تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن11%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80740 / تحميل: 4502
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً ) ان ذلك يدل على ان قتل الكفار لهم يوم أحد من قبل الله لا من فعل الكفار. وجوابنا أنّه تعالى اراد بالاذن العلم والكتابة ولم يرد الأمر لأن الموت لا يؤمر ولا الميت يؤمر بالموت ويحتمل اذنه تعالى الملائكة بالتوفي والاماتة وليس في الآية ذكر القتل ولو دخل فيها كان لا يمتنع لان المجاهد في الاكثر يجرح ثمّ تكون الاماتة من قبل الله تعالى وفي العلماء من يقول انه وان دخل فلا بد من وجود الموت من قبل الله تعالى فيه ونبه بقوله تعالى من بعد( وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ) على أن اختيار الراحة بترك الجهاد ليس فيها إلّا النفع المعجل وفي المصابرة على الجهاد ثواب الآخرة فرغب تعالى بذلك في المجاهدة.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ) بعد ذكر الموت وانه لا يكون إلّا باذنه تعالى. وجوابنا أنّه أراد مجازاة الصابرين على الجهاد وجعل صبرهم على الجهاد شكرا من حيث عبدوه تعالى تقربا اليه وطلبا لمرضاته وهذا كقوله تعالى( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً ) فجعل عبادتهم شكرا لله تعالى لـما فعلوه تعظيما له كما يشكر المنعم على وجه التعظيم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ) كيف يصح ذلك ونحن قد نجد في الذين كفروا من لا رعب في قلبه وربما يكون الرعب في قلوب المؤمنين. وجوابنا أنّه لا كافر يلقى الحرب مع المسلمين إلّا وفي قلبه رعب كما ذكره الله تعالى لانه لا يرجع في مقاتلته إلى دين يسكن اليه كالمؤمن، ولأن المؤمن يزداد

تنزيه القرآن (٦)

٨١

لطفا إلى لطف ويعرف ذلك عنه الكافر وهذا كقوله( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) وقيل ان ذلك نزل في كفار مخصوصين يوم أحد وهم الذين قال الله تعالى بحقهم( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ) فبين تعالى انه سيلقي الرعب في قلوبهم فيغلبهم المسلمون. [ مسألة ] وربما قيل قد قال( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ) وذلك في يوم أحد وهو كالدلالة على أنه تعالى يفعل فيهم الاقدار والصرف.

وجوابنا أنه تعالى ذمهم في قوله( حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ ) فأراد انه يوم بدر أراهم ما يحبون لـما لم يعصوا ويوم أحد عصوا وقد كان صلّى الله عليه وسلم رتب لهم في مجاهدة الكفار ترتيبا خالفوه فلما لم يثبتوا في المحاربة على ما رسمه لهم لم يلطف لهم لاجل المعصية بل شدد التكليف عليهم فجاز ان يقول( ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ) ولذلك قال تعالى( لِيَبْتَلِيَكُمْ ) أي ليمنحكم بمصالح العاقبة ثمّ قال( وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ ) ولو كان الصرف من خلق الله تعالى فيهم لم يكن لذلك معنى وإنّما ضمن لهم النصرة بشرط طاعة الرسول فلما خالفوه ولحقهم بذلك الغم الصارف جاز أن يصفهم تعالى بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ) وفي قوله من بعد( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) ان ذلك يدل على ان لا صنع للعبد. وجوابنا أنّه تعالى حكى عنهم ما ذمهم عليه وهو قوله( لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ) فلا دلالة فيما حكاه عنهم فأما قوله تعالى( قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) فالمراد به ما يتصل بالنصرة والتمكين ولو لا ذلك لـما أمرهم بالجهاد ولما ذمهم على تركه ولذلك قال بعده( يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ ) فنبه على انه تعالى يعلم من حالهم ما لا يعلمه صلّى الله عليه وسلّم وقوله تعالى بعد ذلك( وَلَوْ

٨٢

كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ترغيب للرسول صلّى الله عليه وسلم في جميل الاخلاق ليكون قبولهم أقرب ويدل على أن صرفهم فعلهم لانه لو كان خلقا من الله فيهم لـما صح ان يقول( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) لانه لا يصح منا أن نشاور فيما يخلقه تعالى ولما صح قوله( فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) ولما صح قوله( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ ) لان ما يوجد في الغالب والمغلوب هو من قبل الله تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ) كيف يصح ذلك على الانبياء. وجوابنا أنّ المراد ما كان له أن ينسب إلى ذلك في إحدى القراءتين وفي القراءة الاخرى ما كان له ان يفعل فنزهه عن الأمرين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ) كيف يصح ذلك وقد قتلوا وماتوا. وجوابنا أنّ المراد شهداء يوم أحد بين تعالى أنه قد أحياهم فلا ينبغي أن يظن فيهم انهم أموات وذلك صحيح وقد قال بعضهم مثل ذلك في كل الشهداء إذا ماتوا على توبة وطهارة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ) كيف يصح أن يبقيهم لتقع منهم المعاصي. وجوابنا أنّ المراد عاقبة أمرهم وذلك كقوله تعالى( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) والا فمراده من جميعهم العبادة والطاعة كما قال تعالى( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ

٨٣

قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا ) كيف يصح ذلك ممن يدين بالإله أن يقول ذلك. وجوابنا أنّ حكاية الله تعالى عنهم وقد ثبتت حكمته لا طعن فيه فمن سلم حكمته فلا كلام له وان لم يسلم دللنا على الأصل ولم نتكلم في الفروع فقد كان في العرب على ما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام من يقول ذلك حتّى يجعل من الانعام نصيبا من الله ولا يمتنع في المشبهة أن يكون فيهم من يقول ذلك فاذا جاز أن يدينوا بأنه تعالى رمدت عينه فعادته الملائكة إلى غير ذلك لم ينكر ما حكاه الله عنهم، ومن اليهود من يقول بنهاية التشبيه فيصح أن يكون هذا قوله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ ) فما الفائدة في أن كرر قوله( وَلا تَحْسَبَنَّ ) . وجوابنا أنّه قد حكى ان قوما من اليهود كانوا يفرحون باضلالهم الناس واجتماع كلمتهم على تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم ومع ذلك يقولون نحن ابناء الله وأحباؤه فقوله أولا( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ ) أراد به ما ذكرناه أولا وقوله( فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ ) أراد به ما ذكرناه ثانيا ويصح ايراد ذلك إذا طال الكلام بعض الطول فيكون من باب التوكيد الذي يحتاج اليه ثمّ ذكر تعالى قوله( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ ) والمراد بذلك أن يعتبر الخلق بالنظر في ذلك ويستدلون به على الله تعالى وقوله( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) يدل على ان الواجب على المرء أن لا يفارق ذكر الله تعالى على اختلاف أحواله ولذلك قال تعالى( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ويقولون( رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً ) ولو كان تعالى يخلق الظلم وسائر القبائح لـما صح ذلك ولما صح قوله( سُبْحانَكَ ) لان معنى ذلك تنزيهه تعالى عن كل سوء كما روى عنه صلّى الله عليه وسلم.

