زبدة التفاسير الجزء ٧

زبدة التفاسير10%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579

  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51560 / تحميل: 4104
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: ٩٦٤-٧٧٧٧-٠٩-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٦١

ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان )(١) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريففي القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً

وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين(٢) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد(٣) بن عبد الله بن أسامة(٤) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر(٥) بن يحيى ( القائم

__________________

١ ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).

٢ ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.

٣ ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.

٤ ـ متولّي النقابة بالعراق.

٥ ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة

٦٢

٦٣

بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى(١) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٢) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب: النيلي(٣) النجفي النسابة.

وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في ٧٩١ هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ ٧٧١ هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.

وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص ١٧٦ ، والعلامة المجلسي; في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي; في ( رياض العلماء ) والبهبهاني; في ( الدمعة الساكبة ).

__________________

ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين7 فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين7 من خالص ماله.

١ ـ من أصحاب الكاظم7 المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.

٢ ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق7 وأورثه علماً جمّا.

٣ ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٢ هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.

٦٤

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة ٧٨٩ هـ(١) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :

أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.

ب ـ كتاب الغيبة.

جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.

د ـ سرور أهل الإيمان.

هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.

و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.

ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.

ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).

في الثناء عليه :

قال تلميذه ابن فهد الحلي; تـ ٨٤١ هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين

وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي; : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين

وقال العلامة المجلسي; : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين

وقال الميرزا الافندي; : السيد المرتضى النقيب الحسيب

__________________

١ ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

٦٥

النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره وقال الميرزا النوري; : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ،(١) كان حياً سنة ٨٠٠ هـ

الحكاية الأولى :

حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً

نقل العلامة المجلسي ( ١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :

كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٤ / ص ٨٨ و ١٢٤ ـ ١٣٠ ، خاتمة المستدرك ط ح ص ٤٣٥ ، سفينة البحار ج ٢ / ط. ح / ص ٢٤٨ الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

٦٦

وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.

فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه!

فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان7 .

فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان7 قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.

وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.

٦٧

ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم وأحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام7 في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات.(١)

أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.

إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك؟!

كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك؟

أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير؟! فنحن في هذا الحمى.

بحث حول الحكاية :

أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧١ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢١٩.

٦٨

في أحوال راوي الحكاية وعصرها :

أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :

قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ،(١) المحترم العامل الفاضل(٢) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون.(٣)

وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ،(٤) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ،(٥) كان حياً سنة ٧٥٩ هـ

فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا

__________________

١ ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي; ، ج ٥٢ / ص ٧١.

٢ ـ انظر : المصدر السابق ص ٧٢.

٣ ـ انظر : جنة المأوى / النوري; ص ٢٠٢.

٤ ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.

٥ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج ٢ / ص ١١.

٦٩

القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة ٧٤٤ هـ

وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة ٦٣٠ هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة ٦٣٥ هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة ٦٣٦ هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة ٧٢٨ هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي.(١)

تنبيه لكل نبيه :

قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ).(٢)

أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة ٧٢٥ هـ في عهد الوالي ( حسن

__________________

١ ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني; ج ١ / ص ٢٢٩ و ٢٢٠.

٢ ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج ٢ / ص ١٧٤.

٧٠

الجلايري ) والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر وبينهما عدة سنين ، وأظن ان الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد باعتبار أن عصر الحكايتين واحد وان الوالي المذكور في الحكايتين كان يؤذي أهل الحلة ( فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابة ) ، وقد مات بفعله هذا ، وهذا عن أهل الحلة ليس ببعيد ففيهم بقول أمير المؤمنين7 : ( يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرقسمه ).(١)

الحكاية الثانية :

حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت

ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :

كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوّر ، يضمن القرية المعروفة ببرس ، ووقف العلويين ، وكان له نائب يقال له : ابن الخطيب وغلام يتولّى نفقاته يدعى عثمان ، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والايمان بالضدّ من عثمان وكانا دائماً يتجادلان ، فاتفق انهما حضرا في مقام ابراهيم الخليل7 بمحضر جماعة من الرّعيّة والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان : يا عثمان الان اتضح الحق واستبان ، أنا أكتب على يديّ من أتولاه ، وهم علي والحسي والحسين ، واكتب أنت من تتولاه ابوبكر وعمر وعثمان ، ثم تشدّ يديّ ويدك ، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل ، ومن سلمت يده كان على الحق ، فنكل عثمان ، وأبى أن يفعل ، فأخذ الحاضرون من الرّعيّة

____________

١ ـ انظر : بحار الأنوار المجلسي; ج ٦ / ص ١٢٢.

