تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن7%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90328 / تحميل: 5784
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

سورة الذاريات

[ مسألة ] وربما قالوا كيف أقسم بالذاريات التي هي الرياح وبغيرها؟ وجوابنا أنّه تعالى قد بيّن مراده بقوله تعالى( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) وبقوله تعالى( فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) وبين الرسول حيث قال من كان حالفا فليحلف بالله فيجب إذا أن يكون المراد بكل ذلك ورب الذاريات ورب الطور ورب القرآن وهذا أحد ما يدل على ان القرآن من جملة أفعاله وأن الله تعالى ربه ومعنى رب الذاريات أنه المالك ولا يجوز ان يملك إلا ما يفعله ويقدر عليه فجميع ما أقسم الله تعالى به في أوائل السور يجب أن يحمل على هذا الوجه لكن مع ذلك فيه فائدة وهي تعريف العباد إنعامه بما ذكر كقوله تعالى( وَالْفَجْرِ ) وكقوله( وَالضُّحى ) وكقوله تعالى( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) إلى غير ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل لـما ذا قال تعالى( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) ومعلوم من رزقنا أنه في الارض. وجوابنا أنّ المراد ما هو الاصل لأرزاقنا وهو الماء النازل من السماء ولولاه لـما حصل ما نأكل ونشرب ونلبس إلى غير ذلك وقوله تعالى( فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يدل على ان الايمان

تنزيه القرآن (٢٦)

٤٠١

والاسلام واحد والا كان لا يكون لمن نفى من المسلمين تعلق بمن أخرج من المؤمنين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ ) أليس ذلك يدل على جواز الجوارح على الله تعالى؟ وجوابنا أنّ المراد به القوّة والقدرة ولو لا ذلك لوجب إثبات أيدي كثيرة له تعالى عن ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ) وفي الاشياء ما لا زوج له كالجمادات وغيرها. وجوابنا أنّه لا شيء الا وقد خلق الله تعالى ما يخالفه بعض المخالفة ليدل بذلك على قدرته ولتتكامل به نعمته وهذا كالذّكر والأنثى وكما نعلمه في الثمار والفواكه وكالليل والنهار وكالحجر الصلب والرخو من الاشياء وذلك تنبيه من الله تعالى على عظم قدرته وانعامه فلذلك قال تعالى( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فأما قوله تعالى( فَفِرُّوا إلى اللهِ ) فلا يدل على أنه تعالى في مكان بل المراد الفرار إلى طاعته وعبادته والتخلص من عقابه فلذلك قال تعالى( إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) فأما قوله جل وعز( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) فدلالة على أنه تعالى أراد من جميعهم عبادته وأنه خلقهم لذلك لا كما يقوله المخالف من أنه أراد من المؤمنين الايمان ومن الكافرين الكفر وأنه خلق بعضهم للنار وبعضهم للجنة وقد بينا أن قوله تعالى( وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) لا يعارض ذلك لان المراد ذرأناهم للعبادة لكن مصيرهم إلى جهنم من حيث لم يختاروها فهذه اللام لام العاقبة كقوله عز وجل( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) وقوله من بعد( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) فالمراد به وصفه بالاقتدار على الامور لا أن المراد اثبات قوة له تعالى الله عن الحاجة علوّا كبيرا ولو كان المراد ظاهره لوجب مع قوته أن يوصف بالمتانة التي هي الصلابة وذلك من صفات الاجسام.

٤٠٢

سورة الطور

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا ) أن ذلك يدل على ان لله علينا كما يقوله بعض المشبهة. وجوابنا أنّه إن دل على ذلك دل على عيون وليس أقله بأن يدل أولى من أكثره وليس ذلك قولا لأحد فالمراد به أنك بمرأى منا ومسمع وإنا نعلم تعيين أحوالك وذكرها تعالى ليبعثه على التشدد في الابلاغ والصبر على كل عارض دونه.

[ مسألة ] وربما تعلق بعض المجبرة بقوله تعالى( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) وزعموا أن ذلك يدل على أن الايمان من فعل الله. وجوابنا أنّ المراد من يبلغ من الذرية ويؤمن فبين تعالى أنه لأجل مشاركتهم لهم في الايمان ألحقهم بهم وبين ذلك قوله( وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) والعامل لا يكون الا مكلفا وقوله تعالى من بعد( كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ) يدل على أن احدا لا يؤخذ بكسب غيره فيبطل قول من خالفنا وزعم أن أطفال المشركين يؤخذون بذنب آبائهم.

٤٠٣
٤٠٤

سورة النجم

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) أن ذلك يدل على انه صلّى الله عليه وسلم رأى ربه مرة بعد أخرى. وجوابنا أنّ المراد بذلك جبرائيل٧ لأنه المذكور من قبل بقوله تعالى( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) ثمّ قال بعد ذلك( ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ) فأثبته رائيا له ثمّ قال( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) فأثبته رائيا له ثانيا وأراد رؤيته له على صورته التي هو عليها فقد كان ينزل على غير صورته في سائر الحالات وبين ما قلناه قوله تعالى( ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أو أَدْنى ) وذلك لا يليق إلا بجبرائيل٧ وقوله تعالى من بعد( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) يدل على أنه يغفر إلمام الانسان بصغائر المعاصي إذا اجتنبت الكبائر وقوله تعالى( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ) فيه دلالة على أن أحدا لا يؤخذ بذنب غيره.

