الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75128 / تحميل: 5533
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فإذا جعفر يطير مع الملائكة ، وإذا حمزة مع أصحابه»(١) . وحين قدم جعفر من الحبشة قال النّبيّ : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ، وقبّل ما بين عينيه»(٢) .

الهجرة إلى الحبشة :

قال صاحب السّيرة النّبويّة :

«قال لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ، ومن عمّه أبي طالب ، وأنّه لا يقدر على أن يمنعهم ممّا هم فيه من البلاء ، قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنّ بها ملكا لا يظلم أحد عنده وهي أرض صدق حتّى يجعل الله لكم فرجا ممّا أنتم فيه ، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة ، وفرارا إلى اللهعزوجل بدينهم فكانت أوّل هجرة في الإسلام»(٣) .

امتثلوا أمر الرّسول ، وذهبوا إلى الحبشة ، وكان فيمن هاجر إليها جعفر الطّيّار ،

__________________

(١) انظر ، ذخائر العقبى : ٢١٦ ، الإستيعاب : ١ / ٢١١ ـ ٢١٣ ، ربيع الأبرار : ٣ / ٣٦٤ ، فتح الباري : ٧ / ٦٢ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٨٣ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٣٠.

(٢) انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٢٨١ ح ٣٢٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٦ ح ٣٦٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٨ ح ١٤٦٩ ، شعب الإيمان : ٦ / ٤٧٧ ح ٦٩٦٨ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٢١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥.

(٣) انظر ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٣٢١ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ) ، و : ٢ / ١٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٧٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٨٥ ، الثّقات : ١ / ٥٧ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٤ ، الإستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، أسد الغابة ١ : ٣٤١ ، مختصر تأريخ دمشق : ٦ / ٢٢.

٣٠١

وزوّجته أسماء بنت عميس ، وولدت له هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمّدا(١) . ولقي المسلمون من النّجاشي ملك الحبشة حسن الجوار والضّيافة(٢) .

ولمّا رأت قريش أنّهم قد آمنوا بأرض الحبشة ، وأصابوا أمانا واطمئنانا ، جمعوا للنّجاشي وبطارقته هدايا ، وبعثوا بها مع عمرو بن العاص(٣) ، وعمارة بن الوليد أخ خالد بن الوليد ، ليردّ النّجاشي المسلمين إلى المشركين.

«وصحب عمرو بن العاص في رحلته زوّجة دخل عليها مذ قليل وهي امرأة جميلة فاتنة للألباب لعوب ، لم يكن عمرو يطيق أن يبتعد عنها وفي

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٦٢٣ ، سيرة ابن إسحق : ٦٩ ، دلائل النّبوّة : ٢ / ٢٢ ، تأريخ اليعقوبيّ : ٢ / ١٣ ، أنساب العرب لابن حزم : ١٥٤ ، طبقات ابن سعد : ٧ / ق ٢ / ١٨٨ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٨٥ ، اسد الغابة : ٤ / ٤٢٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٢ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٧٥ ، شرح النّج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٠ و ٨ / ٥٣ ، مقاتل الطّالبيين : ٤٤.

(٣) أبو عبد الله أو أبرو محمّد عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشيّ السّهمي وأمّه النّابغة بنت حرملة ، سبيت من بني جيلان بن عتيك ، وبيعت بعكاظ واشتراها الفاكه بن المغيرة ، ثمّ انتقلت إلى عبد الله بن جدعان ومنه إلى العاص بن وائل ، فولدت له عمرا. أرسلته قريش إلى النّجاشي ليغيّر رأيه على جعفر بن أبي طالب ، ومن معه من المهاجرين إلى الحبشة ، ويسترجعهم إلى مكّة فردّه النّجاشي. أسلم سنة ثمان ، وقبل الفتح بستّة أشهر. وافتتح مصر لعمر ، ووليها إلى السّنة الرّابعة من خلافة عثمان ، فعزله عنها ، فأخذ يؤلّب عليه حتّى قتل. ثمّ اشترك مع معاوية بصفّين مطالبا بثأر عثمان ، وأشار برفع المصاحف للصّلح فانخدع جيش عليّ وقبلوا الصّلح ، وعيّنوا أبا موسى من قبلهم ، وعيّن معاوية عمرا فغدر بأبي موسى وخلعا عليّا ونصب عمرو معاوية وأخذ مصر طعمة من معاوية ووليها بعد قتل محمّد بن أبي بكر حتّى توفّي سنة (٤٣ ه‍) أو بعدها ، ودفن هناك.

انظر ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم : ١٥٤ ، وطبقات ابن سعد : ٧ / ق ٢ / ١٨٨ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٨٥ ، اسد الغابة : ٤ / ٤٢٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٢ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٧٥ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٠ و ٨ / ٥٣ ، مقاتل الطّالبيّين : ٤٤.

٣٠٢

الطّريق إلى النّجاشي رأت امرأة عمرو عمارة ، وتحدّثت إليه فشغفها حبّا وذات ليلة هجرت زوّجها عمرو بن العاص ، وارتمت في فراش ابن الوليد ولم تعد إلى عمرو إلّا بشرط أن تتردّد بينه وبين ابن الوليد(١) .

وسبقت أنباء هذه الفضيحة إلى النّجاشي ، وإلى المهاجرين ، فلم تنفع حيلة لعمرو بن العاص ، وردّ النّجاشي الرّسل إلى قريش خائبين ، وظل على كرمه مع المهاجرين إليه أمّا المسلمون في قريش فقد تلقوا عمرو بالسّخرية ، وعلموه أنّ الإسلام وحده هو الّذي كان يمكن أن يعصم امرأته ويعصمه من مثل هذا الهوان»(٢) .

ورجع جعفر الطّيّار ومن معه من المسلمين إلى المدينة سنة (٧ ه‍) فصادف رجوع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر ، فقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»(٣) . وقبّل ما بين عينيه وقال له : أنت أشبه النّاس بخلقي ،

__________________

(١) انظر ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٢ / ٢٦.

(٢) ذكر أصحاب السّير ، والتّواريخ قصّة عمارة وزوّجة عمرو ، وأنّ النّجاشي جمع بين الرّسولين ، وبين المسلمين ، وتكلّم جعفر عن دعوة الرّسول ، ومحاسن الإسلام ، وكانت النّتيجة أن طرد النّجاشي الرّسول ، وزاد في إكرام المسلمين ، وقد آثرت نقل هذه العبارة من كتاب «محمّد رسول الحرّيّة» لعبد الرّحمن الشّرقاوي ، لجمعها واختصارها. (منهقدس‌سره ).

(٣) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٦٨١ ح ٤٢٤٩ ، و : ٣ / ٢٣٠ ح ٤٩٣١ وص : ٢٣٣ ح ٤٩٤١ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٣٠ و : ٩ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ و ٤١٩ ، مسند البزار : ٦ / ٢٠٩ ح ٢٢٤٩ ، المعجم الكبير : ٢ / ٢٠٨ ح ١٤٦٩ و ١٤٧٠ و : ٢ / ١١٠ ح ١٤٧٨ و : ٢٢ / ١٠٠ ح ٢٤٤ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٨٣ ح ١٤٦ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٣ ، الطّبقات الكبرى : ٢ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥ ، السّيرة النّبويّة : ٥ / ٥.

٣٠٣

وخلقي ، وخلقت من الطّينة الّتي خلقت منها»(١) .

استشهاده :

في سنة (٨ ه‍) ، بعث رسول الله أحد أصحابه ، وهو الحارث بن عمير(٢) بكتاب إلى ملك بصرى بأرض الشّام ، فلمّا نزل مؤتة عرض له شرحبيل الغسّاني أحد ولاة الرّوم ، فأوثقه ثمّ ضرب عنقه ، ولم يقتل غيره من بعوث رسول الله ، فاشتدّ ذلك على رسول الله ، وجهّز جيشا من ثلاثة آلاف ، وأمّر عليهم جعفر الطّيّار ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، وانطلق الجيش إلى مشارف الشّام ، فجمع له الرّوم مئة ألف مقاتل ، وقيل : مئتا ألف ، وأخذ الرّاية جعفر ، وأقبل على الرّوم يجالدهم بعنف ، فقطعت يمينه ، فأخذ اللّواء بشماله فقطعت ، فاحتضن الرّاية بعضدية ، حتّى قتل(٣) .

__________________

(١) انظر ، ذخائر العقبى للمحبّ الطّبري : ٢١٤ و ٢١٥ طبعة سنة (١٩٥٦ م) (منهقدس‌سره ). ومجمع الزّوائد:٥ / ٢٠٨ و : ٩ / ٢٧٢ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٣٣٥ ، كنز العمّال : ١٣ / ٣٢٢.

(٢) صحابي ، بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ملك بصرى بكتابه ، فلمّا نزل مؤتة (قرب الكرك ـ بشرقي الأردن) عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني فأوثقه رباطا ، وضرب عنقه صبرا. ولم يقتل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول غيره. وعلى أثر مقتله كانت غزوّة مؤتة.

انظر ، الإصابة : ١ / ٦٨١ رقم «١٤٦١» ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ٦١ ، الطّبقات الكبرى : ٢ / ١٢٨ و : ٤ / ٣٤٣ ، اسد الغابة : ٢ / ٦٩ ، المصباح المضيء : ١ / ٣٥٩ ، الإستيعاب : ١ / ٣٠٤ ، تأريخ دمشق : ٢ / ٧ و : ١١ / ٤٦٤.

(٣) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٥ / ٢١٢ ، إمتاع الأسماع : ١ / ٢٧ ، الإصابة رقم «٤٦٦٧» ، صفوة الصّفوة : ١ / ١٩١ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٨ ، تأريخ ابن عساكر : ٧ / ٣٨٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٧٩ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٨٦ ، المحبّر : ١١٩ و ١٢١ و ١٢٣.

٣٠٤

وروي أنّه حين اشتدّ القتل ، نزل عن فرسه ، وعقرها فكان أوّل رجل عقر فرسه في الإسلام ، وقاتل وهو يقول(١) :

يا حبّذا الجنّة واقترابها

طيبة وبارد شرابها

والرّوم روم قد دنا عذابها

كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

وبعد أن استشهد وجدوا في مقدّم جسده الشّريف أكثر من تسعين ضربة وطعنة(٢) .

هذا هو بيت أبي طالب ، وهذه أبناؤه ، فمنذ اليوم الّذي نبتت فيه بذرة الإسلام إلى آخر يوم من أيّام العبّاسيّين عانى التّجويع ، والسّجن ، والحصر في شعب مكّة المكّرمة ، والتّشريد في أرض الحبشة ، ومجابهة الموت بالمبيت إلى فراش الرّسول ، والجهاد في بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وفي جميع غزوات الرّسول وحروبه ، والقتل في أرض الشّام والعراق ، وفي كلّ مكان كلّ ذلك من أجل الإسلام ، وكلمة «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» ورغم ذلك فأبو طالب غير مسلم. ولماذا؟ لأنّه أبو عليّ

__________________

(١) انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٤ و ٢٣٦ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٧ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٧١ ، السّيرة لابن هشام : ٢ / ٣٧٢ و ٣٧٨ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٧٧ ، السّنن الكبرى : ٩ / ١٥٤ ، تأريخ دمشق : ٢٨ / ١٢٣ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٨ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٨ ، فتح الباري : ٧ / ٥١١ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٤٦٦ و : ٤ / ٢٧٨ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٠.