٧١

والعوان بالعياط عليه ، هذا وكانت ام عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلمّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدّدت وبالغت في ذلك فعميت في الحال! فلما أحست بذلك نادت الى رفقائها فصعدن اليها فاذا هي صحيحة العينين! لكن لاترى شيئاً ، فقادوها وأنزلوها ، ومضوا بها الى الحلة وشاع خبرها بين الصحابها وقرائبها وترائبها ، فاحضروا لها الاطباء من بغداد والحلة ، فلم يقدروا لها على شيء ، فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها : ان الذي أعماكِ هو القائم7 فأن تشيعتي وتولّيتي وتبرأتي ( كذا )(١) ضمنّا لك العافية على الله تعالى ، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص ، فأذعنت لذلك ورضنبت به ، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان7 وبتن بأجمعهنّ في باب القبة ، فلما كان ربع الليل فاذا هي قد خرجت عليهنّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنّ وحليَهنَ ، فسررن بذلك ، وحمدنَ الله تعالى على حسن العافية ، وقلن لها : كيف كان ذلك؟! فقالت : لما جعلتنني في القبة وخرجتنّ عني أحسست بيد قد وضعت على يديّ ، وقائل يقول : اخرجي قد عافاك الله تعالى. فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلات ونوراً ورأيت الرجل ، فقلت له : من أنت يا سيدي؟ فقال : محمد بن الحسن ، ثم غاب عني ، فقمنَ وخرجنَ الى بيوتهنّ وتشيّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أمه المذكورة ، واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الأمام7 وكان ذلك في سنة أربع واربعين وسبعمائة.(٢)

__________________

١ ـ كذا ورد في المطبوع والاصح ( تشيعتِ وتوليتِ وتبرأتِ ).

٢ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٢ ؛ النجم الثاقب ج ٢ / ص ٢٢٠.

٧٢

أقول : حدثت هذه الكرامة سنة ( ٧٤٤ هـ / ١٣٢٣ م ) وراويها محمد بن قارون المتقدم ذكره وترجمته في الحكاية الأولى من هذا الباب.

وبرس : بضم الباء وسكون الراء والسين المهملة ناحية من ارض بابل وهي بحضرة الصرح ( صرح نمرود بن كنعان ) وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة وينسب إليها الحافظ رجب البرسي; .

ومقام ابراهيم الخليل7 : موجود الى زماننا هذا ويقع بالحلة في تلك القرية ( تشرفت بزيارته انا عدة مرات ).

لحكاية الثالثة :

حكاية شفاء الشيخ جمال الدين الزهدري

وذكر هناك أيضاً : أي ( في كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان ).

ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين حكي لي المولى الاجل الامجد العالم الفاضل ، القدوة الكامل ، المحقّق المدقّق ، مجمع الفضائل ومرجع الافاضل ، افتخار العلماء في العالمين ، كمال الملة والدين ، عبد الرحمن ابن العمّاني ( كذا ) ، وكتب بخطه الكريم ، عندي ما صورته :

قال العبد الفقير الى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن ابراهيم القبائقي :(١) اني كنت أسمع في الحلة السيفية حماها الله تعالى ان المولى الكبير المعظم جمال الدين ابن الشيخ الاجل الاوحد الفقيه القاريء نجم الدين جعفر ابن الزاهدري كان به فالج ، فعالجته جدّته لأبيه بعد موت أبيه بكل علاج للفالج فلم يبرأ ، فأشار عليها بعض

__________________

١ ـ هكذا ورد في الاصل والصحيح العتالقي.

٧٣

الاطباء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ ، وقيل لها :ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلة المعروفة بمقام صاحب الزمان 7 لعل الله تعالى يعافيه ويبرأه ، ففعلت وبيّتته تحتها وان صاحب الزمان7 أقامه وأزال عنه الفالج.

ثم بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتى كّنا لم نكد نفترق ، وكان له دار المعشرة ، يجتمع فيها وجوه أهل الحلة وشبابهم وأولاد الاماثل منهم ، فاستحكيته عن هذه الحكاية ، فقال لي :

إني كنت مفلوجاً وعجز الاطباء عني ، وحكى لي ما كنت اسمعه مستفاضاً في الحلة من قضيته وان الحجة صاحب الزمان7 قال لي : ( وقد أباتتني جدّتي تحت القبة ) :قم.

فقلت : ياسيدي لا أقدر على القيام منذ سنتي ، فقال :قم باذن الله تعالى وأعانني على القيام ، فقمت وزال عني الفالج ( أي شلل الاعضاء ).

