تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن11%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80812 / تحميل: 4511
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

[ مسألة ] ومتى قيل فما معنى قوله تعالى( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) وكيف يصح التسبيح من الرعد. وجوابنا أنّ المراد دلالة الرعد وتلك الاصوات الهائلة على قدرته وعلى تنزيهه وذلك كقوله تعالى( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) لدلالة الكل على أنّه منزه عما لا يليق ولذلك قال( وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) ففضل بين الامرين وقوله بعد( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) معناه يخضع فالمكلف العارف بالله يخضع طوعا وغيره يخضع كرها لانا نعلم ان نفس السجود لا يقع من كل واحد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ألا يدل ذلك على أنّه الفاعل لكل شيء وعلى أنّ العبد لا يفعل والا كان يتشابه فعله بفعل الله. وجوابنا أنّ قوله تعالى( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) زجر للعاصي والكافر بان شبهه بالأعمى وترغيب للمؤمن بأن شبهه بالبصير ونبه بقوله( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ ) على ان عبّاد الاصنام بمنزلة العميان في عبادتهم لها مع انها لا تنفع ولا تضر فهو معنى قوله( خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) ثمّ بين أنّه الخالق للنعم التي يستوجب عندها العبادة فلا تليق العبادة الا به ولا مدخل لافعال العباد في ذلك وقد بينا من قيل وجوها في ان قوله تعالى( خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) لا يدل الا على ان المقدر من هذه الاجسام والنعم من قبله فلا وجه لا يراد ذلك وبيّن تعالى ما أراده بقوله من بعد( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ) فدل بذلك على مراده وقال بعده( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ) ثمّ قال بعده( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ

٢٠١

لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ ) بأن عصوا وخالفوا ثمّ قال( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) وبين صفة ذوي الالباب فقال( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) فانظر أيها القارئ لكتاب الله كيف صفة من ينال الحسنى ويفوز بثوابها وكيف صفة ذلك الثواب العظيم فانه جل جلاله لم يقتصر على أن لهم الجنة حتّى بين أن من صلح من الاقربين يحصل معهم هتاك ممن كلف ويحصل معهم من لم يكلف أيضا من الذرية وأن الله تعالى يأمر ملائكته بالدخول عليهم في كل وقت بالسلام والتحية ويعرّفونهم أن كل ذلك جزاء لهم على ما صبروا فانهم صبروا قليلا فدام لهم ذلك الملك والنعيم فهو معنى قوله( فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) لانها دائمة على عظم نعمها وخلوصها من كل شائبة ثمّ إنّه تعالى ذكر خلاف ذلك فيمن خالف ربه وعصى فقال( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) فالملائكة تلعنهم حالا بعد حال عن أنفسهم وعن ربهم ولهم سوء الدار وهو النار الدائمة التي عقابها خالص عن كل روح وراحة وقد حكى بعض الأئمة أنّه سئل عن وصف المؤمن فتلا هذه الآية ولو أردنا أن نفسرها لطال الكتاب فان قوله( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ ) يدخل فيه القيام بسائر الواجبات التي عهدها الينا والقيام بكل الامانات والوفاء بكل العقود وكذلك كل فضل منه ثمّ بين تعالى ( أنّه )

٢٠٢

( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ) يعني أهل النار ثمّ قال( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ ) وقوله بعد ذلك( وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) يدل على أن المراد بالهداية ما نقول من الاثابة وغيرها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) أليس ذلك مخالفا لقوله في المؤمنين حيث قال( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) . وجوابنا أنّ الطمأنينة المذكورة هاهنا المراد بها المعرفة وسكون النفس إلى المجازاة مع الوجل والخوف من المعاصي فالكلام متفق لان المؤمن ساكن النفس إلى معرفة الله تعالى والى المجازات على الطاعات ومع ذلك خائف مما يخشاه من التقصير ووجل القلب فظن في مثل ذلك أنه مختلف اذ قد نادى على نفسه بقلة المعرفة ولذلك قال تعالى بعده( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) وبين تعالى عظم شأن القرآن بقوله من بعد( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أو قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أو كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ) . وجواب ذلك محذوف والمراد لكان هذا القرآن وذلك يدل على أنه في الفصاحة قد بلغ نهاية الرتبة وأنه صار معجزا لذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً ) أليس يدل ذلك على أنه الفاعل لكل شيء وقوله من بعد( أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ) أليس ذلك يدل على أنّه لم يشأ من جميعهم الايمان وإلّا لهداهم. وجوابنا أنّ المراد به أنه هدى بعض الناس دون من لم يجعله بصفة المكلف ويحتمل أن يكون المراد لهداهم بالالجاء حتّى يجتمعوا على الايمان وقوله( بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً ) صحيح لان المراد اقتداره على كل شيء وأن ما يريده لا يصح فيه المنع وقوله تعالى من بعد( إِنَّ اللهَ لا

