تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن11%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80102 / تحميل: 4437
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فطاف كما أوحى الله إليه، ثمَّ نزل في الماء إلى أن ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم، فحمل التّابوت في جوف السَّفينة حتّى طاف بالبيت ما شاء الله تعالى أن يطوف، ثمَّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال الله للأرض: « ابْلَعي ماءَكِ »(١) ، فبلعتْ ماءها من مسجد الكوفة كما بدء الماء من مسجدها وتفرَّق الجمع الّذي كان مع نوح في السّفينة، فأخذ نوحٌ التّابوت فدفنه بالغَريّ وهو قِطعة من الجبل الَّذي كلّم اللهُ عليه موسى تكليماً، وقدَّس عليه عيسى تقديساً، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتَّخذ عليه محمّداً حبيباً، وجعله للنَّبيِّين مسكناً، والله ما سكن فيه أحدٌ بعد آبائه الطاهرين آدم ونوح اكرم من أمير المؤمنينعليهم‌السلام فإذا أردت جانب النجف فزُر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فإنّك زائراً لآباء الأوَّلين، ومحمّداً خاتم النّبيّين، وعليّاً سيّد الوصيّين، فإنّ زائره تفتح له أبواب السَّماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نُوّاماً ».

٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن عثمانَ بن عيسى، عن المعلّى [بن] أبي شِهاب، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال الحسين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبت ما جزاء مَن زارَك؟ قال: مَن زارني حيّاً أو ميّتاً أو زارَ أباك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة فاُخلّصه مِن ذنوبه ».

الباب الحادي عشر

( زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

( وكيف يزار، والدّعاء عند ذلك)

١ - حدَّثني أبو عليٍّ أحمدُ بن عليِّ بن مَهديّ قال: حدَّثني أبي: عليُّ بن صَدَقة الرَّقّيُّ قال: حدَّثني عليُّ بن موسى قال: حدَّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفرعليهم‌السلام « قال: زارَ زينُ العابدين عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام قبرَ أمير المؤمنين عليِّ

__________________

١ - هود: ٤٤.

٤١

ابن أبي طالبعليه‌السلام ووقف على القبر فبكى، ثمَّ قال:

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ المؤمنينَ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُهُ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمينَ اللهِ في أرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ [ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ الْمُؤْمِنينَ ]، أشْهَدُ أنَّكَ جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله حَتّى دَعاكَ اللهُ في جِوارِهِ وَقَبَضَكَ بِاخْتِيارِهِ، وَالْزَمَ أعْدآئَكَ الْحُجَّةَ في قَتْلِهِم إيّاك مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ، اللّهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسى مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ؛ راضِيَةً بِقَضآئِكَ، مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعآئِكَ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أوْلِيآئِكَ، مَحْبُوبَةً فى أرْضِكَ وَسَمآئِكَ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ بَلأئِكَ شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمآئِكَ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ، مُشْتاقَةً إلى فَرْحَةِ لِقآئِكَ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزآئِكَ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أوْلِيآئِكَ (١) ،مُفارِقَةً لإَخْلاقِ أعْدائِكَ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنآئِكَ ».

ثمّ وَضع خدّه على القبر وَقال:

اللّهُمَّ إنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ إلَيْكَ والِهَةٌ، وَسُبُلَ الرّاغِبينَ إلَيْكَ شارِعَةٌ، وَأعْلامَ الْقاصِدينَ إلَيْكَ واضِحَةٌ، وَأفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ، وَأصْواتَ الدّاعينَ إلَيْكَ صاعِدَةٌ، وَأبْوابَ الاَِْجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ، وَتَوْبَةَ مَنْ أنابَ إلَيْكَ مَقْبُولَةٌ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ، والإعانة لِمَنِ اسْتَعانَ بِك مَوجُودةٌ، والإغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بكَ مبذُولةٌ، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ، وَأعْمالَ الْعامِلينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ، وَأرْزاقَكَ إلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ لَهُمْ مُتواتِرَةٌ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرينَ مَغْفُورَةٌ، وَحَوآئِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ، وَجَوآئِزَ السّائِلينَ عِنْدَكَ مُوَفَّورَةٌ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ إليهم واصِلةٌ، وَمَوآئِدَ الْمُسْتَطْعِمينَ مُعَدَّةٌ، وَمَناهِلَ الظِّمآءِ لَدَيكَ مُتْرَعَةٌ، اللّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعآئي، وَاقْبَلْ ثَنآئي، وأعْطِني رَجائي، وَاجْمَعْ بَيْني وَبَيْنَ أوْلِيآئي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم‌السلام، إنَّكَ وَلِيُّ نَعْمآئى، وَمُنْتَهى رَجائي، وَغايَةُ مُنايَ في مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ، أنْتَ إلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ اغْفِرْ لإََوْلِيآئِنا، وَكُفَّ عَنّا أعْدآئَنا وَاشْغَلْهُمْ عَنْ أذانا، و

__________________

١ - في بعض النّسخ: « بسنن أنبيائك ».

٤٢

أظْهِرْ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَاجْعَلْهَا الْعُلْيا، وَأدْحِضْ كَلِمَةَ الْباطِلَ وَاجْعَلْهَا السُّفْلى، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىءٍْ قَديرٌ » ».

٢ - حدّثني محمّد بن الحسن بن الوليدرحمه‌الله فيما ذكر من كتابه الَّذي سَمّاه « كتاب الجامع »، روي عن أبي الحسنعليه‌السلام « أنّه كان يقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، أشهَدُ أنَّك أوَّلُ مَظْلُومٍ؛ وَأوَّلُ مَنْ غُصِبَ حَقُّهُ، صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ، وَأشْهَدُ أنَّكَ لَقِيتَ اللهَ، وَأنْتَ شَهيدٌ، عَذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأنْواعِ الْعَذابِ وَجَدَّدَ عَلَيْهِ الْعَذابَ، جِئْتُكَ عارِفاً بِحَقِّكَ؛ مُسْتَبْصِراً بِشَأنِكَ؛ مُعادِياً لإَعْدائِكَ وَمَنْ ظَلَمَكَ، الْقى عَلى ذلِكَ رَبّي إنْ شاءَ اللهُ تعالى، إنَّ لي ذُنُوباً كَثيرَةً فَاشْفَعْ لي عندَ رَبِّكَ يا مَولايَ، فَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعْلُوماً، وَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ جاهاً عَظيماً وَشَفاعَةً، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى : «وَلا يَشْفَعوُنَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى (١) ».

ويقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً:

«الْحَمْدُ للهِ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَمَنْ فَرَضَ الله عَلَيَّ طاعَتَهُ، رَحْمَةً مِنْهُ لي وتَطَوُّعاً مِنْهُ عَلَيَّ، وَمَنَّ عَلَيَّ بِالاِْيْمانِ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي سَيّرني في بِلادِه وحَملَني عَلى دَوابِّهِ، وطَوى لي البَعيدَ، ودَفَع عَنّي المَكروه حتّى أدخَلَني حَرَمَ أخي رَسُولِهِ فَأرانيهِ في عافِيَةٍ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي جَعَلَني مِنْ زُوّارِ قَبْرِ وَصِيِّ رَسُولِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحَمْدُ للهِ الّذي جَعَل هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدي لَوْلا أنْ هَدانَا اللهُ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، [وَأشْهَدُ] أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جاءَ بالحقِّ مِنْ عِنْدِه، وأشهَدُ أنَّ عليّاً عبدُالله وأخو رَسولِه، اللهمَّ عَبدُكَ وَزائِرُكَ يَتَقرَّبُ إليك بِزيارةِ قبرِ أخي نَبيِّك، وعَلى كُلِّ مأتيٍّ حقٌّ لِمَن أتاهُ وزارَهُ، وأَنْتَ خَيرُ مأتيٍّ، وأكرم مَزورٍ، وأسألُك يا اللهُ يا رَحمنُ يا رَحيمُ يا جوادُ يا واحِدُ يا أحَدُ يا فَردُ يا صَمَدُ يا مَن لم يَلِدْ ولم يُولَد ولَمْ يكنْ لَهُ كُفُواً أحدٌ، أنْ تُصلّي على محمٌدٍ وآل محمَّدٍ وأهل بَيْتِه، وأنْ تجعَلَ تُحفَتَكَ إيّايَ مِنْ زِيارتي في مَوقِفي هذا فَكاك رَقَبَتي من النّار، واجْعَلْني مِمّنْ

__________________

١ - الأنبياء: ٢٨.

٤٣

يُسارع في الخيراتِ ويَدْعُوك رَهَباً ورَغَباً، واجْعَلْني لَكَ مِن الخاشِعينَ، اللّهُمَّ إنَّكَ بَشَّرْتَني عَلى لِسانِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ فَقُلْتَ: «وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (١) »اللّهُمَّ فَإنّي بِكَ مُؤْمِنٌ وبِجَميعِ أنْبِيائِكَ مُوقِنٌ، فَلا تُوقِفني بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ مَوْقِفاً تَفْضَحُني به عَلى رُؤُوسِ الاَْشْهادِ، بَلْ أوْقِفني مَعَهُمْ، وَتَوَفَّني عَلَى التَّصْديقِ بِهِمْ، فَإنَّهم عَبِيدُكَ وأنت خَصَصْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ وَأمَرْتَني بِإتِّباعِهِم »،

ثمَّ تدنو من القبر وتقول: «السَّلامُ مِنَ اللهِ والسَّلامُ على محمّدِ بنِ عبدِالله أمين اللهِ عَلى وَحْيِه وعَزائِم أمْرِه، ومَعْدِنِ الْوَحي والتَّنزيل، والخاتَم لِما سَبَقَ والفاتِحِ لِمَا اسْتَقْبَل (٢) ،وَالْمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، والشاهِدِ عَلى خَلْقِه، والسِّراج المُنِيرِ، والسَّلامُ عليه ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه، اللّهمَّ صَلِّ على محمّد وأهل بَيتِه المظلومينَ أفضلَ وأكملَ وأرْفعَ وأشْرَفَ ما صلَّيت على أحدٍ مِنْ أنبيائِكَ ورُسُلِكَ وأصْفِيائكَ، اللّهمّ صَلِّ عَلى عَليٍّ أميرِ المؤمنينَ عَبدِكَ وَخَيْرِ خَلْقِكَ بَعْدَ نَبِيِّكَ وأخي رَسُولِكَ وَوَصيِّ رَسُولِكَ، الَّذي انْتَجَبْتَه مِن خَلْقِكَ بعْدَ نَبِيِّكَ، والدَّليلِ عَلى مَنْ بعَثتُهُ بِرسالاتِكَ، وَديّان الدِّين بَعَدْلِكَ، وَفَصل قَضائِك بَين خَلْقِكَ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاته، اللّهم صَلِّ عَلى الاُئمَّةِ مِنْ وُلدِهِ الْقَوَّامين بأمْرِكَ مِن بَعْدِه، المُطهّرين الّذين ارْتَضَيْتَهم أنْصاراً لِدينِكَ وَحَفَظةً لِسِرِّكَ؛ وشُهداءَ عَلى خَلْقِك، وأعْلاماً لِعِبادك - وتصلّي عليهم ما استَطعْتَ - السَّلامُ على الأئمّةِ المُسْتَودِعِين، السَّلامُ على خالِصَةِ اللهِ مِنْ خَلقِه، السَّلامُ على الأئمّة المتوسِّمِينَ، السَّلامُ عَلى المؤمنِين، الّذين قامُوا بِأمْركَ، ووازَروُا أولياءَ اللهِ، وخافُوا بخَوْفِهِم، السَّلام عَلى مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبينَ ».

