• البداية
  • السابق
  • 165 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10767 / تحميل: 3784
الحجم الحجم الحجم
على خطى الحسين (عليه السّلام)

على خطى الحسين (عليه السّلام)

مؤلف:
العربية

كان القوم يصرّون على التشويش على أبي عبد اللّه الحسين (عليه السّلام) ؛ لئلاّ يتمكّن من إبلاغ حجّته إلى الناس ، فقال لهم مغضباً : (( ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي ؟! وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد ، فمَنْ أطاعني كان من المرشدين ، ومَنْ عصاني كان من المهلكين ، وكلّكم عاصٍ لأمري ، غير مستمع لقولي ؛ قد انخزلت عطيّاتكم من الحرام ، ومُلئت بطونكم من الحرام ؛ فطبع اللّه على قلوبكم ويلكم ! ألا تنصتون ؟ ألا تسمعون ؟ ))

فتلاوم أصحاب عمر بن سعد ، وقالوا : أنصتوا له

فسكت الناس ، فقال (عليه السّلام) : (( تبّاً لكم أيّها الجماعة وترحاً ؛ أحين استصرختمونا والهين مستنجدين فأصرخانكم مستعدّين ، سللتم علينا سيفاً في رقابنا ، وحششتم علينا نار الفتن التي جناها عدوّنا وعدوّكم ! فأصبحتم إلباً على أوليائكم ، ويداً عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش طمعتم ، من غير حدث كان منّا ، ولا رأي تفيل لنا ، فهلاّ لكم الويلات ؛ إذ كرهتمونا تركتمونا فتجهّزتموها والسيف لم يشهر ، والجأش طامن ، والرأي لم يستصحف ، ولكن أسرعتم علينا كطيرة الدباء ، وتداعيتم إليها كتداعي الفارش ، فقبحاً لكم ! فإنّما أنتم من طواغيت الأُمّة ، وشذّاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ، ومجرمي الكتاب ، ومطفئي السنن ، وقتلة أولاد الأنبياء ، ومبيدي عترة الأوصياء ، وملحقي العار بالنسب ، ومؤذي المؤمنين ، وصراخ أئمّة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ، وأنتم ابن حرب وأشياعه تعتمدون وإيّانا تخذلون أجل واللّه ، الخذل فيكم معروف ، وتحثّ عليه عروقكم ، وتوارثته أصولكم وفروعكم ، وثبتت عليه قلوبكم ، وغشيت به صدوركم ، فكنتم أخبث شي‏ء سنخاً للناصب ، وأكلة للغاصب ، ألا لعنة اللّه على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها ، وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً ، فأنتم واللّه هم

١٤١

ألا إنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين ‏اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا أخذ الدنيّة ! أبى اللّه ذلك ورسوله ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، ألا إنّي قد أعذرت وأنذرت ، ألا إنّي زاحف بهذه الأُسرة على قلّة العدد ، وخذلة الأصحاب ))

ثمّ أنشأ (عليه السّلام) يقول : ((

فأن نهزِم فهزّامون قدماً وإن نُهزم فغير مهزّمينا

ألا إنّهم لا يلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم الرحى ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم فكيدوني جميعاً ثمّ لا تنظرون ، إنّي قد توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ، ما من دابة إلاّ وهو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ؛ فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا ، وأنت ربّنا عليك توكّلنا ، وإليك أنبنا ، وإليك المصير ))

ثمّ دعا عمر بن سعد ، فقال له : (( يا عمر ، أنّك تقتلني فتزعم أن يولّيك الدعي ابن الدعي بلاد الرّي وجرجان ! واللّه ، لا تهنأ بذلك أبداً ، عهد معهود ، فاصنع ما أنت صانع ؛ فإنّك لا تفرح بعدي أبداً بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة بالكوفة يتراماه الصبيان ، ويتّخذونه غرضاً بينهم ))

فغضب ابن سعد

إنّ هذه الخطبة الأخيرة تصف حال هذه الأُمّة وصفاً بليغاً في ماضيها وحاضرها ، إنّه وصف الخبير ، فقد امتلأت البطون من الحرام ، وهي سياسة مبرمجة لكلّ الفراعنة ، تتمثّل في إذلال الرعية ، وكسر إرادتهم من خلال إتاحة الفرصة لهم ؛ كي ينالوا من الحرام فيصبح الكلّ في الذنب سواء ، لا يستطيع أمثال هؤلاء أن يرفعوا رؤوسهم في وجه شياطينهم ، ثمّ هم يتمادون في عدوانهم على مَنْ جاء يخلّصهم من الظلم والجور

