تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75243
تحميل: 3629

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75243 / تحميل: 3629
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أولى وقوله تعالى من بعد( قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ) فيما يدل على الضلال من قبل العبد ولا يضاف إليه من حيث زجر الله تعالى عن فعله والاهتداء والايمان وإن كان من فعله فإنه يضاف إلى الله تعالى من حيث أمر به ورغب في فعله ولطف فيه وأعان وذلك صريح قولنا فيما يضاف إلى الله تعالى وما لا يضاف.

٣٤١
٣٤٢

سورة فاطر

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) وذلك متناقض. وجوابنا أنّه لا يمتنع أن يكون بعضهم رسلا إلى بعض ويكون ذلك توكيدا في ألطافهم فأما قوله تعالى( أُولِي أَجْنِحَةٍ ) فالمراد أنهم بهذا الوصف فبعضهم له مثنى وبعضهم له رباع ويحتمل أن يكون الملك متمكنا من أجنحة هي ثلاث ومن أجنحة هي مثنى ومن أجنحة هي رباع لأن الجناح لا حياة فيه وهو آلة الطيران فقد يجوز فيه الزيادة والنقصان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ ) أليس ذلك يدل على أن كل محدث مخلوق فالله خالقه لا خالق سواه وذلك بخلاف قولكم لانكم تقولون أنه من فعل الشيء مقدرا فهو خالقه وتستدلون بقوله( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) . وجوابنا أنّه تعالى انما نفى خالقا سواه ورازقا لنا لأنه قال هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض ولا خالق بهذه الصفة إلا هو وقد بيّنا من قبل أن إطلاق هذه اللفظة لا يصح إلا في الله تعالى فلا وجه لإعادته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) كيف يصح أن يرى القبيح حسنا؟ وجوابنا أن

٣٤٣

الداعي له إلى القبيح زينه في عينه حتّى اعتقده بهذه الصفة وهذه طريقة اتباع من يضل ويفسد وبيّن تعالى بعده أنه الذي يضل عن الثواب فقال( فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) كيف يصح ومن ليس بعالم قد يخشى عقاب الله؟ وجوابنا أنّ المراد الخشية الصحيحة فإنها لا تقع إلا من عالم بالله تعالى على حقه ومن عالم بثوابه وعقابه ومن عالم بما تؤدي هذه الخشية من العبادات وبما معه يثبت ما يخشاه فهذا معنى الكلام ثمّ أنه تعالى رغّب في طاعته نهاية الترغيب بأفصح قول فقال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ. )

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) كيف يصح في الانبياء أن يكون بعضهم ظالمين وبعضهم مقتصدين وبعضهم سابقين بالخيرات والواجب أن يكون جميعهم من السابقين؟ وجوابنا أنّ المراد أنه تعالى أورث الكتاب الانبياء الذين بعثهم من جملة عباده والاقسام المذكورة لم ترجع إليهم بل ترجع إلى عبادنا فكأنه قال ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من جملة عبادنا وعبادنا منهم ظالم لنفسه وهم الذين يعصون ربهم بكفر أو فسق ومنهم مقتصد وهو المؤمن التائب

٣٤٤

الذي لم ترتفع منزلته في باب الثواب ومنهم سابق بالخيرات وهم الذين علت منزلتهم فهذا معنى الكلام وفيه وجوه من الاقاويل لكن الذي ذكرنا أبين وهذه طريقتنا في اقتصار الاجوبة رغبة منا في أن لا يطول وقوله تعالى( رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ) وقوله تعالى لهم( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ ) من أقوى ما يدل على أنهم كانوا يقتدرون على الايمان وانهم قصدوا أن لا يختاروا ذلك.

٣٤٥
٣٤٦

سورة يس

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ ) كيف يصح اثبات مكلفين لم ينذروا؟ وجوابنا أنّ ذلك يصح إذا كان المعلوم من حالهم انهم يعصون في كل شيء على كل حال فجاز أن يقتصر بهم على التكليف دون الانذار الواقع من الانبياء وعلى هذا الوجه تأخر القرآن في الزمن فان قيل فان كان كذلك فلم ذمّهم تعالى بقوله( فَهُمْ غافِلُونَ ) ؟ فجوابنا لأنهم عصوا من حيث لم ينفع فيهم الانذار ولذلك قال تعالى( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ثمّ ذمهم بأن شبّه حالهم بالمغلول وبمن سدت عليه الطريق وقد مضى الكلام في أن مثل ذلك يقع منه تعالى على طريقة التشبيه والتمثيل لحالهم بحال من هذا وصفه وقد قيل أنّ المراد لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم على هذا الحد من الشرع والأول أقرب إلى الظاهر وقوله تعالى من بعد( إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ) ربما تعلقوا به في أنه تعالى لم يهد إلا من كان قد اهتدى وقد تقدم القول في تأويل مثل ذلك في قوله( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) في سورة البقرة وبيّنا أن من لم يقبل شبه بمن يتعذر عليه القبول لـما تعلمه من حال الرسول وأنه أنذر الكفار كما أنذر المؤمنين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ) ما الفائدة في ارسالهما إذا كان لا بد

