكمة لإثبات الظلم للحضرة المقدّسة. وأيم الله هم العادلون عن الكتاب والسنّة، المتابعون للأهواء المضلّة، الظالمون الّذين أشار سبحانه إلى عاقبتهم بقوله :
( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى ) أي: عاقبتهم العقوبة أو الخصلة السوأى. فوضع الظاهر موضع الضمير، للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم، وأنّهم جاءوا بمثل أفعالهم. والسّوأى تأنيث الأسوأ، بمعنى الأقبح، كالحسنى. أو مصدر، كالبشرى، نعت به.
والمعنى: أنّهم عوقبوا في الدنيا بالدمار، ثمّ كانت عاقبتهم العقوبة الّتي هي أسوأ العقوبات وأقبحها في الآخرة، وهي جهنّم الّتي أعدّت للكافرين.
( أَنْ كَذَّبُوا ) لأن كذّبوا( بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) فـ «أن» منصوب المحلّ على العلّة. ويجوز أن يكون بدلا أو عطف بيان للسوأى. أو خبر «كان» و «السوأى» مصدر: أساؤا، أو مفعوله، بمعنى: ثمّ كان عاقبة الّذين اقترفوا الخطيئة أن طبع الله على قلوبهم حتّى كذّبوا الآيات واستهزؤا بها. أو تكون «السوأى» صلة
__________________
(١) تفسير غرائب القرآن ٥: ٤٠٤.
(٢) أي: مال وعدل.
الفعل، و «أن كذّبوا» تابعها، والخبر محذوف للإبهام والتهويل. وأن تكون «أن» مفسّرة، بمعنى: أي، لأنّه إذا كان تفسير الإساءة التكذيب والاستهزاء، كانت في معنى القول، نحو: نادى وكتب، وما أشبه ذلك.
وقرأ ابن عامر والكوفيّون: عاقبة بالنصب، على أنّ الاسم «السوأى»، و «أن كذّبوا» يكون على الوجوه المذكورة.
( اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) )
ثمّ ذكر سبحانه قدرته على الإعادة فقال:( اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ) ينشئهم( ثُمَّ يُعِيدُهُ ) يبعثهم بعد الموت أحياء كما كانوا( ثُمَّ إِلَيْهِ ) إلى ثوابه وعقابه( تُرْجَعُونَ ) والعدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وروح بالياء على الأصل.
( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) يسكتون متحيّرين آيسين. يقال: ناظرته فأبلس، إذا سكت وأيس من أن يحتجّ. ومنه: الناقة المبلاس الّتي لا ترغو(١) .
__________________
(١) أي: لا تصوّت ولا تضجّ. من: رغا البعير، إذا صوّت وضجّ.
( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ ) ممّن أشركوهم بالله( شُفَعاءُ ) يجيرونهم من عذاب الله، كما زعموا أنّا نعبدهم ليقرّبونا إلى الله زلفى. ومجيئه بلفظ الماضي لتحقّقه.
( وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ ) يكفرون بآلهتهم، ويجحدونها، ويتبرّءون منها حين يئسوا منهم. وقيل: كانوا في الدنيا كافرين بسببهم.
وكتب في المصحف: شفعواء، وعلماء بني إسرائيل، بالواو قبل الألف.
وكذلك كتب السوأى بالألف قبل الياء، إثباتا للهمزة على صورة الحرف الّذي منه حركتها.
( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ) أي: يتفرّق المؤمنون والكافرون، لقوله:( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ ) أرض ذات أزهار وأنهار. والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه.( يُحْبَرُونَ ) يسرّون سرورا تهلّلت له وجوههم. يقال: حبره إذا سرّه سرورا ظهر أثره في الوجه. قال ابن عبّاس: يحبرون بمعنى: يكرمون. وقيل: يلذّذون بالسماع.
عن أبي امامة الباهلي أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال: «ما من عبد يدخل الجنّة إلّا ويجلس عند رأسه ثنتان من الحور العين، تغنّيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجنّ، وليس بمزمار الشيطان، ولكن بتمجيد الله وتقديسه».
وعن أبي الدرداء قال: «كان رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يذكر الناس، فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنعيم، وفي آخر القوم أعرابيّ، فجثا لركبتيه وقال: يا رسول الله هل في الجنّة من سماع؟
قال: نعم يا أعرابي، إنّ في الجنّة لنهرا حافّتاه الأبكار من كلّ بيضاء خوصانيّة، يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قطّ، فذلك أفضل نعيم الجنّة».
والخوصانيّة: المرهفة(١) الأعلى، الضخمة الأسفل. قال الراوي: سألت أبا الدرداء بم يتغنّين؟ قال: بالتسبيح.
وعن إبراهيم: إنّ في الجنّة لأشجارا عليها أجراس من فضّة، فإذا أراد أهل الجنّة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش، فتقع في تلك الأشجار، فتحرّك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا.
ثمّ أخبر عن حال الكافرين، فقال:( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) مدخلون لا يغيبون عنه. ولفظ الإحضار لا يستعمل إلّا فيما يكرهه الإنسان. يقال: أحضر فلان مجلس القضاء، إذا جيء به لـما لا يؤثره.
( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) )
__________________
(١) أي: دقيقة الأعلى ضامرته.
ولـمّا ذكر الوعد والوعيد، أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد، وينجي من الوعيد، فقال :
( فَسُبْحانَ اللهِ ) إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه. والمعنى: سبّحوه ونزّهوه عمّا لا يليق به، أو ينافي تعظيمه من صفات النقص، بأن تصفوه بما يليق به من الصفات والأسماء.( حِينَ تُمْسُونَ ) حين تدخلون في المساء، وهو مجيء ظلام الليل( وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) حين تدخلون في الصباح.
