الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74801 / تحميل: 5482
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

١ ـ تزوّج الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وهو ابن (٢٥) سنة(٢) ، وقبض وله (٦٣) سنة(٣) ، وبقي بعد خديجة دون نساء سنة واحدة(٤) ، ثمّ تزوّج الكثيرات حتّى

__________________

(١) أوّل أزواجهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ ، تزوّجهاصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الوحي وعمره حينئذ خمس وعشرون سنة ، وقيل : إحدى وعشرون سنة. وكان عمرها حينئذ أربعين سنة ، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة ، ولم ينكح عليها إمرأة حتّى ماتت. وأمّها : فاطمة بنت زائدة بن الأصمّ ، من بني عامر بن لؤي.

وكانت خديجة رضي الله عنها أوسط نسآء قريش نسبا ، وأعظمهنّ شرفا ، توفيت بعد أبي طالب رضى الله عنه بثلاثة أيّام ، وسمّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك العام بعام الحزن. (انظر ، جوامع السّيرة : ٣١ ، اسد الغابة : ٧ / ٧٨ ، المعارف لابن قتيبة : ١٣٢ تحقّيق ثروة عكاشة طبعة قم ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ١ / ١٨٩).

(٢) انظر ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ١ / ١٨٧.

(٣) انظر ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٤٠ ، و : ١٧ / ١٣٣ ، الدّيباج على مسلم : ٣ / ٤٠٨ و : ٦ / ١٤٨ ، تلخيص الحبير لابن حجر : ٤ / ٥٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٣ و : ٥ / ٨٩ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٦ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ١٥٣ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٥ و ١٨ و ٣٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٨٢ و : ٨ / ٢٩٨ ، البداية والنّهاية : ٦ / ١٤١ و : ٣٠٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٣٣ ، صحيح ابن خزيمة : ٣ / ١٤٠ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٤٥ و : ٢٣ / ٢٥٥ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ٢٥٢ ، تأريخ دمشق : ٤ / ٣٩٠ و : ٧ / ٢٠٢ ، اسد الغابة : ١ / ٢٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٨ ، تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٥.

(٤) أوّل أزواجهصلى‌الله‌عليه‌وآله : خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ ، تزوّجهاصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الوحي وعمره حينئذ خمس وعشرون سنة ، وقيل : إحدى وعشرون سنة. وكان عمرها حينئذ أربعين سنة ، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة ، ولم ينكح عليها إمرأة حتّى ماتت. وأمّها : فاطمة بنت زائدة بن الأصمّ ، من بني عامر بن لؤي.

وكانت خديجة رضي الله عنها أوسط نساء قريش نسبا ، وأعظمهنّ شرفا ، توفّيت بعد أبي طالب رضى الله عنه بثلاثة أيّام ، وسمّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك العام بعام الحزن. (انظر ، جوامع السّيرة : ٣١ ، اسد الغابة : ٧ / ٧٨ ، المعارف لابن قتيبة : ١٣٢ تحقّيق ثروة عكاشة طبعة قم ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ١ / ١٨٩).

٢١

جمع في آن واحد بين تسع(١) ، وامتدت حياته الزّوجية (٣٧) عاما ، ورزق من خديجة ذكرين : القاسم وعبد الله ، وهما الطّيب ، والطّاهر ، ماتا صغيرين(٢) ، ورزق منها أيضا أربع بنات : زينب(٣) ، وأمّ كلثوم(٤) ، ورقيّة(٥) ، وفاطمة(٦) ، أسلمنّ

__________________

(١) وبعد وفاتها تزوّج سؤدة بنت زمعة ، ثمّ عائشة ، عقد له عليها أبو بكر في مكّة ، وهي بنت ست سنوات ، وبني بها النّبيّ في المدينة بعد أن أكملت التّسع وحين توفّي النّبيّ كان لها من العمر ثماني عشرة سنة ، وعاشت إلى السّبعين ، وماتت في أيّام معاوية ، وأيضا تزوّج النّبيّ أمّ سلمة ، وهي بنت عمّته عاتكة بنت عبد المطلب ، وحفصة بنت عمر ، وزينب بنت جحش ، وهي بنت عمّته أميمة بنت عبد المطلب ، وجويرية بنت الحارث ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، وصفية بنت حي بن أحطب ، وميمونة بنت الحارث ، خالة عبد الله ابن عبّاس ، ومارية القبطية ، وريحانة بنت زيد ، وتكانة بنت عمرو ، وقد دخل بهؤلاء جميعا ، وكنّ ثيّبات إلّا عائشة كانت بكرا ، وله زوّجات أخر طلقهنّ قبل الدّخول.

انظر ، اسد الغابة : ٧ / ١٥٧ ، المعارف : ١٢٣ ، السّيرة لابن هشام : ٤ / ٢٨٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ و : ٨ / ١٥٧ ، الإستيعاب : ٤ / ١٨١٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٨٣ و ١١٢ و ٢٣٣ ، صحيح مسلم : كتاب الرّضاع : ١٠٦٥ ح ٤٩ ، صحيح البخاري : تفسير سورة الأحزاب : ٣ / ١١٨ وكتاب النّكاح : ٣ / ١٦٤ و ١٦٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢١ ، نسب قريش : ٤٠ ، جمهرة أنساب العرب : ٣٣.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٤ و ٨٥ ، كنز العمّال : ح ٤٠٤٧٩ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٦٩ ، مسند أحمد : ٣ / ١٩٤ ، صحيح مسلم : ٧ / ٧٦ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ٤٣ ، الإصابة : ٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ و : ٧ / ٢٠٩ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٣٣ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، الأم للشّافعي : ٤ / ٢٥٩ و : ٧ / ٣٦٨ ، المجموع : ٣ / ١٥٠. السّيرة النّبويّة لابن هشام : ١ / ١٩٠ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٣٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ١٥ ، مناقب آل أبي طالب :١ / ١٤٠ ، مناقب الخوارزمي : ١ / ١٦١.

(٣) انظر ، الأم للشّافعي : ٤ / ٢٥٩ و : ٧ / ٣٦٨ ، المجموع : ٣ / ١٥٠.

(٤) انظر ، قصّة زواجها من عثمان بن عفّان في تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني : ٥ / ٢١٠ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٨٠ ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٣٧٩ و : ٤ / ١٤ ، السّنن الكبرى : ٢ / ٤٢٥ و : ٧ / ٧٠.

(٥) انظر ، بدائع الصّنائع : ١ / ٣٠٨ ، مسند أحمد : ١ / ٦٨ و : ٧٥ ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٦٢٣ و : ٣ / ٢١٨ و : ٤٦.

٢٢

وتزوّجن ، وتوفين في حياته ما عدا فاطمة ، وولدت له مارية القبطيّة إبراهيم ، واختاره الله ، وله من العمر سنة وعشرة أشهر ، وثمانيّة أيّام(١) ، فانحصر نسل الرّسول بفاطمة ، وولديها من عليّ ، الحسن ، والحسين(٢) ، فهم أهله الّذين ضمّهم وإيّاه «كساء»(٣) واحد ، وبيت واحد.