(٢) انظر ، جوامع السّيرة : ٢٨٢ ، المعارف : ٢٠٥ ، اسد الغابة : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٤. بالإضافة إلى المصادر السّابقة.

٣٠٥

وتحدّث الرّسول عن شهداء مؤتة(١) ، وبخاصّة جعفر الطّيّار ، وقال : أنّ الجوار الّذي صاروا إليه أحبّ إلى نفوسهم ، وأقرّ لعيونهم من الدّنيا وما فيها ، ومن فيها ، أمّا أبناؤهم وعيالهم ففي كفالة الله ، وهو نعم المولى ، ونعم المصير.

قال عبد الله بن جعفر : «جاءنا النّبيّ بعد موت أبي ، وقال : لا تبكوا على أخيّ بعد اليوم ، ودعا بالحلّاق فحلّق رؤوسنا ، وقال : أمّا محمّد فشبيه عمّنا أبي طالب ، وأمّا عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ، ثمّ أخذ بيدي ، وقال : أللهمّ أخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ؛ ولمّا ذكرت أمّي يتمنا قال لها : لا تخافي عليهم أنا ولّيهم في الدّنيا والآخرة»(٢) .

وكفى بالرّسول الأعظم وليّا ، وهل يبغي أبو طالب وآل أبي طالب سوى ولاية الله ورسوله؟.

واختلف المؤرّخون في عمر جعفر الطّيّار ، فمن قائل : أنّه استشهد ابن (٣٨) ، وقائل (٤١)(٣) .

__________________

(١) مؤتة قرية (موضع من بلد الشّزام) والآن في الأردن ، وفيها مقام لجعفر الطّيّار مزار ومشهور. انظر ، النّهاية في غريب الحديث : ٣ / ٣٧١.

(٢) انظر ، فقه السّيرة للشّيخ محمّد الغزّالي : ٢٨١ بعنوان غزوة مؤتة. (منهقدس‌سره ).

مسند أحمد : ١ / ٢٠٤ ح ١٧٥٠ ، الأحاديث المختارة : ٩ / ١٦٢ و ١٦٤ ح ١٣٩ و ١٤٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣٨١ ح ٣٢٢٠٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٦٠ ح ٦٨٨٥ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٤٨ ح ٨١٦٠ و ٨٦٠٤ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٥٧ و : ٩ / ٢٧٣ و ٢٨٦ ، الإصابة : ٤ / ٧٤٤ رقم «٢٦١١١» ، فضائل الصّحابة للنّسائي : ١ / ١٨ ح ٥٧ ، معتصر المختصر : ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٥ ح ١٤٦٠ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٥٢٨ ح ١٣٧٨.

(٣) انظر ، الإستيعاب لابن عبد البرّ : ٢ / ٤٥٨ و ٥١١ ، الإصابة : ٤ / ٧٤٤ رقم «٢٦١١١» ، حلية ـ

٣٠٦

عبد الله بن جعفر :

كان لجعفر الطّيّار ثلاثة ذكور : عبد الله ، وبه يكنى ، ومحمّد ، وعون ، ولدوا كلّهم في أرض الحبشة ، وأمّهم أسماء بنت عميس ، ومحمّد بن أبي بكر أخوهم لأمّهم(١) .

وصحب عبد الله النّبيّ ، وحفظ الحديث عنه ، ولازم عمّه أمير المؤمنين والحسنين ، وأخذ عنهم العلم.

وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم ، وكانت له ضياع كثيرة ، ومتاجر واسعة.

وكان أسخى رجل في الإسلام ، وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة ، منها أنّ أحد الخلفاء أرسل له ثلاثة ملايّين درهما ، ففرقها جميعا على الفقراء ، وزاد عليها من ماله(٢) . وله مواقف مع معاوية عرّفه فيها مكانه وحقيقته ، نقلنا بعضها

__________________

ـ الأولياء : ١ / ١١٨ ، تأريخ ابن عساكر : ٧ / ٣٨٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٧٩ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٨٦ ، المحبّر : ١١٩ و ١٢١ و ١٢٣ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٧١ ، السّيرة لابن هشام : ٢ / ٣٧٢ و ٣٧٨ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٧٧ ، السّنن الكبرى : ٩ / ١٥٤.

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤١ و : ٦ / ٢٥٦ ، مقاتل الطّالبيّين : ٦٠ ، مروج الذّهب : ٣ / ٩٢ و ٣٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٦ ، مقتل الحسين لأبى مخنف : ٧٣ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٢٧ ، جمهرة أنساب العرب : ٦١ ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٣ طبعة اسوة.

(٢) انظر ، المدائني (حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ) ، كشف الغمّة : ١ / ٥٥٨ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٢ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣٢ ، بتحقيقنا ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٨٦ و ٢٥.

٣٠٧

في كتاب «الشّيعة والحاكمون»(١) .

وعن الشّعبي أنّ عبد الله دخل على معاوية ، وعنده يزيد ، فجعل يزيد يعرّض بعبد الله في كلامه ، وينسبه إلى الإسراف

فقال عبد الله ليزيد : إنّي لأرفع نفسي عن جوابك ، ولو قالها صاحب السّرير لأجبته

فقال معاوية : كأنّك تظن أنّك أشرف منه؟.

قال عبد الله : أي والله ، ومنك ومن أبيك ، وجدّك.

فقال معاوية : ما كنت أحسب أنّ أحدا في عصر حرب بن اميّة أشرف منه.

فقال عبد الله : بلى والله. إنّ أشرف منه من أكفأ عليه إناءه ، وأجاره بردائه.

قال صدقت ، يا أبا جعفر(٢) .

__________________

(١) انظر ، الشّيعة والحاكمون : ١٢٨ ، بتحقّيقنا ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ٢٩٦.

(٢) انظر ، زينب الكبرى لجعفر النّقدي : ٨٩ طبع النّجف. (منهقدس‌سره ). انظر ، تأريخ دمشق : ٢٧ / ٢٦٥ ، شزرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٢٩.

٣٠٨

الزّواج

قالوا : «أنّ الفرس العتيق هو الّذي ينحدر من آباء لا هجنة فيها»(١) . وكذلك الأسر الطّيبة الطّاهرة العريقة في التّقى والقداسة تخشى الهجنة إذا زوّجت أبناءها وبناتها بمن دونها فضلا وصلاحا.

حين بلغت الزّهراء مبلغ الزّواج كثر طلابها ، فرفضهم النّبيّ جميعا ، لعدم الكفاءة ، وزوّجها عليّا ، لأنّها منه ، وهو منها ، وهما من النّبيّ في الصّميم. ونفس الشّيء حصل لابنتها الحوراء ، طلبها كثيرون ، فردّهم الإمام ، وزوّجها ابن أخيه عبد الله ، ومن أولى بها منه ، وهو ابن عمّها للأب والأمّ ، وسبق أبوه جعفر الطّيّار إلى الإسلام ، وهاجر وجاهد واستشهد في سبيله.

شرف المصاهرة :

وإذا كان الإقتران بنسل الرّسول شرفا وكرامة ، فآله أولى النّاس بهذا الحقّ ، لأنّه لهم ومنهم وفيهم ، وقد روي أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى أولاد عليّ ، وجعفر ، وقال : «بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا»(٢) . وإذا لم يكن النّبيّ جدّا لأولاد جعفر فإنّه لهم

__________________

(١) انظر ، لسان العرب : ١ / ٥٩٠.

(٢) انظر ، من لا يحضرة الفقيه : ٣ / ٣٩٣ ح ٤٣٨٤ ، وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٧٤ ح ٢٥٠٦٨ ، مناقب آل أبي ـ

٣٠٩

بمنزلة الأب والجدّ ، وهو ولّيهم في الدّنيا والآخرة ، ولا شيء أحبّ إلى الجدّ من اقتران أحفاده بعضهم ببعض ، لأنّ في ذلك تأكيدا لنسله وامتدادا لنوع من وجوده.

حياتها الزّوجيّة :

لم يتحدّث المؤرّخون وأصحاب السّير عن حياة السّيّدة زينب مع زوّجها عبد الله ، وكل ما ذكروه أنّه رزق منها أربعة ذكور وأنثى

وعن أي شيء يتحدّث المؤرّخون في هذا الباب؟ هل يتحدّثون عن نزاعها وشقاقها مع زوّجها ، أو مع الجيران ، أو عن وضعها الأحاديث على لسان جدّها في فضلها وفضل أبيها ، أو عن تحزّبها الأحزاب ، وركوب الجمال ، والبغال ، أو يتحدّثون عن مظاهر الأبّهة ، وعدد الجواري والعبيد ، أو عن رحلات النّزهة وشم النّسيم ، أو مجالس الأنس والطّرب؟.

لقد اكتفت الحوراء بذكر الله عن ذكر النّاس ، والقيل والقال ، وصرفها القيام بين يدي الله ، والإنقطاع إليه عن كلّ شيء فكان بيتها بيت العبادة ، والتّهجد ، وتلاوة القرآن(١) :

منازل كانت للرّشاد وللتّقى

وللصّوم والتّطهير والحسنات

قالت بنت الشّاطئ :

«لم يفرق الزّواج بين زينب وأبيها واخوتها ، فقد بلغ من تعلق الإمام عليّ

__________________

ـ طالب : ٣ / ٩٠ ، مكارم الأخلاق للطّبرسي : ٢٠٤.

(١) انظر ، ديوان دعبل : ١٢٤ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣١٠ ، بتحقيقنا ، سير أعلام النّبلاء : ٩ / ٣٩١ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، تذكرة الخواصّ : ٢٣٨ ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٦٥.

٣١٠

بابنته ، وابن أخيه أن أبقاهما معه ، حتّى إذا ولّى أمر المسلمين ، وانتقل إلى الكوفة انتقلا معه ، فعاشا في مقرّ الخلافة موضع رعاية أمير المؤمنين واعزازه ، ووقف عبد الله بجانب عمّه في نضاله الحربي ، فكان أميرا بين أمراء جيشه في صفّين»(١) .

وكيف يصبر الإمام عن جوهرته الكريمة ، وقد رأى فيها مثاله ، وطبائعه ، وجميع شمائله؟ فلقد روى الرّواة أنّها كانت تنطق بلسان أبيها إذا تكلّمت. ونقل الشّيخ النّقدي عن النّيسابوري : «أنّها كانت في فصاحتها ، وبلاغتها ، وزهدها ، وعبادتها كأبيها المرتضى ، وأمّها الزّهراء»(٢) .