١٤٢

ولا أمل لهؤلاء الأتباع إلاّ البقاء على قيد الحياة ، فلا يلحقهم الطواغيت بالآخرة التي منها يفرّون ، ثمّ عدّد (عليه السّلام) آثام بني أُميّة وجرائمهم في حقّ الإسلام ، ولكن هيهات هيهات أن يفيق الضالّون من غفوتهم ، فبعداً للقوم الظالمين

ثمّ ها هو ينبّه ابن سعد إلى مصيره الأسود الذي ينتظره جزاءً وفاقاً على دوره الانتهازي القذر ، هو وكلّ مَنْ على شاكلته من رؤساء العبيد ، وهو دور موجود في كلّ النظم الطاغوتية التي تستخدم هؤلاء الأزلام في قتل الأحرار ، وإخماد أنفاسهم ، ثمّ تفشل في حمايتهم وتتركهم لمصيرهم المحتوم ، أو تضحّي بهم لإخماد غضب الجماهير إذا التهب الغضب وتحمّلهم المسؤولية ، فهم قد قتلوا وسفكوا الدماء من دون رضى الطاغوت الأكبر ، وهؤلاء فقط هم الذين سمعوه يصدر هذه الأوامر الإجرامية التي تصدر بصورة شفهية دائماً ولم تكن يوماً ما مكتوبة ، وهو ضرب من البلاهة والخداع ، فسلسلة الإجرام مثل سلسلة الحقّ متواصلة دائماً ويصعب أن يفعل هؤلاء الطواغيت الصغار شيئاً لا يريده الكبار ، وقد أخبره أبو عبد اللّه (عليه السّلام) بمصيره الأسود وقال له إنّه لا ينال شيئاً ممّا وعِدَ به من مُلك الرّي وبلاد جرجان

١٤٣

هكذا مضى يوم العاشر من محرّم عام ٦١ للهجرة ، وقد استشهد الإمام الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، سبط رسول اللّه ، وهو ينشد :

فإن نغلِب فغلاّبون قدما وإن نُغلَب فغير مغلّبينا

إذا ما الموتُ ترفعُ عن أُناس كلاكله أناخ بآخرينا

فلو خلُد الملوكُ إذاً خلدنا ولو بقي الكلام إذاً بقينا

فقل للشامتينَ بنا أفيقوا سيلقى الشامتونَ كما لقينا

٦ ـ الحلقة الجوهرية في مسلسل الصراع بين الحقّ والباطل

استشهد الحسين (عليه السّلام) ومعه أكثر من سبعين من أهل بيته وصحبه الأبرار الأطهار على نحو ما هو مذكور في كتب التاريخ ، وهو ما لا مجال لذكره في هذا المؤلف ، وما كان غرضنا هنا أن نشرح تفاصيل مسير الحسين من المدينة المنوّرة إلى مثواه الطاهر بكربلاء ، وإنّما كان هدفنا أن نشرح مسلسل الصراع بين الحقّ والباطل على قيادة هذه الأُمّة المنكوبة ، وكيف كان استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) على هذا النحو الفاجع ؟ حلقة جوهرية في هذا المسلسل ، كانت له مقدّماته المبكّرة منذ بعثة المصطفى الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وإسلام مَنْ أسلم من الناس صدقاً أو نفاقاً ، وكيف تفاعلت بعض النفوس البشرية مع الدين الجديد أمام مقاومة واضحة وفجّة منذ البداية ؟

١٤٤

وهو أمر ثبت عدم جدواه بالنسبة لهم ، فجاء فتح مكة ليقضي على هذا النوع من المقاومة ، وليغيّر أعداء الإسلام أسلوبهم إلى الالتفاف والنفاق والتدرّج ؛ وصولاً إلى تحقيق الهدف المطلوب ، مسلمون يحملون شكل الإسلام لا مضامينه الحقيقية ، وما عرضناه نماذج منه فيما سبق ، وقد نجحت عملية الالتفاف إلى حدّ أنّ ورثة الكتاب من آل محمد انتقلوا من موقع التوجيه والريادة إلى موقع المقاومة التي تحاول استعادة مواقعها المفقودة

