الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74652 / تحميل: 5464
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لحظات في نور أمّ هاشم(١)

هي ابنة الإمام عليّ كرّم الله وجهه ، ابنة السّيّدة فاطمة بنت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشقيقة السّبطين النّيرين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، رضي الله عنهم أجمعين(٢) .

كانت رضي الله عنها من خيرة نساء بيت النّبوّة ، اتّخذت طوال حياتها تقوى الله بضاعة لها ، ولسانها لا يفتر عن ذكر الله ، عرفت بكريمة الدّارسين ، وحسبت عند أهل العزم بأمّ العزائم ، وعند أهل الجود والكرم بأمّ هاشم ، وهي صاحبة الشّورى طوال حياتها.

ولدت رضي الله عنها سنة خمس من الهجرة النّبوّيّة ، فسرّ لمولدها أهل بيت النّبوّة ، ونشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة ، تربّت على مائدة الطّهر والشّرف والإباء وعزّة النّفس ، محوطة بكتاب الله الكريم وسنّة جدّها العظيم ، وكانت رضوان الله عليها على جانب عظيم من الجود والكرم ، تزوّجت رضي الله عنها بابن عمّها الإمام عبد الله بن جعفر الطّيّار ، وأعقبت منه محمّدا ، وعليّا ، وعبّاسا

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣ / ١ / ١٩٧٣ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٨١

تستكثر شيئا في سبيل الله وطاعته ، حتّى قتل أخيها ، وذبح أبنائها ، والسّير بها مسبيّة من بلد إلى بلد لقد قدم إبراهيم على ذبح ولده إسماعيل طاعة لله ، واستسلم الولد مختارا للذّبح امتثالا لأمر الله وهكذا سيّدة الطّفّ استسلمت لقضاء الله ، ورضيت به ، ولم تستكثر وتستعظم ما حلّ بها ، تماما كما استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله وإرادته.

شأن أهل البيت

ارتحل ابن سعد بجيشه من كربلاء في زوال اليوم الحادي عشر من المحرّم ، ومعه نساء الحسين وصبيته وجواريه ، وبعض نساء أصحابه الّذين استشهدوا معه ، وكانت النّساء عشرين امرأة ، والإمام زين العابدين ، وولده الإمام الباقر ، وكان له من العمر سنتان وشهور ، وثلاثة من أبناء الإمام الحسن ، وهم الحسن المعروف بالمثنى ، وزيد ، وعمر ، وطلبت النّسوة من جيش الطّغاة أن يمروا بهنّ على القتلى وحين نظرنّ إلى جسد الحسين صحنّ وبكينّ ، لطمنّ الخدود ، فاشتدّت الحال على الإمام السّجّاد ، وجاد بنفسه ، وقد انهكه المرض ، فقالت له سيّدة الطّفّ :

«مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي واخوتي؟ فو الله أنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك أنّ قبر أبيك سيكون علما لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور اللّيالي والأيّام ، وليجتهد أئمّة الكفر ، وأشياع الضّلال في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلّا علّوا»(١) .

__________________

(١) انظر ، كامل الزّيارات لابن قولوية : ٤٤٥ ، العوالم : ٣٦٢ ، البحار : ٢٨ / ٥٧ و : ٤٥ / ١٧٩.

٣٨٢

وإذا أخذت الإمام الرّقة والرّحمة على أبيه ، وهو على حاله تلك ، فقد حزن وبكى النّبيّ على ولده إبراهيم ، حتّى قال له بعض أصحابه :

ما هذا يا رسول الله؟.

فقال : أنّها الرّحمة الّتي جعلها في بني آدم ، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء ثمّ قال: تدمع العين ، ويحزن القلب فلا نقول ما يسخط الرّب ؛ ولو لا أنّه قول صادق ، ووعد جامع ، وسبيل نأتيه ، وأنّ آخرنا سيتبع أوّلنا ؛ لوجدنا عليك أشدّ من وجدنا بك ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون»(١) .

وآل الرّسول هم أهل بيت النّبوّة والرّحمة ، يحزنون رحمة ، ويبكون رقّة ، ولا يقولون ما يسخط الرّب ، بل يرضون بقضائه ، ويستسلمون لمشيئته ؛ وقد جاء في مناجاة الإمام السّجّاد : «أللهمّ سهّل علينا ما نستصعب من حكمك وألهمنا الإنقياد لما أوردت علينا من مشيّتك حتّى لا نحبّ تأخير ما عجّلت ، ولا تعجيل ما أخّرت ، ولا نكره ما أحببت ، ولا نتخيّر ما كرهت واختم لنا بالّتي هي أحمد عاقبة ، وأكرم مصيرا ، إنّك تفيد الكريمة ، وتعطي الجسميّة ، وتفعل ما تريد ، وأنت على كلّ شيء قدير»(٢) . وبهذا ، بحسن العاقبة والمصير ، بشّرت السّيّدة ابن أخيها الإمام ، رغم ما هما عليه من الأسر والسّبي.

لقد تألّبت قريش على رسول الله ، واتّفقت على تكذيبه وإيذائه ، والقضاء

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٤ و ٨٥ ، كنز العمّال : ح ٤٠٤٧٩ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٦٩ ، دعائم الإسلام : ١ / ٢٢٤ ، بدائع الصّنائع : ١ / ٣١٠ ، المغني : ٢ / ٤١١ ، المحلّى : ٥ / ١٤٦ ، مسند أحمد : ٣ / ١٩٤ ، صحيح مسلم : ٧ / ٧٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٠٧ ، سنن أبي داود : ٢ / ٦٤ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ٤٣ ، المصنّف : ٣ / ٢٦٧ ، الإحكام للإمام يحيى الهادي : ١٥٠ ، ذخائر العقبى : ١ / ٢٢٤.