[ مسألة ] وربما قالوا ان قوله تعالى( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) يدل على أن أفعالنا مخلوقة لله تعالى. وجوابنا أنّ ذلك إن دل فانما يدل على أنه فعل الضحك والبكاء ولا عموم فيهما فان فعلهما تعالى باثنين ثمّ الظاهر فمن أين أن كل ضحك وبكاء من فعل الله تعالى. فان قيل فما قولكم في الضحك أهو من فعل العبد أو من فعل الله وقد يتعذر على المرء ترك الضحك فكيف يكون من

٤٠٥

فعله. وجوابنا أنّ الضحك هو التفتح المخصوص الذي يظهر في الوجه وذلك يكون من فعل العبد ولا حال يضحك فيها الا ويجوز أن يتركه لأنه لو خوّف من الضحك لتركه فأما الابكاء فهو من فعله تعالى لأنه إنزال ما يدفع صفة الوجه فحقيقته أنه تعالى تعالى هو الذي يبكي العبد وإن كان العبد قد يتسبب في ذلك وقد قيل أنّ المراد بقوله( أَضْحَكَ ) انه أنعم على أهل الثواب بالجنة والثواب( وَأَبْكى ) انه عاقب أهل النار واستدلوا على ذلك بقوله تعالى( ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ) وذلك لا يليق الا بأمر الآخرة فشبه ما ينالهم من النعيم والسرور بالضحك وما ينالهم من العقاب بالبكاء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إذا تُمْنى ) كيف يصح ذلك ونحن نعلم ما لا يخلق من النطفة من الذكر والانثى؟ وجوابنا أنّ جميع ما فعله من الذكر والأنثى أصل الخلقة فيه النطفة وإن كانت ربما تكون بواسطة وربما لا تكون وما يوجد على غير هذا الوجه لا نعلم فيه الذكر من الانثى وقوله عز وجل( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى ) يدل على وجوب الاعادة لاجل الاثابة لان في قوله( وَأَنَّ عَلَيْهِ ) دلالة الوجوب. وقوله تعالى( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ) ظاهره أن بعد عاد عادا ثانيا فيكون هو الأوّل وقد روى ذلك في الاخبار. ومن قال أنه واحد تأول على ما قاله الحسن لانه قال هم الأوّل لنا من حيث كانوا قبلنا ونحن كالآخر لهم.

٤٠٦

سورة القمر

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ولو كان قد انشق القمر على الحقيقة لنقل ذلك نقلا ظاهرا؟ وجوابنا أنّ في العلماء من يقول المراد به وانشق القمر في الساعة لأنه عند السابق ينشق القمر إلى غير ذلك من الشرائط لكن الصحيح ما قاله مشايخنا من أنه في أيام رسول الله صلّى الله عليه وسلم انشق القمر وهو ظاهر القرآن فإذا كان قد انشق بالمدينة أو بمكة وفي سائر الأماكن غيوم تحجب عن رؤية ذلك وكان أهل ذلك البلد في غفلة عنه إلا طبقة مخصوصة فليس من الواجب نقل ذلك بالتواتر بل يجوز ان ينقله الآحاد وقد نقل ابن مسعود وغيره هذا كما نقل رد الشمس في ايام الرسول صلّى الله عليه وسلم فلم يجب في نقله الظهور لأن ذلك ظهر آخر النهار لقوم مخصوصين. وقوله( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ) على وجه الذم يدل على أنّ ذلك قد كان. وقوله من بعد( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) الجواب فيه ما قدمنا من قبل. وما كرره الله من قوله( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) يدل على انه تعالى يكرر هذه الامور لكي يعتبر الناس بها وأنه تعالى أراد من جميعهم الادّكار لا تركه على ما يقوله من خالفنا وقوله تعالى من بعد( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ) لا يدل على ما يقوله مخالفنا وذلك لأنه تعالى قال( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ

٤٠٧

بِقَدَرٍ ) يعني في الآخرة في معاقبة أهل النار لانه تعالى يعاقب كل أحد بقدر استحقاقه ولذلك قال بعده( وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) وذلك لا يليق إلا بالآخرة التي لا يقع فيها من احد مخالفة لله تعالى. وقوله( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) يدل على ان كل ذلك يكتبه الحفظة ثمّ يقع التمييز عند المحاسبة ويحتمل ان يريد ان ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ كما كتب تعالى الآجال والأرزاق.

٤٠٨

سورة الرحمن

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) أن ذلك يدل على أن علمه بالقرآن والبيان من فعل الله تعالى وذلك ممّا لا نخالف فيه وإنّما القول في العلم بالله وتوحيده وعدله وأنه اكتساب من العبد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَوَضَعَ الْمِيزانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ) ان ذلك تكرارا لا معنى له. وجوابنا أنّ وضع الميزان المراد به ما تستقيم به المعاملات من الموازين وقوله تعالى( أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ) المراد به كيفية استعماله في المعاملات فأحد الأمرين مخالف للآخر.