ثمَّ تقول : «السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المؤمنين ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ، السَّلام عليكَ يا حَبيبَ الله، السَّلام عليكَ يا صَفْوَةَ اللهِ، السَّلامُ عليك يا وَليَّ اللهِ، السَّلام عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ، السَّلامُ عليك يا عَمودَ الدِّينِ وَوارِثَ عِلْمِ الاُوَّلينَ والآخِرينَ، وصاحِبَ المِيْسَمِ (٣)

__________________

١ - يونس: ٢.

٢ - أي لمن بعده من الحججعليهم‌السلام ممّا استقبله من المعارف والعلوم والحكم. ( البحار ).

٣ - الميسم - بكسر الميم -: اسم الآلة الّتي يكوى بها ويُعْلم، وأصله الواو وجمعه مياسم ومواسم، الاُولى على اللّفظ والثّانية على الأصل.

٤٤

وَالصِّراطِ الْمُسْتَقيم، أَشْهَدُ أنّك قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ، وآتَيْتَ الزَّكاةَ، وأمَرتَ بالمَعروفِ، ونهَيتَ عَنِ المُنكرِ، واتَّبَعْتَ الرَّسولَ، وتَلَوْتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وجاهَدْتَ في الله حَقَّ جِهادِه، ونَصَحْتَ للهِ ولِرسُوله، وجُدْتَ بنَفْسِكَ صابِراَ مُحْتَسِباً مجاهِداً عن دينِ اللهِ، مُوَقِّياً (١) لِرَسولِ اللهِ، طالِباً ما عِندَ اللهِ، راغِباً فيما وَعَدَ اللهُ، ومَضيتَ للَّذي كنتَ عَلَيه شَهيداً وشاهِداً ومَشهُوداً، فجَزاكَ اللهُ عَن رَسولِه وعن الإسلامِ وأهْلِه أفْضَلَ الجَزاءِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ، ولَعَنَ اللهُ مَن خالفَكَ، ولَعَنَ الله منِ افْتَرى عَلَيكَ وظَلَمَكَ، ولَعَنَ اللهُ مَن غَصَبَك حَقَّك، ومن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ به، أَنَا إلى اللهِ مِنْهم بَراءٌ، لَعَنَ الله اُمّةً خالَفتْكَ؛ واُمّةً جَحَدَتْ وِلايَتَكَ؛ واُمّةً تَظاهَرَتْ عَلَيكَ؛ واُمّةً قَتَلتْكَ؛ واُمّةً حادَت عَنك وَخَذَلَتْك، والْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ النّار مَثْواهُمْ، وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْروُد (٢) ، وبِئسَ وِرْدُ الوارِدِين، وبِئسَ دَرَكُ المُدْرِك، اللهمَّ العَن قَتَلَة أنبيائك وأوصياءِ أنبيائِكَ بجميع لَعَناتِكَ، وأصِلهم حرّ ناركَ، اللّهمَّ الْعَنِ الجَوابيتَ والطَّواغِيتَ والفَراعِنَةَ (٣) ؛ واللاّتَ والعُزٌَى والجِبتَ، وكلَّ نِدٍّ يُدعى مِن دُونِ اللهِ، وكلَّ مُفْتَرٍ عَلى اللهِ، اللّهمَّ الْعَنْهُمْ وأشْياعَهُم وأتْباعَهُم وأوْلِيائهم وأعْوانَهم ومُحبّ ومُحبّيهم لَعْناً كَثيراً »،

وتقول: «اللّهُمٌَ الْعَن قَتلَة أميرِ المؤمنينَ عليه‌السلام - ثلاثاً - اللّهمّ عَذِّبْهم عَذاباً أليماً لا تُعذِّبُهُ أحداً من العالَمين، وضاعِفْ عَليْهِم عَذابَكَ كما شاقُّوا وُلاةَ أمْرِكَ، وأعدّ لَهم عَذاباً لم تَحلّه بأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، اللّهمَّ وأدْخِل عَلىُ قَتَلَة أنْصارِ رَسُولِكَ، وقَتَلَة أنصار أمير المؤمنين، وعَلى قَتلةِ أنْصار الحَسَن وعلى قَتلَة أنصارِ الحُسين، وقَتَلَةَ مَن قُتل في ولاية آل مُحَمَّدٍ أجمعين عَذاباً مُضاعَفاً في

__________________

١ - على بناء التّفعيل، والتّوقية الحفظ والكلاءة. وفي بعض النّسخ: « موقناً » بالنّون، في بعضها: « موفياً » بالفاء والياء، يقال: وفي بالعهد وأوفى به. ( البحار ).

٢ - أي: بئس الورد محلّ ورودهم، والمورود تأكيد، أو المورود عليه. ( كما قاله العلاّمة المجلسيّرحمه‌الله ).

٣ - الجوابيت جمع الجبت - وهو بالكسر -: الصَّنم والكاهن والسّاحر والسِّحر، والّذي لا خير فيه. « والطّواغيت » جمع طاغوت وهو الشّيطان، والمراد هنا جميع خلفاء الجور من الفراعنة وأتباعهم.

٤٥

أسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الْجَحيمِ، لا تُخَفَّفُ عَنْهُمُ من عذابِها وَهُمْ فيهِ مُبْلِسُونَ (١) مَلْعُونُونَ، ناكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَدْ عايَنُوا النَّدامَةَ وَالْخِزْيَ الطَّويلَ لِقَتْلِهِمْ عِتْرَةَ أنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأتْباعَهُمْ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ في مُسْتَسِرِّ السِّرِّ وَظاهِرِ الْعَلانِيَة (٢) في أرْضِكَ وَسَمائِكَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أوْلِيائِكَ، وَحَبِّبْ إلَيَّ مشاهَدهم حَتّى تُلْحِقَني بِهِمْ وَتَجْعَلَني لَهُمْ تَبَعاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ »،

ثمَّ أجلس عند رأسهعليه‌السلام وقل:

سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَالْمُسَلِّمينَ لَكَ بِقُلُوبهم، وَالنّاطِقينَ بِفَضْلِكَ؛ وَالشّاهِدينَ عَلى أنَّكَ صادِقٌ [أمينٌ] صِدّيقٌ؛ عَلَيْكَ يا مَولايَ، السَّلام مِنَ اللهِ عليكَ وعلى رُوحِكَ وبدنِكَ، أشْهَدُ أنّك طُهرٌ طاهِرٌ مُطهّرٌ (٣) ،وأشْهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَوَلِيَّ رَسُولِهِ بِالْبَلاغِ وَالاَْداءِ، وَأشْهَدُ أنَّكَ جَنْبُ اللهِ (٤) وأنّكَ بابُ اللهِ، وَأنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي مِنْهُ يُؤْتى، وأنّك خَليلُ اللهِ وأنّك عَبدُاللهِ، وأخُو رَسولِه وقد أتَيْتُكَ وافِداً لِعظيم حالِكَ ومَنزِلَتِكَ عِندَ اللهِ وعِندَ رُسولِه، أتَيْتُكَ زائِراً مُتَقَرِّباً إلَى اللهِ بِزِيارَتِكَ، طالباً خَلاصَ نَفْسي، مُتَعوِّذاً بِكَ مِن نارٍ اسْتَحَقّها مِثلي بما جَنَيتُهُ علىُ نَفْسي، أتَيتُك انْقِطاعاً إلَيكَ وإلى وَلَدِك الخَلَف من بَعْدِكَ عَلى بَرَكة الحَقّ، فَقَلْبي لَكَ مُسَلّم، وأمري لك متَّبعٌ، ونُصْرتي لَكَ مُعَدَّة، وأنا عَبدُاللهِ ومولاك في طاعَتِكَ، والوافِدُ إليكَ، ألتمسُ بذلك كمال المنزلةِ عندَ الله، وأنت يامَولايّ مِمَّنْ أمَرني اللهُ بطاعَتِه (٥) ،وحَثَّني عَلى بِرِّه، و

__________________

١ - المبلس: الشّديد الحسرة، وقال الفرّاء: المبلس المنقطع الحجّة. وقال الفيروزآبادي: « المُبْلِسُ: السّاكتُ على ما في نفسه، وأبْلَسَ: يئس [وانقطع]، وتحيّر ».

٢ - استسرّ: استتر. ( القاموس ) وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله : قوله: « مستسرّ السَرَ »، مبالغة في الخفاء، كما أنّ « ظاهر العلانية » مبالغة في الظّهور، والغرض لعنهم على جميع الاُحوال وبجميع أنحاء اللّعن.

٣ - زاد به في الفقيه: « مِنَ طُهْرِ طاهِرٍ مَطهَّر ».

٤ - المراد بالجنب إمّا القرب فالمعنى: أنت أقرب أفراد الخلق إلى الله تعالى، مِن باب تسمية الحال باسم المحلّ، وإمّا الطّاعة فالمراد: أنّ طاعتك طاعة الله عزّوجلّ، والمراد بالباب الّذي لا يؤتى إلاّ منه، أي: لا يوصل إلى الله وإلى معرفته وعبادته إلاّ بمتابعتك، وكذا الكلام في الوجه والسّبيل.

٥ - في بعض النّسخ: « بصلته ».