٨٤

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) كيف يصح أن يسألوا ذلك وخلافه لا يجوز على الله تعالى. وجوابنا أنّ المسألة بالمعلوم أنه تعالى يفعله تحسن إذا كان فيه فائدة للمكلف وعلى هذا الوجه يقول في الدعاء أللّهمّ صل على محمد ويقول أللّهمّ اغفر للمؤمنين ولذلك قال( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ ) فبين أنه يفعل ذلك وأنه لا يضيع أعمال المكلف بل يجازي عليها على ما فيه من التفاضل والتفاوت وفي ذلك اثبات العمل للعبد لانه تعالى لو خلق ذلك لكان انما يجازي على عمل نفسه والله يتعالى عن ذلك.

٨٥
٨٦

سورة النساء

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) ما الفائدة في ذكر الارحام مع ذكر الله. وجوابنا أنّه تعالى ذكر الارحام ليرغب الناس فيما يلزم من حقها وذكرها مع ذكره إعظاما لذلك ولذلك قال بعده( إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) يعلم ما تقدمون عليه في حق عبادته وما تفعلونه في حق ذى الارحام فهذا هو الفائدة.

[ مسألة ] وربما قيل في معنى قوله تعالى( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وأي تعلق لهذا بحديث الايتام. وجوابنا أنّ في الرواية أن من كان يقوم بحق اليتامى كان ربما يطمع في تزوجهن والبسط في أموالهن ويقفون أنفسهم عليهن للطمع فأباح الله تعالى هذا النكاح من غيرهن وحرم البسط في أموالهن ولذلك قال من بعده( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا ) وقال بعده( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) وكل ذلك يؤيد ما قلنا وأمر من كان غنيا في أموال اليتامى أن يستعفف ومن كان فقيرا أن يأخذ من أموالهم ما يجري مجري الاجرة على ما يأتيه من الاحتياط في أموالهم ثمّ قال تعالى( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ

٨٧

فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) لان ذلك هو الاحتياط من وجهين أحدهما أن لا يقصر فيما سلف والآخر ان يعرف حال اليتامى فيما دفع اليهم من افساد واصلاح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) ما الفائدة في ذكر النساء مع الرجال وذلك معلوم. وجوابنا انهم كانوا من قبل يورثون الرجال دون النساء وكان ذلك عادة له فأنزل الله تعالى ذلك ليعلم ان النساء كالرجال في حق الارث ثمّ بيّنه تعالى فيما بعد قطعا لهم عن العادة المتقدمة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) ما الفائدة في ذلك ولا حق لهم في التركة. وجوابنا أنّ ذلك كان قديما مما أوجبه الله كما كان تعالى أوجب الوصية للوالدين والاقربين إذا لم يرثوا ثمّ نسخ ذلك بآيات المواريث فبين الله تعالى فيها حق كل ذي حق وصارت هذه العطية مندوبا اليها وتكون عطية من جهة الورثة، وندب تعالى إلى حفظ المال لمكان الورثة بقوله( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ ) وعلى هذا الوجه ثبت الحجر بالمرض المخوف لحق الورثة خصوصا إذا كانوا ذرية ضعافا وبين في آيات المواريث ما أنعم الله تعالى به عليهم وان كان سببه موت المورث فذكر جملة المال وأنه يرثه من له حق التعصيب إما بانفراده وإما مع الاناث، وذكر في الانصباء الثلثين والنصف والثلث والربع والسدس والثمن فهذا جملتها التي يقع عليه القيمة في المواريث ثمّ قال تعالى معظما للتعدي في ذلك( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) فأوجب النار لمن تعدى فيما يتولى جل وعز قسمته.

٨٨

[ مسألة ] وربما قيل كيف أوجب تعالى فيمن يأتى الفاحشة من النساء الامساك في البيوت وقد أوجب فيهن الحدود والرجم وكذلك في اللذين يأتيان النساء أوجب الأذى مع ايجاب الحد. وجوابنا أنّ ذلك كان قديما ثمّ نسخ بالجلد والرجم فالجلد في البكرين والرجم في المحصنين إذا حصلت شرط الاحصان ويوجب تعالى في العبد النصف من الجلد وذلك مبين في كتب الفقه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ) كيف يصح أن لا تفيد هذه التوبة. وجوابنا أنّ ذلك ورد فيمن أيس من الحياة لأنه عند ذلك يصير المرء ملجأ إلى ترك المعصية وإنّما يقبل التوبة ممن يتردد بين خوف ورجاء فيشق عليه التوبة، فأما في حال الإلجاء فذلك لا ينفع كما لا ينفع أهل النار التوبة والندامة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) ما الفائدة في ذلك ولا يحل أخذ المال من أحد كرها. وجوابنا أنّه انما خص النساء لـما يحصل لهن من الاختلاط بالأزواج حتّى يتوهم في مال أحدهما انه مال الآخر فبيّن تعالى أن ذلك لا يمنع من تحريم أخذ ما لهن من دون الرضا ولذلك قال( وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ ) والمراد بذلك المنع من الطمع فيهن وعلى هذا الوجه حرم الله تعالى الخلع إلّا عند ضرب من الخوف على ما ذكره في قوله( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) كيف يصح ذلك، وإنّما يحسن أن يكره ما يكون قبيحا ولا يجوز أن يجعل الله تعالى في القبائح خيرا

