تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75266
تحميل: 3630

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75266 / تحميل: 3630
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سورة الزمر

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ) أليس قد نفى أنه يهدي الكافر وأنتم تقولون قد هداه كما هدى المؤمن؟ وجوابنا أنّ المراد لا يهديه إلى الثواب في الآخرة وقد تقدم ذكر ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) أليس ظاهر ذلك أنه خلق زوجها بعد أن خلقنا فكيف يصح ذلك؟ وجوابنا أنّ ثمّ قد تدخل في خبر مستأنف فلا يوجب الترتيب في نفس المخبر عنه كقوله الرجل لغيره قد عجبت مما فعلت اليوم ثمّ ما صنعته أمس أعجب وقوله من بعد( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ ) المراد به من كل جنس زوجين ذكرا وأنثى فهي وإن كانت أربعة أجناس إذا قدر فيها ما ذكرنا صارت ثمانية وقوله تعالى من بعد( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ) يدل على أنه إنما يكلفنا لمنافعنا وحاجتنا ويدل على انه تعالى لا يريد المعاصي لان الرضا يرجع في المعنى إلى الارادة فلو كان مريدا للكفر كما قاله القوم لوجب إذا وقع ان يكون راضيا به لأن المريد لا يصح أن يريد من غيره أمرا فيقع ذلك الامر على ما أراده إلا ويجب أن يكون راضيا به وقوله تعالى من قبل( لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ ) ذكره تعالى لا على وجه أن ذلك مما يصح ان يراد لكن على وجه الاحالة بين به ان القادر على

٣٦١

أن يخلق ما يشاء لا يجوز أن يتخذ ولدا فعلى هذا الوجه ذكر ذلك وقوله تعالى( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ) ربما سألوا فيه وقالوا كيف أنزلها؟

وجوابنا أنه تعالى خلقها في السماء ثمّ انزلها إلى الأرض كما خلق آدم في السماء ثمّ اهبطه إلى الأرض.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ ) والمعلوم انه خلق واحد. وجوابنا أنّ المراد خلق ما تتغير به النطفة فتكون علقة إلى ان يستقر الخلق التام فهذا هو المراد وقوله تعالى( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) يدل على ان احدا لا يؤخذ بذنب غيره فيبطل بذلك قولهم ان الطفل يعذب بكفر ابيه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أوّل الْمُسْلِمِينَ ) كيف يصح ان يكون أوّل المسلمين وقد تقدمه من المسلمين ما لا يحصى عدده؟ وجوابنا أنّ المراد وأمرت أن اكون أوّل المسلمين من قومي وذلك معقول من الكلام وفي قوله تعالى( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً ) دلالة على ان الاعمال لا يستحق بها الثواب الا على هذا الوجه وقوله( قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) يدل على ان النبوة لا تمنع من هذا الخوف فكيف يمنع منه ان يكون المرء من أولاد الانبياء كما يقوله بعض العامة من الامامية حتّى يزعمون أنّ من ولد من فاطمة3 قد حرّم الله تعالى النار عليه وقوله تعالى من بعد( فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ) هو على وجه الزجر والتهديد لا انه أمر في الحقيقة وقوله تعالى من بعد( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) يدل على ان الوعيد الوارد عن الله تعالى واجب لا يجوز خلافه واذا لم يجز أن ينقذ الرسول من النار فكيف يصح ما يقوله القوم من انه صلّى الله عليه وسلم بشفاعته يخرج الكثير من أهل النار؟