كان الإمام علي (عليه السّلام) في موقع المقاومة لهذا التيار الذي استشرى كالسرطان في جسد الأُمّة على الرغم من وصوله إلى سدّة الخلافة ، ولكنّها كانت حقبة قصيرة كالحلم ، وتناوشته أنياب الأفاعي من كلّ اتّجاه حتى استشهد (سلام اللّه عليه) ، وقبل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، اضطر الإمام الحسن السبط (عليه السّلام) إلى اختيار موقع المعارضة السلمية ، ثمّ انتقل الحسين الشهيد (عليه السّلام) إلى موقع المقاومة النشطة كما شرحنا ؛ لأنّها لم تكن حرباً بالمعنى المفهوم

٧ ـ معاني خروج حرائر آل البيت (عليهم السّلام)

بقى أن نسجّل ما كشفته الأحداث عن معاني خروج حرائر أهل البيت ‏(عليهم ‏السّلام) مع الحسين (عليه السّلام) بالإضافة إلى ما سبق ذكره من معانٍ

١٤٥

لقد قُتل الحسين (عليه السّلام) ولم يشهد أحد من المؤمنين هذه الجريمة إلاّ حرائر أهل بيت النبوّة ، مَنْ ينعاك إذاً يا أبا عبد اللّه إلاّ بنات علي وفاطمة ؟

ها هي زينب (عليها السّلام) حتى تمرّ بالحسين (عليه السّلام) صريعاً فتبكيه ، وتقول : يا محمداه ! يا محمداه ! صلّى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطّع الأعضاء يا محمداه ! وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتلّة ، تسفي عليها الصبا

فأبكت واللّه كلّ عدوّ وصديق(١٤)

ثمّ ها هي أسيرة في مجلس ابن زياد ، فيسأل : مَنْ هذه الجالسة ؟

فلم تكلّمه ، فقال ذلك ثلاثاً كلّ ذلك لا تكلّمه ، فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة

فقال لها عبيد اللّه : الحمد للّه الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أُحدوثتكم

فقالت : الحمد للّه الذي أكرمنا بمحمد (صلّى اللّه عليه وآله) ، وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول أنت ، إنّما يُفتضح الفاسق ، ويُكذب الفاجر

قال : كيف رأيتِ صُنع اللّه بأهل بيتكِ ؟

قالت : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع اللّه بينك وبينهم ، فتُحاجّون إليه ، وتُخاصمون عنده

قال : فغضب ابن زياد واستشاط

قال له عمر بن حريث : أصلح اللّه الأمير ، إنّما هي امرأة ، وهل تؤاخذ المرأة بشي‏ء من منطقها ؟!(١٥)

فقال لها ابن زياد : قد أشفى اللّه نفسي من طاغيتكِ ، والعصاة والمردة من أهل بيتكِ

فبكت ثمّ قالت : لعمري ! لقد قتلت كهلي ، وأبّرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت(١٦)

١٤٦

لقد كان الإمام السجّاد (علي بن الحسين) (عليه السّلام) في هذه اللحظات مريضاً ، وما كان يقدر على الردّ والكلام ، ولو كان يقدر على الكلام وجاوبهم لقتلوه ، ولكان بذلك انقطع خطّ الإمامة ، وكان لا بدّ من جواب حاضر يخرس ألسنة الكذّابين الضالّين المضلّين

وهذا الدور كان دور عقيلة أهل البيت (‏عليهم ‏السّلام) زينب بنت علي (عليهما السّلام) ، فها هي تُدافع عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) حينما همّ هؤلاء الفجرة بقتله والإجهاز عليه

يروي الطبري عن الروان أنّ أحدهم قال : إنّي لقائم عند ابن زياد حين عُرض عليه علي بن الحسين ، فقال له : ما اسمك ؟

قال : (( علي بن الحسين ))

قال : أوَ لم يقتل اللّه علي بن الحسين ؟

فسكت ، فقال له ابن زياد : ما لكَ لا تتكلّم ؟

قال : (( كان لي أخ يُقال له أيضاً علي فقتله الناس ))

قال : إنّ اللّه قتله

فسكت علي ، فقال له : ما لكَ لا تتكلّم ؟

قال : ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا (سورة الزمر / ٤٢) ، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ))(سورة آل عمران / ٤٥)