[ مسألة ] وربما قيل إنه تعالى ذكر في أوّل السورة أنّه( خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) فكيف قال من بعد( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) . وجوابنا أنّه بعد ذلك ذكر مع الانس الجن فقال( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) ثمّ عطف على ذلك بقوله تعالى( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) لأنه كلف تعالى في الأرض الانس والجن وإنّما كرّر تعالى في هذه الآيات الكثيرة( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) لأنه ذكر نعمة بعد

٤٠٩

نعمة فاتبعه ذلك وهذا مما يحسن مما يذكر نعمه وأياديه فان قال ففي جملة الآيات ما ليس فيه نعمة كقوله( يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ) إلى غير ذلك. وجوابنا أنّ ذلك من النعم إذا تدبره المرء وخاف منه فصار زاجرا له عن المعاصي.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ ) كيف يصح ذلك وإنّما يخرج من أحد البحرين؟ وجوابنا أنّه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما والمراد من هذا المجموع وقد قيل إنه لا يخرج من البحر الذي ليس بعذب إلا إذا مازجه الماء العذب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ ) كيف يصح ذلك مع أنه تعالى قد ذكر أنه يسألهم أجمعين في غير آية؟ وجوابنا أنّ المراد انهم لا يسألون على وجه التعرف لان ذلك مكتوب معلوم وان كانوا قد يسألون على غير ذلك وقد تقدم كلامنا في مثل هذه الآية.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) كيف يصح ذلك ولا يجوز على الله تعالى الشغل والفراغ؟ وجوابنا أنّ ذلك مما يستعمل في الوعيد لأنه اقوى في الزجر والتهديد فالقائل يقول لمن يخوفه سأفرغ لك إن خالفت فلاجل هذه المبالغة ذكره تعالى وإلاّ فالفراغ لا يصح الا على من يشغله فعل عن فعل من حيث يفعل ولا يصح أن يضيف إلى السكون حركة ولا إلى القيام قعودا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ) كيف يصح وصف البطائن التي هي دون الظهائر التي هي الارفع؟ وجوابنا أنّه بذكر البطائن قد دلّ على الظهائر فإن كانت الظهائر ارفع

٤١٠

فقد دلّ بذلك انها ارفع من الإستبرق وقوله تعالى( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) لا يدل على جواز المكان على الله تعالى لأنه تعالى خوّف بذلك والتخويف لا يكون بالمكان فالمراد ولمن خاف مقامه للمسائلة والمحاسبة فأضاف المقام إليه وإن كان مقاما للعبد لأنه معد من قبله لمقام العبد ولوقوفه فيه وقوله تعالى( هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ ) احد ما يدل على قولنا لأنه عز وجل بيّن ان من أحسن جازاه الله تعالى بالاحسان وعلى قولهم قد يؤمن ثمّ يخلق الله تعالى الكفر فيه فلا يصح ذلك على مذهبهم.

٤١١
٤١٢

سورة الواقعة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ ) كيف زاد السابقين على اصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة وفي سائر القرآن لم يذكر سواهما؟ وجوابنا أنّه تعالى اراد ان يبيّن أن في العباد من له تقدم في عظم الثواب كالأنبياء وغيرهم فخصهم بالذكر وإن كانوا من أصحاب اليمين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) كيف يصح في الآخرة ذبح الطيور وأكل لحمها وعندكم ان الآخرة ليست بدار تكليف للمرء؟ وجوابنا أنّ المراد بهذه الأطعمة انها على هيئة لحم الطير وصورته لا أنّ هناك طيورا تذبح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ) كيف يصح التوعد بما لا يعرف من جملة الأشجار؟ وجوابنا أنّ لفظة الزّقّوم معروفة بأنها تستعمل في الكريه من الأشياء. فجاز ان يتوعّد الله تعالى بذكرها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ ) أليس ذلك يدل على ان فعل العباد

٤١٣

مخلوق لله تعالى؟ وجوابنا أنّ إنزال النطفة ليس من فعل العبد عندنا ولذلك يختلف الحال فيه فمن النّاس من يمني أسرع ممّا يمني غيره كثر أو نقص وإذا كان ذلك من فعل الله وكذلك استقراره في الرحم فلا سؤال علينا في ذلك.

فإن قيل فما قولكم في قوله( أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) أليس ذلك يدل على أنّ الزّرع من فعل الله تعالى؟

وجوابنا أن الزرع اسم للنبات الظاهر وذلك من خلقه تعالى وإنّما يفعل العبد مقدمته وبين ذلك أنه اضاف الحرث إليهم ثمّ أضاف الزرع إلى نفسه وبين ذلك انه عدّه في نعمه وطرح البذر ليس بنعمة وإنّما النعمة النبات فأما قوله تعالى( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) فلا دليل للمشبهة فيه لأن الكلام فيمن حضره الموت فالمراد إذا إحاطة علمه بذلك فأما قوله تعالى( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) فقد يقال فيه إن الكذب لا يجور عندكم في الآخرة فما معنى ذلك؟ فجوابنا أنّ المراد وصفهم بذلك في الدنيا فإن قيل فما تعلق بالكذب بالرزق. فجوابنا انهم كانوا يكذبون على المطر والغيم ويقولون إنا سقينا بنوء كذا فأنكر الله ذلك عليهم فأما قوله تعالى من بعد( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) فالمراد به الملائكة الموكّلة بقبض الأرواح وهو كقوله( وَجاءَ رَبُّكَ ) والمراد ملائكة ربك.