( وَلَهُ الْحَمْدُ ) وله الثناء والحمد( فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) أي: هو المستحقّ لحمد أهلهما لإنعامه عليهما( وَعَشِيًّا ) وفي وقت العشيّ. وهو آخر النهار. من: عشي العين، إذا نقص نورها. وكأنّه لعدم مجيء الفعل من العشيّ ترك «حين» في «عشيّا».( وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) وحين تدخلون في الظهيرة، وهي نصف النهار.
وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح، لأنّ آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر.
وتخصيص الحمد بالعشيّ الّذي هو بقيّة النهار، والظهيرة الّتي هي وسطه، لأنّ تجدّد النعم فيهما أكثر. ويجوز أن يكون «عشيّا» معطوفا على «حين تمسون»، وقوله:( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ ) اعتراضا.
وعن ابن عبّاس ومجاهد: إنّ الآية جامعة للصلوات الخمس. «تمسون» صلاة المغرب والعشاء. و «تصبحون» صلاة الفجر. و «عشيّا» صلاة العصر.
و «تظهرون» صلاة الظهر. ولذلك زعم الحسن أنّها مدنيّة، لأنّه كان يقول: كان الواجب بمكّة ركعتين في أيّ وقت اتّفقتا، وإنّما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنّها فرضت بمكّة.
( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ) كالإنسان من النطفة، والطائر من البيضة( وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ ) كالنطفة والبيضة. أو يعقّب الحياة الموت، وبالعكس. وعن مجاهد: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.( وَيُحْيِ الْأَرْضَ ) بالنبات
( بَعْدَ مَوْتِها ) يبسها( وَكَذلِكَ ) ومثل ذلك الإخراج( تُخْرَجُونَ ) من قبوركم، فإنّه أيضا تعقيب للحياة الموت. وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء. والباقون بضمّها وفتح الراء.
وعنهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى، فليقل:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ ) الآية».
وعنهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال حين يصبح:( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ ) ـ إلى قوله ـ( تُخْرَجُونَ ) أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته».
( وَمِنْ آياتِهِ ) الدالّة على وحدانيّته وكمال قدرته( أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ) أي :في أصل الإنشاء، لأنّه خلق أصلهم منه، وهو أبوهم آدم( ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ) ثمّ فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض، متصرّفين على ظهرها، متفرّقين في أطرافها، كقوله تعالى:( وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ) (١) .
( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) لأنّ حوّاء خلقت من ضلع آدم، وسائر النساء خلقن من نطف الرجال. أو لأنّهنّ من جنسهم لا من جنس آخر.
( لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) لتطمئنّوا وتميلوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض.
يقال: سكن إليه إذا مال إليه. ولا شكّ أنّ الجنسيّة علّة للضمّ، والاختلاف سبب للتنافر.
( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ ) أي: بين الرجال والنساء، أو بين أفراد الجنس( مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) بواسطة الزواج حال الشبق وغيرها، بعد أن لم تكن بينكم سابقة معرفة، ولا لقاء، ولا سبب يوجب التحابّ والتعاطف، من قرابة أو رحم. أو بأنّ تعيّش الإنسان متوقّف على التعارف والتعاون، المحوج إلى التوادّ والتراحم.
وعن الحسن: المودّة كناية عن الجماع، والرحمة عن الولد، كما قال :
__________________
(١) النساء: ١.
( وَرَحْمَةً مِنَّا ) (١) . وقال:( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ ) (٢) .
( إِنَّ فِي ذلِكَ ) في خلق الأزواج مشاكلة للرجال( لَآياتٍ ) لدلالات واضحات( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) )
ثمّ نبّه على آية اخرى فقال:( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) وما فيهما من عجائب خلقه، وبدائع صنعه، من النجوم والشمس والقمر، وجريها في مجاريها على غاية الاتّساق والنظام، وأنواع الجمادات والنباتات والحيوانات المخلوقة على
__________________
(١) مريم: ٢١ و ٢.
(٢) مريم: ٢١ و ٢.
وجه الإحكام.
( وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ ) لغاتكم، بأن علّم كلّ صنف لغته، أو ألهمه وضعها، وأقدره عليها. أو أجناس نطقكم وأشكاله، فإنّك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفيّة.
( وَأَلْوانِكُمْ ) أي: اختلافها، من بياض الجلد وسواده، وحمرته وصفرته وسمرته. أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها، ليقع التمايز والتعارف، حتّى إنّ التوأمين مع توافق موادّهما وأسبابهما، والأمور الملاقية لهما في التخليق، يختلفان في شيء من ذلك لا محالة. وما ذلك إلّا للتراكيب البديعة، واللطائف العجيبة، الدالّة على كمال قدرته وحكمته. ولو اتّفقت الألوان، وتشاكلت التخطيطات، بحيث كانت ضربا واحدا، لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطّلت مصالح كثيرة.
( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ) لأدلّة واضحة( لِلْعالِمِينَ ) لا تكاد تخفى على عاقل، من ملك أو إنس أو جنّ. وقرأ حفص: للعالمين بكسر اللام. ويؤيّده قوله:( وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ) (١) .
( وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) هذا من باب اللفّ والنشر. وترتيبه: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار. إلّا أنّه ضمّ بين الزمانين والفعلين بعاطفين، إشعارا بأنّ كلّا من الزمانين ـ مع أنّه مختصّ بأحدهما عرفا ـ صالح للآخر عند مسّ الحاجة إليه.
ويجوز أن يكون المعنى: ومن آياته منامكم في الزمانين، لاستراحة القوى النفسانيّة، وقوّة القوى الطبيعيّة، وطلب معاشكم فيهما.
ويؤيّد الأوّل سائر الآيات الواردة فيه. وأسدّ المعاني ما دلّ عليه القرآن.
( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) سماع تفهّم فانّ الانتفاع منها إنّما يظهر
__________________
(١) العنكبوت: ٤٣.
٢٤ ـ وخطبة اخرى يقولعليهالسلام ، فيها: حد الأشياء كلها عند خلقه إياها ابانة لها من شبهه وابانة له من شبهها.
