زبدة التفاسير الجزء ٧

زبدة التفاسير13%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579

  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51541 / تحميل: 4101
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: ٩٦٤-٧٧٧٧-٠٩-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

منهما، والبابان مرصّعان بالياقوت الأبيض والأحمر. فلمّا رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين، فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها، وإذا هو قصور، كلّ قصر فوقه غرف مبنيّة بالذهب والفضّة واللؤلؤ والياقوت، وأساطينها من الزبرجد والياقوت، ومصاريع تلك الغرف مثل مصراع المدينة يقابل بعضها بعضا، مفروشة كلّها باللآلئ وبنادق من مسك وزعفران.

فلمّا رأى الرجل ما رأى، ولم ير فيها أحدا هاله ذلك. ثمّ نظر إلى الأزقّة فإذا هو بشجر في كلّ زقاق منها قد أثمرت تلك الأشجار، وتحت الأشجار أنهار مطّردة، يجري ماؤها من قنوات من فضّة، كلّ قناة أشدّ بياضا من الشمس.

فقال الرجل: والّذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحقّ ما خلق الله مثل هذه في الدنيا، وإنّ هذه هي الجنّة الّتي وصفها الله تعالى في كتابه. فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا من ياقوتها شيئا. وخرج ورجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه، وعلم الناس أمره. فلم يزل ينمو أمره حتّى بلغ معاوية خبره، فأرسل في طلبه حتّى قدم عليه، فقصّ عليه القصّة. فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار، فلمّا أتاه قال له: يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضّة؟

قال: نعم، أخبرك بها وبمن بناها، إنّما بناها شدّاد بن عاد. فأمّا المدينة فإرم ذات العماد الّتي وصفها الله تعالى في كتابه، وهي( الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ) . قال معاوية: فحدّثني حديثها.

فقال: إنّ عادا الأولى ليس بعاد قوم هود، وإنّما هود وقوم هود ولد ذلك.

وكان عاد له ابنان: شدّاد وشديد، فهلك عاد فبقيا وملكا، وقهرا البلاد وأخذاها عنوة. ثمّ هلك شديد وبقي شدّاد، فملك وحده، ودانت له ملوك الأرض، فدعته نفسه إلى بناء مثل الجنّة عتوّا على الله سبحانه. فأمر بصنعة تلك المدينة إرم ذات

٤٢١

العماد، وأمر على صنعتها مائة قهرمان، مع كلّ قهرمان ألف من الأعوان. وكتب إلى كلّ ملك في الدنيا أن يجمع له ما في بلاده من الجواهر. وكان هؤلاء القهارمة أقاموا في بنيانها في ثلاثمائة سنة، وكان عمره تسعمائة سنة، فلمّا فرغوا منها جعلوا عليها حصنا، وجعلوا حول الحصن ألف قصر.

ثمّ سار الملك إليها في جنده ووزرائه، فلمّا كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث اللهعزوجل عليه وعلى من معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا، ولم يبق منهم أحد. وسيدخلها في زمانك رجل من المسلمين، أحمر أشقر قصير، على حاجبه خال، وعلى عنقه خال، يخرج في طلب إبل له في تلك الصحاري. والرجل عند معاوية، فالتفت كعب إليه وقال: هذا والله ذاك الرجل.

( وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ ) قطعوا صخر الجبال واتّخذوا فيها بيوتا ومنازل، لقوله:( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ) (١) ( بِالْوادِ ) وادي القرى. قيل: أوّل من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلّها من الحجارة.

( وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ ) لكثرة جنوده ومضاربهم الّتي كانوا يضربونها بالأوتاد إذا نزلوا. أو لتعذيبه بالأوتاد، كما روي عن ابن مسعود ومجاهد: كان يشدّ الرجل بأربعة أوتاد على الأرض إذا أراد تعذيبه، ويتركه حتّى يموت. قال: وتّد امرأته آسية بأربعة أوتاد، ثمّ جعل على ظهرها رحى عظيمة حتّى ماتت. وكذا فعل بماشطة ابنته. وقد مرّ بيانه في سورة ص(٢) .

( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ ) صفة للمذكورين: عاد وثمود وفرعون. أو ذمّ منصوب أو مرفوع.( فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ ) بالكفر والظلم على العباد.

__________________

(١) الشعراء: ١٤٩.

(٢) راجع ج ٦ ص ١١، ذيل الآية ١٢ من سورة ص.

٤٢٢

( فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ) ما خلط لهم من أنواع العذاب. وأصله: الخلط. وإنّما سمّي به الجلد المضفور الّذي يضرب به، لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض. وقيل: شبّه بالسوط ما أحلّ بهم من العذاب العظيم في الدنيا، إشعارا بأنّه القياس إلى ما أعدّ لهم في الآخرة من العذاب، كالسوط إذا قيس إلى السيف.

( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) المكان الّذي يترقّب فيه الرصد. مفعال من: رصده، كالميقات من: وقته. وهو تمثيل لإرصاد الله تعالى العصاة بالعقاب بحيث إنّهم لا يفوتونه.

وعن الصادقعليه‌السلام : «أنّ المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد».

وروي عن ابن عبّاس في هذه الآية قال: إنّ على جسر جهنّم سبع مجالس يسأل العبد عنه، أوّلها عن شهادة أن لا إله إلّا الله، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثاني.

فيسأل عن الصلاة، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الثالث. فيسأل عن الزكاة، فإن جاء بها تامّة جاز إلى الرابع. فيسأل عن الصوم، فإن جاء به تامّا جاز إلى الخامس.

فيسأل عن الحجّ، فإن جاء به تامّا جاز إلى السادس. فيسأل عن العمرة، فإن جاء بها تامّة جاز إلى السابع. فيسأل عن المظالم، فإن خرج منها، وإلّا يقال: انظروا فإن كان له تطوّع أكمل به أعماله، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنّة.

( فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ

٤٢٣

التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) )

ثمّ وصل بقوله:( لَبِالْمِرْصادِ ) قوله:( فَأَمَّا الْإِنْسانُ ) كأنّه قيل: إنّ الله تعالى لا يريد من الإنسان إلّا الطاعة والسعي للعاقبة، وهو مرصد بالعقوبة للعاصي، فأمّا الإنسان فلا يريد ذلك، ولا يهمّه إلّا العاجلة وما يلذّه وينعمه فيها، لأنّه( إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ) اختبره بالغنا واليسر( فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) بالجاه والمال( فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ) بما أعطاني، إترافا والتذاذا ومرحا واختيالا بلا مقابلته بالشكر.

وهذا خبر المبتدأ الّذي هو الإنسان. والفاء لـما في «أمّا» من معنى الشرط. والظرف المتوسّط في تقدير التأخير. كأنّه قيل: فأمّا الإنسان فقائل: ربّي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام. وكذا قوله:( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) إذ التقدير: وأمّا الإنسان وقت ما ابتلاه بالفقر والتقتير، ليوازن قسيمه، فإنّ حقّ التوازن أن يقابل الواقعان بعد «أمّا» و «أمّا»، كما تقول: أمّا الإنسان فكفور، وأمّا الملك فشكور. أمّا إذا أحسنت إلى زيد فهو محسن إليك، وأمّا إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك. فعلم أنّ قوله:( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ ) في تقدير: وأمّا الإنسان إذا ابتلاه، أي: وقت ابتلائه بالفقر.

٤٢٤

( فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ ) لقصور نظره وسوء فكره، فإنّ التقتير قد يؤدّي إلى كرامة الدارين، إذ التوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حبّ الدنيا، ولذلك ذمّه على قوليه وردعه عنه بقوله:( كَلَّا ) مع أنّ ظاهر قوله الأوّل مطابق لـ( فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ) فإنّ كلّ واحد من التوسعة والتقتير اختبار للعبد، فإذا بسط له فقد اختبر حاله أيشكر أم يكفر؟ فإذا قدر عليه رزقه فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحدة. ونحوه قوله تعالى:( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) (١) .