٤١٤

سورة الحديد

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( هُوَ الأوّل وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ) كيف يصح هذا الوصف لله تعالى مع تضاده؟ وجوابنا أنّ المراد هو الأوّل لأنه لا موجود إلا موجود بعده وهو الآخر لأنه لا موجود إلا ويفنيه فيبقى بعده وكلاهما في وصف الله تعالى صحيح. ومعنى قوله والظاهر أنه المقتدر القاهر من ظهور القوم على الفعل كقوله( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ ) ومعنى الباطن انه عالم بالسرائر وكل ذلك صحيح في أوصاف الله عز وجل ويدل قوله( هُوَ الأوّل ) على بطلان قول من يثبت لله تعالى علما وقدرة وحياة وقدما لأنه لو ثبت ذلك لم يصح كونه اولا ويدل على انه تعالى يفني الخلق ليصح ان يكون آخرا إذا الأدلة قد دلت على ان الجنة لا يفنى ثوابها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) ثمّ قال في آخر الآية الثانية( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) كيف يصح ان يقول آمنوا( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وجوابنا أنّ قوله( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) جعله تعالى شرطا في اخذ الميثاق لأنه صلّى الله عليه وسلم كان يأخذه بشرط الايمان ويحتمل ان يريد به إن رغبتم في الايمان وتمسكتم به وقوله تعالى( هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ) احد ما يدل على ان مراده بإنزال القرآن إلى

٤١٥

الرسول صلّى الله عليه وسلم وبعثته من بين الجميع ان يخرجوا من الكفر إلى الايمان. فان قيل فقد قال تعالى( لِيُخْرِجَكُمْ ) فيجب ان يكون الايمان من خلقه.

وجوابنا انه بيّن أنه يخرجهم بهذا السبب ولو كان الاخراج والايمان من خلقه لم يصحّ ذلك لأنه سواء أنزل القرآن أو لم ينزل فالحال واحدة وقوله تعالى( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ ) أحد ما يدل على فضل أكابر الصحابة ومن تقدم إسلامه كالعشرة وغيرهم وإنّما كان كذلك لأن موقع الانفاق من قبل كان اعظم من موقعه من بعد ثمّ قال تعالى( وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) منبّها بذلك على ان الثواب يعمّ الكلّ.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) أليس ذلك يدل على ان الّذين آمنوا لم يكونوا خاشعين وأنه كان فيهم من هو قاسي القلب وذلك بخلاف قوله تعالى( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) . وجوابنا أنّ المؤمن لا يكون في الجملة إلا خاشعا خاضعا لله وإنّما امر تعالى أن يخشعوا لذكر الله وعند سماع القرآن لان فيهم من يسمع غافلا لاهيا فهو كقوله تعالى( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) فأما قوله تعالى( فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) فهو من وصف الكفار من قبل وقوله تعالى( وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) انما قاله فيمن أوتي الكتاب ثمّ آمن فيما بعد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) كيف يصح ذلك وفي جملتهم الفساق وأصحاب الكبائر؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك من آمن بالرسول في أيامه وكذلك كانوا ولو

٤١٦

صح فيه العموم لحملناه على التخصيص لان المجاهر بالفسوق والفجور لا يسمّى من الصدّيقين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ ) أتقولون ان الميزان أنزله الله؟ وجوابنا أنّه قد قيل ذلك على ما تقدم ذكره. وقيل إن المراد العدل وبيان صحة المعاملات بالميزان والظاهر هو الأوّل وكذلك قوله تعالى( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) يتأول على ما قدمنا وقوله تعالى بعد ذلك( وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) والمراد به وقوع النصرة التي هي حادثة دون العلم فانه تعالى عالم بكل شيء لم يزل.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) أليس يدل ذلك على ان الرأفة والرحمة من خلق الله تعالى؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك ما لا ينكر أنه من قبله وهو لين القلب وما به يفارق الرحيم غيره فلا يدل على ما قالوه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) كيف يصح وقوع المشي بالنور؟ وجوابنا أنّ المراد بهذا المشي التصرف أجمع. لأن ذلك لا يصحّ إلا بالنور الذي ينفصل من الشمس وبالعقل الذي يوصف بذلك مجازا وبعد فإن حمل على الظاهر جاز لأن المشي يحتاج صحيحه ومقصوره إلى ضياء ليقع على الوجه الصحيح وقوله جل وعز( لِئَلاَّ يَعْلَمَ أهل الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ ) لا يدل على ان أفعال العباد يخلقها الله تعالى وذلك لأن المراد بهذا الفضل النعم التي هي الاجسام فيدخل فيها الاكل والشرب واللباس وغيرها.

تنزيه القرآن (٢٧)

٤١٧

سورة المجادلة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ ) أليس ذلك كله يدل على جواز المكان على الله تعالى؟ وجوابنا بل يدلّ ذلك على خلافه لأنه قال تعالى( وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ ) فالمراد به العلم والتّبيّن لا أنه كائن معهم ولذلك خصّ تعالى النّجوى التي تستر ليبيّن أنه عالم بكل ما يخفي على سواه ولذلك قال تعالى بعده( فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ) ولو لا صحّة ذلك لوجب أن يكون تعالى مع كل واحد منّا حتّى يكون في الاماكن كلّها وحتى إذا انتقل أحدنا من مكان إلى مكان يجب أن يكون تعالى منتقلا ليكون معه وذلك يوجب فيه انه محدث تعالى الله عزّ وجلّ وقوله تعالى من قبل في صيام الظّهار( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) يدل على قولنا لأن عندهم أن الصحيح القوي لم يدخل في الصوم ولو يستطيع الصيام فلا يكون لهذا الشرط فائدة بل يلزم الكل الاطعام والقول في الاطعام كالقول في الصيام وقوله تعالى من بعد( إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ ) ولم يقل من الرحمن يدل على انه فعل العباد لا خلق الله تعالى وقوله( وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ) يعني أن كل ضرر من غمّ وغيره يحصل عند الوسوسة

