تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75229
تحميل: 3629

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75229 / تحميل: 3629
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهممت فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا كقوله( إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) والمراد إذا أردتم ذلك ومثل ذلك يستعمل في اللغة بقول القائل لغيره إذا سافرت فاستعد لسفرك يريد إذا هممت بذلك وقوله تعالى من بعد( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) يدل على أن سلطان الشيطان ليس الا بالوسوسة فقط فمن يقبل منه يوصف بأن له عليه سلطانا دون من لا يقبل ولذلك قال( إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ ) كيف يصح أن يفعل تعالى ما يدعوهم إلى تكذيبه وذلك مفسدة. وجوابنا أنّه تعالى ذكر ما يقولون عند إبدال آية مكان آية ولم يذكر أنه السبب في هذا القول بل كانوا في تكذيب الرسول على طريقتهم ومثل ذلك جائز عندنا ولا يكون مفسدة وإنّما يكون مفسدة متى وقعت المعصية عنده ولولاه كانت لا تقع. وبيّن تعالى ما به يدفع عنهم هذه الشبهة فقال( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ) وإنّما أحالهم على علمهم برتبة القرآن في الفصاحة ولو لا ذلك لقالوا له ومن أين روح القدس أنزله فبطل بذلك ما أوردوه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ ) أليس هذا يدل على أن من لم يؤمن لم يهده الله كما يقوله المخالف. وجوابنا أنّ المراد لا يهديهم إلى الجنة والثواب من حيث لم يؤمنوا ولذلك أتبعه بقوله( وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) أليس ظاهرة يقتضي اباحة الكفر والكذب وذلك قبيح لا يجوز على الله تعالى. وجوابنا أنّ قوله

٢٢١

( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ) استثناء منقطع ومعناه لكن من اكره وقلبه مطمئن بالايمان. فان قال قائل إن السؤال عليكم في ذلك لازم لأنه كأنه قال لكن من أكره على الكفر والكذب والاكراه لا يحسن ذلك. قيل له إنه تعالى لم يبين ما يكره عليه وما يأتيه المكره والذي يكره عليه هو غير الذي يأتيه المكره لان المكره انما يكرهه على الكفر والكذب والذي ينبغي أن يأتيه المكره هو ما أباحه الله تعالى له من التعريض فكأنه يقول ان لم تقل ان الله ثالث ثلاثة قتلتك فيقول هو عند الاكراه ذلك على وجه الحكاية أو على وجه دفع الضرر من غير أن يقصد الخبر فيحسن منه ذلك عند الاكراه فأما نفس الكذب فلا يحسن من العاقل على وجه وفي العلماء من يقول إذا كذب فالاثم مرفوع عنه وان كان قبيحا لمكان الاكراه والذي قدمناه هو الصحيح ولذلك قال تعالى بعده( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) فمدحه ثمّ ذمه بقوله( وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ ) اذ كانوا مختارين والاكراه زائل وقوله تعالى( ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ ) يدل على قدرتهم على الطاعة والمعصية فصحّ بذلك أن يؤثروا أحد الامرين على الآخر لان قوله استحبوا الحياة الدنيا المراد به آثروا ما يشتهونه من الباطل وقوله( عَلَى الْآخِرَةِ ) المراد به على ما يؤدي إلى عمارة الآخرة من الحق ثمّ قال تعالى( وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) مع علمنا بأنه قد بين لهم ودلهم على ما يلزمهم ولو لا ذلك لـما كفروا يدل على أنه أراد بما نفاه الهدى إلى الثواب والجنة على ما بيّناه من قبل ثمّ بين تعالى حال الكافرين بأنه طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم والمراد به تشبيه حالهم بحال من هذا صفته ولو لا ذلك لم يكن ليذمهم ولذلك قال بعده( وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ ) ومن يمنعه الله من هذه الافعال لا يسمى غافلا ثمّ حقق ذلك بقوله( لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ ) وقوله تعالى من بعد( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) يدخل في

٢٢٢

جملته من أكره على الكفر بمكة حتّى صبر وعرّض ثمّ تخلص بالهجرة وذلك يبين أن كلا الامرين يحسن من المكره وأن الأفضل أن يصبر على ما يخوف به ولا يدخل على طريق الاباحة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها ) أليس ذلك يدل على اثبات نفسين لنا وذلك لا يصح عندكم.