(٢) انظر ، الصّحيفة السّجاديّة : ٤٢٢ ، الدّعاء الثّالث والثّلاثون ، دعاؤه في الإستخارة. بتحقّيقنا.

٣٨٣

على دعوته بكلّ وسيلة فأغرت به سفهاءها ، يرشقونه بالأحجار ، ويضعون في طريقه ر الأشواك ، ويلقون عليه الأوساخ ، وهو في الصّلاة ، وعذّبت أتباعه ، حتّى الموت ، وكان لا يملك دفاعا عنهم ولا عن نفسه ، ومع ذلك كلّه يقول لأنصار دين الله : «سترثون أرض الملوك والجبابرة وتأخذون أموالهم ، وتفترشون نساءهم»(١) .

وقالت سيّدة الطّفّ ، وهي أسيرة مسبيّة ، ورجالها جثث بلا رؤوس ، قالت : (المستقبل لذكرنا ، والعظمة لرجالنا ، والحياة لآثارنا ، والعلو لأعتابنا ، والولاء لنا وحدنا ، وجابهت يزيد بهذه الحقيقة ، وهو في عرشه ، وهي أسيرة في مجلسه ، وصرخت فيه قائلة : فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تمّيت وحينا ، ولا يدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد)(٢) .

وصدقت نبوءة السّيّدة ، فولاؤهم تدين به الملايّين ، وتعاليمهم تدرّس في الجامعات ، والمدارس من مئات السّنين ، ومناقبهم تعلن على المنابر ليل نهار ، وقبورهم ، كالأعلام على رؤوس الجبال ، يحجّ إليها النّاس من كلّ فجّ عميق.

أنّ الأمويّين والعبّاسيّين ، ومعهم الإنس ، والجنّ لا يستطيعون أن يمحوا ذكر أهل البيت إلّا إذا استطاعوا أن يطفئوا نور الله ، واسم محمّد ابن عبد الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره بمحمّد وأهل بيت محمّد ، ولو كره المشركون.

__________________

(١) انظر ، قريب من هذا في الكامل لابن الأثير : ٢ / ٥٧ ، ذخائر العقبى : ١٤٧ ، الإستيعاب : ٣ / ١٠٩٥ ـ ١٠٩٦ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٠٣.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٨٤

تكريت

عن كتاب «المنتخب» أنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن ، وشبث ابن ربعي ، وعمرو بن الحجّاج ، وضم إليهم ألف فارس ، وأمرهم بإيصال السّبايا والرّؤوس إلى الشّام(١) .

وقال أبو مخنف ، مرّ هؤلاء في طريقهم بمدينة تكريت ، وكان فيها عدد من النّصارى ، فلمّا حاولوا أن يدخلوها إجتمع القسيسون والرّهبان في الكنائس ، وضربوا النّواقيس حزنا على الحسين ، وقالوا : إنّا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيّهم ، فلم يجرؤوا على دخول المدينة ، وباتوا ليلتهم في البريّة.

وهكذا كانوا يقابلون بالجفاء والإعراض كلّما مرّوا بدير من الأديرة ، أو بلد من بلدان النّصارى(٢) .

لينا

وحين دخلوا مدينة «لينا» ، وكانت عامرة بالنّاس ، تظاهر أهلها رجالا ونساء ، وشيبا وشبانا ، وهتفوا بالصّلاة على الحسين وجدّه وأبيه ، ولعن الأمويّين وأشياعهم وأتباعهم ، وصرخوا في وجوه الطّغاة : يا قتلة أولاد الأنبياء اخرجوا من بلدنا.

جهينة

وأرادوا الدّخول إلى «جهينة» فبلغهم أنّ أهلها تجمعوا وتحالفوا على قتالهم

__________________

(١) انظر ، المنتخب للطّريحي : ٣١١ ، و : ٣٠٥ طبعة آخر. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣. (منهقدس‌سره ).

٣٨٥

إذا وطئوا أرض بلدهم ، فعدلوا عنها ، ولم يدخلوها.

معرة النّعمان

ودخلوا معرّة النّعمان فاستقبلهم أهلها بالتّرحاب ، وقدّموا لهم الطّعام والشّراب ، والمعرّة هذه هي بلدة الشّاعر الشّهير أبي العلاء الّذي قال :

أليس قريشكم قتلت حسينا

وصار على خلافتكم يزيد

وقال(١) :

وعلى الأفق من دماء الشّهيدي

ن عليّ ونجله شاهدان

كفر طاب

وأتوا حصن «كفر طاب» ، فأغلق أهلها الأبواب في وجوهم ، فطلبوا منهم الماء. فقال أهل الحصن : والله لا نسقيكم قطرة ، وأنتم منعتم الحسين وأصحابه من الماء.

حمص

ولمّا دخلوا حمص تظاهر أهلها ، وهتفوا : أكفرا بعد إيمان ، وضلالا بعد هدى؟ وقتلوا منهم رشقا بالحجارة (٢٦) فارسا.

بطبك

قال صاحب كتاب «الدّمعة السّاكبة» : حين دخل جيش الشّرك إلى بعلبك ،

__________________

(١) انظر ، ديوان المعرّي : ١٢٦ ، سقط الزّند : ١ / ٤٤١ ، دررّ السّمط في خبر السّبط : ٩٣.

٣٨٦

ومعهم السّبايا والأطفال ، زيّنت المدينة ، ونشرت الأعلام ، ودقّت الدّفوف ، وضربت البوقات ، وقدّموا للطّغاة الطّعام ، والشّراب ، والحلوى(١) .