__________________

(٦) انظر ، مطالب السّؤول في مناقب آل الرّسول : ٢١٠ ، وكذلك زبدة المقال في فضائل الآل : (مخطوط ورق ٩٦ في النّسخة تحت رقم ٣٠٣) ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٩ ، الإصابة : ٨ / ١٥٧ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ١١.

(١) انظر ، النّهاية في غريب الحديث : ١ / ١٥٧ ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١٩ ، السّيرة النّبوية لابن هشام : ١ / ١٩٠ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٣٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ١٥ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ١٤٠ ، مناقب الخوارزمي : ١ / ١٦١ ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٤ و ٨٥ ، كنز العمّال : ح ٤٠٤٧٩ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٦٩ ، المحلى : ٥ / ١٤٦.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٥٠ ، والإصابة (قسم النّساء) ، الرّوض الأنف : ٢ / ٢٦٨ ، وقعة صفّين : ٥٤١ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٥٢ و : ٣ / ١٩٠ ، ، الإصابة حرف الميم : ٣ ق ٢ / ٤٥١ طبعة أخرى ، الاستيعاب : ٣ / ٣٢٨ ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٧٢ وما بعدها ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ١ / ٥٥ ، وما بعدها ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٥٤١ رقم ٥٠٩٧ ، والإصابة : ٤ / ٢٩٨ طبعة أخرى ، المعارف : ١٣٦ ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١١٤ طبعة النّجف ، التّمهيد والبيان : ٢٠٩ ، الأغاني : ٢١ / ٩ ، الإشتقاق : ٣٧١.

(٣) انظر ، مسند أحمد : ٢ / ٤٤٢ ، منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد : ٥ / ٩٢ ، الإصابة : ٤ / ٣٧٨ ، الصّواعق المحرقة : ١٦٣ ، الإستيعاب المطبوع بهامش الإصابة : ٢ / ٣٧ ، مصابيح السّنّة للبغوي الشّافعي : ٢ / ٢٨٠ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٥٣ الطّبعة الأولى ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٦٠ ح ٣٩٦١ و ٣٩٦٢ طبعة بيروت ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٢ / ١٤٥ ، مودّة القربى : ٣٣ ، المناقب لابن المغازلي : ٦٤ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٤٩ ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٤٠ ، اسد الغابة : ٣ / ١١ ، و : ٥ / ٥٢٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٦ و ١٦٩ ، كفاية الطّالب : ٣٣٠ طبعة الحيدريّة ، و : ١٨٨ و ١٨٩ طبعة الغري ، نزل الأبرار : ٣٥ و ١٥٠ ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ٣٩ / ٣٧٣ ، سمط النّجوم :

٢٣

وقد كان هؤلاء الأربعةعليهم‌السلام بعد الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله سلوة وعزاء للمسلمين عن فقد نبيّهم ، وإن عظم الخطب ، لأنّ البيت الّذي كان يأويه ما زال مأهولا بمن يحبّ ، عامرا بأهله وابنائه ، وماتت فاطمة بعد أبيها ب (٧٢) يوما(١) ، فبقي بيت النّبيّ مزينا ومضيئا بعليّ ، والحسن ، والحسين ، ثمّ قتل عليّ فظل الحسنان ، وكان حبّ المسلمين لهما لا يعادله شيء إلّا الحبّ لنّبيهم الكريم ، لأنّهما البقية الباقية من نسله ، وأهل بيته ، وبعد أن ذهب الحسن إلى ربّه(٢) لم يبق من أهل البيت إلّا الحسين ، فتمثلوا جميعا في شخصه ، فكان حبّ المسلمين له حبّا لأهل البيت

__________________

ـ ٢ / ٤٨٨ ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٢٧ ، المناقب للخوارزمي : ٩١ ، مقتل الحسين : ١ / ٦١ و ٩٩ ، نظم درّر السّمطين للزّرندي : ٢٣٢ و ٢٣٩ ، المعجم الصّغير للطّبراني : ٢ / ٣ ، الفتح الكبير : ١ / ٢٧١ ، مشكاة المصابيح للعمري : ٣ / ٢٥٨ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٢٤٩ الطّبعة الثّانية ، ينابيع المودّة للقندوزي : ٣٥ و ١٦٥ و ١٧٢ و ١٩٤ و ٢٣٠ و ٢٦١ و ٢٩٤ و ٣٠٩ و ٣٧٠ طبعة اسلامبول ، بشارة المصطفى : ١٢٨ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ١٩٩ ، مطالب السّؤول : ٦٤ ، الإستيعاب : ١ / ٣٦٨ ، المقاتل : ٥٩ ، تأريخ الخلفاء : ٧٣ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠.

(١) اختلف في وفاة الصّدّيقة على أقوال. انظر ، المناقب للخوارزمي : ١ / ٨٣ ، الإصابة : ٤ / ٣٨٠ ، مقاتل الطّالبيين : ٣١ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ١٨ ، الملل والنّحل : ١ / ٥٧ ، لسان الميزان : ١ / ٢٩٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٩٣ ، إثبات الوصية للمسعودي : ٢٣ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ٢١٦ ، مروج الذّهب : ١ / ٤٠٣ ، المعارف : ١٤٢.

(٢) انظر ، وقعة صفّين : ٢٣٤ ، طبعة القاهرة ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٩ ، ابن الأثير : ٣ / ١٢٨ ، الإستيعاب: ١ / ٣٤٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٤٨٣ و : ٤ / ١١ و ١٧ ، المقاتل : ٤٣ ، وأنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، و : ٤ / ١١ و ١٧ ، ابن كثير : ٨ / ٤١ ، تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة ترجمة الحسن ، ابن قتيبة : ١٥٠ ، الصّواعق : ٨١ ، المسعودي في مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، وتهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، وأسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، وابن الأثير : ٢ / ١٩٧ ، وابن شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢ ، تأريخ الدّول الإسلاميّة : ١ / ٥٣ ، تذكرة الخواصّ : ٦٢ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٩٤ ، الاستيعاب : ١ / ٣٨٩.

٢٤

أجمعين ، للنّبيّ ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، تماما كما لو كان خمسة أولاد أعزاء ، ثمّ فقدت منهم أربعة ، وبقي منهم واحد فإنّه يأخذ سهم الجميع وتوازي منزلته من قلبك منزلة الخمسة مجتمعين ، وبهذا نجد تفسير قول سيّدة الطّفّ زينب ، وهي تندب أخاها الحسين يوم العاشر من المحرّم «اليوم مات جدّي رسول الله ، اليوم ماتت أمّي فاطمة ، اليوم قتل أبي عليّ ، اليوم سمّ أخي الحسن». ونجد تفسير ما قاله الإمام الشّهيد لجيش يزيد حين صمّموا على قتله : «أفتشكّون في أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ، وأنا ابن بنت نبيّكم خاصّة. أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟»(١) .

ولذا أقفل بيت الرّسول بقتل الحسين كان ، والحال هذه ، استشهاده استشهادا لأهل البيت جميعا ، وإحياء ذكراه إحياء لذكرى الجميع.