٨٩

كثيرا. وجوابنا أنّ المراد بالكراهة في هذا الموضع نفار الطبع لا الكراهة التي هي في مقابلة الارادة فذكر الله تعالى ذلك في كراهة النساء بأن يكون نافر الطبع عن عشرتها وبيّن إن ذلك إذا صبر عليه ربما حصل الخير الكثير في عاقبته لأن المرء قد يكره بعض النساء في وقت ثمّ يتفق فيما بعد أن يعظم محبته لهن وانتفاعه بهن فلا ينبغي لمن تزوج أن يقدم على ما يقتضيه نفار طبعه بل يتوقف ويتبصر لجواز تغير الحال عليه وعليهن فهذا هو المقصد والله أعلم. ويحتمل وعسى أن تكرهوا فراقهن ويكون في ذلك خير كثير على نحو قوله تعالى( وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) ولذلك قال تعالى( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ ) وبيّن أن ما يؤتيهن من الصداق لا يحل له أن يأخذ منه شيئا.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) كيف يكون أخذه ما أعطاهن من الصداق بهتانا والبهتان من صفات الكلام فهو الكذب وجوابنا أنّه شبهه بالكذب من حيث كان أخذه كالنقض للعطية والخلف لها فعظمه الله تعالى بأن شبهه بالكذب الذي مخبره على خلاف ما هو به من حيث كان كالمتكفل بالعقد والدفع اليها بأن لا يأخذ ذلك فاما كونه إثما مبينا فبين، لان وصفه وتجليه وظهوره مبين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ ) كيف استثنى ما سلف من هذا النهي ومثل ذلك يستحيل لأنّ ما سلف لا يصح أن يباح ويحظر. وجوابنا أنّ النهي يتضمن التحريم واذا كان محرما بالشرع في المستقبل وما سلف جرى على حد الاباحة لم يمتنع ذلك فكانه قال ما نكح آباؤكم من النساء حرام عليكم

٩٠

الا ما قد سلف فانه وقع مباحا ويكون المعنى صحيحا وقد قيل أنّ المراد به سوى ما قد سلف، كما يقول الرجل لمن ينهاه عن بيع متاعه بعد ان كان قد أذن له، لا تبع متاعي إلّا ما بعته ويحتمل أن يكون المراد إلّا ما قد سلف فلا تؤاخذون به وقوله بعده( إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ) يقوي التأويل الأوّل لانه كانه قال إن ذلك فاحشة دون ما سلف فانه ليس كذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) أليس ذلك يقتضي اباحة سوى من ذكر لقوله وأحل لكم ما وراء ذلكم. وجوابنا أنّه قد دخل تحت الأمهات كل من له حظ في الولادة وذلك معلوم بالاجماع وان كان نفس اللفظ لا يوجبه لأن الأم إذا أطلق فالمراد به من لها لولادة خاصة وعلى هذا الوجه لم يعقل من قوله تعالى( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) الجدة فحرم الله تعالى على الانسان أمه وكل أم له بواسطة، وحرم عليه ابنته وكل ابنة له بواسطة، وكما حرم عليه ذلك حرم عليه الاخوات وأولادهن وان كان ذلك بواسطة، وحرم عليه بنات جده من العمات والخالات ولم يحرم أولادهن فجلة ما حرم من النساء لمكان النسب هذه السبعة وحرم بالنسب أيضا سبعة فحرم حليلة الابن وحرم أمهات نسائه وحرم بنات نسائه وهن الربائب بشرط الدخول بالأم، وحرم الجمع بين الاختين وحرم بالرضاع مثل ما حرم بالنسب فقد روى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وان كان تعالى انما نص على الامهات والأخوات وقد ثبت بالسنة تحريم الجمع بين العمة وبنت أخيها والخالة وبنت أختها وأجرى ذلك مجرى الجمع بين الأختين فهذا هو طريق يبين ما حرم الله تعالى من النساء في عينهن وعلى وجه الجمع بين ما أحله من ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ )

٩١

ان ذلك يدل على ان المتعة تحل كما يحل النكاح. وجوابنا أنّ من تعلق بذلك فقد اغتر بهذه اللفظة وإنّما أراد تعالى ان ما أحله من النساء محصنين غير مسافحين فله أن يستمتع ولم يذكر تعالى سبب الاستمتاع في هذه الآية وقد ذكر من قبل في قوله( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) فانما أباح الاستماع بشرط النكاح على ما ذكرنا ولذلك قال من بعد( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) وذلك لا يليق إلّا بعقد وقد ثبت فيه الاجر المسمى ولذلك قال( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) يعني بنقصان وزيادة ولذلك قال( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ ) فكل ذا يزيل هذه الشبهة وإنّما ورد في الخبر المتعة وانه صلّى الله عليه وسلم أباحه في حال الضرورة ثمّ حرمه وقد حرمه الله تعالى في كتابه بقوله( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) وظهر عن الصحابة تحريم ذلك فان عمر بن الخطاب خطب بتحريمه على المنبر وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوفرون فصار ذلك كالاجماع وأنكر ذلك علي٧ لـما بلغه اباحة ذلك عن ابن عباس انكارا ظاهرا وقد حكى عنه٢ الرجوع عن ذلك فصار حظره اجماعا من كل الصحابة وذكر تعالى عقيب هذه الآيات التي بيّن فيها ما يحل وما يحرم من النساء ما يريد من العبادة فقال تعالى( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) فبين انه يريد الهداية والبيان والتوبة والعبادة دون اتباع الشهوات فأبطل بذلك قول من يقول إنه تعالى كما يريد الحسن يريد القبيح تعالى الله عن قولهم.