__________________

(١) انظر ، الدّمعة السّاكبة في المصيبة الرّاتبة ، والمناقب الثّاقبة ، والمثالب العائبة ، محمّد باقر بن عبد الكريم الدّمشقي : ٤ / ٢٢١.

٣٨٧
٣٨٨

أدب الشّيعة

الشّيخ عبد الحسيب طه حميدة عالم مصري من علماء الأزهر ومدرّس في كلّية اللّغة العربيّة. ألّف كتابا اسماه «أدب الشّيعة إلى نهاية القرن الثّاني الهجري». أثبت فيه بالأرقام أنّ أدب الشّيعة صميم في عروبته ، عنيف في ثورته ، وأنّه قد تظاهرت على إبرازه العاطفة ، والإحساس ، والعقيدة ، وأنّه لذلك كان جديرا بالحياة ، وأنّ الشّيعة قد تعرضوا للأذى في سبيل عقيدتهم وحرّيّتهم ، فلم يزدادوا إلّا تمسكا بالحرّيّة والعقيدة.

وكشف المؤلّف عن أسرار وجهات في أدب الشّيعة لم يسبقه أحد إلى شرحها وتبسيطها ـ فيما أعلم ـ وجرى قلمه بالعلم والحقّ في كلّ ما سطّره عن حقيقة هذا الأدب وأغراضه وصلته بالحياة ، كمحاربته للظّلم والطّغيان ، ولكنّه ـ يا للأسف ـ قد انحرف به القلم عن غير قصد إلى الأخطاء والأغلاط ، وهو يتحدث عن عقيدة الشّيعة ، وخلط بين الفرق المحقّة النّاجية ، وبين الفرق المغالية البائدة ، فكان في حديثه هذا كغيره من الّذين نسبوا إلى الشّيعة أشياء لا يعلمونها ، والّذي أوقع الشّيخ في الخلط والإشتباه اعتماده على «ولهوسن» و «دوزي» ، و «فان فلوتن» وغيرهم من المستشرقين والمفترين(١) ، وكان عليه أن يعتمد على كتب

__________________

(١) انظر ، الفصل الثّالث من كتاب «أدب الشّيعة» بخاصّة : ٧٥ الطّبعة الأولى. (منهقدس‌سره ).

٣٨٩

العقائد عند الشّيعة أنفسهم ، ككتاب شرح التّجريد للعلّامة الحلّيّ ، وأوائل المقالات للمفيد ، والعقائد للصّدوق ، ومع الشّيعة الإماميّة للمؤلّف ، وغيره كثير.

ومهما يكن ، فنحن نحيي المؤلّف ، ونمنح ثقتنا الكاملة ، وتقديرنا البالغ لكلّ ما جاء في الكتاب ، ما عدا الفصل الثّالث ، وما يتّصل به من نسبة الغلو ، والرّجعة ، والتّناسخ ، والسّبئيّة(١) وما إلى ذاك ، إلى عقيدة الشّيعة بوجه عامّ ، نقول هذا مع الإعتراف بأنّ المؤلّف لم يتعمّد الإساءة إلى الشّيعة ، كيف؟ وقد اعترف لهم بالفضل في أشياء كثيرة وإنّما نلاحظ عليه اعتماده في حديثه عن عقيدة التّشيّع على غبي جاهل ، أو دسّاس خائن ، وإهماله المصادر الشّيعيّة الصّحيحة.

ومهما يكن ، فإنّ الغرض من هذا الفصل أن نذكر فيه مقتطفات من أقوال المؤلّف ، تصور أدب الشّيعة ، والأهداف الّتي يرمي إليها ، بخاصّة فيما يتعلق بحادثة كربلاء ، قال :

«أنّ أدب الشّيعة أخذ من لغة الآباء لغته وألفاظه ، ومن القرآن والحديث أسلوبه وحججه ، ومن عقليات العراق وحضارته معانيه وأخيلته ، ثمّ استخدم ذلك في أغراضه الشّيعيّة : حبّ آل الرّسول ، والإخلاص لقرابته ، والإحتجاج لحقّهم في الخلافة ، ومنافحة خصومهم من أمويّين وزبيريّين ، وخوارج وعبّاسيّين ، ورثاء قتلاهم ، ومدح عقيدتهم.

وكانت حادثة كربلاء الملطّخة بدماء الحسين وآل بيت الرّسول حدّا فاصلا بين طورين من أطوار هذا الأدب الخصب ، كان حبّا صادقا ، ومدحا خالصا ،

__________________

(١) ألّف السّيّد مرتضى العسكري كتابا أسماه «عبد الله بن سبأ» عرض فيه الأدلّة القاطعة على أنّ ابن سبأ اسطورة لا وجود له أبدا. (منهقدس‌سره ).

٣٩٠

وموازنة جريئة ، وحجاجا عربيّا صريحا ، مؤسّسا على نظرة العربي الّذي هذّبه الإسلام للرّياسة ، وبيت الرّياسة ، فأسبق النّاس إلى الإسلام ، وأمسهم رحما بالرّسول ، وأشدّهم جهادا للعدوّ وبلاء في نصرة الدّين ، أحقّ النّاس بخلافة المسلمين وزعامتهم ، وذلك كلّه قد إجتمع لعليّ ابن أبي طالب ، لفضله ، وسبقه ر ، وقرابته ، وجهاده.