٢٥ ـ وخطبة اخرى يقولعليهالسلام فيها: ولا يخطر ببال اولى الروايات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أنْ يكون في قوى المحدودين لأنه خلاف خلقه.
فلا شبه له في المخلوقين، وانما يشبه الشيء بعديله، فاما ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله.
٢٦ ـ وباسناده إلى طاهر بن حاتم بن ماهويه قال: كتبت إلى الطيب يعنى أبا الحسنعليهالسلام : ما الذي لا يجتزى في معرفة الخالق بدونه؟ فكتب( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) لم يزل سميعا وعليما وبصيرا وهو الفعال لما يريد.
٢٧ ـ وباسناده إلى عبد الرحمن بن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر الثانيعليهالسلام عن التوحيد، فقلت: أتوهم شيئا؟ فقال: نعم غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام، انما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود.
٢٨ ـ وباسناده إلى محمد بن عيسى بن عبيد أنّه قال: قال الرضاعليهالسلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لان الله تعالى لا يشبهه شيء، والسبيل في الطريق الثالثة إثبات بلا تشبيه.
٢٩ ـ وباسناده إلى الحسين بن سعيد قال: سئل أبو جعفرعليهالسلام : يجوز أنْ يقال لله: انه شيء؟ فقال: نعم تخرجه عن الحدين حد التشبيه وحد التعطيل.
٣٠ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليهالسلام من الاخبار في التوحيد حديث طويل يقول فيهعليهالسلام : وقلنا انه سميع لا يخفي عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها في برها وبحرها ولا يشتبه عليه لغاتها، فقلنا عند
ذلك سميع لا بأذن، وقلنا انه بصير لا ببصر، لأنه يرى اثر الذرة السحماء(١) في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة(٢) ويرى مضارها ومنافعها واثر سفادها(٣) وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك: انه بصير لا كبصر خلقه.
قال عز من قائل:( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .
٣١ ـ في روضة الكافي خطبة لأمير المؤمنينعليهالسلام وهي خطبة الوسيلة قالعليهالسلام فيها: فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن، ويكون فيها لا على وجه الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلّا بها، وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه.
٣٢ ـ في بصائر الدرجات عبد الله بن عامر (مهران خ ل) عن عبد الرحمن بن أبي ـ نجران قال: كتب أبو الحسن الرضاعليهالسلام وسأله اقرءنيها قال: علي بن الحسين عليهما ـ السلام أنّ محمداصلىاللهعليهوآله كان أمين الله في أرضه، فلما قبض محمدصلىاللهعليهوآله كنا أهل البيت ورثته، فنحن أمناء الله في أرضه إلى قوله: ونحن الذين شرع الله لنا دينه، فقال في كتابه: شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحا قد وصينا بما وصى به نوحا والذي، أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم واسمعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ونحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة اولى العزم من الرسل أنْ أقيموا الذين يا آل محمد ولا تتفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية علىعليهالسلام ما تدعوهم إليه من ولاية عليٍّ ان الله يا محمد يهدى إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية عليٍّعليهالسلام ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
__________________
(١) الذرة: صغار النمل. والسحماء: السوداء.
(٣) السفاد: الجماع.
٣٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن سنان عن الرضاعليهالسلام في قول اللهعزوجل :( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) يا محمد من ولاية على» هكذا في الكتاب محفوظة (مخطوطة خ ل).
٣٤ ـ علي بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن إسحق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين ابن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفرعليهالسلام قال: إنّ اللهعزوجل بعث نوحا إلى قومه( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ) ، ثم دعاهم إلى الله وحده وان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم بعث الأنبياءعليهمالسلام إلى أنْ بلغوا محمداصلىاللهعليهوآله ، فدعاهم إلى أنْ يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وقال:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إليه اللهُ يَجْتَبِي إليه مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إليه مَنْ يُنِيبُ ) ، فبعث الأنبياءعليهمالسلام إلى قومهم بشهادة أنْ لا إله إلّا الله والإقرار بما جاء من عند اللهعزوجل ، فمن آمن مخلصا ومات على ذلك ادخله الله الجنة بذلك، وذلك أنّ الله جل وعز ليس بظلام للعبيد، وذلك أنّ الله جل وعز لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله جل وعز عليه بها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة.
٣٥ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن مروان جميعا عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى اعطى محمداصلىاللهعليهوآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسىعليهمالسلام التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنيفية السمحة لا رهبانية ولا سياحة، أهل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث، ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، ثم افترض عليه فيها الصلوة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله، وزاده الوضوء وفضله بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة
البقرة والمفصل، وأحل له المغنم والفيء ونصره بالرعب، وجعل له الأرض مسجدا وطهورا، وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود والجن والانس. وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم، ثم كلف ما لم يكلف أحدا من الأنبياء، انزل عليه سيف من السماء في غير غمد وقيل له: قاتل في سبيل الله لا تكلف إلّا نفسك.
٣٦ ـ في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن اسمعيل الجعفي عن أبي جعفرعليهالسلام قال: كانت شريعة نوحعليهالسلام أنْ يعبدوا الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهو الفطرة التي فطر الناس عليها وأخذ الله ميثاقه على نوح وعلى النبيين صلوات الله عليهم أجمعين أنْ يعبدوا الله تعالى، ولا يشركوا به شيئا، وامره بالصلوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليه احكام حدود ولا فرائض مواريث فهذه شريعته.
