الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء0%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528
المشاهدات: 64279
تحميل: 3646

توضيحات:

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64279 / تحميل: 3646
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: 964-465-169-3
العربية

حدّ السّيوف ، وأشدّ من طعن الرّماح واقسم أنّي قد نسيت ذلك المشهد الرّهيب ، ووقوف النّساء والأطفال أسارى بين يدي يزيد نسيت كلّ هذه المحن ، وأنا أستمع إلى الحوارء ، وهي تصفع الطّاغية بكلماتها الملتهبة ، وتلعنه وتخزيه ، وتشفي منه صدور قوم مؤمنين ؛ أجل ، نسيت كلّ شيء إلّا قولها :

«يا بن الطّلقاء؟! ومن لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه من دماء الشّهداء ...».

وقولها : «فو الله ما فريت إلّا جلدك ، وما حززت إلّا لحمك ....».

وقولها : «إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، .....».

وقولها : «هل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظّالمين». أي عليه وعلى آبائه ، وعلى من مهّد له ولهم سبيل الحكم والتّحكم ...»(١) .

وبعد ، فليست هذه الكلمات نفثة مصدور ، ولا هذه الرّوح الّتي خاطبت يزيد في هذا الجور تشبه أرواحنا نحن أبناء الأرض في شيء. أنّها روح إلهية لا ترى غير جبّار السّماء ولو كانت زينب من هذه النّسوة لما استطاعت غير البكاء والرّجاء ولكنّها من بيت ، أساسه محمّد ، وبناؤه عليّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وبانيه الله الواحد الأحد.

أنّ كلّ موقف من مواقف أهل البيت ، وكلّ كلمة من كلماته ، شاهد صدق وعدل على أنّهم إن نطقوا نطقوا بلسان الوحي ، وإن فعلوا فعلوا بتسديد الله وعنايته.

__________________

(١) انظر ، بلاغات النّساء لابن طيفور : ٢٢ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٦ ، مثير الأحزان لابن نما : ٨١ ، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : ٢٢٧.

٣٦١

وقد يسأل سائل : لماذا صبر يزيد على هذا التّقريع والتّوبيخ ، والتّهديد والوعيد ، وعلى لعنه ولعن آبائه؟!

ولماذا لم يسكّت السّيّدة ، أو يأمر بقتلها ، أو إخراجها ، وهو الحاكم المسيطر؟!

الجواب :

أنّ يزيد لم يسكت عن السّيّدة ، لأنّها امرأة ، والمرأة لا تعامل إلّا بالرّفق واللّطف كلّا إنّ يزيد لا يردعه شيء كيف؟ وقد تجرأ على قتل ريحانة الرّسول ، وذبح أطفاله ، وسبى نسائه وإنّما سكت مذهولا من هول الصّفعة ، وممّا رأى من اضطراب المجلس بأهله ، وسمع من الصّرخات بسبّه ولعنه ، حتّى من أهله ونسائه فلقد أو قعته السّيّدة زينب بنبراتها وكلماتها في مأزق خطير لا يملك معه إلّا الإعتراف بعظمة الجريمة ، وإلّا البراءة منها ، وإلقاءها على ابن زياد.

وبالتالي ، فإنّ كلمات الزّهراء بعد يوم السّقيفة ، وكلمات ابنتها زينب في يوم كربلاء ، وبعده ، وكلمات الإمام زين العابدين ، وأمّ كلثوم ، وفاطمة بنت الحسين ، جميعها ترمي إلى غرض واحد ، وهو إقامة الحججّ والبراهين على أنّ أهل البيت هم أصحاب الحقّ في خلافة الرّسول ، وأولى بالطّاعة ، وأنّ من عارض وعاند فقد ردّ على الله ورسوله.

فأهل البيت أوّل من وضع أسّس الحجاج لحقهم بالدّليل والمنطق ، وأوّل من تكلّم في فضائلهم ومحاسنهم ، ومثالب أعدائهم ومساوئهم ، وأوّل من أقام البراهين على وجوب التّمسك بحبلهم ، والبراءة ، ومن أعدائهم ، ثمّ سار على هذا النّهج كلّ موال ومحبّ لله ورسوله وأهل بيته.

٣٦٢

الدّعوة لأهل البيت

لم يتوان أهل البيت لحظة في إعلان حقّهم بخلافة جدّهم الرّسول. وبكلّ ما فرض الله له على النّاس من سلطان ، وطاعة ، وولاء فلقد أعلنوا هذا الحقّ ، على أنّ الله سبحانه قد خصّهم به ، شاء النّاس أو أبوا ، تماما كما خصّ محمّدا بالنّبوّة ؛ أعلنوا هذا الحقّ ، ودعوا إلى الإيمان به بشتى الأساليب والوسائل ، واحتّجوا له بمنطق العقل ، ونصّ الكتاب والسّنّة.

