تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75181
تحميل: 3629

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75181 / تحميل: 3629
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ) فدل بذلك على عظم هذا الجرم ثمّ بين ما لهم من المنزلة بقوله( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز أن يقولوا( لَبِثْنا يَوْماً أو بَعْضَ يَوْمٍ ) وذلك كذب منهم لأنه جواب لقوله( قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ) ؟ وجوابنا أنهم لم يريدوا بذلك أحوال حياتهم بل أرادوا حال الوفاة ولم يريدوا بقولهم( لَبِثْنا يَوْماً أو بَعْضَ يَوْمٍ ) التحقيق لأنهم لو أرادوا الخبر لكان هذا القول متناقضا وكأنهم أرادوا أنهم وان كثر لبثهم فهو قليل في حكم يوم أو بعض يوم في أنهم لم ينتفعوا بالتلافي والاستدراك ولذلك قال بعده( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وقال بعده( وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) فنبه على تقصيرهم حيث أمكنهم التلافي وأنهم فيما بعد فاتهم ذلك وقوله تعالى من بعد( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ ) دلالة على أن كل قول لا حجة فيه فهو محرم ولذلك قال تعالى( فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ) .

٢٨١
٢٨٢

سورة النور

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سُورَةٌ أَنْزَلْناها ) كيف يصح انزال السورة وذلك يستحيل فيها؟ وجوابنا عن ذلك وعن سائر ما في القرآن نحو قوله( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) وقوله( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) إلى غير ذلك هو أن المراد به إنزال السورة بانزال من يحملها وعلى هذا الوجه نصف القرآن بأن الله أنزله وهذا كما يقال أنزلنا الماء ويراد بذلك الظرف ونزحنا الماء من البئر إلى غير ذلك وكما يقال إن فلانا أظهر علمه والمراد أودعه الكتب فمن هذا الوجه يستدل بهذه الآيات على حدوث القرآن لأن ما هو قديم لا يجوز فيه انزاله بنفسه ولا بغيره وفي قوله تعالى( وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ ) والآيات هي الادلة دلالة أيضا على حدوثه وفي قوله( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) دلالة على أن الله تعالى أراد من جميعهم التذكر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أو مُشْرِكَةً ) كيف يصح هذا الخبر ونحن نعلم أن الزاني قد يطأ وقد يعقد على غير الزانية؟ وجوابنا أنّه وان كان في صورة الخبر فالمراد به الأمر. واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال هو منسوخ ومنهم من قال بل هو ثابت وأن المراد أن الزاني لا يحل له التزويج بالعفيفة حتّى أنهم يقولون إذا حدث الزنا منه بطل النكاح ومع ذلك فان ظاهره انما يقتضى أنه في حال زناه لا

٢٨٣

ينكح إلاّ زانية لان الزاني هو الواطئ بغير شبهة وبغير نكاح وملك ومن هذا سبيله فهو غير ناكح إلا الزانية ومن يقدر فيها هذا التقدير.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) كيف يصح في افكهم أن يكون خيرا مع قبحه وعظم الاثم فيه؟ وجوابنا أنّ المراد به خير لهم من حيث نالهم به من الغم ما صبروا عليه وان كان كذبا قبيحا فالمراد هو ما قد ذكرناه ولذلك قال تعالى( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ) فذمهم وبين أن الذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ومعلوم أن هذا الصنيع منهم كان كالسبب في تعظيم الرسول صلّى الله عليه وسلم والمتصلين بعائشة فصار الصبر عليه عظيم الثواب ولذلك يقال الآن فيمن زنى بأهل له أنه إذا صبر فله ثواب واذا ظلم المرء فلم يخرج إلى المقاتلة على ذلك بل صبر فله ثواب وهذه القصة انما ضمت إلى هذه السورة لتعلقها بالقذف والرمي اللذين بين الله تعالى حكمهما في الاجنبي وفي الزوجيات وهي تشتمل على أحكام وأدب يمكن أن يقال ان جميع ذلك من الخيرات فبين تعالى أن من يتولى كبر الشيء أعظم إنما ممّن هو كالتابع وبيّن أن الواجب على من يسمع مثل ذلك أن لا يظن صحته بمن عرف عفته ويؤيده قوله( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) وفيه أن الواجب في مثله الاعتماد على الشهادة فاذا انتفت وجب الكف وهو معنى قوله( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) لان المراد هلاّ فعلوا ذلك( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) .

