زبدة التفاسير الجزء ٥

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-07-8
الصفحات: 597
مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-07-8
الصفحات: 597
الأهل والمؤمنين بعدي) (1) .
____________________
(1) الأمالي للطوسي: 521/1147، عن المجاشعي، عن الإمام الرضا، عن آبائه، عن الإمام زين العابدين (عليهم السلام) عن عمر وسلمة ابني أمّ سلمة ربيبَي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كشف الغمّة: 2/35 عن عمر وسلمة وراجع تفسير العيّاشي: 1/332/153 وبشارة المصطفى: 147، والبرهان في تفسير القرآن: 2/227/2909 وبحار الأنوار: 37/256/11.
بحث حول حديث المنزلة
إنّ حديث المنزلة الذي نقلناه بصور متنوّعة، يمثّل فضيلة من الفضائل العلويّة الرفيعة، ومنقبة من مناقبها الكريمة، واستبان ممّا ورد أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نطق بهذه الفضيلة في مواطن كثيرة، فما جرى على لسانه المطهّر في غزوة تبوك وإن كان أشهرها، ولكنّه لا يقتصر عليها.
والأسانيد العديدة والمنقولات الجمّة لهذا الحديث لا تَدَع مجالا للشكّ في صدوره القطعي، وقد أدّى سعة نقله وكثرة أسانيده، إلى أن يصرّح علماء ومحدّثون سنّة كبار بتواتره وكثرة نقله من طرق ومصادر مختلفة، ويؤكّدون على كونه الحديث الأكثر ثبتاً بين الآثار المنقولة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، مبيّنين بذلك اتّفاق رواة الحديث وحفظة الآثار على صحّته.
وكتب الحسكاني يقول عن أسانيده:
وهذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرّجته بخمسة آلاف إسناد!! (1) .
____________________
(1) شواهد التنزيل: 1/195.
وفيه قال محمّد بن عبد البرّ:
روى قولَه (صلَّى الله عليه وآله): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) جماعةٌ من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها.
رواه عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) سعد بن أبي وقّاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدّاً، قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عبّاس، وأبو سعيد الخدري، وأمّ سلمة، وأسماء بنت عُميس، وجابر بن عبد الله، وجماعة يطول ذكرهم (1) .
وكتب محمّد بن يوسف الگنجى:
هذا حديث متّفق على صحّته، رواه الأئمّة الحفّاظ كأبي عبد الله البخاري في صحيحه، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي عيسى الترمذي في جامعه، وأبي عبد الرحمن النسائي في سننه، وابن ماجة القزويني في سننه، واتّفق الجميع على صحّته حتى صار ذلك إجماعاً منهم.
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر (2) .
وأورد السيوطي في كتابه الذي أفرده لنقل الأحاديث المتواترة وسمّاه بـ (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) حديث المنزلة (3) ، مصرّحاً عمليّاً بتواتره.
إنّ ما ورد أعلاه يعكس بعضاً من الآراء الواردة بشأن أسانيده، ولا ريب أنّ التتبّع في المصادر الحديثيّة ينفي أيّة أوهام تشكّك في قطعيّة صدوره.
____________________
(1) الاستيعاب: 3/202/1875.
(2) كفاية الطالب: 283.
(3) الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 76/103.
ومن حيث المضمون نرى أنّه جعل لعليّ (عليه السلام) جميع المناصب التي كانت لهارون (عليه السلام) في عصر موسى (عليه السلام) إلاّ النبوّة، وذكر القرآن الكريم مناصب هارون بهذا النحو: ( وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1) .
وثبتت هذه المناصب لعليّ (عليه السلام) في الأحاديث النبويّة بصراحة (2) .
وأورد القرآن الكريم قسماً آخر من مناصب هارون بالنحو الآتي:
( ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (3) .
إنّ واقع حياة عليّ (عليه السلام)، ودفاعه الفذّ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وشهوده الذي لا مثيل له في حروبه جميعها، كلّ أولئك مَعْلَم على أنّ الله تعالى جعل لعليّ (عليه السلام) من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) منزلة هارون من موسى (عليهما السلام).
لقد مضى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في إبلاغ رسالته حسب المجريات الطبيعيّة للأُمور، وكان عليّ (عليه السلام) أفضل وأثبت نصير له في هذا السبيل، فمبيته في فراشه، واستبساله العجيب في معركة بدر التي كانت أوّل اختبار للمسلمين، وكانت مصيريّة رهيبة، وحمايته العظيمة له (صلَّى الله عليه وآله) في أُحد - وقد فرَّ كثير من المدّعين - ومبارزته لعمرو بن عبد ودّ في معركة الخندق بعد حصار المشركين المخيف، وتجلّي قوّته في خيبر، وقد ظلّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأصحابه خلف أسوارها، وغير ذلك كلّه آية على أنّ دعمه لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان مصيريّاً.
____________________
(1) طه: 29 - 32.
(2) راجع: القسم التاسع/عليّ عن لسان النبيّ/المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/وزيري.
(3) الأعراف: 142.
ونُضيف إلى ما ذكرناه، أنّ هذه الأحاديث تدلّ على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان متميّزاً بين الصحابة، ولم يُقرَن به أحد منهم، كما كان هارون في بنى إسرائيل. انظر إلى الروايات الآتية:
ـ الإمام عليّ (عليه السلام): (إنّ الله تبارك اسمه... شدّ بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرَّفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصَّني بوصيّته، واصطفاني بخلافته في أُمّته، فقال (صلَّى الله عليه وآله) - وقد حشده المهاجرون والأنصار، وانغصّت بهم المحافل -: أيّها الناس، إنّ عليّاً منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.
فعقلَ المؤمنون عن الله نطق الرسول؛ إذ عرفوني أنّي لستُ بأخيه لأبيه وأُمّه، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأُمّه، ولا كنت نبيّاً فأقتضي نبوّة، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي، كما استخلف موسى هارون (عليهما السلام) حيث يقول: ( ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ )) (1) (2) .
ـ أبو خالد الكابلي: قيل لسيّد العابدين عليّ بن الحسين: إنّ الناس يقولون: إنّ خير الناس بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ (عليه السلام). قال: (فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال لعليّ (عليه السلام): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)؟! فمَن كان في زمن موسى مثل هارون؟!) (3)
ـ أبو هارون العبدي: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري عن معنى قول
____________________
(1) الأعراف: 142.
(2) راجع: الفصل العاشر/احتجاجات عليّ.
(3) معاني الأخبار: 74/2.
النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، قال: استخلفَه بذلك - واللهِ - على أُمّته في حياته وبعد وفاته، وفرض عليهم طاعته؛ فمَن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين (1) .
ـ سلم بن وضّاح: كنّا عند محمّد بن عبد الله، فسأله معلّى بن سليمان عن قول النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) أيّ شيء أراد به؟ قال: أراد به أن يُطاع من بعده كما يُطاع النبيّ في حياته (2) .
راجع:أحاديث الخلافة
القسم التاسع: عليّ عن لسان النبيّ/الأُسرة/بمنزلة رأسي من بدني،
ومنزلته عندي كمنزلتي عند الله.
عليّ عن لسان النبيّ /المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/وزيري.
عليّ عن لسان أصحاب النبيّ/عمر، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس.
كتاب (تاريخ دمشق): 42/142 - 186.
____________________
(1) معاني الأخبار: 74/1.
(2) المناقب للكوفي: 1/510/429.
الفصل الخامس
أحاديث الإمارة
5/1
معنى أُولي الأمر
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) (1) .
489 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - في معنى أُولي الأمر -: (هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)) (2) .