٢٠٣

يُخْلِفُ الْمِيعادَ ) يدل على أن وعده ووعيده لا يقع فيهما خلف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) أليس ذلك يدل على أن الله يصد الكافرين عن طريق الخير ويفعل الاضلال وذلك لا يجوز. وجوابنا أنّ ذلك يدل على أن هذا التزيين من الشيطان ومن أنفسهم ولو لا ذلك لوجب أن يكون تعالى صادا لهم عن السبيل مع علمنا بأن ذلك لا يجوز عليه وإنّما أراد بقوله( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ ) أي بالعقوبة على ما فعله فما له من هاد إلى الجنة ولذلك قال( لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ ) أليس فيه الدلالة على أن الجنة مخلوقة الآن وذلك بخلاف ما تقولون. وجوابنا أنّ جنة الخلد والثواب ليست بمخلوقه الآن وذلك بخلاف ما تقولون. وجوابنا أنّ جنة الخلد والثواب ليست بمخلوقة الآن لفنيت إذا أفنى الله تعالى العالم فكان لا يكون أكلها دائما فدل ذلك على أنه تعالى يخلقها في الآخرة فيدوم أكلها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) أما يدل ذلك على جواز البدء على الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد بذلك أنه جل جلاله يمحو عن المؤمن الصغائر لانها مغفورة ويحتمل أنه المنسوخ والناسخ ويحتمل أنه يمحو ما لا مدخل له في الثواب والعقاب ويثبت ماله مدخل في ذلك ويحتمل انه يمحوا ما كتب من آجال وأرزاق من مضى ويثبت ذلك فيمن يبقى ويحدث.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً ) كيف يصح المكر على الله إذ بين أنّه من

٢٠٤

صفات الذم. وجوابنا أنّ المراد انزاله بهم العقاب وما شاكله من حيث لا يعرفون كما ذكرنا في سورة البقرة في قوله( يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) وما شاكله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) فيقولون كيف يصح ذلك.

وجوابنا أن حفظهم وان لم يقع من الامر فانه يقع عند تقدم الامر فالمراد يحفظونه عن أمر الله وقد يذكر الأمر ويراد به التقوية والتمكين فلما كانوا يحفظونه بأن يمكنهم ويقويهم جاز ذلك.

٢٠٥
٢٠٦

سورة ابراهيم

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ) كيف يفعل الرسول ذلك والجواب أنّ المراد يدعوهم إلى العدول إلى الايمان عن الكفر ويبين لهم ذلك فوصف بأنه يخرج لـما كان يفعل السبب الداعي إلى ذلك ولذلك قال( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) إذا المراد ان ذلك بأمره ووحيه وهذا أحد ما يدل على الايمان وما عدلوا عنه من الكفر فعلهم فيكون بيانه سببا لاختيارهم العدول عن الكفر إلى الايمان وقوله تعالى( الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ) يدل على أن ما يقع منهم من جهتهم لانه لو كان خلقا لله فيهم لـما صح أن يستحبوا شيئا على شيء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) أما يدل ذلك على أنه بعد البيان هو الذي يضل ويهدي. وجوابنا أنّ المراد أنه يضل عن طريق الجنة إلى النار ويهدي إلى الجنة من أزاح علته ببيان الرسول صلّى الله عليه وسلم لكي تكون الحجة لله عليهم وهو كقوله( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) وقوله( وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) يدل على أنّه يكلف الناس لينفعهم ولحاجتهم إلى ذلك وأنه غني عن كل شيء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ

٢٠٧

قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ ) أليس ذلك يتناقض بأن يقول آخرا لا يعلمهم إلّا الله ويقول أوّلا( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) . وجوابنا أنّ المراد بآخره هو قوله( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ ) وأتاهم خبرهم على الجملة دون التفصيل فالكلام مستقيم ويحتمل أن يريد أنه أتاهم نبأ هؤلاء على الجملة ويريد بقوله( لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ ) التفصيل من أحوالهم فلذلك قال بعده( جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) وقد ذكرنا من قبل أن ذلك ذم لهم وهو كناية عن ترك القبول منهم لان هناك استعمالا لليد في رد قولهم وبيانهم ولذلك قال( أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) فبين أن مراده تعالى بتكليفهم هذا الغفران.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) فأضافوا ايمانهم إلى الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد بذلك الارسال والنبوّة لان قومهم قالوا انهم بشر مثلنا فأجابوهم بقولهم( إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وأرادوا النبوة واظهار المعجزات هذا ونحن نضيف الايمان أيضا إلى الله تعالى ونقول انه من نعمه لـما كان الوصول اليه بيسره وألطافه مع التمكين وكذلك نقول في الطاعات إنها من الله ولا نقول ذلك في المعاصي وقد نهى عنها وزجر عن فعلها ولذلك قال تعالى بعده( وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف ذكر أوّلا جل وعز قولهم( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ثمّ كرره ثانيا ما الفائدة في ذلك. وجوابنا

٢٠٨

أنهم في الأوّل قالوا( وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) وأرادوا فيما يتصل بالنبوّة ثمّ قال ثانيا( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) وأرادوا في صبرهم على ما يعرض في النبوّة فأحد الامرين غير الآخر.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ) أليس ذلك يتناقض. وجوابنا أنّ ذلك كناية عن شدة عذابهم وان لم يكونوا أمواتا وهو كقوله( وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ) ولذلك قال بعده( وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ ) وبين تعالى ان عمل الخير من الكفار لا ينفع فقال( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ) فبين أن كفرهم يحبط كل خير عملوه وبين ان ذلك هو الضلال البعيد ثمّ بين تعالى بعده بقوله حكاية عمن استكبر عند قول الاتباع( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ) انهم( قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) وذلك في الآخرة فمرادهم إذا لو هدانا الله تعالى إلى الجنة وعدل بنا عن النار لفعلنا ذلك بكم وهذا يدل على ان الهدى قد يكون على هذا المعنى كما قد يكون بمعنى الدلالة والبيان وقوله( سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ ) يدل على ان العذاب دائم لا كما يقوله بعض الجهال من انه ينقطع وقوله تعالى من بعد حكاية عن الشيطان( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) يدل على ان الشيطان لا يقدر الا على الوسوسة وعلى أنّ وسوسته لا تزيل الذم والعقاب عمن قبل منه وان اللوم في كل

تنزيه القرآن (١٤)

٢٠٩

فاعل على نفسه يرجع وقوله من بعد( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) يدل على ان الظلم من الذنوب العظام التي يستحق بها العذاب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ان ذلك يدل على ان ايمانهم من فعل الله فيثبتهم عليه. وجوابنا أنّ المراد يثبتهم على الخيرات دينا ودنيا لاجل ايمانهم فلذلك قال( بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) ولذلك قال بعده( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) أي يضلهم عما يفعله بالمؤمنين دينا ودنيا ولذلك قال بعده( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ) تعجبا منهم من حيث لم يعرفوا موقع نعم الله تعالى وعدلوا عن شكره وطاعته ورغبنا عاجلا في الطاعة فقال( قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ) فبين أن الذي ينفعهم في الآخرة أن يطيعوا بأنفسهم وبأموالهم قبل اليوم الذي فيه لا ينتفع أحد بمكسب وتصرف. ثمّ بين تعالى أنواع نعمه بقوله جل وعز( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) إلى قوله( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) ترغيبا للعبد في شكر هذه النعم حالا بعد حال ثمّ قال تعالى من بعد( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) كيف يصح أن يسأل ربه هذين الأمرين ثمّ يوجد خلاف ذلك فانا نجد البلد يجري فيه الخوف العظيم ونجد في أولاده من يعبد الاصنام. وجوابنا أنّ قوله آمنا لا يدل على كل شيء فقد يكون آمنا من ضروب الخوف غير آمن من سواه ومعلوم ما يحصل بمكة من الامن ويحتمل أنه دعا ربه أن يجعله آمنا في ايامه حتّى يؤمن بعضهم