[ مسألة ] ومتى قيل أليس من لم يأت بالشهود قد يكون صادقا فكيف يصح ما ذكره تعالى؟ وجوابنا أنّه وصف قولهم في هذه القصة خاصّة بأنه

٢٨٤

كذب وما يذكر في كتب الفقهاء من أن الملاعن يكذب نفسه وان ذلك منه كالتوبة يجب أن يكون كالمجاز لان الزوج إذا رمى امرأته فقد يكون صادقا ويكذب نفسه فان كذب نفسه على الحقيقة فذلك ذنب ثان لأن تكذيب الصادق كذب وبين أنه لو لا فضل الله عليهم لمسهم في ذلك عذاب عظيم وما يمسهم فيه العذاب لا يكون خيرا ونبّه بقوله تعالى( وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) على أن الخبر بلا علم يقبح وبين أن الذنب قد يعظم عند الله وإن حسبه المذنب هيّنا وبين أن الخبر في مثل ذلك يسمى بهتانا فدل بذلك على عظمة لان في تلك الاخبار ما لا يسمى بذلك وان كان كذبا وبين يقوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ ) أن محبة القلب بانفراده قد تكون ذنبا عظيما فيبطل بذلك ما يظنه كثير من الناس من أنه لا يؤاخذ المرء بما يقع في قلبه إذا لم يعمل ولو لا خوف التطويل لذكرنا سائر ما في هذه القصة من الفوائد فأما ما قاله آخرا من قوله سبحانه وتعالى( وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ ) فالمراد به اظهار الفضل والمدح وذلك يصح من الله تعالى وليس المراد نفس الطاعة فليس للمخالفين التعلق بذلك وقوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) يدل على أنّ ذلك من الكبائر العظام ويدل على أنه ملعون في الآخرة إذا لم يتب والملعون في الآخرة لا يصح ان يكون من أهل الجنة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ ) كيف تصح الشهادة من اللسان؟ وجوابنا بأن ينطقه الله وكذلك الكلام في أيديهم وفي أرجلهم وفي ذلك زجر عظيم لأن المقدم على الذنب إذا تصوّر أنه يجزي عليه في الآخرة بهذه الشهادة كان ذلك من أعظم زواجره. فان قيل فاللسان واليد والرجل هي المتكلمة بهذه الشهادة. قيل له هذا هو الظاهر والله

٢٨٥

عز وجل قادر على أن يحييها مفردة لتتكلم بهذه الشهادة كما روي عنه صلّى الله عليه وسلم في الذراع أنها كلّمته وقالت لا تأكلني يا رسول الله فإني مسمومة وفي العلماء من يقول هذه الشهادة من فعل الله تعالى فإن وجدت في الاعصاب فيكون الله تعالى المتكلم وأضيفت الشهادة إليها على وجه من المجاز.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) أليس يدل ذلك على أنه جسم وعلى أنه أحسن الاجسام كما قاله بعضهم؟ وجوابنا أنّ المراد أنه منوّر السموات والارض بين ذلك أنه قال تعالى( مَثَلُ نُورِهِ ) فأضاف النور إليه وقال آخرا( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) ويحتمل أن يكون المراد نفس النور ويحتمل أن تكون الادلة وفي الوجهين من يفعل ذلك يوصف أنه منور وإنّما وصف نفسه بذلك مبالغة من حيث أن كل الانوار من قبله كما يوصف بأنه رجاء وغياث إلى ما شاكل ذلك ولذلك قال تعالى بعد( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ) .