كانت حادثة كربلاء ، تلك الحادثة المروّعة المشئومة ، فاتحة طور جديد من أطوار هذا الأدب الشّيعي كما كانت ذات أثر عميق في النّفوس الإسلاميّة ، والعقائد الشّيعيّة ، والحياة السّياسيّة ؛ والواقع أنّ قتل الحسين على هذه الصّورة الغادرة ، والحسين هو من هو دينا ومكانة بين المسلمين لا بدّ أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ، ويطلق الألسن ، ويترك في النّفس الإسلاميّة أثرا حزينا داميا ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

نعم. ولا بدّ أن ينكر النّاس هذا التّنكيل الجائر ، والتّمثيل الشّائن بعترة الرّسول ، وسلالته ، وفلذّات كبده ، وقرّة عينه ، ويروا فيه إذاية له ، وكفرانا بحقّه ، وتعرضا لغضبه(١) :

ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم اسارى وقتلى ضرّجوا بدم

__________________

(١) اختلف في نسبت هذه الأبيات ، انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٥٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٩٤ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، اللهوف لابن طاووس : ٩٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٨ ، و : ٤ / ٣٥٧ طبعة آخر ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ٢١٢ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ٢٠٠ ، كفاية الطّالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي : ٤٤١ ، تأريخ ابن عساكر : ٤ / ٣٤٢ ، ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطّبري : ١٥٠.

٣٩١

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فبهذا وأمثاله قامت النّائحات في العواصم الإسلاميّة يندبنّ الحسين ، ويبكينّ مصرعه ، وبهذا وأمثاله انطلقت الألسن الشّاعرة ترثي ابن بنت الرّسول ، وتصور أسف النّبيّ في قبره ، وحزنه على سبطه ، واحتجاجه على أمّته ، وتلقي على بني حرب سوء فعلهم ، وقبح ضلالتهم ، وجور سلطانهم ، وتسجل ، في صراحة وعنف ، مروقهم عن الدّين وإنتهاكهم لحرم الله.

وهال النّاس هذا الحادث الجلل ، حتّى الأمويّين أنفسهم ، فأقضّ المضاجع ، وأذهل العقول ، وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير ، وحديث النّوادي.

ومكث النّاس شهرين أو ثلاثة كأنّما تلطّخ الحوائط بالدّماء ساعة تطلع الشّمس ، حتّى ترتفع ، ورأى من حمل رأس الحسين نورا يسطع مثل العمود إلى الرّأس وطيرا بيضاء ترفرف حوله ، ورأى ابن عبّاس النّبيّ في اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة ، وهو يجمع فيها دماء. فسأله : ما هذا يا رسول الله؟

قال : دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى.

وأمثال هذا كثير ، نراه في الطّبري ، وابن الأثير ، والأغاني ، والعقد الفريد ، وصبح الأعشى(١) .

ومهما يكن من شيء ، فقد صبغت حادثة الحسين ، ولا تزال تصبغ أدب الشّيعة بالحزن العميق ، والرّثاء النّائح ، والمدح المبتهل ، والعصبية الحاقدة ، وأمدته بمدد زاخر من المعاني والأخيلة والعواطف ، فعززت مادته ، واتّسع

__________________

(١) وابن حجر ، والثّعلبي ، وأبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي ، والبيهقي ، وابن سيرين ، وابن القفطي ، والتّرمذي ، وغيرهم. (منهقدس‌سره ).

٣٩٢

مجال القول فيه ، وغدونا أمام أدب تبعثه عاطفتان بارزتان : عاطفة الحزن ، وعاطفة الغضب ، تصدره الأولى حزينا باكيا ، وتبعثه الثّانية قويّا ثائرا.

والعاطفة أقوى دعائم الأدب ، فإذا أثيرت وهاجت ، وكان بجانبها لسان طلق ، وبيان ناصع ، ونفس شاعرة متوثبة ، فهناك الأدب الحي ، والقول السّاحر ، وكذلك كان الشّيعة. تجمعت لهم كلّ عناصر الأدب : لسان وعاطفة ، وفواجع من شأنها أن تستنزف الدّم ، وتذيب القلب ، وتنطق الأخرس ، فقالوا ، وبكوا : قالوا في الحقّ وطلبه ، والإرث وغصبه.

وبكوا على حقّ ضاع ، ودام أريق ، وحرمات انتهكت ، وبيوت دمّرت ، وجثث كريمة على الله والنّاس مثّل بها أبشع تمثيل ، وافتتان أموي أثيم في الفتك بالطّالبيّين وشيعتهم ، فقتل ، وصلب ، وإحراق ، وتذرية ، وهم يقابلون ذلك بالشّجاعة ، والصّبر ، والإحتساب.

وكانت القصائد الباكية ، والخطب الرّائعة ، والأقوال الدّامية(١) صدى لهذه الدّماء المسفوحة ، والجثث المطروحة ، تبعث ذكرها في كلّ قلب حزنا ، فيبعث الحزن أدبا ، يصور الآلآم ، ويعلن الفضائل ، ويستميل القلوب ، ويسجل العقائد ، ويشرح القضية الشّيعيّة ، ويحتج لها في صراحة وعنف ، فيتناولها من أطرافها ، متفننا في كلّ ذلك ، فمفاضلة جريئة ، ومعارضة شديدة ، ومناقشة فقهية ، ودعاية حزبيّة».

نقلنا هذه المقتطفات ، وهي قليل من كثير :

أوّلا : لأنّها تتّصل اتّصالا وثيقا بموضوع الكتاب.

__________________

(١) والمؤلّفات الّتي ملأت المكاتب في الفضائل والمناقب.

٣٩٣

ثانيا : لأنّها من شيخ أزهري.

ثالثا : لننبّه إلى هذا الكتاب القيم الّذي لم يؤلّف مثله في موضوعه ، والّذي يجب أن يقرأه كلّ عالم ، وكاتب ، وطالب والغريب أن يكون مجهولا لدى كثير من الشّيعة ، وهو فيهم ولهم ، وقد مضى على تأليفه أكثر من ست سنوات.