٣٦٢

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) انه يدل على أن الاسلام من قبله تعالى. وجوابنا أنّ شرح الصدر بالاسلام غير الاسلام فلا يدل على ما قالوه وإنّما المراد بذلك أنه تعالى يورد عليه من الطاقة ما يدعوه إلى الثبات على الاسلام كما ذكرنا في قوله( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) وقوله( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ) وهو القرآن فيدل على انه محدث من حيث أنزله ومن حيث سماه حديثا ومن حيث وصفه بانه متشابه وما هو قديم لا يصح ذلك فيه وقوله( تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) يدل أيضا على حدوثه وقوله( ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ ) يدل أيضا على ذلك وقوله( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) المراد من يضلل الله عن طريق الجنة إلى النار كما قدمناه من قبل وقوله( قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) يدل على حدوثه وعلى انه حدث بعد لغة العرب ليصح أن يوصف بانه عربي وقوله( وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ) لا يدل على ما قالوه لان المراد ومن يضلل عن طريق الجنة إلى النار فما له من هاد اليها ومن يهده إلى الجنة فما له مضل على ما تقدم ذكره وقوله من بعد( فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) يدل على ما قدمنا ذكره من ان الاهتداء يضاف إلى الله تعالى دون الضلال وان كانا جميعا من فعل العبد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) انه يدل على أنه لا مؤمن الا ويغفر له الله تعالى وان ارتكب الكبائر. وجوابنا أنّ المراد انه يغفر ذلك بالتوبة بدلالة قوله( وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ) والآية في الكفار وردت فلا شبهة في أنهم من أهل النار ويدل على ذلك قوله( وَأَسْلِمُوا لَهُ )

٣٦٣

وقوله من بعد( بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ) وقوله تعالى من بعد( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) مما روى فيه عن الحسن البصري; أنه قال ما ورد ذلك الا فيمن كذب على الله بان أضاف الكفر اليه وزعم أن خلقه وأراده وكذلك سائر المعاصي وقوله من بعد( وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) يدل على أن المتقين في الآخرة لا ينالهم من أهوالها كما يظنه بعض من خالفنا في ذلك وقوله من بعد( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) قد تقدم معنى الاضافة وأن المراد به الأجسام التي قدرها الله تعالى إلى سائر ما يتصل بها دون أفعال العباد وإذا كان الله تعالى تمدّح بانه خالق كل شيء فكيف يدخل فيه الكفر والكذب والفواحش مع أن خلق ذلك إلى الذم أقرب وقوله تعالى( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ ) أحد ما يدل على قولنا لأنه تعالى لو كان خالقنا للكفر فيهم لكانت الحجة لهم بأن يقولوا وما ذا ينفع مجيء الرسل الينا مع ان الله تعالى خلق الكفر فينا وأراده وقضاه وقدره.

٣٦٤

سورة غافر

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) كيف يصح ذلك وقد يجادل فيها المؤمنون؟ وجوابنا أنّ المراد المجادلة الباطلة في آيات الله ولذلك ذمهم بذلك فهو كقوله( وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) كيف يصح مع عظم العرش وانه لا خلق أعظم منه أن يكونوا حاملين له ولئن جاز ذلك فما الذي يمكن في نفس الأرض ان تحمله الملائكة؟ وجوابنا أنّ العرش في السماء في أنه مكان لعبادة الملائكة كالبيت الحرام في الأرض ولذلك قال تعالى( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) حواليه ولا يمتنع مع ذلك أن يكونوا حاملين له إذا كان الله تعالى قد عظم خلقتهم وقواهم على ذلك. إما في كل حال وإما في بعض الأحوال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ ) أن ذلك يدل على ان السيئات ليست من فعلهم. وجوابنا أنّ هذه المسألة من الملائكة لاهل الآخرة فالمراد بذلك ان يقيهم جزاء السيئات وهو العقاب والا فنفس السيئات من فعلهم في دار الدنيا وليست الآخرة مما يقع تكليف فتقع هذه المسألة من الملائكة للمؤمنين ولذلك قال تعالى بعده( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إلى الْإِيمانِ