٢١٠

ويتألفوا على طاعته والمراد بقوله( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ) من هو موجود منهم وقد نزههم الله تعالى عن ذلك وقوله بعد ذلك( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) يعني الاصنام فمراده أنهن صرن سببا للضلال لا ان الصنم يصح أن يضل ويهدي ولذلك قال بعده( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) يعني بالتوبة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) كيف يصح ذلك وهو الذي بنى البيت على ما ذكره الله تعالى في كتابه بقوله( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ ) . وجوابنا أنّه يحتمل في قوله عند بيتك المحرم أن يكون المراد عند تلك البقعة التي بني فيها البيت. ويحتمل ان بناء البيت كان قائما ثمّ اختل فبناه ابراهيم فيكون الكلام مستقيما ومعنى قوله من بعد( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ ) ان عنده انزال العقوبات بهم من حيث لا يشعرون وسمّاه مكرا مجازا ومعنى قوله تعالى( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) انهما يصيران على خلاف هذه الصورة سماه تبديلا كما يقال ان فلانا قد تبدل إذا تغيرت أخلاقه. ويحتمل أن يكون الله تعالى يبتدئهما فيخلق أرضا غير هذه في القيامة وسماء غير هذه فيكون أقرب إلى الحقيقة.

٢١١
٢١٢

سورة الحجر

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) كيف يجوز ذلك ولا شك في انهم يتمنون في الآخرة ذلك فما فائدة( رُبَما ) . وجوابنا أنّ ذلك من باب الردع وربما يكون أقوى فأحدنا يقبل على ولده وقد عدا عن التعلم فيقول ربما تندم على ما أنت عليه فيكون في الزجر أبلغ ولأن الكافر قد يسلم ويتوب فلا يقطع منه على ذلك ومعنى قوله بعد( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) تبين صحة ما قلناه لأن ذلك وان كان بصورة الامر فهو تهديد وزجر عظيم.

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله تعالى( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ) وكل شيء يفعله فهو في معلومه ويثبت في أم الكتاب فأي فائدة في هذا التخصيص. وجوابنا أنّ القوم كانوا يستعجلون العذاب من الانبياء إذا توعدوهم فبين تعالى ان ذلك مؤقت بوقت لا يقدم ولا يؤخر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) كيف يصح ذلك مع جحدهم لنبوّته وانكارهم ان الله تعالى أنزل ذلك عليه. وجوابنا انهم قالوا على وجه ان ذلك صفته عند نفسه لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يدعى ذلك وهذا كرجل يدعى انه صانع فينادي بما يدعيه وان كان المنادى لا يعترف له به وبين ذلك ما ذكروه من بعد

٢١٣

( إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) وبين تعالى لهم انه ما ينزل الملائكة الا بالحق ومتى أنزلهم لم يكن انكار وامهال وقوله تعالى من بعد( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) يدل على ان القرآن لا يغير ولا يبدل ولا يزاد فيه ولا ينقص وشبههم بمن يجهل ما يشاهده بقوله جل وعز( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) فبين انهم في العدول عن التمسك بالنبوات والقرآن بهذه المنزلة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ ) أما يدل ذلك على أن أفعال العباد من خلقه لدخوله في قولنا شيء. وجوابنا أنّ المراد ان عندنا علم كل شيء ولذلك قال( وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) أو يكون المراد عندنا القدرة على ما ذكرنا من النعم فلا ننزّل ذلك الا بقدر الحاجة إليه بيّن ذلك أنه تعالى قال من قبل( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) فبين بعده انه قادر على إدامة ذلك وكنّى عن القدرة التي لا آخر لها بذكر الخزائن ولذلك قال بعده( وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ ) فذكر ما ينزله من الأمطار وما ينبته من الاقوات ثمّ قال( وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ ) ثمّ قال( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ ) دل كل ذلك على عظم نعمه على عباده مرغّبا لهم في شكره وطاعته ثمّ بين تعالى كيف خلق آدم من( صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) وكيف خلق الجان ليعتبر بذلك وكيف أمر بالسجود لآدم وتقدم القول في ذلك وبين بقوله تعالى( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) ان الذي يقال من أن الشيطان محبط لا أصل له وإنه إنما يوسوس فلا يكون له سلطان