490 - كمال الدين، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد (صلَّى الله عليه وآله): ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمَن أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتَهم بطاعتك؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله): (هم خلفائي - يا جابر - وأئمّة المسلمين من بعدي،
____________________
(1) النساء: 59.
(2) تفسير فرات: 109/110 عن سلمان الفارسي، اليقين: 379/134 عن جابر بن عبد الله الأنصاري.
أوّلهم عليّ بن أبي طالب) (1) .
491 - الإمام عليّ (عليه السلام): (قلت: يا رسول الله، ومَن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) الآية. فقلت: يا رسول الله، ومَن هم؟ قال: الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ الحوض، كلّهم هادٍ مهتدٍ، لا يضرّهم مَن خذلهم، هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يُفارقهم ولا يُفارقونه) (2) .
492 - الكافي، عن سليم بن قيس: سمعت عليّاً صلوات الله عليه يقول: (... أدنى ما يكون به العبد ضالاّ ً أن لا يعرف حجّة الله تبارك وتعالى، وشاهده على عباده، الذي أمر الله عزّ وجلّ بطاعته، وفرض ولايته. قلت: يا أمير المؤمنين، صِفهم لي. فقال: (الذين قرنَهم الله عزّ وجلّ بنفسه ونبيّه، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ).
قلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك أوضح لي. فقال: (الذين قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في آخر خطبته يوم قبضه الله عزّ وجلّ إليه: إنّي قد تركتُ فيكم أمرين، لن تضلّوا بعدي ما إن تمسّكتم بهما: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي؛ فإنّ اللطيف الخبير قد عهد لي أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، كهاتين - وجمع بين مسبّحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبّحة والوسطى - فتسبق
____________________
(1) كمال الدين: 253/3، إعلام الورى: 2/181، المناقب لابن شهر آشوب: 1/282.
(2) كمال الدين: 285/37، تفسير العيّاشي: 1/253/177، الاعتقادات: 121 وفيه (قرن الله طاعتهم بطاعته وبطاعتي) بدل (قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي)، الغيبة للنعماني: 81/10، كتاب سليم بن قيس: 2/626/10 كلّها عن سليم بن قيس، وزاد فيهما بعد الآية (فإن خفتم تنازعاً [ التنازع ] في شيء، فأرجعوه إلى الله وإلى رسوله وإلى أُولي الأمر منكم).
إحداهما الأُخرى، فتمسّكوا بهما لا تزلّوا ولا تضلّوا، ولا تقدّموهم فتضلّوا) (1) .
493 - الإمام زين العابدين (عليه السلام): (إنّ أُولي الأمر الذين جعلهم الله عزّ وجلّ أئمّة للناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا) (2) .
494 - الإمام الباقر (عليه السلام) - في قوله تعالى: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) -: (هي في عليّ وفي الأئمّة، جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنّهم لا يُحلّون شيئاً، ولا يُحرّمونه) (3) .
495 - الكافي، عن أبي بصير: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، فقال: (نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)) (4) .
496 - الإمام الصادق (عليه السلام): (نزلت ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) في عليّ والحسن والحسين فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في عليّ: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه. وقال (صلَّى الله عليه وآله): أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي؛ فإنّي سألتُ الله عزّ وجلّ ألاّ يفرّق بينهما حتى يُوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك. وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم. وقال: إنّهم لن يُخرجوكم من باب هدى، ولن يُدخلوكم في باب
____________________
(1) الكافي: 2/415/1، معاني الأخبار: 394/45 نحوه إلى آخر الآية، كتاب سليم بن قيس: 2/616/8 كلّها عن سليم بن قيس.
(2) كمال الدين: 319/2، الاحتجاج: 2/152/188، إعلام الورى: 2/194، كلّها عن أبي خالد الكابلي.
(3) تفسير العيّاشي: 1/252/173 عن عبد الله بن عجلان.
(4) الكافي: 1/286/1.
ضلالة) (1) .
497 - تفسير العيَّاشي، عن عمرو بن سعيد: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، قال: (عليّ بن أبي طالب والأوصياء من بعده) (2) .
498 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو وليّ الأمر بعدي، ووارث علمي وحكمتي، وسرّي وعلانيتي، وما ورثه النبيّون قبلي، وأنا وارث ومورّث) (3) .
499 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أخي، ووصيّي، ووليّ أمركم من بعدي) (4) .
راجع: كتاب (أهل البيت (عليهم السلام) في الكتاب والسنّة)/خصائص أهل البيت (عليهم السلام)/أُولو الأمر.
كتاب (بحار الأنوار): 23/283 - 304.
كتاب (الميزان في تفسير القرآن): 4/385 - 414.
5/2
الأمير بعد النبيّ
500 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا معشر المهاجرين والأنصار، أوصيكم بوصيّة فاحفظوها، وإنِّي مؤدٍّ إليكم أمراً فاقبلوه: ألا إنّ عليّاً أميركم من بعدي، وخليفتي فيكم) (5) .
____________________
(1) الكافي: 1/287/1 عن أبي بصير.
(2) تفسير العيّاشي: 1/253/176.
(3) خصائص الأئمّة (عليهم السلام): 75، عن أبي موشى الضرير البجلي، عن أبي الحسن (عليه السلام).
(4) دعائم الإسلام: 1/383 عن بريدة، وراجع الأمالي للصدوق: 175/178.
(5) الخصال: 462/4، الاحتجاج: 1/190/37 كلاهما عن خالد بن سعيد بن العاص.
501 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو إمام كلّ مسلم، وأمير كلّ مؤمن بعد وفاتي) (1) .
502 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (أنا سيّد الأوّلين والآخرين، وعليّ بن أبي طالب... إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وأميرهم بعدي) (2) .
503 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا عليّ، أنت الإمام بعدي والأمير، وأنت الصاحب بعدي والوزير، وما لك في أمَّتي من نظير) (3) .
504 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن أحبّ أن يتمسّك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتدِ بعليّ بن أبي طالب، وليُعادِ عدوّه، وليُوالِ وليّه؛ فإنّه وصيِّي، وخليفتي على أمَّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كلّ مسلم، وأمير كلّ مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري، ونهيه نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي) (4) .
505 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إنّ الله عزّ وجلّ بعثني إليكم رسولاً، وأمرني أن أستخلف عليكم عليّاً أميراً) (5) .
____________________
(1) إعلام الورى: 2/184، عن الأصبغ بن نباتة، عن الإمام عليّ (عليه السلام).
(2) الأمالي للصدوق: 678/924 عن عائشة.
(3) الأمالي للصدوق: 101/77، عن مقاتل بن سليمان، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، روضة الواعظين: 115، المناقب لابن شهر آشوب: 3/57.
(4) كمال الدين: 260/6، التحصين لابن طاووس: 553، كلاهما عن الحسين بن خالد، عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام).
(5) الأمالي للصدوق: 492/669 عن ابن عبّاس.
506 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت نبيّه فعليّ أميره) (1) .
507 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت وليّه فعليّ أميره) (2) .
508 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت أميره فعليّ أميره) (3) .
509 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن وآله، وعادِ مَن عاداه) (4) .
510 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (أنت - يا عليّ - أمير من في السماء، وأمير من في الأرض،
____________________
(1) تهذيب الأحكام: 3/144/317، عن عليّ بن الحسين العبدي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، الأمالي للصدوق: 492/669 عن ابن عبّاس وفيه (... فإنّ عليّاً أميره)، مصباح المتهجّد: 748/842 من دون إسناد إلى المعصوم، الإقبال: 2/284، عن عليّ بن الحسن العبدي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، تفسير فرات: 517/675 عن حذيفة بن اليمان، المناقب للكوفي: 2/430/912 عن أنس، الاحتجاج: 1/297/52، اليقين: 448/170 كلاهما عن أبي بن كعب وفيهما (فهذا أميره).
