تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75215
تحميل: 3629

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75215 / تحميل: 3629
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بعده حال المنافقين بقوله( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) ثمّ رغب تعالى في الجهاد وبيّن ان للمجاهد الثواب قتل أو غلب فقال( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) لان الذي يحصل له هو لتحمله المشقة لانه يقتل وقتل الكفار له مصيبة فبيّن انه سواء قتل أو غلب فله الثواب الجزيل على ما تحمله من الكلفة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها ) كيف يصح ذلك ان يحكى عن الولدان وهم لا يعرفون ربهم. وجوابنا أنّه تعالى ذكر جملة من يحب ان يهاجر ويتخلص من القرية الظالم أهلها والمراد بقوله ربنا أخرجنا من يصلح ان يقول ذلك كما يقال ان أهل البصرة معتزلة يقولون بالعدل والتوحيد ويراد بذلك كبارهم وان لم يفصل ولذلك قال( وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ) ومثل ذلك لا يقع من الولدان فهو كقوله( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) والمراد انه من تصح منه العبادة.

[ مسألة ] وربما قالوا كيف قال تعالى( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) ما فائدة ذلك وقد علم كل أحد ان آخر أمره الموت. وجوابنا أنّه تعالى بعث على الجهاد وبيّن ان المؤمن

١٠١

يقاتل في سبيل الله والكافر يقاتل في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان ان كيد الشيطان كان ضعيفا. ثمّ بيّن ان من كتب عليهم القتال قالوا( رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) وبيّن ان حياة الدنيا قليل وان الآخرة خير لمن اتقى ثمّ بين ان الذي لأجله تحذرون الجهاد نازل بكم وان كنتم في القصور والبروج فلا وجه لرغبتكم عن الجهاد مع الثواب العظيم حذرا من ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) أو ما يدل على ان الحسنات والسيئات من خلق الله. وجوابنا أنّ المراد بهذه الحسنة الخصب والرخاء وبهذه السيئة الشدة والأمراض فقد كانوا يقولون في مثل ذلك انها بشؤم محمّد صلّى الله عليه وسلم ينفرون العوام عن اتباعه ولذلك قال تعالى عنهم( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) والأمر يذهب في السيئات إلى انها من عند غير المكتسب وغير الله يدل على ذلك قوله تعالى من بعد( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) وأراد بذلك ما يفعله المرء من الطاعة والمعصية ولو لا صحة ما ذكرناه لكان الكلام متناقضا ولقالت العرب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أنت تزعم في القرآن انه لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقد وجدنا ذلك وإنّما عدلوا عن هذا القول لأنّ المراد بالأوّل المصائب والأمراض وبالثاني المعاصي فأضافها إلى نفس الانسان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) كيف يصح أن يستثنى القليل وفضل الله ورحمته على الجميع وجوابنا أنّ هذا الاستثناء قد اختلف فيه فقال بعضهم انه راجع إلى ما تقدم وهو قوله( وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ

١٠٢

أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ) فكأنه قال أذاعوا به إلّا قليلا منهم وقال بعضهم هو راجع إلى قوله( وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) إلّا قليلا وقال بعضهم هو راجع إلى قوله( وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) فكأنما كان يصح طعن هذا الطاعن لو لم يصح رجوع هذا الاستثناء إلى هذا الوجه الآخر فأما إذا صح رجوعه إلى الوجهين الأوّلين فقد زال الطعن ومع ذلك فانه يحتمل في هذا الفضل أن يكون المراد به باللطف في باب الدين فبيّن تعالى انه لو لا ذلك اتبعوا الشيطان إلّا قليلا فانهم مما لا لطف لهم واذا لم يكن لهم لطف لم يكن لفعل ذلك بهم معنى فهم يطيعون مع عدم هذا الفضل فهذا الطعن زائل على كل وجه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) ان ذلك يقتضي أنه المخصوص بتكليف الجهاد. وجوابنا أنّ المراد أنه لم يكلف هو الجهاد إلّا في نفسه ولم يكلف جهاد غيره وإنّما كلف في غيره البعث على ذلك والأمر به ولذلك قال تعالى بعده( وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ ) انه يدل على انه يضل الكافر. وجوابنا أنّ ذلك دليلنا لانه تعالى قال في المنافقين( فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ) فبين تقدم نفاقهم وبيّن نزول اللعن بهم ثمّ قال( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا ) وأراد هنا الثواب والمدح من أضل الله على ما تقدم من كفره وقد بيّنا ذلك في أوّل الكتاب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ

١٠٣

مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً ) أنه يدل على أن له أن يقتل خطأ. وجوابنا أنّ المراد ان ايمان المؤمن لا يثبت مع قتل المؤمن وقد ثبت مع قتل الخطأ فكأنه قال لا يصح وهو مؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا أن يكون قتله خطأ ثمّ بيّن حكم قتل الخطأ في الكفارة وقد قيل أنّ المراد لكن أن قتله خطأ وأنه استثناء منقطع والأوّل أبين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ ) أفما يدل ذلك على أن توبة قاتل العمد لا تقبل كما روى عن بعضهم. وجوابنا أنّه تعالى قد قدر في العقول أن التوبة من كل المعاصي مقبولة وبيّنه أيضا في القرآن بقوله( إِلاَّ مَنْ تابَ ) في سورة الفرقان بعد تقدم ذكر الكفر والقتل والزنا، فالمراد إذا فجزاؤه جهنم ان لم يكن معه توبة بيّن ذلك قوله( وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) ومعلوم من حال التائب انه حبيب الله وأنه لا يلعن ولا ينزل به الغضب من الله بل يناله الرضا من جهته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ ) ما فائدة هذا التخصيص وهو عالم بسرائر القلوب. وجوابنا أنّ ذلك تهديد من الله تعالى واذا خص قلوبهم بالذكر كان أقوى ولا يمنع من كونه عالما بكل شيء اذ العادة جارية في الوعيد أن يخص كقول القائل لوكيله احذر مخالفتي فاني عالم بما تأتيه.

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ) . وجوابنا أنّ ذلك كالدفع لتقدير من يقدر أن المراد في اكتسابها للطاعات ناقصة عن الرجل كنقصان حظها في الميراث فبيّن تعالى ان حالهم في الآخرة لا تختلف فلذلك قال من بعد( وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) فبيّن أنه في مصالحهما لا يتغير ما يفعله كما لا يتغير ما يستحقانه من الثواب.

١٠٤

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أو إِثْماً ) لـما ذا كرر والمراد واحد ولما ذا قال( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) ولم يقل بهما.

وجوابنا ان من المعاصي ما يكون خطأ ومنها ما يكون عمدا فالاثم لا يكون إلّا عمدا والخطيئة قد تقع وهو غير عالم بها وذلك نحو أن يأكل ويعلم أنه صائم وأن يأكل ولا يعلم ذلك وان كان في الأمرين قد يكون عاصيا فلذلك ذكرهما تعالى ومعنى قوله( ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) أي يرم بذلك فأشار إلى ما تقدم فلذلك لم يقل بهما.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) كيف يشهد على نفسه. وجوابنا أنّ المراد بذلك ليس الشهادة التي تؤدى بل المراد المعرفة بما يأتي ويذر فأوجب أن يعرف من نفسه ما يكون معروفا وما يكون منكرا فيتركه ويتوب كما ينكر ذلك على غيره ولذلك قال بعده( أو الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) ( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا ) وتوعدهم بقوله( وَإِنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) كيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ المراد من آمن فأمره الله أن يدوم على ذلك ويثبت عليه في المستقبل ويحتمل أن يريد مجموع ما ذكره في قوله( آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ) ان مجموع ذلك ربما لا يحصل للكثير من المؤمنين ولذلك قال بعده( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) فتوعد بكل ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ

١٠٥

بَعْلِها نُشُوزاً ) هلا قال علمت وذلك مما يعلم. وجوابنا أنّ النشوز من الزوج وان ظهر فان ذلك يبدو منه لا محالة ولا يعلم وإنّما يخاف ولا جل ذلك يستحب الصلح فلذلك ذكر الله تعالى الخوف دون العلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ مِنْ أهل الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) كيف يصح ذلك والكثير منهم مات على كفره. وجوابنا أنّه خاص بقوم منهم ويحتمل أن يكون المراد عند المعاينة يعرفهم الله تعالى ذلك ويؤمنون به وان كانوا ملجئين إلى ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ ) كيف يصح لاجل ظلمهم ان يحرم عليهم ولهم في اجتناب ذلك ثواب وهو نفع لهم فكيف يعاقبون به. وجوابنا أنّ المراد ان عند ظلمهم كان الصلاح تحريم ذلك إلّا انه عقوبة لان التكليف نعمة وليس عقوبة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) كيف قال تعالى بعده( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ ) وذلك لا يجوز في اللغة. وجوابنا أنّ بعضهم قال هو نسق على ما التي في قوله بما أنزل اليك فكانه قال انهم يؤمنون بما أنزل اليك وبالمقيمين الصلاة وقيل أيضا قال بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة المقيمين الصلاة وقيل كانه قال ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وقيل كانه قال وباقام الصلاة وقيل لـما طال الكلام نصب المقيمين على وجه المدح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ) أليس ظاهر الآية أنه يخص من

١٠٦

يشاء بالتزكية. وجوابنا أنّ التزكية من الله هي المدح والثناء وذلك لا يكون إلّا من قبله أو بأمره.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ ) أليس يدل على أنه يضل وأنه لا سبيل لمن ضل إلى الهدى. وجوابنا أنّ المراد من أضله الله عن الجنة لا يصح أن يهديه إلى الجنة والثواب وقد حكم عليه بالعقاب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ) أنه يدل على أن يسلط الكفار على المؤمنين. وجوابنا أنّ المراد به لو شاء لفعل لكنه لا يفعل لقبحه وذلك جائز عندنا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً ) ان ذلك يوجب انه تعالى جسم يحيط بالأشياء. وجوابنا أنّ المراد به إحاطة العلم لقوله تعالى( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) كيف يصح ذلك وقد أمرنا أن نعدل بين النساء. وجوابنا أنّ المراد بذلك أن نعدل بينهن في الشهوة والمحبة لا فيما يتصل بالنفقات والقسم وغيرها وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه قال هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك فانه صلّى الله عليه وسلم كان يقسم الليالي بين نسائه على السواء لكنه فيما يرجع إلى شهوة القلب كان لا يمكنه التسوية لان الشهوة من قبل الله تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) . فبيّن انه لا سبيل لهم الى

١٠٧

ترك الكفر وهذا خلاف قولكم ان الله تعالى قد مكن وأزاح العلة. وجوابنا أنّ المراد انه لا يغفر لهم في الآخرة ولا ليهديهم سبيلا إلى الثواب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ان ظاهره يدل على انه منعهم من الايمان. وجوابنا أنّ المراد بالطبع والختم قد فسرناه وانه علامة وليس يمنع ولذلك قال تعالى( فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ولو كان منعا فمنع القليل كما يمنع الكثير وربما قيل في قوله تعالى( كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ ) انه قال بعده( فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ ) فدل بذلك ان الايمان من فعله. وجوابنا انا نقول في الايمان انا وصلنا اليه بالله تعالى وبفضله وألطافه. وبعد فليس في الظاهر ما قالوه بل المراد فمنّ الله عليكم بالأدلة والبيان وإرسال الرسل وذلك صحيح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) كيف يصح أن يهديهم إلى طريق جهنم والهداية لا تكون إلّا في المنافع. وجوابنا أنّ ذلك مجاز فشبه ذلك بالهداية إلى الثواب لـما كان طريقا اليها ويحتمل أن يريد لكن يسوقهم إلى جهنم فيكون في حكم المبتدأ من الكلام.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ ) ما الفائدة في اثنتين وقد عرف ذلك بقوله كانتا. وجوابنا أنّه كان يجوز أن يقال بعد قوله كانتا صغيرتين أو صالحتين إلى غير ذلك من الصفات فأفاد بقوله اثنتين ان المراد العدد وذلك فائدة صحيحة.