فما أن توفّي النّبيّ ، وتولى الخلافة أبو بكر ، حتّى ذهبت الزّهراء بنفسها إلى المسجد الجامع ، وأعلنت هذا الحقّ ، واحتجّت له في ملأ من النّاس ، ومحضر الخليفة والأصحاب ، فأبكت النّساء والرّجال ، وبلبلت الأفكار ، واعتذر إليها الأنصار ، وحامت حول خلافة الأوّل ألف شبهة وشبهة

ولا أدري على أي شيء إعتمد من قال : أنّ عليّا لم يحتجّ لحقه بالخلافة على أبي بكر ، وجهل أو تجاهل أنّ إحتجاج الزّهراء هو إحتجاج عليّ بالذات ، وأنّها لم تنطق إلّا بلسانه ، ولم تحتج إلّا بدليله وبرهانه.

هذا ، إلى أنّ الإمام لم يدع مناسبة إلّا أقام فيها الحجّة البالغة على من جحد وعاند نذكر من ذلك على سبيل المثال قوله من على المنبر : «أما والله لقد تقمّصها فلان ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحا. ينحدر عنّي

٣٦٣

السّيل ، ولا يرقى إليّ الطّير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصّغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه»(١) .

وقوله من كتاب له إلى معاوية :

«فدع عنك من مالت به الرّميّة فإنّا صنائع ربّنا ، ـ أي نحن أسراء فضل الله وإحسانه ـ والنّاس بعد صنائع لنا. لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عاديّ طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا ، فنكحنا وأنكحنا ، فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك ومنّا النّبيّ ومنكم المكذّب ، ومنّا أسد الله ، ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب ، في كثير ممّا لنا وعليكم!

فإسلامنا قد سمع ، وجاهليّتنا لا تدفع ، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا ، وهو قوله سبحانه وتعالى :( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) وقوله تعالى :( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) ، فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فلجوا عليهم ، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة «٣». وتعرف بالشّقشقيّة لقول الإمامعليه‌السلام بعدها : «تلك شقشقة هدرت ، ثمّ قرّت».

(٢) الأنفال : ٧٥.

(٣) آل عمران : ٦٨.

٣٦٤

بغيره فالأنصار على دعواهم(١) .

وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك ، فيكون العذر إليك»(٢) .

* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها*(٣)

واحتجّ الحسن على معاوية ، والحسين على أهل الكوفة بالحديث المشهور «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(٤) وهما إمامان قاما أو قعدا»(٥) .

__________________

(١) قال المفيد في كتاب «العيون والمحاسن» : زعم الجاحظ أنّ الكميت علّم الشّيعة الحجاج لتقديم آل محمّد. وهذه حماقة وسخف من الحافظ ، فإنّ أمير المؤمنين وأبناءهم هم الّذين احتجّوا لحقهم ، وعلّموا النّاس الحجاج له ، وإنّما نظم الكميت ما قالوه وأعلنوه ، بل أنّ متكلّمي الشّيعة قد احتجّوا واستدلوا قبل الكميت ، وكذلك أصحاب أمير المؤمنين. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة (٢٨).

(٣) ينسب هذا الشّعر إلى أبي ذؤيب الهذلي من قصيدة طويلة يرثي بنيه الخمسة في عام واحد أصابهم الطّاعون ، وتارة ينسب إلى ابن الزّبير ، وهذا هو عجز البيت.

وعيرها الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

انظر ، ديوان الهذليّين : ١ / ٢١ ، شرح أشعار الهذليّين : ١ / ٧٠ ، خزانة الأدب : ٩ / ٥٠٥ ، تنوير الحوالك : ٢٠ ، المحلّى : ٦ / ٤٣ ، مقدّمة فتح الباري : ١٣٧ ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٣٨٤ ، معجم الأدباء : ١١ / ٨٩ ، صحيح البخاريّ : ٩ / ٥٣ ، تفسير الثّعالبي : ٣ / ٥١٨ ، العلل لأحمد بن حنبل : ١ / ٩٤ ، الفائق في غريب الحديث : ٣ / ٣٠٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٨٠ و : ١٥ / ١٨٣ و : ١٨ / ١٢٣ و : ٢٠ / ١٠٨ ، تأريخ دمشق : ٦٩ / ١١ ، تهذيب الكمال : ٣٥ / ١٢٤ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٣٧٩ ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٣ / ٣٣ ، النّهاية في غريب الحديث : ٢ / ٤٩٧. (٤) انظر ، كنز العمّال : ٦ / ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢١٧ ، و : ٧ / ١٠٧ و ١١١ و ١٠٨ ، و : ١٢ / ٩٦ و : ١٢ / ٣٤٢٤٦ ، و : ١٣ / ٣٧٦٨٢ ، صحيح التّرمذي : ٢ / ٣٠٦ و ٣٠٧ ، مسند أحمد : ٣ / ٣ و ٦٢ و ٨٢ ، حلية الأولياء : ٥ / ٧١ و ١٣٩ ، و : ٤ / ١٣٩ و ١٩٠ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٢ ـ ١٨٤ و ١٨٧ ، تأريخ بغداد : ٩ / ٢٣١ و ٢٣٢ ، و : ١٠ / ٩٠ و ٢٣٠ ، و : ١ / ١٤٠ ، و : ٢ / ١٨٥ ، و : ١٢ / ٤ ، و : ٦ / ٣٧٢ ـ