٣٤٧

من ثالث؟ وجوابنا أنّ المصلحة ربما تكون في الاقتصار على اثنين في الارسال في وقت ثمّ فيما بعده تكون المصلحة في ضم ثالث إليهما لان المصالح تختلف بالأوقات ومتى قيل كيف يصح بعثه الرسل في حالة واحدة والشرع واحد وما الفضل بين الجماعة في ذلك وبين الواحد؟ وجوابنا أنّه إذا قدّر إرسال بعض دون بعض فلاختلاف المصالح في الاوقات واذا جمع بينهم في الارسال فلان المصلحة في جماعتهم ولا بد في المعجز من أن يظهر على كل واحد أو على جماعتهم وقوله من بعد( وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) يدل على أنه لا نبي الا وقد بلّغ ما جاء به قبل أم رد وقوله عز وجل( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ) المراد به من جاء من أقصى المدينة يسعى وظاهر ذلك يقتضى أن دخوله الجنة واقع وانها ليست جنة الخلد ولا يمتنع في بعض من يحبه الله تعالى أن يدخله بعض جنان السماء كما ذكرناه في الانبياء والشهداء فلا يصح أن يجعل حجة في أن جنة الخلد مخلوقة ويدل ذلك على سرور المرء بوقوف قومه على عظم منزلته واجتماعه معهم لا يكاد يعدله غيره من السرور.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) أليس يدل ذلك على أنه تعالى جعل ما عملته أيديهم كما جعل الجنات وذلك يدل على ان أفعال العباد مخلوقة لله تعالى؟

وجوابنا ان قوله( وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) يرجع إلى قوله( لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ) فكأنه قال ليأكلوا من ثمره وليأكلوا ما عملته أيديهم بالمكاسب وغيرها فبين أنه جل وعز خلق لهم النعيم ومكنهم أيضا من اكتساب النعيم فيبطل ما قالوه وقوله تعالى من بعد( وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ) أحد ما يدل على وجوب النظر في الآيات وفساد التقليد.

٣٤٨

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ ) ما معنى ذلك وهل يصح وقوعه من عاقل؟

وجوابنا أن الجاحد لربه والمنكر للقول بان هذه النعم من جهة فاعل حكيم قد يجوز أن يقول لمن يعتقد ربه وان النعم من قبله هذا القول لظنه انه كالشبهة فيما ذهب اليه القول إذا كان الاطعام والارزاق من قبله تعالى فما الفائدة في ان يحوج العبد إلى غيره

وهلا كفاه بنفسه فعلى هذا الوجه يقع مثل هذا الكلام من العاقل ولو علموا ان الاحسان من الله على العبيد لا بد ان يكون بحسب المصالح وأنه قد يجعل حاجته إلى غيره ويحمله الكلفة في ذلك لكي ينتفع فكون له مصلحة في الطاعة التي يلتمس بها الثواب وازالة العقاب لعلموا أن ذلك هو الحكمة والصواب وقوله تعالى( ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ) أحد البواعث على المبادرة إلى الطاعات والى الثواب من حيث لا يأمن المرء الاحترام في كل وقت ولذلك قال تعالى( فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ) وقوله تعالى من بعد( فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يدل على ان العبد يفعل ويستحق على فعله الثواب أو العقاب وأنه لا يجوز أن يؤاخذ بعمل غيره وأنه لا يجوز منه تعالى أن يعذب الاطفال بذنوب الآباء وقوله تعالى من بعد( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) المراد به القبول من الشيطان على ما تأولنا عليه قوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) قال صلّى الله عليه وسلم لـما أحلوا وحرموا بقولهم وصفهم بذلك وقوله تعالى من بعد( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً ) يدل على ان الاضلال في الدين لا يكون من قبله تعالى كما يقوله القوم والا كانت الاضافة إلى الشيطان لا وجه لها وقوله من بعد( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) احد

٣٤٩

ما إذا تصوره المرء يكون زاجرا له عن المعاصي لئلا تشهد عليه جوارحه بها يوم القيامة فتكون الفضيحة الكبرى وقد بينا من قبل ان هذا الكلام يفعله تعالى فيصير بصورة أن يكون الكلام كلام اليد والرجل وأن هذا أقرب من قول من يقول هو كلامهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ) كيف يصح ذلك والمعلوم من حال كثير ممن يعمر انه لا ينكس في الخلق؟ وجوابنا أنّه لا بد من تقدير شرط في الكلام فان التعمير هو تطويل العمر واطالة العمر قد تختلف فاذا بلغ حدا مخصوصا فلا بد من ان ينكسه في الخلق فتغير أحواله فيجب أن يكون هذا هو المراد.