١٠٨

سورة المائدة

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) كيف يليق بذلك قوله من بعد( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) . وجوابنا أنّ قوله عز وجل أوفوا بالعقود قد دخل تحته عقد التكليف كما يدخل تحته العقود في المعاملات وغيرها فجعله تعالى مقدمة لذكر التعبد فلذلك قال( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ ) ثمّ بين بعده ما حرمه من الميتة والدم وغيرهما ومثل ذلك يعظم موقعه من الحكيم إذا قدمه امام أمره ونهيه كما يحسن من أحدنا أن يقول لولده التزم عهدة البر فمن سبيلك أن لا تخالفني في كيت وكيت فالكلام متسق والحمد لله وقيل ان تقدير الكلام كأنه قال( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يا أيها الذين آمنوا أحلت لكم بهيمة الانعام فعلى هذا الوجه يكون الكلام أبين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) كيف يصح أن يحل الأماكن والأوقات. وجوابنا أنّ المراد لا يحل ما حرم في هذه الاماكن والاوقات فلا يجري ذلك مجرى الأمور التي يحل التصرف فيها مطلقا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) كيف يصح ذلك ولم يكن الدين من قبل ناقصا اذ لا يجوز أن يقال كان دينه صلّى الله عليه وسلم قبل ذلك اليوم ناقصا. وجوابنا أنّ المراد الكمال الذي لا يتغير

١٠٩

بعده ولا ينسخ ويقال انه آخر ما أنزله الله على الرسول. والدّين وان كان كاملا في كل وقت من حين بعثه الله تعالى فقد يصح فيه الزيادات في الادلة وفيما يلزم المرء يبين الله تعالى استقرار ذلك وكذلك قوله تعالى بعد ذلك( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) أن المراد انه استقر حتّى لا يتغير لا انه كان من قبل غير مرضي وقد يكون الشيء كاملا مرضيا وهو أنقص من شيء آخر كامل وعلى هذا الوجه فقول في الايمان والاسلام والدين انها تزيد وتنقص وعلى هذا الوجه يكون دين المسافر كاملا وان قصر في الصلاة وأفطر في الصيام كما يكون دين المقيم كاملا وكذلك القول في الغني والفقير.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) كيف يصح ذلك وقد كان قبل ذلك اليوم حلالا وكيف يصح ذلك وقد أكمل الله تعالى الدين من قبل. وجوابنا أنّ في جملة ما أحله الله ما لا يعلم إلّا بالشرع وهو نكاح الكتابيات وعلى هذا قال الفقهاء ان بذلك نعلم إباحة نكاحهن حتّى قال بعضهم ان ذلك ناسخ لقوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) وقال بعضهم بل هو مخصص فلما كان ذلك في جملة ما أحله الله تعالى جاز أن يقيده باليوم.

وبعد فقد يقال اليوم أحل كذا وأن كان حلالا من قبل وهذا هو اليوم الذي ذكر الله تعالى انه أكمل فيه الدين فذلك داخل تحت الدين هذا هو مذهب أكثر القدماء وقد قال بعضهم إن المراد بقوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) من أسلم منهن ولم يجوز نكاحهن وهن على كفرهن والقول الأوّل أبين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ

١١٠

فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) كيف يصح الكفر بالايمان وإنّما يكفر المرء بالله تعالى. وجوابنا أنّ المراد جحد الايمان فان من جحده فقد غطاه فشبه ذلك بالكفر الذي هو التغطية كما يقال يكفر بالسلاح وعلى هذا الوجه قال تعالى في آية الحج( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) ويقال ان فلانا كفر بالصلاة وكفر بالنبي والمراد ما قدمنا لكنه لا يطلق ذلك إلّا في جحد هذه الشرائع أو الجهل بها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ) كيف يصح ذلك والمكلف منا ومن غيرنا لا يذكر ذلك ويعلم ان القول لم يقع منه قبل التكليف. وجوابنا أنّ ذلك أمر من الله تعالى أن يذكروا ذلك والذكر هو العلم بما يتجدد من النعم حالا بعد حال ونفس العلم ربما علم باضطرار وان كان انما يعلم انه من نعم الله باستدلال فأما الميثاق من الله تعالى فهو العلم بما أودع في العقل من التكليف ولا عاقل إلّا ويقر بانه يقبح منه الظلم القبيح فيجب عليه الانصاف وغيره فهذا هو المراد ولذلك قال بعده( وَاتَّقُوا اللهَ ) يعني فيما ألزم وكلف( إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) وقال قبله عند ذكر التيمم( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) فدل تعالى بذلك على انه لم يضيق على المكلف بالطهارة والماء معوز بل وسع فألزم التيمم بالموجود من التراب فكيف يصح مع ذلك أن يقال انه تعالى يكلف المرء الايمان وسائر الطاعات وهو لا يطيقه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ) ان ذلك يدل على انه تعالى يخلق قسوة القلوب وسائر المعاصي. وجوابنا أنّ قوله( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ) دلالة على انهم نقضوا وأنه لاجل ذلك لعنهم فجعل قلوبهم قاسية ولا يصح ذلك إلّا والكفر قد تقدم منهم واذا صح ذلك وجب حمل