[ مسألة ] ومتى قيل كيف يصح قوله عز وجل( زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) ولا ثالث لهذين؟ وجوابنا أنّ المراد أن مكانها ليس مما تطلع عليه الشمس فقط ولا تغرب أي تظهر عليه الشمس عند الغروب فقط بل مكانها المكان الذي لا تنقطع منه الشمس وذلك بيّن في وجه المنفعة للاشجار.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ) بعد أن وصف الظلمات العظيمة كيف يصح ذلك؟ وجوابنا أنّ بعضهم قال لا يراها أصلا وقال بعضهم بل الظلمات وان عظمت مما تقرب المرء من تحريك أعضائه وقد يجوز ان يراها فليس في ذلك مناقضة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ

٢٨٦

فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ) كيف يصح الاقتصار على هذه القيمة وفي الحيوان ما يمشي على أكثر من أربع؟ وجوابنا أنّ تبيان هذه الاوصاف لا يمنع فوق رابع لو صح ما قاله فكيف وما يظهر له من الارجل أكثر من أربع انما يمشي من جملتها على أربع فالكلام تام.

٢٨٧
٢٨٨

سورة الفرقان

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) أو ما يدل ذلك على أنه الخالق لأفعال العباد؟ وجوابنا أنّ المراد به الاجسام التي ننتفع بها لأنه تعالى ذكر ذلك عقيب قوله( لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) وقد بينا من قبل أن الله لا يجوز أن يمتدح بفعل القبائح فالمراد ما ذكرنا وقوله تعالى( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) يدل على أن مراده بهذه الآيات ما يكون حسنا وحكمة فالله تعالى استفتح هذه السورة بما يدل على قولنا وهو قوله تعالى( الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) فبين أنه أنزله لينذر ويخوف كل واحد من العالمين، والتخويف انما يراد منه الانصراف عن الكفر والمعاصي فكيف يصح أن يبعثه ليصرفهم عما هو الخالق له فيهم ولا يمكنهم وهو الخالق فيهم الانصراف عن ذلك ولو اجتهدوا كل الاجتهاد وقوله تعالى من بعد( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) أراد تعالى أنهم لا يستطيعون السبيل إلى القدح في نبوّته فلا يصح للمخالفين أن يسألوا عن ذلك في أن القدرة مع الفعل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ

تنزيه القرآن (١٩)

٢٨٩

سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ) كيف يصح ذلك في النار حتّى توصف بأنها تراهم وهي جماد وحتى توصف بأن لها تغيظا وزفيرا وذلك لا يصح إلا في الحي الذي يغتاظ مما يرى؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك التمثيل دون التحقيق فمن يقرب من الشيء يقال يراه وقد يشبه صوت النار عند التلهف بالزفير الذي يظهر من المغتاظ ويحتمل أنه تعالى ذكر إذا رأتهم وأراد خزنة جهنم فإنهم يغتاظون فيكون لهم من الزفير بعد علمهم بما يقتضي ظهور ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ ) كيف يصح ذلك ولا خير في النار أصلا؟ وجوابنا أنّ المراد أيهما أولى بأن يكون خيرا وقد يقول الحكيم لغيره من العصاة ان التمسك بالطاعة خير لك من المعصية والمراد ما قد ذكرنا.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ) وذلك خلاف قولكم. وجوابنا أنّ المراد أنه متعهم فاختاروا عند ذلك نسيان الذكر والمراد بهذا النسيان ترك الواجب لأن النسيان في الحقيقة من فعل الله تعالى فلا يجوز أن يذمهم عليه ولذلك قال تعالى بعده( وَكانُوا قَوْماً بُوراً ) وقوله تعالى( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أو نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً ) أحد ما يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يرى والا لم يصح أن يستعظم هذا القول منهم كما لا يجوز أن ينزل الملائكة بدلا من البشر لكن انزال الملائكة مقدور والحكمة تمنع منه والرؤية ليست مما يصح أصلا وفي قوله عز وجل( يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي ) دلالة على أن المضل عن الدين ليس هو الله تعالى كما يقوله المجبرة.