[ مسألة ] وربما تعلقوا بقوله تعالى( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ ) كيف يصح ذلك وهو صلّى الله عليه وسلم أفصح العرب؟ وجوابنا أنّ المراد أن ما علمناه إنشاء الشعر فيكون حاله كحال من اتسع في معرفة اللغة فما هو منهم ولا يجوز حمله على أنه لم يكن يعرف أوزان الشعر أو لم يكن يحفظ الشعر فإنه كان يحفظه ولا ينطق به فإذا صار ذلك عادة له معروفة أبعد من التهمة فيما جعله الله معجزة له ولذلك قال تعالى( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً ) أليس ذلك يدل على أن لله تعالى يدين؟ وجوابنا أنّ دل فيجب أن يدل على أيدي ولا يقول بذلك أحد وإذا وجب أن يتأول ذلك فكذلك سائر الآيات وذكر تعالى الأيدي على طريق توكيد اضافة العمل إليه كما قال تعالى( بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) وكما يقال في كلام وقع من المرء هذا ما عملت يداك وإنّما تذكر اليد من حيث أنها

٣٥٠

أقوى آلات الافعال وختم جل وعز السورة بالرد على من انكر الاعادة والذي أورده من أقوى ما يورد في ذلك وهو انه إذا ابتدأ الحي وصح منه ذلك وهو عالم لذاته صح أن يعيده إذا أفناه لان حال المعاد في صحة وجوده لا تغير حال القديم تعالى في صحة إيجاد ما يقدر عليه.

٣٥١
٣٥٢

سورة الصافات

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ ) كيف يصح ذلك والكواكب لا اتصال لها بسماء الدنيا لأنها جارية في أفلاكها؟ وجوابنا أنها في المنظر كذلك فصحّ أن يصفها تعالى بهذا الوصف وكل ما علا يوصف بأنه سماء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) وأنه قد قرئ بالضم وذلك يوجب جواز التعجب على الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد قل يا محمد بل عجبت ويسخرون فيكون فيه هذا الحذف ويحتمل أن يكون المراد استكثاره تعالى لذلك الامر فأجرى هذا اللفظ عليه مجازا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ) كيف يصح ذلك على الأنبياء وعندكم ان أحكام النجوم باطلة؟ وجوابنا أنّه ليس في الظاهر أنه أراد أحكام النجوم فيحتمل أنه نظر في نفس النجوم ويحتمل أنه أراه نجوما كان تعالى قد جعلها علامة له فيما يريد معرفته أو كانت علامة لهم فيما كانوا ينظرون فيه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله جل وعز( إِنِّي سَقِيمٌ ) كيف يصح على الانبياء الكذب؟ وجوابنا أنّه يجوز في حال ما قال هذا القول أنه أصابه ببعض العلل فقال ذلك ويحتمل أنه يريد سأسقم كقوله تعالى( إِنَّكَ مَيِّتٌ ) أي ستموت وكقوله( إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) .

تنزيه القرآن (٢٣)

٣٥٣

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ) أليس في ذلك تصريح بخلق أعمال العباد؟