وليست الفصاحة ، والبلاغة ، والزّهد ، والعبادة كلّ ما لعليّ من أوصاف كلّا ثمّ كلّا ، إنّ صفات أبيها عليّ لا تدركها عقولنا نحن ، وما كان لأحد أن يدركها أو يحيط بها إلّا الأنبياء ، والأوصياء ، ولست أدري : هل يتطور العقل البشري في المستقبل ، ويبلغ مرتبة تؤهله لتفهم هذه الشّخصيّة على حقيقتها ومن جميع جهاتها؟

أولادها :

ولد لعبد الله بن جعفر من السّيّدة زينب أربعة ذكور ، وأنثى ، وهم عليّ المعروف بالزّينبي ، ومحمّد ، وعبّاس ، وعون ، وأمّ كلثوم ، وهي الّتي خطبها معاوية لولده يزيد ، فزوّجها خالها الحسينعليه‌السلام من ابن عمّها القاسم ابن محمّد بن

__________________

(١) انظر ، بطلة كربلاء ، الدّكتورة عائشة عبد الرّحمن بنت الشّاطيء. موسوعة آل النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، النّاشر دار الكتاب العربي ، بيروت لبنان ، الطّبعة الأولى ١٩٦٧ م.

(٢) انظر ، زينب الكبرى ، جعفر النّقدي ، منشورات الرّضي ، قم المقدسة ، الطّبعة الثّانية ، والطّبعة الثّالثة ، منشورات الطّبعة الحيدرية ، النّجف الأشرف.

٣١١

جعفر بن أبي طالب(١) .

ومحمّد وعون قتلا مع خالهما الحسين بكربلاء ، برز عون للقتال ، وهو يقول(٢) :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

هؤلاء آل أبي طالب كبارا ، وصغارا ، إذا عملوا عملوا ليوم المحشر والخلود ، وإذا افتخروا افتخروا بالشّهداء والصّدّيقين ، وإذا انتقموا انتقموا لله لا لأنفسهم ، ولذا كان لهم عند المسلمين حقّ المودّة والولاء ، وعند الله سبحانه الكرامة والرّضوان

وقتل عون من الأعداء ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر رجلا ، ثمّ ضربه عبد الله ابن قطنة الطّائي فقتله ، ولمّا خرج المختار قبض على ابن قطنة ، وقتله(٣) .

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣٣ / ١٩١ طبعة (١٩٥٠ م). (منه قدس‌سره). انظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الإستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(٢) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٠٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٤.

(٣) انظر ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٣ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٥ ـ ١٦٦ و ٢٣٨ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٢٧ ، جمهرة أنساب العرب : ٦١ ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ ، و : ٤ / ٣٤١ طبعة آخر ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٠٦ ، و : ـ

٣١٢

وبرز محمّد وهو يقول(١) :

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الرّدى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التّنزيل والتّبيان

وقتل من الأعداء عشرة أنفس ، وحمل عليه ابن نهشل التّميمي فقتله(٢) .

ولمّا ورد نعي الحسين ونعي محمّد وعون إلى المدينة كان عبد الله بن جعفر جالسا في بيته ، فدخل عليه النّاس يعزونه ، وكان له غلام اسمه أبو السّلاس ، فقال ماذا لقينا من الحسين؟ فحذفه عبد الله بنعله ، وقال له : يا ابن اللّخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته ، حتّى اقتل معه ، وقد هوّن عليّ مصابهما أنّهم قتلا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه ، ثمّ قال : الحمد لله ، لقد عزّ عليّ مصرع الحسين ، وإذا لم أكن قد واسيته بيدي ، فقد واسيته بولدي(٣) .

__________________

ـ ٢ / ٢٢٠ طبعة آخر ، مقاتل الطّالبيّين : ٦٠ ، و : ١٢٢ طبعة آخر ، و : ٩٥ طبعة آخر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٣ طبعة اسوة ، مروج الذّهب : ٣ / ٩٢ و ٣٣٣ ، مقاتل الطّالبيّين ، الإصبهاني : ٦٠ ، و : ١٢٢ طبعة آخر ، إبصار العين في أنصار الحسين : ٣٩ طبعة النّجف.

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٢ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٠٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٤.

(٢) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٧ و ٢٣٩ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ٤٠ طبعة النّجف ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٢٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ و ٢٦٩ ، و : ٤ / ٣٤١ طبعة آخر ، مقاتل الطّالبيّين : ٦١ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٦٨ و ١٠٧ و ١٢٥ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٧ الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الغارات : ٢ / ٦٩٥ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٨٩ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٦ و ٢٢٦ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٩٦ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٥٧ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٨٠ ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٠٢.

٣١٣

وقد تساءل البعض عن عدم خروج عبد الله بن جعفر مع الحسين؟.

واعتذر عنه جماعة بأعذار لا تعدو الحدس ، والتّخمين. وقال بعضهم : أنّ بصره كان مكفوفا يومئذ.

والّذي نعتقده أنّ عبد الله بن جعفر كان مطيعا للإمامين الحسن والحسين بعد عمّه ، وأنّه لم يخالف لهما أمرا ، لا في السّر ولا في العلانية ، وقد رأيناه يترك أمر زوّاج ابنته أمّ كلثوم لخالها الحسين ، حين طلبها معاوية لولده يزيد ، كما ترك أمر خروج زوّجته زينب إليه وإليها ، وهو الّذي أمر ولديه عونا ومحمّدا بالخروج مع خالهما ، ولكنّ الحسينعليه‌السلام لم يلزمه بالخروج ولم يوجب عليه ذلك ، بل ترك له الخيار ، وقد رأى أنّ بقاءه في المدينة أصلح ، لإعتبارات نجهلها نحن ، ويعذر هو فيها ، ولو أنّ الحسين أوجب عليه الخروج لأسرع إلى الإجابة ، وليس من شكّ أنّه مأجور ومشكور عند الله والنّاس على رضاه واغتباطه باستشهاد ولديه بين يدي الإمام.

وأنّ سيرته ومواقفه بعد الحسين لأصدق دليل على إيمانه وإخلاصه وصدقه في المتابعة والولاء لعمّه وأبنائه ، وعن كتاب المحاسن والمساويء للبيهقي أنّ عبد الله بن عبّاس ، وعمرو بن العاص كانا في مجلس معاوية ، فعرّض عمرو بعبد الله بن جعفر ، ونال منه ، فقال ابن عبّاس :

«وليس كما ذكرت ، ولكنّه لله ذكور ولنعمائه شكور ، وعن الخنازجور ، جواد كريم ، سيّد حليم لا يدّعي لدعي ـ يعرض بابن العاص ـ ولا يدنو لدني ، كمن اختصم فيه من قريش شرّارها فغلب عليه جزّارها ـ كما حدث لابن العاص ـ فأصبح ألأمها حسبا ، وأدناها منصبا وليت شعري بأي قدم تتعرض

٣١٤

للرّجال؟. وبأي حسب تبارز عند النّضال؟! أبنفسك وأنت الوغد الرّنيم؟! أمّ بمن تنتمي إليه ، فأهل السّفه ، والطّيش ، والدّناءة في قريش ، لا بشرف في الجاهليّة اشتهروا ، ولا بقديم في الإسلام ذكروا ...»(١) .

وضع الأحاديث والأخبار :

أمّا ما جاء في بعض الكتب من ولع عبد الله بن جعفر بالقيان والغناء فهو ، إمّا افتراء لا أصل له ولا أساس ، وإمّا مبالغ فيه بقصد النّيل من مقام أمير المؤمنين ، لأنّه ابن أخيه ، وزوّج ابنته على طريقة السّلف الطّالح من أمثال الأمويّين وأذنابهم الّذين يضعون لهم الأحاديث والأخبار في عليّ وأولاده وأحفاده بعد أن يقبضوا الثّمن.

من ذلك ، وعلى سبيل المثال ، حديث : «إنّ ابني هذا سيّد ، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ...»(٢) . وضعه معاوية ليثبت به إسلامه ،

__________________

(١) انظر ، المحاسن والمساويء للبيهقي : ١ / ١٤٣ ، الإصابة : ٢ / ٣٢٠ ، تأريخ دمشق : ٢٩ / ٧٤.

(٢) لا نريد التّعليق على هذا الحديث من باب وضعه سندا ومتنا ، بل نقول : هذا الحديث من وضع الأمويين وأنصارهم ، الّذين استأجرهم معاوية للكذب والإفتراء على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا أوّلا.

انظر ، الإصابة : ١ / ٦٤ ، فقال فيها ابن حجر : «وهكذا أصبحت الخلافة ملكا عضوضا على يد معاوية الّذي ورّثها لابنه يزيد ، وأجبر النّاس على بيعته في حياته ، لا ينازعه في ملكه منازع من بعده. بل قال في جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٠١ ، الرّواة من حفّاظ بني أميّة. انظر ، الإصابة : ١ / ٣٣٠ ، مسند أحمد : ٥ / ٥١ ، العقد الفريد : ١ / ١٦٤ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٠٢ ، صحيح البخاري : ٢ / ١١٨ ، و : ٤ / ١٤١ ، سنن النّسائي : ٣ / ١٠٧ سنن أبي داود : ٢ / ٢٨٥ ، و : ٣ / ١١٨ ، محاسن البيهقي : ٥٥ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٩ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٤ ، ـ

٣١٥

وإسلام من كان معه في صفّين ، وينفي عنه وعنهم البغي الّذي دمغهم به حديث «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النّار»(١) .

__________________

ـ وثانيا : إنّ هذا اللّفظ «بين فئتين من المسلمين عظيمتين» كيف يوجّهها أصحاب الرّأي والسّداد في حالة المقارنة بين قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول ريحانة الإمام الحسنعليه‌السلام : إنّ ابني هذا سيّد ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وإنّ الحسنين خير النّاس جدّا وجدّة وأبا وأمّا ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسن والحسين سبطا هذه الأمّة ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله زيّن الجنّة بالحسن والحسين ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسنين عضوان من أعضائه ، وغير ذلك كثير وبين قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه كما ذكر ذلك صاحب ميزان الإعتدال : ٢ / ٧ و : ١٢٩ ، طبعة مصر سنة ١٣٢٥ ه‍ ، وابن حجر في تهذيب التّهذيب : ٥ / ١١٠ ، و : ٧ / ٣٢٤ ، و : ٨ / ٧٤ ، طبعة حيدر آباد سنة ١٣٢٥ ه‍.