٣٦٥

وقالت السّيّدة زينب ليزيد فيما قالت : «ما قتل الحسين غيرك. ولولاك لكان ابن مرجانة أقل وأذل ، أما خشيت من الله بقتله؟! وقد قال رسول الله فيه وفي أخيه : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة فإن قلت : لا ، فقد كذبت ، وإن قلت : نعم ، فقد خصمت نفسك فقال يزيد : ذرّيّة بعضها من بعض.

وقال الإمام زين العابدين له ، قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول الله : هذا جدّي أو جدّك يا يزيد(١) !

وللإمام السّجّاد أسلوب خاصّ وجديد في بثّ الدّعوة لأهل البيت ، ذلك أنّه لا يبرز هذه الدّعوة بصورتها بل يضفي عليها ثوب المناجاة والخضوع والتّضرع إلى الله سبحانه ، لتمر في عصر الأمويّين بسلام دون أن تثير أي إهتمام ، ويبدو ذلك جليا لمن تتبع وتأمّل مناجاته في الصّحيفة السّجّاديّة فما مجّد الله وشكره ، أو سأله العفو والرّحمة أو أي شيء بجملة إلّا وقرنها بالصّلاة على محمّد

__________________

ـ الإصابة : ١ / ق ١ / ٢٦٦ ، و : ٦ / ق ٤ / ١٨٦ ، مناقب أمير المؤمنين محمّد بن سليمان الكوفي : ٣ / ٢٥٩ ، الجامع الصّغير للسّيوطي : ١ / ١٩. وانظر ، ذخائر العقبى : ١٣٥ و ١٣٠ و ١٢٩ ، كنوز الحقائق : ١١٨ و ٨١ و ٣٦ ، خصائص النّسائي : ٣٤ و ٣٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٤٤ / ١١٨ ، باب فضائل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحاكم في المستدرك : ٣ / ١٦٧ و ٣٨١ ، تأريخ دمشق : ٧ / ١٠٣ ، اسد الغابة : ٥ / ٥٧٤ ، صحيح ابن حبّان : ٢١٨ ، تهذيب التّهذيب : ٣ / في ترجمة زياد بن جبير ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٢١ / ٣٨٥٦ و : ٣٢٦ / ٣٨٧٠ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٧٧٩ / ١٣٨٤ ، الصّواعق : ١٨٧ و ١٩١ ب ١١ فصل ٢ ، الجامع الصّغير : ١ / ٥٨٩ / ٣٨٢٠ و ٣٨٢١ و ٣٨٢٢ ، منهاج السّنّة : ٤ / ٢٠٩ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٥ و ١٤٠ و ١٣٤ و ١٥٣ و ٢٥٩ ، ينابيع المودّة : ٣٦٩ و ٣٧٢.

(٥) انظر ، سنن التّرمذي : ٣٢٣ ، الإستيعاب : ١ / ٢٨٧ ، التّنبيه والأشراف : ٢٦٠ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٢٩٩ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٤١ ، كشف الغمّة : ١ / ٥٣٣ ، مجمع البيان : ٨ / ٣٦١.

(١) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٦٩ ـ ٧١.

٣٦٦

وآل محمّد ، بحيث يتّجه القاريء تلقائيّا إلى تعظيم أهل البيت وتقدّيسهم ، واقتران اسمهم باسم الله ، واسم جدّهم رسول الله ، وهذا الأسلوب يحدث أثرا معينّا في النّفس من حيث تريد ، أو لا تريد وقد بلغت هذه الصّلوات القمّة في دعائه الّذي كان يدعو به يوم عرفة.