٢٩٠

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) كيف يصح أن يكون تعالى جعلهم أعداء للانبياء؟ وجوابنا أنّه تعالى إذا عظم الانبياء واصطفاهم وخصّهم بالمعجزات وكان ذلك من قبله ولأجل ذلك عادوا الانبياء جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه من هذا الوجه بأنه يفعل فيهم العداوة مع زجره ونهيه عن ذلك ومع ايجابه عليهم أن يتركوها إلى الولاية وإلى التصديق والانقياد وحكى تعالى عن الكفار أنهم قالوا( لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ) كالذي فعله تعالى في كتب الأنبياء وجعلوا ذلك كالطعن فقال جل وعز( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فبيّن أن إنزاله على تصرف الاوقات وتجديد ذلك على قلبه ما يوجب الثبات والصبر وذلك معلوم من حال ما يرد على السمع في الاوقات المتباينة وبعد فإنه صلّى الله عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ فلو أنزل عليه جملة واحدة لكان مخالفا للحكمة وبعد فإن إنزاله في وقته أحسن موقعا من إنزاله قبله فعند الحوادث إنزال الله تعالى ما يتصل بها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ ) كيف يصح حشرهم على وجوههم؟ وجوابنا أنّه تعالى قادر على ذلك ويكون أدخل في الذل والاهانة ويحتمل أن يكون المراد أنهم يساقون وجها واحدا إلى جهنم من دون ميل وتوقف كما يقول القائل جئتك اليوم وجها واحدا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) كيف يصح وصفه بأنه مدّ ولا يتأتّى فيه ذلك؟ وجوابنا أنّ المراد به أنه مد ذلك أي ادامه كما قال تعالى في صفة الجنة( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) لـما لم يكن هناك شمس ومعنى قوله تعالى( وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ) أي

٢٩١

دائما لا ينقطع لكنه جعل الشمس عليه دليلا وذلك أحد ما تظهر به نعمه لأنه بالشمس وطلوعها يعرفون كيفية الظل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً ) كيف يصح وإنّما خلق آدم من طين؟ وجوابنا أنّ ذلك الطين إذا كان بالماء حصل على تلك الصفة فجاز أن يقول ذلك ويحتمل أن يريد سائر أولاده لأنه من النطفة خلقهم فسمّاها ماء ثمّ ذكر تعالى ما يبعث المرء على التمسك به من الآداب والاحكام في صفة عباد الرحمن فقال تعالى( وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) فذكر من صفاتهم ثلاثة عشر خصلة إذا تأملها المرء وتمسك بها عظمت منزلته في الدين ولو لا خوف التطويل لشرحناها ثمّ قال تعالى آخرا( أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً ) فان قيل فقد ذكر تعالى في جملته( فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ) كيف يصح ذلك ومحال في السيئة الماضية أن تصير حسنة؟ وجوابنا أنّ المراد بالسيّئات عقابها وبالحسنات الثواب فقال تعالى فيهم أنهم إذا تابوا صار لهم بدلا من العقاب الثواب وفي قوله تعالى( إِلاَّ مَنْ تابَ ) بعد ذلك الكفر والقتل والزنا دلالة على أن التوبة مقبولة في كل ذنب لا كما يظنّه قوم في انها لا تقبل في القتل.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) وهل المراد بذلك المؤمن أو الكافر؟ وجوابنا أنّه تعالى قال ذلك عقيب وصف المؤمن فالمراد به لو لا دعاؤهم الذي هو التوحيد والعدل لم يعبأ تعالى بهم حتّى يرقيهم في منزلة الثواب على ما وصف ويكون قوله تعالى( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) يرجع إلى من خالف حاله حال

٢٩٢

هؤلاء المؤمنين ويحتمل أن يكون المراد الكفار فإنه عز وجل لا يدخلهم في إنزال العقاب بهم لو لا دعاؤهم وعبادتهم لغير الله ومعنى قوله( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) أي بالله ورسوله( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً ) .