وفي لفظ ابن عيّينة «فارجموه» ، وكنوز الحقائق : ٩ ، طبعة استانبول سنة ١٢٨٥ ه‍ ، وابن سعد في الطّبقات : ٤ / ١٣٦ ق ١. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويّح عمّار ، وكذلك تأسّف عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، وتأسّف عبد الله بن عمرو بن العاص على أنّه كان مع الفئة الباغية؟؟! ومع هذا كلّه يطلقون لفظة «المسلمين» على معاوية وأصحابه ، وبالتالي فإنّ لفظ «المسلم» كما يطلق على المؤمن فكذلك يطلق على المنافق والباغي وغير ذلك من الفرق المنتحلة للإسلام.

(١) ذكرت ذلك في بعض مؤلّفاتي السّابقة ، وأعدته هنا ، لتّعم الفائدة. (منهقدس‌سره ).

وعمّار : هو أبو اليقظان عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم من بني ثعلبة ، وأمّه سميّة. وكان حليفا لبني مخزوم. وكان هو ووالده من السّابقين إلى الإسلام وهو سابع سبعة أجهروا بإسلامهم ، وقد استشهد والداه أثر تعذيب قريش إيّاهما على إسلامهما. وقد ورد عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث صحيحة في مدحه منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ عمّارا ملئ إيمانا إلى مشاشه».

انظر ، صحيح البخاريّ : كتاب الصّلاة ، باب التّعاون في بناء المساجد ، و : ١ / ١٢٢ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، مسند أبي داود الطّيّالسي : ٣ / ٩٠ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢ ، تأريخ بغداد : ١٣ / ١٨٦ ، و : ٥ / ٣١٥ ، و : ٧ / ٤١٤ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاسيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، تأريخ الطّبريّ : ٣ / ٣١٦ ، الموضّح للخطيب : ١ / ٢٧٧. وانظر أيضا الرّوايات الّتي خلقها الطّبريّ : ١ / ٣٠٩٥ ـ ٣٠٩٦ ، والخطيب في الموضّح : ـ

٣١٦

__________________

ـ ١ / ٢٧٥ ، وابن عساكر بترجمة خزيمة بسنده عن سيف من مخطوطات المكتبة الظّاهرية بدمشق : ٥ رقم ٣٣٧ ورقة ٣٠٢ و ٣٠٣. وقارن أيضا مع ما رواه اليعقوبي في تأريخه : ٢ / ١٧٨ ، ومروج الذّهب : ٢ / ٣٦٦ ، والفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩. وفي تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١.

وهنالك أحاديث أخرى ، وهو الّذي نزلت فيه آية ١٠٦ من سورة النّحل ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) انظر ، تفسير الآية في تفسير الطّبريّ ، والقرطبي ، وابن كثير ، والسّيوطي. وانظر طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٨ ، والمستدرك : ٣ / ١٧٨.

وانظر ترجمة عمّار بن ياسر في مروج الذّهب : ٢ / ٢١ و ٢٢ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٤٨ ـ ٨٨ ، و : ٢ / ٣١٤ وما بعدها تحقيق المحمودي طبعة الأعلمي بيروت ، مسند أحمد : ١ / ٩٩ و ١٢٣ و ١٢٥ و ١٣٠ و ١٣٧ و ٤٠٤ ، و : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ و ٢٠٦ ، و : ٣ / ٥ ، و : ٢٢ و ٢٨ و ٩٠ ، و : ٤ / ٧٦ و ٨٩ و ٩٠ و ١٩٧ و ١٩٨ و ٣١٩ ، و : ٥ / ٢١٤ ، و ٣٠٦ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، و ٣٠٠ ، و ٣١١ و ٣١٥ و ٤٥٠ ، وصحيح البخاريّ : الجهاد ب ١٧ ، سنن ابن ماجه ب ١١ من المقدّمة ، وسنن التّرمذي : ب ٣٣ من كتاب المناقب ، ومسند الطّيّالسي : ١١٧ و ٦٠٣ و ٦٤٣ و ٦٤٩ و ١١٥٦ و ١٥٩٨ و ٢١٦٨ و ٢٢٠٢ ، والإسيعاب : ٢ / ٤٦٩ حرف العين ، الإصابة : ٢ / ٥ ، خصائص أمير المؤمنين للنّسائي : ١٣٢ ط الحيدرية ، حلية الأولياء : ٤ / ١٧٢ و ٣٦١ ، و : ٧ / ١٩٧ و ١٩٨ ، ومجمع الزّوائد : ٧ / ٢٤٠ و ٢٤٢ ، و ٢٤٤ و : ٩ / ٢٩٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٩ و ٤١ ، و : ١٠ / ٥٩.

وانظر ترجمته أيضا في اسد الغابة : ٢ / ١١٤ و ١٤٣ و ٢١٧ ، و : ٤ / ٤٦ ، الإمامة والسّيّاسة لابن قتيبة : ١ / ١١٧ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٤ طبعة الغري ، وقعة صفّين : ٣٤١ و ٣٤٣ ، العقد الفريد : ٤ / ٣٤١ و ٣٤٣ ، المناقب للخوارزمي : ٥٧ و ١٢٣ و ١٢٤ و ١٥٩ و ١٦٠ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣١٠ و ٣١١ ، الإستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٤٣٦ طبعة السّعادة ، فرائد السّمطين : ١ / ١١٤ و ١٢٠ و ٢٨٧ ، المعجم الصّغير للطبراني : ١ / ١٨٧.

وراجع أيضا شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٨ / ١٠ و ١٧ و ١٩ و ٢٤ ، و : ١٥ / ١٧٧ طبعة مصر تحقيق محمّد أبو الفضل ، و : ٢ / ٢٧٤ الطّبعة الأولى مصر ، سيرة ابن هشام : ٢ / ١٠٢ ، نور الأبصار : ١٧ و ٨٩ طبعة السّعيدية بمصر ، كفاية الطّالب : ١٧٢ ـ ١٧٥ طبعة الحيدرية ، و ٧١ و ٧٣ طبعة الغري ، تذكرة الخواصّ : ٩٣ و ٩٤ ، ينابيع المودّة : ١٢٨ و ١٢٩ طبعة إسلامبول ، و : ١٥١ و ١٥٢ طبعة الحيدرية ، و : ١ / ١٢٨ و ١٢٩ طبعة العرفان ، وأحكام القرآن لابن عربي : ٤ / ١٧٠٥ الطّبعة الثّانية تحقيق ـ

٣١٧

ومنه الخبر المفترى على الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه كان إذا رأى جمعا من النّسوة يقول لهنّ: «من منكنّ تأخذ ابن بنت رسول الله؟ فيجبنّه بصوت واحد : كلّنا مطلقات ابن بنت رسول الله»(١) .

وأي عاقل يصدق مثل هذا على الإمام الزّكي الّذي له عقل جدّه محمّد المصطفى ، وأبيه عليّ المرتضى؟! أي عاقل يصدق أنّ الإمام الحسن كان يقف على قارعة الطّريق ، وينادي معلنا عن نفسه ورغبته في الزّواج ، والنّكاح؟ وأغرب من كلّ ذلك جواب النّسوة كلّنا مطلقات ابن بنت رسول الله. متى تزوّج بهذه الكثرة الكثيرة؟! ومتى طلقهنّ؟! وكيف إجتمع مطلقاته كلهنّ في مجلس واحد؟! وكيف خفينّ عليه ، ولم يعرف حتّى ولا واحدة منهنّ ، وبالأمس كنّ في بيته وعلى فراشه؟!

ومن ذلك أخبار السّيّدة سكينة مع أشعب الطّمّاع وغيره من المغنّين والمخنثين(٢) ...إلى كثير من الأكاذيب والإفتراءات الّتي حاكتها الفئة الباغية

__________________

ـ البجاوي. وكان عمّار مع عليّ في حرب الجمل وصفّين ، وقتل بصفّين مساء الخميس ٩ صفر سنة (٣٧ ه‍) وله من العمر ٩٣ سنة.

انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ١٢٢ و ٢ / ٣٠٥ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢.

(١) إنّ هذه الأباطيل قد افتعلها المنصور الدّوانيقي وأخذها عنه المؤرّخون كما ذكر صاحب المروج : ٣ / ٢٢٦ ، وصبح الأعشى : ١ / ٢٣٣ ، وجمهرة رسائل العرب : ٣ / ٩٢. ثمّ جاءت لجان التّبشير كلامنس وغيره في دائرة معارفه : ٧ / ٤٠٠ من تروّيج الأكاذيب عليهعليه‌السلام ، والمسلّم ، والمقطوع به هو تزوّجهعليه‌السلام بباكرة واحدة وتسع زوّجات ثيّبات.

(٢) لسنّا بصدد ردّ أكاذيب ابن خلّكان والإصبهاني بصدد سكينة وزوّاجها من فلان وفلان. ولا نريد أن ـ

٣١٨

بشهادة رسول الله(١) ، والشّجرة الملعونة في كتاب الله(٢) .

__________________

ـ نقف مع هذه الأساطير ، والأكاذيب الإصبهانيّة ، والدّمشقيّة ، والكثيريّة ، والأثيريّة على بنت الطّهارة ، ومعدن الوحي والرّسالة ، بل نقول : ألا لعنة الله على الكاذبين ، ألا لعنة الله على الظّالمين.

انظر ، مصادر هذه الأسطورة ، والأبيات الشّعريّة في تأريخ دمشق : ١١ / ٢٦١ و : ٦٩ / ٢٠٩ ، الأغاني : ١٦ / ١٦١ ، البداية والنّهاية : ٩ / ٢٩١ ، ديوان جميل : ٢٩ و ٤٠ طبعة بيروت ، ديوان الفرزدق : ١ / ٢٥٩ و : ٢ / ١٥٥ طبعة بيروت صادر ، مصارع العشاق : ٢ / ٨٠ ـ ٨٢ ، ديوان جرير : ٣٥٥ و ٤١٦ طبعة بيروت ، ديوان كثيّر : ٥٥ و ١١٦ طبعة بيروت.

انظر ، سير أعلام النّبلاء : ٥ / ٢٦٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٤٧٥ ، تأريخ دمشق : ٦٩ / ٢٠٥ ، درّر الأصداف في فضل السّادة الأشراف ، لعبد الجواد بن خضر الشّربيني.