قال : «ربّ صلّ على محمّد وآله صلاة تجاوز رضوانك ، ويتّصل اتّصالها ببقائك ، ولا ينفد كما لا تنفد كلماتك. ربّ صلّ على محمّد وآله ، صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأهل طاعتك ، وتشتمل على صلوات عبادك من جنّك وإنسك وأهل إجابتك ، وتجتمع على صلاة كلّ من ذرأت وبرأت من أصناف خلقك ربّ صلّ عليه وآله ، صلاة تحيط بكلّ صلاة سالفة ومستأنفة ، وصلّ عليه وعلى آله ، صلاة مرضيّة لك ولمن دونك ، وتنشئ مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصّلوات عندها ، وتزيدها على كرور الأيّام زيادة في تضاعيف لا يعدّها غيرك»(١) .

طلب الإمام من الله أن يصلّي على الرّسول وآله عدد الصّلوات الّتي صلّاها وتصلّيها الملائكة ، والأنبياء ، والجنّ ، والإنس ، وعدد التّسبيحات الّتي تسبحها بحدّه جميع مخلوقاته من حيوان ، ونبات ، وجماد(٢) ، وأن تبقى صلواته عليهم ببقائه ، وتدوم بدوامه ، على أن تتضاعف في كلّ لحظة أضعافا لا يحصيها إلّا

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٦٥ ، بتحقّيقنا.

(٢) جاء في الآية (٤٤) سورة الإسراء :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) . (منهقدس‌سره ).

٣٦٧

هو وبديهة أنّ هذه الصّلوات الّتي لا يعرف مداها إلّا الله ، إن هي إلّا صدى لعظمة الرّسول وآله ، ومكانهم عند الله وملائكته ورسله.

وهذه صورة أخرى أصرح وأوضح في بثّ الدّعوة لأهل البيت ، قال :

«ربّ صلّ على أطائب أهل بيته الّذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفآءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهّرتهم من الرّجس ، والدّنس تطهيرا بإرادتك ، وجعلتهم الوسيلة إليك ، والمسلك إلى جنّتك»(١) .

وأطائب أهل البيت هم الّذين نزلت بهم آية التّطهير ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وحديث الثّقلين ، وحديث الموالاة ، وحديث المنزلة على أنّهم خزنة علمه ، وحفظة دينه ، وخلفاؤه في أرضه ، وهم محمّد ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين.

وقال طالبا من الله الصّلوات والرّحمة لشيعة أهل البيت :

«اللهمّ وصلّ على أوليائهم المعترفين بمقامهم ، المتّبعين منهجهم ، المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسّكين بولايتهم ، المؤتمّين بإمامتهم ، المسلّمين لأمرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيّامهم ، المادّين إليهم أعينهم ، الصّلوات المباركات الزّاكيات النّاميات الغاديات الرّائحات وسلّم عليهم وعلى أرواحهم ، واجمع على التّقوى أمرهم ، وأصلح لهم شئونهم ، وتب عليهم ، إنّك أنت التّوّاب الرّحيم ، وخير الغافرين ، واجعلنا معهم في دار السّلام برحمتك ،

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجّاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٧٠ ، بتحقّيقنا.

٣٦٨

يا أرحم الرّاحمين»(١) .

وليس من شكّ أنّ الدّعاء للشّيعة بإصلاح شئونهم ، والتّوبة عليهم ، والمغفرة لهم ، دعاية صريحة لأهل البيت ، والتّمسك بولائهم ، ونشر مبادئهم ؛ وليست مبادئهم إلّا مبادىء ، الإسلام وتعاليم القرآن.

ونقف قليلا عند قوله : «واجعلنا معهم في دار السّلام» ، لنتساءل : كيف طلب الإمام من الله سبحانه أن يجعله مع شيعة أهل البيت ، وهم الّذين يرجون النّجاة بشفاعته ، وشفاعة آبائه ، ويسألون الله أن يحشرهم في زمرته ، ويتّخذونه الوسيلة إلى رضوان الخالق ورحمته؟

الجواب :

أنّ قوله هذا تواضع لله لا لسواه فإنّ المعروف من طريقة آل الرّسول إذا ناجوا ربّهم خضعوا وتذلّلوا ، واتهموا أنفسهم ، ولم يقيموا لها أي وزن والشّواهد على ذلك لا يبلغها الإحصاء ، نذكر منها هذا المثال من أقوال الإمام زين العابدين : «إنّك إن تفعل ذلك يا إلهي تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك ، ولا يبرّئ نفسه من استيجاب نقمتك ؛ تفعل ذلك يا إلهي بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك ، وبمن يأسه من النّجاة أوكد من رجآئه للخلاص ؛ لا أن يكون يأسه قنوطا ، أو أن يكون طمعه اغترارا ؛ بل لقلّة حسناته بين سيّئاته ، وضعف حججه في جميع تبعاته»(٢) .