٢ ـ إنّ وقعة الطّفّ كانت وما زالت أبرز ، وأظهر مأساة عرفها التّأريخ على الإطلاق ، فلم تكن حربا ، ولا قتالا بالمعنى المعروف للحرب ، والقتال ، وإنّما كانت مجزرة دامية لآل الرّسول كبارا وصغارا ، فلقد أحاطت بهم من كلّ جانب كثرة غاشمة باغية ، ومنعت عنهم الطّعام ، والشّراب أيّاما ، وحين أشرف الجميع على الهلاك من الجوع ، والعطش انهالوا عليهم رميا بالسّهام ، ورشقا بالحجارة ،

__________________

(١) انظر ، ينابيع المودّة لذوي القربى القندوزي : ٣ / ٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٤٠ ، الكامل لإبن الأثير : ٤ / ٢٤ ، مقتل الخوازمي : ١ / ٢٣٨ فصل ١١ ، مقاتل الطّالبين لأبي الفرج : ٤٥ طبع إيران.

(١) انظر ، الإرشاد الشّيخ المفيد : ٢ / ٩٨ ، إعلام الورى بأعلام الهدى الشّيخ الطّبرسي : ١ / ٤٥٩ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١ و

٢٥

وضربا بالسّيوف ، وطعنا بالرّماح ، ولمّا سقطوا صرعى قطعوا الرّؤوس ، وووطأوا الجثث بحوافر الخيل ، مقبلين ومدبرين ، وبقروا بطون الأطفال ، وأضرموا النّار في الأخبية على النّساء ؛ فجدير بمن والى نبيّه الأكرم ، وأهل بيته أن يحزن لحزنهم ، وأن ينسى كلّ فجيعة ورزية إلّا ما حلّ بهم من الرّزايا ، والفجائع معدّدا مناقبهم ، ومساويء أعدائهم ما دام حيّا.

أنّ الحسين عند شيعته ، والعارفين بأهدافه ومقاصده لزيس اسما لشخص فحسب ، وإنّما هو رمز عميق الدّلاله ، رمز للبطولة ، والإنسانية ، والأمل ، وعنوان للدّين والشّريعة ، والفداء والتّضحية في سبيل الحقّ ، والعداله ، كما أنّ يزيد رمز للفساد والإستبداد ، والتّهتك ، والرّذيلة ، فحيثما كان ويكون الفساد ، والفوضى واتنهاك الحرمات ، وإراقة الدّماء البريئة ، والخلاعة ، والفجور ، وسلب الحقوق والطّغيان فثمّ اسم يزيد وأعمال يزيد ، وحيثما كان ويكون الثّبات والإخلاص والبسالة ، والفضيلة ، والشّرف فثمّ اسم الحسين ، ومبادىء الحسين ، وهذا ما عناه الشّاعر الشّيعي من قزوله :

كان كلّ مكان كربلاء لدى

عيني وكلّ زمان يوم عاشورا(١)

__________________

(١) انظر الشّيعة في الميزان : ٨٦٩. بتحقّيقنا.

٢٦

مودّة أهل البيت

مهما اختلفت الأفراد في أوجه الشّبه فإنّك واحد بين ابناء الأمة الواحدة والدّين الواحد جامعا مشتركا ، وطابعا يميزها عن غيرها من الأمّم والطّوائف ، وأقرب وسيلة لمعرفة هذا الجامع المشترك هي أقوال الأدباء والشّعراء ، فإنّهم يمثلون تقاليد قومهم ، ويعبرون عن عقائد طوائفهم أصدق تعبير.

ولقد تقوّلت فئة من النّاس الأقاويل في عقيدة التّشيّع ، وافتروا عليهم بما يغضب الله والرّسول ، ولكن للشّيعة تأريخا طويلا ، وحافلا بالحوادث والثّورات ، والعلوم والآداب ، وكلّها تنبيء عن حقيقة التّشيّع ، فيستطيع طالب الحقّ أن يعرفه بنظرة واحدة إلى آثار علمائهم أو أدبائهم يقول شاعرهم :

آل بيت النّبيّ أنتم غياثي

في حياتي وعدتي لمعادي

ما تزودت للقيامة إلّا

صفو ودّي لكم وحسن اعتقادي(١)

فعقيدة التّشيّع ، إذن ترتكز على أمرين : حسن الإعتقاد ، وصفو الود لأهل البيت. وحسن الإعتقاد هو الإيمان بالله وكتابه ، وبالنّبيّ وسنّته ، وقد أوجب القرآن ، والحديث مودّة أهل البيت ، وإنّ إنكار مودّتهم وولائهم إنكار كتاب الله

__________________

(١) من قصيدة طويلة للمرحوم الشّيخ عبد الحسين الأعسم يرثي بها الحسينعليه‌السلام ، وهو من علماء الإماميّة ، وشعرائهم ، توفّي (١٢٤٧ ه‍). (منهقدس‌سره ).

٢٧

وسنّة الرّسول.

ولسائل أن يسأل : هل من دليل يلزم النّاس بمودّتهم غير شهادة كتاب الله والحديث؟ هل من سبيل يقنع من لا يؤمن بالله ، ولا بالرّسول يقنعه بدليل معقول مقبول أنّ مودّة أهل البيت يفرضها الوجدان ، ومنطق العدل على كلّ إنسان مسلما كان أو غير مسلم؟.

أجل ، أنّ من يوالي الحقّ والعدل يوالي أهل البيت ، ومن يعادي الحقّ يعادي أهل البيت ، لأنّ أهل البيت هم الحقّ ، والحقّ هو أهل البيت.

وقد تقول : هذه دعوى تفتقر إلى إثبات.

والجواب : أنّ أي دليل على ذلك أدل من أن يكون الحسين بنفسه صاعقة إلهية تنفجر على الباطل؟! وأي شاهد أصدق من الدّماء والأرواح تبذل لنصرة الحقّ؟! ثمّ هذا النّشيد ، والهتاف باسم الحسين ألا يدل على أنّ الحسين هو الحقّ؟! وإذا لم يكن الحسين هو الحقّ فلماذا كلّ هذا العداء والبغض من يزيد الباطل؟.

وبقدر ما بلغ الحسين من الحقّ ، إن صحّ التّعبير بلغ يزيد من الباطل ، وكما عبّر الحسين بإستشهاده عن مكانته من الحقّ فقد عبّر يزيد بضراوته عن منزلته من الباطل. لقد بلغ الحنذق والغيظ بيزيد إن فعل بالحسين وأهله ما فزعل ، لا لشيء إلّا عداوة للحقّ ، وهذا ما أراد الحسين أن يعلنه للملأ ، ويخبر به الأجيال ، فسأل يزيد قائلا : «ويّحكم! أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو بمال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟»(١) .