٩٢

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) كيف يصح أن يأكل مال نفسه بالباطل. وجوابنا أنّ الله تعالى ذكر الاكل وأراد سائر التصرف ويحرّم على المرء في مال نفسه أن يتصرف فيه بالامور المحرمة وأن يسرف في ماله ويبذر وأن يتجر فيه بالربا وغيره فهذا هو المراد فأما أكل مال الغير بالباطل فالامر فيه ظاهر ولذلك قال تعالى( إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) كيف يصح النهي عن ذلك ومعلوم ان الانسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه. وجوابنا أنّ المفسرين حملوه على ان المراد أن لا يقتل بعضهم بعضا على حد قوله( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) وقد ذكر فيه أن المراد، وأن لا يتعرض المرء لاسباب التلف فيكون في حكم القاتل لنفسه على حد قوله( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ ) ويحتمل ان يكون المراد، بذكر القتل الهلاك ويكون معناه مفارقة المعاصي لأنها تؤدي إلى الهلاك ولذلك قال تعالى بعده( إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً ) ثمّ بيّن تعالى بعده ما يدل على ان الكبائر لا تغفر فقال( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) فشرط تعالى في تكفير السيئات التي ليست كبائرا اجتناب الكبائر فدل بذلك على أن المؤاخذة تقع بها ولا تقع المغفرة بنفس الكبائر وهذا أحد ما يدل على أن أهل الصلاة فيما يفعلون من الكبائر إذا أصروا عليها يؤاخذون بها بالصغائر جميعا ودل قوله جل وعز( وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) أن تمني ما يكون حسدا يقبح وان الواجب على المرء أن يتمنى ما يدبر عليه في احوال الدنيا من نقصان وزيادة ولذلك قال( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ) وفي الروايات ان العادة كانت في

٩٣

الميراث وغيره أن يختص به الرجال في أوّل الاسلام فنزلت هذه الآية وعلم بها ان النساء كالرجال وأن لهن حقا في الميراث وفي سائر أسباب التملك ثمّ ذكر تعالى أن الواجب على المرء أن يسأل ربه ما يريده من الفضل في الدنيا ويعدل عن طريقة التمني، فلذلك قال( وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) كيف يصح ذلك وبالمعاقدة لا يرث المرء. وجوابنا أنّ ذلك قد كان في أوّل الاسلام ثمّ نسخ بآية المواريث كما قد كانوا يرثون بالهجرة ثمّ نسخ.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) كيف أوجب ذلك لأجل انه فضل بعضهم على بعض ولأجل انفاقهم لأموالهم فقد تكون المرأة أفضل من الرجل وأكثر انفاقا. وجوابنا أنّه تعالى جعل ذلك علة في جملة الرجال لا في آحادهم لأن الغالب انهم أفضل في التدبير والرأي وطلب المعاش من النساء في أحوال كثيرة وانهم الذين يتولون الانفاق والعلة إذا صارت للجملة لم يطعن فيها بالأندر في الآحاد والله تعالى جعلهم بهذا الوصف في مقابلة انه جعل النساء حافظات للغيب على الرجال مؤتمنات على ما يتصل بتدبير المنزل فلكل فريق في ذلك من الحظ ما ليس للآخر.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله تعالى( وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) ومعلوم أن نشوزهن إذا زال بالوعظ لم يحسن الهجران والضرب فكيف جمع تعالى بين الثلاثة. وجوابنا أنّ المراد بذلك الترتيب لا الجمع فمن يؤمل زوال نشوز امرأته بالوعظ لم يحسن منه الهجران ومن يرجو ذلك بالهجران لم يحسن منه الضرب واذا لم يرج زوال ذلك إلّا بالضرب على وجه التأديب يحسن منه ذلك، فكأنه تعالى قال فعظوهن واهجروهن اذ لم ينفع ذلك أو اضربوهن ان

٩٤

لم يؤثر ذلك وإنّما صح ذلك لأن مراد المرء فيما يغمه من غيره أن لا يقع ذلك فاذا أمكنه التوصل إلى أن لا يقع بالسهل لم يكن له أن يعدل إلى ما فوقه وهكذا مذهبنا في النهي عن المنكر ومثل ذلك يتعلق حسنه باجتهاد المرء فكأنه تعالى بيّن أن الذي يحسن منه عند نشوز المرأة أحد هذه الثلاثة على الترتيب الذي ذكرناه ولذلك قال تعالى( فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) فنبه بذلك على ان لا سبيل لكم عليها إذا أطاعت بالموعظة فدل بذلك على صحة ما ذكرناه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً ) بعد قوله( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) كيف تعلق ذلك بهذا النهي. وجوابنا أنّه تحذير من هذا الفعل لأن معنى قوله ان الله كان عليا كبيرا انه مقتدر على المؤاخذة بما نهاكم عنه وكذلك قوله( كَبِيراً ) فحذر تعالى من المخالفة بذكر هذين الوصفين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) فما يدل ذلك على انه تعالى يفعل فيهما الموافقة وان فعلهما من خلق الله تعالى. وجوابنا أنّ التوفيق لا يكون إلّا من قبل الله تعالى وهو الأمر الذي يدعو العبد إلى الصلاح فعند الشقاق أمر تعالى بالحكمين من قبل الرجل والمرأة ثمّ بيّن ان ذلك معني وأن بذل الجهد غير التوفيق من الله فليس الأمر كما قدروه بل يدل على ان فعل العبد من جهته لأنه لو كان من خلق الله تعالى فيه لاستغنى عن التوفيق ولذلك قال تعالى في هذا التوفيق ان من شرطه أن يريدا اصلاحا لا افسادا ليتخفف ذلك الواقع من قبله تعالى.

[ فصل ] ولما بين لنا ما نعامل به النساء عند الصلاح وعند النشوز وعند الشقاق بيّن، أيضا ما يلزم المرء أن يفعله لصلاح دينه فقال( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا

٩٥

تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ) وذلك يجمع كل العبادات والطاعات التي تختص به ثمّ قال( وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) يجمع تعالى بذلك الاحسان إلى كل محتاج وان كان بعضهم أقرب إلى المرء كنحو ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وملك اليمين وبعضهم أبعد كنحو اليتامى والمساكين وابن السبيل فأمر بالاحسان إلى الكل ثمّ من بعد ذلك نبه المرء على طريقة التواضع فقال( إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً ) فهذه الآية جامعة لكل ما يحتاج المرء اليه فتدخل فيه العبادات بكمالها وضروب الاحسان والانفاق في سبيله والمنع من ضروب التكبر والعدول عنه إلى التواضع فهو على اختصاره بجمع ما يدخل في المجلدات الكبار ثمّ قال تعالى( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) فجعل ذلك من صفات من يكون مختالا فخورا فنبه بذلك على ان الانفاق هو الذي يخرجه من أن يكون فخورا ومن أن يكون بخيلا فالذي يخرج من ذلك لا يكتم ما آتاه الله من فضله فيرى شكورا معترفا بنعم الله قولا وفعلا فكل ذلك تأديب من الله تعالى في باب الدين. وبين من بعد كيف ينبغي أن ينفق في ذات الله تعالى فقال( وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً ) فرغب في ذلك حتّى ختم الكلام بقوله جل وعز( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) فبين كيف يدبر المكلفين ولا يظلم أحدا منهم حتّى يمنعه المصالح ويمنعه الثواب أو يزيد في عقابه وبين انه في الحسنات