__________________

(١) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والأربعون ، دعاؤه في يوم عرفة : ٥٧٥ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، في ظلال الصّحيفة السجّاديّة شرح العلّامة الشّيخ محمّد جواد مغنيّة : الدّعاء السّابع والثّلاثون ، دعاؤه في طلب العفو : ٤٥٦ ، بتحقّيقنا.

٣٦٩

هذا ، إلى أنّ الإمام أراد أن يعرف الشّيعة المجتمعين على الخير والتّقوى أنّ لهم عند الله الحسنى ، والدّرجات العليا.

وبالتالي ، فإنّ أهل البيت قد أدركوا ـ منذ السّاعة الّتي صرف فيها الأمر إلى غيرهم ـ أنّ دين جدّهم معرّض للضّياع والأخطار ، لأنّ من قام ويقوم بالأمر لا يؤتمن على شيء لقد أحسوا وعلموا مقدّما بهذا الخطر ، فحاولوا بكلّ سبيل أن يرشدوا النّاس إلى الحقّ وأهله ، ويفهموا الأجيال أنّ الّذين تولوا الحكم والسّلطان باسم الدّين ليسوا شهداء لله في أرضه ، ولا خلفاء للرّسول في أمره ونهيه ، وإنّما الشّهداء والخلفاء حقّا هم الّذين أمر الله والرّسول بولائهم والتّمسك بحبلهم ، هم الّذين لا يفارقون الحقّ ، ولا يفارقهم في قول أو فعل ، ويدور معهم كيفما داروا ، وأنّى اتّجهوا ، تماما كالقرآن سواء بسواء وبديهة أنّ هذا الوصف لا ينطبق إلّا على أهل البيت بشهادة حديث الثّقلين.

لقد أراد أهل البيت أن تؤمن وتدين بهذا المبدأ النّاس. ولو طائفة من النّاس ، ولا يهمهم بعد ذلك أن يتولى الأمر من يتولّاه ؛ ومن أجل الإيمان بهذا المبدأ كانت حادثة كربلاء وغيرها من الحوادث والمجازر وقد تمّ لهم ما أرادوا فهؤلاء شيعتهم في شرق الأرض وغربها يحيون آثارهم ، ويقيمون شعائرهم ، وينشرون مناقبهم ومآثرهم.

٣٧٠

صور من كربلاء

بكاء ابن سعد

حين وقف الحسين وحيدا في وسط المعركة ، وفي ساعته الأخيرة. والألوف تحيط به من كلّ جانب صاح بأعلى صوته :

هل من ذابّ يذبّ عن حريم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ؟.

هل من موحّد يخاف الله؟.

هل من مغيث يرجو الله(٢) ؟.

فأغاثوه برمي السّهام ، وطعن الرّماح ، وضرب السّيوف ، فثبت وصبر ، حتّى قال من رآه : «ما رأيت مكثورا قطّ ، قتل ولده وأهل بيته ، وأصحابه أربط جأشا من الحسين ، وإن كانت الرّجال لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه

__________________

(١) ذكرنا ، فيما تقدّم ، السّر الّذي من أجله خرج الحسين بحرم جدّه رسول الله ، واستغاثته هذه تعزّز ما قلناه. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الحدائق الوردية (مخطوط) ، نسب قريش لمصعب الزّبيري : ٥٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٩ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥٧ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٤٨ ، بتحقيقنا ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٣١ ، بتحقّيقنا ، الإتحاف بحبّ الأشراف الشّيخ عبد الله بن محمّد بن عامر الشّبراوي : ١٤٨ ، بتحقّيقنا.

٣٧١

إنكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذّئب»(١) . وكان يردّد في موقفه هذا كلمات ، منها :

«لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم».

«اللهمّ أنّك ترى ما أنا فيه».

«إلهي إن كنت حبست عنّا النّصر ، فاجعله لما هو خير منه».

«اللهمّ اجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل».

«لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

«إنّي لأرجو أن يكرمني الله بالشّهادة».

«صبرا على قضائك يا ربّ ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين»(٢) .

ولمّا نزف الدّم من جسده الشّريف ، ضعف وهوى على الأرض ، فدنا عمر بن سعد في جماعة من أصحابه ، فرآه يجود بنفسه ، فبكى وسالت دموعه على لحيته ، ثمّ صاح ، وهو يبكي : انزلوا إليه وأريحوه!