ولـمّا كان قوله: «ربّي أكرمن» على قصد خلاف ما صحّحه الله عليه، لأنّ قصده إلى أنّ الله أعطاه ما أعطاه إكراما له، مستحقّا مستوجبا على عادة افتخارهم وجلالة أقدارهم عندهم، كقوله:( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ ) (٢) . وإنّما أعطاه الله على وجه التفضّل من غير استيجاب منه له، ولا سابقة ممّا لا يعتدّ الله إلّا به، وهو التقوى، دون الأنساب والأحساب الّتي كانوا يفتخرون بها، ويرون استحقاق الكرامة من أجلها. فأنكر قوله: «ربّي أكرمن» وذمّه عليه.

وأيضا ينساق الإنكار والذمّ من قوله: «ربّي أكرمن» إلى قوله: «ربّي أهانن». يعني: أنّه إذا تفضّل الله عليه بالخير وأكرم به اعترف بتفضّل الله وإكرامه، وإذا لم يتفضّل الله عليه سمّى ترك التفضّل هوانا، وليس بهوان. ولهذا لم يقل: فأهانه وقدر رزقه، كما قال: فأكرمه ونعّمه.

وتوضيحه: أنّ إكرام الله لعبده بإنعامه عليه متفضّلا من غير سابقة. وأمّا التقتير فليس بإهانة، لأنّ الإخلال بالتفضّل لا يكون إهانة، ولكن تركا للكرامة، وقد يكون المولى مكرما لعبده ومهينا، وغير مكرم ومهين. وإذا أهدى لك زيد هديّة قلت: أكرمني بالهديّة. ولا تقول: أهانني ولم يكرمني، إذا لم يهد لك.

__________________

(١) الأنبياء: ٣٥.

(٢) القصص: ٧٨.

٤٢٥

وقرأ ابن عامر والكوفيّون «أكرمن» و «أهانن» بغير الياء في الوقف والوصل. وعن أبي عمرو مثله. ووافقهم نافع في الوقف. وقرأ ابن عامر والكوفيّون بالتشديد.

ثمّ بيّن سبحانه أسوأ فعله الّذي يستحقّ به الهوان، فقال:( بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ) أي: بل فعلهم أسوأ من قولهم، وأدلّ على تهالكهم على المال، وهو أنّ الله يكرمهم بكثرة المال، وهم لا يكرمون اليتيم بالتفقّد والمبرّة. وخصّ اليتيم لأنّه لا كافل لهم يقوم بأمرهم، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة». وأشار بالسبّابة والوسط.

( وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ) ولا يحثّون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم. وقرأ الكوفيّون: ولا تحاضّون، أي: لا يحثّ بعضهم بعضا على طعامه.

( وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا ) ذا لمّ، أي: جمع بين الحلال والحرام، فإنّهم كانوا لا يورّثون النساء والصبيان، ويأكلون أنصباءهم من الميراث. أو تأكلون ما جمعه المورّث من حلال وحرام عالمين بذلك، فتجمعون في الأكل بين حرامه وحلاله.

ويجوز أن يذمّ الوارث الّذي ظفر بالمال سهلا مهلا من غير أن يعرق جبينه، فيسرف في إنفاقه، ويأكله أكلا واسعا، جامعا بين ألوان المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه، كما يفعل الورّاث البطّالون.

( وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا ) كثيرا شديدا مع الحرص والشره ومنع الحقوق. وقرأ أبو عمرو: «لا يكرمون» إلى قوله: «ويحبّون» بالياء.

( كَلَّا ) ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم. ثمّ أتى بالوعيد وذكر تحسّرهم على ما فرّطوا فيه حين لا تنفع الحسرة، فقال:( إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) دكّا بعد دكّ، أي: كرّر عليها الدكّ، فكسر ودقّ كلّ شيء على ظهرها، من جبال وتلال

٤٢٦

وأبنية وأشجار وغير ذلك، فلم يبق عليها شيء حتّى صارت هباء منبثّا.