قال : واللّه أنت واللّه منهم ...(١٧) ، فقال : اقتله

١٤٧

فقال علي بن الحسين (عليهما السّلام) : (( مَنْ توكّل بهؤلاء النسوة ؟ ))

وتعلّقت به زينب عمّته فقالت : يابن زياد حسبك منّا ! أما رويت من دمائنا ؟ وهل أبقيت منّا أحداً ؟

قال : فاعتنقته ، فقالت : أسألك باللّه إن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه(١٨)

فنظر إليها ساعة ، ثمّ نظر إلى القوم فقال : عجباً للرحم ! واللّه إنّي لأظنّها ودّت لو أنّني قتلته أنّي قتلتها معه ، دعوا الغلام(١٩)

ها هو الدعي ابن الدعي يكذب على اللّه ويقول : إنّ اللّه قتل علي بن الحسين !

إذاً بنو أُميّة ينفّذون أمر اللّه ، واللّه يريد استئصال آل بيت محمد (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً )(سورة الكهف / ٥) ، ثمّ يتمادى في كفره وطغيانه فيأمر بقتل زين العابدين (عليه السّلام) ؛ لأنّه منهم ، أي من أهل البيت (عليهم السّلام) عالم بفقههم وروايتهم ، وناطق بالحقّ ، فمَنْ قتل هم الناس ، ومَنْ أجرم هم الناس ، وهم الذين يستحقّون العقاب

وها هي عقيلة آل البيت (عليهم السّلام) تفدي الإمام السجّاد (عليه السّلام) بنفسها ، فيخجل هذا الفرعون من نفسه ، فيأمر بالكفّ عن زين العابدين (عليه السّلام)

١٤٨

وفي الكوفة أيضاً برز دور حرائر آل البيت (عليهم السّلام) ، فها هي أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السّلام) تخاطب المتخاذلين عن نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وقد رأت دموع التماسيح في أعينهم فأومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فلمّا سكنت الأنفاس ، وهدأت الأجراس ، قالت بعد حمد اللّه والصلاة على رسوله : أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ! ويا أهل الختل والغدر والخذل والمكر ! ألا فلا رقأت العبرة ، ولا هدأت الزفرة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم هل فيكم إلاّ الصلف والعجب والشنف والكذب ، وملق الإماء وغمر الأعداء ، كمرعى على دمنة ، أو كفضّة على ملحودة ؟ ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون

أتبكون أخي؟! أجل واللّه ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ؛ فقد بُليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها أبداً ، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقرّ سلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقالتكم ، ومنار حجّتكم ؟! ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم فتعساً تعساً ، ونكساً نكساً ، لقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبئتم بغضب من اللّه ، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة

١٤٩

أتدرون ويلكم أي كبد لمحمد فريتم ، وأي عهد نكثتم ، وأي حرمة له انتهكتم ، وأي دم له سفكتم ؟! (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ) ، لقد جئتم بها شوهاء خرقاء ، كقلاع الأرض ومل‏ء السماء ، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ؟! فلا يستخفّنكم المهل ؛ فإنّه (عزّ وجلّ) لا يحفزه البدار ، ولا يخشى عليه فوت الثار ، كلاّ إنّ ربّكم لبالمرصاد

ثمّ أنشأت تقول :

ماذا تقولون ، إذ قال النبي لكم : ماذا صنعتم وأنتم آخر الأُممِ

بأهلِ بيتي وأولادي وتكرمتي منهم أُسارى ومنهم ضرّجوا بدم ؟!

ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمِ !

إنّي لأخشى عليكم أن يحلّ بكم مثلُ العذابِ الذس أودى على إرمِ

قال الراوى : رأيت الناس حيارى يبكون ، وقد ردّوا أيديهم في أفواههم ، فقال علي بن الحسين (عليه السّلام) : (( يا عمّة اسكتي ، فنحن الباقي من الماضي اعتبار ، وأنتِ بحمد اللّه عالمة غير معلّمة ، إنّ البكاء والحنين لا يردّان مَنْ قد أباده الدهر ))(٢٠)(٢١) .