٢٩٣
٢٩٤

سورة الشعراء

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) كيف يصح هذا الجمع في الأعناق وإنّما الصحيح أن يقال خاضعة؟

وجوابنا أن قوله أعناقهم يشتمل على ذكرهم وذكر أعناقهم فقوله( خاضِعِينَ ) يرجع اليهم وقد كان صلّى الله عليه وسلم يغتم بأن لا يؤمنوا فبيّن تعالى أن ذلك موقوف على اختيارهم وأنه تعالى لو شاء لأنزل آية كانوا يخضعون لها فيؤمنون لا محالة قهرا لكن لا ينفع إذ المراد أن يؤمنوا على وجه يستحقون الثواب معه. وقد قيل أنّ المراد بالأعناق جملتهم كما يقال جاءنا عنق من الناس والأول أبين وبين بعده أنه وإن لم ينزل هذه الآية القاهرة فقد أنزل القرآن فقال تعالى( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ ) فبيّن أنه معقول كما نقوله وأنهم مع قيام الحجة به يعرضون عنه فلا عليك يا محمد أن تغتم بكفرهم( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ) وبيّن بقوله( أَوَلَمْ يَرَوْا إلى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) أي عزيز ان ذلك من الادلة العظام التي لو نظروا فيها لعلموا أنّ ما هم عليه باطل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) وقد ناداه ربه( أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) كيف يصح من ذلك أن يعتل بهذه العلة؟ وجوابنا أنّه لم يرد الخوف على نفسه فإن الانبياء لا يجوز أن يبعثهم الله تعالى إلاّ وقد وطّنوا أنفسهم على احتمال المكاره وإنّما أراد أنه

٢٩٥

يخاف منهم أن لا يقبلوا وسأل ربه المعونة التي تكون أقرب إلى قبولهم فأعانه الله عز وجل بأخيه هارون وقال( فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ) والاستماع وإن لم يجز على الله تعالى لأنه كالاصغاء فالمراد نفس السماع والله تعالى يوصف بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) كيف يصح أن يعتدّ لفرعون بمثل ذلك؟ وجوابنا أنّ ذلك بمنزلة إنكار كونه نعمة لا بمنزلة الاقرار لأن الذي فعله ببني إسرائيل يجري مجرى الظلم العظيم ويحتمل ان يكون المراد عبدت بني إسرائيل وخيبتني مع الذي كان منك من تربيتي وغير ذلك فيكون في الكلام حذف فعند ذلك قال له( وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ) فأجابه رب السموات والارض وما بينهما لأنه تعالى إنما يعرف بأفعاله التي تختص به ولا تجوز عليه المشاهدة فكان الذي أجابه به هو الجواب الحقيقي ولم يزل يكرر مثل ذلك حتّى قال إنه لمجنون ثمّ قال( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) وليس ذلك بطعن في أدلته والله تعالى مسخره لـما علم من عاقبة أمر موسى صلّى الله عليه وسلم عند ظهور الآيات وما ينزل بهم آخرا من الهلاك وعلى هذا ما فصله تعالى في القصة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ ) كيف يصح ان يقول فانهم وإنّما يقال في الأصنام فانها وكيف يصح ان يصفها بأنها عدو وهي جماد وكيف يصح أن يقول إلا رب العالمين فيستثني من الاصنام رب العالمين؟ وجوابنا أنّ إبراهيم صلّى الله عليه أجرى كلامه على طريقة اعتقادهم وكانوا يعتقدون في الاصنام أنها تنفع وتضر كالناس بل أزيد فلهذا جمعها هذا الجمع ووصفها بهذا الوصف وإلا فهو عالم بأن الأمر بخلاف ذلك

