تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 75252
تحميل: 3630

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75252 / تحميل: 3630
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سورة المزّمل

[ مسألة ] ربما قالوا في قوله تعالى( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) ما معنى وصف الوحي بالثقل؟ وجوابنا أنّ المراد ثقل العمل بما فيه وتدبره والمعرفة بمراد الله تعالى؟ ويحتمل أنه كان يثقل عليه ان يحفظه وأن يبلغه وكان يحتاج في ذلك إلى تكليف وربما قيل في قوله تعالى( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) كيف يصح وصف اليوم بذلك وكيف يضاف إليه؟ وجوابنا أنّ المراد ما يحصل في ذلك اليوم من الأهوال فضرب له هذا المثل كما يقال مثله في المخاطبات عند ذكر الامور الهائلة.

٤٤١

سورة المدّثر

[ مسألة ] ربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) وكيف يتعلق أحدهما بالآخر؟ وجوابنا أنّ المراد لا تستكثر ما تنعم به على غيرك بعثا له على الزيادة في الانعام ويحتمل ان يكون المراد لا تستكثره على وجه الامتنان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً ) كيف يصح مع فضلهم أن يجعلهم أصحاب النار وكيف يصح قوله تعالى( وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) وأي تعلق لعدتهم بافتتان الكفار؟ وجوابنا أنّ المراد الموكلون بعذاب أهل النار لأنهم يضافون إلى النار بأنهم أصحابها بل إضافتهم إلى ذلك أحق لأنهم يتصرفون في التعذيب بها ومعنى قوله تعالى( وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً ) أن المعلوم من كثرة عددهم أنه اقرب إلى غمهم وحسرتهم وكل ذلك بعث من الله سبحانه على الطاعة وزجر عن المعصية فلذلك قال تعالى( لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ) وقوله تعالى من بعد( وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) قالوا فيه كيف يصح أن يجعل تعالى لهم عدة لهذا الوجه الذي يقبح منهم فعله؟ وجوابنا أنّ هذه

٤٤٢

سورة الانسان

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ) كيف يصح وقد وصفه بأنه إنسان وأتى عليه حين من الدهر أن لا يكون مذكورا ولا شيئا؟ وجوابنا أنّ المراد لم يكن له عند هذا الوصف من البنية والحياة والعقل ما أخبر به الله تعالى في خلق آدم صلّى الله عليه وسلم ثمّ قال تعالى بعد خلق آدم صلّى الله عليه وسلم( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) أما يدل ذلك على أنه ليس في المكلفين إلا كافر أو مؤمن؟ وجوابنا أنّ الشاكر قد يكون شاكرا وان لم يكن مؤمنا برّا تقيا لأن الفاسق بغضب أو غيره قد يكون شاكرا فلا يدل على ما قالوا بل في الآية دلالة على ما نقول من أن الكافر والمؤمن هما سواء في أن الله تعالى قد هداهما لا كما قالت المجبرة أنه تعالى إنما هدى المؤمنين والمراد به أنه دلّ الجميع وأزال علتهم فمن عصى فمن جهة نفسه أتى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ) كيف يصح الترغيب في ذلك وليس هو بمستطاب في الدنيا؟ وجوابنا أنّ رائحة الكافور لا شبهة في أنها مستطابة واليسير منها مستطاب فرغّب تعالى في ذلك على الجملة كما رغّب في

٤٤٣

الخمر، وان كان طعمه في الدنيا لا يستطاب وقد قيل أنّ المراد يشربون من نهر تربته الكافور وكذلك إذا سألوا عن قوله( كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً ) إذا المراد التنبيه على الجملة وإن كان شراب أهل الجنة في نهاية اللذة.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) وهذا متناقض فلا يكون من فضة ويكون قوارير؟ وجوابنا أنّ المراد أنها من فضة وقد بلغت في الصفاء والحسن بحيث يرى ما فيها حتّى لا تكون حاجزا ولا حائلا كالقوارير وهذا نهاية ما يقع به الترغيب فأما قوله( فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) فالمراد به ما تشاءون من اتخاذ السبيل إلى الرب إلا والله قد شاءه والمراد انه شاء العبادات ولذا أنكره على القوم أنهم يصرحون بأنه تعالى قد شاء الفواحش والله يتعالى عن ذلك.