وجوابنا ان المراد بالنفس غير المكلف فكأنه قال يوم تأتي كل مكلف تجادل عن نفسه وهذا أحد ما يدل على صحة القول بالعدل لانه لو لم يكن له فعل وكان الله تعالى يفعل فيه ان يشاء الكفر وان يشاء الايمان لم يكن للمجادلة وجه ثمّ قال تعالى بعده( وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ ) والمراد جزاء ما عملت لان نفس عملها وقد تقضي لا يجوز أن توفاه فليس الا ما ذكرناه ولذلك قال بعده( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) والظلم انما يصح في المجازاة لا في نفس العمل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ) بعد ذكر كفرهم أليس ذلك يدل على انه تعالى يعاقب في الدنيا الكفار وعندكم ان ما يلحقهم من فقر ومرض لا يكون عقابا. وجوابنا أنّه يحتمل ان الصلاح عند كفرهم ما يفعله بهم من جوع وخوف لأن ذلك عقوبة كما تأولنا عليه قوله تعالى( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ) أليس الفاعل مع الجهالة معذورا فيما يأتيه فكيف أوجب الغفران بالتوبة من ذلك. وجوابنا أنّه قد يقال ذلك فيمن دخلته الشبهة فيعمل السوء عندها فلا يكون معذورا والاصل في الجهالة انه موضع للذم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) أليس ذلك يوجب انه متعبد بشرائع ابراهيم صلّى الله عليه وسلم

٢٢٣

وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا أنّه إذا كان يتبع ما يعرفه من شرائعه فذلك جائز عندنا وإنّما ننكر كونه صلّى الله عليه وسلم متعبدا بشرائع من تقدم على معنى انه عرف ما دعوا اليه فتمسك بذلك من دون أمر مبتدأ من قبله تعالى أوحى به اليه ثمّ أوجب تعالى بقوله( ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) على رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يدعو إلى توحيد الله وعدله والى سائر ما يكون دينا وحقا وبين له كيف يدعو وذلك واجب على غير الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يفعله بمن يجهل الدين كما قال تعالى( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) وبين هذا بقوله تعالى( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) على ان من أقدم في باب الدين على ما لا يحل فهو مؤاخذ على ذلك. ودل به على ان الضلال والاهتداء من قبل العبد وقوله تعالى( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) وهو مجاز لأن ما يفعله العبد لا يكون عقابا في الحقيقة فهو كقوله تعالى( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) ثمّ بين تعالى ان الصبر على ذلك والاخذ بالعفو خير من الانتقام وبين ان صبره صلّى الله عليه وسلم يكون بالله تعالى بقوله( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ ) فدل بذلك على ان الصبر وسائر الطاعات انما تقع عند الطاقة وتيسيره وتسهيله وبيّن بقوله تعالى من بعد( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) انه تعالى يخص بالغفران والرحمة من يوصف بانه متق ومحسن وذلك يدل على قولنا في الوعيد.

٢٢٤

سورة الاسراء

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) كيف يصحّ قطع هذه المسافة في هذه الاوقات القصيرة وما فائدة ذلك ويصحّ منه تعالى أن يريه الآيات من دون ذلك وان كان المراد أنه عرج به إلى السماء كما روي في الخبر فذلك ممكن من المدينة. وجوابنا أنّ ذلك من معجزاته صلّى الله عليه وسلم ولا ننكر في يسير من الاوقات ذلك كما جعل الله تعالى معجزة سليمان الريح بقوله تعالى( وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ) واذا كان الصلاح أن يريه الآيات التي ببيت المقدس فلا بد من أن يسري به إلى هناك. وما روي في خبر المعراج ففيه ما يجوز أن يصحّ وفيه ما لا يصحّ كما ذكر فيه أنه تعالى في مكانه وأنه صلّى الله عليه وسلم كان يذهب اليه ويعود. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقوله تعالى من بعد في كتاب موسى( وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ) يدل على ان الهدى هو الدلالة والبيان لا نفس الايمان كما يقوله المجبرة. وقوله تعالى من بعد( وَقَضَيْنا إلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) فالمراد به الاعلام كقوله تعالى( وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ ) ولذلك أضاف الفساد اليهم بقوله تعالى( لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) وقوله تعالى( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ) يدل على قدرتهم على الامرين وأنهم إذا أساءوا فمن جهتهم وبيّن تعالى بقوله( إِنَّ

تنزيه القرآن (١٥)