(2) المناقب للكوفي: 1/415/328 وج 2/516/1020 كلاهما عن أنس.
(3) معاني الأخبار: 66/5 عن أبي سعيد، بحار الأنوار:/224/100.
(4) مسند ابن حنبل: 6/401/18506 عن البرّاء بن عازب وج 7/82/19321 عن أبي الطفيل وص 86/19344 وفيه (فإنّ عليّاً مولاه) وص87/19347 عن ميمون أبي عبد الله9/51/23204، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/597/1017 وفيه (فإنّ عليّاً)، المستدرك على الصحيحين: 3/118/4576، كلاهما نحوه، والثلاثة الأخيرة عن زيد بن أرقم وص 126/4601 عن سعد بن مالك وص 419/5594 عن إياس الضبِّي عن أبيه، صحيح ابن حبّان: 15/376/6931 عن أبي الطفيل وفيه (... فإنّ هذا مولاه...) بدل (فعليّ مولاه)، المصنّف لابن أبي شيبة: 7/499/28 عن زيد بن يثيع وح 29 عن أبي يزيد الأودي عن أبيه، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 150/79 عن زيد بن أرقم وص 177/96 عن سعد، تاريخ دمشق: 42/206/8682 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ الكافي: 1/294 وص 295/3 عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) وج 8/27/4 عن جابر بن يزيد، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، تهذيب الأحكام: 3/263/746 عن حسّان الجمّال، عن الإمام الصادق (عليه السلام).
وأمير مَن مضى، وأمير مَن بقي) (1) .
511 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إن تؤمّروا عليّاً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهديّاً، يأخذ بكم الطريق المستقيم) (2) .
512 - الإمام عليّ (عليه السلام): (أنا وصيّ نبيّكم، وخليفته، وإمام المؤمنين، وأميرهم ومولاهم) (3) .
5/3
أمير البررة
513 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - يوم الحديبيّة وهو آخذ بيد عليّ (عليه السلام) -: (هذا أمير البرَرَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) - يمدّ بها صوته - (4) .
514 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في يوم بنى النضير -: (عليّ إمام البرَرَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ
____________________
(1) مائة منقبة: 76/26، تأويل الآيات الظاهرة: 1/185/31 عن أنس بن مالك، وكلاهما عن ابن عبّاس، الصراط المستقيم: 2/54 وفيه (أنت أمير من الله على مَن مضى ومَن بقي).
(2) مسند ابن حنبل: 1/232/859، فضائل الصحابة لابن حنبل: 1/231/284، المعجم الأوسط: 2/341/2166، مسند البزّار: 3/33/783، أُسد الغابة: 4/106/3789، البداية والنهاية: 7/361 كلّها عن زيد بن يثيع عن الإمام عليّ (عليه السلام)، تاريخ دمشق: 24/421/9014 عن يزيد بن يثيع عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله) وص 420، شواهد التنزيل: 1/82/99 كلاهما عن حذيفة وفى بعضها (يسلك) بدل (يأخذ) .
(3) مائة منقبة: 83/32، الاستنصار: 22 كلاهما عن المسيّب.
(4) تاريخ بغداد: 2/377/877 وج 4/219/1915، تاريخ دمشق: 42/383/8985 و8986، المناقب لابن المغازلي: 84/125، كفاية الطالب: 221؛ المسترشد: 622/289 كلّها عن جابر بن عبد الله.
مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) (1) .
515 - المستدرك على الصحيحين، عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - وهو آخذ بضبع (2) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - وهو يقول: (هذا أمير البرَرَة، قاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) - ثمّ مدّ بها صوته - (3) .
516 - الأمالي للطوسي، عن حذيفة بن اليمان: انظروا الفئةَ التي فيها عليّ (عليه السلام) فأتوها ولو زحفاً على رُكَبكم؛ فإنّي سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (عليّ أمير البَررَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله إلى يوم القيامة) (4) .
517 - الإمام الصادق (عليه السلام) - في ذكر مَن أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه في مجلس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) -: (قام أبو أيّوب الأنصاري فقال: اتّقوا الله - عباد الله - في أهل بيت نبيّكم، واردُدوا إليهم حقّهم الذي جعله الله لهم؛ فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله) ومجلس بعد مجلس يقول: أهل بيتي أئمّتكم بعدي! ويومئ إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويقول: إنّ هذا أمير البرَرَة، وقاتل الكَفَرة، مخذولٌ مَن خذله، منصورٌ مَن نصره!!) (5)
____________________
(1) المناقب للخوارزمي: 200/240؛ كشف الغمّة: 1/256 كلاهما عن عمرو بن العاص، وراجع علل الشرائع: 213/2.
(2) الضبع - بسكون الباء -: وسط العضد (النهاية: 3/73).
(3) المستدرك على الصحيحين: 3/140/4644، المناقب لابن المغازلي: 80/120 وفيه (قاتل الكفرة)؛ الأمالي للطوسي: 483/1055.
(4) الأمالي للطوسي: 483/1054؛ المناقب للخوارزمي: 177/215 وفيه من (سمعت رسول الله...) وراجع رجال الكشّي 1/289/129.
(5) الاحتجاج: 1/199/12 عن أبان بن تغلب، الدرجات الرفيعة: 315.
5/4
مبدأ تسمية عليّ بأمير المؤمنين
518 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (لو علم الناس متى سُمّي عليّ أميرَ المؤمنين، ما أنكروا فضله، سُمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال الله عزّ وجلّ: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ... ) (1) ، قالت الملائكة: بلى. قال تبارك وتعالى: أنا ربّكم، ومحمّد نبيّكم، وعليّ أميركم) (2) .
519 - الكافي، عن عليّ بن أبي حمزة: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: جُعلت فداك! كم عُرج برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ فقال: (مرّتين، فأوقفه جبرئيل مَوقفاً، فقال له: مكانك يا محمّد؛ فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ...
فقال الله تبارك وتعالى: يا محمّد. قال: لبّيك ربّي، قال: مَن لأُمّتك من بعدك؟! قال: الله أعلم. قال: عليّ بن أبي طالب، أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (3) .
قال: ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبى بصير: (يا أبا محمّد، والله، ما جاءت ولاية
____________________
(1) الأعراف: 172.
(2) الفردوس: 3/354/5066، ينابيع المودّة: 2/279/802 وفيه إلى (والجسد)، وكلاهما عن حذيفة بن اليمان وح 803 عن أبي هريرة، وفيه من قوله تعالى؛ نهج الحقّ: 191 وفيه روى الجمهور عنه (صلَّى الله عليه وآله) وراجع الفضائل لابن شاذان: 89.
(3) في الحديث: (أُمّتي الغرّ المحجّلون)؛ أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام (لسان العرب: 11/144).
عليّ (عليه السلام) من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) (1) .
520 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (أُوحي إليّ في عليّ أنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (2) .
521 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إنّ جبرئيل أتاني من قِبَل ربّي بأمر قرّت به عيني، وفرح به صدري وقلبي، يقول: إنّ عليّاً أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين) (3) .
522 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (... أنت - يا عليّ - أمير المؤمنين في السماء، وأمير المؤمنين في الأرض) (4) .
523 - الإمام الحسين، عن الإمام عليّ (عليهما السلام): (أنّه جاء إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن، إنّك تُدعى أمير المؤمنين؛ فمن أمّرك عليهم؟ قال (عليه السلام): الله جلّ جلاله أمَّرني عليهم. فجاء الرجل إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أيصدُق عليّ فيما يقول: إنّ الله أمّره على خلقه؟ فغضب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ثمّ قال: إنّ عليّاً أمير المؤمنين بولاية من الله عزّ وجلّ، عقدها له فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته...) (5) .