( وَجاءَ رَبُّكَ ) أي: ظهرت آيات قدرته، وآثار قهره وهيبته. فمثّل ذلك بحال السلطان إذا حضر بنفسه، ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور وزرائه وخواصّه وجميع عساكره. وقيل: جاء أمر ربّك وقضاؤه ومحاسبته. وقيل: معناه: وزالت الشبهة وارتفع الشكّ، كما يرتفع عند مجيء الشيء الّذي كان يشكّ فيه. وليس المعنى على ظاهره، لقيام البراهين القاهرة والدلائل الباهرة على أنّه سبحانه ليس بجسم، فجلّ وتقدّس عن المجيء والذهاب.

( وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) بحسب منازلهم ومراتبهم. يعني: تنزل ملائكة كلّ سماء، فيصطفّون صفّا بعد صفّ محدقين بالجنّ والإنس.

وقال الضحّاك: أهل كلّ سماء إذا زلزلوا يوم القيامة كانوا صفّا محيطين بالأرض وبمن فيها، فيكونون سبع صفوف.

وقيل: معناه: مصطفّين كصفوف الناس في الصلاة، يأتي الصفّ الأوّل، ثمّ الصفّ الثاني، ثمّ الصفّ الثالث، ثمّ على هذا الترتيب، لأنّ ذلك أشبه بحال الاستواء من التشويش. فالتعديل أولى في الأمور.

( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ) كقوله:( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ ) (١) . روي مرفوعا عن أبي سعيد الخدري: «أنّها لـمّا نزلت تغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعرف في وجهه، حتّى اشتدّ على أصحابه، فأخبروا عليّاعليه‌السلام ، فجاء فاحتضنه من خلفه، وقبّله بين عاتقيه. ثمّ قال: يا نبيّ الله بأبي أنت وأمّي ما الّذي حدث اليوم؟ وما الّذي غيّرك؟ فتلا عليه الآية. فقال عليّعليه‌السلام : كيف يجاء بها؟ قال: يجيء بها سبعون ألف ملك، يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع. ثمّ أتعرّض لجهنّم فتقول: مالي ومالك يا محمّد، فقد حرّم الله لحمك عليّ، فلا يبقى

__________________

(١) النازعات: ٣٦.

٤٢٧

أحد إلّا قال: نفسي نفسي، وإنّ محمّدا يقول: ربّ أمّتي أمّتي».

( يَوْمَئِذٍ ) بدل من «إذا دكّت». والعامل فيها( يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ) أي: يتذكّر معاصيه. أو يتّعظ، لأنّه يعلم قبحها فيندم عليها.( وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ) أي: ومن أين له منفعة الذكرى؟ على تقدير مضاف، لئلّا يناقض ما قبله.

( يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ) أي: لحياتي هذه، وهي حياة الآخرة. أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا صالحة، كقوله: جئته لعشر ليال خلون من رجب.

وهذا أبين دليل على أنّ الاختيار كان في أيدي المكلّفين، ومعلّقا بقصدهم وإرادتهم، وأنّهم لم يكونوا محجوبين عن الطاعات، مجبرين على المعاصي، كمذهب أهل الأهواء والبدع، وإلّا فما معنى التحسّر؟

( فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ ) الضمير لله، أي: لا يتولّى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه، إذ الأمر كلّه لله في ذلك اليوم. أو للإنسان، أي: لا يعذّب أحد من الزبانية مثل ما يعذّبه الإنسان، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال وثاق أحد منهم، لتناهيه في كفره وعناده. وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول، والضمير للإنسان. وقيل: هو أبيّ بن خلف، أي: لا يعذّب أحد مثل عذابه، ولا يوثق أحد مثل وثاقه. والمعنى: لا يحمّل عذاب الإنسان أحد، كقوله:( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) .

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠) )

وبعد ذكر الوعيد بيّن الوعد للأبرار، فقال:( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) على

__________________

(١) الأنعام: ١٦٤.