٢٢٥

هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ ) ان الواجب على من يتلوه أن يتدبر ذلك فيكون داعية له إلى التمسك بما هو اقوم وصارف عن طريقة من لا يؤمن بالآخرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ) كيف يصح ذلك ومعلوم ان كون آية النهار مبصرة دون الليل لا صحة له مع وجود القمر. وجوابنا أنّ ذلك يدل على انه تعالى يحرك الشمس في سمائها فاذا كانت بحيث يصحّ أن ترى كان نهارا واذا كانت بخلافه كان ليلا وان ذلك لا يكون بالطبع ولا بغيره على ما ذهب اليه بعض الملحدة وذلك من عظيم نعم الله تعالى كما قال( لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) ان ذلك لا يعرف في اللغة لأنه لا يقال فيمن له الحق أو عليه أنه طائر في عنقه. وجوابنا أنّ كتاب الله تعالى وصف بأنه عربي فما يوجد فيه يجب أن يعلم أنه لغة إما مجاز وإما حقيقة واذا كنا نقبل ذلك متى ورد به شعر منظوم أو كلام منثور فلأن يلزم ذلك لـما ذكرنا أولى والمراد ألزمناه جزاء عمله وما يستحقه وذلك من فصيح الكلام وقد يقال فيما يخرج من سبب وحظ خرج لفلان الطائر بكذا فلا وجه لـما قالوه والوجه فيه ظاهر لان الطائر يلزم المرء لا بحسب اختياره وربما يجتهد في دفعه فلا يصح فجعل تعالى ما يستحقه على ذنوبه بهذه المنزلة ولذلك قال تعالى( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ) فبين أن المطوي المكتوم الذي يمكن المرء إصلاحه بالتوبة يصير في الآخرة ظاهرا ولذلك قال تعالى بعده( اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) قال الحسن البصري لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك فكل ذلك زجر عن المعاصي وبين بقوله تعالى( فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) أن

٢٢٦

الاهتداء بالايمان والضلال بالكفر من قبل العبد وحقق ذلك بقوله تعالى( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) وأن أحدا لا يؤاخذ بما يفعله غيره أكّد ذلك بقوله تعالى( وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) فإذا كان تعالى لا يعذب حتّى يقيم الحجة بالرسل وبالبينات فكيف يجوز أن يعذب المرء على أمر لم يقدر عليه وكيف يجوز أن يعذب الطفل بذنب أبيه وهو من لا يقدر ولا يعرف الخير من الشر وكل ذلك يبطل قول هؤلاء المجبرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها ) أليس ذلك يدل على أنه أراد منهم ذلك الفسق. وجوابنا أنّه تعالى لم يذكر ما أمرهم به ومعلوم أنه لم يأمرهم بالفسق بل أمرهم بخلافه فكأنه قال تعالى( أَمَرْنا مُتْرَفِيها ) بالطاعة( فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ) أي الوعيد والهلاك المعجل ولذلك قال بعده( وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ) وقد قرئ( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها ) فتأويله أمرناهم بمنعهم عن المعاصي ففسقوا فيها وقد قيل ان معنى قوله( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) ارادة الطاعة منهم والعبادة دون الهلاك فان ذلك قد يستعمل في اللغة على هذا الوجه فقد يقال إذا أراد العليل الهلاك تعاطى التخليط في المأكل لا أنه في الحقيقة يريد الهلاك وإن أراد التاجر ان تأتيه البضائع من كل جهة فعل كيت وكيت لا أنه يريد ذلك في الحقيقة وما قدمناه أولا أقرب إلى المراد والذي يحكي من القراءة الثانية وهو قوله تعالى( أَمَرْنا مُتْرَفِيها ) فالمراد به يقرب مما قدمناه إذ المراد كثرناهم ليطيعوا ففسقوا فيها ولذلك قال بعده( وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ) وكل ذلك ترغيب في الطاعة وتخويف من خلافها وقوله تعالى من بعد( مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ ) دلالة على انه يمكن العبد من الطاعة والمعصية فاذا أراد العاجلة وما