١١١

قوله( وَجَعَلْنا ) على ان المراد حكمنا بذلك كما يقال جعلت الرجل بخيلا إذا سألته فظهر بخله ويحتمل ان يريد تعالى أنه جعل قلبهم على صفة يحتاجون معها إلى مزيد تكليف في الطاعة ومثل ذلك يكون من قبل الله تعالى كما تقول في الجبن والشجاعة والذكاء والبلادة ولفظة الجعل وان دلت على الفعل فقد يراد بها غير ذلك كقوله تعالى( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) والمراد اعتقدوا ذلك فسموهم وكقوله في القصاص( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) والمراد حكمنا بذلك وقد قيل أنّ المراد به انا خليناهم وقد يقال للرجل إذا ترك ان يعمر أرضه قد جعله خرابا واذا لم يؤدب ولده يقال قد جعله فاسدا إلى غير ذلك ولو لا صحة ما ذكرناه لـما قال بعده( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) فذمهم على ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) والله تعالى لا يغري بالعداوة ولا يبعث عليها. وجوابنا أنّ الله تعالى ذكر بني اسرائيل ووعدهم بشرط أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بالرسول ثمّ قال( فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) ثمّ قال( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ) ثمّ قال من بعد( وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ ) ثمّ قال( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ ) لـما لم يتمسكوا بالميثاق والمراد بذلك انه خلاهم عن الالطاف التي لو تمسكوا بطاعة الله لكان يفعلها بهم فلما لم يتمسكوا بها لم يكن ذلك اللطف لطفا لهم فجائز أن يقال أغرى بينهم وهذا كقوله تعالى( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) لـما لم يلطف بهم وهذا كما يقال فلان يرسل كلبه إذا لم يمنعه وقد قيل ان ذم اليهود والنصارى على التثليث وذم النصارى لليهود على تكذيب عيسى مما يحسن فاذا أغرى تعالى بينهم في ذلك حسن وعلى هذا

١١٢

الوجه يحسن من أحدنا معاداة الكفار ويحسن من الكافر الذي يعبد الصنم معاداة المبتغى للشبهة معاداة عابد الصنم ومثل هذه المعاداة ربما تكون لطفا في التمسك بالحق.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله تعالى( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ) فقالوا كيف خص هؤلاء بأن يهديهم بالقرآن. وجوابنا لانهم إذا اختصوا بقبوله جاز أن يخصهم كما ذكرناه في قوله تعالى( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ ) ان ذلك يدل على أن ترك الكفر وفعل الايمان من قبل الله تعالى. وجوابنا أنّ الظاهر أن الكتاب الذي هو القرآن يخرجهم من الظلمات إلى النور باذن الله ومعلوم انه لا يخرج في الحقيقة عن الكفر إلى الايمان وإنّما يقال ذلك لـما كان سببا لإيمان الكافر فأما قوله باذنه فالمراد انه بأمر الله وعلمه وذلك صحيح لانه تعالى ألزم أمر الايمان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) كيف يصح ذلك وليس في النصارى من يطلق ذلك. وجوابنا أنّ من يقول منهم بأن الله تعالى اتخذ المسيح فصار لاهوتا بعد ان كان ناسوتا وانه يحيي الموتى وانه يلزم عبادته فهو قائل بهذا القول في المعنى ولذلك قال تعالى بعده( وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ) فنبه بذلك على أن المراد ما ذكرناه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) كيف يصح تحريم الجنة عليهم ولا اختيار لهم

تنزيه القرآن (٨)