٤٦

دَلَّني عَلى فَضْلِهِ، وَهَداني لِحبِّهِ، وَرَغَّبني في الوِفادَة إليه وإلى طَلَبِ الحَوائج عِنْدَهُ، أنتم أهلُ بيتٍ يَسْعَدُ مَنْ تَولاّكم، ولا يَخِيبُ مَنْ أتاكم، ولا يخسَرُ مَنْ يَهواكم، ولا يسْعَدُ مَنْ عاداكم، لا أجِدُ أحَداً أفزع إليه خَيراً لي مِنكم، أنتم أهلُ بَيتِ الرَّحمةِ، ودعائِمُ الدِّين، وأرْكانُ الاُرضِ، الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ، اللّهمّ لا تُخَيِّب تَوَجُّهي إليكَ برسولِكَ وآل رسولِكَ (١) ، اللّهمَّ أنْتَ مَنَنْتَ عَليَّ بزيارَة مَولايَ ووِلايَته ومعرفتِه، فَاجْعَلْني مَمّنْ تَنصُرُه ويُنْتَصَرُ به، ومُنَّ عليَّ بنَصْرِكَ لِدينكَ في الدُّنيا والآخِرة، اللّهمّ أحْيِني على ما حَيي عليه عليُّ بنُ أبي طالب عليه‌السلام ، وأمِتْني على ما مات عليه عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام » ».

٢ - حدّثني محمّد بن يعقوبَ - عمّن حدّثه(٢) - عن سَهل بن زياد، عن محمّد بن اُورَمَة. وحدَّثني أبي، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن - اورَمة - عمّن حدّثه - عن الصادق أبي الحسن الثّالث(٣) عليه‌السلام « قال: تقول عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام :

«السَّلام عليكَ يا وليَّ اللهِ أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ وأوَّل مَنْ غُصِبَ حَقُّه، صَبرْتَ واحتسبتَ حتّى أتاكَ اليَقينُ، وأشهدُ أنّك لَقيتَ الله وأنتَ شَهيدٌ، عَذَّب اللهُ قاتلَكَ بأنواع العَذاب، وجَدَّدَ عليه العَذابَ، جئتُكَ عارِفاً بحقِّكَ، مُسْتَبصراً بشأنِك، مُوالياً لأوْلِيائِك، مُعادياً لأَعْدائِك ومَنْ ظَلَمَكَ، الْقى عَلىُ ذلك ربّي إن شاءَ اللهُ تعالى، [يا وليَّ اللهِ] إنَّ لي ذُنوباً كثيرةً، فَاشْفع لي إلى رَبّك، فإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعلُوماً، وإنَّ لك عِندَ اللهِ جاهاً وشَفاعةً، وقال: « لا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون (٤) » ».

حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز القرشيِّ، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد - عن بعض أصحابنا - عن أبي الحسن الثّالث مثله.

__________________

١ - زاد به في الفقيه: « واستشفاعي بهم ».

٢ - كذا، وفي الكافي مكانه: « عدّة من أصحابنا » وهم: علي بن محمّد الرّازيّ المعروف بـ « علاّن الكليني »، ومحمّد بن أبي عبدالله الكوفيّ ساكن الرَّيّ، ومحمّد بن الحسن الصّفّار، ومحمّد بن عقيل الكوفيّ.

٣ - كذا في النّسخ.

٤ - الأنبياء: ٢٨.

٤٧

الباب الثّاني عشر

( وداع قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد في كتاب الجامع(١) يروي عن أبي الحسنعليه‌السلام « قال: إذا أردت أن تودِّع قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فقل:

«السَّلام عليكَ ورحمةُ الله وبَركاتُه، أسْتَودِعُكَ اللهَ وأَسْتَرْعِيكَ، وأقْرَءُ عَلَيكَ السَّلامَ، آمنّا باللهِ وبِالرُّسل وبِما جاءَتْ بِه ودَعَت إليه [ودَلَّتْ عَلَيهِ] فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتي إيّاهُ فَإنْ تَوَفَّيْتَني قَبْلَ ذلِكَ فَإنّي أشْهَدُ في مَماتي عَلى ما كنتُ شَهِدْتُ عَلَيْهِ في حَياتي، أشْهَدُ أنَّكمُ الأئمّة - وتسمّيهم واحداً بعد واحد - وأشهدُ أنَّ منْ قَتَلَهُمْ وحارَبَهُم مُشركونَ ومنْ رَدَّ عَلَيْهم في أسْفَلِ دَرَكٍ منَ الجَحيم وأشهَدُ أنَّ مَنْ َحارَبَهُمْ لنا أعْداءٌ وَنَحْنُ مِنْهُمْ بُرَءاءُ، وَأنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطانِ، وَعَلى مَنْ قَتَلَهُمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجْمَعينَ، وَمَنْ شَرِكَ فيهِمْ وَمَنْ سَرَّهُ قَتْلَهُمُ، اللّهُمَّ إنّي أسْالُكَ بَعْدَ الصَّلاةِ وَالتَّسْليمِ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وآل محمّدٍ، ولا تَجْعَلْهُ آخرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِه فَإنْ جَعَلتَهُ فَاحْشُرني مَعَ هؤلاءِ المُسَمِّينَ الاُئِمَّةِ، اللّهُمَّ وذَلِّلْ قُلُوبَنا بِالطّاعَةِ والمُناصَحَةِ والمَحبّةِ وَحُسْنِ المُؤازَرَةِ » »(٢) .

__________________

١ - قال العلاّمة الرّازيّقدس‌سره في الذريعة: « الجامع في الحديث » لاُبي جعفر محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ القمّيّين، والمتوفّى ٣٤٣، روى الشّيخ الطّوسي في التهذيب زيارة علي ّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن الكتاب المترجم بـ « الجامع » تأليف أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد، والظّاهر من السيّد ابن طاووس المتوفّى ٦٦٤ أنّ « الجامع » هذا كان عنده، قال في الإقبال في نوافل شهر رمضان: « روى عبدالله الحلبيّ في كتاب له وابن الوليد في جامعه »، بل الظّاهر من « ميرزا كمالا » صهر العلاّمة المجلسيّ أنّه كان موجوداً في عصره حيث أنّه يأمر ولده بالرّجوع إلى هذا الكتاب في المجموعة الّتي مرّت في ج ٣ ص ١٧٠ بعنوان: « بياض الكمالي » - انتهى ». أقول: الظّاهر من تسمية الكتاب أنّ كلّ ما فيه مأثور عن الأئمةعليهم‌السلام والله يعلم، لكن المولى المجلسيّ توقّف في صدور جميع أخباره عن المعصومعليه‌السلام .

٢ - زاد به في الفقيه: « وسبّح تسبيح الزّهراء فاطمة عليها السلام وهو: سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي العزّ الشّامخ المنيف، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان ذي البهجة

٤٨

الباب الثّالث عشر

( فضل الفرات وشربه والغسل فيه)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن - عيسى(١) ، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عُمَرَ بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليعليه‌السلام « قال: الماء سيّد شراب الدُّنيا والآخرة، وأربعة أنهار في الدُّنيا من الجنّة: الفُرات، والنّيل، وسَيحان، وجَيحان. الفُرات: الماء، والنّيل: العَسَل، وسَيحان: الخمر، وجَيحان: اللّبن »(٢) .

٢ - وعنه، عن أبي جميلة(٣) ، عن سليمان بن هارون أنّه « سمع أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: من شرب من ماءِ الفُرات وحَنّك به فهو محبّنا أهل البيت »(٤) .

٣ - وبإسناده عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود(٥) ، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: لو أنْ بيننا وبين الفُرات كذا وكذا مِيلاً لذهبنا إليه واستشفينا به ».

__________________

والجمال، سبحان من تردّى بالنّور والوقار، سبحان من يرى أثر النّمل في الصفا، ووَقْعَ الطّير في الهواء ».

١ - رواية الاُشعريّ عن عيسى بن - عبدالله الهاشمي في غاية البعد، والظّاهر إمّا أن تكون الرّواية مرفوعة، أو لا بدّ من الواسطة، والظّاهر هو الحسن بن عليّ بن فضّال، كما أورد في البحار الخبر الّذي يأتي تحت رقم ٦ وفيه: « أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّعليه‌السلام ».

٢ - لعلّ المراد أنّ تلك الأسماء مشتركة بينها وبين أنهار الجنّة وفضلها لكون التّسمية بها من جهة الوحي والإلهام، ويحتمل أن يدخلها شيء من تلك الأنهار التي في الجنّة كما ورد في الفرات. ( البحار )

٣ - هو المفضّل بن صالح الأسديّ، ورواية ابن فضّال السّاقط من الخبر الماضي.

٤ - لعلّ الحكم متعلّق بمجموع الشّرب والتَّحنيك لا بكلٍّ منهما. ( البحار )

٥ - المراد به زياد بن المنذر الهَمْداني، إليه تنسب الجاروديّة منهم.

٤٩

٤ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ثَعلَبة بن مَيمون، عن سليمانَ بنِ هارونَ العِجليّ « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ما أظنُّ أحداً يُحَنّك بماءِ الفرات إلاّ أحبّنا أهل البيت، وسَألني: كم بينك وبين ماءِ الفرات، فأخبرته، فقال: لو كنتُ عنده لأحببتُ أن آتيه طَرَفي النّهار ».

٥ - وحدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشِم، عن أبيه، عن عليِّ بن الحكم، عن سليمان بن نَهِيك، عن أبي عبدالله « في قول اللهِ عزّوجلّ: «وآوَيْناهُما إلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ ومَعِين (١) »، قال: « الرَّبوة » نجف الكوفة؛ و « المعينُ » الفُرات ».

٦ - وحدّثني عليُّ بن الحسينرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمَد بن عيسى، عن الحسن(٢) ، عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عُمَرَ، عن أبيه، عن جَدّه، عن عليٍّعليه‌السلام « قال: الفُرات سَيّد المِياه في الدُّنيا والآخرة ».

٧ - وحدَّثني محمد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحميريِّ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله، عن أبيه - عمّن حدِّثه - عن حَنان بن سَدير، عن أبيه، عن حكيم بن جُبير « قال: سمعت عليِّ بن الحسين [عليهما‌السلام ] يقول: إنّ ملكاً يهبط كلَّ ليلةٍ معه ثلاث مثاقيل مسك مِن مسك الجنَّة فيطرحها في الفرات، وما مِن نهرٍ في شرق ولا في غرب أعظم بركةً منه ».