524 - الكافي، عن جابر: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): لِمَ سُمّي أمير المؤمنين؟ قال: (الله سمّاه) (6) .
____________________
(1) الكافي: 1/442/13 وراجع الاختصاص: 54.
(2) موضح أوهام الجمع والتفريق: 1/191؛ اليقين: 184/37 كلاهما عن أسعد بن زرارة221/64 عن أبي نذرة نحوه وراجع تاريخ بغداد: 13/123/7106.
(3) الاعتقادات: 86.
(4) اليقين: 242/79 عن ابن عبّاس.
(5) بشارة المصطفى: 24 عن أبي حمزة عن الإمام زين العابدين (عليه السلام).
(6) الكافي: 1/412/4، مختصر بصائر الدرجات: 171.
525 - حلية الأولياء، عن القاسم بن جندب، عن أنس: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا أنس، اسكب لي وضوءاً). ثمّ قام فصلَّى ركعتين، ثمّ قال: (يا أنس، أوّل مَن يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين).
قال أنس: قلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار. وكتمتُه، إذ جاء عليّ فقال: (مَن هذا يا أنس؟). فقلت: عليّ. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه.
قال عليّ: (يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل؟!). قال: (وما يمنعني، وأنت تؤدّي عنّي، وتُسمعهم صوتي، وتُبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!) (1)
526 - تاريخ دمشق، عن أنس بن مالك: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (اسكب إليّ ماءً - أو وضوءاً -)، فتوضّأ، ثمّ قام فصلّى ركعتين، ثمّ قال: (يا أنس، أوّل مَن يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، سيّد المؤمنين عليّ) (2) .
527 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا أمّ سلمة، اشهدي واسمعي، هذا عليّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين) (3) .
____________________
(1) حلية الأولياء: 1/63، تاريخ دمشق: 42/386/8994، المناقب للخوارزمي: 85/75، فرائد السمطين: 1/145/109، كفاية الطالب: 211، الفردوس: 5/364/8449؛ الإرشاد: 1/46، تفسير العيَّاشي: 2/262/39، المناقب للكوفي: 1/312/232 والأربعة الأخيرة نحوه430/335، المسترشد: 601/272 وراجع الاحتجاج: 1/326/55 واليقين: 137/7.
(2) تاريخ دمشق: 42/303/8837.
(3) المناقب للخوارزمي: 142/163، كفاية الطالب: 168؛ الإرشاد: 1/47، بشارة المصطفى: 167، اليقين: 173/30 وص 415/154 عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله)، شرح الأخبار: 1/124/53، المناقب لابن شهر آشوب: 3/54، المناقب للكوفي: 1/368/293 كلّها عن ابن عبّاس.
528 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا أمَّ سلمة، هذا عليّ؛ سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأمير المؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصيّ على أهل بيتي، وعلى الأخيار من أُمّتي، هو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السناء (1) الأعلى) (2) .
529 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، ومولاهم بعدي؛ عليّ بن أبي طالب) (3) .
530 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا عليّ، أنت أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (4) .
531 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين، وخير الوصيّين) (5) .
532 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أخي ووزيري، وخير مَن أُخلِّف في
____________________
(1) السناء: الرفعة. وفى الخبر: (بشّر أُمّتي بالسناء)؛ أي بارتفاع القدر والمنزلة عند الله تعالى (مجمع البحرين: 2/896).
(2) المحاسن والمساوئ: 44 عن ابن عبّاس.
(3) الأمالي للصدوق: 374/471، بشارة المصطفى: 34، التحصين لابن طاووس: 563/20 نحوه وكلّها عن ابن عبّاس.
(4) الأمالي للصدوق: 450/609 عن عبد الله بن عبّاس، تفسير فرات: 266/360 عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله) وليس فيه (وإمام المسلمين).
(5) الأمالي للصدوق: 188/197، بشارة المصطفى: 24 كلاهما عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام).
أهلي، وسيّد المسلمين، وأمير المؤمنين من بعدي، وقائد الغرّ المحجّلين يوم القيامة) (1) .
533 - الأمالي للصدوق، عن أبي ذرّ الغفاري: كنّا ذات يوم عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في مسجد قُبا - ونحن نفر من أصحابه - إذ قال: (معاشر أصحابي، يدخل عليكم من هذا الباب رجل، هو أمير المؤمنين، وإمام المسلمين).
قال: فنظروا - وكنت فيمَن نظر - فإذا نحن بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد طلع، فقام النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فاستقبله وعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجاء به حتى أجلسه إلى جانبه، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: (هذا إمامكم من بعدي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي؛ وطاعتي طاعة الله، ومعصيتي معصية الله عزّ وجلّ) (2) .
5/5
اختصاص هذا الاسم بعليٍّ
534 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (لمّا أُسري بي إلى السماء، كنت من ربِّي كقاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليّ ربّي ما أوحى، ثمّ قال: يا محمّد، أقرئ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين السلام؛ فما سمّيت بهذا أحداً قبله، ولا أُسمّي بهذا أحداً بعده) (3) .
535 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (لمّا أُسري بي إلى السماء، ثمّ من السماء إلى السماء إلى سدرة المنتهى، وقفت بين يدي ربّي عزّ وجلّ، فقال لي: يا محمّد... اخترت لك عليّاً
____________________
(1) شرح الأخبار: 1/206/170 عن ابن عبّاس.
(2) الأمالي للصدوق: 634/850 بحار الأنوار: 38/106/34.
(3) الأمالي للطوسي: 295/578، بشارة المصطفى: 186، عن عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري، عن الإمام الهادي، عن آبائه، عن الإمام عليّ (عليهم السلام)، عنه (صلَّى الله عليه وآله) وراجع الكافي: 1/441/8 والأمالي للصدوق: 701/956.
كقولنا: أللّهمّ صلّ على آل محمّد، بل الواحد منهم لا غير، أم لا؟ قال أصحابنا بجواز ذلك. وقال الجمهور بكراهيته، لأنّ الصلاة على النبيّ صارت شعارا له، فلا تطلق على غيره، ولإيهامه الرفض.
والحقّ ما قاله الأصحاب لوجوه :
الأوّل: قوله تعالى مخاطبا للمؤمنين كافّة:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (١) . وهو نصّ في الباب.
الثاني: قوله:( الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) (٢) . ولا ريب أنّ أهل البيت أصيبوا بأعظم المصائب، الّتي من جملتها غصب مقام إمامتهم منهم.
والثالث: أنّه لـمّا أتى أبو أوفى زكاته، قال النّبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم : أللّهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى.
فيجوز على أهل البيت بطريق أولى.
الرابع: إنّ الصلاة من الله بمعنى الرحمة، ويجوز الرحمة عليهم إجماعا، فيجوز مرادفها، لـما تقرّر في الأصول أنّه يجوز إقامة أحد المترادفين مقام الآخر.
الخامس: قولهم: إنّها صارت شعارا للرسول، فلا تطلق على غيره. فاسد، لأنّها كما دلّت على الاعتناء برفع شأنه، كذلك تدلّ على الاعتناء برفع شأن أهله القائمين مقامه. ويكون الفرق بينهم وبينه: وجوبها في حقّه كلّما ذكر كما قيل، أو تأكيد استحباب في قول آخر.
السادس: إنّ قولهم: إنّ ذلك يوهم الرفض، محض تعصّب وعناد. نظير قولهم: من السنّة تسطيح القبور، لكن لـمّا اتّخذته الرفضة شعارا لقبورهم عدلنا عنه إلى التسنيم. فعلى هذا كان يجب عليهم أنّ كلّ مسألة قالت بها الإماميّة أن يفتوا
__________________
(١) الأحزاب: ٤٣.