وانطبق عليّ الناس حتى كادوا يقتلونني ، وأخذوا ما كان عليّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها ، وكساني الناس من ثيابهم ، ورحت الى البيت ، وليس بيّ أثر الفالج ، وبعثت الى الناس ثيابهم ، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتى مات; .(١)

بحث حول الحكاية :

تاريخ الحكاية : أقول ، إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة ( ٧٥٩ هـ ـ ١٢٣٨ م ).

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ج ٥٢ / ص ٧٣.

٧٤

راوي الحكاية : الشيخ العالم الفاضل المحقق المدقق الفقيه المتبحر كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم ابن العتايقي(١) الحلي الامامي ، كان معاصرا للشهيد الاول; وبعض تلامذة العلامة الحلي; ، وقال البعض انه ادرك العلامة ، وتلمذ على يد نصير الدين علي بن محمد الكاشي تـ ٧٥٥ هـ ، وكان من مشايخ السيد بهاء الدين علي بن عبد الحميد النجفي ، وبروي عن جماعة منهم جمال الدين الزهدري ، توفى بعد سنة ٧٨٨ هـ التي الف فيها كتابه ( الارشاد في معرفة الابعاد ) وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغروية ، ولا أرى بأماً بايراد اسمائها هنا فله كتاب ( شرح على نهج البلاغة ) وكتاب ( مختصر الجزء الثاني من كتاب الاوائل لأبي هلال العسكري ) وكتاب ( الاعمار ) وكتاب ( الاضداد في اللغة ) وكتاب ( الايضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين ) وكتاب ( اختيار حقائق الخللفي دقائق الحيل ) وكتاب ( صفوة الصفوة ) وكتاب ( اختصار كتاب بطليموس ) وكتاب ( الشهدة في شرح معرف الزبدة ) وكتاب ( الايماقي ) وكتاب ( في التفسير وهو مختصر تفسير القمي ) وكتاب ( الارشاد ) و( الرسالة المفيدة لكل طالب مقدار ابعاد الافلاك والكواكب ) وله ( شرح على الجغميني ) وله ( شرح التلويح ) ، وغيرها من الكتب في شبى أنواع العلوم ، وللأسف الشديد ان كتبه لم تر النور.

_________________

١ ـ العتائقي نسبة الى العتائق قرية بقرب الحلة المزيدية ، وليس بالقبائقي كما في نسخ البحار المطبوعه فانه تصحيف ، كما اني لم ارَّ من الرجاليين من ذكرن بابن العماني بل المشهور انه ابن العتائقي ولعلها تصحيف ايضا او من خطأ النساخ.

٧٥

الى الآن مع كثرتها سوى كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لأخراج كتبه خدمة للمذهب الامامي واحياء لآثار هذا الشيخ الجليل ، وصرح جمع من العلماء كالسيد محسن الأمين; والشيخ عباس القمي; والشيخ اغا بزرك الطهراني بمشاهدة كتبه في الخزانة الغروبة وكتب أخرى لغيره بخط يده ذكر فيها نسبه وتأريخه من ( ٧٣٨ ـ ٧٨٨ هـ ).(١)

صاحب الحكاية : الشيخ جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري ، لم أجد له ذكراً في كتب الرجال وانما وقفت على ترجمة والده الاجل الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب ( ايضاح ترددات الشرائع )(٢) ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما ، عظيم منزلتهما وجلالتهما.

وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب ( السلطان المفرج عن اهل الايمان ).

الحكاية الرابعة :

حكاية ابن ابي الجواد النعماني

قال العالم الفاضل المتبحّر النقّاد الآميرزا عبد الله الاصفهاني الشهير بالافندي في المجلد الخامس من كتاب ( رياض العلماء

__________________

١ ـ انظر : رياض العلماء ج ٣ / ص ١٠٣ ، سفينة البحار ط ج / ج ٢ / ص ١٥٧ ، كذلك الذريعة في اجزائها.

٢ ـ وقد طبع الكتاب في زماننا هذا بجهود العلامة الحجة السيد محمود المرعشي في قم المقدسة وقد رأيت نسخته المطبوعة.

٧٦

وحياض الفضلاء ) في ترجمة الشيخ ابن ابي الجواد النِّعماني(١) انه ممن رأى القائم7 في زمن الغيبة الكبرى ، وروى عنه7 ، ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري تلميذ الشهيد انه قد رأى ابن ابي جواد النعماني مولانا المهدي7 فقال له :

يا مولاي لك مقام بالنعمانية ومقام بالحلة ، فأين تكون فيهما؟

فقال له :أكون بالنعمانية ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن أهل الحلة ما يتأدّبون في مقامي ، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلم عليّ وعلى الأئمة وصلّى عليّ وعليهم اثني عشر (٢) مرة ثم صلى ركعتين بسورتين ، وناجى الله بهما المناجاة إلاّ اعطاه تعالى ما يسأله احدها المغفرة.

فقلت : يا مولاي علمني ذلك.