٩٦

يضاعف ثوابها وبيّن أنه يؤتى المرء الاجر العظيم على ما ينزل به من الشدائد ودل بقوله إنه لا يظلم مثقال ذرة على بطلان قول هؤلاء القدرية الذين يقولون لا ظلم إلّا من قبل الله وبخلقه وإرادته. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ثمّ بيّن تعالى أنه صلّى الله عليه وسلم يكون شاهدا على أمته بما يقع منهم من خير وشر فحذر بذلك من المعاصي وأن المرء إذا علم ان الرسول صلّى الله عليه وسلم مع عظم محله يشهد عليه كان أبعد من المعصية وبين أن شهادته تكون يوم القيامة وان( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ) فيتمنون أن يبقوا في التراب وفي القبر لـما رأوه من العذاب ويصيرون بحيث لا يكتمون الله حديثا حتّى تشهد عليهم أيديهم وألسنتهم بما كانوا يعملون فلو لم يتدبر المرء إلّا هذه الآيات لكفاه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) كيف يصح ذلك والسكران لا يخاطب لزوال عقله. وجوابنا أنّ المراد المنع من السكر الذي لا يمكن اقامة الصلاة معه لا انه إذا سكر يؤمر وينهى هذا هو الوجه. وروى عن بعض الصحابة انه جعل ذلك أوّل دلالة على تحريم الخمر ودل قوله( حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) على ان الصلاة لا تصح إلّا بقول فذلك احد ما يدل على وجوب الذكر والقراءة في الصلاة ويدل أيضا على ان المصلي يجب ان يكون عالما بصلاته وبقراءته متدبرا لها فلا يصلي وهو غافل ونهى تعالى الجنب ان يقرب الصلاة إلّا عابر سبيل حتّى يغتسل فدل بذلك على انه متى لم يكن مسافرا لم تصح صلاته إلّا بالاغتسال ونبه جل وعز على انه إذا كان مسافرا يجوز ان يصلي بلا اغتسال بل بالتيمم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ

تنزيه القرآن (٧)

٩٧

وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أو نَلْعَنَهُمْ ) كيف يصح أولا ان يكون القرآن مصدقا لـما معهم وكيف يصح في الوجوه ان ترد على أدبارها وذلك يخرجها من أن تكون وجوها. وجوابنا أنّ القرآن مصدق لكتبهم من حيث فيها البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم ومخالفة شريعتهم لـما في القرآن لا تمنع من أن يكون مصدقا كما أن ثبوت الناسخ والمنسوخ في القرآن لا يمنع من ذلك. فأما طمس الوجوه وردها على أدبارها فمن عظيم ما يخوف به المرء من المعصية ولم يقل تعالى انه بعد ردها على ادبارها تكون وجوها لهم ولو قيل ذلك كان لا ينكر لان صورة الوجه إذا لم تتغير اجرى عليه هذا الاسم وبين تعالى من بعد انه لا يغفر ان يشرك به والمراد الاصرار على الشرك ثمّ انه( يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) والمراد مع الاصرار واذا صح ذلك فانما أراد أصحاب الصغائر دون أصحاب الكبائر لقوله تعالى( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ) وليس في اليهود من يعبد الصنم ويؤمن به فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه ليس المراد بالجبت والطاغوت الأصنام بل المراد به الشيطان والسحرة على ما روي عن الحسن وغيره والمروي عن ابن عباس ان كعب بن الاشرف قال لقريش أنتم خير من محمد ووعدهم بمعونة عليه فقالوا له أنتم أهل الكتاب ولا نأمن ان يكون ذلك خديعة فان أردت أن نثق بقولك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ففعل فنزلت هذه الآية « وقد قيل أنّ المراد به الكهنة والسحرة كقوله يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت » وبعد فليس في قوله( أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ) انهم أهل كتاب لان كثيرا ممن بعث اليه موسى وعيسى صلّى الله عليهما وسلم يدخلون في هذا الوصف وان لم يؤمنوا فلا يدل على ما ذكروه وقد يقال لمن تبع طريقة من يعبدون الاصنام انه يؤمن بها كقوله تعالى( اتَّخَذُوا

٩٨

أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) لـما اطاعوهم وكل ذلك يسقط هذه الشبهة.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) ان ذلك يوجب تعذيب من لم يذنب أو تعذيب بعض من العاصي لم يكن بعضا له في حال الذنب ويوجب أيضا ان يصير الواحد من أهل النار على الايام في نهاية العظم بأن يخلق له الجلد حالا بعد حال وكل ذلك لا يحسن. وجوابنا أنّ المراد بهذا التنزيل انه تعالى يغير ذلك الجلد عن صورة الاحتراق إلى صورة الصحة فيقال انه بدل وان كان الجلد ثانيا هو الذي كان أولا كما يقال في الماء انه قد تغير وتبدل إذا اذا صار ملحا بعد ان كان عذبا. وقد قيل ان الله تعالى يخلق جلدا بعد جلد ولا يوجب ذلك فسادا لان المعذب هو العاصي دون ابعاضه ويصح عندنا ان يعظم الله تعالى جسد أهل النار على ما روى في الخبر ويعذبون وهذا كما يذم ويلعن الكافر وان صار بعد كفره سمينا ولا يؤدي إلى العظم الذي ينكر فانه تعالى كما يخلق جلدا بعد جلد يفنى ذلك حالا بعد حال ولذلك قال تعالى( لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) فجعل ذلك عذابا لهم لا للجلد.