بكى ابن سعد على الحسين ، وفي نفس الوقت أمر بذبحه(٣)

وتدّلنا هذه الظّاهرة على أنّ الإنسان قد يتأثر وينفعل في موقف من المواقف من غير قصد وشعور ، تماما كما يتنفس ، وبهذا نستطيع أن نفسّر بكاء المجرمين

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٣ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٧٢ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٢ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٨٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٠٨ ، مثير الأحزان : ٥٢ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١٦٦ ، معالي السّبطين : ١ / ٤٢٣ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٧.

(٣) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٣ ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ١٧١ الطّبعة الثّانية ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٣ ، النّهاية : ٤ / ٣٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٣.

٣٧٢

القساة ، وهم يستمعون إلى حديث كربلاء وفاجعتها.

وعن السّيّدة زينب أنّها قالت : حين استشهد أخي الحسين هجم العدوّ على خيامنا للسّلب والنّهب ، ودخل إلى خيمتي رجل أزرق العينين ، فأخذ ما في الخيمة ، ونظر إلى زين العابدين ، وهو على نطع ، وكان مريضا ، فجذبه من تحته ورماه إلى الأرض ، والتفت إليّ ، وأخذ القناع من رأسي ، وقرطين كانا في أذنيّ ، وجعل يعالجهما ، ويبكي ، حتّى انتزعهما فقلت له : تسلبني ، وأنت تبكي؟! فقال : أبكي لمصابكم أهل البيت

وما يدرينا أنّ بعض من يبكي لمصاب أهل البيت يحمل روح هذا المجرم؟ وإنّه لو تسنى له أن يسلب الحوراء خمارها لفعل وأيّ فرق بين أزرق العينين هذا ، وبين من لا يفعل ولا يترك إلّا على أساس منفعته ومصلحته الخاصّة ، غير مكترث بدين ولا بضمير؟

وإنّي أقدّم هذه الصّورة ، صورة بكاء أزرق العينين ، وسيّده ابن سعد للّذين يحسبون أنّ مجرد البكاء «التّباكي» يدخلهم الجنّة ، ولو راءوا ونافقوا ، ودسّوا وتآمروا ، وتجسموا وقبضوا

وأقدّمها للّذين يصعدون على منبر سيّد الشّهداء ، يشيدون ببطولته ، وإبائه ، وعظمته ، ومبادئه واعظين ومرشدين إلى سبيله وهدايته ، حتّى إذا نزلوا عنه طأطأوا رؤوسهم للوجهاء ، ومدوا أيديهم للأغنياء وإنّي رأيت أكثر من مرّة على منبر الحسين من يسبّح بحمد الظّالمين ، ويكيل لهم المديح والثّناء ناسيا أنّ هذا المنبر قد نصب لمحاربة الظّلم ومكافحة الإجرام

وأيضا أقدّمها للّذين يقضون حياتهم في معاقرة الخمرة ، واللّعب في القمار ،

٣٧٣

وفي حوانيت الدّعارة ، ولا ينطقون إلّا بالكفر والفسق ، وسبّ الأديان والمذاهب ، ولا يتعرفون على صوم ولا صلاة ، حتّى إذا جاء يوم العاشر من المحرّم لبسوا الأكفان ، وضربوا الجباه بالسّيوف ، والأكتاف بالسّلاسل ، وأظهروا الشّيعة والتّشيّع بأبشع الصّور والمظاهر ، ووسموا الذّكرى المقدّسة بأقبح السّمات ، وأفسحوا المجال للمفترين والمتقوّلين بأنّنا لا نصلح للحياة ، وأنّ عقيدتنا بدعة وضلالة ، وسلّحوا العدوّ بأقوى سلاح وأمضاه ، وقبعوا في بيوتهم لا يفكرون إلّا في أنفسهم ، وتركوا غيرهم في وسط المعركة يكافح ، ويناضل ، بكلّ سلاح.

أنّ ذكرى الحسين ما زالت ولن تزال حيّة في القلوب ، فعلينا أن نستغلها لمرضاة الله ورسوله ، لصالح الإسلام والمسلمين ، وبثّ العلم والوعي ، وجمع الكلمة ، لا لإشاعة الجهل والتّفريق ، والإتّجار بالدين والعواطف.

ابتسام الحسين

روي أنّ شمرا ، حيت ارتقى الصّدر الشّريف ، وهمّ بذبح الإمام ، ابتسم عليه أفضل الصّلاة والسّلام ، وقال لشمر :

أتعرفني من أنا؟.

قال اللّعين : أجل ، حقّ المعرفة جدّك محمّد المصطفى ، وأبوك عليّ المرتضى ، وأمّك فاطمة الزّهراء ، وخصمي العليّ الأعلى(١) .