فقال : قل« اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، وان كان ما اقترفته من الذنوب استحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به ، وأنت حليم ذو اناة تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك » وكررها عليّ ثلاثاً حتى فهمتها(٣) .(٤)

__________________

١ ـ النعمانية : بليدة بناها النعمان بن المنذر وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من اعمال الزاب الاعلى.

٢ ـ هكذا ورد في المطبوع والاصح اثنتي عشرة.

٣ ـ قال المؤلف; : يعني حفظتها.

٤ ـ انظر : النجم الثاقب / النوري; ج ٢ / ص ١٣٨.

٧٧

بحث حول الحكاية :

راوي الحكاية : زين الدين علي بن أبي محمد الحسن بن محمد الخازن الحائري ، تلميذ الشهيد الاول ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ ) وقد أجازه الشهيد الاول سنة ٧٨٤ هـ وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ويروي عنه ، وأجازه في سنة ٧٩١ هـ ويعبر عنه بالشيخ علي الخازن الحائري ، وهو من علماء المائة الثامنة ، قال عنه الشهيد الاول; في إجازته له :

المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصل العالم بأعباء العلوم الفائق أولي الفضائل والفهوم زين الدين أبو علي(١)

صاحب الحكاية : ابن أبي الجواد النعماني ، لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الافندي; في كتابه رياض العلماء الذي فقد معظم مجلداته ، ويظهر من راوي الحكاية الشيخ علي الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الاول; أنَّ ابن ابي الجواد من طبقة الشهيد الاول ، أي من تلامذة العلامة الحلي; .

أقول : ولا يبعد اتحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلم عبد الواحد بن الصفي النعماني ، صاحب كتاب ( نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد ) الذي نسبه اليه الكفعمي; في حواشي مصباحه ونؤيد ما قلناه آنفاً قول المتبحر الخيبر الافندي; في كتاب رياض العلماء ج ٣ ص ٢٧٩ قال : » وأظن أنه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته « فلاحظ.

__________________

١ ـ انظر : رسائل الشهيد الاول ص ٣٠٤ وطبقات اعلام الشيعة للطهراني; .

٧٨

أقول : ومن خلال هذه الحكاية نستدل على شهرة المقام في ذلك القرن إذ الرجل من النعمانية ويسأله عن مقامه7 في الحلة ويستدل أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به ، وربما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام ، فنقول له : إن الأمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس بغائب ولكن هو غائب عمّن هو غائب عن الله.

وعلى أهل الحلة وغيرهم أن يتأدّبوا بمقامه جلّ التأدب ( فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلى ، ولا لتبرج النساء ، ولا ) مما يصل الى سوء الادب بمحضر نائب الملك العلام ، فان أهل الحلة أشاد بهم أمير المؤمنين7 وأيّ إشادة ، فليكونوا دئاماً مصداق حديث مولاهم ومولاي علي بن أبي طالب7 .

فقد ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه وقائع ايام ص (٣٠٢) :

روى أصبغ بن نباتة قال : صحبت مولاي أمير المؤمنين7 عند وروده صفين ، وقد وقف على تل ثم أومأالى أجمة ما بين بابل والتل قال :مدينة وأي مدينة.

فقلت له : يامولاي أراك تذكر مدينة أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟ فقال7 : لا ولكن ستكون مدينة يقال لها الحلة ( السيفية ) يمدتها رجل من بني أسد يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرّ قسمه. (١)

* * *

__________________

١ ـ انظر : بحار الانوار ، ٦ / ١٢٢ رواية ٥٥.

٧٩

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

أو من السجلّ. ومعناه: من جملة العذاب المكتوب المدوّن. كأنّه علم للديوان الّذي كتب فيه عذاب الكفّار، كما أنّ سجّينا علم لديوان أعمالهم.

( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) كورق زرع وقع فيه الأكال، وهو أن يأكله الدود. أو كتبن أكلته الدوابّ وراثته(١) . أو أكل حبّه فبقي صفرا منه.

__________________

(١) راث الفرس: مثل: تغوّط الرجل.

٥٢١
٥٢٢

(١٠٦)

سورة قريش

مكّيّة. وهي أربع آيات.

وفي حديث أبيّ: «من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها».

وروى العيّاشي بإسناده عن المفضّل بن صالح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة، إلّا الضحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش».

وعن أبي العبّاس عن أحدهماعليهما‌السلام قال: «ألم تر كيف فعل ربّك، ولإيلاف قريش سورة واحدة».

وروي: أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه.