[ فصل ] وقوله تعالى( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ) يدل على ان العبد هو الفاعل والا لم يكن لهذا الامر معنى ولا للوعظ فائدة إذا كان تعالى هو الخالق لرد الامانة وللحكم وأي نفع في هذا الوعظ ان كان مراده تعالى ذلك وأي تأثير بهذا الوعظ حتّى يصفه بهذا الوصف وحتى يمن تعالى على عباده بذلك وكذلك قوله تعالى من بعد( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) لا يصح إلّا إذا كان العبد هو المختار لفعله فيكون موافقا لـما في الكتاب ولسنة الرسول صلّى الله عليه وسلم

٩٩

ولطريقة العلماء. وقد اختلفوا في أولى الامر منكم فمنهم من قال الامراء ومنهم من قال العلماء وقوله من بعد( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) يدل على انهم الفاعلون لهذا الرد عند التنازع والا كان قوله( إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ ) لا يفيد إذا الفائدة في ذلك ان إيمانكم بالله يقتضي امتثال أمره بهذا الرد وصف تعالى بعد ذلك المنافقين بانهم يزعمون انهم آمنوا بالله والرسول ويريدون مع ذلك( أَنْ يَتَحاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) والمراد بذلك شيطان الانس أو الجن على ما تقدم ذكره ولذلك قال بعده( وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أو اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ) كيف يصح ان يكلفهم قتل أنفسهم مع ان الانسان ملجأ إلى ان لا يقتل نفسه. وجوابنا أنّ المراد قتل بعضهم لبعض كقوله تعالى( فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) وعلى هذا الوجه تأوله المفسرون ويحتمل ان يكون المراد التعرض لاسباب الهلكة وقد يقال لمن يفعل ذلك انه قتل نفسه ولذلك قال بعده( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) فنبه بذلك على ان الايمان منهم مما يصح ويصح خلافه وذلك يدل على أنّ ذلك فعلهم لانه لا يقال لمن لا يصح منه إلّا القيام فقط لو فعل القعود لكان خيرا له وبيّن من بعد حال المطيع بما يرغب نهاية الترغيب في الطاعة فقال( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً ) ثمّ رغب تعالى في الجهاد فقال( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أو انْفِرُوا جَمِيعاً ) ووصف

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

قال المصنّف ١(١) :

التاسع : الضرورة قاضية بالفرق بين من أحسن إلينا دائما ، ومن أساء إلينا دائما ، وحسن مدح الأوّل وذمّ الثاني ، وقبح ذمّ الأوّل ومدح الثاني ، ومن شكّ في ذلك فقد كابر مقتضى عقله.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٥.

٤٤١

وقال الفضل(١) :

هذا الحسن وهذا القبح ممّا لا نزاع فيه بأنّهما عقليّان ؛ لأنّهما يرجعان إلى الملاءمة والمنافرة ، أو الكمال والنقص.

على إنّه قد يقال : جاز أن يكون هناك عرف عامّ هو مبدأ لذلك الجزم المشترك ، وبالجملة : هو من إقامة الدليل في غير محلّ النزاع ، والله تعالى أعلم.

هذه جملة ما أورده من الدلائل على رأيه العاطل ، وقد وفّقنا الله لأجوبتها كما يرتضيه أولو الآراء الصائبة.

ولنا في هذا المبحث تحقيق نريد أن نذكره في هذا المقام ، فنقول :

اتّفقت كلمة الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة على إنّ من أفعال العباد ما يشتمل على المصالح والمفاسد ، وما يشتمل على الصفات الكمالية والنقصانية ، وهذا ممّا لا نزاع فيه.

وبقي النزاع في أنّ الأفعال التي تقتضي الثواب أو العقاب ، هل في ذواتها جهة محسّنة ، صارت تلك الجهة سبب المدح والثواب ، أو جهة مقبّحة ، صارت سببا للذمّ والعقاب ، أو لا؟

فمن نفى وجود هاتين الجهتين في الفعل ، ماذا يريد من هذا النفي؟!

إن أراد عدم هاتين الجهتين في ذوات الأفعال ، فيرد عليه أنّك

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٧٧.

٤٤٢

سلّمت وجود الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة في الأفعال ، وهذا عين التسليم بأنّ الأفعال في ذواتها جهة الحسن والقبح ؛ لأنّ المصلحة والكمال حسن ، والمفسدة والنقص قبح.

وإن أراد نفي كون هاتين الجهتين مقتضيتان للمدح والثواب بلا حكم الشرع بأحدهما ؛ لأنّ تعيين الثواب والعقاب للشارع والمصالح والمفاسد في الأفعال التي تدركهما العقول ، لا يقتضي تعيين الثواب والعقاب بحسب العقل ؛ لأنّ العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد في الأفعال ، ومزج بعضها ببعض ، حتّى يعرف الترجيح ويحكم بأنّ هذا الفعل حسن لاشتماله على المصلحة ، أو قبيح لاشتماله على المفسدة ، فهذا الحكم خارج عن طوق العقل فتعيّن تعيّنه للشرع.

فهذا كلام صالح صحيح لا ينبغي أن يردّه المعتزلي.

مثلا : شرب الخمر كان مباحا في بعض الشرائع ، فلو كان شرابه حسنا في ذاته بالحسن العقلي ، كيف صار حراما في بعض الشرائع الأخر؟! هل انقلب حسنه الذاتي قبحا؟!

وهذا ممّا لا يجوز ، فبقي أنّه كان مشتملا على مصلحة ومفسدة ، كلّ واحد منهما بوجه ، والعقل كان عاجزا عن إدراك المصالح والمفاسد بالوجوه المختلفة.

فالشرع صار حاكما بترجيح جهة المصلحة في زمان ، وترجيح جهة المفسدة في زمان آخر ، فصار حلالا في بعض الأزمنة حراما في البعض الآخر.

فعلى الأشعري أن يوافق المعتزلي ؛ لاشتمال ذوات الأفعال على جهة المصالح والمفاسد ، وهذا يدركه العقل ولا يحتاج في إدراكه إلى الشرع.

٤٤٣

وهذا في الحقيقة هو الجهة المحسّنة والمقبّحة في ذوات الأفعال.