٣٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالبعليهمالسلام فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا، قال: فقلت له: يا بن رسول الله انى أريد أنْ اعرض عليك ديني فان كان مرضيا ثبت عليه حتى القي اللهعزوجل ، فقال: هاتها يا أبا القاسم فقلت: إنّى أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج من الحدين حد الابطال وحد التشبيه وانه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسم الأجسام ومصور الصور، وخالق الاعراض والجواهر، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وأنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده إلى يوم القيمة وأقول أنّ الامام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليهالسلام ، ثمّ الحسن ثمّ الحسين ثمّ عليّ بن الحسين ثمّ محمّد بن عليّ ثمّ جعفر بن محمّد ثمّ موسى بن جعفر ثمّ عليّ بن موسى ثمّ محمّد بن عليّ ثمّ أنت يا مولاي، فقالعليهالسلام : ومن بعدي الحسن إبني، فكيف الناس بالخلف من بعده قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنّه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، قال: فقلت: أقررت وأقول أنّ وليهم وليُّ
الله وعدوهم عدو الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأقول أنّ المعراج حقٌّ والمسائلة في القبر حقّ، وأنّ الجنة حقّ والنار حقّ، والصراط حقّ والميزان حقّ،( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ، وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلوة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال عليّ بن محمّدعليهماالسلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبتك الله بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الآخرة.
٣٨ ـ وباسناده إلى الريان بن الصلت عن عليّ بن موسى الرضاعليهالسلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنينعليهمالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسّر برايه كلامي، وما عرفني من شبهنى بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
٣٩ ـ وباسناده إلى داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليهمالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : التوحيد نصف الدين.
٤٠ ـ في كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن عليٍّعليهمالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : أفضل دينكم الورع.
٤١ ـ عن ابن عمر عن رسول اللهصلىاللهعليهوآله أنّه قال: أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع.
٤٢ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين ابن سعيد عن بعض أصحابنا عن عبيد بن زرارة قال: حدّثني حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد اللهعليهالسلام عن الاستطاعة فلم يجبني، فدخلت عليه دخلة اخرى فقلت: أصلحك الله انه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك، قال: فانه لا يضرك ما كان في قلبك، قلت: أصلحك الله انى أقول إنّ الله تبارك وتعالى لم يكلف العباد ما لا يستطيعون، ولم يكلفهم إلّا ما يطيقون، وانهم لا يصنعون شيئا من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيته وقضائه وقدره؟ قال: فقال: هذا دين الله الذي انا عليه وآبائي أو كما قال.
٤٣ ـ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور إلى قوله عنه عن معلى بن محمد عن الوشا عن أبان عن اسمعيل الجعفي قال: دخل رجل على أبي ـ جعفرعليهالسلام ومعه الصحيفة فقال له أبو جعفرعليهالسلام : هذه صحيفة مخاصم سأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل، فقال: رحمك الله هذا الذي أريد، فقال أبو جعفرعليهالسلام شهادة أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا عبده ورسوله وتقر بما جاء به من عند الله، والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا، والورع والتواضع وانتظار قائمنا فانّ لنا دولة إذا شاء الله جاء بها.
٤٤ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه وأبو عليّ الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان بن يحيى عن عمرو بن حريث قال: دخلت على أبي عبد اللهعليهالسلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمد فقلت له: جعلت فداك ما حولك إلى هذا المنزل؟ قال: طلب النزهة(١) ، فقلت: جعلت فداك ألآ أقص عليك ديني؟ فقال: بلى.
قلت: أدين الله بشهادة أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ، واقام الصلوة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والولاية لعليٍّ أمير المؤمنين بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآله والولاية للحسن والحسين، والولاية لعليّ بن الحسين والولاية لمحمّد بن عليّ ولك من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وإنّكم أئمتي، عليه أحيى وعليه أموت وأدين الله به فقال: يا عمرو هذا دين الله ودين آبائي الذي أدين الله به في السر والعلانية، فاتق الله وكف لسانك إلّا من خير، ولا تقل انى هديت نفسي بل الله هداك فأد شكر ما أنعم اللهعزوجل به عليك، ولا تكن ممن إذا اقبل طعن في عينه، وإذا أدبر طعن في قفاه(٢) ولا تحمل الناس على كاهلك فانك أوشك إنْ حملت الناس على كاهلك أنْ
__________________
(١) النزهة: البعد عن الناس.
(٢) قال المجلسي (ره): أي كن من الأخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ولا تكن من الأشرار الذين يذمهم الناس في حضورهم وغيبتهم، أو أمر بالتقية من المخالفين أو حسن المعاشرة مطلقا.
يصدعوا شعب كاهلك(١) .
٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليهالسلام في قول الله:( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) قال: الامام «ولا تتفرقوا فيه» كناية عن أمير المؤمنينعليهالسلام ثم قال:( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) من أمر ولاية عليٍّ( اللهُ يَجْتَبِي إليه مَنْ يَشاءُ ) كناية عن عليٍّعليهالسلام ( وَيَهْدِي إليه مَنْ يُنِيبُ ) .
٤٦ ـ وفيه قولهعزوجل :( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ) مخاطبة لرسول اللهصلىاللهعليهوآله ( ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) يا محمد( وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) أي تعلموا الدين يعنى التوحيد، واقام الصلوة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت والسنن والأحكام التي في الكتب والإقرار بولاية أمير المؤمنينعليهالسلام «ولا تتفرقوا فيه» أي لا تختلفوا فيه( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) من ذكر هذه الشرائع ثم قال:( اللهُ يَجْتَبِي إليه مَنْ يَشاءُ ) أي يختار( وَيَهْدِي إليه مَنْ يُنِيبُ ) وهم الائمة صلوات الله عليهم أجمعين الذين اختارهم واجتباهم
قال جل ذكره:( وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) قال: لم يتفرقوا بجهل ولكنهم تفرقوا لـمّا جائهم العلم وعرفوه فحسد بعضهم بعضا، وبغى بعضهم على بعض لـمّا رأوا من تفاضل أمير ـ المؤمنين بأمر الله فتفرقوا في المذاهب وأخذوا بالآراء والأهواء، ثم قالعزوجل :( وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) قال: لولا أنّ الله قد قدر ذلك أنْ يكون في التقدير الاول لقضي بينهم إذا اختلفوا واهلكهم ولم ينظرهم ولكن اخرهم إلى أجل مسمى المقدر( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) كناية عن الذين نقضوا(٢) أمر رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، ثم قال جل ذكره:( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ )
__________________
(١) الكاهل: مقدم أعلى الظهر مما يلى العنق أو موصل العنق في الصلب والشعب: بعد ما بين المنكبين، قال في مرآة العقول أي لا تسلط الناس على نفسك بترك التقية، أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة والمدارة معهم بحيث تتضرر بذلك كأن يضمن لهم ويحمل عنهم مالا يطيق أو يطمعهم في أنْ يحكم بخلاف الحق أو يوافقهم فيما لا يحل وهذا أفيد وان كان الاول أظهر.