(١) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ١٢٢ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، مسند أبي داود الطّيّالسي : ٣ / ٩٠ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢ ، تأريخ بغداد : ١٣ / ١٨٦ ، و : ٥ / ٣١٥ ، و : ٧ / ٤١٤ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الإستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، تأريخ الطّبريّ : ٣ / ٣١٦ ، الموضّح للخطيب : ١ / ٢٧٧ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢١ و ٢٢ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٤٨ ـ ٨٨ ، و : ٢ / ٣١٤ وما بعدها تحقيق المحمودي طبعة الأعلمي بيروت ، مسند أحمد : ١ / ٩٩ و ١٢٣ و ١٢٥ و ١٣٠ و ١٣٧ و ٤٠٤ ، و : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ و ٢٠٦ ، و : ٣ / ٥ ، و : ٢٢ و ٢٨ و ٩٠ ، و : ٤ / ٧٦ و ٨٩ و ٩٠ و ١٩٧ و ١٩٨ و ٣١٩ ، و : ٥ / ٢١٤ ، و ٣٠٦ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، و ٣٠٠ ، و ٣١١ و ٣١٥ و ٤٥٠ ، وصحيح البخاريّ : الجهاد ب ١٧ ، سنن ابن ماجه ب ١١ من المقدّمة ، وسنن التّرمذي : ب ٣٣ من كتاب المناقب ، ومسند الطّيّالسي : ١١٧ و ٦٠٣ و ٦٤٣ و ٦٤٩ و ١١٥٦ و ١٥٩٨ و ٢١٦٨ و ٢٢٠٢ ، والاسيعاب : ٢ / ٤٦٩ حرف العين ، الإصابة : ٢ / ٥ ، خصائص أمير المؤمنين للنّسائي : ١٣٢ ط الحيدرية ، حلية الأولياء : ٤ / ١٧٢ و ٣٦١ ، و : ٧ / ١٩٧ و ١٩٨ ، ومجمع الزّوائد : ٧ / ٢٤٠ و ٢٤٢ ، و ٢٤٤ و : ٩ / ٢٩٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٩ و ٤١ ، و : ١٠ / ٥٩.

(٢) انظر ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٦ / ٥١١ ، تفسير الطّبري : ١٥ / ٧٧ ، الدّر المنثور : ٤ / ١٩١ ، فتح القدير : ٣ / ٢٣٩ ، تأريخ دمشق : ٥٧ / ٢٧٣ ، النّزاع والتّخاصم : ٢٣ ، الهداية الكبرى : ٧٦ ح ٢٥ ، فتح الباري : ٨ / ٣٠٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٩ / ٢٢٠.

٣١٩
٣٢٠

المصائب والأحزان

شاءت الأقدار أن تلقي بالسّيّدة الحوراء في أحضان المصائب والأحزان منذ الطّفّ ولة إلى آخر يوم في حياتها فمن يقف على سيرتها يجد سلسلة من حلقات متّصلة من الآلآم منذ البداية ، حتّى النّهاية.

وأي إنسان خلت أو تخلو حياته من الهموم والأكدار ، حتّى أصحاب السّلطان ، والجاه ، والثّراء لا منجاة لهم من ضربات الزّمان ، وطواريء الحدثان وقديما قيل على لسان الإمام عليّ : «الدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك ؛ فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر!»(١) . ومن الّذي حقّق جميع رغباته ، ولم يفقد قريبا من أقربائه ، وعزيزا من أعزائه.

ولكن من غير المألوف والمعروف أن يعيش «إنسان» في خضّم من المحن والأرزاء ، كما عاشت السّيّدة زينب الّتي إنهالت عليها الشّدائد من كلّ جانب الواحدة تلو الأخرى ، حتّى سميّت أمّ المصائب ، وأصبحت هذه الكنية علما خاصّا بها.

فقد شاهدت وفاة جدّها رسول الله ، وتأثيرها على المسلمين بعامّة ، وعلى أمّها وأبيها ، وأهل بيتها بخاصّة ، قال أمير المؤمنين : «نزل بي من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الحكمة «٣٩٤».

٣٢١

لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به ورأيت النّاس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه ، ولا يضبط نفسه ، ولا يقوى على حمل فادح نزل به ، قد أذهب الجزع صبره ، وأذهل عقله ، وحال بينه وبين الفهم والإفهام ، والقول ، والأسماع»(١) .

وطبيعي أن يصيب أهل البيت هذا ، وأكثر منه ، فأنّ تأثير المصاب بالفقيد ، أي فقيد يقاس بقدره وقيمته

وكفى الرّسول عظمة أن يقترن اسمه باسم الله ، ولا يقبل الإيمان والإعتراف بالله الواحد الأحد إلّا مع الإعتراف والإيمان برسول الله محمّد

هذا ، إلى أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد حدث أهل بيته بكلّ ما يجري عليهم من بعده ، وكرّره أكثر من مرّة على مسامعهم تصريحا وتلويحا ، حتّى ساعة الوفاة كان ينظر إلى وجوههم ويبكي ، ولمّا سئل قال : «أبكي لذّرّيتي ، وما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي»(٢) .

شاهدت زينب وفاة جدّها الرّسول ، وما تركه من آثار ، وشاهدت محنة أمّها الزّهراء ، وندبها لأبيها في بيت الأحزان ، ودخول من دخل إلى خدرها ، وانتهاك حرمتها ، واغتصاب حقّها ، ومنع إرثها ، وكسر جنبها ، وإسقاط جنينها ، وسمعتها ، وهي تنادي فلا تجاب ، وتستغيث فلا تغاث وكلّنا يعلم علاقة البنت بالأمّ ، وتطلعها إليها ، وتأثرها بها تلقائيّا وبدون شعور.

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٣٣ ، الخصال للشّيخ الصّدوق : ٣٧١ ، شرح الأخبار : ١ / ٣٤٦ ، الإختصاص للشّيخ المفيد : ١٧٠.

(٢) انظر ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ١٨٨ ح ١٨.

٣٢٢

وشاهدت قتل أبيها أمير المؤمنين ، وأثر الضّربة في رأسه ، وسريان السّم في جسده الشّريف ، ودموعه الطّاهرة الزّكية تفيض على خدّيه ، وهو يقلب طرفه بالنّظر إليها ، وإلى أخويها الحسنين.

وشاهدت أخاها الحسن أصفر اللّون يجود بنفسه ، ويلفظ كبده قطعا من أثر السّم(١) ، ورأت عائشة تمنع من دفنه مع جدّه ، وتركب بغلة ، وتصيح ، والله لا يدفن الحسن هنا أبدا(٢) .

__________________

(١) روي أنّه لمّا وضع الطّشت بين يدي الحسن ، وهو يقذف كبده سمع أنّ أخته زينب تريد الدّخول عليه أمر برفع الطّشت إشفاقا عليها. (منهقدس‌سره ). الرّواية على تقدير صحّتها نصّت على أنّ السّمّ أثر في كبده حتّى قاء بعضا منه ، وهذا ممّا يرفضه الطّبّ الحديث بل يقول : إنّ السّمّ يحدث إلتهابا في المعدة وبالتالي يؤدّي إلى هبوط في ضغط الدّم ويؤدّي إلى إلتهاب الكبد ، والكبد هو الجهاز الخاصّ في الجانب الأيمن الّذي يقوم بإفراز الصّفراء كما جاء في القاموس : ١ / ٣٣٢ ، تاج العروس : ٢ / ٤٨١ ، ويسمّى الجوف بكامله كبدا ، وهنا تكون الرّواية غير منافية للطّبّ حيث إنّه ألقى من جوفه قطعا من الدّم المتخثّر ، والّتي تشبه الكبد.

(٢) انظر ، الإصابة : ١ / ٣٣٠ ، تأريخ دمشق : ٨ / ٢٢٨ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٤٤ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٩ ، العقد الفريد : ٣ / ١٢٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٥١ ، رحلة ابن بطّوطزة : ٧٦ ، عيون الأخبار : ٢ / ٣١٤ ، الإمام الحسن بن عليّ للملطاوي : ٧٢ ، دلائل الإمامة : ٦١ ، المقاتل : ٧٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٦ / ٤٩ ـ ٥١ ، كفاية الطّالب : ٢٦٨ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ١٩٧.

الفتنة الكبرى :

اتّجهت مواكب التّشيّيع نحو المرقد النّبوي لتجدّد العهد بجدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكن لمّا علم الأمويون ذلك تجمّعوا وانضمّ بعضهم إلى بعض بدافع الأنانيّة والحقد والعداء للهاشميّين إلى إحداث شغب ومعارضة لدفن الإمام بجوار جدّه لأنّهم رأوا أنّ عميدهم عثمان دفن في حش كوكب ـ مقبرة اليهود ـ فكيف يدفن الحسنعليه‌السلام مع جدّه فيكون ذلك عارا عليهم وخزيا فأخذوا يهتفون بلسان الجاهليّة الحمقاء : يا ربّ هيجاء ، هي خير من دعة ، أيدفن عثمان بأقصى المدينة ويدفن الحسن عند جدّه؟

وانعطف مروان بن الحكم وسعيد بن العاص نحو عائشة وهما يستفزّانها ويستنجدان بها لمناصرتهم ـ

٣٢٣

أمّا ما شاهدته في كربلاء ، وحين مسراها إلى الكوفة ، والشّام مع العليل ، والنّساء ، والأطفال فيفوق الوصف ، وقد وضعت فيه كتب مستقلّة.

هكذا كانت حياة السّيّدة ، وبيئتها من يومها الأوّل إلى آخر يوم ، حياة مشبّعة بالأحزان ، متخمة بالآلام لا تجد منها مفرّا ، ولا لها مخرجا.

وبعد هذه الإشارة نقف قليلا لنرى كيف قابلت السّيّدة هذه الصّدمة والأحداث الجسام : هل أصابها ما يصيب النّساء في مثل هذه الحال من الإضطراب

__________________

ـ بذلك وهما يعرفان دخيلة عائشة وما تنطوي عليها نفسها بما تكنّه من الغيرة والحسد لولد فاطمة عليها‌السلام قائلين لها : يا أمّ المؤمنين ، إنّ الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله لئن دفن الحسن بجوار جدّه ليذهبنّ فخر أبيك ، وصاحبه عمر إلى يوم القيامة. فألهبت هذه الكلمات نار الثّورة في نفسها فاندفعت بغير اختيار لمناصرتهما راكبة على بغل وهي تقول : مالي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتى من لا أحبّ؟! وكادت أن تقع الفتنة بين بني هاشم وبني أميّة ، فبادر ابن عبّاس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل نريد أن نجدّد العهد به ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها لوصيته بذلك ، ولو كان وصّى بدفنه مع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك ، لكنّهعليه‌السلام كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه. ثمّ أقبل على عائشة فقال لها : وا سوأتاه! يوما على بغل ويوما على جمل وفي رواية قال ابن عبّاس : يوما تجمّلت ويوما تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت فأخذه ابن الحجّاج الشّاعر البغدادي فقال :

يا بنت أبي بكر

لا كان ولا كنت

لك التّسع من الثّمن

وبالكلّ تملّكت

تجمّلت تبغّلت

وإن عشت تفيّلت

هذا الخبر رواه الفريقان من أهل السّنّة والشّيعة بتغيّر ببعض عباراته كلّ بحسب مذهبه.

انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٨٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١٨ ، و : ١٦ / ٤٩ ـ ٥١ ، تذكرة الخواصّ : ٢٢٣ ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ٢٠٠ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٩٢ ، العقد الفريد : ٣ / ١٢٨ ، أنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٥٠ ، كتاب عائشة والسّياسة : ٢١٨ ، الإستيعاب : ١ / ٣٧٤ ، كفاية الطّالب : ٢٦٨ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٣٢٣ هامش رقم «٣».

٣٢٤

واختلال الأعصاب؟ هل هيمنت عليها العاطفة العمياء الّتي لا يبقى معها أثر لعقل ولا دين؟ وبالتّالي ، هل خرجت عن حدود الإتزان والإحتشام؟ حاشا بنت النّبيّ ، وفاطمة ، وعليّ ، وأخت الحسنين ، وحفيدة أبي طالب أن تنهزم أمام النّكبات ، وتستسلم للضّربات حاشا النّفس الكبيرة أن تتمكن منها العواطف ، أو تزعزعها العواصف فلقد تحولت تلك المحن ، والمصائب بكاملها إلى عقل ، وصبر ، وثقة بالله ، وكشفت كلّ نازلة نزلت بها عن معنى من أسمى معاني الكمال ، والجلال ، وعن سرّ من أسرار الإيمان النّبويّ المحمّديّ ، أنّ اعتصامها بالله ، وإيمانها به تماما كإيمان جدّها رسول الله.

وليس في قولي هذا أيّة شائبة من المغالاة ما دمت أقصد الإيمان الصّحيح الكامل الّذي لا ينحرف بصاحبه عن طاعة الله ومرضاته مهما تكن الدّوافع والملابسات وأي شيء أدل على هذه الحقيقة من قيامها بين يدي الله للصّلاة ليلة الحادي عشر من المحرّم ، ورجالها بلا رءوس على وجه الأرض تسفي عليهم الرّياح ، ومن حولها النّساء ، والأطفال في صياح وبكاء ، ودهشة وذهول ، وجيش العدو يحيط بها من كلّ جانب أنّ صلاتها في مثل هذه السّاعة تماما كصلاة جدّها رسول الله في المسجد الحرام ، والمشركون من حوله يرشقونه بالحجارة ، ويطرحون عليه رحم شاة ، وهو ساجد لله عزّ وعلا ، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين في قلب المعركة بصفّين ، وصلاة أخيها سيّد الشّهداء يوم العاشر ، والسّهام تنهال عليه كالسّيل.

ولا تأخذك الدّهشة ـ أيّها القاريء ـ إذا قلت : أنّ صلاة السّيّدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرّم كانت شكرا لله على ما أنعم ، ، وأنّها كانت تنظر إلى تلك

٣٢٥

الأحداث على أنّها نعمة خصّ الله بها أهل بيت النّبوّة من دون النّاس أجمعين ، وأنّه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والنّاس ولا يشك مؤمن عارف بأنّ أهل البيت لو سألوا الله سبحانه دفع الظّلم عنهم ، وألحوا عليه في هلاك الظّالمين لأجابهم إلى ما سألوا ، كما لا يشك مسلم بأنّ رسول الله لو دعا على مشركي قريش لإستجاب دعاءه(١) ولكنّهم لو دعوا واستجاب لم تكن لهم هذه الكرامة الّتي نالوها بالرّضا والجهاد ، والقتل والإستشهاد ، وفي هذا نجد تفسير قول الحسين : «رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصّابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه ، وينجز بهم وعده ، من كان باذلا فينا مهجته ، وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل ، مصبحا إنّ شاء الله تعالى»(٢) . وقول أبيه أمير المؤمنين ، وهو يجيب عن هذا السّؤال : فقال لي : «فكيف صبرك إذا»! فقلت : يا رسول الله ، ليس هذا من مواطن الصّبر ، ولكن من مواطن البشرى والشّكر.

__________________

(١) حين لقي المسلمون من المشركين شدّة شدّيدة قالوا لرسول الله : ألا تدعو الله : ألا تدعو الله لنا؟. قال : أنّ من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق بإثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمنّ الله هذا الأمر ، حتّى ليسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلّا الله». وهكذا تمّ أمر أهل البيت لا يخاف مواليهم إلّا الله ، والحمد الله. (منه قدس‌سره).

انظر ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٢٢ ح ٣٤١٦ و : ٦ / ٢٥٤٦ ح ٦٥٤٤ ، صحيح ابن حبّان : ٧ / ١٥٦ ح ٢٦٩٧ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٥ ح ٢٧٤٩٨ ، السّنن الكبرى : ٣ / ٤٥٠ ح ٥٨٩٣ ، مسند البزّار : ٦ / ٦٧ ح ٢١٢٧ ، مسند أحمد : ٥ / ١٠٨ ح ٢١٠٩٥ و ٢١١٠٧ و ٢٧٢٦٠ ، مسند أبي يعلى : ١٣ / ١٧٤ ح ٧٢١٣ ، المعجم الكبير : ٤ / ٦٢ ح ٣٦٣٨.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٢٦

وقال : «يا عليّ ، إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنّون بدينهم على ربّهم ، ويتمنّون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة ، والأهواء السّاهية ، فيستحلّون الخمر بالنّبيذ ، والسّحت بالهديّة ، والرّبا بالبيع».

قلت : يا رسول الله ، فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة ، أم بمنزلة فتنة؟ فقال : «بمنزلة فتنة»(١) .

وزينب هي بنت أمير المؤمنين لا تعدوه في إيمانها ، ولا في نظرها إلى طريق الخلود والكرامة ولذا لم تترك الصّلاة شكرا لله ، حتّى ليلة الحادي عشر من المحرّم ، وحين مسيرها مسبيّة إلى الكوفة والشّام ، وحمدت الله ، وهي أسيرة في مجلس يزيد على أن ختم الله للأوّل من أهل البيت بالسّعادة ، وللآخر بالشّهادة والرّحمة.

ومن الخير أن ننقل كلمة لأبيها أمير المؤمنين تتّصل بالموضوع وتلقي عليه ضوءا من أنوار الحكمة كالهداية ، قال :

«أنّ أشدّ النّاس بلاء النّبيّون ، ثمّ الوصيون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، وإنّما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة ، فمن صحّ دينه ، وحسن عمله اشتدّ بلاؤه ، ذلك أنّ الله لم يجعل الدّنيا ثوابا لمؤمن ، ولا عقوبة لكافر ، ومن سخف دينه ضعف عمله ، وقلّ بلاؤه ، وأنّ البلاء أسرع إلى المؤمن التّقي من المطر إلى قرار الأرض»(٢) .

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة «١٥٦».

(٢) انظر ، الكافي : ٢ / ٢٥٩ ح ٢٩ ، علل الشّرائع : ١ / ٤٤ ح ١ ، السّرائر لابن إدريس : ٣ / ١٤٣ ، وسائل الشّيعة : ٣ / ٢٦٢ ح ٨.

٣٢٧

وبعد ، فإنّ الأحداث الّتي مرّت بالسّيّدة زينب لفتت إليها الأنظار ، فتحدّث عنها المؤرّخون وأصحاب السّير في موسوعاتهم ، ومنهم من وضع في سيرتها كتبا مستقلة ، وأشاد الخطباء بفضلها وعظمتها من على المنابر ، ونظم الشّعراء القصائد في أحزانها وأشجانها ، وصبرها وثباتها ، ونذكر هنا ـ على سبيل المثال ـ هذه القطعة الدّامية لهاشم الكعبي :

وثواكل في النّوح تسعد مثلها

أرأيت ذا ثكل يكون سعيدا

ناحت فلم تر مثلهنّ نوائحا

إذ ليس مثل فقيدهنّ فقيدا

لا العيس تحكيها إذا حنّت ولا

الورقاء تحسن عندها ترديدا

أن تنع أعطت كلّ قلب حسرة

أو تدع صدّعت الجبال الميدا

عبراتها تحيي الثّرى لو لم تكن

زفراتها تدع الرّياض همودا

وغدت أسيرة خدرها ابنة فاطم

لم تلق غير أسيرها مصفودا

تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى

بفؤاده حتّى إنطوى مفؤودا

تخفي الشّجا جلدا فإن غلب الأسى

ضعف فأبدت شجوها المكمودا

نادت فقطّعت القلوب بشجوها

لكنّما إنتظم البيان فريدا

ماذا نسمّي هذه النّغمات الحزينة؟ أنسميها شعرا ، والشّعر يحتاج إلى أعمال الفكر ، وتخير المعاني والألفاظ ، والكعبي لم يفعل شيئا من ذلك ، وإنّما انعكست في نفسه آلآم آل الرّسول ، ثمّ فاضت بها من حيث لا يشعر ، تماما كما فاضت عيون الثّاكلات بالعبرات وكل شيعي صادق الولاء لآل نبيّه يعبر عن ولائه بالبكاء ، وإقامة العزاء لمّا أصابهم وحلّ بهم ، أو بشد الرّجال لزيارة قبورهم ومشاهدهم المقدّسة ، أو بالإحتجاج لحقّهم ، ومنافحة خصومهم ، أو بثورة

٣٢٨

شعريّة ، كما فعل السّيّد حيدر الحلّي(١)

أمّا أن تكون نفس المحبّ بالذات هي الأداة المعبّرة عن حبّه وولائه ، فهذا ما لا نعرفه إلّا من أفراد قلائل جدّا ، منهم هاشم الكعبي ، والشّريف الرّضي أنّ هذه القطعة ليست وصفا لندب الثّواكل وحنينها إلى سيّدها وكفيلها ، ولا تصويرا لأحزانها واشجانها ، وكفى ، ولا أخبار بالّذي أصاب آل محمّد ، كما قال بعض الشّعراء :

سبيت نساء محمّد وبناته

من بعد ما قتلت هناك رجاله

وإنّما هي قلب مضطرم قد استحال إلى كلمات تلهب القلوب والمشاعر فلقد هيمن الولاء على الكعبي ، وانتقل به من عالمه ودنياه إلى عالم الثّواكل في كربلاء ، فشعر بشعورهنّ ، وأحس بإحساسهنّ ، حتّى أصبح مثلهنّ ثاكلا يندب وينوح بعبرات تحيي الثّرى ، وزفرات تدع الرّياض هودا.

__________________

(١) شاعر مكثر ومجيد في رثاء الحسين ، وشعره كلّه أو جلّه ثورة ، وحماسة ، واستنهاض. (منهقدس‌سره ).

٣٢٩
٣٣٠

نوايا يزيد

مات معاوية ، وتولى يزيد الأمر من بعده ، وأبى إلّا أن يأخذ لنفسه بيعة الحسين وقال الحسين كلمته الّتي لا يحول عنها ، ولا يزول ، مهما تكن العواقب : «ومثلي لا يبايع مثله»(١) وكانت المأساة الّتي لا يزال ولن يزال يجري دمها طريّا على وجه الأرض ، كما قال السّيّد العبيدي أنّ معاوية ليس بشيء من الإسلام ، ولا من الإنسانيّة في حساب الحسين ، فكيف بولده يزيد؟! وإقرأ معي هذا التّأنيب والتّوبيخ الّذي وجّهه الحسين لمعاوية بصوت عال جريء.