٣٦٥

فَتَكْفُرُونَ قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) ولو لم يصح عذاب القبر لكانت الاماتة مرة واحدة وقولهم( فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا ) يدل على ان الذنوب من قبلهم ولو كانت من خلق الله تعالى فيهم لكانوا بدلا من اعترافهم يقولون ما ذنبنا إذا خلقت فينا ولم يمكننا أن ننفك منه وقوله تعالى من بعد( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ) فالمراد به ما يرفعه من درجات غيره فليس للشبهة بذلك تعلق.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) كيف يصح ان يقول ذلك وقد أفنى الخلق على ما يروى في الأخبار ولا يكون فيه فائدة وان كان يقوله تعالى وقد أعاد الخلق فما الفائدة فيه وقد عرفوا في الآخرة أن الملك لله الواحد القهار؟ وجوابنا أنّه تعالى يقوله وقد أعاد منبها بذلك على انه لا حكم في الآخرة الا له ولا ملك الا له وان الآخرة مخالفة للدنيا فانها وان كان الملك فيها لله لكنه قد فوّض إلى الغير النظر في ذلك وما يرى من أنه تعالى يقوله ولا أحد ولا يصح بل القرآن يشهد بخلافه وهو قوله تعالى( لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ ) ثمّ قال تعالى( لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) فانما يقول ذلك في ذلك اليوم ولذلك قال تعالى بعده( الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) والمعروف للمكلفين من أهل الثواب والعقاب أن الواقع بهم هو المستحق وأنه لا ظلم هناك وأنه بخلاف أيام الدنيا التي يجري فيها الظلم وغيره وقوله تعالى( لا ظُلْمَ الْيَوْمَ ) يدل على أن العبد هو الذي يفعل المعصية ولو كان تعالى يخلقها فيه ثمّ يعذبه أبد الآبدين لكان ذلك ظلما ويدل أيضا على ان أطفال المشركين لا يعذبون لانهم لو عذبوا ولا ذنب لهم لكان العقاب من أعظم الظلم وقوله تعالى( فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) يدل على أنه تعالى ليس بجسم وإلا كان يجب في محاسبة الخلق أن تطول كما يطول ذلك منا فإنما يكون سريع الحساب

٣٦٦

بأن يفعل المحاسبة في أجسام وأن يكون الكل في حال واحد وقوله تعالى( وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ) ثمّ قال تعالى من بعد( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ ) يدل على أن الشفاعة لا تكون الا للمؤمنين فتزيدهم منزلة على وجه التفضل ولو كانت الشفاعة لاهل الكبائر المصرّين لم يصح هذا الظاهر وقوله تعالى من بعد( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ ) يدل على أن الذي لأجله حسن منه أن يعاقبهم أن الرسل جاءتهم بالبينات ومع ذلك اختاروا الكفر ولو كان تعالى خلق ذلك فيهم لكان مجيء مرسل اليهم وأن لا يجيئوا اليهم سواء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) كيف يصح ان يكون كاتما لإيمانه مع أنه حكى عنه( وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ ) ثمّ قال( وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ ) ولو كان مظهرا لإيمانه لم يزد على ذلك. وجوابنا أنّه يحتمل في الأوّل أن يكون كاتما لإيمانه ثمّ من بعد لـما جربهم وسلم منهم أظهره وذلك لا يستحيل ويحتمل ان يكون معرضا بتلك اللغة وحكى الله عنه على حسب مراده فيكون بالعربية تصريحا وان كان بتلك اللغة تعريضا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ ) كيف يصح ذلك منهم مع علمهم بأنه لا يخفف البتة؟ وجوابنا أنّ مثل ذلك لا يقع من الممتحن على وجه الاستعانة بالغير والاسترواح إلى هذا القول وان علم ان ذلك لا يتم. وقد قيل ان ذلك يحسن في الآخرة لقوله تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها ) .

٣٦٧

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) كيف يصح ذلك وإنّما كان هذا القتل في حال ولادة موسى لا في هذه الحال؟ وجوابنا أنّه في تلك الحال كان يأمر بقتل الاولاد لـمّا ظهر في الاخبار أنه سيكون هناك من يغلبه من الانبياء وفي هذه الحال أمر أيضا بهذا القتل لئلا يكثر أتباع موسى فهما حالان مختلفان فأما قوله تعالى من بعد( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ ) وقوله تعالى( فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ) يدل على أن الايمان فعل للعبد وأنه إذا فعله طوعا ينتفع به واذا فعله على وجه الالجاء لا ينتفع به ولو كان خلقا لله لم يصح ذلك.