(٢) وفي المصدر «عنى عن الذين نقضوا اه».
يعنى هذه الأمور والدين الذي تقدم ذكره، وموالاة أمير المؤمنينعليهالسلام ( فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) .
٤٧ ـ وفيه متصل بآخر الحديث الذي نقلناه عنه اولا اعنى قوله:( وَيَهْدِي إليه مَنْ يُنِيبُ ) ثم قال جل ذكره:( فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ) يعنى إلى ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
قال عز من قائل:( وَقُلْ آمَنْتُ بِما أنزل الله مِنْ كِتابٍ ) .
٤٨ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى مسلم بن خالد المكي عن جعفر ابن محمد عن أبيهعليهماالسلام قال: ما أنزل الله تبارك وتعالى كتابا ولا وحيا إلّا بالعربية، فكان يقع في مسامع الأنبياءعليهمالسلام بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبيناصلىاللهعليهوآله بالعربية، فاذا كلم به قومه كلمهم بالعربية فيقع في مسامعهم بلسانهم وكان أحد لا يخاطب رسول اللهصلىاللهعليهوآله بأي لسان خاطبه الا وقع في مسامعه بالعربية. كل ذلك يترجم جبرئيلعليهالسلام عنه تشريفا من اللهعزوجل لهصلىاللهعليهوآله .
٤٩ ـ في مجمع البيان: لا عدل بينكم وفي الحديث: ثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فالمنجيات العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وخشية الله في السر والعلانية، والمهلكات شح مطاع(١) وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
٥٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ثم قالعزوجل :( اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ ) قال: الميزان أمير المؤمنين صلوات الله عليه. والدليل على ذلك قولهعزوجل في سورة الرحمن:( وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ) قال: يعنى الامامعليهالسلام .
٥١ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن الحسين بن عبد الرحمن عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: قلت: الله لطيف
__________________
(١) الشح: البخل مع حرص. قال بعض العارفين: الشح في نفس الإنسان ليس بمذموم لأنه طبيعة خلقها الله تعالى في النفوس كالشهوة والحرص للابتلاء ولمصلحة عمارة العالم وانما المذموم أنْ يستولي سلطانه على القلب فيطاع «انتهى» وكأن هذا هو المراد من هذا الحديث.
بعباده يرزق من يشاء قال: ولاية أمير المؤمنين، فقلت: من كان يريد حرث الاخرة قال: معرفة أمير المؤمنينعليهالسلام والائمة( نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) قال: نزيده منها قال: يستوفي نصيبه من دولتهم( وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ) وماله في الاخرة من نصيب قال: ليس له في دولة الحق مع الامام نصيب، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
٥٢ ـ الحسين بن محمد بن عامر عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الاخرة نصيب، ومن أراد به خير الاخرة أعطاه الله خير الدنيا والاخرة.
٥٣ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد الاصبهانى عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.
٥٤ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن يحيى بن عقيل عن حسن قال: خطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه فحمد الله واثنى عليه وقال: اما بعد إلى أنْ قالعليهالسلام : إنّ المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الاخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة.
٥٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن بكر بن محمد الأزدي عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال: المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الاخرة، وقد يجمعهما الله لا قوام.
٥٦ ـ في مجمع البيان وروى عن النبيصلىاللهعليهوآله قال: من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه امره وجعل الفقر بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلّا ما كتب له، ومن كانت نيته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة.
٥٧ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن
عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليهالسلام في قولهعزوجل :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) قال: اختلفوا كما اختلفت هذه الامة في الكتاب وستختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس كثير فيقدمهم فيضرب أعناقهم، واما قوله:( وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) قال: لولا ما تقدم فيهم من الله عز ذكره ما أبقى القائم منهم أحدا.
٥٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) قال: الكلمة الامام، والدليل على ذلك قولهعزوجل :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) يعنى الامامة ثم قالعزوجل : «وان الظالمين» يعنى الذين ظلموا هذه الكلمة( لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) ثم قالعزوجل : ترى الظالمين يعنى الذين ظلموا آل محمد صلوات الله عليه وعليهم حقهم مشفقين مما كسبوا إلى خائفين مما ارتكبوا وعملوا( وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ ) مما يخافونه، ثم ذكر اللهعزوجل الذين آمنوا بالكلمة واتبعوها فقال:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) بهذه الكلمة وعملوا الصالحات مما أمروا به.
٥٩ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى أبي عبد الله عن آبائهعليهمالسلام أنّه قال: لـمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلىاللهعليهوآله :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قام رسول الله فقال: ايها الناس إنّ الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ قال: فلم يجبه أحد منهم، فانصرف فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك، ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث فلم يتكلم أحد، فقال: ايها الناس انه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب، قالوا: فألقه إذا، قال: إنّ الله تبارك وتعالى انزل عليّ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقالوا: اما هذه فنعم فقال أبو عبد اللهعليهالسلام : فو الله ما وفي بها إلّا سبعة نفر: سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد ابن الأسود الكندي وجابر بن عبد الله الأنصاري ومولى لرسول الله يقال له
الثبت(١) وزيد بن أرقم.
٦٠ ـ في جوامع الجامع وروى أنّ المشركين قالوا فيما بينهم: أترون أنّ محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟ فنزلت: «قل لا اسئلكم» الآية.