١١٣

فيها. وجوابنا أنّ ذلك يقال فيما يقع للناس فيه من المنافع تشبيها بما يلزم المرء أن يتجنبه من المحرمات وذلك معقول في اللغة والتعارف ولذلك قال تعالى بعده( وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) ونبه بذلك على ان من يستحق العقاب والنار لا ناصر له.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ ) كيف يصح ذلك وليس في النصارى من يقول هذا القول بل يقولون الاله واحد لكنه يوصف بأنه ثلاثة أقانيم أب وابن وروح القدس. وجوابنا أنّه تعالى لم يحك عنهم انهم يقولون ثالث ثلاثة آلهة، بل قال انهم يقولون ثالث ثلاثة وهو معنى قولهم اذ أثبتوا ابنا وأبا وروحا قديمات وعلى هذا يقول في هؤلاء المشبهة انهم يثبتون معبودهم ثالثا ورابعا وعاشرا إذا قالوا ان معه علما وقدرة وحياة قديمة ولا معتبر بالعبارات في ذلك ولو لم يصح ما ذكرناه لقطعنا على انه كان فيهم من يقول ذلك ولم نعلمه ولذلك قال بعده( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ) كيف يصح أن يقول ذلك وقد كان في زمانه مثل يوشع بن نون وغيره مما صار نبيّا. وجوابنا( إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ) أراد ملكا مخصوصا حتّى يجري أخاه مجرى نفسه في كل وجه ولم يكن ذلك حال غيرهما فلا يصح ما ذكرته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ) كيف يصح أن يبقوا يتيهون فيها هذه المدة الطويلة وعلى ما يقال تلك البقعة انما هي فراسخ قليلة. وجوابنا أنّ ذلك جائز في قدرة الله تعالى بأن يكونوا إذا قربوا من الطرف يحول الله تعالى

١١٤

الطرف وسطا فيكون حالهم أبدا وكذلك جائز في أزمان الأنبياء فيكون معجزة لهم ويجوز أيضا ان تتغير دواعيهم ومقاصدهم حالا بعد حال بأن يكون تعالى يطرح قلوبهم بأن يصرفهم عن الخروج عن التيه والتحير فيه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ) كيف يجوز أن يقول هابيل هذا لقابيل والاثم يختص هو به في قتله أو ليس ذلك يدل على ان من ليس بعاص قد يلحقه اثم العاصي. وجوابنا أنّ الذي فعله به من القتل لـما كان متعلقا بهابيل جاز أن يقول ذلك وكانه قال( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي ) يعني قتلي واثمك يعني سائر ما فعلته حتّى وصلت إلى قتلي وقد قيل كيف يصح أن يريد ذلك وهو قبيح. وجوابنا أنّ المراد ارادته للذم والعقاب لا لنفس القتل الذي هو معصية ولذلك قال بعده( فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ ) فكأنه أظهر انه مريد لوقوعه في النار من حيث فعل ذلك ليصرفه عن هذا القتل بهذا القول.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ) أليس ذلك يدل على ان نفس الانسان سوى شخصه وهو يطيعها فيما يفعل. وجوابنا أنّ مثل ذلك قد يطلق في اللغة فيقال أطاعه نفسه وعصت فيمن يتبع الهوى والشهوة أو يخالف فلا يدل على ما قاله ولذلك قال تعالى( فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ولم يقل فأصحبت نفسه خاسرة.

[ مسألة ] وربما قيل كيف خفي عليه بعد قتله له أن يدفنه في الأرض حتّى ينبه على ذلك بما بعثه الله تعالى من الغراب فأراه ذلك. وجوابنا أنّ ذلك كان ابتداء القتل والموت لا تمتنع الشبهة فيه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ

١١٥

أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) هو كيف تصح التسوية بين من يقتل الواحد ومن يقتل الخلق جميعا وذلك بعيد عن متعارف الشرع وطبيعة العقل. وجوابنا أنّ بيان عظم هذا القتل في العقاب وانه من حيث يقتدي به ويسهل سبيل القتل وغيره عظم اثمه كما قال صلّى الله عليه وسلم من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ( فان قيل ) أفتقطعون على ان من قتل هذه النفس فعقابه كعقاب من قتل الناس جميعا ( قيل له ) ذكر الله تعالى ذلك في بني اسرائيل خاصة فلا يمنع مثل ذلك فيهم وان لم يجب في غيرهم لان عظم المعاصي يختلف بالاوقات واختلاف الأحوال ويحتمل أن يراد به فكأنما قتل الناس جميعا في عظم ما فعل، وان لم يبلغ ذلك الحد في العقوبة لأن الظاهر لا يدل إلّا على هذه الجملة. ومتى قيل فما معنى قوله تعالى( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) وذلك ليس في مقدور أحد. فجوابنا أنّ المراد التخليص من القتل والهلاك وذلك يعظم في الواحد كما يعظم في الجماعة ( فان قيل ) أليس يدل على قوله تعالى( فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) على انه ندم والندم توبة. وجوابنا أنّه لم يندم من حيث انها معصية وقبيح. بل ندم لـما افتضح وكان ظن ان ذلك يخفى فلما ظهر قتله ندم لشيء يخصه.

[ مسألة ] ومتى قيل ما معنى قوله تعالى( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وكيف يصح أن يحاربوا الله. وجوابنا أنّ المراد محاربة أنبيائه فقدم ذكره تعالى تعظيما لذلك وبين ان من عادى رسله وحاربهم، فقد عادى الله تعالى فنبّه بذلك على عظم هذا الفعل وفخامته والمراد بالمحاربين من ذكره العلماء من الكفار والمفسدين في الصحارى والبلاد ثمّ بيّن ان حكمهم فيما يأتون من القتل وأخذ الاموال لا يخرج عما ذكر تعالى من أن( يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ

١١٦

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) فيلزم ذلك فيهم بحسب جناياتهم ولذلك قال تعالى أولئك( لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) وبيّن أن من تاب قبل القدرة عليه فهذه الاحكام عنه زائلة فيما كان من حق الله تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها ) كيف يصح وهم ملجئون إلى أن لا يفعلوا القبيح وارادتهم ما حكم الله تعالى بخلافه تقبح. وجوابنا أنّ لعلماء التوحيد في ذلك جوابين ( أحدهما ) أنه يصح أن يريدوا ذلك ويحسن وان كان الله تعالى لا يفعله وعلمهم بأنهم لا يخرجون من النار لا يمنع من حسن ذلك لو وقع. فهذا القائل يحسنه على ظاهره ( والثاني ) ان المراد انه يقع منهم ما يقع من المريد في دار الدنيا فوصفهم تعالى بالارادة لاجل ذلك ولذلك قال تعالى بعده( وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ) كيف يصح ذلك في المنافقين واليهود وقد أراد الله عز وجل عندكم تطهير قلوب الخلق المكلفين من الكفر والمعاصي ومن قبل ذلك( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) . وجوابنا أنّ الفتنة قد يراد بها التشديد في التكليف وقد يراد بها العقوبة والله يريد كلا الأمرين فأما تطهير القلب فالمراد به انه عز وجل علم أن لا لطف لهم حتّى يريده فيصير صارفا لهم عن المعاصي ويحتمل أنه لقي قلوبهم ليس عليهم سمة الايمان كما قال تعالى( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) ومعلوم ان كثيرا منهم ليس بكافر عندكم وقد كرر الله تعالى ذلك فقال مرة هم الكافرون وأخرى هم

١١٧

الظالمون واخرى هم الفاسقون وجوابنا أنّ المراد به اليهود لان هذه الآيات واردة فيهم ولأنه تعالى قال بعده( وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) وذلك صفة اليهود وهم كفار وقد قيل فيه ان المراد به من لا يحكم بما أنزل الله مستحلاّ له وقيل ان المراد ومن لم يحكم بشيء مما أنزل الله فلا يلزم ما قالوه وان تعلق بذلك الخوارج فلم يصح لأكثرهم ففيهم من لا يقول بأن من لم يحكم بما أنزل الله يكون كافرا إذا كان صغيرا أو كان على التأويل أو على السهو فلا بد من أن يرجع إلى ما ذكرناه من التأويل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ ) كيف يصح ذلك وشريعة عيسى مخالفة لشريعة موسى. وجوابنا أنّ وقوع النسخ في الشرائع لا يخرجها من أن تكون متفقة كما أن اختلاف الشرع في الغني والفقير والمقيم والمسافر لا يخرج الشرع من أن يكون متفقا، لأن كل شيء من ذلك صلاح في وقته وعلى هذا الوجه بيّن تعالى في القرآن أنه مصدق للتوراة والانجيل والزم رسوله إذا حكم بينهم أن يحكم بالقرآن وأن لا يتبع أهواءهم التي هي بخلاف القرآن. وبيّن بعد ذلك بقوله( لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ) أن الذي يجمع الكل في كونه مصلحة يخرجه من أن يكون مختلفا بل يكون بعض مصدقا لبعض ولذلك قال تعالى بعده( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إلى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) فجعل اختلافهم ثابتا في المذاهب التي هي مخالفة للحق لا في الشرائع الحقة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) كيف يصح مع الذي بينهما من المعاداة. وجوابنا أنّه تعالى لم يعين البعض وبعض من النصارى