وعلى المعتزلي أن يوافق الأشعري أنّ هاتين الجهتين في العقل لا تقتضي حكم الثواب والعقاب والمدح والذمّ باستقلال العقل ؛ لعجزه عن مزج جهات المصالح والمفاسد في الأفعال.

وقد سلّم المعتزلي هذا في ما لا يستقلّ العقل به ، فليسلّم في جميع الأفعال ، فإنّ العقل في الواقع لا يستقلّ في شيء من الأشياء بإدراك تعلّق الثواب.

فإذا كان النزاع بين الفريقين مرتفعا ، تحفّظ بهذا التحقيق ، وبالله التوفيق.

* * *

٤٤٤

وأقول :

قد عرفت في أوّل المطلب أنّ الملاءمة والمنافرة جهتان تقتضيان الحبّ والبغض ، والرضا والسخط ، لا الحسن والقبح العقليّين ، فلا معنى لعدّهما من معاني الحسن والقبح.

وعرفت أنّ كثيرا من صفات الكمال والنقص ، كالإحسان والإساءة أفعال حقيقية ، والحسن والقبح فيها لا يناطان بلحاظ الوصفية ، فإذا أقرّ الخصم بحسن الإحسان وقبح الإساءة فقد تمّ المطلوب.

على إنّه لا ريب بصحّة مدح المحسن وذمّ المسيء ، فيكون الإحسان حسنا والإساءة قبيحة بالمعنى الثالث الذي فيه النزاع ، فلا معنى لإرجاعه إلى أحد المعنيين الأوّلين.

وأمّا ما ذكره في العلاوة المأخوذة من « شرح المواقف »(١)

ففيه : إنّه إذا أريد من العرف العامّ اتّفاق آراء العقلاء على حسن شيء أو قبحه ، فهو الذي تذهب إليه العدلية ، ولكن لا معنى لتسميته بالعرف العامّ ، ولا يتصوّر تحقّق العرف العامّ من دون أن يكون هناك حسن وقبح عقليّان ، فإنّه ليس أمرا اصطلاحيا.

وأمّا ما بيّنه في تحقيقه فهو رجوع إلى قول العدلية بثبوت الحسن والقبح العقليّين ، بسبب جهات محسّنة أو مقبّحة ، ولا نزاع لأهل العدل معهم إلّا بهذا كما سبق.

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٩٢.

٤٤٥

كما إنّ ظاهره تسليم اقتضائهما للمدح والذمّ عقلا ، لكنّه قال : « إنّ العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد ، وعاجز عن إدراك استحقاق الثواب والعقاب على الأفعال من حيث هي » وهو مسلّم في الجملة عند العدليّين ، فإنّهم لا يقولون : إنّ جميع الأفعال يدرك العقل حسنها أو قبحها ، بل منها ما هو علّة للحكم بالحسن والقبح ، كالعدل والظلم

ومنها ما هو مقتض للحكم كالصدق أو الكذب

ومنها ما هو يختلف بالوجوه والاعتبارات ، والعقل قد يعجز عن إدراك الوجوه.

وأمّا تمثيله بشرب الخمر ، فغير صحيح عند الإمامية ؛ لما أخبرهم به أهل البيت من أنّ الخمر لم يحلّ في شرع من الشرائع(١) ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

* * *

__________________

(١) الكافي ٦ / ٣٩٥ ح ١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٢ ح ٤٤٥.