٤٤٤

سورة المرسلات

[ مسألة ] وربما طعنوا على تكرير قوله تعالى( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) وجوابنا أنّ القصص إذا كانت مختلفة رجع الكلام إلى كل واحد منها فيحسن كما ذكرناه في سورة الرحمن.

[ مسألة ] وربما قالوا في قصص الانبياء لم كرّره الله تعالى؟ وجوابنا أنّه تعالى أنزل ذلك تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلم فيما كان المشركون يأتون به فكان ينزل مرة بعد مرة ليسليه في حال بعد حال ولأن التالي يعتبر بذلك اعتبارا بعد اعتبار وقوله تعالى( أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ ) وربما تعلق به بعض المجبرة على أن افعال العباد مخلوقة من جهته تعالى وذلك بعيد لأن كون ذلك الماء في الرحم من فعل الله تعالى وقد بيّنّاه من قبل. وقوله تعالى( هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ) من أقوى ما يدل على قولنا في العدل لأنهم إذا لم يعتذروا ولهم عذر فذلك لا يصح وقد نزل بهم من العقوبة ما لا دليل عليه فالصحيح أن لا عذر لهم وذلك لا يصح مع القول بأنه تعالى هو الذي خلق فيهم الكفر وقدرة الكفر وإرادة الكفر.

٤٤٥

سورة عمّ يتساءلون

[ مسألة ] وربما قيل لـما ذا قال تعالى( لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً ) كيف يصح مع القول بخلودهم في النار أن يقدر كونهم فيها بالأحقاب؟ وجوابنا أنّ المراد أحقاب لا آخر لها كما يقال أوقاتا وساعات لا نهاية لها لا أن المراد أحقاب منقطعة والآية وردت في الذين لا يرجون حسابا وهم الكفار فلا يمكن أن يتأول على فساق أهل الصلاة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً ) كيف يذاق البرد وإنّما خلقت هذه الحاسة ليذاق بها الطعم؟ وجوابنا أنّ البرد قد يذاق بحاسة الطعم لا من حيث كانت حاسة لكن لأن محل الذوق يدرك به البرد ومعلوم من حال المشرب أنه يكون باردا يبلغ في اللذة ما لا يبلغه ما ليس كذلك فهذا معنى الكلام. وربما قالوا في قوله تعالى من قبل( وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً ) كيف يصح ذلك والسبات والنوم واحد فكأنه قال وجعلنا نومكم نوما؟ والجواب أن السّبات هو نوم مخصوص يجد الانسان فيه من الراحة ما لا يجده في غيره ولذلك يوصف ذو النوم عند التعب بأنه في سبات ولا يوصف بذلك إلا وقد غرق في النوم فبين تعالى نعمته بهذا النوع وقوله تعالى( إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً ) فالمراد به أنها طريق الكل ثمّ بالقرب منها يتميز المثاب من غيره كما قال تعالى( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ

٤٤٦

الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) وأما قوله تعالى( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ) فقد قيل أنّ المراد به جبريل7 وقد قيل هو ملك في صورة آدم صلّى الله عليه وسلم وقد قيل بل المراد من له الروح وهم بنو آدم فذكر تعالى انهم يقومون والملائكة بهذا الوصف وأن جميعهم لا يتكلمون إلا بإذن الرحمن وأنهم لا يتكلمون في الآخرة إلا بالصواب نبّه تعالى بذلك على الفصل بين الآخرة والدنيا.