١١٨

أولياء بعض منهم وكذلك بعض اليهود ومع ذلك فاليهود والنصارى يتولى بعضهم بعضا فيما يتفقون عليه من التكذيب لشريعة نبينا صلّى الله عليه وسلم ولذلك قال بعده( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) فنبه بذلك على أنه أراد بالتولي الاجتماع على ما ذكر وذكر بعد ذلك أحوال المنافقين الذين يتولون الكفار في الباطن فقال( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ) وبين طريقهم مع المؤمنين وانهم يقولون( نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ) ثمّ بيّن بعد انهم سيندمون إذا ظهرت النصرة من الله تعالى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم( عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) ومعلوم من حال المؤمن انه يعز المؤمن ويعظمه ويتولاه. وجوابنا أنّ مراده تعالى بيان ما يحصل بهم من القهر والغلبة للكفار وما يحصل لهم من اللين والخضوع للمؤمنين فوصف ذلك بالعزة وهذا بالذلة، وهذا كما يقال لمن يخضع لغيره انه يذل له ويذلل ولذلك قال تعالى بعده في وصفهم( يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) وبيّن تعالى ان جهادهم على هذا الوجه فضل من الله من حيث يوفق لذلك ومن حيث يؤديهم إلى النعم العظيمة من الثواب. وبيّن بعده عز وجل بقوله( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) صفة من يتولى المؤمنين وأنه تعالى يتكفل بنصرتهم وغلبتهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ) كيف

١١٩

يصح وصف من تقدم ذكره من أهل الكتاب والمنافقين بذلك ولم يكن فيهم من يعبد الطاغوت. وجوابنا انه تعالى قد ذكر من قبل أهل الكتاب بقوله( مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ ) فلا يمتنع أن يرجع هذا الوصف اليهم ويحتمل في الطاغوت أن يراد به شياطين الانس والجن فقد كان فيهم من يضل العوام ويدعوهم إلى الكفر ومن يطع هؤلاء يسمى عابدا له كما قال تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) لـما أطاعوهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ) كيف يصح ذلك وليس فيهم من يقول هذا القول لا على ظاهره ولا على وجه التخيل. وجوابنا أنّ في التوراة أن قوما منهم كانوا يستبطئون الرزق من جهة الله تعالى وينسبونه إلى البخل ففيهم نزلت هذه الآية. فبيّن تعالى ان يده مبسوطة العطاء والافضال والرزق لكنه ينفق كيف شاء بحسب المصلحة، ولم يرد تعالى بذكر اليدين الجارحة ولا صفة مجهولة كما يذهب اليه المشبهة بل أراد تعالى النعم وإنّما ثنى ذلك لأنه أراد نعم الدنيا والدين والنعم الظاهرة والباطنة ولو أراد تعالى الجارحة لم يكن لذكر البسط والانفاق معنى لانه لا يثبت التكذيب في قولهم إلّا بالانفاق، فزال ما نسبوه اليه من البخل وليس للجارحة في ذلك مدخل.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) وكيف يكون الاكل على هذا الوجه. وجوابنا أنّه تعالى في كثير من القرآن يذكر الاكل ويعني سائر وجوه الانتفاع نحو قوله( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً ) ومعلوم من حال الانتفاع انه يكون سببه ما ينزل من السماء وما ينبت من الأرض وعلى هذا

١٢٠