٤٢٨

إرادة القول، أي: قال الله لها، كما كلّم موسىعليه‌السلام . أو قاله على لسان ملك. وهي الّتي اطمأنّت بذكر الله، فإنّ النفس تترقّى في سلسلة الأسباب والمسبّبات إلى الواجب لذاته، فتستقرّ دون معرفته، وتستغني به عن غيره. أو المطمئنّة إلى الحقّ الّتي سكّنها ثلج اليقين، فلا يخالجها شكّ. وهي النفس المؤمنة الموقنة المصدّقة بالبعث. أو الآمنة الّتي لا يستفزّها خوف ولا حزن. ويؤيّد هذا التفسير قراءة أبيّ بن كعب: يا أيّتها النفس الآمنة المطمئنّة.

( ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ ) إلى أمره، أو موعده بالموت. وهذا الخطاب إمّا عند الموت، أو عند البعث، أو عند دخول الجنّة.( راضِيَةً ) بما أوتيت( مَرْضِيَّةً ) عند الله.

( فَادْخُلِي فِي عِبادِي ) في جملة عبادي الصالحين، وانتظمي في سلكهم( وَادْخُلِي جَنَّتِي ) معهم، أو في زمرة المقرّبين، فتستضيء بنورهم، فإنّ الجواهر القدسيّة كالمرايا المتقابلة. أو ادخلي في أجساد عبادي الّتي فارقت عنها، وادخلي دار ثوابي الّتي أعدّت لك.

قيل: نزلت في حمزة بن عبد المطّلب. وقيل: في خبيب بن عديّ الّذي صلبه أهل مكّة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: أللّهمّ إن كان لي عندك خير فحوّل وجهي نحو قبلتك. فحوّل الله وجهه نحوها، فلم يستطع أحد أن يحوّلها. والظاهر العموم.

٤٢٩
٤٣٠

(٩٠)

سورة البلد

مكّيّة. وهي عشرون آية بالإجماع.

أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها أعطاه الله الأمن من غضبه يوم القيامة».

أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من كان قراءته في الفريضة( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ) كان في الدنيا معروفا أنّه من الصالحين، وكان في الآخرة معروفا أنّ له من الله مكانا، وكان من رفقاء النبيّين والشهداء والصّالحين».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ

٤٣١

إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠) )

ولـمّا ختم الله سورة الفجر بذكر النفس المطمئنّة، بيّن في هذه السورة وجه الاطمينان، وأنّه النظر في طريق معرفة الله تعالى، وأكّد ذلك بالقسم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ) بمكّة( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) أقسم سبحانه بالبلد الحرام، وقد قيّده بحلول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه، إظهارا لمزيد فضله، وإشعارا بأنّ شرف المكان بشرف أهله.

وقيل: «حلّ» أي: مستحلّ تعرّضك فيه، كما يستحلّ تعرّض الصيد في غير الحرم. كما روي عن شرحبيل معناه: يحرّمون أن يقتلوا بها صيدا، ويعضدوا بها شجرة، ويستحلّون إخراجك وقتلك.

وفيه تثبيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكّة، وتعجيب من حالهم في عداوته.

ومثل ذلك مرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فإنّه قال: «كانت قريش تعظّم البلد، وتستحلّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه، فقال سبحانه:( لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) . يريد: أنّهم استحلّوك فيه، فكذّبوك وشتموك، وكانوا لا يأخذ الرجل منهم فيه قاتل أبيه، ويتقلّدون لحاء(١) شجر الحرم، فيأمنون بتقليدهم إيّاه، فاستحلّوا

__________________

(١) اللحاء: قشر العود أو الشجرة.

٤٣٢

من رسول الله ما لم يستحلّوا من غيره، فعاب الله ذلك عليهم بقوله:( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) .

أو سلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقسم ببلده، على أنّ الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد. واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: «وأنت حل بهذا البلد». يعني: ومن المكابدة أنّ مثلك على عظم حرمتك يستحلّ بهذا البلد الحرام، كما يستحلّ الصيد في غير الحرم.