وقال عمرو بن ميمون الأزدي: صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطّاب، فقرأ في الأولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم تر كيف ولإيلاف قريش.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤) )

٥٢٣

ولـمّا ذكر سبحانه عظيم نعمته على أهل مكّة بما صنعه بأصحاب الفيل، قال عقيب ذلك :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) متعلّق بقوله:( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ) . والفاء لـما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أنّ نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل( إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ) أي: الرحلة في الشتاء إلى اليمن ـ لأنّها بلدة حارّة ـ وفي الصيف إلى الشام، لأنّها بلدة باردة، فيمتارون ويتّجرون. وكانوا في رحلتيهم آمنين، لأنّهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، وغيرهم يتخطّفون ويغار عليهم.

أو بمحذوف(١) ، مثل: اعجبوا. أو بما قبله، كالتضمين في الشعر، وهو أن يتعلّق معنى البيت بالّذي قبله تعلّقا لا يصحّ إلّا به. والمعنى: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش. ويؤيّده أنّهما في مصحف أبيّ سورة واحدة.

والمعنى: أنّه أهلك الحبشة الّذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيّبوهم زيادة تهيّب، ويحترموهم فضل احترام، حتّى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم، فلا يجترئ أحد عليهم.

والإيلاف من قولهم: آلفت المكان أولفه إيلافا إذا ألفته، فأنا مؤلف.

وقريش ولد النضر بن كنانة. منقول من تصغير قرش، وهو دابّة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، فلا تطاق إلّا بالنار. فشبّهوا بها، لأنّها تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى.

وعن معاوية: أنّه سأل ابن عبّاس لم سمّيت قريش؟ قال: لدابّة تكون في البحر من أعظم دوابّه، يقال لها: قريش، لا تمرّ بشيء من الغثّ والسمين إلّا أكلته. وصغّر الاسم للتعظيم.

__________________

(١) عطف على قوله: متعلّق بقوله ...، في بداية الفقرة السابقة.

٥٢٤

وقيل: من القرش، وهو الكسب، لأنّهم كانوا كسّابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد، ولم يكونوا أصحاب ضرع ولا زرع.

وأطلق الإيلاف ثمّ أبدل المقيّد عنه، تفخيما لأمر الإيلاف، وتذكيرا بعظيم النعمة فيه. وقرأ ابن عامر: لإلاف، بغير ياء بعد الهمزة. ونصب «رحلة» بأنّه مفعول به لـ «إيلافهم»، كما نصب «يتيما» بـ «إطعام»(١) .

وروي: أنّ أوّل من حمل الميرة(٢) من الشام، ورحّل إليها الإبل، هاشم بن عبد مناف.

( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) بالرحلتين. والتنكير للتعظيم، أي: أطعمهم بالرحلتين: من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، حتّى كانوا يأكلون فيه الجيف والعظام المحرقة والأرواث( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) خوف أصحاب الفيل. أو خوف التخطّف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: خوف الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل: كلّ ذلك بدعاء إبراهيم على نبيّنا وعليه‌السلام .

__________________

(١) البلد: ١٤ ـ ١٥.

(٢) الميرة: الطعام الّذي يدّخره الإنسان.

٥٢٥
٥٢٦

(١٠٧)

سورة أرأيت

وتسمّى سورة الماعون. مكّيّة، مختلف فيها. وهي سبع آيات.

وفي حديث أبيّ: «من قرأ هذه السورة غفر الله له إن كان للزكاة مؤدّيا».

عمرو بن ثابت عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «من قرأ «أرأيت الّذي يكذّب بالدين» في فرائضه ونوافله قبل الله صلاته وصيامه، ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧) )

ولـمّا ذكر سبحانه نعمته على قريش، عجّب في هذه السورة من تكذيبهم مع عظيم النعمة عليهم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَرَأَيْتَ ) استفهام في معنى التعجّب، أي: هل عرفت( الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) بالجزاء أو الإسلام من هو؟ إن لم تعرفه( فَذلِكَ الَّذِي

٥٢٧

يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى، ويردّه ردّا قبيحا بزجر وخشونة. وهو أبو جهل، كان وصيّا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه. أو أبو سفيان، نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه. أو الوليد بن المغيرة. أو منافق بخيل.

( وَلا يَحُضُ ) ولا يبعث أهله وغيرهم( عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ) على بذله، لعدم اعتقاده بالجزاء، ولذلك رتّب الجملة على تكذيب الجزاء بالفاء. يعني: أنّه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخشى الله وعقابه، ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه علم أنّه مكذّب.

ثمّ وصل به قوله:( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) كأنّه قال: إذا كان الأمر كذلك فويل للمصلّين( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) أي: تاركوها مع أنّها عماد الدين، لقلّة مبالاتهم بها حتّى تفوتهم. أو لا يصلّونها كما صلّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ينقرونها نقرا من غير حفظ أركانها وشرائطها وآدابها، من خشوع وإخبات.