٨ - وحدَّثني عليُّ بن محمّد بن قولُوَيه، عن أحمدَ بن - إدريس، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن ابن أبي عُمَير، عن الحسين بن عثمانَ - عمّن ذكره - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تَقْطُر في الفُرات كلَّ يوم قَطَراتُ من الجنّة ».

٩ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ

__________________

١ - المؤمنون: ٥٠.

٢ - يعني ابن عليِّ بن فضّال.

٥٠

ابن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن عليِّ بن الحكم، عن رَبيع بن محمّد المُسليِّ، عن عبدالله بن سليمان « قال: لمّا قَدِم أبو عبداللهعليه‌السلام الكوفةَ في زَمَن أبي العبّاس فجاءَ على دابَّته في ثِياب سَفَره حتّى وقف على جِسْر الكوفة، ثمّ قال لغلامه: اسْقني؛ فأخذ كوزَ مَلاّح فغَرَفَ له به فأسقاه فشَرِب والماءُ يسيل مِنْ شِدْقَيه وعلى لِحيته وثيابه، ثمَّ استزاده فزاده فحمد الله، ثمّ قال: نَهرُ ماءٍ ما أعظم بَرَكتُه، أما إنّه يسقط فيه كلُّ يوم سبع قَطَرات مِن الجنّة، أما لو علم النّاس ما فيه من البركة لضربوا الأخبِية على حافَتَيه، أما لولا ما يدخله من الخاطئين ما اغتمس فيه ذو عاهَةٍ إلاّ بَرِء (١) ».

١٠ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار، عن أبيه، عن جدِّه عليِّ ابن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن عليِّ بن الحَكَم، عن عرفة، عن رِبعيّ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « شاطيء الوادِ الأَيْمَنِ(٢) » الّذي ذكره تعالى في كتابه هو الفرات، و « الْبُقْعَةِ المبارَكَةِ(٢) » هي كربلاء، و « الشّجرة(٢) » هي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

١١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن - مَهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن ابن أبي عُمَير، عن الحسين بن عثمان(٣) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام . ومحمّد بن أبي حمزة - عمّن ذكره - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: ما أظنُّ أحداً يُحنَّك بماءِ الفُرات إلاّ كان لنا شِيعةً »،

وروى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا « قال: يجري في الفرات ميزابان من الجنّة ».

قال(٤) : قال ابن أبي عمير: ولا أعلمه إلاّ ابن سنان وقد رواه لي.

__________________

١ - في البحار: « إلاّ أبرىء ».

٢ - القصص: ٣٠، أي الجانب الأيمن من الوادي. والخبر مذكور في التّهذيب ج ٦ ص ٤٤ إلاّ قوله: « والشّجرة - إلخ ». وقوله: « عرفه، عن ربعيّ » فيه « محرمة بن ربعيّ ».

٣ - هو ابن عثمان بن شريك العامريّ الكوفيّ الثّقة. له كتاب يرويه ابن أبي عمير.

٤ - القائل ابن مهزيار ظاهراً. وليس هذه الفقرة إلى قوله: « وقد رواه لي » في البحار.

٥١

١٢ - حدَّثني محمّد بن الحسن(١) ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس ابن معروف، عن عليِّ بن مهزيار، عن محمّد بن إسماعيل، عن حَنان بن سَدير، عن حكيم بن جُبَير الأسَديّ « قال: سمعت عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: إنٌَ الله يهبط ملكاً كلِّ ليلة معه ثلاث مثاقيل مِن مِسْكِ الجنّة فيطْرَحُه في فُراتِكم هذا، وما من نَهر في شرق الأرض ولا في غَرْبها أعظمَ بَرَكةً منه ».

١٣ - حدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن ابن فَضّال، عن ثَعلَبة بن مَيمون، عن سليمانَ ابن هارونَ « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما أظنُّ أحداً يُحَنَّك بماءِ الفُرات إلاّ أحبّنا أهل البيت ».

١٤ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريَ، عن أبيه، عن أحمدَ بن محمّد البرقيّ، عن عبدالرّحمن بن حمّاد الكوفيّ قال: حدَّثنا عبدالله بن محمّدٍ - الحجَال، عن غالب بن عثمان، عن عُقْبَة بن خالِد « قال: ذكر أبو عبداللهعليه‌السلام الفرات قال: أما إنّه من شيعةِ عليٍّعليه‌السلام وما حُنِّك به أحدٌ إلاّ أحبَنا أهل البيت ».

١٥ - حدَّثني أبي، عن الحسن بن مَتِّيل، عن عِمرانَ بن موسى، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ الرَّازيّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن سَيف بن عَمِيرَة، عن صَنْدَل، عن هارون بن خارجة « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : ما أحدٌ يشرب من ماءِ الفرات ويُحَنّك به إذا وُلِدَ إلاّ أحبَّنا، لأنَّ الفُرات نهرٌ مؤمن ».

١٦ - وبإسناده، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: نَهران مؤمنان، ونهران كافران، نَهران كافران نهر بَلْخ ودِجْلَة، والمؤمِنان نِيل مصر والفُرات، فحَنِّكوا أولادَكم بماءِ الفُرات »(٢) .

__________________

١ - المراد به ابن الوليد. ومحمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع الثّقة.

٢ - قال ابن الأثير في شرح هذا الحديث: « جعلهما مؤمنين على التّشبيه، لأنّهما يفيضان على الأرض فيَسقيان الحرث بلا مَؤونةٍ، وجعل الآخرَيْن كافِرَين لأنّهما لا يسقيان ولا يُنْتَفَع بهما إلاّ بمؤونة وكُلْفَة، فهذان في الخير والنَّفْع كالمؤمنَين، وهذان في قِلَّة النُّفع كالكافِرَين.

٥٢

الباب الرّابع عشر

( حبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام والأمر بحبِّهما وثواب حبّهما)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف؛ وعبدالله ابن أبي جعفر الحميريّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن عليِّ بن الحكم؛ وغيره، عن جميل بن درَّاج، عن أخيه نوح، عن الأجلح، عن سَلَمة بن كُهَيل(١) ، عن عبدالعزيز، عن عليِّعليه‌السلام « قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ياعليُّ لقد أذْهَلَني هذان الغُلامان - يعني الحسن والحسين - أن أحبّ بعدهما أحداً [ابداً] إنَّ ربّي أمرني أن اُحِبّهما واُحبّ مَن يُحبّهما ».

٢ - حدّثني محمّد بن أحمدَ بن إبراهيمَ، عن الحسين بن عليٍّ الزّيديِّ، عن أبيه، عن عليِّ بن عبّاس؛ وعبدالسّلام بن حَرْب جميعاً قال: حدَّثنا مَن سمع بَكْرَ بن عبدالله المزنيَّ، عن عِمرانَ بن الحصَين(٢) « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي: يا عِمرانُ إنّ لكلِّ شيءٍ موقعاً من القلبِ، وما وقع موقع هذين الغلامين مِن قلبي شيءٌ قط، فقلت: كلُّ هذا يارسولَ الله؟ قال: يا عِمران وما خَفي عليك أكثر أنّ الله أمرني بحبّهما ».

٣ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب - عمّن حدَّثه - عن سفيان الجريريّ، عن أبيه، عن ابي رافع، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي ذرّ الغفاريِّ « قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحبّ الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فأنا اُحبّهما واُحبّ مَن يحبّهما لحبِّ رسول الله إيّاهما ».

__________________

١ - عدّه الشّيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام . وراويه هو أجلح بن عبدالله ابن حُجيّة ظاهراً، ويقال: اسمه يحيى والأجلح لقبه. ( من التّهذيب لابن الحجر ).

٢ - هو عمران بن حُصَين بن عبيد بن خلف، أسلم هو وأبو هريرة عامّ خيبر. روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥٣

٤ - حدّثني أبي، عن عبدالله بن جعفر الحميريّ قال: حدَّثني رجلٌ - نسيت اسمه - من أصحابنا، عن عبيدالله بن موسى، عن مُهَلْهَل العَبديّ، عن أبي هارون العبديِّ، عن رَبيعة السّعديّ، عن أبي ذرّ الغِفاريّ « قال: رأيت رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّل الحسن والحسينعليهما‌السلام وهو يقول: من أحبَّ الحسن والحسين وذرّيتهما مخلصاً لم تلفح النّار وجْهَه ولو كانت ذنوبه بِعدَدِ رَملٍ عالج إلاّ أن يكون ذَنبه ذنباً يخرجه من الإيمان ».

٥ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز القرشيِّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب - عَمّن ذكره - عن عليِّ بن عابس، عن الحَجّال(١) ، عن عَمْرِو بن مُرَّة، عن عبدالله بن سَلَمة، عن عُبَيدة السّلمانيِّ، عن عبدالله بن معسود « قال: قال: سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: مَن كان يحبّني فليحبَّ ابنَي هذَين، فإنَّ الله أمرني بحبّهما ».

٦ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن المغِيرة، عن محمّد بن سليمانَ البزَّاز، عن عَمْرِو بنِ شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أراد أن يتمسّك بعروة الله الوثقى الّتي قال الله تعالى في كتابه فليوال عليَّ بن أبي طالب والحسن والحسين، فإنَّ اللهَ يحبّهما مِن فوق عرشه ».

٧ - وعنه(٢) ، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه؛ وعبدالرَّحمن بن أبي نَجرانَ - عن رجل - عن عبّاس بن الوليد، عن ابيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أبغض الحسن والحسين جاءَ يوم القيامة وليس على وجهه لحمٌ، ولم تنله شفاعتي ».

٨ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي المغرا(٣) ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام

__________________

١ - يعني عبدالله بن محمّد الكوفيّ الثّقة.

٢ - الضّمير راجع إلى سعد بن عبدالله.

٣ - المراد به حميد بن مثنّى الصّيرفيّ الثّقة.

٥٤

 « قال: سَمعتُه يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قرَّة عيني النِّساء (١) ، ورَيحانتي الحسن والحسين ».