أو اعترض بينهما، بأن وعده فتح مكّة تتميما للتسلية والتنفيس عنه، فقال :

( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ ) . يعني: وأنت حلّ به في المستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر.

وذلك أنّ الله فتح عليه مكّة وأحلّها له، وما فتحت على أحد قبله ولا أحلّت له، فأحلّ ما شاء وحرّم ما شاء. ومن ذلك قتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة، وغيرهما. وحرّم دار أبي سفيان. ثمّ قال: «إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحد قبلي، ولن تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار. فلا يعضد شجرها، ولا يختلى(١) خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد، أي: معرّف».

فقال العبّاس: يا رسول الله إلّا الإذخر، فإنّه لقيوننا(٢) وقبورنا وبيوتنا. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلّا الإذخر».

ونظير قوله: «وأنت حلّ» في معنى الاستقبال قوله تعالى:( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٣) . ومثله واسع في كلام العباد، تقول لمن تعده الإكرام والعطاء: أنت مكرم

__________________

(١) اختلى العشب: جزّه وقطعه. والخلى: العشب.

(٢) القيون جمع القين: الحدّاد.

(٣) الزمر: ٣٠.

٤٣٣

محبوّ. وهو في كلام الله أوسع، لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة.

وكفاك دليلا قاطعا على أنّه للاستقبال، وأنّ تفسيره بالحال محال، أنّ السورة بالاتّفاق مكّيّة، وأين الهجرة عن وقت نزولها؟ فما بال الفتح؟

( وَوالِدٍ ) عطف على «هذا البلد». والوالد آدم، أو إبراهيم، أو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( وَما وَلَدَ ) ذرّيته، أو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو ذرّيّته الطاهرة. قيل: أقسم الله عزّ اسمه ببلد رسوله الّذي هو مسقط رأسه، وحرم أبيه إبراهيم، ومنشأ أبيه إسماعيل، وبمن ولده وبه. والتنكير للتعظيم. وإيثار «ما» على «من» لمعنى التعجّب، كما في قوله:( وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ ) (١) أي: أيّ شيء وضعت. يعني: موضوعا عجيب الشأن. وقيل: المراد كلّ والد وولده. والتنكير للتكثير.

( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ ) تعب ومشقّة. من: كبد الرجل كبدا فهو أكبد، إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتّسع فيه حتّى استعمل في كلّ تعب ومشقّة. ومنه اشتقّت المكابدة. والإنسان لا يزال في شدائد، مبدؤها ظلمة الرحم وضيقه، ومنتهاها الموت وما بعده. وهو تسلية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا كان يكابده من قريش، كما عرفت.

والضمير في( أَيَحْسَبُ ) لبعضهم الّذي كان النبيّ يكابد منه أكثر، أو يغترّ بقوّته، كأبي الأشدّ بن كلدة، فإنّه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظيّ، فيقوم عليه ويقول: من أزالني عنه فله كذا، فلا ينزع إلّا قطعا ويبقى موضع قدميه. وقيل: الوليد بن المغيرة، أو كلّ أحد منهم. والمعنى: أيظنّ هذا الصنديد القويّ في قومه المستضعف للمؤمنين( أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ) أن لن تقوم قيامة، ولن يقدر أحد على الانتقام منه، وعلى مكافأته بما هو عليه. والهمزة للإنكار، أي: لا يظنّنّ ذلك.

ثمّ ذكر ما يقوله في ذلك الوقت، فقال عزّ اسمه:( يَقُولُ ) في وقت الانتقام

__________________

(١) آل عمران: ٣٦.

٤٣٤

منه( أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً ) كثيرا. من: تلبّد الشيء إذا اجتمع. والمراد: ما أنفقه رياء وسمعة ومفاخرة، أو معاداة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وعن مقاتل: قائله: الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف. وذلك أنّه أذنب ذنبا فاستفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره أن يكفّر. فقال: لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمّد.

( أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ) حين كان ينفق رئاء الناس وافتخارا بينهم، أو بعد ذلك فيسأله عنه. يعني: أنّ الله يراه فيجازيه، أو يجده فيحاسبه عليه.

ثمّ قرّر ذلك بقوله:( أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ) يبصر بهما( وَلِساناً ) يترجم به عن ضمائره( وَشَفَتَيْنِ ) يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغيرها.

( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) طريقي الخير والشرّ. وعن ابن المسيّب والضحّاك: أنّهما الثديان. وأصله: المكان المرتفع. وروي: أنّه قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : «إنّ ناسا يقولون في قوله:( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) إنّهما الثديان. فقال: لا، هما الخير والشرّ». وارتفاعهما باعتبار ظهورهما وبروزهما في الحسن والقبح، كبروز المكان المرتفع.

( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) أي: فلم يشكر تلك الأيادي والنعم باقتحام العقبة، وهو الدخول تكلّفا في أمر شديد. من القحمة بمعنى الشدّة. والعقبة: الطريق في الجبل.

ولـمّا كان في فكّ الرقبة وإطعام الأقارب والمساكين مجاهدة النفس ومعاناتها، فسّر بها استعارة في قوله:( وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ ) أي: إنّك لم تدر كنه صعوبتها وكنه ثوابها عند الله. وهذا اعتراض بين المفسّر والمفسّر.

( فَكُّ رَقَبَةٍ ) تخليصها من رقّ أو غيره. وفي الحديث: «إنّ رجلا قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دلّني على عمل يدخلني الجنّة. فقال: تعتق النسمة، وتفكّ الرقبة. قال: أو ليسا سواء؟ قال: لا، اعتقاقها: أن تنفرد بعتقها، وفكّها: أن تعين في تخليصها من

٤٣٥

قود أو غرم».

وعن الشعبي: في رجل عنده فضل نفقة، أيضعه في ذي قرابة، أو يعتق رقبة؟ قال: الرقبة أفضل، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من فكّ رقبة فكّ الله بكلّ عضو منها عضوا منه من النار».

وأيضا يدلّ على أفضليّته تقديمه على قوله:( أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ) ذي مجاعة. من: سغب إذا جاع. ووصف اليوم بذي مسغبة نحو ما يقول النحويّون في قولهم: همّ ناصب، أي: ذو نصب.

( يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ ) ذا قربى. من: قرب في النسب. يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي. وفيه حثّ على تفضيل ذوي القربى المحتاجين على الأجانب في الإطعام.

( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) من: ترب إذا افتقر. ومعناه: التصق بالتراب لغاية احتياجه وافتقاره. وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في قوله: «ذا متربة» الّذي مأواه المزابل».

وفي الحديث عن معاذ بن جبل قال: «قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أشبع جائعا في يوم سغب أدخله الله يوم القيامة من باب من أبواب الجنّة، لا يدخلها إلّا من فعل مثل ما فعل».

وعن جابر بن عبد الله قال: «قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان».

وروى محمد بن عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : إنّ لي ابنا شديد العلّة. قال: مره يتصدّق بالقبضة من الطعام بعد القبضة، فإنّ الله يقول:( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) . وقرأ الآيات».

ومعنى الآية: أنّ الإنفاق على هذا الوجه هو الإنفاق المرضيّ النافع عند الله، لا أن يهلك مالا لبدا في الرياء والفخار، فيكون مثله( كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ) (١) الآية.

__________________

(١) آل عمران: ١١٧.

٤٣٦

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: فكّ رقبة أو أطعم، على الإبدال من «اقتحم».