٤٤٦

فهرس المحتويات

من هم الفرة الناجية؟من هم الفرقة الناجية؟ ٥

من هم الفرقة الناجية؟ ٧

وبعد ، ٧

وقال الفضل(١) : ١١

أقول : ٢٥

المحسوسات أصل الاعتقادات ٤١

المسألة الأولى ٤١

في الإدراك ٤١

[ المبحث ] الأوّل ٤١

[ الإدراك أعرف الأشياء ] ٤١

وقال الفضل : ٤٤

وأقول : ٤٧

المبحث الثاني ٥١

في شرائط الرؤية ٥١

وقال الفضل : ٥٣

وأقول : ٥٥

المبحث الثالث ٦١

في وجوب الرؤية عند حصول هذه الشرائط ٦١

وقال الفضل : ٦٣

وأقول : ٦٦

المبحث الرابع ٧١

في امتناع الإدراك مع فقد الشرائط ٧١

٤٤٧

وقال الفضل : ٧٥

وأقول : ٧٨

المبحث الخامس ٨١

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية ٨١

وقال الفضل : ٨٣

وأقول : ٨٦

المبحث السادس ٩٣

في أنّ الإدراك ليس لمعنى ٩٣

وقال الفضل : ٩٥

وأقول : ٩٧

المبحث السابع ١٠١

في أنّه تعالى يستحيل أن يرى ١٠١

وقال الفضل : ١٠٥

وأقول : ١١٠

المسألة الثانية ١٣٣

في النظر وفيه مباحث : ١٣٣

[ المبحث ] الأوّل ١٣٣

إنّ النظر الصحيح يستلزم العلم ١٣٣

وقال الفضل : ١٣٥

وأقول : ١٣٧

المبحث الثاني ١٤١

في أنّ النظر واجب بالعقل ١٤١

وقال الفضل : ١٤٣

وأقول : ١٤٨

٤٤٨

المبحث الثالث ١٥٣

في أنّ معرفة الله تعالى واجبة بالعقل ١٥٣

وقال الفضل : ١٥٥

وأقول : ١٥٨

المسألة الثالثة ١٦٥

في صفاته تعالى ١٦٥

[ المبحث ] الأوّل ١٦٥

إنّه تعالى قادر على كلّ مقدور ١٦٥

وقال الفضل : ١٦٧

وأقول : ١٦٩

المبحث الثاني ١٧٣

في أنّه تعالى مخالف لغيره ١٧٣

وقال الفضل : ١٧٥

وأقول : ١٧٦

المبحث الثالث ١٧٩

في أنّه تعالى ليس بجسم ١٧٩

وقال الفضل : ١٨٢

وأقول : ١٨٣

المبحث الرابع ١٨٩

في أنّه تعالى ليس في جهة ١٨٩

وقال الفضل : ١٩٠

وأقول : ١٩٢

المبحث الخامس ١٩٥

في أنّه تعالى لا يتّحد بغيره ١٩٥

٤٤٩

وقال الفضل : ١٩٦

وأقول : ٢٠٠

المبحث السادس ٢٠٣

في أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ٢٠٣

وقال الفضل : ٢٠٥

وأقول : ٢١٠

في حقيقة الكلام ٢٢٣

المبحث السابع ٢٢٣

في أنّه تعالى متكلّم ٢٢٣

[ المطلب ] الأوّل ٢٢٣

في حقيقة الكلام ٢٢٣

وقال الفضل : ٢٢٥

وأقول : ٢٢٩

كلامه تعالى متعدّد ٢٣٥

[ المطلب ] الثاني ٢٣٥

في أنّ كلامه تعالى متعدّد ٢٣٥

وقال الفضل : ٢٣٧

وأقول : ٢٣٨

حدوث الكلام ٢٤١

المطلب الثالث ٢٤١

في حدوثه ٢٤١

وقال الفضل : ٢٤٤

وأقول : ٢٤٦

٤٥٠

استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة ٢٥١

المطلب الرابع ٢٥١

في استلزام الأمر والنهي : الإرادة والكراهة ٢٥١

وقال الفضل : ٢٥٢

وأقول : ٢٥٤

كلامه تعالى صدق ٢٥٧

المطلب الخامس ٢٥٧

في أنّ كلامه تعالى صدق ٢٥٧

وقال الفضل : ٢٥٩

وأقول : ٢٦١

صفاته عين ذاته ٢٦٧

المبحث الثامن ٢٦٧

في أنّه تعالى لا يشاركه شيء في القدم ٢٦٧

وقال الفضل : ٢٧٠

وأقول : ٢٧٤

البقاء ليس زائدا على الذات ٢٨٥

المبحث التاسع ٢٨٥

في البقاء ٢٨٥

المطلب الأوّل ٢٨٥

إنّه ليس زائدا على الذات ٢٨٥

وقال الفضل : ٢٨٨

وأقول : ٢٩١

إنّه تعالى باق لذاته ٢٩٥

المطلب الثاني ٢٩٥

٤٥١

في أنّ الله تعالى باق لذاته ٢٩٥

وقال الفضل : ٢٩٧

وأقول : ٢٩٩

البقاء يصحّ على الأجسام ٣٠٣

خاتمة ٣٠٣

[ الحكم ] الأوّل ٣٠٣

البقاء يصحّ على الأجسام [ بأسرها ] ٣٠٣

وقال الفضل : ٣٠٥

وأقول : ٣٠٦

البقاء يصحّ على الأعراض ٣٠٧

الحكم الثاني ٣٠٧

في صحّة بقاء الأعراض ٣٠٧

وقال الفضل : ٣١١

وأقول : ٣١٦

القدم والحدوث اعتباريّان ٣٢١

المبحث العاشر ٣٢١

في أنّ القدم والحدوث اعتباريّان ٣٢١

وقال الفضل : ٣٢٣

وأقول : ٣٢٤

نقل الخلاف في مسائل العدل ٣٢٥

المبحث الحادي عشر ٣٢٥

في العدل ٣٢٥

[ المطلب ] الأوّل ٣٢٥

في نقل الخلاف في مسائل هذا الباب ٣٢٥

٤٥٢

وقال الفضل : ٣٢٧

وأقول : ٣٢٨

قال المصنّف ٣٢٩

وقال الفضل : ٣٣٠

وأقول : ٣٣٢

قال المصنّف ٣٣٤

وقال الفضل : ٣٣٥

وأقول : ٣٣٦

قال المصنّف ٣٣٧

وقال الفضل : ٣٣٨

وأقول : ٣٣٩

قال المصنّف ٣٤٠

وقال الفضل : ٣٤١

وأقول : ٣٤٢

قال المصنّف ٣٤٥

وقال الفضل : ٣٤٦

وأقول : ٣٤٧

قال المصنّف ٣٤٨

وقال الفضل : ٣٤٩

وأقول : ٣٥٠

قال المصنّف ٣٥١

وقال الفضل : ٣٥٢

وأقول : ٣٥٣

قال المصنّف ٣٥٦

٤٥٣

وقال الفضل : ٣٥٧

وأقول : ٣٥٨

قال المصنّف ٣٦٢

وقال الفضل : ٣٦٣

وأقول : ٣٦٤

قال المصنّف ٣٦٥

وقال الفضل : ٣٦٦

وأقول : ٣٦٧

قال المصنّف ٣٦٨

وقال الفضل : ٣٦٩

وأقول : ٣٧٠

قال المصنّف ٣٧١

وقال الفضل : ٣٧٢

وأقول : ٣٧٣

قال المصنّف ٣٧٤

وقال الفضل : ٣٧٦

وأقول : ٣٧٧

قال المصنّف ١ : ٣٧٨

وقال الفضل : ٣٧٩

وأقول : ٣٨١

ترجيح أحد المذهبين ٣٨٥

وقال الفضل : ٣٨٩

وأقول : ٣٩٤

٤٥٤

إثبات الحسن والقبح العقليّين ٤٠٩

المطلب الثاني ٤٠٩

في إثبات الحسن والقبح العقليّين ٤٠٩

وقال الفضل : ٤١١

وأقول : ٤١٣

قال المصنّف ٤١٥

وقال الفضل : ٤١٦

وأقول : ٤١٧

قال المصنّف ٤١٨

وقال الفضل : ٤١٩

وأقول : ٤٢٠

قال المصنّف ٤٢١

وقال الفضل : ٤٢٢

وأقول : ٤٢٣

قال المصنّف ٤٢٤

وقال الفضل : ٤٢٥

وأقول : ٤٢٦

قال المصنّف ٤٢٧

وقال الفضل : ٤٢٨

وأقول : ٤٢٩

قال المصنّف ١ : ٤٣٠

وقال الفضل : ٤٣١

وأقول : ٤٣٢

قال المصنّف ٤٣٥

٤٥٥

وقال الفضل : ٤٣٦

وأقول : ٤٣٧

قال المصنّف ٤٣٨

وقال الفضل : ٤٣٩

وأقول : ٤٤٠

قال المصنّف ١ : ٤٤١

وقال الفضل : ٤٤٢

وأقول : ٤٤٥

فهرس المحتويات ٤٤٧

٤٥٦

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501