وإذا دلّ جهلنا بهذا الكتاب وما إليه على كلّ شيء فإنّما يدل على أننا بعيدون عن الحياة كلّ البعد ، بعيدون ، حتّى عن تأريخنا ، وأنفسنا وواقعنا لقد أدرنا ظهورنا إلى المطابع ، وما تخرجه من كتب وصحف ، تصور حياة النّاس ، كلّ النّاس ، واستقبلنا بوجوهنا المادّة ، فلا نفكّر إلّا بها ، ولا نفتح أعيننا إلّا عليها ، ولا نمد أيدينا إلّا إليها ، ولا نستطعم شيئا سواها ، ومن أجلها نبغض ونحب ، ونقف على الأبواب نطبّل ونزمّر للزّعماء وأبناء الدّنيا. ومع ذلك أعلم النّاس ، وأحسن النّاس ، وأشرف من في الكون

٣٩٤

قبر السّيّدة

انتقلت السّيّدة إلى جوار ربّها ورحمته في (١٥ رجب سنة ٦٥ ه‍». فعاشت بعد أخيها الحسين (٤ سنوات و ٦ أشهر ، و ٥ أيّام). وقيل : أنّها أوّل من لحق به من أهل بيته(١) .

واختلفوا في قبرها على ثلاثة أقوال(٢) :

القول الأوّل : أنّها دفنت في مدينة جدّها رسول الله ، ومال إلى ذلك المرحوم السّيّد محسن الأمين ، مستدلا بأنّه قد ثبت دخولها إلى المدينة ، ولم يثبت خروجها ، فنبقي ما كان على ما كان وكأنّه عليه الرّحمة يتمسك بالإستصحاب لإثبات دفنها بالمدينة وبديهة أنّ الأخذ بالإستصحاب هنا لا

__________________

(١) انظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(٢) انظر ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣٥٨ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٥ و ٨٦.

٣٩٥

يعتمد على أساس(١) .

لأنّ موضوع الإستصحاب أن نعلم بوجود الشّيء ، ثمّ نشك في ارتفاعه ، بحيث يكون المعلوم هو المشكوك بالذات. كما لو فرض أن علمنا بدفن الجثمان الشّريف في المدينة قطعا ، ثمّ شكّكنا : هل نقل إلى بلد آخر ، أو بقي حيث كان. فنستحصب. ونبقي ما كان على ما كان. لإتحاد الموضوع. أمّا إذا علمنا بدخولها إلى المدينة. ثمّ شكّكنا في محل قبرها فلا يمكن الإستصحاب بحال. لأنّ الدّخول إلى المدينة شزيء ، والقبر شيء آخر وإثبات اللّازم بإستصحاب الملزوم باطل. كما تقرّر في علم الأصول.

ثمّ لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر. وكان مزارا للمؤمنين كغيره من قبور الصّالحات والصّالحين.

القول الثّاني : أنّها دفنت في قرية بضواحي دمشق. أي في المقام المعروف بقبر السّت ولم ينقل هذا القول عن أحد من ثقاب المنقدمين.

القول الثّالث : أنّها دفنت في مصر. ونقل هذا عن جماعة منهم العبيدلي ، وابن عساكر الدّمشقي ، وابن طولون ، وغيرهم(٢) .

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣٣ / ٢٧٠. (منهقدس‌سره ). انظر ، تأريخ المدارس : ٢ / ٣٤١ ، محاسن الشّام : ٢٢١ ، رحلة الشّام : ١٣ ، الرّوض الغنّاء في دمشق الفيحاء : ١٣١ ، منتخبات لتواريخ دمشق : ٣ / ٤٢٦.

(٢) انظر ، مشارق الأنوار في آل البيت الأخيار ، لعبد الرّحمن بن حسن بن عمر الأجهوري : ٢٦٠ ، الإشراف على فضل الأشراف ، إبراهيم الحسنيّ الشّافعيّ السّمهوديّ المدنيّ : ١٨٦ ، بتحقّيقنا ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٥ و ٨٦.

٣٩٦

ويلاحظ أنّ علماءنا الّذين عليهم الإعتماد ، كالكليني ، والصّدوق ، والمفيد ، والطّوسي ، والحلّي لم يتعرضوا لمكان قبرها ، حتّى نرجّح بقولهم كلّا أو بعضا أحد الأقوال الثّلاثة ، فلم يبق إلّا الشّهرة بين النّاس. ولكن الشّهرة عند أهل الشّام تعارضها الشّهرة عند أهل مصر.

وهكذا لا يمكن الجزم بشيء وليس من شكّ أنّ زيارة المشهد المشهور بالشّام ، والجامع المعروف بمصر بقصد التّقرب إلى الله سبحانه تعظيما لأهل البيت الّذين قرّبهم الله ، ورفع درجاتهم ومنازلهم ، حسنة وراجحة ، لأنّ الغرض إعلان الفضائل ، وتعظيم الشّعائر ، والمكان وسيلة لا غاية ، وقد جاء في الحديث : «نيّة المرء خير من عمله»(١) .

__________________

(١) انظر ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ١٤٨ و ١٤٩ ، اصول الكافي : ٢ / ٦٩ ح ٢ ، المحاسن : ١ / ٢٦٠ ح ٣١٥ ، أمالي الطّوسي : ٢ / ٦٩ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٦ / ٣٧٩ ، هدية العارفين : ١ / ١٥٦.