٩ - حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب - عمّن ذكره - عن عليِّ بن عبّاس، عن المِنهال عن عَمرو، عن الأصبغ، عن زاذان « قال: سمعت عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام في الرُّحْبَة(٢) يقول: الحسن والحسين رَيحانتا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٠ - حدَّثني جماعة مشايخي منهم: أبي؛ ومحمّد بن الحسن؛ وعليُّ بن الحسين جميعاً، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن أبي عبدالله زكريّا المؤمن، عن ابن مُسكان، عن زيد مولى ابن هُبيرة(٣) « قال: « قال أبو جعفرعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خذوا بِحُجزَة هذا الأنزع، فإنّه الصّدِّيق الأكبر؛ والهادي لمن اتَّبعه، ومَن سبقه مرق(*) من دين الله، ومَن خذله محقه الله، ومَن اعتصم به فقد اعتصم بـ [ -حبل ] الله، ومَن أخذ بولايته هداه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومنه سبطا أمتي الحسن والحسين، وهما ابناي؛ ومَن ولد الحسين الأئمّة الهداة والقائم المهديّ، فأحبّوهم وتوالوهم، ولا تتّخذوا عدوَّهم وليجَة من دونهم، فيحلُّ عليكم غضبٌ مِن رَبّكم، وذلّة في الحياة الدُّنيا، وقد خاب مَنِ افترى ».

١١ - حدَّثني الحسين بن عليٍّ الزّعفرانيُّ بالرَّيّ قال: حدَثنا يحيى بن سليمان، عن عبدالله بن عثمان بن خَثيم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يَعلى بن مُرَّة « قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله مَن أحبَّ حسيناً، حسين سِبط مِن الأسباط ».

__________________

١ - كذا في جلّ النّسخ، والصّواب: « حُبِّب إليّ من الدنيا النّساء والطّيب، وقرّة عيني في الصّلاة »، راجع بيانه مفصّلاً « الخصال » طبع مكتبتنا ص ١٦٥.

* - أي خرج.

٢ - الرّحبة - بضمّ أوّله، وسكون ثانية، وباء موحّدة -: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحُجّاج إذا أرادوا مكّة. ( المعجم ).

٣ - يعني زيد بن يونس الشّحّام.

٥٥

١٢ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبي سعيد الحسين بن عليِّ بن زَكريّا العَدْويّ البَصريّ قال: حدَّثنا عبدالأعلى بن حمّاد النَّرسيّ قال: حدّثنا وُهَيب(١) ، عن عبدالله بن عثمان، عن سعيد بن أبي راشد، عن يَعلى العامِريّ « أنَّه خرج من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام دُعي إليه فإذا هو بحسينعليه‌السلام يلعب مع الصِّبيان فاستقبل النَّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمامَ القوم ثمَّ بسط يديه فطَفَر الصّبيّ ههنا مرَّة، وههنا مَرَّة، وجعل رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يضاحكه حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنِه والاُخرى تحت قَفائه، ووضع فاهُ على فيه وقَبّله، ثمَّ قال: حسين منّي وأنا من حسين، أحبَّ الله مَن أحبَّ حسيناً، حسين سِبط من الأسباط ».

١٣ - وعنه، عن أبي سعيد قال: حدّثنا نَضْرُ بنُ عليٍّ قال: حدَّثنا عليُّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام « قال: أخذ رَسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد الحسن والحسين فقال: مَن أحبَّ هذين الغلامين وأباهما واُمِّهما فهو معي في دَرَجتي يوم القيامة ».

الباب الخامس عشر

( زيارة الحسن بن عليٍّ عليهما السلام وقبور الأئمّة عليهم السلام بالبقيع)

١ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم قال: حدَّثني سلمة بن الخطّاب، عن عمر بن عليٍّ، عن عمّه، عن عُمَرَ بن يزيدَ بيّاع السّابري - رفعه - « قال: كان محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة يأتي قبر الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام فيقول:

«السَّلام عليكَ يَا ابْنَ أميرِ المؤمِنينَ، وابْنَ أوَّلِ المُسْلِمينَ، وكيف لا تكون كذلك، وأنْتَ سَليل الهُدى، وحَليفُ التَّقوى، وخامِسُ أهْلِ الكِساء (٢) ،غَذَتْك يَدُ الرَّحمة، و

__________________

١ - هو وهيب بن خالد الباهليّ المعروف بـ « صاحب الكرابيس »، عامّيّ، وهو راوي عبدالله بن عثمان بن خثيم القارئ، وشيخ عبدالأعلى بن حمّاد النَّرْسيّ، العامّيّ.

٢ - كذا، والمشهور أنّ الخامس منهم الحسينعليه‌السلام .

٥٦

رُبّيتَ في حِجْرِ الإسْلامِ، ورُضِعْتَ مِنْ ثَدْي الإيمانِ، فَطِبْتَ حيّاً، وَطِبتَ ميّتاً، غَيْرُ أنَّ النَّفْسَ غَيْرُ راضِيةٍ بِفِراقِكَ، وَلا شاكّةٍ في حَياتِك (١) يَرْحَمُك اللهُ »،

ثمَّ التفت إلى الحسينعليه‌السلام فقال: «يا أبا عبدِاللهِ فَعلى أبي محمّدٍ السَّلامُ »(٢) .

٢ - وعنه، عن سَلَمة، عن عبدالله بن أحمدَ، عن بكر بن صالح، عن عَمرِو بنِ هشام - عن بعض أصحابنا - عن أحَدهماعليهما‌السلام « قال: إذا أتيت قبور الأئمَّة بالبقيع فَقِفْ عندهم واجعل القبلةَ خلفَك والقبرَ بين يديك، ثمَّ تقول:

«السَّلامُ عَلَيْكُمْ أئِمَّةَ الْهُدى، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ والبِرِّ والتَّقْوى، السَّلامُ عَلَيكم الْحُجَجُ على أهْلِ الدُّنْيا، السَّلامُ عَلَيْكُمْ الْقَوّامينَ في الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الصَّفْوَةِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا آلَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ النَّجْوى، أشْهَدُ أنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ، وَكُذِّبْتُمْ، وَاُسيئَ إلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ، وَأشْهَدُ أنَّكُمُ الاَْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ المَهديّون، وَأنَّ طاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةً، وَأنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَأنَّكُمْ دَعَوْتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَأمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا، وَأنَّكُمْ دَعائِمُ الدّينِ وَأرْكانُ الاَْرْضِ، لَمْ تَزالُوا بِعَيْنِ اللهِ يَنْسَخُكُمْ مِنْ أصْلابِ كُلِّ مُطهَّرٍ، (٣) وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ أرْحامِ الْمُطَهَّراتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ الاَْهْواءِ، طِبْتُمْ وَطابَ مَنْبَتُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدّينِ (٤) فَجَعَلَكُمْ في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ، وَجَعَلَ صَلواتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، إذِ اخْتارَكُمُ اللهُ لَنا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا إيّاكُمْ، وَهذا مَقامُ مَنْ أسْرَفَ وَأخْطَأ وَاسْتَكانَ وَأقَرَّ بِما جَنى وَرَجى بِمَقامِهِ الْخَلاصَ، وَأنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ

__________________

١ - جاء الخبر في التّهذيب للشّيخ الطّوسيّرحمه‌الله ج ٦ ص ٤٧ وفيه: « وَلا شاكَّة في الجنان لَكَ » أي لا تشكّ الأنفس في أنّك في الجنان.

٢ - كذا في النّسخ، وفي التّهذيب: « ثمّ يلتفت إلى الحسينعليه‌السلام فيقول: « السَّلامُ عَلَيكَ ياأبا عَبْدِالله وَعَلى أبي مُحَمَّدٍ السَّلامُ ».

٣ - النّسخ في الأصل: النّقل، ونسختِ الرّيح آثار الدّار أي غيّرتها.

٤ - الدَّيّان: القهّار والقاضي والحاكم والسّايس والحاسب والمجازي الّذي لا يضيع عملاً، بل يجزي بالخير والشّرّ. ( القاموس )

٥٧

مُسْتَنْقِذُ الْهَلْكى مِنَ الرَّدى، فَكُونُوا لي شُفَعاءَ، فَقَدْ وَفَدْتُ إلَيْكُمْ إذْ رَغِبَ عَنْكُمْ أهْلُ الدُّنْيا، وَاتَّخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، وَدائِمٌ لا يَلْهُو، وَمُحيطٌ بِكُلِّ شَىْءٍ لَكَ الْمَنُّ بِما وَفَّقْتَني وَعَرَّفْتَني أئمَّتي، وبِما أقَمْتَني عَلَيه، إذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ، وَجَهِلُوا مَعْرِفَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَمالُوا إلى سِواهُ، فكانتِ المِنَّةُ مِنكَ عَلَيَّ مَعَ أقْوامٍ خَصَصْتَهُمْ بِما خَصَصْتَني بِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إذْ كُنْتُ عِنْدَكَ في مقام مَذْكُوراً مَكْتُوباً، فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ، وَلا تُخَيِّبْني فيما دَعَوْتُ، بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ »،

وداع لنفسك بما أحببتَ ».

٣ - حدّثني عليُّ بن الحسين؛ وغيرُه، عن عليِّ بن إبراهيمَ بن هاشم، عن أبيه، عن عبدالرَّحمن بن أبي نَجرانَ، عن يزيد بن إسحاقَ شَعَر، عن الحسن بن عَطيَّة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: تقول عند قبر الحسين ما أحببتَ ».

الباب السّادس عشر

( ما نزل به جَبرئيل عليه السلام في الحسين بن عليّ عليهما السلام أنّه سيقتل)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز القرشيِّ الكوفيِّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سِنان، عن سعيد بن يسار؛ أو غيره « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: لمّا أن هبط جبرئيلعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل الحسينعليه‌السلام أخذ بيد عليٍّ فخلا به مَليّاً مِن النَّهار فغلبتّهما العَبْرة، فلم يتفرَّقا حتّى هبط عليهما جبرئيلعليه‌السلام - أو قال: رسول ربّ العالمين - فقال لهما: رَبّكما يقرؤكما السّلامَ ويقول: عزمت عليكما لما صبرتما ( كذا )، قال: فصبرا ».

حدَّثني محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سِنان، سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول مثله.

حدّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن يعقوبَ بن يزيدَ، عن

٥٨

محمّد بن سِنان، عن سعيد بن يَسار مثله.

٢ - حدَّثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليِّ الوشّاء، عن أحمدَ بن عائذ، عن أبي سَلَمة سالم بن مُكرَم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لمّا حَمَلتْ فاطمة بالحسين جاءَ جبرئيلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إنَّ فاطمة سَتَلِدُ وَلداً تقتله اُمّتك مِن بعدك، فلمّا حَمَلَتْ فاطمة بالحسين كَرِهَتْ حملَه، وحين وضَعَتْه كَرِهَتْ وضعَه، ثمَّ قال أبو عبداللهعليه‌السلام : هل رأيتم في الدّنيا اُمّاً تلد غلاماً فتكرهه(١) ؟! ولكنّها كَرِهَتْهُ لأنّها عَلِمتْ أنّه سَيُقتل، قال: وفيه نزلتْ هذه الآية:« وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ اُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصلُهُ ثَلثون شَهراً (٢) » ».

٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن محمّد بن عبدالله، عن أبيه « قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: أتى جبرئيلعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: السّلام عليك يا محمّد، ألا اُبشّرك بغلام تقتله اُمّتك مِن بَعدِك؟ فقال: لا حاجة لي فيه، قال: فانتهض إلى السّماء، ثمَّ عاد إليه الثّانية، فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فانعرج إلى السّماء ثمَّ انقضّ إليه الثّالثة فقال له مثل ذلك، فقال: لا حاجة لي فيه، فقال: إنَّ ربَّك إنّ جاعِل الوصيّة في عَقبه، فقال: نعم، ثمَّ قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل على فاطمة فقال لها: إنّ جبرئيل أتاني فبشّرني بغلام تقتله اُمتي مِن بعدي! فقالت: لا حاجة لي فيه، فقال لها إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عقبه، فقالت: نعم إذن، قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: «حمَلَتْهُ اُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً » لموضع إعلام جبرئيل إياها بقتله، «فَحَمَلَتهُ كُرهاً » بأنّه مقتول، و «وَضَعَتْهُ كُرْهاً » لأنّه مقتول ».

٤ - وحَدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز قال: حدَّثني محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن عَمرو بن سعيد الزَّيّات قال: حدَّثني رجلٌ من أصحابنا،

__________________

١ - في الكافي: « لم تر في الدّنيا اُمٌّ تلد غلاماً تكرهه ولكنّها - إلخ ».

٢ - الأحقاف: ١٥.

٥٩

عن أبي عبداللهعليه‌السلام « أنَّ جبرئيل نزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمّد إنَّ الله يقرء عليك السَّلام ويبشّرك بمولود يولد مِن فاطمةعليها‌السلام تقتله اُمّتك مِن بعدك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربّي السَّلام، لا حاجة لي في مولود [يولد مِن فاطمة] تقتله اُمّتي مِن بعدي، قال: فعرج جبرئيل إلى السّماء، ثمَّ هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربّي السَّلام؛ لا حاجة لي في مولود تقتله اُمّتي مِن بعدي، فعرج جبرئيل إلى السَّماء ثمّ هبط فقال له: يا محمّد إنَّ ربَّك يقرئك السَّلام ويبشّرك الله جاعل في ذرّيَّته الإمامة والولاية والوصيَّة، فقال: « قد رضيت (١) ، ثمّ أرسل إلى فاطمة أنَّ الله‏ بُبشّرني بمولود يولد منك تقتله اُمّتي من بعدي، فأرسَلَتْ إليه أن لا حاجة لي في مولود يولد منّي تقتله اُمّتك مِن بعدك، فأرسل إليها أنَّ الله جاعلٌ في ذُرِّيَّته الإمامة والوصيَّة، فأرسَلتْ إليه أني قد رضيت،« فحمَلَتْهُ اُمُُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحملُهُ وَفِصلُهُ ثَلثُون شَهْراً حتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغَ أربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أوزِعْني أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتي أنْعَمتَ عَليَّ وَعَلى والِدَيَّ وأنْ أعْمَلَ صالِحاً تَرْضهُ وأصْلِحْ لي في ذُرِّيَّتي »، فلو أنّه قال: أصلح لي ذرّيّتي لكانت ذرّيَّته كلّهم أئمّة، ولم يرضع الحسين مِن فاطمة ولا مِن اُنثى لكنَّه كان يؤتى به النَّبيّ فيضع إبهامَه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثّلاثة فنبت لحم الحسينعليه‌السلام (٢) مِن لحم رَسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودمه من دمه ولم يولد مولود لستّة أشهر إلاّ عيسى بن مريم والحسين بن عليعليهما‌السلام ».

وحدّثني أبيرحمه‌الله ، عن سعد بن عبدالله، عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن محمّد بن عمرو بن سعيد الزَّيات بإسناده مثله.

٥ - حدّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن

__________________

١ - المراد بذلك ما قاله إبراهيم: « ومن ذرّيتي » بعد قوله: « انّي جاعلك للنّاس إماماً ».

٢ - الخبر خبر واحد مجهول، وكان فيه وهم، والظّاهر أنّ الأصل: « لكنه يؤتي به النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيضع يده في فمه فإذا مسّ إصبعه يظهر له أنّه جائع فأمر بإرضاعه، وبهذا الوجه نبت لحم الحسين - يعني بمراقبة النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - »، وراوي الخبر غير معلوم، ولعلّ الزَّيّات لترديده في صحَّة اللّفظ لم يسمّ الرّاوي.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مع الذي كانوا عليه من المباينة الشديدة ومن الآنفة والحمية.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ) كيف يصح ان يضيف ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وهو منزه عن الرغبة في الدنيا ولا يريد إلّا ما أراده الله تعالى. وجوابنا أنّه لم يضف ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم على الحقيقة حتّى يلزم ما ذكرته وإنّما نسبه إلى غيره ممن كان بغيته الغنائم وقد يصح ايضا من الانبياء إرادة عرض الدنيا من المباحات وان كان تعالى يريد العبادات ومعنى قوله تعالى( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) فالمراد ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ من كون ما وقع من باب الصغائر المغفورة وقيل لو لا كتاب سبق نزوله ما أحدثتموه من الاسرى والكتاب هو القرآن فآمنتم به واستحققتم بالايمان غفران صغائر ذنوبكم لمسكم فيما أخذتم من الامر عذاب عظيم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ) أليس يدل ذلك على حدوث علم من الله تعالى. وجوابنا أنّه تعالى يذكر العلم ويريد المعلوم من حيث صح أن معلوم العلم يكون على ما تناوله وعلى هذا الوجه يمدح أحدنا صاحبه ويقول قد علمت ما أنت عليه من الخير والفضل وذلك كثير في القرآن.

تنزيه القرآن (١١)

١٦١
١٦٢

سورة التوبة

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ثمّ قوله( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وانسلاخها بانقضاء المحرم وذلك ينقض الأول. وجوابنا أنّه كان في الكفار من له عهد ومن لا عهد له ومن له عهد يختلف عهده فقوله تعالى( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) هو لمن هذا عهده وقوله تعالى( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) هو لمن لا عهد له أو لمن ينقضى عهده بانقضاء هذه المدة فلا اختلاف بين الكلامين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ) كيف يتولون. وجوابنا أنّ هذه اللفظة تفيد التهديد والمراد أنه تعالى قادر على انزال العقوبة فلم لا يجوز عليه المنع وما أكثر ما يرد في القرآن هذا اللفظ على الوجه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كيف يصح أن يستثنيهم لمكان العهد وذلك لا ينجيهم من العذاب الاليم. وجوابنا أنّ قوله وبشر الذين كفروا يوهم أن الاقدام على كل كافر بالقتل يجوز فانزال الله تعالى هذا الايهام بقوله( إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ ) والمراد لكن الذين عاهدتم من المشركين فليس لكم إذا وفوا إلّا الوفاء لهم ومعنى قوله تعالى من بعد ان الله يحب المتقين ان الوفاء بالعهد يحبه الله وهو من باب التقوى.

١٦٣

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ ) كيف يستقيم تشبيه سقاية الحاج بمن آمن بالله. وجوابنا أنّ المراد أجعلتم القيم بسقاية الحاج كمن آمن بالله. أو يكون أجعلتم سقاية الحاج كايمان من آمن بالله ومثل هذا الحذف يحسن في اللغة إذا كان الثابت في الكلام يدل على المحذوف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ثمّ قوله( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) كيف يصح فيمن يكفر بالله تعالى أن يسوغ له الكفر ببذل الجزية. وجوابنا أنّ قتلهم لأجل كفرهم وهو شرعي لا عقلي ويجوز ان يكون الصلاح في ذلك ما لم يعطوا الجزية. فاذا أعطوا حرم قتلهم وربما يكون في ذلك هدايتهم للاسلام إذا أقروا ثمّ سمعوا الشرائع وقد قيل ان قتلهم على الشرك لو لم يجز تركه لأدى إلى الاكراه وقد قال تعالى( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) فان قيل فأنتم متى قلتم ذلك فان في الكفار من لا يرضى منه إلّا بالقتل فيجب أن يكون مكرها على الاسلام. وجوابنا أنّه لا كافر إلّا وقد يجوز أن يتخلص ببعض الوجوه وان كان مقيما على الكفر فلا يلزم ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ ) ما فائدة وصف قولهم بذلك وكل الاقوال هذا سبيلها. وجوابنا أنّ المراد به ان هذا القول لا حقيقة له لانه قد يوصف ما لا حاصل له من الأقوال بذلك وقد يقبل أحدنا على من يتكلم بما لا يصح فيقول هذا قولك بلسانك ولا تقوله عن قلبك ويراد به ما ذكرنا ولذلك قال بعده( يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فبين ان ذلك من الافك الذي لا حاصل تحته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) كيف يصح ذلك وليس

١٦٤

فيهم من يتخذ أحبارهم أربابا وإنّما يقول بعضهم ذلك في عيسى فقط. وجوابنا أنّ المروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه قال في معناه انهم لـما أطيعوا فيما أمروا به ونهوا عنه وصفوا بأنهم اتخذوا أربابا وذلك صحيح فيهم وعلى هذا الوجه يوصف مالك العبد بأنه ربه إذا أطاعه فالأمر مستقيم وبين تعالى بعده بقوله( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ان الطاعة والعبادة لا تحق إلّا لله وكل من يطيع غيره فانما يطيعه بأمر الله فتكون طاعته طاعة لله ثمّ قال تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ) فوصف باطلهم بهذا الوصف وقال تعالى( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) فوصف الحق بهذا الوصف لصحته وبيانه ثمّ أردف ذلك بقوله تعالى( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ) فبين ان الذي يؤديه صلّى الله عليه وسلم هو الدين الحق ووصفه بأنه يظهره على الدين كله تحقيقا لقوله جل وعز( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) ثمّ بين ما عليه الاحبار والرهبان بقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) فبين أن طاعتهم محرمة إلّا من أمر الله بذلك فيه على ما قلنا، ثمّ أتبعه بالوعيد العظيم لمن امتنع عن الزكاة بقوله تعالى( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) واكثر المفسرين على أن المراد به مانع الزكاة وبين أن الأموال التي منعت منها الزكاة( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) وذلك من أعظم الوعيد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) كيف خصها بالنهي عن الظلم وحال جميع الشهور سواء في ذلك. وجوابنا أنّ للاشهر الحرم التي هي رجب وشوال وذو القعدة وذو الحجة مزية في أن الظلم فيها يكون اعظم كما أن لنفس