١٥٠

أمّا عقيلة أهل البيت زينب (سلام اللّه عليها) فقد حملت عب‏ء مواجهة الطاغية يزيد في عقر داره ، ومَنْ كان يقدر على هذه المواجهة غيرها ؟

ألم يُروى عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( سيد الشهداء حمزة ورجل وقف عند إمام جائر فوعظه ونهاه فقتله )) ؟ وما كان فضل مؤمن آل فرعون حين جبه الطاغية بكلمات الحقّ سوى أنّه كان منهم وواجههم في عقر دارهم

لم يُقتل بين يدي مؤمن آل فرعون اثنان وسبعون من خيرة الرجال ، ولا كان يعيش جزءاً واحداً من الحالة التي عاشتها زينب (عليها السّلام) ، ولا وجه للمقارنة ، هو كان منهم وهذه لها حسابها في إدخال بعض الأمان عليه ، أمّا العقيلة فكانت من أعداء القوم الذين لا يردعهم شرف ولا ضمير ، وها هو يزيد القرود يستقبل وفد الرؤوس ، واضعاً رأس الحسين (عليه السّلام) بين يديه متمثلاً بقول شاعر المشركين بعد معركة أُحد :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا ثمّ قالوا لي هنياً لا تسل

حين حكتَ بفناءِ بركها واستحرّ القتلُ في عبد الأسل

قد قتلنا الضعف من أشرافكم وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدل(٢٢)

إنّها حميّة الجاهلية أصبحت تقود هذه الأُمّة التعسة التي انخذلت عن قادة الحقّ واتّبعت الباطل هذه الأُمّة التي نسيت قول ربّها : (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا )(سورة آل عمران / ١٠٣) برسالة محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وجهاده وصبره وإخلاصه للّه (عزّ وجلّ) هذه الرسالة التي ضحّى من أجلها علي بن أبي طالب ، ووتر الأقربين والأبعدين ، فكان سيفه عاملاً حاسماً في نصرة هذا الدين العظيم

١٥١

هل نسي المسلمون عليّاً ؟ هل نسوا حمزة سيد الشهداء ؟ هل نسوا جعفر الطيار الشهيد العظيم ؟

نعم ، نسوا وأسلموا قيادهم لابن آكلة الأكباد بغير عدل أنشاه فيهم ، ولا قيم فاضلة دافع عنها ، ولا تضحية واحدة في سبيل اللّه ، بل عناد وكفر وإلحاد حتى جاء الحقّ وظهر أمر اللّه وهم كارهون ، ثمّ ها هم يستلمون دولة محمد وآل محمد غنيمة باردة ، ولا يكتفون بهذا ، بل كانت نار الحقد والانتقام تغلي في صدورهم طلباً لثار كفارهم يوم بدر الذين قُتلوا على يد سادات أهل البيت (سلام اللّه عليهم) فوجدوا مَنْ يُعينهم على أخذ الثار ، ويقول يزيد :

قد قتلنا الضعف من أشرافكم وعدلنا ميلَ بدرٍ فاعتدل

فهنيئاً لكم بني أُميّة ثاركم من محمد وآل محمد !

وهنيئاً لمَنْ آزركم ونصركم ، وهنيئاً لمَنْ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون ، وهنيئاً لمَنْ سكت عن آثام حزب بني أُميّة من يومها إلى يومنا هذا !

١٥٢

كلّهم شركاء ، ألاّ لعنة اللّه على الظالمين (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخِرَةِ كَافِرُونَ )(سورة الأعراف / ٤٥) إنّ يوم الفصل ميقاتهم أجمعين (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )(سورة العنكبوت / ٢٥)

ولكن كان لا بدّ من ردّ ؛ فالمعنى لا يواجهه إلاّ المعنى ، إذا كان الإسلام العظيم قد أحرق اللات والعُزى ومناه الثالثة الأُخرى فقد كان ذلك يوم آمن الناس أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه ، إنّه المعنى الصحيح يحطّم المعنى الزائف

ثمّ جاءت مرحلة بني أُميّة إلى يومنا هذا حيث توارت هذه الأصنام وتغلّفت خلف بعض الشعارات الإسلامية الزائفة ، وكان لا بدّ من ردّ

١٥٣

وها هي عقيلة آل البيت (عليهم السّلام) تنبري ، ولا نقول كمؤمن آل فرعون ؛ فهي (سلام اللّه عليها) من آل محمد لا من آل فرعون ، وهي تردّ على الظالم المنتصر وأمام عينيها اثنان وسبعون رأساً ، فأين مؤمن آل فرعون من مؤمن آل محمد ؟!