٣٩٧
٣٩٨

مقالات في أهل البيت

٣٩٩
٤٠٠

الحسين ومعنى الإستشهاد

بقلم كمال النّجمي

في طباعة كويتيّة أنيقة ، صدرت هذه المسرحيّة الشّعريّة ذات الفصول الخمسة والمناظر العشرين

طباعتها كويتيّة لأنّ مؤلّفها الشّاعر المصري الشّاب محمّد العفيفي مقيم في الكويت الآن ، يعمل مدرسا أو موظفا بعد أن عمل في الصّحافة المصريّة بضع سنوات.

وقد رحلت معه إلى الكويت شاعريته ، وسوف تعود معه حين يعود ، لأنّها شاعريّة حقّيقيّة أشبه بشاعرية أعرابي قديم مطبوع على قول الشّعر حيثما كان!

والعفيفي يكاد يكون غريبا بين شعراء زماننا ، فإنّ فصاحة بيانه تلحقه بالأقدمين ، ولكن تطور فنّه الشّعري يلحقه بالأحدثين. وقد نجا من عجمة الشّعارير الشّبان أدعياء التّجديد ، ومن جمود الشّعراء الكهول النّائمين على التّراث ، ولكن العوائق في طريقه لم تتح له حتّى الآن بلوغ المرام!

ومسرحيّة الشّعرية الجديدة الّتي طارت إلينا من الكويت ، هي ثالث مسرحياته الشّعرية ، وله أيضا ديوانان من الشّعر الغنائي

عنوان المسرحيّة الجديدة : «هكذا تكلّم الحسين» فهل تقوم هذه

٤٠١

المسرحيّة على كلام الحسين؟! وكيف يمكن أن تقوم مسرحيّة على الكلام لا على الفعل وقد قرّر سادتنا نقاد الدّراما في صحائفهم المهيبة أنّ المسرح فعل لا كلام؟!.

الحقيقة أنّ العفيفي كان يسعه أن يسمي مسرحيته : «هكذا فعل الحسين» لو لا أنّ الحسين حين قال فعل ، فكلامه كان دعوة إلى عمل ، وبداية عمل ، ودفاعا عن عمل وفي النّهاية مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا!

أراد الشّاعر أن يبين بالفعل أو بالدّراما أنّ الكلمة حين تنبعث مخلصة صادقة ، لا تنطفيء في العواصف بل تتضوأ عملا ونجاحا ، أو تشتعل مقاومة واستشهادا. وإذا فاتها الصّدق والإخلاص ، فما أفدح الكارثة وما أرخص الكلام!

مع ذلك ، فعنوان المسرحيّة ليس كبير الأهميّة ، بل ليس مهما على الإطلاق المهم حقّا هو المسرحيّة ذاتها بفنّها ، وفكرها ، وشعرها ، وصراعها وما تضيفه إلى المسرح الشّعري العربي الّذي ما زال منذ بدأه شوقي قبل أربعين عامّا يخطو بعناء كأنّه يخطو على الأشواك!.

والإمام الحسين بن عليّ ـ بطل المسرحيّة ـ شخصيّة تأريخيّة لا يجهلها أحد. وما زال التّأريخ مهجرا خصبا للشّعر المسرحي في العالم كلّه قديما وحديثا ، لأنّ الشّخصيات التّأريخيّة بطبيعة الحال هالات خاصّة ترفعها فوق الواقع المعاشر ، فإذا نطقت شعرا لم يستشعر جمهور المسرح تكلفا فيما يسمع من هذا الشّعر ولو كان فخما جزلا ، موزونا مقفى

إلّا أنّ التّأريخ وإن كان مهجرا للشّعر المسرحي فإنّه ليس حيلة يهرب بها من

٤٠٢

الحياة المعاصرة. وإذا فرغت المسرحيّة الشّعريّة من مضمون قادر على مخاطبة العصر فرغت من الحياة.

ومسرحيّة «هكذا تكلّم الحسين» تعود بنا سياسيّا وفكريّا إلى القرن الأوّل الهجري ، ولكنّها تقف على خشبة عصرنا بمضمون لم يستنفد أغراضه ، فضلا عن أنّها بغير هذا المضمون الإنساني الشّامل قادرة على مخاطبة جمهور ديني خاصّ ، هو جمهور الشّيعة ، ومأساة الحسين جرح في قلب هذا الجمهور لا يندمل!

تدور المسرحيّة حول الصّراع بين الإمام الحسين بن عليّ وبين الخليفة يزيد ابن معاوية الّذي طلب البيعة في بداية خلافته من الحسين وأنصاره في مدينة الرّسول ، فغادرها الحسين متوجّها إلى الكوفة في العراق استجابة لدعوة أهلها ، ولكن جند يزيد حالوا بين الحسين وبين الكوفة ، وحاصروه في كربلاء ومنعوا عنه الماء ، وكان جند يزيد بضعة آلآف ، ولم يكن يصحب الحسين إلّا بضع عشرات من أنصاره وبعض الأطفال ، والنّساء من آل بيته

وقال جند يزيد للحسين : بايع ليزيد ، نرفع عنك الحصار ولا ينلك منّا أذى وتذهب حيث أردت! فلم يبايع ، وصمّم على معارضة يزيد ، لأنّه تولّى الخلافة عنوة وأحالها إلى فراش غرام ومجلس شراب ، وانتهك حدود الدّين ، وظلم العباد ، وأفسد في البلاد

وجادل الحسين قادة جند يزيد مجادلة بليغة طويلة حتّى أوشك بعض الجند أن ينضمّوا إليه مقتنعين بوجهة نظره ، ولكنّ السّيف تكلّم في آخر الأمر ، وعصفت السّهام والنّبال ، فاستشهد الحسين ورجاله القلائل الشّجعان في حرب غير متكافئة كان الرّجل منهم يقاتل فيها مئة أو أكثر من جند الخليفة المغتصب

٤٠٣

للخلافة انهزمت كلمات الحسين وانتصرت أسلحة يزيد.