واعلم أنّ «لا» الداخلة على «اقتحم» وإن كانت غير متكرّرة لفظا، لكن متكرّرة معنى، لأنّ معنى( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ) : فلا فكّ رقبة، ولا أطعم مسكينا. ألا ترى أنّه فسّر اقتحام العقبة بذلك. فلا يقال: إنّه قلّ ما تقع «لا» على الماضي إلّا مكرّرة، فما لها لم تكرّر في الكلام الأفصح؟

( ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) عطفه على «اقتحم» أو «فكّ» بـ «ثمّ» لتباعد الإيمان عن العتق والإطعام في الرتبة والفضيلة، لا في الوقت، لاستقلاله، واشتراط سائر الطاعات به، فلا يثبت عمل صالح إلّا به، فهو السابق المقدّم على غيره، والأصل في كلّ طاعة، والأساس في كلّ خير.

( وَتَواصَوْا ) أوصى بعضهم بعضا( بِالصَّبْرِ ) على الإيمان والثبات عليه.

أو بالصبر عن المعاصي، وعلى الطاعات والمحن الّتي يبتلي بها المؤمن( وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ) بالرحمة، بأن يكونوا متراحمين متعاطفين. أو بما يؤدّي إلى رحمة الله تعالى.

( أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ) اليمين، أو اليمن، بمعنى: الميامين على أنفسهم.

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ) الشمال، أو الشؤم، بمعنى: المشائيم عليهم. ولتكرير ذكر المؤمنين باسم الإشارة، والكفّار بالضمير، شأن لا يخفى.

( عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ ) مطبقة، فلا يفتح لهم باب، ولا يخرج عنها غمّ، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد. من: أوصدت الباب إذا أطبقته وأغلقته. وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص بالهمزة، من: آصدته بمعناه.

٤٣٧
٤٣٨

(٩١)

سورة الشمس

مكّيّة. وهي ستّ عشرة آية.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأها فكأنّما تصدّق بكلّ شيء طلعت عليه الشمس والقمر».

معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من أكثر قراءة والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، والضحى، وألم نشرح، في يومه أو ليلته، لم يبق شيء بحضرته إلّا شهد له يوم القيامة، حتّى شعره وبشرته ولحمه ودمه وعروقه وعصبه وعظامه، وجميع ما أقلّت الأرض منه. ويقول الربّ تبارك وتعالى: قبلت شهادتكم لعبدي، وأجزتها له، انطلقوا به إلى جناني حتّى يتخيّر منها حيث ما أحبّ، فأعطوه إيّاها من غير منّ منّي، ولكن رحمة وفضلا منّي، فهنيئا هنيئا لعبدي».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)

٤٣٩

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥) )

ولـمّا ختم الله سبحانه سورة البلد بذكر النار المؤصدة، بيّن في هذه السورة أنّ النجاة منها لمن زكّى نفسه، وأكّده بأن أقسم عليه، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالشَّمْسِ وَضُحاها ) قد تقدّم أنّ الله سبحانه له أن يقسم بماء شاء من خلقه، تنبيها على عظيم قدرته وكثرة الانتفاع بخلقه. ولـمّا كان قوام العالم من الحيوان والنبات بطلوع الشمس وغروبها، أقسم بها وبضحاها، وهو امتداد ضوئها، وانبساط إشراقها، وقيام سلطانها. ولذلك قيل: وقت الضحى، وكأنّ وجهه شمس الضحى. وقيل: الضحوة ارتفاع النهار، والضحى فوق ذلك.

والضحاء ـ بالفتح والمدّ ـ إذا امتدّ النهار وقرب أن ينتصف.

( وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها ) تبعها فأخذ من ضوئها، وسار خلفها. أو تلا طلوعه طلوعها أوّل الشهر. أو تلا طلوعه عند غروبها ليلة البدر، آخذا من نورها. وقيل: إذا استدار فتلاها في الضياء والنور.

( وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ) جلّى الشمس، فإنّها تتجلّى تمام الانجلاء إذا انبسط النهار، فكأنّه مجلّيها. وقيل: إذا جلّى الظلمة، أو الدنيا، أو الأرض، وإن لم يجر ذكرها، كقولهم: أصبحت باردة، يردون: الغداة، وأرسلت المطر، يريدون: السماء.

( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ) يغشى الشمس فيغطّي ضوءها، أو الآفاق، أو الأرض.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579