٤١٨

فليس من فعل الشيطان بل هو من قبل الله تعالى وهذا خلاف قولهم إن الشيطان يحبط الأعمال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) كيف يصح أن يحلفوا على الكذب في الآخرة وقوله تعالى بعده( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ ) ؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك أنهم يحلفون أنهم كانوا مؤمنين عند أنفسهم لا كفارا فلا يكون ذلك كذبا منهم وقوله تعالى( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ ) يعني في الدنيا فلا سؤال علينا فيه وقوله تعالى( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ ) المراد به فعل ما عنده فسقوا وأطاعوه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) أليس ذلك يدل على أنه خلق الايمان؟ وجوابنا أنّ المراد أنه كتب ما يعلم به الملائكة ايمانهم فنحن نحمله على الحقيقة وان كان الايمان من فعل العبد.

٤١٩

سورة الحشر

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهل الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ ) أنه يدل على ان اخراجهم من خلق الله. وربما قيل أيضا ما معنى( لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) فسمى خروجهم حشرا؟ وجوابنا أنّه تعالى لـما فعل سبب إخراجهم أضيف ذلك إليه ولما أمر بإخراجهم أضيف اليه أيضا ولذلك قال تعالى( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ) وذلك لا يصح الا والخروج من قبلهم وإنّما سمّاه حشرا من حيث وقع خروجهم على وجه الجمع والسوق كقوله تعالى( وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ) وقوله تعالى من بعد( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) يدل على قولنا لأن مشاقّة العبد لله ورسوله بأن الله تعالى يخلق ذلك فيه لا تصح وقوله تعالى( ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أو تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) قد قيل فيه ان المراد بالاذن العلم وقد قيل بل المراد فبأمر الله ولذلك قال تعالى من بعد( وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ) أليس ذلك كالمتناقض؟ وجوابنا أنّه بين بقوله تعالى( ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ) أنه لا نصرة يجدونها بعد هذه النصرة وعلى ذلك صح.

٤٢٠

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ ) ما فائدة هذا التكرار؟ وجوابنا أنّ المراد بالاول أن يتقوا الله في حفظ ما فعلوا من الطاعات والمراد بالثاني ان يتقوا في جميع ما كلّفوا ولذلك قال( إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) وأما معنى قوله تعالى( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) المراد أنه بتركهم طاعة الله خلاهم وخذلانهم ولذلك قال( أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) كيف يصح ذلك في الجبل وهو جماد؟ وجوابنا أنّ ذلك مثل ضربه الله تعالى لمن لا يتفكر في القرآن ولا يخشع عنده ولذلك قال تعالى( وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ) ويمكن أن يقال إن المراد به أن الجبل لو كان حيا يصح أن يسمع ويتدبر لكان هذا حاله.

٤٢١

سورة الممتحنة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) كيف يصحّ ان يستغفر له مع كفره؟ وجوابنا أنّ ذلك وعد منه وقد قال تعالى( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) وذلك يقتضي أنّ استغفاره كان بشرط وعلى وجه يحسن عليه ولو كان استغفاره مطلقا لـما قال( وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ) فإن قيل فما معنى قوله تعالى من بعد( رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) قيل له أنهم سألوا ربهم أن يزيل عنهم الامور التي عندها يشمت الكفار بهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) كيف وصفهن بالمؤمنات قبل الهجرة وقبل القبول من الرسول صلّى الله عليه وسلم لانه قال( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ ) ؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك المظهرات للايمان الراغبات في ذلك فلا تناقض في هذا الكلام لأنّهن يظهرنه ويرغبن فيه ثمّ يدّعين ويختبرن فتعرف حالهن.

٤٢٢

سورة الصف

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ ) أنه جعلهم مع الكبيرة مؤمنين وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا أنّه قد يكون مؤمنا وإن وعد بما لا يفعل إذا كان وعده خبرا عن عزمه فلا يكون كاذبا ولكنه إذا أطلق الوعد ولم يستثن ثمّ لم يفعل يقبح منه وقد حكي عن الحسن أنه قال المراد المنافقون أظهروا الايمان وحالهم هذه والاول أقرب وقوله تعالى من بعد( فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) فالمراد به عاقبهم على زيغهم على نحو قوله تعالى( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) .

٤٢٣

سورة الجمعة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ) كيف يصح أن يزكّيهم قبل أن يظهر منهم القبول والطاعة؟ وجوابنا أنّ المراد ويزكيهم على الوجه الذي يحسن كما يتلو عليهم آياته على هذا الوجه ويجوز أن يراد به التزكية التي معها يجوز التكليف من عقل وتمييز وغيرهما ويجوز أن يريد ويدعوهم إلى ما يتزكون به ولذلك قال تعالى( وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) وقوله تعالى( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) لا يدل إلاّ على أن النبوّة والكتاب من فضله فليس لأحد أن يتعلق بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( انْفَضُّوا إِلَيْها ) لم لم يقل إليهما؟ وجوابنا أنّ الكلام إذا دلّ على ذلك جاز مثله وقد قيل أنّ المراد التجارة لأنها المقصودة من اللهو الذي هو تابع لها فكأنه نبّه بذلك على ما ينفضون أجمع لاجله دون ما يختص به بعضهم دون بعض.