وقيل: يريد المنافقين الّذين لا يرجون لها ثوابا إن صلّوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتّى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا.

وعن أبي أسامة، عن زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى:( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) . قال: «هو الترك لها، والتواني عنها».

وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: «هو التضييع لها».

( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ) الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليها، فإنّ المراآة مفاعلة من الإراءة، والمرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به. وعن بعضهم: أنّه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنّما قال هذا لأنّه توسّم فيه الرياء والسمعة. على أنّ اجتناب الرياء صعب إلّا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الرياء

٥٢٨

أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح(١) الأسود».

( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) الزكاة. أو ما يتعاوره الناس بينهم في العادة، من الفأس والقدر والدلو والمقدحة، ونحوها من ماء ونار وملح. وروي ذلك مرفوعا.

وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة. والحاصل أنّ الفاء جزائيّة.

والمعنى: إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين، والموجب للذمّ والتوبيخ، فالسهو عن الصلاة الّتي هي عماد الدين، والرياء الّذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة الّتي هي قنطرة الإسلام، أحقّ بذلك. ولذلك رتّب عليها الويل.

وقيل: المعنى: فويل لهم. فوضع صفتهم موضع ضميرهم، لأنّهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكّين أموالهم. وعلى هذا ؛ إنّما جمع الضمير لأنّ المراد بالموصول الجنس.

والفرق بين «عن صلاتهم» و «في صلاتهم»: أنّ معنى «عن» أنّهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلّة التفات إليها، وذلك فعل الكفّار والمنافقين أو الفسقة من المسلمين. ومعنى «في» أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة الشيطان، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، ومن ثمّ أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس: الحمد لله على أن لم يقل: في صلاتهم.

واعلم أنّ المكلّف لا يكون مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة. فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقولهعليه‌السلام : «ولا غمّة(٢) في فرائض الله» لأنّها إعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحقّ الذمّ والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار. وإن كان تطوّعا فحقّه أن يخفى، لأنّه ممّا لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا، وإنّما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح. وكذلك البحث في الزكاة.

__________________

(١) المسح: البلاس يقعد عليه، والكساء من شعر.

(٢) أي: لا ستر ولا وإخفاء.

٥٢٩
٥٣٠

(١٠٨)

سورة الكوثر

مختلف فيها. وهي ثلاث آيات بالإجماع.

في حديث أبيّ: «من قرأها سقاه الله من أنهار الجنّة، وأعطي من الأجر بعدد كلّ قربان قرّبه العباد في يوم عيد ويقرّبون، من أهل الكتاب والمشركين».

أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من قرأ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) في فرائضه ونوافله، سقاه الله يوم القيامة من الكوثر، وكان محدّثه عند محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصل طوبى».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) )

ولـمّا ذكر سبحانه في سورة الماعون تاركي الصلاة ومانعي الزكاة، ذكر في هذه السورة الحافظين على الصلاة بشرائطها، والمعطين للزكاة، فتكون مقابلة للسورة المتقدّمة، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) الخير المفرط الكثرة بحيث

٥٣١

لا غاية لكثرته، من خير الدارين الّذي لم يعطه أحد غيرك. فاجتمعت لك الغبطتان السنيّتان على الوجه الأكمل الأتمّ، فإنّ زنة فوعل موضوعة للمبالغة جدّا.

وقيل: الكوثر نهر في الجنّة. وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنّه نهر في الجنّة ووعدنيه ربّي، فيه خير كثير». ثمّ قال في صفته: «أحلى من العسل، وأشدّ بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافّتاه الزبرجد، وأوانيه من فضّة، عدد نجوم السماء. لا يظمأ من شرب منه أبدا. أوّل وارديه فقراء المهاجرين، الدنسوا الثياب، الشعث الرؤوس، الّذين لا يزوّجون المنعّمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على الله لأبّره». أي: لو سأل الله أجابه.

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «نهر في الجنّة أعطاه الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوضا من ابنه».

وروى مسلم في الصحيح عن أنس: «بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى(١) إغفاء، ثمّ رفع رأسه متبسّما. فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليّ آنفا سورة. فقرأ الكوثر، ثمّ قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنّه نهر ووعدنيه عليه ربّي خيرا كثيرا، هو حوضي ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء. فيختلج(٢) القرن منهم، فأقول: يا ربّ إنّهم من أمّتي. فقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»(٣) .

وعن عكرمة: الكوثر النبوّة والقرآن. وقيل: كثرة الأصحاب والأشياع. وقيل: هو الشفاعة.

__________________

(١) أي: نعس ونام نومة خفيفة.

(٢) أي: يجتذب وينتزع. والقرن: الجماعة والأمّة.

(٣) صحيح مسلم ١: ٣٠٠ ح ٥٣.