٦١ ـ في محاسن البرقي عنه عن أبيه عمن حدثه عن إسحاق بن عمار عن محمد ابن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللهعليهالسلام يقول: إنّ الرجل يحب الرجل ويبغض ولده فأبى اللهعزوجل إلّا أنْ يجعل حبنا مفترضا اخذه من اخذه، وتركه من تركه واجبا فقال:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .
٦٢ ـ عنه عن ابن محبوب عن أبي جعفر الأحول عن سلام بن المستنير قال: سئلت أبا جعفر عن قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقال:هم والله من نصيبه من الله على العباد لمحمدصلىاللهعليهوآله في أهل بيته.
٦٣ ـ عنه عن الهيثم بن عبد الله النهدي عن العباس بن عامر القصير عن حجاج الخشاب قال: سمعت أبا عبد اللهعليهالسلام يقول لأبي جعفر الأحول: ما يقول من عندكم في قول الله تبارك وتعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ؟ فقال: كان الحسن البصري يقول: في القربى من العرب، فقال أبو عبد اللهعليهالسلام لكني أقول لقريش الذين عندنا هاهنا خاصة، فيقولون: هي لنا ولكم عامة، فأقول: خبروني عن النبيصلىاللهعليهوآله إذا نزلت به شديدة من خص بها؟ أليس إيانا خص بها حين أراد أنْ يلاعن أهل نجران أخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهمالسلام ، ويوم بدر قال لعليّ وحمزة وعبيدة بن الحارث قال: فأبوا يقرؤن لي، أفلكم الحلو ولنا المر؟.
٦٤ ـ عنه عن الحسن بن علي الخزاز عن مثنى الحناط عن عبد الله بن عجلان قال: سألت أبا جعفرعليهالسلام عن قول الله تبارك وتعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال: هم الائمة الذين لا يأكلون الصدقة ولا تحل لهم.
٦٥ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: قال أبو عبد اللهعليهالسلام : ما يقول أهل البصرة في هذه
__________________
(١) وفي بعض النسخ «الثبيت» بزيادة الياء بين الموحدة التحتانية والمثناة الفوقانية.
الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ؟ قلت: جعلت فداك انهم تقولون انها لأقارب رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، قال: كذبوا انما نزلت فينا خاصة أهل البيت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين وأصحاب الكساءعليهمالسلام .
٦٦ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمهالله عن علي بن الحسين عليهما ـ السلام حديث طويل يقول فيه لبعض الشاميين: اما قرأت هذه الآية:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ؟ قال: بلى، قال عليّعليهالسلام : فنحن أولئك.
٦٧ ـ في مجمع البيان قل لا اسألكم عليه اجرا الآية اختلف في معناه على أقوال إلى قوله وثالثها أنّ معناه إلّا أنْ تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم. عن عليّ بن الحسينعليهالسلام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهماالسلام .
٦٨ ـ وباسناده إلى ابن عباس قال: لـمّا نزلت( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) ولا قالوا: يا رسول اللهصلىاللهعليهوآله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: عليّ وفاطمة وولدها.
٦٩ ـ وباسناده إلى أبي القاسم الحسكاني مرفوعا إلى أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : إنّ الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت انا وعلى من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلى فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوى، ولو أنّ عبدا عبد الله بين الصفا والمروة الف عام ثم الف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النار، ثم تلى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .
٧٠ ـ وروى زاذان عن عليٍّعليهالسلام قال: فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلّا كل مؤمن، ثم قرء هذه ولا وإلى هذا أشار الكميت في قوله :
وجدنا لكم في آل حم آية |
تأولها منا تقى ومعرب(١) |
٧١ ـ وصح عن الحسن بن عليعليهالسلام انه خطب الناس فقال في خطبته: انا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
__________________
(١) التقى: صاحب التقية والمعرب: المظهر لمذهبه علانية.
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
٧٢ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد الأشعري عن معلى بن محمد عن الوشا عن مثنى عن زرارة عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال: هم الائمةعليهمالسلام .
٧٣ ـ الحسين بن محمد وغيره عن سهل عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو وعن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللهعليهالسلام قال في حديث طويل: فلما رجع رسول اللهصلىاللهعليهوآله من حجة الوداع وقدم المدينة أتته الأنصار فقالوا: يا رسول الله إنّ الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهر أنينا، فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا(١) وقد تأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو، فنحب أنْ تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم، فلم يرد رسول اللهصلىاللهعليهوآله عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربه، فنزل جبرئيلعليهالسلام وقال:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ولم يقبل أموالهم، فقال المنافقون: ما أنزل الله هذا على محمّد وما يريد إلّا أنْ يرفع بضبع ابن عمه(٢) ويحمل علينا أهل بيته، يقول أمس: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، واليوم:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .
٧٤ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى إسحاق بن اسمعيل النيشابوري أنّ العالم كتب إليه يعنى الحسن بن عليّعليهماالسلام أنّ اللهعزوجل فرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها إليهم ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم: ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثروة، وليعلم من يعطيه منكم بالغيب، وقال تبارك وتعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )
__________________
(١) كبته الله: أذله وأخزاه.
(٢) الضبع: العضد وقيل: الإبط.
فاعلموا أنّ من بخل فانما يبخل على نفسه،( إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ ) وأنتم الفقراء إليه لا إله إلّا هو، فاعملوا من عبد ما شئتم( فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.
٧٥ ـ في أمالي شيخ الطائفةقدسسره باسناده إلى ابن عباس قال: كنا جلوسا مع النبيصلىاللهعليهوآله إذ هبط عليه الأمين جبرئيلعليهالسلام ومعه جام من البلور مملو مسكا وعنبرا، وكان إلى جنب رسول اللهصلىاللهعليهوآله علي بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين، إلى أنْ قال: فلما صارت الجام في كف الحسينعليهالسلام قالت: بسم الله الرحمن الرحيم( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) .