__________________

(١) انظر ، الإرشاد الشّيخ المفيد : ٢ / ٩٨ ، إعلام الورى بأعلام الهدى الشّيخ الطّبرسي : ١ / ٤٥٩ ، تأريخ ـ

٢٨

أجل ، أنّهم يطلبونه بأكثر من ذلك ، يطلبونه بما طلبه النّمرود من إبراهيم الخليل. وبما طلبه فرعون من موسى الكليم ، وبما طلبه أبو سفيان من محمّد الحبيب ، وما طلبه معاوية من عليّ المرتضى ، أنّهم يطلبون؟!

أن لا يوجد شيء على الكرة يقال له دين ، وإيمان ، وعدالة ، وإنسانيّة ، ويأبى الحسين إلّا الدّين ، لأنّه لا شيء أعظم من الدّين عند الحسين ، أنّه أعظم من الأرواح ، ومن الأنبياء ، والأوصياء ، فكم من نبيّ قدّم نفسه فداء للدّين؟! وكم من إمام استشهد من أجل حمايته وصيانته؟! أنّ عظمة الدّين لا يساويها شيء لأنّها من عظمة الله الّذي ليس كمثله شىء.

وما أدرك هذه الحقيقة أحد كما أدركها النّبيّ ، وأهل بيته ، ومن أجل ذلك بذلوا في سبيله ما لم يبذله إنسان ، وعبدوا الله عبادة الخبير بما له من عظمة وسلطان ، فلقد أجهد النّبيّ نفسه في صلاة حتّى تورّمت قدماه(١) ، وحتّى عاتبه الله بقوله :( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) (٢) . وقد كان من عادة الإمام إذا سجد أصابته غشية لا يحس معها بمن حوله ، قال أبو الدّرداء :

«رأيت عليّا ، وقد اعتزل في مكان خفي ، وسمعته ذ ، وهو لا يشعر بمكاني ، يناجي ربّه ، ويقول : إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصّحف ذنبي

__________________

ـ الطّبري : ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(١) انظر ، مسند أحمد : ٤ / ٢٥١ ، سنن النّسائي : ٣ / ٢١٩ ، شرح مسلم : ١٧ / ١٦٢ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٧١ ، تحفة الأحوذي : ٢ / ٣٨٣ ، المصنّف ، للصّنعاني : ٣ / ٥٠ ، مسند الحميدي : ٢ / ٣٣٥ ، السّنن الكبرى : ١ / ٤١٨ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٩ ، المعجم الصّغير للطّبراني : ١ / ٧١ ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم : ٦٠٤ ، بتحقّيقنا.

(٢) طه : ٢ ـ ١.

٢٩

فما مؤمل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك ، ثمّ ركع ركعات ، ولمّا فرغ اتّجه إلى الله بالدّعاء ، والبكاء ، والبث والشّكوى ، فكان ممّا ناجى به : «إلهي أفكر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليّ بليتي. آه إن أنا قرأت في الصّحف سيئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول خذوه ، فياله من مأخوذ ، لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء! آه من نار تنضج الأكباد والكرلى! آه من نار نزّاعة للشّوى! آه من غمرة من ملهبات لظى! ثمّ أنعم بالبكاء ، ثمّ سكت لا يسمع له حس ، ولا حركة.

قال أبو الدّرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحرّكته ة فلم يتحرّك ، فقلت :( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) (١) ، مات والله عليّ بن أبي طالب. فأتيت منزله أنعاه لفاطمة ، فقالت فاطمة لأبي الدّرداء : «ما كان من شأنه؟ فلمّا أخبرها ، قالت : هي والله الغشية الّتي تأخذه من خشية الله»(٢) .

وكان الإمام زين العابدينعليه‌السلام في الصّلاة فسقط ولده في البئر فلم ينثن عن صلاته ، وحين فرغ منها مدّ يده ، وأخرجه ، وقال : أنّي كنت بين يدي جبّار ، لو ملت بوجهي عنه لمال عنّي بوجهه»(٣) . وإذا كان أهل البيت يهتمون بالصّلاة هذا الإهتمام حتّى في الحرب ، وساعة العسرة ، فكيف يدّعي التّشيّع لهم من يتركها ويتهاون بها في السّلم ، وساعات الفراغ ، ويفضّل عليها اللهو والمجون.

ومرّة ثانية نكرّر القول بأنّ التّشيّع يرتكز على الإعتقاد بالله ، والرّسول ، واليوم

__________________

(١) البقرة : ١٥٦.

(٢) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٨ / ٢٢٥ ، الأمالي للشّيخ الصّدوق : ١٣٧ ، روضة الواعظين : ١١٢ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ١ / ٣٨٩.

(٣) انظر ، الهداية الكبرى : ٢١٥ ، دلائل الإمامة : ١٩٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٧٨.

٣٠

الآخر. وإقام الصّلاة ، وإيتاء الزّكاة ، وعلى صفو الود لأهل البيت الّذين قتلوا وقتلوا من أجل الصّلاة ، وعبادة الواحد الأحد. انتحي الإمام ناحية يصلّي لله في صفّين ، والحزرب قائمة على أشدّها ، وحين افتقده أصحابه اضطربوا ، وكسروا جفون أسيافهم ، وآلوا أن لا يغمدوها حتّى يشاهدوا الإمام ، ولمّا وجده الأشتر قائما للصّلاة انتظره حتّى فرغ منها ، وقال له : «أفي مثل هذه السّاعة؟! فأجابه : نقاتل لأجلها ونتركها(١) ؟!

وقام الحسين إلى الصّلاة في قلب المعركة ، وأصحابه يتساقطون قزتلى بين يديه ، فصلّى بمن بقيّ منهم ، وسعيد بن عبد الله الحنفي قائم بين يديه يستهدف من النّبال والرّماح حتّى سقط إلى الأرض ، وهو يقول : «أللهمّ العنهم لعن عاد وثمود ، أللهمّ بلّغ نبيّك عنّي السّلام ، وابلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فأنّي أردت ثوابك في نصرة نبيّك»(٢) . ثمّ قضى نحبه ، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السّيوف ، وطعن الرّماح.

__________________

(١) انظر ، وسائل الشّيعة : ٤ / ٢٤٦ ح ٢ ، كشف اليقين : ١٢٢.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٢ وفي ٤٣٦ ، و : ٤ / ٣٢٠ طبعة أخرى ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٩٥ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٦. مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٠٣ ، مقتل الحسين : ١ / ١٩٥ و : ٢ / ٢٠.

٣١
٣٢

هل أقدم الحسين على التّهلكة

قد يتساءل : كيف تحدّى إبراهيم الخليلعليه‌السلام شعور قومه ، وأهانهم في آلهتهم وأعظم مقدّساتهم ، ولم يعبأ بالنّمرود صاحب الحول والطّول؟! هذا ، وهو أعزل من السّلاح ، والمال لا ناصر له ، حتّى أبويه لم يجرءا على مناصرته والذّب عنه.

حطّم الخليل آلهة قومه ، وداسها بقدميه ، وقال للألوف المؤلّفة :( أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١) ، ولم يخش سطوتهم ، ونارهم الّتي أو قدوها لحرقة حيّا.