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٦ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٣٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٤٠ ، مروج ـ

٣٧٤

لم يتعجب الحسين لهذه المفاجأة الّتي يحسب كلّ إنسان أنّها محال ، حتّى في التّصور والخيال ، وإنّما ابتسم مستبشرا بالشّهادة ، ولقاء جدّه وأبيه ، أمّه وأخيه ، وبالرّحمة من دار البلاء والفناء إلى دار النّعيم والبقاء ، تماما كما استبشر أبوه من قبل بضربة ابن ملجم ، وقال : «فزت وربّ الكعبة»(١) وروي أنّ الحسين كان في يوم الطّفّ ، كلّما اشتدّ الأمر ، أشرق وجهه ، وهدأت جوارحه ، وسكنت نفسه ، حتّى قال النّاس بعضهم لبعض : أنظروا لا يبالي بالموت(٢)

ولم يقل الحسين لشمر : هل تعرفني؟ ليقيم عليه الحجّة ، لأنّها قائمة عليه ، ولا رجاء أن يتّعظ ويرتدع ، لأنّ الإتعاظ في حقّه أكثر من محال ، وإنّما سأله هذا

__________________

ـ الذّهب : ٢ / ٩١ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٨ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٣ / ٣٤٢ ، سمط النّجوم العوالي : ٣ / ٧٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٦ و ٣٧ ، المعارف : ٢١٣ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٨٢ ـ ٨٣ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢١٥ و ٢٣٣ ، و : ٤ / ٥٨ ، النّهاية : ٤ / ٣٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ٢٥٣ ،

(١) ذكرت قصّة ضرب ابن ملجم مقطّعة في بعض الكتب التّأريخية ، وأهل السّير ، ولكن نحن بصدد تحقّيق هذا الكتاب ، ولسنا بصدد بيان وجمع المقاطع على الرّغم من أنّ بعض الكتب قد نقلتها تفصيلا مع إختلاف يسير في الألفاظ ، وكذلك من التّقديم ، والتّأخير.

انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ١٤٣ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٩ و ٤٧ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ٣٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٤٨٩ و ٤٩٩ و ٥٢٤ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤١١ ، الإمامة والسّيّاسة : ١ / ١٥٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٨٩ ، مناقب الخوارزمي : ٣٨٠ ـ ٤١٠ ، مناقب ابن شهر آشوب : ٣ / ٣١١ ، تأريخ ابن عساكر : ٣ / ٣٦٧ ح ١٤٢٤ ، تأريخ دمشق : ٣٨ / ٩٧ ، و : ٣ / ٣٠٣ ح ١٤٠٢ وما بعدها ، كنز العمّال : ١٣ / ٦٩٧ ، الفتح الرّبّاني : ٢٣ / ١٦٣ ، والحاكم في المستدرك : ٣ / ١٤٤ ، ذخائر العقبى : ١١٠ فضائل عليّ عليه‌السلام ، الصّواعق المحرقة : ١٣٣ باب ٩ فصل ٥ مع تقديم وتأخير بما يناسب السّياق ، ويحفظ استرسال المعنى واللّفظ. الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٧٦ ، الاسيعاب : ٣ / ٥٩ بإضافة «... لا يفوتنكم الكلب» ، اسد الغابة : ٤ / ٣٨ ، ينابيع المودّة : ١٦٤ ، أرجح المطالب : ٦٥١.

(٢) انظر ، معاني الأخبار للشّيخ الصّدوق : ٢٨٨ ، الإعتقادات للشّيخ المفيد : ٥٢.

٣٧٥

السّؤال ليعلمه إلى أي حدّ بلغ منع اللّؤم ، والضّعة ، والجرأة على الله والرّسول وأجاب شمر بما أجاب مستخفّا بالله ونبّيه وبجميع الأخلاق والقيم.

وقد يسأل سائل : كيف تجرأ الشّمر وأقدم على ما أقدم عليه؟!. كيف بلغت القسوة منه هذا المبلغ؟!. هل هو من البشر ، أو من طبيعة أخرى؟!.

الجواب :

إنّ الشّمر فرد من النّاس لا يختلف عنهم في لحمه ودمه ، ولا في طبيعته وفطرته الّتي خلق عليها أوّل ما خلق ـ ولا في شيء إلّا إنّه مارس الذّنوب ، واعتادها ، وتمادى فيها ، واستهان بمعصية الله ، حتّى أصبحت عنده كشرب الماء ، ومن كانت هذه حاله قسا قلبه ، وعميت بصيرته ، ولم يعد يبالي بشيء مهما كان ويكون قال أمير المؤمنين : «ما قست القلوب إلّا لكثرة الذّنوب»(١) . وقال تعالى :( بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢) .

وهكذا كلّ من تمادى في غيّه ، واستخفّ بدينه ، ولم يخش حسابا ولا عقابا ، يجوز عليه أن يقدم على ما أقدم الشّمر ، قال الإمام الصّادق : «إذا أذنب الرّجل خرج من قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب زالت ، وإن زاد ازدادت ، حتّى تغلب على قلبه ، فلا يصلح بعدها أبدا»(٣) .

المرتزقة :

خطب الحسين في جيش ابن سعد مرّتين ، وممّا قاله في الخطبة الأولى :

__________________

(١) انظر ، علل الشّرائع : ٨١ ، وسائل الشّعة : ١٦ / ٤٥ ح ٥ ، روضة الواعظين : ٤٢٠.

(٢) المطفّفين : ١٤.

(٣) انظر ، الكافي : ٢ / ٢٧١ ح ١٣ ، وسائل الشّيعة : ١٥ / ٣٠٢ ح ١٢ ، رسائل الشّهيد الثّاني : ١٠٥.

٣٧٦

«أيّها النّاس اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يجب لكم عليّ. وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري ، وصدّقتم قولي ، وأنصفتموني ، كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليّ سبيل ، وإن لم تقبلوا منّي العذر فاجمعوا أمركم وشركائكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون وليي الله الّذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصّالحين».

«أمّا بعد. فانسبوني ، فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها ، وانظروا : هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله ، والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشّهداء عمّ أبي ، أو ليس جعفر الشّهيد الطّيار عمّي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي ولأخي : «هذان سيّدا شباب أهل الجنّة»(١) ؟ فإن صدّقتموني بما أقول ـ وهو الحقّ ـ والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ، وإن كذبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم : سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، أو أبا سعيد الخدري ، أو سهل بن سعد السّاعدي ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ٩ لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم ع ن سفك دمي؟».

فقال له شمر بن ذي الجوشن :

هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول.

فقال له حبيب بن مظاهر :

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٣٧٧

والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال لهم الحسين :

«فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكّون في أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ، وأنا ابن بنت نبيّكم خاصّة. أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟».

فأخذوا لا يكلمونه. فنادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن ابجر ، ويا قيس بن الأشعت ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ : إن قد اينعت الثّمار ، واخضّر الجناب ، وطمت الجمام ، وإنّما تقدم على جند لك مجند ، فاقبل. قالوا له : لم نفعل. فقال : سبحان الله! ، بلى والله ، لقد فعلتم ، ثمّ قال : أيّها النّاس : إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض. فقال له قيس بن الأشعث أولا تنزل على حكم بني عمّك ، فإنّهم لن يروك إلّا ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟(١) .

«لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله : إنّي عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب»(٢) .

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٧٨

هذي هي لغة المرتزقين المأجورين الّذين يطلبون ويزمرون في كلّ عرس يدفع الأجر ، أمّا المباديء والأخلاق ، أمّا الدّين والعلم فكلام فارغ سألهم الحسين عن مكانته فيهم؟. وهل أساء إليهم ، وإلى أحد منهم؟ فاقرّوا واعترفوا بأنّه قدس الأقداس ، وأنّه خير النّاس أبا وأمّا ، ولكنّ الأمير هكذا أراد وهو طوع لمّا يريد

وقال لهم : كيف تناصرون أعداد الله على أولياء الله «من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم؟ ..»(١) فوضعوا أصابعهم في آذانهم ، وأبو إلّا طاعة اللّئام ، لا بغضا للنّبيّ وأهل بيته ـ كما يظن ـ ولا حبّا بأبي سفيان وآل أبي سفيان ، كلّا وألف كلّا بل لأنّهم مرتزقة ، وكفى ولو كانت الدّنيا مع الحسين لكانوا معه على الأمويّين ، ولفعلوا بهم أكثر ممّا فعلوا به وبأهله ، لو أراد.

هذا هو مبدأ المرتزقة في كل عصر ومصر يصنعون كلّ شيء يجر إليهم النّفع فيطيعون الأمير والزّعيم ، ولو كان يزيد وابن زياد ، ويقتلون الصّادق الأمين ، ولو كان محمّدا أو حسينا

وبعد ، فإذا رأيت من يسير في ركاب زعماء هذا العصر وحكّامه فاحكم بأنّه محترف ، حتّى ولو توجّع وتفجّع لمصاب أهل البيت ولا تشك بأنّ الحسين لو كان حيّا ، وأمره الزّعيم بقتاله لأقدم ، وأوجد لنفسه ألف مبرّر ومبرّر.

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٥٧ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٩٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٢٨ ، الإحتجاج : ٢ / ٢٤.

٣٧٩
٣٨٠