١٦٥

الحرم مزية على الاماكن في الظلم فلذلك خصه بالذكر ولا يمنع ذلك فيما عداه انه بمنزلته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ ) كيف يصح ذلك وقد أمرهم بالجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وجوابنا أنّه لـما كان في خروجهم مضرة على المسلمين لنفاقهم اذ كانوا يضمرون التخريب جاز ان يقول تعالى ذلك لان الصلاح في صرفهم عن الخروج ولو خرجوا على الوجه الصحيح لـما كره الله ذلك ولذلك قال تعالى بعده( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) وقال( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) وكل ذلك يشهد بصحة ما ذكرناه وبين تعالى بعد ذلك ما يدل على أنه مع الفسق لا يتقبل من المرء شيء من الطاعات فقال( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أو كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ ) والتقبل لا يصح إلّا في الطاعات فيدل ذلك على أن الفسق والكفر لا يمنعان من وقوع الطاعة وان منعا من التقبل.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ ) في صفة المنافقين وفاعل الانفاق لا يجوز أن يكون كارها له. وجوابنا أنّ المراد أنهم يكرهون ذلك الانفاق على الوجه الذي أمروا وإنّما ينفقون خوفا ولا يمتنع ان يراد الشيء على وجه ويكره على وجه آخر كما يراد من الغير ان يصلي لله ويكره منه أن يصلي على وجه الرياء والسمعة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) كيف يصح ان يريد تعالى أن يعذبهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا. وجوابنا أنّ تكثير الاموال والاولاد في

١٦٦

الدنيا لا يكون عقوبة لان الله تعالى يفعله تفضلا أو مصلحة في الدين لكنهما لـما جاز أن يكونا فتنة ومحنة وسببا للعقوبة من حيث يغتر المرء بهما فينصرف عن طريق الطاعة إلى خلافه جاز أن يقول تعالى ذلك بعثا للعباد عن هذا الجنس من الاغترار وهذا كقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) ويحتمل أن يريد أنه يعذبهم في الآخرة بها فيكون التعذيب متناولا الآخرة دون الدنيا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) كيف يصح أن يأمر الله تعالى ببذل المال تالفا على الدين ومتى صاروا إلى الدين للمال لم ينتفعوا به. وجوابنا أنّ ذلك وان كان في الحال لا ينتفع به فقد يكون تلطفا في الاستدراج اليه فيصير الواحد منهم بذلك من أهل الدين وقد أمرنا الله تعالى بأن نأخذ أولادنا بالصلاة لمثل هذا المعنى وان كانوا لا ينتفعون بالصلاة وليسوا مكلفين. واختلف العلماء في المؤلفة هل يدخلون الآن في سهم من الزكاة فأكثرهم يمنع من ذلك لظهور الاسلام وقوته واستغنائه عن تألف قوم في الذّبّ عنه والمجاهدة فيه ومن العلماء من يقول بل سهمهم ثابت ابدا واذا وجد من ليس يقوى على الايمان ويظن أنه يصير من أهل القوة فيه إذا دفع ذلك اليه فيكون حاله كحال سهم في سبيل الله للذين يجاهدون.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) كيف يصح ان يكون خيرا وما يسمع قد يكون الخير والشر والصواب والخطأ. وجوابنا أنّه تعالى قيد ذلك فقال بعده( يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) فبين انه اذن يقبل ما تكون هذه صفته وقبول الخير وما يؤدي إلى الخير هو طريقة الصالحين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ

١٦٧

يُرْضُوهُ ) فذكرهما ثمّ وحّد كيف ذلك. وجوابنا أنّ الواجب ان لا يذكر تعالى مع غيره بل يجب أن يفرد بالذكر إعظاما وقد روي انه صلّى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول الله ورسوله فقال الله ثمّ رسوله، ولذلك قال تعالى بعد ذكر نفسه ورسوله( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) فأفرد ذكره وقد أفرد الله ذكر جبريل وميكائيل عن الملائكة تفخيما لهما وتعظيما، فما ذكرناه أحق وأولى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) كيف يصح ذلك وأكثر الفساق لا يوصفون بالنفاق. وجوابنا أنّه تعالى بيّن في المنافقين انهم كذلك لأن جميع المنافقين هم فاسقون، وإنّما كان يحب ذلك لو قال ان الفاسقين هم المنافقون.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ ) كيف يصح ذلك في تعذيب المنافقين وإنّما يستعمل حسب في الخير ويستعمل في خلافه حسيب. وجوابنا أنّ المراد بذلك الزجر عن النفاق كما تزجر من ينهمك في شرب الخمر، فتقول حسبك هذا الفعل فيكون على وجه الزجر لا على وجه الوصف ولذلك قال تعالى بعده( وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ) ثمّ انه تعالى بعد ذكر قصة المنافقين ذكر ما يحقق عدله وحكمته فقال( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ولو كان الظلم خلقا لله تعالى لكان هو الظالم دون أنفسهم ثمّ ذكر بعده جل وعز طريقة المؤمنين فقال( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ) فوقف رحمته تعالى على من هذه صفته، وبين انها صفة المؤمنين وان من ليس هو كذلك لا يمدح بالايمان، وبين انه وعدهم جنات عدن على ما وصف ووعدهم برضوان من الله وان ذلك من باب الانعام الاكبر

١٦٨

والاعظم. وبين ان ذلك هو الفوز العظيم لان من اوتي ذلك فقد أدرك نهاية المطلوب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) كيف يصح ذلك ومن حكم المنافقين ان لا يجاهدوا وان يجروا مجرى المؤمنين في أحكام الدنيا. وجوابنا أنّ النفاق ما دام مكتوما فحاله ما وصفه فأما إذا ظهر فحال المنافقين في المجاهدة كحال الكفار، وإنّما ذكر تعالى ذلك عند ظهور نفاقهم على ما تقدم ذكره ولو صح ما ذكرته لحملنا مجاهدة المنافقين على غير الوجه الذي تحمل عليه مجاهدة الكفار.

ولذلك قال تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ) وقال بعده( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) فنبه بذلك على ظهور النفاق.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى في وصفهم( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) وكانوا لم يزالوا على النفاق. وجوابنا أنّ المراد أظهروا الكفر بعد إظهار الاسلام وذلك دلالة على ما قلنا من أن نفاقهم ظهر فأوجب الله تعالى فيهم ما تقدم ذكره، ولذلك قال تعالى بعده( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ثمّ قال تعالى بعده( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا ) فنبه بذلك على عظم الذم في نقض العهد والمواثيق وأن من نقضه يكون أعظم حالا ممن ابتدأ بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله جل وعز( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) فأضاف نفاقهم إلى نفسه وأنه أدامه فيهم

١٦٩

كيف يصح ذلك مع حكمته. وجوابنا أنّه تعالى لـما خلاهم ونفاقهم ولم يلطف بهم من حيث كان المعلوم أنه لا لطف لهم لتقدم النفاق فيهم جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه وذلك قوله( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ ) والمراد به التخلية ولذلك قال تعالى بعده( بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ ) فبين أن المراد هو ذلك لا أنه خلق فيهم النفاق وقال تعالى بعده( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) وكل ذلك لا يليق إلّا بزجرهم عن النفاق ولو كان هو الخالق لذلك فيهم لـما صح ولذلك قال تعالى بعده( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أو لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) فبين أن استغفاره لا يؤثر وكذلك سائر الالطاف( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ) لان تقدم ايمانهم صير ما يفعله لطفا لهم فاذا لم يتقدم حرموا أنفسهم ذلك وخرجوا بسوء اختيارهم عن أن يتأتى فيهم اللطف فيكون ذلك كالجناية منهم على أنفسهم وهو معنى قوله تعالى( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) ويقال ان المعاصي إذا اجتمعت وكثرت بلغ القلب في القسوة ما لا تؤثر فيه الالطاف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ) كيف يصح مع ذلك أن يقول( وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أنّ الكلام إذا اتصل دل آخره على أوّله فالمراد بذلك البعض ويحتمل أن يراد بالاعراب من امتنع عن المهاجرة فقد كان يقال مهاجر واعرابي. وبين ذلك قوله تعالى( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) فميزهم من الأعراب الذين أرادهم بهذه الآية.

١٧٠

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) ما فائدة ذلك والله تعالى يقبل التوبة ممن لم يعمل إلّا السيئات كما يقبلها ممن خلط الصالح بالسيّئ. وجوابنا أنّه تعالى نبه بقوله( اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) على وقوع التوبة منهم والندامة فلذلك خصهم بقبول التوبة لا أنه نفى قبول التوبة عن غيرهم ممن ذكره تعالى بقوله( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) لأن هؤلاء لم يتوبوا بل أصروا فلذلك قال تعالى( إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) لأنهم إذا بقوا فاما أن يصروا فالعذاب وإما أن يتوبوا فتوبتهم مقبولة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) كيف يصح الأخذ من قبل الرسول صلّى الله عليه وسلم وبفعل غيرهم لا يلحقهم المدح حتّى يوصفوا بأنهم مطهرون مزكون وكيف يقول( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) . وجوابنا أنّ المراد بذلك من تاب وقبل الله توبته. فبين أنه إذا أخذ منهم الصدقة فهذه حالهم وأمره بأن يدعو لهم بالرحمة والثواب وهي معنى قوله( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) ولذلك قال بعده( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ) والمراد بهذا الاخذ القبول وذلك لا يليق إلّا بالمؤمن التائب الذي يسر ويرضى بما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلم من أخذ الزكاة منه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) كيف يصح من الرسول والمؤمنين أن يعلموا أعمالهم ولا سبيل إلى ذلك لا فيما بطن ولا فيما ظهر. وجوابنا أنّ المراد الاعمال الظاهرة التي يشهد الرسول بها ويشهد المؤمنون كما ذكره الله تعالى في الشهداء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

١٧١

أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) كيف يدخل قتل الكفار لهم فيما به يستحقون المدح وذلك كفر منهم. وجوابنا أنّ قتل الكفار لهم يتضمن وقوع الصبر الشديد على الجهاد فيدل على هذه الطاعة العظيمة فلذلك ذكره تعالى وعلى هذا الوجه الذي ذكرناه يوصف المقتول في الجهاد بانه شهيد لـما دل القتل له على ما ذكرناه ودل تعالى بقوله فيما بعد( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) على ان المؤمن لا يتكامل كونه مؤمنا إلّا بهذه الخصال ونبه تعالى بقوله( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) على انهم مستحقون العقاب لا يجوز لنا أن نستغفر لهم ونترحم عليهم وإنّما يجوز ذلك في المؤمن الذي نقطع بايمانه أو تظهر منه دلالة ذلك ودل تعالى بقوله( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ) على انه تعالى يريد بالضلال المضاف اليه العقاب وما شاكله فلذلك قال( حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) فنبه على ان اضلاله بالعقاب لا يكون إلّا بعد هذا البيان وأضاف الايمان والكفر إلى السورة في قوله( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ) إلى آخر الآية على وجه المجاز لـما كان الايمان منهم عند نزولها ولما كان الرجس والكفر من الكفار عند نزولها وذلك معلوم وهو كقوله تعالى( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) اذ معلوم لكل واحد ان المراد أهلها وزجر تعالى عباده بقوله( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) فبين أنه لا يدع بما ينزل بهم من الامراض والمصائب والمحن سترا يحجبهم عن الطاعة والتوبة وهم مع ذلك غافلون وذلك زجر عظيم عن الاعراض وترك التوبة.