٤٢٤

سورة المنافقين

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) كيف يكونون كاذبين في هذه الشهادة التي هي حق؟ وجوابنا أنّ شهادتهم كالأخبار عن اعتقادهم ولم يكونوا معتقدين لذلك فصاروا كاذبين وقوله تعالى من بعد( اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً ) يدل على ذلك وأنهم أظهروا ما لا حقيقة له وقوله تعالى( فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) يدل على أن الافعال من قبلهم لأن الله تعالى إن كان خلق ذلك فيهم فكيف يصح كونهم صادّين أو ليس ذلك يوجب أنهم يصدّون الخالق الفاعل وذلك محال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) كيف يصح في النبي صلّى الله عليه وسلم أن يكون استغفاره إذا وقع لا ينفع ولا يجاب إلى ملتمسه؟ وجوابنا أنّ المراد ما لم يقع وما لم يقع لو وقع فكيف يكون حاله فليس في ذلك أنه لا يجاب إلى ما يلتمس وبعد فانه يحتمل أن يستغفر لهم بشرط معلوم من حالهم خلاف ذلك لأن ذلك ورد في المنافقين فيجوز أن يريد استغفاره لهم على الظاهر فاذا علم الله تعالى نفاقهم علم أنه لا يغفر لهم ولا يكون في ذلك تركا لإجابته لأن طلب الغفران لهم إن كانوا على صفة ليس هم عليها.

٤٢٥

سورة التغابن

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) أما يدل ذلك على انه خلق الكافر كافرا وخلق المؤمن مؤمنا؟ وجوابنا أنّه ليس فيه إلا انه خلقهم ثمّ من بعد قسمهم فلا يدل إلا على أن فيهم كافرا ومؤمنا ثمّ الكلام في أنّ ذلك الايمان والكفر ممّن ليس في الظاهر ؛ وقال أويس عليه رحمة الله لو كان كما ذكروا لـما قال فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقوله تعالى من بعد( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) يدل على ما نقوله من أنه خلقه لمنفعة العباد ولكي يطيعوا ووصفه تعالى ذلك اليوم بالتغابن يدل على أن المقصّر بالكفر والمعصية يعلم أنه كان يمكنه أن لا يقصر وقوله تعالى( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) يدل على ما نقوله من علامات يفعلها ليميز الملائكة المؤمنين من غيرهم.

٤٢٦

سورة الطلاق

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) أن ذلك يدل على ان الرجعة هو الذي يحدثها؟ وجوابنا أنه

تعالى لم يفسر الأمر والمراد عندنا الشهوة ومحبة القلب اللذان يدعوانه إلى الرجعة ويغتم لأجلهما بما فعل من الطلاق وقوله تعالى من بعد( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وقد تقدم ذكر المعنى وأن المراد حكمه في هذه الامور وقوله تعالى( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ ) المراد به من ضيّق عليه رزقه أمره بأن لا يبسط يده إلى ما لا يحلّ له بل ينفق مما آتاه من الخيرات.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) كيف يصح ذلك وفي الناس من لا يجد اليسر بعد العسر؟ وجوابنا أنّه لا أحد ممّن ضيّق عليه الله تعالى إلا ويؤتيه يسرا بعد عسر من جهة أرزاق الدنيا أو من جهة ثواب الآخرة إذا صبر واحتسب.

٤٢٧

سورة التحريم

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) أليس ذلك يدل على ان الله تعالى يأمرهم ويكلّفهم وعندكم ان الآخرة ليست بدار تكليف؟ وجوابنا أنّه في الآخرة يجوز أن يأمر تعالى ولا يكون أمره تكليفا كما تقوله في قوله تعالى( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً ) وإنّما نمنع من ثبوت الأمر في حال التكليف ولا يكون تكليفا والله تعالى يأمر الملائكة الموكّلة بعذاب أهل النار بما يتلذذون به من عذاب أعداء الله فلا يعصون كما ذكره الله تعالى ولا يجوز في الأمر إذا كان بشيء يلتذّ به أن يكون تكليفا وفي هذه السورة أدلّة على قولنا منها قوله تعالى( قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ) فلو لم يكن تصرف العبد من فعله لـما صح ان يقي نفسه وغيره ومنها قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ) لأنه لا يجوز أن يقول لا تعتذروا ولهم عذر لأن ذلك سفه فالمراد لا تعتذروا فما عذر لكم ولو كان تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده وأوجده فيه بالقدرة والارادة لكان ذلك من أوكد ممّا يعتذرون به ولكان لهم أن يقولوا لو أقدرتنا على الطاعة لفعلنا وإنّما أوتينا من جهة أنك لم تقدّرنا ولم تخلق فينا الايمان بل خلقت فينا ضدّه ومنها قوله تعالى( إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) فانه يدل على ان العمل من العبد والجزاء من الله تعالى.

٤٢٨

سورة الملك

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ ) كيف يصح في النجوم ان يجعلها رجوما للشّياطين وهي ثابتة أبدا في مكانها؟ وجوابنا أنّ المراد ما ينفصل منها ممّا يشاكلها فيصح بذلك إضافة الرجوم إليها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أو اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) أليس ذلك يدل على أنه الخالق لقولهم وسرهم؟ وجوابنا أنّ المراد ألا يعلم من خلق الصدر ما يودعون فيه من سر وجهر فكأنه بين انه عليم بذات الصدور ومقتدر عليها ومن هذا حاله لا تخفى عليه خافية وقوله من بعد( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ) لا يدل على أن السماء مكانه لأن المراد من في السماء ملكه وقدرته على الخسف والكسف وكذلك قال بعده( أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ) وقوله تعالى( أَوَلَمْ يَرَوْا إلى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ ) ربما تعلقوا به في انه الخالق فيهم الوقوف في الهواء. وجوابنا أنّ المراد أنه الفاعل في الهواء ما عنده يصح منها الطيران والوقوف.