٤٤٧

سورة النازعات

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ) ان ذلك قسم فعلى ما ذا وقع القسم؟ وجوابنا أنّ القسم قد يحذف جوابه إذا كان في الكلام دليل عليه فكأنه قال لتحشرن ولتبعثن أو لترون يوم ترجف الراجفة تعظيما لحال ذلك اليوم وبعثا على الخلاص من أهواله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها ) كيف يصح والسماء لا ليل فيها لأن الليل إنما يثبت بحركات الشمس فإذا ظهرت فهو نهار وإذا غابت فهو ليل وذلك متعذر في السماء؟ وجوابنا أنّ اضافة الليل إلى السماء كإضافة الشمس والقمر والنجوم إلى السماء؟ لـما كان لولاها، ولو لا حركات الشمس في الأفلاك لم يكن ليل ولا نهار.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) ان ذلك مخالف لقوله( خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) ( ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ ) . وجوابنا أنّ المراد بهذه الآية خلق نفس الأرض وأنه قبل السماء والمراد بقوله( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) إنها وإن كانت مخلوقة فإن دحوها وبسطها متأخر فلا اختلاف في ذلك فأما قوله تعالى من بعد( وَالْجِبالَ أَرْساها ) فهو تشبيه بإرساء السفن إذا استقرت فالمراد أنه وقفها في أماكنها لا تزول ولا تحول وقوله تعالى( فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ) من أقوى ما يدل على أن

٤٤٨

العبد هو الفاعل لأنه لا يقال طغى في فعل شيء إلا مع التمكن من فعله، ولا يقال آثر شيئا على شيء إلا وهو قادر على فعله وقوله تعالى( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ) يدل أيضا على تمكنه لأنه لا يوصف بذلك إذا كان الفعل مخلوقا فيه وفي قوله( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) مع أنه منذر للكل فائدة وهي أن من يخشى هو القابل للانذار والمنتفع به.

تنزيه القرآن (٢٩)

٤٤٩

سورة عبس

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) كيف يصح وصفه للرسول بالتلهّي؟ وجوابنا أنّ العادل عن غيره لتشاغله بسواه يقال لهي عنه فليس ذلك من اللهو الذي هو اللعب والتشاغل بما لا يفعله العاقل، وعظم الله قدر القرآن بقوله( كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ ) ثمّ إنه تعالى وصف الانسان بما يكون بعثا له على الطاعة فقال( قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) . فجمع هذه الكلمات ما يقتضي الخضوع للمعبود فقد خلقه كاملا ثمّ درجه إلى أحوال الآخرة من الحشر والنشر ثمّ بيّن كيف قدر له الطعام مع ذلك بإنزال الماء والإنبات وكيف قدر له أنعاما أيضا للطعام ثمّ بيّن مع ذلك أن يوم القيامة( يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) فان قيل كيف يفرّق في الآخرة ولا مفر؟ فجوابنا أنّ المراد عدوله عنهم لعلمه بأنه لا ينتفع بهم ولا ينتفعون به فيزول عن قلبه تلك الرقة والشفقة إلى غير ذلك من الأحوال ولذلك قال تعالى( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها

٤٥٠

قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) أما يدل ذلك على أنه ليس مع أهل الجنة الا الكفار؟ وجوابنا أنّ اثبات وصف الأمرين لا يدل على نفي ثالث إذا دل الدليل عليه فيجوز أن يكون بينهما من على وجهه غيرة ولا تلحقه القترة وهم الفساق الذين ليسوا بكفار بين ذلك قوله( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) وفي الكفار من لا يوصف بأنه فاجر فلو قيل للخوارج هل يجب في كل كافر أن يكون فاجرا لم تجد في ذلك من الجواب إلا ما ذكرنا.

٤٥١

سورة التكوير

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) يعني جبريل7 ، كيف يصح إضافة القرآن اليه وهو كلام الله؟ وجوابنا أنّه المظهر لذلك حتّى لولاه لـما عرف فصحّت إضافة القرآن إليه وقد يضاف كلام الغير إلى من تحمله وذلك كثير في اللغة. فأما قوله من قبل( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) وقوله( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) فيدل على انه تعالى يعيد كل هؤلاء يوم القيامة ويدل على أن من لا ذنب له لا يجوز أن يؤلم فيضل بذلك قول من يزعم في أطفال المشركين أنهم يعذبون بذنوب آبائهم ويدل على بطلان القول بأن المعاصي مخلوقة من الله في الانسان لأنه يجب أن يكون تعالى يعذّبه ولا ذنب له وقد نفى الله تعالى ذلك وأبطله وقوله تعالى( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ ) المراد به الاستقامة فأما غير ذلك فموقوف على الدليل.