وجوابنا ان المراد والله خلقكم وما تعملون من الأصنام فالاصنام من خلق الله وإنّما عملهم نحتها وتسويتها ولم يكن الكلام في ذلك فانه صلّى الله عليه وسلم أنكر عبادتهم فقال أتعبدون ما تنحتون وذلك الذي تنحتون، الله خلقه ولا يصح لـما أورده عليهم معنى إلا على هذا الوجه وذلك في اللغة ظاهر لأنه يقال في النّجّار عمل السرير وان كان عمله قد تقضى وعمل الباب ونظير ذلك قوله تعالى في عصا موسى( فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ ) المراد ما وقع أفكهم فيه فعلى هذا الوجه نتأول هذه الآية ومعنى قوله من بعد( وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى ) وقوله من بعد( فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ) وقوله من بعد( وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) سؤالات منها ما رآه في المنام كيف يلزمه والانبياء إنما تعمل على الوحي ومنها أنه كان يجعل ذلك كالأمر وكيف يصح أن يأمره بذبحه ثمّ يزول ذلك وهل هذا إلا كالبداء ومنها أنه كان الفداء بذبح فكيف يصح من غير جنس ما جعل فدية له؟ وجوابنا أنّ رؤيا إبراهيم في المنام يجب أن تكون قد تقررت بما يعلم به أن ذلك بالوحي ولولاه لـما قال( فَانْظُرْ ما ذا تَرى ) ولما أخذ في ذبحه فإنه إن يفعل فقد مات الذبيح مع شدة إشفاقه على ولده ولذلك قال ولده( افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ) فلولا علمهما أن هذا أمر من الله لم يصح فأما هذا عندنا فهو أمر بمقدمات الذبح وعظم ذلك عليه لظنه أنه سيؤمر باتمام الذبح لأن العادة جارية بأن الإضجاع وأخذ الآلة لا غرض فيه إلا الذبح فعلى هذا الوجه فعل ما أمر وما ظنه لم يؤمر به فلا يؤدي إلى البداء

٣٥٤

وقد قيل أنه فعل الذبح لكنه عز وجل كان صرفه عن موضع الذبح وكان تعالى يلهمه فعل ما يفعله الذابح وبقي الذبيح حيا لـما فعله الله تعالى وقيل غير ذلك فأما الذبح الذي أمره الله بان يفدي به فذلك صحيح وإن لم يؤمر بالذبح ويكون فداء عما لو أمر به لفعله ولا يجب في الفداء أن يكون من جنس ما يجعل فداء منه ولذلك يصح في الشاة أن يكون ذبحها فداء عن حلق الشعر في المحرم إلى غير ذلك وقوله عز وجل من بعده( وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ) بعد ذكر الامر بالذبح يدل على ان الذبيح هو إسماعيل على ما روي عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال أنا ابن الذبيحين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ) كيف يصح ذلك ولا احد يجعل بين الله وبين الجنة نسبا؟ وجوابنا أنّه يحتمل ان يريد الملائكة وقد تقدم ذكرهم لانهم لا يرون كالجن وقد كانوا يقولون في الملائكة انها بنات الله. تعالى الله عن ذلك ويحتمل أنهم عبدوا الجن كما عبدوا الله بأن اطاعوهم ويبين ذلك قوله( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) أي في العقاب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ) كيف يصح ذلك ومنهم من غلب وقتل؟ وجوابنا أنّ النصرة ربما تعتبر فيها العاقبة فمن عاقبته محمودة فهو منصور على من غلبه وعاقبته ذميمة فالنصرة أبدا تكون للمطيعين خصوصا ولهم نصرة بالحجة والادلة وغيرهما.

[ مسألة ] وربما قيل فيما تقدم من قصة يونس صلّى الله عليه وسلم( وَأَرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ أَلْفٍ أو يَزِيدُونَ ) كيف يصح ذلك وظاهره الشك في هذا العدد وفي الزيادة؟ وجوابنا أنّ المراد به ويزيدون أو بل يزيدون على ما روى عن المفسرين وقد يجوز أن يزيد في منظر عيون من يشاهدهم من دونه ما الله تعالى يعلم عددهم مفصلا.

٣٥٥
٣٥٦

سورة ص

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ ) إن في هذه الآيات مطاعن منها تسورهم عليه وهم خصمان كيف يصح ومنها انه جمع بقوله تسوروا وثنّى بقوله خصمان وبقوله( إِنَّ هذا أَخِي ) وبقوله( لَقَدْ ظَلَمَكَ ) ومنها ان في الخبر ان ذلك ورد في قصة اوريا ورغبة داود في امرأة أوريا وانه7 عرضه للقتل رغبة فيها إلى غير ذلك مما يذكره الجهّال. وجوابنا أنّ الصحيح إن كانت تلك المرأة التي رغب فيها قد صارت أيّما بلا زوج فخطبها وكان من قبل ذلك خطبها غيره فسكنت اليه ولم يفتش عن ذلك فصار ذلك ذنبا صغيرا وعلى هذا الوجه نهى صلّى الله عليه وسلم ان يخطب المرء على خطبة اخيه ويدل على ذلك قوله( وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ) فنبه بذلك على ما ذكرناه والذي يرويه من لا معرفة له بأحوال الانبياء صلّى الله عليهم وسلم لا معتبر به فالله تعالى لا يبعث إلا من هو منزّه عن هذه المعاصي حتّى انهم لا يقدمون لا على كبيرة ولا على صغيرة يعرفونها قبيحة وإنّما عاتبه الله تعالى ونبهه من حيث صار غافلا عن خطبة متقدمة كان يمكنه أن يفتش عنها فلا يقدم على الخطبة بعد تلك الخطبة. فأما التّسوّر فإنه غير قبيح من الملائكة في زمن الانبياء ليكون ما يؤدونه أقرب إلى التحريك والتنبيه وأما التثنية والجمع فيجوز في اللغة في هذا المكان فان قوله خصمان يدل على اثنين وقد يذكر ذلك ويراد أكثر بأن