٥٣٢

وعن ابن عبّاس: أنّه فسّر الكوثر بالخير الكثير. فقال له سعيد بن جبير: إنّ ناسا يقولون: هو نهر في الجنّة. فقال: هو من الخير الكثير.

وقيل: كثرة ذرّيّته من ولد فاطمةعليها‌السلام حتّى لا يحصى عددهم. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في العاص بن وائل السهمي. وذلك أنّه رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج من المسجد، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص قالوا من الّذي كنت تحدّث؟ قال: ذلك الأبتر. وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو من خديجة، وكانوا يسمّون من ليس له ابن ابتر، فسمّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورا، وهو الّذي لا عقب له. واللفظ محتمل للكلّ، فيجب أن يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال.

( فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) فدم على الصلاة خالصا لوجه الله الّذي أعزّك بإعطائه إيّاك الخير الكثير في الدارين، وصانك من منن الخلق، خلاف الساهي عنها المرائي فيها، شكرا لإنعامه، فإنّ الصلاة جامعة لأقسام الشكر( وَانْحَرْ ) البدن الّتي هي خيار الأموال، وتصدّق على المحاويج لله تعالى، خلافا لهم في النحر للأوثان، ولمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون.

وعن عطيّة: صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. عن عطاء وعكرمة وقتادة: صلاة العيد والنحر بمنى. والأولى أن يكون جنس الصلاة والنحر.

وقيل: معناه: صلّ لربّك الصلاة المكتوبة، واستقبل القبلة بنحرك. وتقول العرب: منازلنا تتناحر، أي: هذا ينحر هذا، يعني: يستقبله.

وما روى العامّة عن عليّعليه‌السلام أنّ معناه: ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.

فممّا لا يصحّ عنه، لأنّ جميع عترته الطاهرة قد رووه عنه بخلاف ذلك، وهو أنّ معناه: ارفع يديك إلى النحر في الصلاة.

٥٣٣

وعن عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في قوله:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) هو رفع يديك حذاء وجهك». وروى عنه عبد الله بن سنان مثله.

وعن جميل قال: «قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) . فقال: أشار بيده هكذا، يعني: استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».

وعن حمّاد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام : ما النحر؟ فرفع يده إلى صدره فقال: هكذا، ثمّ رفعها فوق ذلك فقال: هكذا. يعني: استقبل بيديه القبلة في افتتاح الصلاة».

وروي عن مقاتل بن حيّان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «لمّا نزلت هذه السورة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيل: ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربّي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنّ صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع هكذا، وإنّ لكلّ شيء زينة، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة».

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع الأيدي من الاستكانة. قلت: وما الاستكانة؟ قال: ألا تقرأ هذه الآية( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) (١) . أورده الثعلبي والواحدي(٢) في تفسيريهما.

( إِنَّ شانِئَكَ ) إنّ من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم( هُوَ الْأَبْتَرُ ) الّذي لا عقب له ولا له عاقبة خير، إذ لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك الطيّبة، وحسن صيتك على المنائر والمنابر، وعلى لسان كلّ عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله ويثنّى بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت

__________________

(١) المؤمنون: ٧٦.

(٢) الوسيط ٤: ٥٦٢.

٥٣٤

الوصف، فمثلك لا يقال له: أبتر، إنّما الأبتر هو شانئك المنسيّ في الدنيا والآخرة، وإن ذكر ذكر باللعن.

وفي هذه السورة دلالات على صدق نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحّة نبوّته :

أحدها: أنّه أخبر عمّا في نفوس أعدائه من أنّ محمّدا ليس له عقب، فيموت عن قريب، ونستريح منه، ويدرس دينه، وينقطع أمره. ولم يكن بلغه ذلك، فكان مطابقا لـما أخبر.

وثانيها: أنّه قال:( أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) . فانظر كيف انتشر دينه، وعلا أمره، وكثرت ذرّيّته، حتّى صار نسبه أكثر من كلّ نسب، ولم يكن شيء من ذلك في تلك الحال.

وثالثها: أنّ جميع فصحاء العرب والعجم قد عجزوا عن الإتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها، مع تحدّيه إيّاهم بذلك، وحرصهم على بطلان أمره منذ بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم الناس هذا، وهذا غاية الإعجاز.

ورابعها: أنّه سبحانه وعده بالنصر على أعدائه، وأخبره بسقوط أمرهم، وانقطاع دينهم وأعقابهم، فكان المخبر على ما أخبر به.

٥٣٥
٥٣٦

(١٠٩)

سورة الكافرون

مختلف فيها. وهي ستّ آيات بالإجماع.

في حديث أبيّ: «ومن قرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فكأنّما قرأ ربع القرآن، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك، ويعافى من الفزع الأكبر».