وموسى الكليمعليه‌السلام الشّريد الطّريد الّذي أكل بقلة الأرض حتّى بانت خضرتها من شفيف بطنه لهزاله ، وحتّى سأل ربّه قطعة خبز ، وتضرّع إليه بقوله :( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (٢) . هذا الفقر إلى لقمة الخبز يصرخ في وجه فرعون المتألّه ، صاحب النّيل ، والملك العريض الطّويل ، ويقول له : «أنت الضّال المضّل!

ومحمّد اليتيمصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) الّذي لا يملك شيئا من حطام الدّنيا(٤) كيف سفّه أحلام

__________________

(١) الأنبياء : ٦٧.

(٢) القصص : ٢٤.

(٣) ماتت أمّه ، وله ست سنين. انظر ، الخصائص الكبرى : ١ / ٨٠. الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢٢ ، السّيرة

٣٣

قريش سادة العرب ، وسبّ آلهتهم؟! وبأيّة قوّة هدّد كسرى ملك الشّرق ، وقيصر ملك الغرب ، وكتب إلى كل أسلم تسلم(١) ؟!.

وبكلمة واحدة ، ما هي القوّة؟ وما هو الدّافع الّذي بعث الأنبياء والرّسل على تلك المغامرات الّتي لا يقدم عليها إلّا معتوه لا يدري ما يقول ، أو رسول لا ينطق بلسانه ، بل لسان قوّة خارقة ، وفوق القوى جميعا؟!.

وليس من شك أنّ الأنبياء حين يدعون الجبابرة الطّغاة ، وأهل الجاه والسّلطان دعوة الحقّ إنّما يدعونهم مدفوعين بقوّة لا تقاوم ، ويخاطبونهم باسم الله الّذي يؤمنون به أكثر من إيمانهم بأنفسهم ، وباسم الوحي الّذي يسمعونه بعقولهم وآذانهم.

يقدم الجيش أو يحجم بأمر قائده ورئيسه ، ويبرز الفرسان إلى الميدان فيقتلون أو يقتلون ، ومن يقتل فهو شهيد تقام له حفلات التّكريم والتّعظيم ، وترفع له في السّاحات العامّة النّصب والتّماثيل ، وتوضع على قبره أكاليل الأوراد

__________________

ـ لزيني دحلان بهامش السّيرة الحلبيّة : ١ / ٥٧. السّيرة لابن هشام : ١ / ١٦٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٧٥ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٢ / ٢٥٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٢٧٢ ، الرّوض الأنف للسّهيلي : ١ / ٨ ، تأريخ اليعقوبيّ : ٢ / ٦ ، حاشية البجيرميّ : ٢ / ٢٤٩ ، مسالك الحنفا : ٦٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ١ / ١٨٨.

(٤) كلّ ما ورثه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبويه أمة ، وهي أمّ أيمن ، وخمسة جمال ، وقطيعة غنم ، وقد أعتق أمّ أيمن حين تزوّج بخديجة. (منه قدس‌سره). انظر ، تركة النّبي : ١ / ١٠١.

(٥) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٩ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٩٦ ، مسند أحمد : ١ / ٢٦٢ ، صحيح ابن حبّان : ١٤ / ٤٩٥ ، مسند أبي عوانه : ٤ / ٢٦٨ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٩ / ١٧٦ ، معتصر المختصر : ١ / ٢٠٧ ، المعجم الكبير : ٨ / ١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٩٥ ، تفسير البيضاويّ : ٤ / ٩ ، أسباب النّزول : ١٦٩.

٣٤

والزّهور. وهكذا الأنبياء يقدمون بدافع من الله وقيادته ، ويتّحدون أهل القوّة والسّلطان بأمر الله وإرادته ، فينتصرون أو يقتلون ، وهم في الحالين عظماء يمتثلون أمر الله ، وبه يعملون ، فإذا استشهدوا فإنّما يستشهدون ، وهم يبلغون كلمة الله إلى خلقه ، ويمثلون الإنسان في أسمى حالات الإخلاص والتّضحية.

هذا هو منطق أهل الدّين والعقل ، وهذي هي عقيدة أصحاب الإيمان والوجدان ، أمّا الملحدون الّذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر من شباب هذا العصر ، ومثلهم السّذّج المغفلون من قبل ومن بعد ، أمّا هؤلاء فيقولون : لقد جازف الحسين بخروجه إلى العراق ، لأنّ أهله أهل الغدر ، والنّفاق ، وأصحاب أبيه وأخيه ، وإذا خرج ، وخدعته كتبهم ورسلهم فكان عليه أن يستسلم ، بعد أن رأى ما رأى ، من عزمهم وتصميمهم على قتله ، وعجزه عن الذّب والدّفاع عن نفسه وأهله. قالوا هذا ، وهم يعتقدون أنّ الإستشهاد فضيلة ممّن استشهد مع قائد يملك العدّة والعدد. أمّا الحسين في نظرهم فقد خاطر وجازف ، لأنّه استشهد ولا قوّة تدعمه ، وسلطان يناصره(١) .

__________________

(١) انظر ، العواصم من القواصم ، تحقّيق : محبّ الدّين الخطيب ـ طبع سنة (١٣٧١ ه‍) : ٢٣٢. مثل هذه الأكاذيث والمقولات الموضوعة ، أو الّتي لا تفسّر بشكلها الصّحيح هي الّتي شلّت حركة الأمّة ، وجعلتها قابعة تحت سيطرة الحاكم المستبد ، وأطفأت الرّوح الجهاديّة في الأمّة. هذا أوّلا.

وثانيّا : ليست هذه هي المرّة الأولى الّتي نقرأ فيها الزّور ، والبهتان على الشّيعة ، فلقد عودنا بعض الكتّاب المستأجرين من المستعمرين ، والوهابيّين على شحنائهم ، وأسوائهم الّتي استفاده منها أعداء الإسلام والمسلمين ، ولم تضر الشّيعة شيئا ، ولكن الشّيء الجديد هو هذا الكذب الصّراح على الله والرّسول ، وتحريف آي الذّكر الحكيم ، والدّس في سنّة الرّسول العظيم

ووليس من شكّ أنّ السّكوت عن الجبهان ، ومحبّ الدّين الخطيب ، وغيرهما ممّن كتب ونشر ، وحمل ـ

٣٥

إنّ الّذين يقولون هذا القول يخطئون الفهم ، ولا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم ، أنّ الحسين لم ينهض من تلقاء نفسه ، ولم يخرج إلى العراق رغبة في شيء من أشياء هذه الحياة ، وإنّما خرج بأمر الله ، وقاتل بإرادة الله ، واستشهد بين يدي الله ، فكما أنّ الجندي لا مناص له من البراز والنّزال حين صدرت أوامر رئيسه وقائده ، كذلك الحسين لا ندحة له إلى التّخلص ، والفرار بعد أن أمره الله ممّا كان وفعل ، ويؤكد هذه الحقيقة قول الحسين لمن نهاه عن الخروج ، فلقد أتاه فيمن أتاه جابر بن عبد الله الأنصاري ، وقال له : أنت ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحد سبطيه لا أرى إلّا أن تصالح كما صالح أخوك ، فأنّه كان موقفا رشيدا.