٢٢٧

يتصل بالهوى والشهوة لم يمنعه النعم وان كان يزجره عن ذلك وقوي هذا الزجر بقوله( ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) ثمّ قال تعالى( وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ ) يعني الفعل الذي يؤدي إلى الثواب في الآخرة( وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ) واذا وصف تعالى سعي العبد بأنه مشكور فقد عظم موقعه ثمّ بيّن أنه لأجل المعصية لا يمنع من الانعام المعجل فقال( كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) فان عطاء المعجل تفضل وقد تكفل تعالى بهذا التفضل للعاصي وللمطيع وإنّما يخص المؤمن بالثواب لأنه مما لا يحسن أن يفعل إلا بمن يستحقه كما لا يحسن منا الاعظام إلا لمن يستحق وان حسن منا الهبات لمن يستحق ولمن لا يستحق. ثمّ بين أنه فضل بعضهم على بعض وان الفضل العظيم هو الفضل في الآخرة فقال تعالى( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) وبين تعالى في قوله( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) وقضاؤه لا يكون الا حقا ان المراد بذلك الالزام وبين في هذه الآيات جل جلاله جملة مما إذا تمسك بها المرء عظمت منزلته إلى قوله( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) فدل بذلك على أنه كاره للسيئات لا كما يقوله كثير من العامة أنه يريد ذلك ويشاؤه كيف يجوز ذلك مع شدة نهيه عنها وزجره وتخويفه ووعيده وذكر تعالى في هذه الآيات من الآداب والاحكام نحو عشرين خصلة إذا تدبرها القارئ عظم نفعه بها وفي جملتها ما يلزم في حق الابوين وما يجب أن يتعاطاه في تدبير النفقات وما ينبغي أن يستعمله في حق الاولاد واليتامى وبسط ذلك يطول. فان قيل كيف يقول تعالى( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ) وذلك مما لا يقع من أحد فكيف نهى عنه قيل له ليس المراد بذلك ما يقتضيه ظاهره بل المراد أن لا يضيق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته وهذا من أفصح الكلام في وصف البخل ولذلك قال تعالى بعده( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) منع بذلك من التبذير ثمّ نبه على

٢٢٨

ما يقتضي ذلك من الحسرة فيما بعد فقال( فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) ثمّ بين تكفله تعالى بالرزق فقال( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) يعني بحسب المصالح وبعث النبي صلّى الله عليه وسلم على تدبر هذه الآيات بقوله تعالى من بعد( ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ) والمرء يلزمه أن ينظر ويتدبر في وصية الله للصالحين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) كيف يصح ذلك من الجمادات. وجوابنا أنّ من تدبر ذلك عرف المراد فانه تعالى قال من قبل( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً ) يعني اتخاذ قوم لآلهة سواه ثمّ أتبعه بذكر الدلائل على التوحيد فقال( تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ ) يعني انها تدل على توحيده وتنزيهه عن الاشباه فالمراد بتسبيح السموات والارض ومن فيهن ما ذكرناه لا أن المراد به القول الذي يسمّى تسبيحا لأن دلالة هذه الامور على توحيد الله تعالى أوكد من دلالة القول فهذا معناه وكذلك قوله تعالى( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) يجب أن يحمل على ما ذكرناه لأنه لا شيء إلا وله حظ في الدلالة على توحيد الله وكذلك قال تعالى( وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) لأن ذلك إنما يعرفه من ينظر ويتدبر ومن هذا حاله قليل في الناس.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ) كيف يصح أن يمنعهم من سماع القرآن الذي فيه الشفاء والبيان. وجوابنا أنّ المراد بذلك من المعلوم انه لا ينتفع بل يظهر منه الاذى للرسول ولذلك قال تعالى( أَكِنَّةً ) والمراد انهم لشدة انصرافهم عن الانتفاع به صار قلبهم بهذا الوصف وصاروا كالصم ولذلك قال تعالى( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ

٢٢٩

وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ ) فبين انهم لا ينتفعون ويؤذون ولذلك قال من بعد( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً ) ثمّ قال( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) أما يدل ذلك على أنهم لا يقدرون على خلاف هذا الضلال. وجوابنا انهم لا سبيل لهم بالطعن في نبوّتك إلى تحقيق ما نسبوه إليك من سحر وغيره وليس المراد أنهم لا يقدرون على الطاعة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) كيف يجوز في تكذيبهم من قبل أن يكون مانعا لذلك. وجوابنا أنّ المراد الآيات التي لا ينتفع القوم باظهارها فقد كانوا يطلبون عين المعجزات الظاهرة على الأنبياء كقوله تعالى( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى غير ذلك فبين تعالى أن جرى العادة بتكذيب الامم بمثل ذلك يمنع من أن يفعله تعالى ويحتمل أن يريد بذلك اهلاك المكذبين الذين لا يؤمنون كما جرت به عادته تعالى فيمن يكذب الأنبياء من الغرق وغيره من ضروب الاهلاك ولذلك قال بعده( وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ) فأما قوله تعالى( قُلْ كُونُوا حِجارَةً أو حَدِيداً ) فالامر فيه ظاهر أنه ليس بأمر وكذلك قوله( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) أنه تهديد وزجر فليس لأحد أن يسأل عن ذلك ولذلك قال بعده( وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً ) وبيّن من بعد أنه لا سلطان للشيطان إلا من جهة الوسوسة الضعيفة فقال( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) ويحتمل أنه يريد تعالى بذلك أهل الايمان والصلاح من حيث لا تؤثر فيهم وسوسة الشيطان.

٢٣٠

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ) كيف يصح ذلك مع علمنا بخلافه. وجوابنا أنّ المراد من ذهل عن تمييز الخير والشر في الدنيا فهو بأن يذهل عن ذلك في الآخرة أولى وليس المراد اثبات العمى في الحقيقة بل هو ترغيب في التمسك بالطاعة وبين تعالى بعد ذلك ألطافه التي خص بها الرسول صلّى الله عليه وسلم بقوله تعالى( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) وبقوله( وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) وإنّما صلّى الله عليه وسلم يمنع من هذه الامور بما جرت به عادة الله تعالى من صرفه عنها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها ) كيف يصح منهم اخراجه من الارض. وجوابنا أنّ المراد الارض المعهودة فهذه الالف واللام دخلتا على معهود فبيّن تعالى ما كانوا عليه من شدة المعاداة حتّى همّوا بإخراجه من الأرض المعروفة به صلّى الله عليه وسلم وبين أن ذلك لو تم لـما لبثوا إلا قليلا على سنة الله تعالى فيمن تقدم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إذا لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ) ما فائدة اضافة الضعف إلى الحياة والى الممات. وجوابنا أنّ ذلك وعيد بالعذاب المعجل في حال الحياة في الدنيا والمؤخر إلى الآخرة فاضاف ذلك العذاب إلى الممات لـما كان لا يموت الا بعده.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ) ما الفائدة في ذكر الحمد في استجابتهم يوم القيامة. وجوابنا أنّ المراد إنكم حامدون لله تعالى على نعمه المتقدمة وأن أمر بكم إلى النار والى المحاسبة الشديدة ويحتمل( فَتَسْتَجِيبُونَ ) استجابة حامد شاكر لا يمكن من جهتكم الامتناع.

٢٣١

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) كيف يصح ان يخصه بأنه مشهود والله تعالى شاهد لكل شيء وكيف يضيف القرآن إلى الفجر. وجوابنا أنّ المراد أقم القرآن الفجر فنبه بذلك على وجوب القراءة في الصلاة وبين ما لهذه الصلاة من الخصوصية بأنه يشهدها ملائكة الليل والنهار وقوله تعالى من بعد( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) يدل على أن موقع هذا التهجد عند الله عظيم وإن كان نفلا ومعنى عسى هو وقوع ذلك لا بمعنى الشك وعلى هذا الوجه قال المتقدمون في عسى ولعل انهما من الله واجبان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) أليس يوجب ذلك أن بعضه شفاء ورحمة دون بعض. وجوابنا أنّ المراد أنه ينزل ما يدعوهم إلى التمسك بالايمان ولا يجب ذلك في كل القرآن وبعد فان ذكر بعضه بهذا الوصف لا يدل على ان سائره بخلافه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) كيف يصح أن يكون هذا جوابه. وجوابنا أنّ المراد أنهم سألوه عن الروح ولما ذا يحتاج الحيّ منا إليها فبيّن تعالى أن ذلك ممّا لا يعلمه إلا الله تعالى ولم يسألوه عن نفس الروح ما هو وقد قيل إنهم سألوه عن جبريل صلّى الله عليه وسلم في وقت نزوله بالوحي دون آخر وذلك مما لا حاجة بهم إلى معرفته ولذلك قال بعده( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ثمّ بين تعالى عظم شأن القرآن بقوله( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) فنبه بذلك على أن له من الرتبة في