كان الحسين مناضلا بالقول والعمل ، على طريقة المسلمين الأوّلين ، وشتّان بينها وبين طريقة أهل الطّريق والصّوفيّين. ولو كان الحسين متصوفا لقبع في دار أو لجأ إلى «الخانقاه» يتعبد ويأكل من مال السّلطان.

ولكنّ الحسين خرج يتكلّم ويرشد النّاس ويزع المفسدين ويجادلهم. ثمّ مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا.

٤٠٤

السّيّدة زينب(١)

قال عليه الصلاة والسّلام ، «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والسّاعي لهم في امورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه»(٢) .

والسّيّدة زينب رضي الله عنها من هذه الذرّيّة الطّاهرة الصّالحة المؤمنة ، أمّها فاطمة الزّهراء بنت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، وأبوها عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ولدت في شعبان من السّنّة الخامسة للهجرة ، فحملتها أمّها وجاءت بها إلى أبيها ، وقالت :

ـ سمّ هذه المولودة.

فقال لها رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣١ / ١٠ / ١٩٧٢ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٢٤ الطّبعة الأولى ، مودّة القربى : ١٣ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٠ ح ٣٤١٨٠ ، و : ٨ / ١٥١ ، و : ٦ / ٢١٧ ، جواهر العقدين : ٢ / ٢٧٤ ، الصّواعق المحرقة : ١٧٥ و ١٧٦ ، الفصول المهمّة في أحوال الأئمّة : ١ / ١٧٦ ، بتحقّيقنا ، ذخائر العقبى : ١٨ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٢ / ١١٥ ح ٣٢٥ و ٣٨٠ و ٤٦٤ ح ٢٩٧ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم السّمهوديّ : ٢٤٢ بتحقّيقنا ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس ، مخطوط ورقة (٣٥) ، مسند زيد بن عليّ : ٤٦٣.

٤٠٥

ما كنت لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في سفر له.

ولمّا جاء النّبيّ وسأله عن اسمها قال :

ما كنت لأسبق ربّي.

فهبط جبريل يقرأ على النّبيّ السّلام من الله الجليل وقال له :

اسم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم(١) .

ولقيت زينب من جدّها الأعظم كلّ عطف ومحبّة وحنان وأسبغ الله عليها نور النّبوّة والحكمة ، ودرجت تلك الدّرّة في بيت الرّسالة ، ورضعت لبان الوحي من لدى الزّهراء البتول.

وللسّيّدة زينب في طفولتها مواقف تريح النّفس ، وتطمئن الحسّ ، وتبشر بمستقبل لها عظيم ، فقد حدث إن كانت جالسة في حجر أبيها يلاطفها قائلا :

(قولي : واحد.

فقالت : واحد.

قولي : اثنين فسكتت ، فقال عليّ بن أبي طالب :

ـ تكلّمي يا قرّة عيني.

فقالت الطّاهرة :

يا أبتاه ما اطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.

وسألت أباها ذات يوم :

أتحبّنا يا أبتاه؟.

فأجاب رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١. (منهقدس‌سره ).

٤٠٦

وكيف لا احبّكم وأنتم ثمرة فؤادي.

فقالت :

يا أبتاه أنّ الحبّ لله تعالى والشّفقة لنا)(١) .

وقدّر للسّيّدة زينب أن تفقد جدّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي في الخامسة من العمر ، وفقدت أمّها الزّهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت وهي الصّبيّة الصّغيرة عليهما حزنا شديدا ، وواجهت حياة البيت ورعته ، وأدارت شئونه بعقليّة رتيبة واعية وحسّ صادق ، وقلب مؤمن

وعند ما بلغت سنّ الزّواج طلبها شباب هاشم وقريش ، واختار لها والدها عبد الله بن جعفر.

وكتب على السّيّدة زينب الجهاد مع الحسين رضى الله عنه وتتابعت قتلى بني هاشم ، فسقط عبد الله بن عقيل ، وعون بن عبد الله بن جعفر ، ومحمّد ابن عبد الله بن جعفر ، وعبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وجعفر بن عقيل وغيرهم.

ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرّمية.

وتحرك موكب الأسرى والسّبايا من آل البيت النّبوّي الشّريف ، وما كاد الرّكب يمرّ على ساحة المعركة حتّى صاح النّساء وصاحت زينب :

«يا محمّداه! هذا حسين بالعراء مرمل بالدّماء مقطع الأعضاء؟ يا محمّد بناتك سبايا ، وذّريتك مقتلة فأبكت كلّ عدوّ وصديق(٢) .

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٤. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، خطط المقريزي : ٢ / ٢٨٩ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٦ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٧٦ الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، ـ

٤٠٧

ودخل الموكب الحزين الكوفة وتجمع أهلها يبكون فقالت لهم زينب :

«أمّا بعد يا أهل الكوفة

أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولاهدأت الرّنّة

إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.

أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا

وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.

لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.

أتعجبون لو أمطرت دما.؟.

ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا».

قال من سمعها :

«فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كأنّما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فلا والله ما اتّمت حديثها حتّى ضجّ النّاس بالبكاء ، وذهلوا ، وسقط ما في ايديهم من هول تلك المحنة الدّهماء».

__________________

ـ البداية والنّهاية : ٨ / ٢١٠ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٦ و : ٦ / ٢٦٨ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٤٥ ، بتحقّيقنا.