٢١٤

إلا على من يتّبعه فيقبل منه الوسوسة وعلى هذا الوجه كرر تعالى في القرآن التحذير من الشيطان فحاله في ذلك دون حال الواحد من الانس إذا رغب غيره في المعاصي فعلى هذا الوجه قال تعالى( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) التابع والمتبوع ثمّ بين تعالى ما للمتقين من المنزلة بقوله تعالى( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ ) إلى آخر الآيات وأدب الله تعالى نبيّه صلّى الله عليه وسلم بقوله( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) فأمره بتحقير ما عليه الكفار من متاع الدنيا وأمره بالتواضع لمن آمن به وأمره بأن يقوم بالانذار في كلا الفريقين فلا يمنعه تمنع القوم عن الانذار كما لا يمنعه ايمان من آمن به عن ذلك. ثمّ أقسم تعالى بعد ذلك على أنه يسألهم أجمعين عما كانوا يعملون ولم يقتصر على الخبر حتّى اكده بالقسم زجرا للناس عن المعاصي فان من تصوّر أن معاصيه طول عمره محصية عليه يصير في الآخرة كالمشاهد لها جميعها يزجره ذلك عن الاقدام عليها وترك التوبة منها ولذلك قال بعده للرسول صلّى الله عليه وسلم( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فقد أقمت الحجة عليهم( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) الذين يقع في قلبك الخوف منهم فشبّهه تعالى بالصّادع في الابلاغ والانذار ليكون مقيما للحجة على من آمن وكفر واكد تعالى بقوله( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) فقد كانوا ينسبونه مرة إلى السحر ومرة إلى الجنون ومرة إلى الفرية ومثل ذلك يعظم على المرء ويأنف منه فقوّى الله تعالى قلبه على احتماله وعلى ألا يجعله سببا للفتور في الابلاغ والبيان فلذلك قال بعده( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) وهذه الآداب وان خص الله تعالى بها الرسول صلّى الله عليه وسلم فهي عامة في سائر الناس وهي من عظيم نعم الله تعالى على خلقه إذا تأملوه وتمسكوا به فما أحد من المكلفين إلا وله وليّ وعدو يتردد بين محن ونعم فكل ذلك تأديب له.

٢١٥
٢١٦

سورة النحل

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) وكيف يكون إنزالهم بالروح وكيف يكون الروح أمرا. وجوابنا أنّ المراد به ذلك القرآن والشرع كما قال( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) وسمّى القرآن روحا لأنه بمنزلة الرّوح الذي يحيا به أحدنا من حيث يحيا به الانسان في أمر دينه وأنه يؤدي إلى الحياة الدائمة فإن قيل فما معنى قوله( أَتى أَمْرُ اللهِ ) وهل المراد به هذا الامر الذي تنزله الملائكة قيل له بل الأقرب في أتى أمر الله أنه الوعيد ولذلك قال بعده( فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ) لأنهم كانوا يستعجلون العذاب كقولهم( ائْتِنا بِما تَعِدُنا ) وكما قال( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ) فبين أن أمر الله قد أتى بالوعيد في الآخرة والله تعالى حليم لا يعجل فلا تستعجلوه ثمّ قال تعالى( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) وعنى به الاحكام وسائر الشرائع التي بيّنها الله تعالى في القرآن وعلى لسان الرسول صلّى الله عليه وسلم ولذلك قال بعده( أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ ) ثمّ قال بعده( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وبيّن أنه خلق ذلك لكي يؤمن العباد وذلك يبطل قول من يقول خلق بعضهم ليكفروا وكيف يقول جل وعز( تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وهو الذي يخلق فيهم الشرك ويجعلهم بحيث لا يقدرون الا عليه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ )

٢١٧

وإنما يخلق ما يخلقه لمصالح المكلفين. وجوابنا أنّ ما لا يعلمه الملائكة قد يكون صالحا لنا وقد يجوز فيما يخلقه أن يكون نفعا لنا وان لم نعلمه أو نفعا لبعض الحيوان أو تفضلا فلا يلزم ما قالوه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ ) كيف يصحّ في قصد السبيل أن يكون على الله وكيف يصح أن يكون منها جائر. وجوابنا أنّه تعالى لـما بيّن من قبل نعمه وبين من جملتها الأنعام والخيل والبغال وكيف خلقها نفعا للمكلفين قال بعد ذلك إن على الله قصد السبيل والمراد بيان ما يلزم المكلف وازاحة سائر علله فلا يجوز أن يكلفه ما لا يصح إلا بالأنعام وغيرها إلا ويخلقها له وكذلك سائر ما يحتاج اليه وبيّن بقوله ومنها جائز أن في جملتها ما يخرج المكلف عنه ويعصى مع أن في جملتها ما يقبل ويطيع ولو شاء( لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) بالالجاء لكن ذلك لا ينفع.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) أما يدل ذلك على أنه لا فعل إلا لله. وجوابنا أنّه تعالى بيّن من قبل أصناف النعم من انزاله الماء وإنباته أنواع الخيرات والثمرات وتسخيره الليل والنهار والبحر وما فيها من النعم والنجوم ودلالتها على الامور فقال بعده تنبيها للخلق عما يلزم شكره وعبادته( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ ) فبعث بذلك على عبادة الله تعالى وبكّت به من يعبد الاصنام وغيرها ممّا لا تصحّ منه هذه النعم ولا يدخل في ذلك أفعال العباد لأنه نبّه بذلك على أن الواجب أن يفعلوا الطاعة والشكر والعبادة وكيف يكون نفس الفعل خلقا من قبل الله تعالى ولذلك قال بعده( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها ) فبين أن الذي قدم ذكره من نعمه هو قليل من كثير النعم التي يفعلها الله تعالى حالا بعد حال في جسم الانسان وحواسه وجوارحه وغير ذلك ثمّ قال( وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ ) يخوّف بذلك