يقول الرواة(٢٣) : فلمّا رأت زينب (عليها السّلام) ذلك فأهوت إلى جيبها فشقّته ، ثمّ نادت بصوت حزين تقرع القلوب : يا حسيناه ! يا حبيب رسول اللّه ! يابن مكة ومنى ! يابن فاطمة الزهراء سيده النساء ! يابن محمد المصطفى

ـــــــــــــــــــــــ

١ـ تاريخ الأُمم والملوك ـ للطبري ‏٤ / ٣١٩

٢ ـ هذه الإضافة منّا [موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)]

٣ ـ تاريخ الأُمم والملوك ـ للطبري ‏٤ / ٣٠٩

٤ ـ المصدر نفسه ٤ / ٣٠٩

٥ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٣١٣

٦ ـ صحيح البخاري ـ لمحمد بن إسماعيل البخاري ٧ / ٩٨ ح٥٩٩٤ ، طبعه دار الفكر ، بيروت ‏١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٤ م

٧ ـ تاريخ الأمم والملوك ـ للطبري ٤ / ٣٢١ ، ط.الأعلمي ، بيروت (غير مورخ)

٨ ـ المصدر نفسه ٤ / ٣٢٢

٩ ـ إشارة إلى فقرة محذوفة

١٠ ـ تاريخ الأمم والملوك‏ ـ للطبري ٤ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، أحداث (سنه‏٦١ هـ)

١١ ـ المصدر نفسه ٤ / ٣٢٥

١٢ ـ المصدر نفسه‏ ٤ / ٣٢٦

١٣ ـ المصدر نفسه ‏٤ / ٣٢٦

١٤ ـ بين المعقوفتين إضافة منّا ؛ للتوضيح [موضع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)]

١٥ ـ تاريخ الأمم والملوك‏ ـ للطبري ‏٤ / ٣٤٨

١٦ ـ عبارة محذوفة

١٧ ـ تاريخ الأمم والملوك‏ ـ للطبري ٤ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠

١٨ ـ إشارة إلى عبارة محذوفة

١٥٤

ـــــــــــــــــــــــ

١٩ ـ تاريخ الأمم والملوك‏ ـ للطبري ٤ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠

٢٠ ـ المصدر نفسه

٢١ ـ أقول : إنّ الخطبة التي تفضّل بها الأخ المؤلّف منسوبة إلى السيدة زينب (عليها السّلام) وليس للسيدة أُمّ كلثوم ، ولو أنّ البعض يعتبر الاسمين لشخصية واحدة ، ولكن مع هذا فالخطبة للسيدة زينب كما هو مذكور في كتب الحديث والتاريخ ، وأمّا الشعر الذي ختم به الخطبة فهو منسوب إلى عدّة شخصيّات منها : الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ، ومنها زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) ، ومنها زينب بنت عقيل (عليهما السّلام) ، وبعضهم نسبه إلى الجن ، فراجع [موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)]

٢٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٣١

٢٣ ـ ابن كثير ٤ / ٧١٩

٢٤ ـ مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للمقرّم / ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ، دار الكتاب الإسلامي ، بيروت ١٣٩٩ هـ ـ ١٩٧٩ م

١٥٥

قال الراوي : فأبكت واللّه كلّ مَنْ كان ويزيد ساكت ، ثمّ قامت على قدميها وأشرفت على المجلس ، وشرعت في الخطبة ؛ إظهاراً لكمالات محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وإعلاناً بأنّا نصبر لرضاء اللّه ، لا لخوف ولا دهشة ، فقامت إليه زينب بنت علي وأُمّها فاطمة بنت رسول اللّه وقالت : الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة على جدّي سيّد المرسلين ، صدق اللّه سبحانه كذلك يقول : (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون )(سورة الروم / ١٠)

أظننت يا يزيد ، حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيّقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في أُسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار أنّ بنا من اللّه هواناً وعليك منه كرامة وامتناناً ، وأنّ ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك ؛ فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحاً ، وتنفض مذرويك مرحاً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور لديك متّسقة ، وحين صفا لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلاً مهلاً ! لا تطش جهلاً ! أنسيت قول اللّه (عزّ وجلّ) : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ ِلأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )(سورة آل عمران / ١٧٨)