٤٥٢

سورة الانفطار

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) كيف ينكر ذلك عليه مع وصفه نفسه بالكرم؟ وجوابنا أنّ المراد ما غرّك بذلك في ارتكاب المعاصي العظيمة ولذلك قال تعالى بعد ذكر نعمه( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ) وهذا أحد ما يدل على قدرة العبد على أن يعصي ولو لا ذلك لم يصح أن ينسب إلى الاغترار وقوله تعالى( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ ) هو بعث للمرء على الطاعة لأنه إذا تحقق في كل ما يأتيه أنه محصى مكتوب في صحيفته محاسب عليه زجره ذلك عن فعله وقوله تعالى( وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ ) يدل على أن الفاجر من أهل الصلاة مخلد في النار لأنه إذا لم يغب عن النار ولم يمت فهو كائن فيها، ويدل على أن الشفاعة لا تكون منه صلّى الله عليه وسلم لهم وإلا لم يكن ليعم كل فاجر بهذا الحكم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) أن ذلك تكرار لا فائدة فيه؟ وجوابنا أنّه لـما ذكر الأبرار وما ينالونه من النعم والفجار وما ينزل بهم من العذاب جاز أن يقول( وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) فيما يظهر فيه للابرار( ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ) فيما يحصل فيه للفجار وذلك يفيد تعظيم شأن ذلك اليوم.

٤٥٣

سورة المطففين

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) كيف يصح والمطفف قد يطفف اليسير وذلك من الصغائر؟ وجوابنا أنّ المراد ويل له بشرط أن لا يكون معه من ثواب طاعاته ما هو أعظم وبشرط أن لا يكون معه توبة فلا يلزم ما ذكروه ؛ وبيّن تعالى أنهم إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون وإذا كالوا غيرهم يخسرون وينقصون ثمّ زجر عن ذلك بقوله تعالى( أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) فإذا كانت هذه حالة مطفّف فكيف حال من يأخذ أموال الناس بغير حساب وقوله تعالى( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) لا يدل على قوله المشبهة لان المراد تعظيم شأن ذلك اليوم في العقاب والثواب ولا يعظم بأن يكون تعالى قائما فيه تعالى الله عن ذلك فالمراد إنزاله بأهل الثواب والعقاب ما يستحقون ولذلك ذكر بعده الفجار والأبرار لبيان حال كل واحد منهم وعظم شأن الابرار بتعظيم كتابهم وحقر شأن الفجار بتحقير الكتاب، ثمّ بيّن تعالى ما ينال المؤمن في الدنيا عن المجرمين وأنهم يضحكون منهم وما يؤول أمر المؤمنين إليه في الآخرة من النعيم العظيم فقال( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ ) فنبه بذلك على أن صنيع الفجّار وبال عليهم وأنه منقطع كأن لم يكن، وصنع المؤمنين بالفجار ما ذكره تعالى مع كونهم في نعيمهم يكونون أبدا.

٤٥٤

سورة الانشقاق

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) أين الجواب لهذا الكلام؟ وجوابنا أنّ المراد واذكر إذا السماء انشقت وتدبر إذا السماء انشقت فهو تنبيه على حال ذلك اليوم وترغيب في الطاعة فلذلك قال تعالى بعده( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ) وذكر تعالى من أوتي كتابه بيمينه وكيف يكون حسابه وانقلابه إلى أهله مسرورا وكيف حال من أوتي كتابه وراء ظهره وأنه الآن يدعو ثبورا ويصلى سعيرا وقد كان من قبل في أهله مسرورا، واذا ميّز التالي لهذه السورة بيّن هذين الامرين اللذين أحدهما يدوم ولا يبيد والآخر ينقطع ويصير وبالا رغبة ذلك في الطاعة وعمارة أمر الآخر وقوله تعالى( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ ) وقد دخل تحته المؤمن والكافر يدل على أن المراد بكل لقاء ذكره الله تعالى في كتابه لقاء ما وعد وتوعد لا كما يتعلق به من يقول إن الله يرى فيظن أن اللقاء إذا أضيف إلى الله تعالى دلّ على الرؤية.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً ) كيف يصح ذلك وقد ذكر تعالى في عدة مواضع

٤٥٥

اليمين والشمال وذلك مختلف؟ وجوابنا أنّه لا يمتنع فيمن أوتي كتابه بشماله أن يكون فيهم من أوتي كتابه بشماله فقط، وفيهم من يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره فلا يعد ذلك مختلفا ويحتمل أن في كل من يؤتى كتابه بشماله أن يؤتى على هذا الوجه فلا يتناقض ذلك أيضا. وربما يقال في جواب( إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) انه في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ) فكأنه قال انك كادح( إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) .