الحسين ومعاوية :

كتب مروان بن الحكم ، وهو عامله على المدينة :

أمّا بعد ، فإنّ عمرو بن عثمان ذكر أنّ رجالا من أهل العراق ، ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن عليّ ، وأنّه لا يؤمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك ، فبلغني أنّه يريد الخلاف يومه هذا ، فاكتب إليّ برأيك.

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٣٣١

فكتب معاوية إلى الحسين :

أمّا بعد : فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقّا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها ، ولعمر الله أنّ من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، فإن كان الّذي بلغني باطلا فإنّك أنت أعزل النّاس لذلك ، وعظ نفسك ، فاذكر ، وبعهد الله أوف فإنّك متى ما تنكرني أنكرك ، ومتى ما تكدني أكدك ، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة وإن يردهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت النّاس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمّد ، ولا يستخفنك السّفهاء والّذين لا يعلمون.

يا لسخرية الأقدار الشّجرة الملعونة في القرآن تقول لمن طهّره الله تطهيرا انظر لدينك ولأمّة محمّد عدوّ الله والرّسول الّذي قال لأهل الكوفة : «يا أهل الكوفة! أترون أنّي قاتلتكم على الصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، وقد علمت أنّكم تصلّون ، وتزكون ، وتحجون ، ولكنّي قاتلتكم لأئتمر عليكم ، وألي رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون. ألا إنّ كلّ دم أصيب في هذه مطلول ، وكلّ شرط شرطته فتحت قدمي هاتين»(١) . يقول لربيب الوحي : أنظر لدينك ولأمّة محمّد؟ ولكنّ الحسين قد أبطل كيده ، وهدم كهفه ، وأرغم أنفه ، حيث أجابه : أمّا بعد : فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، فإنّ الحسنات لا يهدى لها ولا يسدّد إليها إلّا الله تعالى.

وأمّا ما ذكرت أنّه رقيّ إليك عنّي ، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشّاؤون

__________________

(١) انظر ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢٤٦ ، تأريخ دمشق : ٥٢ / ٣٨٠ ، تأريخ ابن كثير : ٨ / ١٢١ ، الكامل في التّأريخ : ٦ / ٢٢٠ ، مقاتل الطّالبيين : ٧٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١٦ و : ١٦ / ١٥ ، المعرفة والرّجال للبسوي : ٣ / ٣١٨ ، شرح الأخبار : ٢ / ١٥٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٣٥١ ح ٢٣ ، تأريخ دمشق : ٥٢ / ٣٨٠ و : ٥٩ / ١٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٤٠.

٣٣٢

بالنّميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون.

وما أردت إليك حربا ، ولا عليك خلافا ، وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن الأعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين حزب الظّلمة وأولياء الشّياطين.

ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين الّذين كانوا ينكرون الظّلم ، ويستعظمون البدع ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، ثمّ قتلتهم ظلما وعدوّانا ، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكّدة ، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، جرأة منك على الله واستخفافا بعهده؟

أولست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله العبد الصّالح الّذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه ، واصفرّ لونه ، فقتلته بعد ما أمّنته ، وأعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال؟

أولست بمدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الولد للفراش ، وللعاهر الحجر»(١) ، فتركت سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تعمدا ، وتبعت هواك بغير هدى من الله ، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ، ويقطع أيديهم وأرجلهم ، ويسمّل أعينهم ، ويصلبهم على جذوع النّخل ، كأنّك لست من هذه الأمّة وليسوا منك؟

أولست قاتل الحضرمي الّذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين عليّ كرّم الله

__________________

(١) انظر ، مسند الإمام الشّافعي : ١٨٨ ، مسند أحمد : ٢ / ٣٨٦ ، سنن الدّارمي : ٢ / ١٥٢ ، صحيح البخاريّ : ٣ / ٣٩ ، صحيح مسلم : ٤ / ١٧١ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٦٤٦ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٢٩٣ ، مصباح الزّجاجة : ٢ / ١٢٢ ، مسند الشّهاب : ١ / ١٩٠ ، البيان والتّعريف : ٢ / ١٣٠ و ٢٦٧ ، الّتمهيد لابن عبد البر : ٨ / ١٩١ ، كشف الخفاء : ٢ / ٤٥١ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ١٠ / ٣٧.

٣٣٣

وجهه ، فكتب إليه أن أقتل كلّ من كان على دين عليّ ، فقتلهم ، ومثّل بهم بأمرك ، ودين عليّ هو دين ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي أجلسك مجلسك الّذي أنت فيه ، ولو لا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرّحلتين رحلة الشّتاء والصّيف؟

وقلت فيما قلت : أنظر لنفسك ولدينك ولأمّة محمّد ، واتّق شقّ عصا هذه الأمّة وأن تردهم إلى فتنة. وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمّة من ولايتك عليها ، ولا أزعلم نظرا لنفسي ولديني ولأمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله علينا أفضل من أن جاهدك ، فإن أفعل فإنّه قربة إلى الله ، وإن تركته فإنّي استغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري

وقلت فيما قلت : إنّي إن أنكرتك تنكرني وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو الله أن لا يضرني كيدك ، وأن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ، لأنّك قد ركبت جهلك ، وتحرصّت على نقض عهدك. ولعمري ما وفيّت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النّفر الّذين قتلتهم بعد الصّلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا. ولم تفعل ذلك بهم إلّا لذكرهم فضلنا ، وتعظيمهم حقّنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وليس الله بناس لأخذك بالظّنة وقتلك أولياءه على التّهم ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة. وأخذك للنّاس بيعة ابنك ، غلام حدث ، يشرب الشّراب ، ويلعب بالكلاب ، وما أراك إلّا قد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيتك وأخربت

٣٣٤

أمانتك ، وسمعت مقالة السّفيه الجاهل ، وأخفت الورع التّقي ، والسّلام(١) .

ولمّا قرأ معاوية الكتاب أطلع عليه ولده يزيد ، فقال له : أجبه جوابا يصغر إليه نفسه ، واذكر أباه عليّا بشر.

فقال معاوية : وما أقول في عليّ ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل؟ ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه النّاس كذّبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا؟ وو الله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده أتهدده ، ثمّ رأيت أن لا أفعل ولا أمحكه(٢)

الحسين يبايع يزيد وهو يقف من أبيه معاوية هذا الموقف ، ويخاطبه بهذا الإحتقار والإزدراء : ركبت جهلك ، ونقضت عهدك ، وخسرت دينك ، وغششت الرّعية ، وقتلت أولياء الله ، وأخذت البيعة لغلام يشرب الشّراب ، ويلعب بالكلاب؟!.

قرأ يزيد هذا السّجل الخالد في مثالبه ، ومثالب من مهّد له ، وبايعه بالخلافة ، فحرّض أباه على أن ينال بالباطل من عليّ والحسين ، ولم يجد معاوية ما يقوله أللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، فاجتر يزيد ضغينته وأحقاده ، وانطوى على غيظه وغضبه ينتظر الفرصة المؤاتية.

فوران الحقد :

وبعد أن هلك معاوية ، وتولّى يزيد الأمر من بعده صمّم أن يقتل الحسين على

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٤ / ١٤٢ طبعة سنة (١٩٤٨ م) نقلا عن كتاب «الإمامة والسّياسة» لابن قتيبة.وذكر هذا الكتاب أيضا صاحب البحار : ١٠ / ١٤٩. (منه قدس‌سره ).

(٢) انظر ، معدن الحكمة : ١ / ٥٨٢ ، الإحتجاج للطّوسي : ٢٧٩ ، معجم رجال الحديث : ١٩ / ٢١٥ ، العوالم : ١٧ / ٩٣ ح ٦ ، إختيار معرفة الرّجال : ١ / ٢٥٩.

٣٣٥

كلّ حال ، وبأيّ ثمن ، ومهما تكن النّتائج وسواء أصحّ أنّ معاوية أوصاه خيرا بالحسين ، أو لم يصحّ ، فإنّ فوران الحقد ، واللّؤم ، والبغض ، والغيظ من الحسين قد بلغ الغاية من نفسه ، وأدّى به إلى حمق لا تجدي معه النّصيحة ، وإلى داء لا يشفيه إلّا الإنتقام ، ولو كان به ذهابه وذهاب ملكه ، ومن قبل قال عبد الله بن الزّبير : «اقتلوني ومالكا»(١) .

صمّم الحسين أن لا يبايع يزيد ، قتل أو لم يقتل ، لسبب واحد وهو «مثله لا يبايع مثل يزيد»(٢) وصمّم يزيد على قتل الحسين بايع أو لم يبايع لأسباب : «منها» : العداء المبدئي الّذي أشار إليه الإمام الصّادق بقوله : «نحن وآل أبي سفيان تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله. وقالوا كذب الله»(٣) .

و «منها» : العداء الشّخصي ، فقد كان يزيد يعلم علم اليقين بأنّ الحسين يزدريه ويحتقره وأباه معاوية ، وأيضا يعلم بأنّ الحسين ينظر إليه وإلى أبيه كما ينظر إلى المنافقين والمفترين ، ولا شيء أشدّ وطأة على النّفس من الإحتقار والإستخفاف.

و «منها» : الأخذ بثارت بدر ولذا هتف بأشياخه حين وضع رأس الحسين بين يديه ، وقال : «ليت أشياخي ببدر شهدوا».

__________________

(١) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٨٥ وما بعدها ، وقارن بين قوله وقول المؤرّخ في تأريخ الطّبري : ١ / ٣١٩٩ ـ ٣٢٠٠ ، و : ٥ / ٢٠٤ و ٢١٠ و ٢١١ ، والواقدي برواية شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٨٧ في شرح الخطبة «كنتم جند المرأة» ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٩٩ ، العقد الفريد : ٤ / ٣٢٦ طبعة لجنة التّأليف ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٩٦ ، الهامش رقم (١ و ٢) في نفس الصّفحة.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

٣٣٦

وقد تجاهل هذه الحقيقة الّذين اضمروا العداء لعليّ وبنيه ، وقالوا : أنّ الحسين ألقى بيده إلى التّهلكة ، وكان عليه أن يسلّم ليزيد ، ما دام عاجزا عن مقاومته قالوا هذا ، وهم يعلمون أنّ الحسن صالح معاوية ، وسلّم له الأمر ، ثمّ غدر به ، وأنّ معاوية أعطى العهود والمواثيق لأولياء الله كحجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق وغيره ، ثمّ نقضها ، وقتلهم دون أن يقاتلوه ، وأنّ مسلم بن عقيل ألقى السّلاح بعد أن أخذ العهد والأمان من أذناب الأمويّين ، ثمّ قتلوه ومثّلوا به.