٤٢٩

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ) كيف يصح ذلك ومعلوم أن الماء المعين يخرجه من معه الآلة؟ وجوابنا أنّ المراد ان يصبحوا والماء قد غار ويبس وذلك يدل على انقطاع الماء في ذلك المكان ولا يعمل بالفأس إذا انتهى مكان الماء إلى هذا الحد وبعد فلولا أنه تعالى يمد بالماء لمكان الفأس لم تؤثر في ذلك.

٤٣٠

سورة ن

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ) كيف يصح أن يكلف في الآخرة بالسجود من لا يستطيعه؟ وجوابنا أنّ ذلك ليس بدعاء على وجه الأمر بل هو توبيخ وتبكيت لهم من حيث تركوا السجود وهم متمكنون ولذلك قال بعده( وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ ) ولو كان الأمر كما يقوله المجبرة لكان الدعاء في الدنيا والآخرة سواء في أنه إن خلق فيهم السجود صاروا ساجدين وإن لم يخلق كانوا تاركين وفي قوله تعالى من بعد( أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ) دلالة على أنه تعالى يكتب في اللوح المحفوظ الكثير من الغيوب وأما ذكر السّاق فالمراد به شدّة الامر كقوله تعالى( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) يعني الشدة بالشدة يوم القيامة.

[ مسألة ] وربما تعلق بعضهم بقوله( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) فقالوا إن العين حق. وجوابنا أنّ المراد النظر المكروه منهم عند قراءة القرآن عليهم يبين ذلك أن العين لو كانت حقا كما يقولون لكانت تؤثر فيما يعجب به ويعظم لا في خلافه.

٤٣١

سورة الحاقة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) كيف يصح ذلك ومن خوطبوا بذلك لم يحملوا في سفينة نوح؟ وجوابنا أنّ المراد حملنا من أنتم من نسله فهو بمنزلة قوله تعالى في سورة البقرة( وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) والمراد من أنتم منهم ونجاتكم بنجاتهم.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ) أليس ذلك خلاف قوله( لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ ) ؟ وجوابنا أنّه لا يمتنع في قوم أن لا طعام لهم إلا من ضريع ويجوز أن يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع ولا شراب إلا من غسلين وهو ما يسيل من صديدهم فسمّاه طعاما من حيث يستطعم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) كيف جعله قول جبريل وهو كلام الله تعالى؟ وجوابنا أنّه إذا سمع منه جازت هذه الاضافة لانه منه علم ولولاه لم يعلم فاما قوله من قبل( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) فلا يصح أن يتعلق به المشبهة لأن العرش في السّماء مكان لعبادة الملائكة فيحملونه ويطوفون حوله ويضاف إلى الله تعالى من حيث خلقه كما يضاف العبد إلى الله تعالى وقوله تعالى( وَلَوْ تَقَوَّلَ

٤٣٢

عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) لا يصحّ تعلقهم به لاثبات اليمين له تعالى لأن المراد القدرة على ما بيناه في غير موضع وعلى هذا الوجه يقال إن فلانا يملك فلانا ملك يمين إذا أمكنه التصرف فيه وإن لم يكن له يمين وعلى هذا الوجه قال الشاعر :

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة باليمين

يعني ببأس وقوة.

تنزيه القرآن (٣٨)

٤٣٣

سورة المعارج

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) أليس ذلك يدل على جواز الصعود والنزول عليه؟ وجوابنا أنّ إضافة الشيء لغيره بهذا اللفظ قد تكون بأن يفعله وقد تكون بخلافه ولله تعالى معارج خلقها للملائكة ولذلك قال( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) فلا تعلق للقوم بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً ) كيف يصح وهو متناقض وكيف يصح القرب على الله تعالى؟ وجوابنا أنّ المراد يوم القيامة وقوله تعالى( يَرَوْنَهُ بَعِيداً ) بمعنى الظن( وَنَراهُ قَرِيباً ) بمعنى العلم وذلك لا يتناقض ولا يجوز أن تراد به الرؤية وذلك اليوم معدوم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ) أليس يدل على أن هلعه من خلق الله تعالى؟ وجوابنا أنّ المراد انه خلق وهو على حد من الضعف يصيبه الهلع به عند الحوادث ولذلك قال تعالى بعده( إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) ما

٤٣٤

فائدة ذلك وهل هو تعلق بما وصفه من طمعهم وكيف يعلمون ممّا ذا خلقوا؟ وجوابنا أنّ ذلك ورد في الكفار الذين قال تعالى فيهم( فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) ولا يمتنع فيهم أنهم كانوا يعرفون مع كفرهم انهم خلقوا من نطفة وان ذلك الخلق من فعله تعالى فيصح قوله تعالى( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) في الجملة وفائدته أنه بين أنّ من خلق من ماء مهين لا يجوز أن يستوجب الجنة وإنّما يستوجبها لعلمه إذ الفضل يقتضي ذلك ويحتمل أن يريد خلقناهم مما يعملون من التكليف فكيف يصح أن يطمعوا فيما طمعوا فيه ولا أثر لهم فيه ولا عين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) كيف يصح ذلك وقد ذكر في موضع( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وفي موضع( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) ؟ وجوابنا أنّ المراد بالمشرق والمغرب جنس ذلك أو واحده في كل يوم والمراد بالمشرقين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ومغربهما والمراد بالمشارق ما نعلمه من اختلاف المطالع في كل يوم فلا تناقض في ذلك.