فقال له الحسين ، يا جابر! قد فعل ذلك أخي بأمر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا أيضا أفعل بأمر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

__________________

ـ وتحامل على الشّيعة والتّشيّع لآل الرّسول قد أدّى كنتيجة طبيعيّة إلى الكذب والإفتراء على الله وآياته ، والنّبيّ وعترته ، والإسلام وحماته.

وثالثا : وهذه «رسالة العقيدة الواسطية» لابن تيميّة الّذي يقدّسه الوهابيون «فصل في سنّة رسول الله» جاء فيه : «ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا كلّ ليلة حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول : من يدعوني استجب له؟ من يسألني أعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له؟» ثمّ قال ابن تيمية : هذا متفق عليه وأيضا جاء فيه : «لا تزال جهنّم يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رجله فتقول : قطّ قطّ» وقال أيضا : متفق عليه. انظر ، الفصل في الأهواء والملل والنّحل : ١ / ١٦٧. ورابعا : لقد وجد معاوية أبا هريرة ، وسمرة بن جندب يضعان الأحاديث الكاذبة على لسان الرّسول في مدح معاوية ، والطّعن على عليّ ؛ كما وجد ولده يزيد شيخا يقول : أنّ الحسين قتل بسيف جدّه! لم توجد هذه الكلمة في تأريخ ابن خلدون الموجود الآن ، وكأنّه ذكرها في النّسخة الّتي رجع عنها كما قال بعض المؤرّخين. انظر ، الضّوء اللّامع : ٤ / ١٤٧ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ١ / ٢٦٥ ح ٢٨١ و : ٥ / ٣١٣ ح ٧١٦٣.

(١) انظر ، الثّاقب في المناقب : ٣٢٢ ح ٢٦٦ ، معالم السّبطين : ١ / ٢١٦.

٣٦

وهذا الجواب يحدّد لنا سلوك الحسين في حياته كلّها ، ولا يدع قولا لقائل ، وإنّه يسير بأمر الله ، وعلى سنّة جدّه محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلقد أوقع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلح الحديبية مع مشركي مكّة بأمر الله ، ومحا كلمة بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ومحمّد رسول الله من كتاب الصّلح بأمر الله(١) ، ورضي أبوه بالتّحكيم يوم صفّين بأمر الله(٢) ،

__________________

(١) في سنة خمس للهجرة خرج النّبيّ من المدينة إلى مكّة في ناس من أصحابه يريد العمرة ، فمنعه المشركون من دخولها ، ثمّ وقع الصّلح بينه وبينهم على أن يترك العمرة هذه السّنة إلى السّنة القادمة فيدخل مكّة بلا سلاح ، وأمر النّبيّ عليّا أن يكتب كتاب الصّلح ، فكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم : هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله ، فأبى المشركون إلّا محو البسملة والشّهادة لمحمّد بالرّسالة ، فقال النّبيّ للإمام : أمح. فقال الإمام : إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النّبوّة ، والتفت إلى مندوب المشركين ، وقال له : أنّه رسول الله رغم أنفك ، فتولى النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المحو بنفسه. (منهقدس‌سره ).

انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٢٩٨ ح ٣٧٩٩ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٦٤٩ ، مسند أحمد : ١ / ١٥٥ ، المستدرك للحاكم : ٢ / ١٣٧ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٤٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٠٤.

(٢) لقد تكلّم الشّارحون عن حرب الخوارج ، ومروقهم ، وأطال المؤرخون الحديث عن أحوالهم ، ووضع فيهم العديد من المؤلفات ، ومن أحبّ معرفة التّفاصيل فليرجع إليها ، وإلى أقوال شارحي النّهج وغرضنا الآن أن نشير إلى موقف أمير المؤمنينعليه‌السلام منهم ، ويتلخص بأنّه حاول جهد المستطاع أن لا يهيجهم في شيء. ومن جملة ما قال لهم : «ألم أقل عند رفع المصاحف : إنّ معاوية ورهطه ليسوا بأصحاب دين ، ولا قرآن ، وإنّما هم يكيدون ، ويخدعون ، ويتّقون حرّ السّيف؟. فأبيتم إلّا إيقاف القتال ، والكف عنه ، وإلّا التّحكيم ، وإلّا الأشعريّ فرضيت مكرها خوف الفتنة ، ورضوخا لأهون الشّرين وأيضا قلت لكم بعد التّحكيم : أخذنا عليهما ألّا يتعدّيا القرآن فتاها عنه ، وتركا الحقّ ، وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما فمضيا عليه»؟.

انظر ، نهج البلاغة من كلام له عليه‌السلام رقم (١٢٧) ، البداية والنّهاية : ٩ / ٣٣٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٥٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٦٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٣٥٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٠٩ ، تأريخ ابن خلدون : ق ٢ / ج ٢ / ١٧٧ ، ينابيع المودّة : ٢ / ٢٠ ـ ٢١ ، وقعة صفّين : ٥١٧ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٦٨ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٤٠٤.

٣٧

وصالح أخوه الحسن معاوية بأمر الله(١) ، ونهض هو نهضته المباركة بأمر الله ، إنّ الّذين يعترضون على نهضة الحسين لا يفسرون الأشياء تفسيرا واقعيّا ، ولا تفسيرا دينيّا ، وإنّما يفسرونها تفسيرا ذاتيّا وشخصيّا محضا لا يمت إلى العلم والدّين بسبب ، ولا ينظرون إلى حكمة الله ، وحجته البالغة :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (٢) .

لقد بيّن سيّد الشّهداء كلمة الله ، ودعا إلى الحقّ ، وحذّر المخالفين من عاقبة الظّلم ، والطّغيان ، فمن خذطبة له يوم الطّفّ :

«فسحقا لكم يا عبيد الأمّة ، وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونقثة الشّيطان ، وعصبة الآثام ، ومحرّفي الكتاب ، ومطفئي السّنن ، ويحكم هؤلاء ...! ، وعنّا

__________________

(١) اختلف المؤرّخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصّلح ، فابن خلدون في تأريخه : ٢ / ١٨٦ ذهب إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسنعليه‌السلام حين دعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه بعد ما آل آمره إلى الإنحلال ، وقال ابن الأثير في الكامل : ٣ / ٢٠٥ مثل ذلك ؛ لأنّ الإمام الحسنعليه‌السلام رأى تفرّق الأمر عنه ، وجاء مثله في شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٨.

وأمّا ابن أعثم في الفتوح : ٢ / ٢٩٢ قال : ثمّ دعا الحسن بن عليّ بعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم وهو ابن اخت معاوية فقال له : صرّ إلى معاوية فقل له عنّي : إنّك إن أمنت النّاس على أنفسهم وقريب من هذا في تأريخ الطّبري : ٦ / ٩٢ ، والبداية والنّهاية : ٨ / ١٥ ، وابن خلدون : ٢ / ١٨٦ ، وتأريخ الخلفاء : ٧٤ ، والأخبار الطّوال : ٢٠٠ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٩٢.

أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب وبادر إلى الصّلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد ، كما ذكر الشّيخ المفيد في الإرشاد : ٢ / ١٣ و ١٤ وصاحب كشف الغمّة : ١٥٤ ، ومقاتل الطّالبيّين : ٧٤ ، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي : ٢٠٦ ولكننا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصّلح ، وممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن عليه‌السلام الّذي ألقاه في المدائن وجاء فيه : ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفه

انظر ، الكامل في التّاريخ : ٣ / ٢٠٥ ، وتأريخ الطّبري : ٦ / ٩٣.

(٢) الأنفال : ٤٢.

٣٨

تخاذلون ، أجل والله ، الخذل فيكم معروف ، وشجت عليه أصولكم ، وتآزرت عليه فروعكم ، وثبتت عليه قلوبكم. وغشيت صدوركم ، فكنتم أخبث ثمرة : شجي للناظر ، وأكلة للغاصب.

ألا وإنّ الدعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين بين السّلّة والذّلّة ، وهيهات منّا الذّلّة ، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام(١) .

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريثّما يركب الفرس ، حتّى تدور بكم دور الرّحي ، وتقلق قلق المحور ، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ ) (٢) ؛( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٣) .

وقال الحسين ، حين بلغه مقتل ابن عمّه مسلم : «وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية ، وليلبسنّهم الله ذلا شاملا ، وسيفا قاطعا»(٤) .

ليس هذا القول تنبأ بالصّدفة ، وأخذا من مجرى الحوادث. كلّا ، وإنّما هو كما قال الإمام عهد من الله سبحانه إلى نبيّه محمّد ، ومنه إلى أمير المؤمنين ، ومنه إلى الإمام الشّهيد ، وقد صدق التّأريخ ذلك ، وما نقص منه شيء ، فلم يلبث قاتلو

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ طبعة سنة ١٩٦٤ م ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٢) يونس : ٧١.

(٣) هود : ٥٦.

(٤) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٧٩ ، مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي : ١ / ٢٢٦ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٩٥ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٢٩.

٣٩

الحسينعليه‌السلام حتّى دار الزّمن بهم دوراته ، وضربهم بضرباته.

لقد دعا نبيّ الله يحيى إلى الواحد الأحد ، فقتله جبّار أثيم ، وأهدى رأسه بطست إلى بغي(١) ، ودعا الحسين إلى الحقّ والعدل ، فقتله الطّغاة ، وأهدوا رأسه إلى يزيد اللّعين ، وقتل زكريّا وغيره من الأنبياء ، وهم يبشرون وينذرون ، فإذا كان الحسين قد أخطأ في استشهاده من أجل الحقّ ، والعدل فقد أخطأ إذن الأنبياء ، والأولياء ، والمصلحون الّذين قتلوا ، وشردوا في سبيل الله ، وإعلاء كلمة الحقّ ، وإلقاء الحجّة على المبطلين.

قال عليّ بن الحسين : «ما نزل أبي منزلا ، أو ارتحل عنه في مسيره إلى العراق إلّا وذكر يحيى بن زكريا». وقال يوما ، «من هوان الدّنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل(٢) .

ذكر الحسين يحيى للشّبه بين الإثنين ، فلقد أهديّ رأس الحسين إلى بغي من بغايا الأمويّين الّذين كانوا أشرّ ، وأضرّ على العرب ، والمسلمين من صهاينة هذا العصر. نكث يزيد رأس الحسين بالخيزران عنادا لله ورسوله(٣) ، ولأنّ في هذا

__________________

(١) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٤٢ مقتل الإمام الحسين : ١ / ١٩٢ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١٢.

(٢) انظر ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٢٩٠ و : ٣ / ١٧٨ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٢٧ ح ٣٤٣٢٠ ، فيض القدير : ١ / ٢٦٥ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٢١٩ ، الدّر المنثور : ٤ / ٢٦٤ ، تأريخ ابن عساكر : ١٤ / ٢٢٥ و : ٦٤ / ٢١٦ ، بغية الطّلب في تأريخ حلب : ١ / ٩٣ ، تأريخ بغداد : ١ / ١٥٢.

(٣) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٩ ، موارد الظّمآن : ١ / ٥٥٤ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٢٢٨ ، المعجم الكبير : ٣ / ١٢٥ و : ٥ / ٢٠٦ و ٢١٠ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٩١ و ٣٠٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ٢٦١ و ٣١٥ و ٣٢٠ ، تهذيب الكمال : ٦ / ٤٣٤ ، تأريخ واسط : ١ / ٢٢٠ ، فضائل الصّحابة لأحمد : ٢ / ٧٨٣ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٠٠ ، الإتحاف بحبّ الأشراف الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عامر الشّبراوي : ١٥٢ ، بتحقّيقنا.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أو : جراب فيه تمر ، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام بين الإقرار بالشي‌ء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى الـمُقرّ في المظروف.

ولو قال : غصبتُه فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

ولو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.

أمّا لو قال : غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال : هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة : هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ، وإنّما تثبت من جهة العبد(١) .

وعامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما(٢) .

ولو قال : له عندي دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال : بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.

وكذا لو قال : له عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.

ولو قال : سفينة فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً‌

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

٣٤١

بالطعام في الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.

ولو قال : له عندي ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

وقال بعضهم : إن رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان(١) .

مسألة ٩٢٠ : لو قال : له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.

ولو قال : خاتم فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لجواز أن يريد : فيه فَصٌّ لي ، فصار(٣) كالصورة السابقة.

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك الصورة(٤) .

واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو : فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة ، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس - أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني : عدم الدخول(٥) .

ولو اقتصر على قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ - ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فصار ».

(٥) المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

٣٤٢

الفَصّ ، فالأقوى عن دي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل(١) الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ، فتفسيره رجوع عن بعض الـمُقرّ به(٢) .

ولو قال : له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

وكذا لو قال : نعل في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.

ولو قال : جارية في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم الدخول.

وللشافعيّة وجهان ، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ(٣) .

ويترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ، وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : نعم ، كما في البيع.

وأظهرهما : لا ، وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً(٤) .

وسلّم القفّال أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلّا حملها ، يجوز ،

____________________

(١) في « ج ، ر » : « ويدخل ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٣

بخلاف البيع (١) .

فإ ن قلنا : الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل(٢) .

وعندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.

مسألة ٩٢١ : لو قال : له ثمرة على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.

ولو قال : شجرة عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع(٣) .

وفي فتاوى القفّال أنّها تدخل(٤) .

وهو بعيد.

وأمّا قبل التأبير فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل على المعتاد(٥) .

والمعتمد عندنا : إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

وضبط القفّال فقال : كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلّا الثمار المؤبَّرة(٦) .