٣٥٧

يكون مع المتداعيين غيرهما وإنّما وصفا بذلك من حيث تصورا بصورة الخصمين كيما ينبها داود7 . فان قيل كيف قال( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ ) ولم يعلم صحة ما ادّعى. وجوابنا أنّه لا بد من أن يكون في الكلام حذف فكأنه قال إن كنت صادقا فقد ظلمك وإلا فالمعلوم أنه لا ظالم هناك وقوله تعالى( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ ) يدل على ان ذنب داود ليس إلا ما قلناه من أنه رغب في ضم هذه المخطوبة إلى نسائه على الوجه الذي ذكرناه وقوله تعالى( فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ) من بعد يدل على ان الذي فعله كان في تلك الشريعة محرما ولو لا ذلك لجوزناه حلالا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) ان ذلك يدل على ان تصرفه من خلق الله. وجوابنا أنّه إنما يدل على فوض إليه هذه الأمور فأما ما يأتيه من تصرفه فهو فعله ولذلك صار مؤاخذا بذلك الصغير الذي فعله على غفلة ولذلك صح قوله( فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى ) لانه إن كان ما يحكم به من خلق الله فكيف يضاف ذلك إلى الهوى وكيف يقول تعالى( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ) كيف يصح ان يعزل عن النبوة ويصير على كرسيه بعض الشياطين على ما يروى في ذلك؟ وجوابنا أنّ الذي يروى في ذلك كذب عظيم والصحيح ما روي من أنه تفكر في كثرة نسائه ومماليكه فقال وقد آتاه الله من القوة إني لأطؤهن في ليلة واحدة فيحملن ويحصل لي من الاولاد العدد الكثير ففعل ولم تحبل الا واحدة وألقت جسدا غير كامل الخلقة فحمل ذلك الجسد إلى كرسيه فنبهه عنده على ان الذي فعله من التمني كالذنب وانه قد كان من حقه ان ينقطع إلى الله تعالى فيما يرزق

٣٥٨

من الأولاد قلّ أو كثر فأناب عند ذلك وتاب مما كان منه فأما أن يعزل ويؤخذ خاتم ملكه ويصير إلى بعض الشياطين ويطأ ذلك الشيطان نساءه فذلك مما لا يجوز على الأنبياء وقد رفع الله قدرهم عن ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) كيف يصح من الانبياء أن يسألوا ذلك مع دلالته على الرغبة في الدنيا وعلى ما يجري مجرى المنافرة والحسد؟ وجوابنا أنّه لا يمتنع وهو نبي ان يرغب إلى الله عز وجل فيما يظهر به فضله وكرامته عند الله وليس في ذلك ما يشبه الحسد المذموم لانه انما يكون حاسدا إذا أراد انتقال نعيم غيره اليه. فأما إذا أراد لنفسه أعظم المنازل من الله تعالى ابتدا مع إرادته بقاء سائر النعم على أهلها فلا وجه ينكر في ذلك ولذلك قال تعالى( فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ ) إلى سائر ما ذكر مما يدل على انه أجابه وأظهر فضله بهذه الأمور التي اختص بها ثمّ ذكر تعالى من بعد قصة أيوب صلّى الله عليه وسلم وانه سأل الله عز وجل كشف الضر عنه فأجابه الله إلى ذلك وزاده فالذي يرويه الجهال في قصته من كيفية البلاء إلى غير ذلك لا يصح والذي يصح انه تعالى انزل به الأمراض والعلل والفقر والحاجة لـما علم من المصلحة ثمّ أزال ذلك عنه بالنعم التي أفاضها عليه على ما نطق به الكتاب فأما قوله تعالى في قصة ايوب صلّى الله عليه وسلم( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ ) يدل على أنه يحسن الاحتيال في التخلص من الايمان وغيرها وقد ذكر ذلك الفقهاء في كتبهم.

٣٥٩
٣٦٠