١٧٢

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) ان ذلك يدل على أنه جل وعز يصرفهم عن الطاعة فما تأويل ذلك. وجوابنا أنّ المراد ثمّ انصرفوا بترك الطاعة والتوبة صرف الله قلوبهم أي عاقبهم على انصرافهم كما قال تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ » وقوله( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ان هذا كالنص في انه تعالى خلق الكفر فيهم. وجوابنا أنهم كانوا يؤخرون الحج من شهر إلى شهر، فبين تعالى انهم يضلّون بذلك لا ان الله تعالى يفعله فالاضلال منسوب اليهم لا اليه تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ان ذلك يدل على أنه يمنعهم من الطاعة. وجوابنا أنّ كلامنا في الطبع وانه علامة كالختم وانه لا يمنع من الايمان كما تقدم.

١٧٣
١٧٤

سورة يونس

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) ان ذلك كالنص في انه تعالى جسم يجوز عليه المكان. وجوابنا أنّ المراد بالاستواء الاستيلاء والاقتدار كما يقال استوى الخليفة على العراق وكما قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وقد ثبت بدليل العقل أن ما يصح عليه الاستواء من الأجسام. ولا يكون إلّا محدثا مفعولا فلا بد من هذا التأويل ( فإن قيل ) فلما ذا قال الله تعالى( ثُمَّ اسْتَوى ) ومعلوم أن اقتداره لم يتجدد. وجوابنا أنّ ثمّ في اللفظ دخلت على الاستواء والمراد دخولها على التدبير وهو قوله( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) والتدبير من الله تعالى حادث.

ومتى قيل فلما ذا خص العرش بالذكر وهو مقتدر على كل شيء فجوابنا لعظم العرش وهذا كقوله تعالى( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) وان كان ربا لغيرهما ومعنى قوله بعد ذلك( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) ان مرجع الخلق اليه حيث لا مالك سواه، كما يقال رجع أمرنا إلى الخليفة إذا كان هو الناظر. في أمرهم وليس المراد بذلك المكان.

١٧٥

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ) ان ذلك يدل على جواز لقائه بالرؤية والمشاهدة. وجوابنا أنّ المراد لا يرجون لقاء ثوابنا واكرامنا ولا يرجون المجازاة على ما يكون في الدنيا وهذا كقوله( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) وكقوله( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وبعد فقد يقال لقي فلان فلانا وان لم يره وقد يوصف بذلك الضرير إذا حضر غيره وقد يرى الرجل غيره من بعد ولا يقال لقيه، فليس معنى اللقاء الرؤية ولذلك قال تعالى بعده( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ) فنبه بذلك على ان المراد انهم لا يؤمنون بيوم القيامة وقوله تعالى بعد ذلك( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) يدل على أن الهدى هو الثواب فيكون حجة على ما نتأول عليه وربما قيل في قوله تعالى( فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ ) ان ذلك يدل على ارادته لذلك، وجوابنا أنّ المراد نخلي بينهم وبين ذلك وان كنا لا نأمر ولا نريد إلّا الطاعة وهذا كقوله( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) والمراد التخلية وكما يقال أرسل فلان كلبه على من يدخل داره إذا لم يمنعه من الوثوب على الناس.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) أليس في ذلك دلالة على أنه تعالى لا يعلم الشيء حتّى يكون. وجوابنا أنّ المراد بذلك لننظر نفس العمل وهو تعالى يراه بعد وجوده وأما علمه فلم يزل ولا يزال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ يَدْعُوا إلى دارِ السَّلامِ ) فعمم ذلك ثمّ قال( وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فخص كيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه يدعو إلى دار السلام الكافة ومعنى قوله ويهدي

١٧٦

من يشاء أي من قبل ما كلفه دون من لم يقبل. ويحتمل ان يراد بهذه الهداية نفس الثواب فيكون قد دعا كل الخلق وأثاب من آمن منهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ) أليس المراد بها الرؤية على ما روي في الخبر. وجوابنا أنّ المراد بالزيادة التفضيل في الثواب فتكون الزيادة من جنس المزيد عليه وهذا مروي وهو الظاهر فلا معنى لتعلقهم بذلك وكيف يصح ذلك لهم وعندهم ان الرؤية أعظم من كل الثواب فكيف تجعل زيادة على الحسنى ولذلك قال بعده( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) فبيّن أن الزيادة هي من هذا الجنس في الجنة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) كيف يصح ذلك وكثير من الأحكام يعول فيها على الظن وجوابنا أنّه تعالى ذكر ذلك في محاجة من يعبد الاصنام في قوله تعالى( هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ ) إلى غير ذلك والظن في هذا الحق لا يقبل وإنّما يقبل الاجتهاد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ) ما الفائدة في هذا الجواب. وجوابنا أنّه لا يقول ذلك على وجه الحجاج لكنه إذا أقام الحجة واستمروا على التكذيب صح أن يزجرهم بهذا القول، وقد كان صلّى الله عليه وسلم يغتم بمثل ذلك فكان تسلية من الله تعالى له وما بعده من قوله( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) وقوله( أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ) كل ذلك يدل أن المراد طريقة الزجر لهم ثمّ ذكر تعالى بعده بقوله( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ان الظلم من قبلهم ولم

تنزيه القرآن (١٢)

١٧٧

يؤتوا فيه إلّا من جهة تقصيرهم وأنهم ممكنون من تركه والعدول عنه كما نقول في هذا الباب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) كيف يجوز من موسى أن يسأل ربه ذلك وأن يعتقد انه تعالى رزقهم لكي يضلوا. وجوابنا أنّ المراد أنعمت عليهم بهذه النعم فسيروها سببا لضلالتهم فمعنى قوله( لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ) أن عاقبتهم ذلك كقوله( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) وأما قوله تعالى( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) فهو دعاء عليهم وقد ضلوا ويجوز أن يدعى على من قد ضل وكفر بضروب العقاب ويجوز أنه يدعو عليهم بالاخترام والاماتة الذين معهما لا يؤمنون حتّى يروا العذاب الاليم في الآخرة لأنه من المعلوم أنه لا يؤمن أبدا كلما عجل اخترامه يكون عقابه أخف وبين تعالى بقوله( حَتَّى إذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ) ثمّ قال( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) أن الايمان مع الالجاء لا ينفع وإنّما ينفع والمرء متمكن من اختيار الطاعة والمعصية وداعيته مترددة بين الامرين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ ) كيف يصح في العلم ان يكون سببا للاختلاف والقول الباطل. وجوابنا أنّ المراد بذلك انهم اختلفوا وقد أقام الحجة وأوضح الطريق لهم على جهة الندم لهم، ولذلك قال بعده( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ

١٧٨

الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ) ومعلوم ان الشك في ذلك لا يجوز عليه. وجوابنا أنّه تعالى ذكره والمراد من شك في ذلك على وجه الزجر أو قال ذلك لاهل الكتاب الذين يجوز أن يسألهم غيرهم عما في الكتب من تصديق محمّد صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ) أليس ذلك يدل على ان تقدم كلمته تعالى يمنع من الايمان. وجوابنا أنّ المراد ان من المعلوم انه لا يؤمن وقد سبقت الكتابة من الله تعالى بذلك في اللوح المحفوظ لا يؤمن لكنه انما لا يؤمن اختيارا وكما سبق ذلك في الكتاب فقد سبق فيه أيضا انه يمكن من الايمان فيعدل عنه بسوء اختياره ولذلك قال تعالى( وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ) ولو كان ذلك يمنع من الايمان لم يكن في مجيء الآيات فائدة وقوله تعالى من بعد( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ) دلالة على انه لم يشأ إيمانهم على وجه الاكراه مع قدرته على أن يكرههم عليه وإنّما سأل ذلك على وجه التطوع والاختيار لكي يفوزوا بما عرضوا له من الثواب، وقوله تعالى من بعد( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) بعد تقدم ذكر العقاب يدل على ان من ليس بمؤمن من الفساق والكفار لا ينجيهم الله من العقاب.

[ مسألة ] وربما قيل كيف جاز أن يقول موسى للسحرة( أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ) وذلك معصية لا يحسن الأمر بها. وجوابنا أنّه قال لهم لا على وجه الأمر لكن على وجه التعريف بأنهم مبطلون وان باطلهم ينكشف بما

١٧٩

سيأتيه فهو قريب من تحدي الانبياء بالمعجزات.

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله تعالى( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) والتنجية لا تكون إلّا بالبدن. وجوابنا أنّ المراد انا ننجيك خاصة دون غيرك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) كيف يفعل من ذلك ما لم يغن عنهم شيئا. وجوابنا أنّ ذلك كالزجر من حيث ينصرفون عما فيه حظهم ويحتمل انه لا يغني عنهم في الآخرة إذا عوقبوا من حيث تركوا القبول.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) كيف يجوز وقد سألوه أن يقتصر على الجواب واليمين دون الحجة. وجوابنا أنّه قد أقام الحجة وإنّما أراد منه الفتوى فأفتاهم وأكد ذلك باليمين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501