(٢) البقرة: ١٥٦ ـ ١٥٧.
بخلافها. وما ذلك إلّا محض العناد وكمال التعصّب. نعوذ بالله من الأهواء المضلّة، والآراء الفاسدة.
( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) )
ولـمّا أمر الله سبحانه العباد بالصلاة والسلام على نبيّه، هدّدهم إن آذوه بالألسن والأيدي، فقال :
( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) يرتكبون ما يكرهانه ولا يرضيان به، من الكفر والمعاصي، قولا وفعلا. أو يؤذون رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بكسر رباعيته، وقولهم: شاعر مجنون.
وقيل: ذكر الله للتعظيم له. فجعل أذى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أذى له، تشريفا له وتكريما. فكأنّه يقول: لو جاز أن يناله أذى من شيء لكان ينالني من هذا.
وقيل: أذى الله هو قول اليهود والنصارى والمشركين: يد الله مغلولة، وثالث ثلاثة، والمسيح ابن الله، والملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه.
وقيل: قول الّذين يلحدون في أسمائه وصفاته.
وعن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فيما حكى عن ربّه: «شتمني ابن آدم، ولم ينبغ له أن يشتمني. وآذاني، ولم ينبغ له أن يؤذيني. فأمّا شتمه إيّاي فقوله: إنّي اتّخذت ولدا. وأمّا أذاه فقوله: إنّ الله لا يعيدني بعد أن بدأني».
وروي عن الخاصّة والعامّة أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال في حقّ فاطمةعليهاالسلام :
«فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله».
روى السيّد أبو الحمد قال: حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني، أنّه قال: حدّثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن دارم الحافظ، قال: حدّثنا عليّ بن أحمد العجليّ، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا أرطاة بن حبيب، قال: حدّثنا أبو الخالد الواسطي وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني زيد بن عليّ بن الحسينعليهالسلام وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني عليّ بن الحسينعليهالسلام وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني الحسين بن عليّعليهالسلام وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني عليّ بن أبي طالبعليهالسلام وهو آخذ بشعره، قال: حدّثني رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم وهو آخذ بشعره، فقال: «من آذى شعرة منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله». كما قال جلّ اسمه:( لَعَنَهُمُ اللهُ ) أبعدهم من رحمته( فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ) يهينهم مع الإيلام.
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) بغير جناية استحقّوا بها الإيذاء. ترك هذا القيد في أذى الله ورسوله، لأنّ أذاهما لا يكون إلّا غير حقّ أبدا.( فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً ) أي: احتملوا مثل عقوبة البهتان الّذي هو من أعظم العقوبات. وقيل: يعني بذلك اذيّة اللسان الّتي هي مظنّة البهتان.( وَإِثْماً مُبِيناً ) ظاهرا. روي أنّها نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليّاعليهالسلام . وقيل: في أهل الإفك على عائشة. وقيل: في زناة كانوا يتّبعون النساء وهنّ كارهات.
( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ
لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢) )
ثمّ رجع إلى حكم آخر لنسائهصلىاللهعليهوآله ، فقال:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ ) يغطّين وجوههنّ وأبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة. والجلباب: ثوب واسع، أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها، وتبقي منه ما ترسله على صدرها. و «من» للتبعيض، فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها، وتتلفّع(١) ببعض، حتّى تتميّز من الأمة.
وروي: أنّ النساء كنّ في أوّل الإسلام يبرزن في درع وخمار، بلا فرق بين الحرّة والأمة. وكان الفسّاق يتعرّضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهنّ في النخيل والغيطان(٢) ، وربّما تعرّضوا للحرّة بعلّة الأمة، يقولون: حسبناها أمة. فأمرن أن يخالفن بزيّهنّ عن زيّ الإماء، بلبس الأردية والملاحف، وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهنّ طامع، بخلاف الإماء اللّاتي يخرجن مكشّفات الرؤوس والجباه.
وذلك قوله:( ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ ) أقرب إلى أن يعرفن بزيّهنّ أنّهنّ حرائر ولسن بإماء. وعن الجبائي: معناه: ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر والصلاح فلا يتعرّض لهنّ، لأنّ الفاسق إذا عرف امرأة بالستر والصلاح لم يتعرّض لها.( فَلا يُؤْذَيْنَ ) فلا يؤذيهنّ أهل الريبة بالتعرّض لهنّ( وَكانَ اللهُ غَفُوراً ) لـما سلف
__________________
(١) تلفّعت المرأة بالثوب: اشتملت به وتغطّت.
(٢) الغيطان جمع الغوطة، وهي المكان المطمئنّ والمنخفض من الأرض.
( رَحِيماً ) بعباده، حيث يراعي مصالحهم حتّى الجزئيّات منها.
ثمّ أوعد سبحانه هؤلاء الفسّاق بقوله:( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ) عن نفاقهم( وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) ضعف إيمان وقلّة ثبات عليه. أو فجور صادر عن تزلزلهم في الدين، من قوله تعالى:( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) (١) .
( وَالْمُرْجِفُونَ ) الّذين كانوا يرجفون( فِي الْمَدِينَةِ ) بأخبار السوء عن سرايا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيقولون: هزموا وقتلوا، وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين. وأصل الإرجاف: التحريك، من الرجفة، وهي الزلزلة. سمّي به الإخبار الكاذب لكونه متزلزلا غير ثابت.
وفي الكلام حذف، تقديره: إن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عمّا يؤلّفون من أخبار السوء.( لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) لنأمرنّك بقتالهم. وقد حصل الإغراء لهم بقوله:( جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) (٢) .
وبإجلائهم، وبما يضطرّهم إلى طلب الجلاء.( ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها ) لا يساكنونك في المدينة. عطف على «لنغرينّك». و «ثمّ» للدلالة على أنّ الجلاء ومفارقة جوار رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أعظم ما يصيبهم، فتراخت حاله عن حال المعطوف عليه.( إِلَّا قَلِيلاً ) زمانا أو جوارا قليلا.
( مَلْعُونِينَ ) نصب على الشتم، أو الحال. والاستثناء شامل له أيضا، كقوله:( إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ ) (٣) . أي: لا يجاورونك إلّا ملعونين مبعدين عن الرحمة. وقيل: ملعونين على ألسنة المؤمنين. ولا يجوز أن ينتصب عن «أخذوا» في قوله:( أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. والمعنى: أينما وجدوا وظفر بهم أخذوا وقتّلوا أبلغ القتل.
__________________
(١) الأحزاب: ٣٢.
(٢) التوبة: ٧٣.
(٣) الأحزاب: ٥٣.
( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ) مصدر مؤكّد، أي: سنّ الله ذلك في الأمم الماضية، وهو أن يقتل الّذين نافقوا الأنبياء، وسعوا في وهنهم بالإرجاف ونحوه حيثما ثقفوا. والسنّة: الطريقة في تدبير الحكم. وسنّة رسول الله: طريقته الّتي أجراها بأمر الله تعالى، فأضيفت إليه. ولا يقال: سنّته إذا فعلها مرّة أو مرّتين، لأنّ السنّة الطريقة الجارية المستمرّة.( وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) لأنّه لا يبدّلها، ولا يقدر أحد أن يبدّلها.
( يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) )
روي: أنّ المشركين كانوا يسألون رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء، واليهود يسألونه امتحانا، لأنّ الله تعالى عمّى وقتها في التوراة وفي كلّ كتاب، فأمر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجيبهم بأنّه علم قد استأثره الله لنفسه، لم يعلّمه أحدا، فقال :
( يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ) عن وقت قيامها، استهزاء وتعنّتا، أو امتحانا( قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ ) لم يطلع عليه ملكا ولا نبيّا.
ثمّ بيّن لرسوله أنّها قريبة الوقوع، تهديدا للمستعجلين، وإسكاتا للممتحنين، فقال:( وَما يُدْرِيكَ ) أيّ شيء يعلمك من أمر الساعة ومتى قيامها، أي: أنت لا تعرفها( لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ) أي: شيئا قريبا مجيئها. ويجوز أن يكون التذكير لأنّ الساعة في معنى اليوم.
( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) نارا شديدة الاتّقاد والالتهاب( خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا ) يحفظهم( وَلا نَصِيراً ) يدفع العذاب عنهم.
( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) تصرف من جهة إلى جهة، كاللحم الّذي يدور في القدر إذا غلت، فترامى به الغليان من جهة إلى اخرى. أو تغيّر من حال إلى حال، وهيئة إلى هيئة، فتسودّ وتصفرّ، وتصير كالحة بعد أن لم تكن. أو تطرح في النار مقلوبين منكوسين. وخصّت الوجوه بالذكر، لأنّ الوجه أكرم موضع على الإنسان من جسده. ويجوز أن يكون الوجه عبارة عن الجملة.
وناصب الظرف( يَقُولُونَ ) . أو محذوف، هو: اذكر. وإذا نصب بالمحذوف كان «يقولون» حالا، أي: قائلين( يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ ) فيما أمرنا به ونهانا عنه( وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ) فيما دعانا إليه، فلا نبتلى بهذا العذاب.
( وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا ) فيما فعلناه( سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) يعنون قادتهم الّذين لقّنوهم الكفر وزيّنوه لهم. وقرأ ابن عامر ويعقوب: ساداتنا على جمع الجمع، للدلالة على الكثرة.( فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) بما زيّنوا لنا. يقال: ضلّ السبيل، وأضلّه إيّاه. والألف لإطلاق الصوت، جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر. وفائدتها الوقف، والدلالة على أنّ الكلام قد انقطع، وأنّ ما بعده مستأنف. وقد مرّ اختلاف القرّاء فيه.
( رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ ) مثلي ما آتيتنا منه، ضعفا لضلالهم، وضعفا لإضلالهم، فإنّهم ضلّوا وأضلّوا( وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) كثير العدد. وقرأ عاصم بالباء(١) ، أي: لعنا هو أشدّ اللعن وأعظمه.
__________________
(١) أي: كبيرا، والقراءة الاخرى: كثيرا.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣) )
ثمّ خاطب سبحانه المظهرين للإيمان، فقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ) أي: لا تؤذوا محمّدا كما آذى بنو إسرائيل موسى، فإنّ حقّ النبيّ أن يعظّم ويبجّل، لا أن يؤذى( فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا ) فأظهر براءته من قولهم، أي: من مقولهم، يعني: مؤدّاه ومضمونه، وهو الأمر المورث للعيب.
فلا يقال: إنّ لفظة «ما» إمّا مصدريّة أو موصولة، وأيّهما كان فكيف تصحّ البراءة منه؟
واختلفوا فيما أوذي به موسىعليهالسلام . فعند بعضهم أنّ قارون حرّض امرأة على قذفه بنفسها، فعصمه الله، كما مرّ في القصص(١) .
__________________
(١) راجع ص ١٩٨، ذيل الآية ٨١ من سورة القصص.
وعن عليّعليهالسلام وابن عبّاس: أنّ بني إسرائيل اتّهموه بقتله هارون حين صعد الجبل، ومات هارون هناك، فحملته الملائكة، ومرّوا به عليهم ميّتا، وتكلّمت الملائكة بموته، حتّى عرفوا أنّه قد مات حتف أنفه.
وعن أبي هريرة مرفوعا: أنّ الله سبحانه أحياه، فأخبرهم ببراءة موسى.
وعن أبي العالية: أنّهم قذفوه بعيب في بدنه من برص أو ادرة(١) . وذلك أنّ موسىعليهالسلام كان حييّا ستيرا يغتسل وحده، فقالوا: ما يتستّر منّا إلّا لعيب بجلده، إمّا برص أو ادرة. فذهب مرّة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، فمرّ الحجر بثوبه، فطلبه موسى، فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا، فبرّأه الله ممّا قالوا.
وعن أبي مسلم: أنّهم آذوه من حيث نسبوه إلى السحر والجنون والكذب، بعد ما رأوا العذاب.
( وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً ) ذا جاه ومنزلة ورفعة عنده. يقال: وجه وجاهة فهو وجيه، إذا كان ذا جاه وقدر. ولوجاهته وعظم قدره يميط عنه التهم، ويدفع الأذى، ويحافظ عليه، لئلّا يلحقه وصم، ولا يوصف بنقيصة، كما يفعل الملك بمن له عنده قربة ووجاهة.
قيل: نزلت في شأن زيد وزينب، وما سمع فيه من مقالة بعض الناس.
ثمّ أمر سبحانه أهل الايمان والتوحيد بالتقوى والقول السديد، فقال:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ) في ارتكاب ما يؤذي رسوله، وغيره من أنواع المعاصي( وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) قاصدا إلى الحقّ، فإنّ السداد القصد إلى الحقّ، والقول بالعدل. يقال: سدّد السهم نحو الرمية، إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا: سهم
__________________
(١) الادرة: نفخة في الخصية.
قاصد. والمراد: سداد القصد واللسان في كلّ باب، ومن ذلك حفظ اللسان عمّا خاضوا فيه من حديث زينب، من غير قصد وعدل في القول، لأنّ حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كلّه.
والمعنى: راقبوا الله في حفظ ألسنتكم، وتسديد قولكم، فإنّكم إن فعلتم ذلك( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ ) يوفّقكم للأعمال الصالحة. أو يصلحها بالقبول والإثابة عليها.( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) ويجعلها مكفّرة باستقامتكم في القول والعمل( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) في الأوامر والنواهي( فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً ) يعيش في الدنيا حميدا، وفي الآخرة سعيدا.
ثمّ قرّر الوعد السابق بتعظيم أمر الطاعة وتفخيم شأنها بقوله:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ) أي: الطاعة. سمّاها أمانة من حيث إنّها واجبة الأداء، كالأمانة.( عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ ) أي: الطاعة، لعظم شأنها بحيث لو عرضت على هذه الأجرام العظام، وكانت ذات شعور وإدراك( فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها ) من أن يؤدّين حقّها، حتّى يزول عن ذمّتهنّ. من قولك: فلان حامل للأمانة ومحتمل لها، تريد: أنّه لا يؤدّيها إلى صاحبها، حتّى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها، فإنّ الأمانة كأنّها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها. ألا تراهم يقولون: ركبته الديون، ولي عليه حقّ، فإذا أدّاها لم تبق راكبة، ولا هو حاملا لها.( وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ) مع ضعف بنيته، ورخاوة قوّته( إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً ) حيث لم يف ولم يراع حقّها( جَهُولاً ) بكنه عاقبتها. وهذا وصف للجنس باعتبار الأغلب.
واعلم أنّ الممثّل به في الآية مفروض، والمفروضات تتخيّل في الذهن كالمحقّقات. فمثّلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله، بحاله المفروضة لو عرضت على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها. ونحو
هذا من الكلام كثير في لسان العرب، وما جاء القرآن إلّا على طرقهم وأساليبهم.