٤٣٥

سورة نوح

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ثمّ قال بعده( إِنَّ أَجَلَ اللهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ ) وهذا متناقض؟ وجوابنا أنّه لا تناقض في ذلك، لأن ذلك الأجل المقدّر الذي ضمنه إذا عبد الله تعالى وأطيع لا يتأخر وهذا الأجل عندنا مقدّر غير محقق لأنهم إذا لم يعبدوه فأجلهم هو المكتوب ولا تأثير يقع فيه. فان قيل فكيف قال تعالى( أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) ومن عبد الله واتقاه استحق غفران كلّ ذنوبه؟ وجوابنا أنّ من قد تدخل زائدة كما تدخل للتبعيض وهي هاهنا زائدة ويحتمل أنه يريد ان الغفران يكون في هذا الجنس كما يقال باب من حديد وقوله تعالى من بعد( قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً ) المراد به تشدد القوم في الانكار والجحود والنفور من قبول الحق ولذلك قال تعالى( وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ) .

[ مسألة ] وربما تعلقت المشبهة بقوله تعالى( ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً ) ؟ وجوابنا في ذلك أن المراد ما لكم لا تعظمونه حق عظمته إذ الوقار الذي يظهر في الاجسام يستحيل عليه تعالى ولذلك قال تعالى بعده( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً ) فالمراد ما يتعلق بخلقه من شكر عباده.

٤٣٦

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ) كيف يصح ذلك ونور القمر يكون على الأرض لا فيما بين السموات؟ وجوابنا أنّ المراد وجعل القمر بينهن وبين الارض نورا أو لـما جمع السماء أجمع بلفظة واحدة جاز في نور القمر وهو ينالها أيضا كما ينال الأرض ان يقول ذلك.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله تعالى( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) كيف يصح ذلك وأكثر أهل الأرض من الكفار وكيف يصح ان يظهر خلاف ما قدره الله تعالى من بقاء هؤلاء الكفار وكيف قال تعالى بعده( وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً ) والمولود لا يكون بهذا الوصف؟ وجوابنا أنّ مراد نوح7 الكفار الذين كانوا في زمنه ومن أعلمه الله أنه لو أبقاهم أبدا لم يؤمنوا فدعا الله تعالى عليهم بهذا الدعاء وأجاب الله دعوته بأن أغرقهم فأما قوله تعالى( وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً ) فالمراد من سيفجر ويكفر نبّه بذلك على أنه كما ان المعلوم أنهم لا يؤمنون فمن المعلوم أيضا أنه لا يكون في نسلهم مؤمنون.

٤٣٧

سورة الجن

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ ) كيف يصح ذلك؟ وجوابنا أنّ المراد ميلهم اليهم وإلى القبول منهم ومن أطاع غيره وعظمه يوصف بذلك كما قال تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) بأن أطاعوهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ ) كيف يصح ذلك مع انقضاض الكواكب والشّهب عليهم ومنعهم من ذلك؟ وجوابنا أنّ المراد طلبنا لمس السماء والقرب منها لتعرف الاخبار فلذلك قال بعده( فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ) وذلك بيان منهم انهم منعوا من ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) كيف يتعلق ما أمر به من ترك عبادة غير الله بأنّ المساجد لله؟ وجوابنا أنها مكان العبادة ومبنية لذلك فقال فلا تعبدوا فيها سوى الله.

٤٣٨

اللام لام العاقبة؟ فأما الكلام في الضلال والهدى فقد تقدم وقوله تعالى من بعد( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) فالمراد به الذكر الذي هو الطاعة لأنه من قبيل ما لا يصح من العبد أن يشاءه إلا والله قد شاء منه وكلفه إياه.

٤٣٩

سورة القيامة

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ ) أنه اقوى دليل على أن الله تعالى يرى في الآخرة؟ وجوابنا أنّ من تعلق بذلك إن كان ممن يقول بأن الله تعالى جسم فإنا لا ننازعه في أنه يرى بل في أنه يصافح ويعانق ويلمس تعالى الله عن ذلك وإنّما نكلمه في انه ليس بجسم وان كان ممن ينفي التشبيه على الله فلا بد من أن يعترف بأن النظر إلى الله تعالى لا يصح لان النظر هو تقليب العين الصحيحة نحو الشيء طلبا لرؤيته وذلك لا يصح إلا في الاجسام فيجب أن يتأوّل على ما يصح النظر اليه وهو الثواب كقوله تعالى( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) فإنا تأولناه على أهل القرية لصحة المسألة منهم وبين ذلك ان الله ذكر ذلك ترغيبا في الثواب كما ذكر قوله( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ) زجرا عن العقاب فيجب حمله على ما ذكرناه وقوله من قبل( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ) يدل على أنه لا عذر للعبد إذا هو عصى ربه ولو كان الكفر مخلوقا فيه لكان له أوكد العذر على ما قدمنا من قبل؟ وقوله تعالى من بعد( ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ) هو الذي يورده العلماء على جواز الاعادة وصحتها فانه تعالى إذا قدر على الاحياء أولا على هذا الحد الذي نجد الاحياء عليه فيجب ان يقدر على اعادة ذلك.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501