٢١٨

العبد من أن يخالف ما يظهر من الطاعة ويبعثه على أن يكون باطنه في الاخلاص كظاهرة والذي بيّن ما قلناه قوله تعالى من بعد( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) كيف يصح أن يحملوا أوزار غيرهم ولئن جاز ذلك لم يمتنع أن يعذب الله تعالى أطفال المشركين بذنوب آبائهم. وجوابنا أنّ الذين أضلوهم لـما كانوا سببا لضلالهم جاز أن يقول تعالى ذلك والمراد أنهم لـما ضلوا وأضلوا كانت أوزارهم أعظم كما روي عنه صلّى الله عليه وسلم ( فيمن سنّ سنّة سيّئة أنّ عليه وزرها ووزر من عملها ) والمراد مثل ذلك لا أنّ عين ما يستحقه من يتأسّى به يستحقه من سنّ فعل السنّة السيّئة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) أما يدلّ ذلك على أنه تعالى يهدي ويضل وان ذلك من خلقه. وجوابنا أنّ المراد فمنهم من هدى الله إلى الثواب لتمسكه بالعبادة ومنهم من حقّت عليه الضلالة عن الثواب إلى العقاب بمعصيته وهذا كقوله( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ ) فسمّى نفس العقاب ضلالا كما سمّى نفس الثواب هدى في قوله( الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ) والهدى بعد القتل لا يكون الا بالاثابة ولذلك قال بعده( إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ) فنبّه بذلك على ما ذكرنا ويحتمل أن يريد بالهدى زيادة البصيرة فيفعله بمن قبل وأطاع عنده دون من علم أنه لا يقبل كما قال تعالى( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) .

٢١٩

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ) كيف يصح أنه يوحي إلى ما لا يعقل وعندكم أنه تعالى إنما يوحي إلى الأنبياء. وجوابنا أنّ المراد بذلك ألهمها هذه الامور وخلق فيها العلم بهذه الأشياء ولم يرد بذلك الوحي الذي يكون بانزال الملائكة وكل أمر يلقى إلى الغير على وجه الاخفاء والاستسرار يوصف بأنه وحي فلما كان ما ألهم جل وعز النحل على هذا الحد جاز أن يقول أوحى اليها ونبه بذلك على عجيب أمر النحل فيما تتعاطاه من هذا الطعام الذي هو أشرف الاطعمة وكيف تلتقط ذلك من الشجر المختلف حتّى يحصل منه هذا الطعام وكيف تتولى مكان ذلك وكيف ترتبه ومتى تأمل العاقل ذلك عرف به من عجيب نعم الله تعالى ما لا يكاد يوجد في سائر الحيوان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ ) أما يدل ذلك على أنه تعالى يخلق فيها الطيران. وجوابنا أنّه تعالى لـما جعل في الجو الهواء المتكاثف الذي يصح من الطير أن يطير فيه ويتوقف عليه جاز أن يضيفه إلى نفسه بأنه سخرها لـما فعل ما لولاه لم تثبت في الجو لأنه تعالى جعل ذلك الهواء اللطيف بمنزلة الماء الذي يسبح فيه وهذا هو وجه الكلام ثمّ إنه تعالى بعد ذلك رغب في عبادة الله تعالى بأقوى وجوه الترغيب فقال( ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ) فنبه بذلك على أن ما عندنا له نهاية وآخر وان الذي يدوم من النعم هو ما يجازي جل وعز عباده المطيعين به فرغب بذلك في فعل ما يؤدي إلى هذه النعم الباقية ولذلك قال بعده( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) كيف يصح ذلك والاستعاذة تتقدم قراءة القرآن لا أنها تتأخر عنه. وجوابنا أنّ المراد فاذا عزمت على قراءة القرآن

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501