٤٥٦

سورة البروج

[ مسألة ] وربما يقال أين جواب القسم في قوله( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) ؟ وجوابنا أنّه قوله( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) وقد قيل إنه محذوف ويحتمل ان يكون قوله( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ) وقد قيل إنه محذوف ويحتمل ان يكون قوله( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ) جوابه وقوله( ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ) لا يدل على قول المشبهة في أن العرش مكانه لأن هذه الاضافة تصح في فعله كما تصح في المكان وقوله( فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ ) انما يدل على أن ما يريده يفعله ولا يدل على أن كل فعل يقع هو مراده.

٤٥٧

سورة الطارق

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ ) كيف يصح أن لا تكون له قوة وإن كان يصح أن لا تكون له نصرة؟ وجوابنا أنّ المراد لا قوة له على دفاع ما ينزل به كما لا ناصر له وذلك من الله تعالى زجر وتخويف وفيه دلالة على ما نقوله وذلك لأنه لو كان لا قدرة له في الدنيا على الايمان لم يكن ليصح أن يهدّد بذلك ويبكّت ويدل على أنه لا شفاعة لأهل العقاب لأنه لو كان لهم شفيع لكان لهم أقوى ناصر وقوله( وَأَكِيدُ كَيْداً ) فالمراد به إنزال العقاب بهم من حيث لا يشعرون في الآخرة ويحتمل أن يريد إنزاله الخذلان بهم في الدنيا من حيث لا يشعرون وذلك تشبيه لا تحقيق.

٤٥٨

سورة الأعلى

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ) كيف يصح والتسبيح هو التنزيه أن ينزه الاسم وإنّما يصح تنزيه المسمى الذي هو الله تعالى ؛ وهلا دلّ ذلك على أن الاسم عين المسمى؟ وجوابنا أنّ الاسم غير المسمى لأنه حروف مؤلفة تسمع وتكتب وليس كذلك المسمى لكن المراد تنزيهه تعالى فذكر الاسم وأريد المسمّى تعظيما وتفخيما، وربما يقول القائل في نبينا صلّى الله عليه وسلم صلوات الله على ذكره ويريده نفسه فيكون ذلك أدخل في الاجلال ولذلك قال تعالى بعده( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) وذلك من صفاته لا من صفات الاسم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلاَّ ما شاءَ اللهُ ) كيف يصح ذلك والنسيان من فعل الله تعالى لا من فعل العبد؟

وجوابنا أن المراد سنقرئك فلا تترك تعهد ما أنزلنا عليك ولا تدع التمسك بالعمل به ويكون معنى قوله تعالى( فَلا تَنْسى إِلاَّ ما شاءَ اللهُ ) بطريقة النسخ فإنه إذا نسخ تلاوة شيء كان متروكا ولا يجب أيضا العمل به إذا نسخ معناه وحكمه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ) كيف يصح ان يأمره بأن يذكر من تنفعه الذكرى وقد علمنا أنه يلزمه أن يذكر من هذا حاله ومن لم تنفعه الذكرى بأن لا يقبل ويتمرد؟ وجوابنا أن

٤٥٩

المراد تجديد الذكرى على من هذا حاله وإن كان البيان من جهته قد حصل بكل ومن المعلوم أن من حاله أن تنفعه الذكرى يكون في جملة ألطافه تكرير الذكرى عليه ويحتمل أن يريد الكل سواء قبلوا أم لم يقبلوا لأنهم إن لا يقبلوا لا يخرجوا من أن تكون الذكرى قد نفعتهم كما ينتفع الجائع بتقديم الطعام إليه وإن لم يختر الأكل.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ) كيف يصح أن يكون في النار لا حيّا ولا ميتا؟ وجوابنا أنّ المراد أنه لا يموت فيستريح من من ذلك العقاب ولا يحيى حياة ينتفع بها.

٤٦٠