٧٦ ـ في عيون الأخبار في باب ذكر مجلس الرضاعليهالسلام مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل وفيه: قالت العلماء له: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضاعليهالسلام : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر موضعا وموطنا، فأول ذلك قولهعزوجل إلى قولهعليهالسلام والآية السادسة: قول الله:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وهذه خصوصية للنبيصلىاللهعليهوآله إلى يوم القيامة، وخصوصية للال دون غيرهم، وذلك أنّ الله تعالى حكى ذكر نوحعليهالسلام في كتابه:( يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) وحكىعزوجل عن هودعليهالسلام أنّه قال:( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ ) وقالعزوجل لنبيه محمدصلىاللهعليهوآله : «قل يا محمد( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ولم يفترض الله تعالى مودتهم إلّا وقد علم انهم لا يرتدون عن الدين أبدا، ولا يرجعون إلى ضلال أبدا واخرى أنْ يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض ولده وأهل بيته عدوا له، فلا يسلم له قلب الرجل، فأحب اللهعزوجل أنْ لا يكون في قلب رسول اللهصلىاللهعليهوآله على المؤمنين شيء ففرض الله عليهم مودة ذي القربى، فمن أخذ بها وأحبَّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله وأحبّ أهل بيته لم يستطع رسول اللهصلىاللهعليهوآله أنْ يبغضه، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله أنْ يبغضه، لأنه قد ترك فريضة من فرائض اللهعزوجل ، فأيّ فضل
وأيّ شرف يتقدم هذا أو يدانيه، فانزل اللهعزوجل هذه ولا على نبيه:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقام رسول اللهصلىاللهعليهوآله في أصحابه فحمد الله واثنى عليه وقال: يا ايها الناس إنّ الله قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد فقال: ايها الناس ليس بذهب ولا فضة ولا مأكول ولا مشروب، فقالوا: هات إذا، فتلى عليهم هذه ولا فقالوا: اما هذه فنعم، فما وفي بها أكثرهم، وما بعث الله نبيا إلّا واوحى اليه: أنْ لا يسأل قومه أجرا لانّ اللهعزوجل يوفيه اجرا الأنبياء ومحمدصلىاللهعليهوآله فرض اللهعزوجل طاعته ومودة قرابته على أمته وامره أنْ يجعل أمرهم(١) فيهم ليودوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أوجب اللهعزوجل لهم، فان المودة انما تكون على قدر معرفة الفضل، فلما أوجب الله ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة، فتمسك بها قوم قد أخذ الله تعالى ميثاقهم على الوفاء، وعاند أهل الشقاوة والنفاق، وألحدوا في ذلك فصرفوه عن حده الذي حده اللهعزوجل . فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته فعلى أي الحالتين كان فقد علمنا أنّ المودة هي للقرابة، فأقربهم من النبيصلىاللهعليهوآله أولاهم بالمودة، فلكما قربت القرابة كانت المودة على قدرها، وما أنصفوا نبي اللهصلىاللهعليهوآله في حيطته ورأفته، وما من الله به على أمته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه أنْ لا يودوه في ذريته وأهل بيته، وان يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرأس حفظا لرسول اللهصلىاللهعليهوآله فيهم وحبا لهم، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه والاخبار ثابتة بأنهم أهل المودة والذين فرض الله تعالى مودتهم ووعد الجزاء عليها، فما وفي أحد بها فهذه المودة لا يأتى بها أحد مؤمنا مخلصا إلّا استوجب الجنة، لقول الله تعالى في هذه ولا:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) مفسرا ومبينا.
٧٧ ـ وفيه ووجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحبا والشرط من الرضاعليهالسلام إلى العمال في شأن الفضل بن سهل وأخيه ولم ارو ذلك عن أحد: اما بعد فالحمد لله البديء
__________________
(١) كذا في النسخ وفي المصدر «أجره فيهم» مكان «أمرهم فيهم».
البديع إلى أنْ قال: الحمد لله الذي أورث أهل بيته مواريث النبوة، واستودعهم العلم والحكمة، وجعلهم معدن الامامة والخلافة، وأوجب ولايتهم وشرف منزلتهم، فأمر رسوله بمسألة أمته مودتهم إذ يقول:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وما وصفهم به من إذهابه الرجس عنهم وتطهيره إياهم في قوله:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .
٧٨ ـ في كتاب الخصال عن عبد الله بن العباس قال: قام رسول اللهصلىاللهعليهوآله فينا خطيبا فقال في آخر خطبته: ونحن الذين أمر الله لنا بالمودة فما ذا بعد الحق إلّا الضلال فانى تصرفون.
٧٩ ـ عن أبي رافع عن عليٍّعليهالسلام قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : من لم يحب عترتي فهو لإحدى ثلاث: اما منافق، واما الزانية، واما امرء حملت به امه في غير طهر.
٨٠ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشا عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليهالسلام في قول الله تبارك وتعالى:( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) قال: الاقتراف التسليم لنا والصدق علينا والا يكذب علينا.
٨١ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليهالسلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) قال: من تولى الأوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى يصل ولايتهم إلى آدمعليهالسلام ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: قد سبق في مجمع البيان في خطبتهعليهالسلام بيان لاختلاف الحسنة(١) .
٨٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليهالسلام يقول في قول اللهعزوجل : «قل
__________________
(١) راجع رقم ٧١.
( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) يعنى في أهل بيته، قال: جاءت الأنصار إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآله فقالوا: انا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك(١) فأنزل اللهعزوجل :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) يعنى على النبوة( إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) إلى في أهل بيته، ثم قال: ألآ ترى أنّ الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره، فأراد اللهعزوجل أنْ لا يكون في نفس رسول اللهصلىاللهعليهوآله شيء على أمته، ففرض الله عليهم المودة في القربى، فان أخذوا أخذوا مفروضا وان تركوا تركوا مفروضا، قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول: عرضنا عليه أموالنا فقال: [لا] قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي وقالت طائفة: ما قال هذا رسول الله وجحدوه وقالوا كما حكى اللهعزوجل :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) فقالعزوجل :( فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ ) قال: لو افتريت( وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ ) يعنى يبطله( وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) يعنى بالأئمة والقائم من آل محمدصلىاللهعليهوآله ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .
٨٣ ـ في عيون الأخبار متصل بقولهعليهالسلام سابقا مفسرا ومبينا ثم قال أبو الحسنعليهالسلام : حدّثني أبي عن جدي عن آبائه عن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهمالسلام قال اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله فقالوا: إنّ لك يا رسول الله مؤنة في نفقتك وفي من يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم [فيها] بارا مأجورا، أعط ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج، قال: فأنزل اللهعزوجل عليه الروح الأمين فقال: «قل يا محمد( لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) يعنى أنْ تودوا قرابتي من بعدي، فخرجوا فقال المنافقون: ما حمل رسول اللهصلىاللهعليهوآله على ترك ما عرضنا عليه إلّا ليحثنا على قرابته من بعده إنْ هو إلّا شيء افتراه محمد في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما فأنزل الله تعالى هذه الآية( أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فبعث إليهم النبيصلىاللهعليهوآله فقال هل من حدث؟ فقالوا: أي والله يا رسول الله لقد قال بعضنا كلاما عظيما كرهناه، فتلا عليهم رسول اللهصلىاللهعليهوآله الآية فبكوا واشتد
__________________
(١) نابه الأمر: أصابه.
بكاؤهم فأنزل اللهعزوجل :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) .
٨٤ ـ في مجمع البيان وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدّثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتى رسول اللهصلىاللهعليهوآله فنقول له أنْ تعرك(١) أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك، فنزلت( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فقرأها عليهم وقال: تودون قرابتي من بعدي. فخرجوا من عنده مسلمين لقوله فقال المنافقون: إنّ هذا شيء افتراه في مجلسه أراد أنْ يذللنا لقرابته من بعده. فنزلت:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتد عليهم فأنزل الله:( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ) الآية فأرسل في أثرهم فبشرهم وقال:( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا ) وهم الذين سلموا لقوله.
٨٥ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليهالسلام قال: وقال لأعداء الله أولياء الشيطان أهل التكذيب والإنكار:( قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) يقول متكلفا أنْ اسئلكم ما لستم بأهله، فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: اما يكفي محمدا أنْ يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أنْ يحمل أهل بيته على رقابنا؟! فقالوا: ما أنزل الله هذا وما هو إلّا شيء يتقوله يريد أنْ يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمد أو مات لننزعنها من أهل بيته ثم لا نعيدها فيهم أبدا، وأراد الله عز ذكره أنْ يعلم نبيهصلىاللهعليهوآله الذي أخفوا في صدورهم وأسروا به، فقال في كتابهعزوجل :( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ ) يقول: لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم، وقد قال اللهعزوجل :( وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ) يقول الحق لأهل بيتك الولاية( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) يقول بما القوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك، والظلم بعدك، والحديث
__________________
(١) عرا فلانا أمر: أصابه وعرض له.
طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
٨٦ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليهالسلام في قوله تبارك وتعالى:( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) قال: هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول العزيز الجبار ولك مثلا ما سألت بحبك إياه.
٨٧ ـ في مجمع البيان وروى [عن أبي] عبد الله [عليهالسلام ] قال: قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله :( وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) الشفاعة لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا.
٨٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قوله:( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) قال الصادقعليهالسلام : لو فعل لفعلوا ولكن جعلهم محتاجين بعضهم إلى بعض واستعبدهم بذلك، ولو جعلهم أغنياء لبغوا( وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ) مما يعلم انه يصلحهم في دينهم ودنياهم( إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ) .
٨٩ ـ حدّثني الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك ابن هارون عن أبي عبد اللهعليهالسلام عن آبائه صلوات الله عليهم عن الامام الحسن بن علىعليهماالسلام أنّه قال في حديث طويل بعد مضيه إلى ملك الروم واجوبة الامامعليهالسلام عما سأله عنه الملك ثم سأله عن أرزاق الخلائق؟ فقال الحسنعليهالسلام : أرزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسط بقدر.
٩٠ ـ في مجمع البيان روى انس عن النبيصلىاللهعليهوآله عن جبرئيل عن الله جل ذكره أنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا السقم ولو صححته لأفسده، وانّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الصحة ولو أسقمته لأفسده، وانّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده، وانّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده، وذلك انى أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم.
٩١ ـ في جوامع الجامع بقدر أي بتقدير وفي الحديث أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها.
٩٢ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ) أي ايسوا( وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) .
قال: حدّثني أبي عن العزرمي عن أبيه عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنينعليهالسلام قال: سئل عن السحاب اين يكون؟ قال على شجر كثيف على ساحل البحر فاذا أراد الله أنْ يرسله أرسل ريحا فأثاره ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع.
٩٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود عن الرضاعليهالسلام حديث طويل وفيه: وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة(١) .
٩٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنينعليهالسلام قال: إنّي سمعته يقول: إنّي أحدّثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أنْ يعيه(٢) ثمّ أقبل علينا فقال: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلّا كان الله احلم وأجود وامجد من أنْ يعود في عقابه يوم القيامة. ثم قال: وقد يبتلى اللهعزوجل المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله ثمّ تلا هذه ولا:( وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) وحثا بيده ثلاث مرات.
٩٥ ـ قال الصادقعليهالسلام : لـمّا دخل عليّ بن الحسينعليهماالسلام على يزيد نظر إليه ثم قال له: يا عليُّ( ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) فقال عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما: كلّا، ما هذه فينا نزلت انما نزل فينا:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) فنحن الذين لا نأسا على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا.
__________________
(١) وفي نسخة «وينشر رحمته».
(٢) وعى الحديث: حفظه.