وعن جبير بن مطعم قال: «قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتحبّ يا جبير أن تكون إذا خرجت سفرا من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا؟ قلت: نعم، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله. قال: فاقرأ هذه السور الخمس:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) و( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ ) و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) .

فافتتح قراءتك بـ «بسم الله الرحمن الرحيم». قال جبير: وكنت غير كثير المال، وكنت أخرج مع من شاء الله أن أخرج، فأكون أكبرهم همّة وأمثلهم زادا حتّى أرجع من سفري ذلك.

وعن فروة بن نوفل الأشجعيّ، عن أبيه، أنّه أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: «جئت يا رسول الله لتعلّمني شيئا أقوله عند منامي. قال: إذا أخذت مضجعك فاقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثمّ نم على خاتمتها، فإنّها براءة من الشرك».

شعيب الحدّاد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «كان أبي يقول:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ربع القرآن. وكان إذا فرغ منها قال: أعبد الله وحده، أعبد الله وحده».

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «إذا قلت: «لا أَعْبُدُ ما

٥٣٧

تَعْبُدُونَ »» فقل: ولكنّي أعبد الله مخلصا له ديني. فإذا فرغت منها فقل: ديني الإسلام، ثلاث مرّات».

وعن الحسين بن أبي العلاء قال: من «قرأقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا، وإن كان شقيّا محي من ديوان الأشقياء، وكتب في ديوان السعداء، وأحياه الله سعيدا، وأماته شهيدا، وبعثه شهيدا».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦) )

ولـمّا ذكر سبحانه في سورة الكوثر أنّ أعداءه عابوه بأنّه أبتر، فردّ عليهم ذلك، وذكر في هذه السورة أنّهم سألوه المداهنة، فأمره بالبراءة منهم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) يعني: كفرة مخصوصين، قد علم الله منهم أنّهم لا يؤمنون. فاللام للعهد. روي: أنّ رهطا من قريش قالوا: يا محمّد هلمّ فاتّبع ديننا ونتّبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة. فقال: معاذ الله أن أشرك بالله غيره. فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك. فنزلت:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) .

( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) أي: فيما يستقبل، فإنّ «لا» لا تدخل إلّا على مضارع بمعنى الاستقبال، كما أنّ «ما» لا تدخل إلّا على مضارع بمعنى الحال. ألا ترى أنّ

٥٣٨

«لن» تأكيد فيما ينفيه «لا». وقال الخليل في «لن» إنّ أصله: لا أن. فالمعنى: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه منّي من عبادة آلهتكم.

( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ) فاعلون العبادة( ما أَعْبُدُ ) ما أطلب منكم من عبادة إلهي، أي: فيما يستقبل، لأنّه في قران «لا أعبد».

( وَلا أَنا عابِدٌ ) وما كنت قطّ عابدا فيما سلف( ما عَبَدْتُّمْ ) يعني: لم تعهد منّي عبادة صنم في الجاهليّة، فكيف ترجى منّي عند فشوّ الإسلام؟!( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ) وما أنتم عبدتم في وقت مّا( ما أَعْبُدُ ) ما أنا على عبادته. ويجوز أن تكونا تأكيدين على طريقة أبلغ. وإنّما لم يقل: ما عبدت، ليطابق «ما عبدتم» لأنّهم كانوا موسومين قبل المبعث بعبادة الأصنام، وهو لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله. وإنّما قال «ما» دون «من» لأنّ المراد الصفة، كأنّه قال: لا أعبد الباطل، ولا تعبدون الحقّ. أو للمطابقة، فإنّ معبودهم من غير ذوي العقول.

وقيل: إنّها مصدريّة، أي: لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي. وقيل: الأوليان بمعنى الّذي، والأخريان مصدريّتان.

( لَكُمْ دِينُكُمْ ) الّذي أنتم عليه لا تتركونه، من الإشراك( وَلِيَ دِينِ ) الّذي أنا عليه من التوحيد، لا أرفضه. يعني: أنّي نبيّ مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحقّ والنجاة، فإن لم تقبلوا منّي ولم تتّبعوني فاتركوني على ما أنا فيه من التوحيد، ولا تدعوني إلى الشرك. فليس فيه إذن في الكفر، ولا منع عن الجهاد، ليكون منسوخا بآية(١) القتال. أللّهمّ إلّا إذا فسّر بالمتاركة وتقرير كلّ من الفريقين الآخر على دينه. وقد فسّر الدين بالحساب والجزاء والدعاء والعبادة. وقرأ نافع وحفص وهشام بفتح الياء.

روي: أنّه لـمّا نزلت هذه السورة غدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد الحرام، وفيه الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم، فأيسوا.

__________________

(١) التوبة: ٥ و٢٩.

٥٣٩
٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579