١٥٦

أمِنَ العدل يابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإماءك ، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوههن ؟! تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، وتستشرفهنّ المناقل ، ويتبرّزنّ لأهل المناهل ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والغائب والشهيد ، والشريف والوضيع ، والدني والرفيع ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ، ولا من حماتهنّ حميّ ، عتواً منك على اللّه وجحوداً لرسول اللّه ، ودفعاً لما جاء به من عند اللّه ، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك ، وأنّى تُرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء ، ونصب الحرب لسيّد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهزّ السيوف في وجه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) أشدّ العرب جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً ، ألا إنّها نتيجة خلال الكفر ، وصب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر ، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت مَنْ كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وأضغاناً ، يُظهر كفره برسول اللّه ، ويُفصح ذلك بلسانه ، وهو يقول فرحاً بقتل ولده ، وسبي ذرّيّته ، غير متحوب ولا مستعظم ، يهتف بأشياخه :

لأهلّوا واستهلّوا فرحا ولقالوا يا يزيد لا تُشل

١٥٧

منحنياً على ثنايا أبي عبد اللّه ، وكان مقبل رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه لعمري ، لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة بإراقتك دم سيّد شباب أهل الجنّة ، وابن يعسوب دين العرب ، وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت بأشياخك ، وتقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثمّ صرخت بندائك ولعمري ، لقد ناديتهم لو شهدوك ! ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك ، ولتودّ يمينك كما زعمت شُلّت بك عن مرفقها وجُذّت ، وأحببت أُمّك لم تحملك وإياك لم تلد ، أو حين تصير إلى سخط اللّه ومخاصمك رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)

اللّهمّ خذ بحقّنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على مَنْ سفك دماءنا ، ونفض ذمارنا ، وقتل حماتنا ، وهتك عنّا سدولنا

وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلاّ جلدك ، وما جزرت إلاّ لحمك ، وسترد على رسول اللّه بما تحمّلت من دم ذرّيته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلمّ به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم ، فلا يستفزّنك الفرح بقتلهم ، ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ، وحسبك باللّه وليّاً وحاكماً ، وبرسول اللّه خصماً ، وبجبرائيل ظهيراً

١٥٨

وسيعلم مَنْ بوأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً وأضل سبيلاً ، وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهّماً لانتجاع الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى ، وصدرهم عند ذكره حرّى ، فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوّة بسخط اللّه ولعنة الرسول ، قد عشش فيها الشيطان وفرّخ ، ومن هناك مثلك ما درج

فالعجب كلّ العجب ! لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة ، تنطف أكفّهم من دمائنا ، وتتحلّب أفواههم من لحومنا ، تلك الجثث الزاكية على الجيوب الضاحية تنتابها العواسل ، وتعفّرها أُمّهات الفواعل ، فلئن اتّخذتنا مغنماً لتجد بنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدّمت يداك ، وما اللّه بظلاّم للعبيد

١٥٩

فإلى اللّه المشتكى والمعوّل ، وإليه الملجأ والمؤمّل ، ثمّ كد كيدك ، واجهد جهدك ؛ فواللّه الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، والنبوّة والانتخاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارنا ، وهل رأيك إلاّ فند ، وأيّامك إلاّ عدد ، وجمعك إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعن اللّه الظالم العادي

والحمد للّه الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة ، نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلى بهم سواك ، ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنّه رحيم ودود

هل سمعتم مؤمن آل محمد ، زينب (عليها السّلام) تصك مسامع الطغاة بكلمات الحقّ الواضحة ؟ هل عرفت البشرية أحداً مثل آل بيت النبوّة في تضحيتهم وشهادتهم وصلابتهم في موقف الحقّ ؟ وهل شجاعة الأوّلين والآخرين في شجاعتهم إلاّ كقطرة في بحر ؟ ثمّ بعد هذا نرى مَنْ يجرؤ على إنكار فضلهم ، ومحاولة إنكار هذا التاريخ ، ويحاول أن يضع هذا الدين العظيم في إطار قوالب موضوعة ومصنوعة ، وها هي المرأة العظيمة تقف موقفاً عجز عنه كلّ رجالات الأُمّة ، أين كان أشباح الرجال الذين أصمّوا أسماعنا بقصصهم وخرافاتهم ؟ أين كان ذلك الزاهد الناسك العابد الذي يزعمون أنّه كان يقتفي أثر رسول اللّه في كلّ كبيرة وصغيرة ؟ ألم يسمع بشي‏ء من هذا ؟ أم أنّ شعار هؤلاء كان : لا أسمع ، لا أرى ، لا أتكلّم ؟

١٦٠