وقال آخَرون : ما لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ، وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان(٧) .

مسألة ٩٢٢ : لو قال : له علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه‌ ، سواء كان‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧.

(٣ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٤

فيه شي‌ء أو لم يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.

وإن كان فيه دون الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شي‌ء يلزمه الألف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر ؛ لحصر الـمُقرّ به فيه(١) .

ولو قال : [ له ] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر ؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه الإتمام(٢) .

وهو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟

والأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

ولو لم يكن في الكيس شي‌ء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟(٣) .

والوجه عندي : لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة ٩٢٣ : لو قال : له في هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال : أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٩ - ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٥

وإن قال : أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه الـمُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وإن قال : أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.

وإن قال : نقد في ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له(٢) .

وإن قال : وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال : كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا القياس.

والقول قوله في ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٢ ، الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٦

ألفين ووزن الـمُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(١) .

والشافعي(٢) وافقنا على ما قلناه.

وإن قال : اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً ، وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

وإن قال : أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.

وإن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلّا برضا الـمُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلّا أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.

وإن قال : أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٧

والخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(١) .

ولو قال : له من هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.

ولو قال : من ثمن هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٢) .

ولو قال : له علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.

وإن أراد بـ « في » « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة ٩٢٤ : لو قال : له في ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

وكذا لو قال : له من ميراث أبي.

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلّا أن يريد إقراراً.

والفرق : إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ، فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان ذلك‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٨

هبةً منه ، لا إقرار اً.

ومَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها(١) .

وقال أكثرهم : إنّ الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ الـمُقرّ له في التركة ، وذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

والمشهور : الفرق(٤) .

ومثله لو قال : له في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.

ولو قال : في داري نصفها ، فهو وعد بهبةٍ(٥) .

واشتهر عن الشافعي أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.

ولو قال : من مالي ، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً(٦) .

والبحث هنا في موضعين :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في « ث » : « هبة ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

٣٤٩

أحدهما : إنّ هذا ال قول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في داري ».

والثاني : لِمَ فرّق بين « في » و« من »؟

أمّا الأوّل : فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال : فيه قولان :

أحدهما : إنّه وعد هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك(١) .

ومنهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً(٢) .

وإذا أثبتنا الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي(٣) .

وقال آخَرون : إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال والدار(٤) .

وأمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و(٥)

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في المصدر : « أو » بدل « و ».

٣٥٠

أوّله (١) .

ومنهم مَنْ فرّق بأنّ « في » تقتضي كون مال الـمُقرّ ظرفاً لمال الـمُقرّ له ، وقوله : « من مالي » يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة(٢) .

والظاهر عندهم عدم الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي »(٣) .

واستبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن الـمُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم(٤) .

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(٥) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ، أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا‌ العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح ، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « التزام ».

٣٥١

« علَيَّ » فيكون(١) إقراراً بكلّ حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ الـمُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.

واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو : في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

وربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال : في هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ، فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن يضيف غير ماله(٢) إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٣) وقال تعالى :( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٤) وقال تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : « مال غيره » بدل « غير ماله ».

(٣) النساء : ٥.

(٤) الطلاق : ١.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٢

ولو قال : أردتُ هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ الهبة فيها(١) لا تلزم قبل القبض(٢) .

وكذا لو قال : لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها(٣) .

وعن أحمد روايتان :

ففي إحداهما : في مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلّا أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.

والثانية : إذا قال : فرسي هذه(٤) لفلان ، فإقراره جائز(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من مالي ، كان هبةً(٦) .

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّه سهو.

وفرّق بعضهم بين « في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي‌

____________________

(١) كلمة « فيها » لم ترد في « ث ، خ ، ر ».

(٢) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٣) في « ج » بدل « نصفها » : « بعضها ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في شي‌ء هذا » يدل « فرسي هذه ». وذلك تصحيف ، والمثبت من المصدر.

(٥) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٨ ، الهامش (٦)

٣٥٣

بعد الألف مالاً (١) .

وبعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو : من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.

مسألة ٩٢٥ : لو قال : له في هذا العبد شركة ، صحّ إقراره‌ ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ قدر شاء.

وقال أبو يوسف : يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى :( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

وكذا الحكم إذا قال : هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.

مسألة ٩٢٦ : لو قال : له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٣٤٩ ، والهامش (٢) من ص ٣٥٠.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٤٨ / ٥٠٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٦ ، المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٧.

٣٥٤

وكذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشي‌ء على نفسه.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.

وأمّا الثالث فإن أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

وإن قال : أردتُ به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.

ولو قال : أردتُ به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل(١) .

وكذا الحكم عندهم فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار طريقان(٢) .

وقال ابن خيران من الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٥

وقطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله على العدد(١) .

والحقّ : الأوّل ، وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.

وكذا لو قال : له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.

ولو قال : درهم ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة ٩٢٧ : لو قال : له علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد « مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة الرداءة ، وبه قال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٦ - ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٦

أكثر الشافعيّة (١) .

ولهم مذهبان آخَران :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان.

واختلف هؤلاء ، منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ](٢) قول الشافعي.

ومنهم مَنْ قال : إنّه مُخرَّج.

فقيل : من الطلاق ، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.

وقيل : مُخرَّج ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

وفرّقوا بينه وبين الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد(٣) .

الثاني : قال بعض الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه(٤) .

ولو قال : درهم عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.

ولو قال : علَيَّ درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٧

السابقة. والفرق : إ نّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلّا الوجوب عليه(١) .

وفيه قولٌ آخَر للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلّا درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب(٢) بأن يريد :

درهم مضروب قبل درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب(٣) ، لكن يجوز أن يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(٤) .

وفيه نظر ؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

وفي المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو بعد درهم » لم يلزمه إلّا درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد درهمٍ كان لازماً »(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ « فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢ و ٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجوب » بدل « الواجب ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) حلية العلماء ٨ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٨

« تحت » يقتضي [ أنّ ] ذلك درهم(١) .

وكذا البحث لو قال : له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا قولٌ آخَر للشافعيّة(٣) .

واختلفوا ، فمنهم مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله » و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

ومنهم مَنْ قال : يلزمه درهم واحد.

ومنهم مَنْ قال : إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد » لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ](٤) « مع درهمٍ لي »(٥) .

وأمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(٦) .

مسألة ٩٢٨ : إذا قال : له علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، المغني ٥ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٦.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، وانظر المغني ٥ : ٢٩٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

٣٥٩

العطف لزمه درهمان ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد ، وبه قال الشافعي(١) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان(٢) .

ونقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».

والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا واحد ، ولا تقع إلّا طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين(٣) .

وذهب الأكثر إلى تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :

أحدهما : إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

والثاني : إنّ الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلّا درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً ، وقعت طلقتان(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ - ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528