ومن ذلك قولهم: لو قيل للشحم أين تذهب؟ لقال: أسوّي العوج. وكم لهم من هذه الأمثال على ألسنة البهائم والجمادات. وتصوّر مقاولة الشحم وإن كان محالا، ولكنّ الغرض منه أنّ السمن في الحيوان ممّا يحسّن قبيحه، كما أنّ العجف(١) ممّا يقبّح حسنه. فصوّر أثر السمن فيه تصويرا هو أوقع في نفس السامع، وهي به آنس، وله أقبل، وعلى حقيقته أوقف. فقد علمت من ذلك أنّ تصوير عظم الأمانة، وصعوبة أمرها، وثقل محملها، والوفاء بها، بما في الآية، لأجل تقريبه إلى الفهم.
وقيل: الآية على معناها الحقيقي، لـما روي أنّ الله سبحانه لـمّا خلق هذه الأجرام خلق فيها فهما، وقال لها: إنّي فرضت فريضة، وخلقت جنّة لمن أطاعني فيها، ونارا لمن عصاني. فقلن: نحن مسخّرات على ما خلقتنا، لا نحتمل فريضة، ولا نبتغي ثوابا ولا عقابا. ولـمّا خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلوما لنفسه بتحمّله ما يشقّ عليها، جهولا بوخامة عاقبته.
ولعلّ المراد بالأمانة: العقل أو التكليف. وبعرضها عليهنّ اعتبارها بالإضافة إلى استعدادهنّ. وبإبائهنّ الإباء الطبيعي الّذي هو عدم القابليّة والاستعداد. وبحمل الإنسان قابليّته واستعداده لها. وكونه ظلوما جهولا لـما غلب عليه من القوّة الغضبيّة والشهويّة. وعلى هذا يحسن أن يكون علّة للحمل عليه، فإنّ من فوائد العقل أن يكون مهيمنا على القوّتين، حافظا لهما عن التعدّي ومجاوزة الحدّ، ومعظم مقصود التكليف تعديلهما وكسر سورتهما.
وقيل: المراد بالأمانة أمانات الناس والوفاء بالعهود.
__________________
(١) العجف: الضعف والهزال.
واللام في قوله:( لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) للتعليل على طريق المجاز، لأنّ التعذيب نتيجة حمل الأمانة، كما أنّ التأديب في: ضربته للتأديب، نتيجة الضرب. وذكر التوبة في الوعد إشعارا بأنّ المؤمنين ـ مع كونهم مطيعين ـ لا يخلون عن فرطات صادرة عن مقتضى جبلّتهم.
( وَكانَ اللهُ غَفُوراً ) حيث تاب عن فرطاتهم( رَحِيماً ) حيث أثاب بالفوز على طاعاتهم.
(٣٤)
سورة سبأ
مكّيّة. وهي أربع وخمسون آية.
عن أبيّ بن كعب، عن النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم قال: «من قرأ سورة سبأ، لم يبق نبيّ ولا رسول إلّا كان له يوم القيامة رفيقا ومصافحا».
وروي عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللهعليهالسلام : «من قرأ الحمدين جميعا: سبأ وفاطر، في ليلة، لم يزل ليلته في حفظ الله وكلاءته، فإن قرأهما في نهاره، لم يصبه في نهاره مكروه، وأعطي من خير الدنيا وخير الآخرة، ما لم يخطر على قلبه، ولم يبلغ مناه».
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) )
واعلم أنّ الله سبحانه لـمّا ختم سورة الأحزاب ببيان الغرض في التكليف، وأنّه سبحانه يجزي المحسنين بإعطائهم مثوبة الآخرة، الّتي هي أجلّ النعم التي
توجب الحمد والشكر عليها، افتتح هذه السورة بالحمد له على نعمته وكمال قدرته، فقال :
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) خلقا ونعمة. فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته، وعلى تمام نعمته( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ) لأنّ ما في الآخرة أيضا كذلك. وليس هذا من عطف المقيّد على المطلق، لأنّ وصف ذاته بعد الحمد الأوّل بما يدلّ على أنّه المحمود بالنعم الدنيويّة قيّد الحمد بها.
وقال في الكشّاف: «لمّا قال:( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) ثمّ وصف ذاته بالإنعام بجميع النعم الدنيويّة، كان معناه: أنّه المحمود على نعم الدنيا، كما تقول: احمد أخاك الّذي كساك وحملك، تريد: احمده على كسوته وحملانه. ولـمّا قال:( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ) علم أنّه المحمود على نعم الآخرة، وهو الثواب الدائمي»(١) .
وتقديم الصلة في الثاني للاختصاص، فإنّ النعم الدنيويّة قد تكون بواسطة من يستحقّ الحمد لأجلها، ولا كذلك نعم الآخرة.
واعلم أنّ الحمد في الدنيا واجب، لأنّه على نعمة متفضّل بها، وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة. والحمد في الآخرة ليس بواجب، لأنّه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقّها، فإنّما هو تتمّة سرور المؤمنين، وتكملة اغتباطهم، يلتذّون به كما يلتذّ من به العطش الشديد بالماء البارد.
( وَهُوَ الْحَكِيمُ ) الّذي أحكم أمور الدارين، ودبّرها بحكمته( الْخَبِيرُ ) ببواطن الأشياء.
ثمّ ذكر ممّا يحيط به علما بقوله:( يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ ) ما يدخل فيها، كالغيث ينفذ في موضع وينبع في آخر، وكالكنوز والدفائن والأموات( وَما يَخْرُجُ مِنْها )
__________________
(١) الكشاف ٣: ٥٦٦.
كالحيوان، والنبات، والفلزّات، وماء العيون( وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ ) كالملائكة، والكتب، وأنواع البركات، والمقادير، والأمطار، والصواعق، والأرزاق.
كقوله:( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ ) (١) .( وَما يَعْرُجُ فِيها ) كالملائكة، وأعمال العباد، والأبخرة. وهو سبحانه يجري جميع ذلك على تقدير تقتضيه الحكمة، وتدبير توجبه المصلحة.
( وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها. أو في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفانية للحصر. أو الرحيم بعباده مع علمه بما يعملون من المعاصي، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويمهلهم للتوبة. الغفور: الساتر عليهم ذنوبهم في الدنيا، المتجاوز عنها في العقبى.
( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) )
( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ) إنكار لمجيئها، أو استبطاء، استهزاء بالوعد به( قُلْ بَلى ) ردّ لكلامهم، وإثبات لـما نفوه( وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ) تكرير
__________________
(١) الذاريات: ٢٢.
لإيجابه، مؤكّدا بالقسم.
ثمّ وصف المقسم به بصفات تقرّر إمكان مجيئها، وتنفي استبعاده، بقوله:( عالِمِ الْغَيْبِ ) وقرأ حمزة والكسائي: علّام الغيب، للمبالغة. ونافع وابن عامر ورويس: عالم الغيب بالرفع، على أنّه خبر محذوف، أو مبتدأ خبره( لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ) أي: لا يبعد عنه. من العزوب، وهو البعد.
يقال: روض عزيب: بعيد من الناس. وقرأ الكسائي: لا يعزب، بالكسر.( وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) جملة مؤكّدة لنفي العزوب. ورفعهما بالابتداء. ويؤيّده القراءة بالفتح على نفي الجنس.
ولا يجوز عطف المرفوع على «مثقال» والمفتوح على «ذرّة» بأنّه فتح في موضع الجرّ، لامتناع الصرف، لأنّ الاستثناء يمنعه. أللّهمّ إلا إذا جعل الضمير في «عنه» للغيب، وجعل المثبت في اللوح خارجا عنه، لظهوره على المطالعين له.
فيكون المعنى: لا ينفصل عن الغيب شيء إلّا مسطورا في اللوح.