٣٦٨

سورة فصلت

بسم الله الرحمن الرحيم

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ ) كيف يصح ذلك مع التكليف؟ وجوابنا أنّ ذلك حكاية تشددهم في الامتناع من القبول لا انهم بهذا الوصف ولذلك ذمهم وزجرهم بقوله تعالى( فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ ) وقوله تعالى من بعد( كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً ) يدل على أن القرآن محدث من جهات وقوله تعالى( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) يدل على ان كفرهم لا يمنع من وجوب الصلاة والزكاة عليهم وإن كان فعلهم إنما يصح بأن يقدموا الايمان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) ثمّ قال( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) فتلك ستة ثمّ قال( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) فصارت ثمانية كيف يصح ذلك مع قوله تعالى في غير موضع( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) وتلك مناقضة ظاهرة؟ وجوابنا أنّ قوله( وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها

تنزيه القرآن (٢٤)

٣٦٩

وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) المراد به مع اليومين المتقدمين فلا يكون ذلك مخالفا للآيات الأخر وقد يقول المرء لولده أليس علمتك القرآن في سنة وفقّهتك في الدّين في سنتين يعني مع التي تقدمت فأما قوله تعالى من بعد( ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ) فالمراد به قصد خلق السماء فالاستواء في الحقيقة لا يصح على الله تعالى وقوله تعالى( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أو كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) فالمراد أنه أراد منهما الانقياد لـما يريده فاستجابا وذلك كقوله تعالى( إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) والمراد أن تكون وقد يقول القائل أردت كذا وكذا فقالت نفسي لا تفعل وقد يقال أتت السحاب فأمطرت قال الشاعر : امتلأ الحوض وقال قطني. وذلك كقوله تعالى( جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) وكل ذلك ظاهر في اللغة وإنّما يلتبس على من يقل تأمله وقوله تعالى( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) يدل على انه تعالى قد هداهم بأن دلهم وبين لهم وأنهم لـما لم يقبلوا لم يهتدوا فالاهتداء فعلهم والهدى من قبل الله تعالى لا كما يقول من خالفنا في ذلك وزعم ان الهدى هو الايمان وقوله تعالى( شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ ) فالمراد به الردع عن المعاصي لأنه إذا فعلها بهذه الجوارح شهدت عليه في الآخرة وقد ذكرنا من قبل أن هذه الشهادة من فعل الله تعالى فيها وقوله تعالى( قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) فالمراد به ما ذكرنا من أنه فعل فيها ما صورته صورة الشهادة وقوله تعالى( وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ) فالمراد به ما كنتم تظنون ذلك ولذلك قال تعالى( وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) وقوله تعالى من بعد( وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ ) فالمراد به التخلية فلما لم يمنعهم من ذلك جاز أن ينسبه إلى نفسه وذلك كقوله تعالى( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا )

٣٧٠

وكقول القائل لغيره قد أرسلت كلبك على الناس إذا لم يطرده عن بابه وقوله تعالى من بعد( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) يدل على أنه لا بد مع التوحيد من الاستقامة في الأفعال والأحوال حتّى يصير المرء من أهل الثواب وقوله تعالى من بعد( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إلى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً ) يدل على أن من أعظم الأعمال الدعاء ويدل على أنه إذا لم يقترن به العمل الصالح لم ينتفع به. فان قيل فقد قال( وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وانتم تمنعون ذلك؟ وجوابنا أنّ المراد من المنقادين للحق وذلك أوجب عندنا وقوله من بعد( وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ) يدل على أنه تعالى فعله فجعله عربيا وكان يجوز أن تجعله أعجميا.

٣٧١
٣٧٢

سورة الشورى

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) كيف يصح ذلك مع قوله تعالى( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) ؟ وجوابنا أنّ المراد ويستغفرون لاهل الارض الذين هم المؤمنون لا لأهل السماء لأن أهل الأرض هم المحتاجون إلى الاستغفار ويحتمل أن يكون المراد ويستغفرون لأهل الأرض لإزالة عذاب الاستئصال عنهم والأول أقوى لأن إحدى الآيتين يجب أن تبنى على الاخرى كما يبنى المجمل على المفسر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ) وهو يوم القيامة كيف يصح ان ينذر يوم القيامة والتكليف منقطع؟ وجوابنا أنّ المراد ينذرهم ما يلقون يوم الجمع وهم يخافون فحال الانذار هو حال التكليف ولذلك قال تعالى( لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) فبين وجه التخويف في ذلك وقوله تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً ) المراد ان يلجئهم إلى الايمان لكنه لم يشأ الا على وجه الاختيار تعريضا للمثوبة وقوله تعالى من بعد( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ربما قالوا فيه أن ظاهره يتناقض لانه يقتضى ان لمثله مثلا ولو كان كذلك لـما صح النفي لانه يقتضى الاثبات. وجوابنا أنّ ذلك وإن كان مجازا فهو مؤكد للحقيقة على ما جرت به عادة العرب وهو أوكد من قول القائل ليس مثله شيء وقوله تعالى من بعد( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا

٣٧٣

إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) فالمراد به أنه شرع لكل الانبياء أن يقيموا الدين فيما يتصل بالاعتقاد والتوحيد لان ذلك مما لا يقع بينهم فيه خلاف فأما الشرائع المختلفة فلكل منهم دين وما هو دين أحدهم بمنزلة ما هو دين غيره لأنه دين لهم مضاف اليهم ولذلك قال بعده( وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ) فنبه بذلك على ما ذكرنا وقوله( اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) المراد به ويهدي إلى رضوانه وثوابه من ينيب فلا تعلق للمخالفين بذلك وقوله تعالى( وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) ربما سألوا فيه وقالوا كيف يؤدي علمهم إلى التفرق؟ وجوابنا أنّه تعالى أراد بالعلم البيان وأنهم تفرقوا بعد البيان وبعد قيام الحجة ويحتمل ان يكون المراد تفرقوا بعد العلم على وجه البغي كما ذكره تعالى والمراد المبطلون دون المحقّون.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ) كيف يصح أن لا يكون له عليهم حجة؟ وجوابنا أنّ المراد إنا قد بالغنا في إقامة الحجة حتّى لم تبق باقية فلا حجة بيننا وبينكم وهذا على وجه التوبيخ وإلا فمعلوم من دين الرسول صلّى الله عليه وسلم أنه كان لا يعذر القوم بل له الحجة العظيمة عليهم ولذلك قال بعده( اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) وقال تعالى بعده فيمن يحاج في الله من المبطلين( حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ولا يجوز ذلك الا وحجة المحقين ثابتة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ ) كيف يصح القول بأنه أنزل الميزان وهو أمر يتولى فعله الناس؟ وجوابنا أنّ المراد أنه انزل الكتاب بالحق وانزل التمسك بالميزان في باب المعاملات وقد قيل انه في الابتداء أنزله الله تعالى وعرفهم كيف يتعاملون

٣٧٤

وقد قيل أنّ المراد بالميزان العدل نفسه وقوله تعالى من بعد( وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) أحد ما يرغب في التوبة ويخوف من تركها وذلك لطف عظيم للمكلفين.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله( وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) ومعلوم ان فيمن يريد حرث الدنيا من له نصيب في الآخرة. وجوابنا أنّ المراد من كانت إرادته مقصورة على حرث الدنيا لأن من هذا سبيله لا نصيب له في الآخرة وبين تعالى أنه لا يبخل عليه بما أراده من أمر الدنيا وان كانت هذه حاله وقوله من بعد( تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ ) أحد ما يدل على أن من لم يتب من الظلمة سيعاقب لا محالة. ثمّ ذكر تعالى من بعد رحمته فقال( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ) وقوله تعالى من بعد( وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ) يدل على انه لا يفعل إلا ما يبعث على الطاعة والعبادة فلذلك قال( وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ ) وقوله تعالى من بعد( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) فالمراد به الجزاء على السيئة وذلك مجاز مشهور في اللغة ولذلك قال تعالى بعده( فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ ) والمراد بذلك من عفا عن السيئة ولم يقابل بمثلها ولا كافأ عليها ولذلك قال بعده( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) فبيّن أنه إذا انتصر وقد ظلم فلا سبيل عليه ولو كان ما فعله سيئة لـما صح ذلك ولذلك قال بعده( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) وبعث تعالى على الصبر فقال( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) وقوله تعالى( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ ) المراد من يضلله بالعقوبة وبالصرف عن الثواب فلا ولي له