وجاء في البحار :

«أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد إلى مكّة ، وولّاه الموسم وأمره بقتل الحسين على أي حال اتّفق ، وأنّه دسّ مع الحاج ثلاثين رجلا ، ليغتالوا الحسين ، ولمّا علم الحسين بذلك خرج من مكّة ، وقبل خروجه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة : والله يا أخي لو كنت في حجر هامّة من هوام الأرض لإستخرجوني منه ، حتّى يقتلوني(١) وفي هذا دلالة ظاهرة أنّه مقتول ، حتّى ولو سالم وبايع ، وكانوا يعرضون عليه البيعة صورة ، لعلمهم بأنه لا يبايع ، ألا ترى كيف أشار مروان بن الحكم بقتل الحسين على والي المدينة؟ وكيف كتب ابن زياد لابن سعد :

__________________

(١) انظر ، بحار الأنوار : ١٠ / ١١٦. وما رأيت أجهل ممّن قال : كيف اطمأنّ الحسين لأهل الكوفة ، وقد غدروا بأخيه ر ، وأبيه من قبل؟ فهل كان الحسين يجهل ذلك؟. ألم يصرح أكثر من مرّة بأنّ الله شاء أن يراني قتيلا ، ويرى نسوتي سبايا؟ (منهقدس‌سره ).

انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٢٩٥ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٤٦ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر: (ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ) : ٢١٢ ح ٦٦٤ ، وقعة الطّفّ : ١٥٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢١٨ مقتل الحسين لأبي مخنف : ٦٧ ، مقاييس اللّغة لابن فارس : ٤ / ٤٩٦ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ٧٤ البداية والنّهاية : ٦ / ١٦٣ ح ١٦٦٠٨ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٦٠ ، الطّبقات لابن سعد : ح ٢٧٨.

٣٣٧

أعرض على الحسين : أن ينزل على حكم بني عمّك ـ يقول : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله : إنّي عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب ، ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين : بين السّلة والذّلّة ، وهيهات منّا الذّلّة ، يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله ، والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام»(١) .

ومن عرف حقيقة يزيد ، وعوامله النّفسيّة ، وتربيته لا يشك في شيء من ذلك ...أنّ يزيد ينزع للإنتقام بطبيعته وفطرته ، وبنسبه وتربيته ، ولا يشبع نزعته هذه ، البيعة وغير البيعة ، لا يشبعها إلّا الدّم ، حتّى الدّم لم يشف غليل جدّته هند فلاكت كبد الحمزة ، واتّخذت من أطرافه قلادة تتزين بها لجدّه أبي سفيان(٢)

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦ طبعة سنة ١٩٦٤ م ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٢) قتل حمزة والّتمثيل به :

حمزة بن عبد المطّلب يكنى أبا عمارة ، وأبا يعلى ، وهو أسد الله وأسد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّ النّبيّ قتله غلام يقال له وحشي مولى مطعم بن جبير ، وقد بعثه مولاه مع قريش وقال له : إن قتلت حمزة بعمّي طعيمة بن عديّ فأنت عتيق ، وجعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّا أو حمزة. فقال : أمّا محمّد فلا حيلة فيه ، لأنّ أصحابه يطوفون به. وأمّا عليّ فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذّئب. وأمّا حمزة فأطمع فيه ، لأنّه إذا غضب لا يبصر ما بين يديه ، فقتله وحشي ، وجاءت هند فأمرت بشقّ بطنه وقطع كبده والتّمثيل به ، فجدعوا أنفه واذنيه. وهي الّتي اتخذت من آذان الرّجال وآنافهم وأصابع أيديهم وأرجلهم ومذاكيرهم قلائد ومعاضد ، واعطت وحشي معاضدها وقلائدها جزاء قتله حمزة فلاكة كبده فلم تسفه فلفظته. (انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١١١ ، الدّرجات الرّفيعة : ٦٦ ـ ٦٩ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٣ / ٩٦ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٤٦ ، كشف اليقين لابن ـ

٣٣٨

__________________

ـ المطهّر الحلّي : ١٢٨).

وذكر أهل السّير والأخبار كابن جرير ، وابن الأثير ، وابن كثير ، وصاحب العقد الفريد وغيرهم ما قد أخرجه أحمد بن حنبل : ٢ / ٤٠ عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع من أحد جعلت نساء قريش يبكين على من قتل من أزواجهن. قال : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ولكن حمزة لا بواكي له ، قال : ثمّ نام فانتبه وهنّ يبكين ، قال فهنّ اليوم إذا يبكين يندبن حمزة.

وفي ترجمة حمزة من الإستيعاب نقلا عن الواقدي بهامش الإصابة : ١ / ٢٧٥ قال : لم تبك امرأة من الأنصار على ميّت ـ بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكن حمزة لا بواكي له ـ إلى اليوم إلّا بدأنّ بالبكاء على حمزة. (انظر للمزيد اسد الغابة ، والطّبقات الكبرى : ٢ / ٤٤ ، و : ٣ / ١١ و ١٧ ـ ١٩ ، ذخائر العقبى : ١٨٣ ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ٣ / ١٠٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٤٢ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١١٣ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٢٠.

كان حمزة ، يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد ، لكن غدر وحشي وحقد هند هما اللّذان مكنّا حربة وحشي فأصابته في أربيته ، وانشغال المسلمون بهزيمتهم هي الّتي مكّنت هند من شقّ بطنه وقطع كبده والتّمثيل به ، ولذا قال الشّاعر كما في كشف الغمّة : ١ / ٢٥٨.

ولا عار للأشراف إن ظفرت بها

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الرّدى

وحتف عليّ من حسام ابن ملجم

وحين رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لو لا أن تحزن صفيّة أو تكون سنّة بعدي تركته حتّى يكون في أجواف السّباع وحواصل الطّير ، ولئن أظهرني الله على قريش لأمثّلنّ بثلاثين رجلا منهم. كما ذكر ابن الأثير في الكامل : ٢ / ١٦١. وقال المسلمون : لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب ، فأنزل الله في ذلك :( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) النّحل : ١٢٦.

ولذا ورد في السّيرة الحلبية عن ابن مسعود : ٢ / ٢٤٦ قال : ما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكيا أشدّ من بكائه على حمزة عليه‌السلام ووضعه في القبلة ، ثمّ وقف على جنازته وانتحب حتّى نشق ـ أي شهق ـ حتّى بلغ به الغش ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّ رسول الله ، وأسد الله ، وأسد رسول الله ، يا حمزة فاعل الخيرات ، يا حمزة يا كاشف الكربات ، يا حمزة يا ذابّ عن وجه رسول الله. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : جاءني جبريل عليه‌السلام وأخبرني بأنّ حمزة مكتوب في أهل السّماوات السّبع : حمزة بن عبد المطّلب أسد الله وأسد رسوله. وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزّبير أن يرجع أمّه صفيّة اخت حمزة ؛ عن رؤيته ، فقال لها : يا امّه ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

٣٣٩

__________________

ـ يأمرك أن ترجعي ، فدفعت في صدره وقالت : لم وقد بلغني أنّه مثّل بأخي ، وذلك في الله قليل فما أرضاني بما كان في الله من ذلك ، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله تعالى ، فجاء الزّبير فأخبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : خلّ سبيلها ، فجاءت واسترجعت واستغفرت له.

وفي رواية : كفّن حمزة بنمرة كانوا إذا مدّوها على رأسه انكشفت رجلاه ، وإن مدّوها على رجليه انكشف رأسه ، فمدّوها على رأسه وجعلوا على رجليه الأذخر ، وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به فدفن. ذكر ذلك صاحب السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٤٧ ، وابن الأثير في الكامل : ٢ / ١٦٢.

وذكر الواقدي أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يومئذ إذا بكت صفيّة يبكي وإذا نشجت ينشج. قال : وجعلت فاطمة تبكي فلمّا بكت بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وروى ابن مسعود قال : ما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكيا قطّ أشدّ من بكائه على حمزة بن أبي طالب لما قتل ـ إلى أن قال : ـ ووضعه في القبر ثمّ وقفصلى‌الله‌عليه‌وآله على جنازته وانتحب حتّى نشغ من البكاء. ذكر ذلك صاحب الاستيعاب بهامش الإصابة : ١ / ٢٧٥ الطّبعة الأولى ، والإمتاع للمقريزي : ١٥٤ ، والكامل في التّأريخ : ٢ / ١٧٠ ، ومجمع الزّوائد : ٦ / ١٢٠ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٤ / ٣٠٧ و ٣١٠ ، وذخائر العقبى : ١٨٠ ، وسيرة ابن هشام : ٣ / ١٠٥ ، والسّيرة الحلبية : ٢ / ٢٤٦ ، وشرح النّهج : ١٥ / ٣٨٧ و ١٧.

ولسنا بصدد بيان جواز أو حرمة البكاء على الميت ولكن نترك للقارئ الكريم مجال التّفكير عند مراجعة المصادر التّالية على سبيل المثال لا الحصر منذ بكاء آدمعليه‌السلام على ابنه هابيل إلى اليوم لأنّ البكاء سنّة طبيعية.

انظر ، العرائس للثّعالبي : ٦٤ طبعة بمبي و ١٣٠ و ١٥٥ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٣ ، و : ٢ / ٦٠ الطّبعة الثّانية طبعة بيروت ، فرائد السّمطين : ١ / ١٥٢ ح ١١٤ ، و : ٢ / ٣٤ ح ٢٧١ ، والمصنّف لابن أبي شيبة : ٦ و ١٢ ، كنز العمّال : ١٣ / ١١٢ الطّبعة الثّانية ، و : ١٥ / ١٤٦ ، و : ٦ / ٢٢٣ الطّبعة الأولى ، تأريخ دمشق : ٢ / ٢٢٩ ح ٣٦٧ و ٣٢٧ ح ٨٣١ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١١٨ و ١٧٩ و ١٨٩ الفضائل لأحمد بن حنبل : ح ٢٣١ ، المستدرك للحاكم : ٣ / ١٣٩ ، و : ٤ / ٤٦٤ ، تأريخ بغداد : ١٢ / ٣٩٨ ، و : ٧ / ٢٧٩ ، المناقب للخوارزمي : ٢٦ ، ينابيع المودّة : ٥٣ و ١٣٥.

سنن البيهقيّ : ٤ / ٧٠ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٥١٨ ، ذخائر العقبى : ١١٩ و ١٤٧ و ١٤٨ ، دلائل النّبوّة للبيهقي في ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام من تأريخ دمشق : ح ٦٢٢ و ٦١٢ ـ ٦١٤ و ٦٢٦ ـ ٦٣٠ ، المعجم ـ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528