وتنقيح المبحث: أنّ قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، فحين أقسم باسمه سبحانه على إثبات قيام الساعة، وأنّه كائن لا محالة، ثمّ وصف بأنّه عالم الغيب، وأنّه لا يفوت علمه شيء من الخفيّات، واندرج تحته إحاطته بوقت قيام الساعة، فلأجل هذه الفائدة اختار لذاته هذه الصفة، ولم يورد صفات اخرى مقامها.
وقوله:( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) علّة لقوله: «لتأتينّكم» وبيان لـما يقتضي إتيانها( أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) هنيء لا تنغيص فيه ولا تكدير، ولا تعب فيه، ولا منّ عليه.
ولـمّا لم يقتصر على اليمين، بل أتبعها الحجّة القاطعة، والبيّنة الساطعة، وهي قوله: «ليجزي» علّة لمجيء الساعة، فقد وضع الله في العقول، وركّب في الغرائز
وجوب الجزاء، وأنّ المحسن لا بدّ له من ثواب، والمسيء لا بدّ له من عقاب.
فلا يقال: الناس قد أنكروا إتيان الساعة وجحدوه. فهب أنّه حلف لهم بأغلظ الأيمان، وأقسم عليهم جهد القسم، فيمين من هو في معتقدهم مفتر على الله كذبا، كيف تكون مصحّحة لـما أنكروه؟
( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا ) بالإبطال وتزهيد الناس عن قبولها( مُعاجِزِينَ ) مسابقين كي يفوتونا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: معجزين، أي: مثبّطين عن الإيمان من أراده( أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ ) من سيّء العذاب( أَلِيمٌ ) مؤلم. ورفعه ابن كثير ويعقوب وحفص.
( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) )
ثمّ ذكر سبحانه المؤمنين، واعترافهم بما جحده من تقدّم ذكرهم من الكافرين، فقال :
( وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) ويعلم أولوا العلم بالنظر والاستدلال من أصحاب محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومن شايعهم من الأمّة، أو من مسلمي أهل الكتاب، مثل كعب الأحبار وعبد الله بن سلام. وقيل: هم كلّ من أوتي العلم بالدين. وهذا أولى، لعمومه.
( الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يعني: القرآن. والموصول مع صلته المفعول الأوّل لـ «يرى». وقوله:( هُوَ الْحَقَ ) المفعول الثاني. والضمير للفصل. ومن قرأ بالرفع جعله مبتدأ، و «الحقّ» خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني، و «يرى» مع مفعوله مرفوع مستأنف، للاستشهاد بأولي العلم على الجهلة الساعين في الآيات.
وقيل: «يرى» في موضع النصب، معطوف على «ليجزي» أي: ليعلم أولوا
العلم عند مجيء الساعة أنّه الحقّ عيانا، كما علموه حقّا برهانا.
( وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ ) القادر الّذي لا يغالب( الْحَمِيدِ ) المحمود على جميع أفعاله. وصراطه: التوحيد، والتدرّع بلباس التقوى.
وفي هذه الآية دلالة على فضيلة العلم، وشرف العلماء، وعظم أقدارهم.
( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) )
ثمّ عاد سبحانه إلى الحكاية عن الكفّار، فقال:( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) قال بعضهم لبعض، أو القادة للأتباع، استبعادا وتعجّبا( هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ ) يعنون محمّداصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن كان مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم، لكن هنا نكّروه قصدا منهم إلى الطنز والسخريّة، فأخرجوه مخرج التحلّي ببعض الحكايات الّتي يحاكى بها للضحك والتلهّي، متجاهلين به وبأمره.
( يُنَبِّئُكُمْ ) يحدّثكم بأعجب الأعاجيب( إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ) أي: يمزّق أجسادكم البلى كلّ ممزّق( إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) أي: إنّكم تنشؤن خلقا جديدا، بعد أن تمزّق أجسادكم كلّ تمزيق ـ أي: تبدّدت أجزاؤكم كلّ تبديد ـ وتفرّق كلّ تفريق، بحيث تصير ترابا ورفاتا.
وتقديم الظرف للدلالة على البعد والمبالغة فيه. وعامله محذوف، دلّ عليه ما بعده، فإنّ ما قبله لم يقارنه، وما بعده مضاف إليه، أو محجوب بينه وبينه بـ «إنّ».
و «ممزّق» يحتمل أن يكون مكانا، بمعنى: إذا مزّقتم، وذهب بكم السيول كلّ مذهب، وطرحتكم الرياح كلّ مطرح.
و «جديد» عند البصريّين بمعنى فاعل، من: جدّ فهو جديد، كحديد من: حدّ، وقليل من: قلّ. وعند الكوفيّين بمعنى مفعول، من: جدّ النسّاج الثوب إذا قطعه.
( أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) حيث زعم أنّا نبعث بعد الموت. وهو استفهام تعجّب وإنكار.( أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ) جنون يوهمه ذلك، ويلقيه على لسانه، ولا يعلم ما يقول.
وإسقاط همزة الوصل في «افترى» وإثباتها في نحو: آلسحر، خوف التباس الاستفهام بالخبر في الثاني، لكون همزته مفتوحة كهمزة الاستفهام، بخلاف الأوّل، فإنّ همزة الوصل فيه مكسورة، تقديره: أافترى.
واستدلال من جعل بين الصدق والكذب واسطة، بجعلهم إيّاه قسيم الافتراء غير معتقدين صدقه، على أنّ بين الصدق والكذب واسطة، وهو كلّ خبر لا يكون عن بصيرة بالمخبر عنه. ضعيف بيّن الضعف، لأنّ الافتراء أخصّ من الكذب، لأنّه كذب عن عمد، ولا عمد للمجنون، فلا يكون الثاني قسيما للكذب مطلقا، بل لـما هو أخصّ منه، أعني: الافتراء. فيكون حصرا للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه، أعني: الكذب عن عمد، والكذب لا عن عمد.
ثمّ ردّ الله عليهم ترديدهم، وأثبت لهم ما هو أفظع من القسمين، وهو الضلال البعيد عن الصواب، بحيث لا يرجى الخلاص منه، وما هو مؤدّاه من العذاب، فقال :
( بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ) جعل العذاب
رسيلا(١) له في الوقوع، ومقدّما عليه في اللفظ، للمبالغة في استحقاقهم له.
و «البعيد» في الأصل صفة الضالّ. يقال: ضلّ فلان، إذا بعد عن الجادّة. ووصف الضلال به على الإسناد المجازي.
ثمّ ذكّرهم بما يعاينونه ممّا يدلّ على كمال قدرة الله، وما يحتمل فيه، إزاحة لاستحالتهم الإحياء، حتّى جعلوه افتراء وتهديدا عليها، فقال :
( أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) ا فلم ينظروا إلى ما أحاط بجوانبهم من السماء والأرض، ولم يتفكّروا أهم أشدّ خلقا أم هما؟( إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ ) لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البيّنات، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة.
وقرأ حمزة والكسائي: يشأ، و «يخسف» و «يسقط» بالياء، لقوله:( أَفْتَرى عَلَى اللهِ ) . وحفص: كسفا بالتحريك.
( إِنَّ فِي ذلِكَ ) النظر إلى السماء والأرض، والتفكّر فيهما، وما يدلّان عليه من قدرة الله( لَآيَةً ) لدلالة( لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ) وهو الراجع إلى ربّه المطيع له، فإنّ المنيب يكون كثير التأمّل في أمره، فهو الّذي ينظر ويتفكّر في آيات الله، على أنّه قادر على كلّ شيء، من البعث ومن عقاب من يكفر به، وإثابة من يؤمن به.
( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) )
__________________
(١) الرسيل: الموافق لك في النضال ونحوه.