٣٧٥

لأنه لا ناصر له وهذه حاله ولذلك قال بعده( وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ) فيتمنّون الرجعة لكي يؤمنوا وعند ذلك بين الله عز وجل أن المؤمنين يقولون( إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) إذا عاينوا ما أنزل بهؤلاء الظالمين ولذلك قال بعده( أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ) وقوله تعالى من بعد( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أو مِنْ وَراءِ حِجابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولاً ) أحد ما يذكر في ان الرؤية على الله تعالى لا تجوز وإلا فقد كان أصح انه يكلم البشر على غير هذه الوجوه وربما قالوا في ذلك ما معنى قوله( إِلاَّ وَحْياً ) وهل معناه غير ما ذكر في قوله( أو يُرْسِلَ رَسُولاً ) وما معنى( أو مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) والحجاب على الله تعالى لا يجوز. وجوابنا عن الأوّل أن المراد على وجه الخاطر والالهام وقد يوصف ذلك بأنه وحي من الله. وعن الثاني بأن الحجاب في نفس الكلام يصح وان كان على الله تعالى لا يصح وقوله تعالى من بعد( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ) أحد ما يدل على انه من قبل النبوة لم يكن مكلفا بشريعة ابراهيم ولا غيره ولا كان يعرف الايمان وقوله تعالى من بعد( يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) المراد به من يكلفهم دون غيرهم فلا يدل على انه تعالى هدى بعض المكلفين دون بعض ولذلك قال بعده( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ومعلوم أنه هدى كل المكلفين.

٣٧٦

سورة الزخرف

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا ) كيف يصح في القرآن ذلك وإنّما أنزله على الرسول صلّى الله عليه وسلم؟ وجوابنا أنّ المراد انه كتبه في اللوح المحفوظ على الوجه الذي تعرفه الملائكة ثمّ حصل الانزال إلى السماء الدنيا في ليلة مباركة كما ذكره تعالى ثمّ حصل الانزال حالا بعد حال بحسب الحاجة إلى الاحكام والقصص وفي كل ذلك مصلحة فاما في الأوّل فالملائكة يعرفون به ما يدعوهم إلى طاعته ويعرفون به أنه من عالم الغيب لأنه تعالى ذكر عند إثبات القرآن في اللوح المحفوظ ما سيكون من حاله وحال الرسول صلّى الله عليه وسلم من المصالح المعروفة فلا تناقض في ذلك وقوله تعالى من قبل( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) أحد ما يدل على حدوثه من وجوه وقد بينها من قبل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) كيف يصح ذلك وفي الانبياء من قبلوا منه وعظموه؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك من دخل تحت قوله( وَكَمْ أَرْسَلْنا ) وذلك لا يعم جميع المرسلين ولذلك قال بعده( فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا

٣٧٧

عَلى ظُهُورِهِ ) كيف يصح بعد ذكر الانعام ان يقول على ظهوره ولا يقول على ظهورها؟ وجوابنا أنّ ذلك يرجع إلى لفظة ما فقد يصح ان يفرد ما يرجع اليه كما يصح ان يجمع وهذا كما نقوله في لفظة من أنها تارة يجمع ما يرجع اليها وتارة يوحد وفي قوله( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ) دلالة على ما يلزم العبد من الشكر عند كل نعمة دقت أو جلت ثمّ قبح تعالى ما قاله بعض العرب من أن الملائكة بنات الله تعالى وبيّن أن ضربهم المثل لله تعالى بما يعدونه نقصا من عجائب كفرهم فقال( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) وبين بقوله( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ ) ان كل قول لا علم معه بصحته يصير وبالا وقوله من بعد( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ) يدل على انه تعالى لا يشاء عبادة غيره ولو لا ذلك لـما قال( ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) وقبح التقليد بقوله( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) ثمّ قال( وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) وقال بعد ذلك( قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ ) وهذا هو الذي يبطل التقليد ويعلم أن الواجب اتباع الهدى والدلالة وقوله تعالى من بعد( وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ ) أحد ما يدل على أنه تعالى لا يخلق الكفر ولا يدعو إليه لأنه إن كان هو الخالق له فلا فائدة في هذا وإنّما يكون له فائدة إذا كان الكلام مع المختار للكفر فعند هذا الضرب من النعم يختار ما لولاها كان لا يختاره ثمّ بين تعالى أن كل ذلك متاع الدنيا وأن الآخرة عند الله للمتقين والاتقاء معناه أن لا يتخذوا زخرفا في الدنيا من المعصية فيترك المعصية ويتقي النار وذلك لا يصح الا وهم المختارون لذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ

٣٧٨

الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) كيف يصح ان يكون تعالى يمنع من اتباع الشيطان ويقيضه للعبد؟ وجوابنا أنّ المراد من يعش عن ذكر الرحمن في الدنيا نقيض له شيطانا في الآخرة فيصير قرينه كما ذكره الله تعالى في غير موضع ولو لا هذا التأويل لحملناه على معنى التخلية كما تأولنا عليه قوله تعالى( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) ولذلك قال بعد( حَتَّى إذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) ولذلك قال بعده( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ ) وكل ذلك يبين صحة ما تأولنا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) ما فائدة هذا الكلام وكيف ينتفعون بالاشتراك في العقاب؟ وجوابنا أنّ المراد أن كل ممتحن في دار الدنيا إذا انفرد بالمحنة تكون محنته أثقل وأعظم وأغلظ منها إذا كان له شركاء فيها فبين الله تعالى أن هذا القدر من الروح والخفة لا يحصل في الآخرة لأهل العذاب إذا اشتركوا فيه وقوله تعالى من بعد( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أو تَهْدِي الْعُمْيَ ) أحد ما يدل على أنه تعالى يذكر مثل هذا الوصف فيمن يمتنع من الإصغاء والقبول على ما تأولناه من قبل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ) كيف يصح أن يصفوه بأنه ساحر ويسألوه أن يدعو ربه وذلك متناقض؟ وجوابنا أنّ المراد أنهم قالوا بحسب اعتقادهم وقالوا إن لم تكن كذلك على ما نعتقده فادع لنا ربك وقد قيل إن هذه اللفظة تستعمل في اللغة فيمن يعتقد فيه التقدم في معرفة الأمور فعلى هذا الوجه قالوا ومعنى قوله تعالى( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) أغضبونا فالأسف في الحقيقة لا يجوز إلا على من يجوز عليه الحزن والغم وقد قيل أنّ المراد آسفوا رسلنا.

٣٧٩

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) كيف يصح أن يجعل من الناس ملائكة؟ وجوابنا أنّ المراد بقوله( مِنْكُمْ ) ليس ما ذكرته بل المراد ان ينزل الملائكة بحيث يرون في جملتهم فيكونون منهم بين الله تعالى بذلك أن عيسى وأن فارق حاله في كونه لا من أب حالهم فليس ذلك ببعيد عند الله تعالى كما لا يبعد أن يجعل مع الناس ملائكة والله تعالى أنشأهم بلا ولادة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها ) ما المراد بذلك؟ وجوابنا أنّه قد ظهر في الأخبار نزول عيسى7 عند الساعة وأن الله تعالى جعله دلالة للساعة فلذلك قال تعالى( فَلا تَمْتَرُنَّ بِها ) لأن العلم والدلالة تمنعان من المرية وقوله تعالى من بعد( الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ) يدل على أنهم في الآخرة بخلاف ما هم في الدنيا ففي الدنيا يحبّ بعضهم بعضا وفي الآخرة يغلّظ الله قلب بعضهم على بعض ويكون ذلك زائدا في غمومهم وقوله تعالى من بعد( يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ) يدل على ان المتقين لا تلحقهم أهوال الآخرة وتعلق بعضهم في ان الله تعالى يرى لجهله بقوله تعالى( وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) وزعم ان من أعظم لذات العين رؤية الله تعالى وهذا جهل عظيم لأن الواجب ان يثبت أولا أنه يرى ثمّ يقول ذلك كما لو قال قائل إنه داخل تحت قوله تعالى( وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ ) بالمعانقة والملامسة لكان إنما يبطل بأن يقال يجب ان تثبت أولا أنه جسم يصح ذلك عليه ثمّ تقول هذا القول وقوله تعالى من بعد( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) يدل على أن غير الكفار من المجرمين هذا وصفهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) كيف يصح

٣٨٠