٢٩٦

فنبأهم على أن كل ذلك يضرهم وإنّما ينتفعون بعبادة الله الذي خلق ويهدي ويطعم ويسقي إلى سائر ما ذكره من نعمه. فان قيل كيف قال في جملة كلامه( وَاغْفِرْ لِأَبِي ) مع اصراره على الشرك؟ فجوابنا أنه دعا له على شرط التوبة والإنابة على ما تقدم قبل ذلك بيانه فإن قيل فكيف قال( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) وذلك ممتنع في الانبياء. فجوابنا أنّ الداعي قد يدعو بما يعلم أنه لا يقع على وجه الانقطاع إلى الله والتمسك بالخضوع وبيّن أنه في الآخرة لا ينفع مال ولا بنون وإنّما تنفع الاعمال الصالحة الخالصة مما يفسدها وهو معنى قوله( إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ) وبيّن ما يقال لعابد الصنم في الآخرة بقوله( وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أو يَنْتَصِرُونَ ) وما يقولون بقوله( تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ ) وبيّن بقوله تعالى( وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ ) بطلان قول من يقول إن الله يضلهم فالقرآن يكذب قولهم ثمّ ذكر تعالى بعد قصة موسى وهارون وقصة ابراهيم وقصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ما نزل بهم من الامور وأنزل الله تعالى بأممهم من العذاب وكل ذلك ليتأمل القارئ في كتاب الله تعالى فيعرف بذلك قدرته وحكمته ويكون ذلك داعية طاعته والانصراف عن معصيته. فان قال ففي جملة كلام موسى صلّى الله عليه وسلم( فَعَلْتُها إذا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ) كيف يصح أن يصف نفسه مع نبوّته بهذا؟ وجوابنا أنّ المراد بالضالين الذّاهلون عن التمسك بالطاعة فيما أقدموا عليه لأن ذلك وإن لم يكن من الكبائر فهو من الصغائر. فان قيل ففي جملته( فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ) وقال في موضع آخر( كَأَنَّها جَانٌّ ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أنّ المراد أنها كالثعبان في العظم وكالجان في سرعة حركتها من حيث خلقت من نار السموم. فان قال ففي القصة أن رسولكم الذي أرسل اليكم لمجنون فأقر بأنه رسول كيف يصح ذلك؟

٢٩٧

وجوابنا انه أراد أنه كذلك في زعمه. فان قيل( يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ) كيف عرف فرعون ذلك؟ وجوابنا أنّه أراد بالقائه العداوة بينكم أنه ينحاز بعضكم إلى بعض. فان قال فكيف قال( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ) وهم في تلك الحال مؤمنون؟ وجوابنا الذين كانوا سحرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) أليس ذلك يدل على أنه نفسه في زبر الانبياء والمعلوم خلاف ذلك؟ وجوابنا أنّ ذكره ووصفه في زبر الاوّلين بين ذلك أنه عربي وسائر كتب الانبياء بخلافه ومعنى قوله من بعد( كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) يعني القرآن أي جعلناه بحيث يعلم ويقرأ فلم يقع منهم الانتفاع بذلك.

[ مسألة ] ومتى قيل ما معنى قوله( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ ) كيف يصح أن يصير ذلك سبب هلاكهم وهو بأن يكون سببا لنجاتهم أقرب؟ وجوابنا أنّ المراد ما أهلكنا أهل قرية إلا بعد ازاحة العلة بالمنذرين الذين هم الانبياء وبعد كفرهم بهم ونصبهم العداوة لهم فلذلك قال بعده( ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ ) وفي قوله من بعد( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ) دلالة على اعجاز القرآن لانه لو جاز أن يقدر العباد عليه لجاز مثل ذلك في الشياطين الذين لمخالطتهم بنا يعرفون هذه اللغات وأدّبه الله تعالى بقوله( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) بعد قوله تعالى( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) وقبل قوله تعالى( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) فلم يأمره من هذا القول في الكفار وأمره في المؤمنين بما ذكره ومن تأمل ذلك وتمسك بمثله في العدو والوليّ فله الحظ الكثير في استعمال الاخلاق الحسنة ثمّ قال تعالى( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي

٢٩٨

يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ ) فان المرء إذا تصوّر فيما يأتيه أنه جل وعز يراه ويعلم كان أقرب إلى أن لا يفعل الا ما يحسن منه والتوكل على الله هو أن يلتمس الخير ويبتعد عن الشر فيما عهد الله تعالى اليه ولا يفارق هذه الطريقة إلى ما يكرهه وليس التوكل ما يدعيه قوم من أعمال الخير وترك التكسب والاشتغال بطلب ما يحتاج اليه من الناس فان ذلك محرم في اكثر الآيات.

٢٩٩
٣٠٠