٢٣٢

الفصاحة ما لا تدركه العباد انفردوا أو اجتمعوا ولو كانوا يقدرون عليه وإنّما صرفوا عنه لم يكن لهذا القول معنى وبين تعالى بقوله( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) أنه تعالى لا يجعل معجزات أنبيائه ما يوافق شهوة القوم وإنّما يظهر من ذلك ما يعلمه أصلح فلذلك قال وقد طلبوا تفجيرا لينبوع وطلبوا البيت من الزخرف وأن يرقى في السماء وأن ينزّل عليهم الكتب والجنة من النخل والعنب وإسقاط الكسف من السماء وأن يأتي بالله والملائكة قبيلا بالكلمة الواحدة ما كان جوابا لهم وهو قوله تعالى( قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ) والمراد ان معرفتي بالمصالح مفقودة وأنه تعالى هو العالم بذلك. فبين أن بعثة الملك ليست لصلاح كبعثة البشر بقوله تعالى( قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً ) فبين أن قبول الشرع للبشر من البشر أقرب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا ) كيف يصح ذلك وهم يسمعون في الآخرة ويتكلمون. وجوابنا أنّه تعالى لم يذكر الا أنهم يحشرون كذلك لا أنهم يكونون بهذا الوصف أبدا فلا تناقض في الآيات الواردة في ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) كيف يجوز أن يقول لفرعون ذلك مع ادعائه أنه الاله دون الله تعالى. وجوابنا أنّه لا يمتنع أن يجحد ذلك وان كان يعلمه طالبا لثبات ملكه وقد اتفق منه أشياء تدل على ذلك نحو قوله( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إلى إِلهِ مُوسى ) وغير ذلك وإنّما يصح أن يسأل عن ذلك على أحد القراءتين فإما إذا قرئ لقد علمت فانما المراد موسى وقد عنى نفسه بذلك.

٢٣٣

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلِ ادْعُوا اللهَ أو ادْعُوا الرَّحْمنَ ) كيف يصح ذلك والمدعو هو الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد الدعاء بذكر الله تعالى أو بذكر الرحمن فنبه تعالى على أنه متى دعا داع بأي اسم من اسمائه الحسنى جاز ولذلك قال تعالى( أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) .

٢٣٤

سورة الكهف

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) كيف يصح أن ينفي عنه أن يكون قيما كما نفى عنه العوج. وجوابنا أنّه لم يدخل في العوج وصار قوله قيّما من صفات الكتاب كما أن قوله لينذر من صفات الكتاب فكأنه قال( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) وجعله( قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) وقد قيل إنه مؤخر في الذكر وهو مقدم فكأنه قال الحمد لله الّذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا وذلك في المعنى يؤدي إلى ما قدمناه في الفائدة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها ) كيف يصح ذلك وعلى الارض ما لا يصح كونه زينة للارض كالحشرات وغيرها. وجوابنا أنّ المراد على الأرض من شجر وزرع ونبات دون غيره لان قوله زينة لها يدل على ذلك ولان عد ذلك في جملة النعم يدل عليه ولذلك قال بعده( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) وبين بعده بقوله( وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً ) أنه يجعل الأرض عند الحشر بخلاف ما هي عليه الآن.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) كيف يصح أن يبتديه بذلك وهو لم يعرف شيئا من

٢٣٥

أحوالهم. وجوابنا أنّ مثل ذلك قد يقال في اللغة ابتداء لتوكيد ما يورد من الحديث وعلى هذا الوجه قال تعالى( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أو يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ ) وقد قيل إنه صلّى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فصح أن يعلمه الله تعالى به على هذا الوجه من القول.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن صفة الراقد خلاف صفة المستيقظ فيما يشاهد. وجوابنا انهم كانوا وهم رقود بصفة المستيقظ في فتح العيون والتبسم وذلك من آيات الله تعالى العجيبة وظاهر ذلك أنهم بقوا تلك المسافة الطويلة رقودا وذلك من آياته العجيبة وان كان في الناس من تأوّل الآية على أنهم كانوا موتى لاجل قوله تعالى( وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ ) ولا يقال ذلك إلا فيمن أحياه الله تعالى بعد الممات والاقرب الأوّل لانه إذا جعلهم راقدين هذه المدة الطويلة صح أن يقول بعده( وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) أليس ذلك يدل على أنه تعالى يشاء كل أمر واقع قبيح وحسن. وجوابنا أنّ ذلك تأديب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ولأمته في أن لا يقع منهم القطع على ما ذكر أنهم يخبرون به من الافعال لان القاطع على ذلك لا يأمن أن يكون كاذبا فينبغي أن يقيده بالمشيئة لأنها تخرج الخبر من ان يكون مقطوعا به ولو لا صحة ذلك لوجب أن يكون صلّى الله عليه وسلم لا يخبر بأمر المستقبل إلاّ مع العلم بأن الله تعالى قد شاءه وذلك لا يصح وقد كان صلّى الله عليه وسلم يعزم على المباح كما يعزم على ما هو عبادة والله تعالى لا يشاء الا الطاعة ولو لا صحة ذلك لحسن من أحدنا كما يقول تقول الصدق غدا إن شاء الله أن يقول أسرق وأزني ان شاء الله وذلك محظور على لسان الأمة فالمراد إذا تعليق الكلام بالمشيئة ليخرج من أن يكون خبرا قاطعا لا ان تعلقه به على وجه الشرط.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ

٢٣٦

عَنْ ذِكْرِنا ) أليس أضاف جل وعز ذلك إلى نفسه. وجوابنا أنّ المراد من وجدناه غافلا ولو لا ذلك لـما صح أن يقول تعالى من بعد( وَاتَّبَعَ هَواهُ ) وأن يذمه على ذلك وقد قيل أنّ المراد جعلنا قلبه خاليا عن الكتابة التي ذكر الله تعالى أنه يسم بها قلوب المؤمنين في قوله( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) فلما أخلى قلبه عن ذلك وصفه بهذا الوصف فأما قوله تعالى( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ) فهو تهديد ولذلك قال بعده( إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ) وذكر الحسن بن أبي الحسن; في قوله تعالى( وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ ) ان ذلك يدل على انه تعالى لا يشاء الا الطاعة فكأنه قال قلت القول الذي يشاؤه الله دون ما أوردته من قولك( ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) وبين تعالى بقوله( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها ) كيف يتحسر على ما أنفقه وأمل فيه المنافع إذا خاب أمله وجعل ذلك لطفا في المحافظة على طاعة الله تعالى على ما يستحقه من ثواب الآخرة ثمّ ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا فقال( كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ) وبعث بذلك المكلف على الحرص على عمل الآخرة من حيث يدوم نعيمها وبين تعالى أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات أولى بتكلف المرء لها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا ) كيف يصح في جميعهم أن يكونوا كذلك في حال المحاسبة. وجوابنا أنّه ليس المراد أنهم يعرضون صفا واحدا بل المراد أنهم يعرضون من دون اختلال واختلاط فيشاهد بعضهم بعضا فمن ظهر أنه من أهل الخير يكون سروره بمعرفة الناس بحاله أعظم لوقوف الخلائق على صورة أمره ومن هو من أهل النار يعظم

٢٣٧

غمه وهو معنى قوله( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) وبين تعالى بعده التخويف الشديد من المعاصي بقوله( وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ) وذلك يدل على ان المرء يؤاخذ بالصغائر كما يؤاخذ بالكبائر إذا مات على غير توبة ومعنى( وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً ) ثواب ما عملوا حاضرا لأن عملهم قد فنى في الحقيقة وقوله من بعد( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) يدل على أن المعاقب يستحق العقوبة على فعله وعلى أنه تعالى منزه عن الظلم وسائر القبائح وقوله تعالى( إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) يدل على انه ليس من الملائكة وقوله( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) يدل على أن الفسق هو الخروج إلى عداوة الله وقوله( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ) تحذير شديد عن اتخاذه وليّا والقرب منه ولذلك قال( وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) وقوله تعالى( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) يدل على أن المضل لاجل إضلاله لا يعينه تعالى ولو كان الاضلال من قبله كما يقول المجبرة لـما صح ذلك وقوله تعالى( وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ) يدل على أن الفعل للعبد فلذلك بكّتهم على اتخاذ الشركاء من دون الله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها ) وصفهم بالظن وهم يعلمون ذلك في الآخرة. وجوابنا أنّه أراد بالظن العلم ولذلك قال عقبه( وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً ) وقد يذكر في الامور المستقبلة الظن مع العلم لأنه من باب ما يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع فمن حيث كان هذا شأن الشيء في نفسه وهذا حاله جاز أن يعبّر عنه بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا

٢٣٨

الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) كيف يصح ذلك وإنّما ذكر تعالى فيه بعض الامثال. وجوابنا أنّ ذلك مبالغة كقوله تعالى( وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) ومذهب العرب في ذلك معروف والمراد من كل مثل يحتاج العباد اليه في أمر دينهم وما هذا حاله موجود في القرآن من صفات الامور الدنيوية وصفات الآخرة وغيرهما وقوله تعالى( وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) يدل على أنه الفاعل فيصح أن يجادل عن نفسه ولو كان كل تصرف مخلوقا فيه لـما صح ذلك وقوله تعالى( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ) من أقوى الادلة على ان الايمان فعلهم والامتناع منه كذلك لأنه لا يصح أن يقال للمرء ما منعك أن تكون طويلا صحيحا أو مريضا لـما كان ذلك من خلق الله فيه وقوله تعالى من بعد( إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى ) يدل على ان الهدى هو البيان والدلالة ويدل على ان الاهتداء بهذا الهدى من قبله وقوله تعالى من بعد( وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) يدل على ان العبد يستحق على فعله الطاعة ما يبشر به من الثواب وعلى المعصية ما ينذر به من العقاب ولو كان الأمر كما يقوله المجبرة في أنه عز وجل يخلق الافعال فيهم وان له أن يعاقب من أطاعه ويثيب من عصاه لـما صح ذلك وقوله تعالى( وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) لا يصح لو لا أن الكفر من قبلهم ولو كان الله هو الخالق له فيهم لكان لهم أن يقولوا لا عيب علينا في ذلك وان كان باطلا لأن الله جل وعز خلقه فينا ولما صح أن يقول تعالى( وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً ) وقد منعوا من خلاف ذلك وقوله تعالى من بعد( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها ) كيف يصح أن يبالغ تعالى في وصفه بظلم نفسه وهذا الاعراض من قبل الله تعالى ولو شاء خلاف ذلك لـما صح وبعد ذلك وصفهم بالاكنة والوقر لـمّا لم يقبلوا ما أمروا به على وجه المبالغة والمراد ان ذلك ما يؤنس منهم ان يختاروه فصاروا بمنزلة ما لا يفقه ولا يسمع ولذلك قال تعالى( وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إذا أَبَداً ) ثمّ بيّن تعالى رحمته بتأخير العقاب عنهم

٢٣٩

وهذه حالتهم فقال( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ) ولذلك يوصف تعالى بأنه حليم محسن إلى من أساء كما أنه محسن إلى من أحسن فيمهل ولا يعجل لئلا يكون للمعاصي حجة يتعلق بها وليصح أن يقال له ما أوتيت فيما قدمت عليه الا من قبل نفسك وقوله تعالى( بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ) يدل على ان وعيده تعالى حق لا يقع فيه خلف.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما ) فاضاف النسيان اليهما ثمّ قال تعالى من بعد( قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا ) ثمّ قال( فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ) حاكيا عن فتاه ثمّ قال تعالى( وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أنّه تعالى أضاف اليهما النسيان لـما بلغا مجمع بينهما ثمّ أضاف ذلك إلى الفتى لـما جاوزا واذا اختلف الحالان صح وقد يصح فيما تحمله المسافران أن ينسب الحال فيه اليهما لـما كان لا يتم ذلك إلا بهما وقوله تعالى( وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ ) دليلنا على ان الفعل للعبد لأنه لو كان خلقا لله تعالى لكان قوله لو قال وما أنسانيه إلاّ الرحمن أولى وأصوب ومتى قيل النسيان عندكم من فعل الله تعالى فكيف يصح ذلك. فجوابنا أنّ المراد بالنسيان هنا التقاعد والاهمال وذلك من فعل العبد فعلى هذا الوجه حصلت الاضافة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) كيف قطع في ذلك وهو أمر مستقبل لا يعرفه إلا علاّم الغيوب. وجوابنا أنّ ذلك من قول صاحب موسى وكان نبيّا فيجوز انه تعالى عرفه ذلك ويحتمل انه لـما كان عارفا بأن الذي يفعله من خرق السفينة وقتل الغلام بالغ في التعجب منه مبلغا عظيما وان ذلك مما يتعذر الصبر عن معرفة علته( قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) لـما قوي ذلك في ظنه ولذلك قال تعالى( وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) وقول موسى صلّى الله عليه وسلم

٢٤٠