٤٠٨

وتكلمت فاطمة بنت الحسين فقالت في كلام لها :

«أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر ، والغدر ، والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا.

ويّلكم ، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم ، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم ، وختم على سمعكم وبصركم وسوّل لكم الشّيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

«تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله قبلكم؟ وذحول له لديكم؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب ، وعترته الطّيبين الأخيار»(١) .

ومرّت الأيّام ، ثمّ أمر يزيد النّعمان بن بشير أن يجهزها ومن معها بما يصلحهم في رحلتهم إلى المدينة المنورة.

وذهبت السّيّدة زينب إلى المدينة ، وكان وجودها فيها كافيا لأنّ تلهب المشاعر ، وتؤلّب النّاس على الطغاة ، فأخرجت من المدينة بعد أن اختارت مصر دارا لإقامتها.

وقد شرّفت مصر بقدومها رضي الله عنها عند بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجريّة.

وتقدّم لها مسلمة بن مخلّد الأنصاري وإلي مصر ، وعزّاها في خشوع وخضوع ، وبكى فبكت ، وبكى الحاضرون.

محمود يوسف

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦١ ، بلاغات النّساء : ٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧.

٤٠٩
٤١٠

ثأر الله

بقلم : أمير اسكندر

منذ ثلاثة عشر قرنا ، خرج الحسين من أرض الحجاز متوجّها صوب العراق ، ملبيّا نداء أهلها ، كي يعلي كلمة الله الحقيقية ، كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة. وكان خروجه حينذاك ، نذيرا بالنّهاية لكلّ قوى الشّر ، والبغي ، والظّلمة ، فتربصت به ، وتحفّزت له كي تخنق شعاع الضّوء الوليد ، وتحاصر كلمة الحقّ في الصّحراء تموت من الظّمأ قبل أن تبلغ أهلها

رحلة عذاب طويلة ومجيدة ، ما كان يقوى عليها سوى أصحاب الرّسالات وحدهم ناضل فيها الحسين بالكلمة والسّيف معا ، رفض السّلام الخانع وارتفع فوق السّلامة الشّخصيّة الذّليلة ، وظل حتّى آخر نبضة في جسده قوي الرّوح ، صامد الإرادة ، مرفوع الرّأس دائما ، حتّى تمكّنت منه قوى الظّلام والطّغيان فقتلته وفصلت رأسه عن جسده ، وحسبت أنّها بجريمتها قد اطمأنّت ، وأنّ الأرض من تحت أقدامها قد استقرّت. ولكنّها أدركت بعد فوات الأوان أنّها لم تستطع أن تبلغ من أمرها شيئا ، فلا السّلطان دام ولا دعوة الحقّ زالت. قتل الحسين ، ولكن كلمته غدت رسالة. قطع رأسه ولكنّه بات رمزا للشّهادة. تضرّج دمه ولكنّه أمسى في عصره ، وفي كلّ العصور ، نداء يصرخ في المؤمنين

٤١١

والمناضلين من البسطاء والفقراء أن افتحوا دائما عيونكم ، وحدّقوا في كلّ قوى الشّر الّتي تحيطكم ، واقمعوا كلّ عوامل الضّعف والتّردد والخنوع في أعماقكم واثأروا لكلمة الله الحقيقة كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة.

أيمكن أن نعثر في تراثنا على قصّة أروع من قصّة خروج الحسين واستشهاده لنستلهم منها العبرة ، والمثل ، والقدرة على الفداء؟ هل يمكن للفنّان الّذي يعيش بفكره ووجدانه هذه القصّة أن يقاوم في نفسه الرّغبة العميقة والمخلصة في تجسيد أحداثها بوسيلته الخاصّة أيّا كانت شعرا أو لونا أو نغما أو حركة ، أو هذه كلّها معا؟ وكيف يمكننا أن نظل ليل نهار نتحدّث عن التّراث العريق الّذي نملكه ، دون أن تتقدّم خطوة نحو بعث هذا التّراث ، واستخلاص أغلى ما فيه ، وأعزّ ما فيه وأبقى ما فيه ، ونشره وإشاعته بكلّ الوسائل بين النّاس

هكذا صنع شاعر كبير هو عبد الرّحمن الشّرقاوي. وهكذا صنع مخرج مسرحي كبير هو كرم مطاوع ؛ لقد كتب الشّر قاوي مأساة الحسين أو ملحمته ، في مسرحيّة شعريّة هي بالتّأكيد آخر نقطة بلغها في رحلته الفكريّة والفنيّة ، وهي أيضا آخر نقطة بلغها تطور المسرح الشّعري في بلادنا حتّى الآن. وتناولها كرم مطاوع من بعده ، فركّز فصولها ، وكثّف مشاهدها حتّى يمكّنه تجسيدها على خشبة المسرح ، لأنّها في أصلها تزيد عن أربعمئة صفحة واستغرق الإعداد والإخراج شهورا عدّة. كانت الأنباء تنشر في الصّحف خلالها ، عن قرب تقدّيمها للجمهور ، على خشبة المسرح القومي.

وأنا لا أكتب في هذا السّطور نقدا للنّص المسرحي المنشور في كتاب أو للعرض المسرحي الّذي أتيح لي أن أشهد «بروفته» النّهائية ولكنّني ـ للأسف ـ

٤١٢

أريد أن أشير إلى رحلة هذه المسرحيّة الطّويلة خلف كواليس المسرح ، وهي رحلة حافلة بأشد ألوان العذاب للفكر والضّمير ، حتّى يتاح لها أن تخرج للنّاس. ويبدو أنّ مأساة الحسين الّتي وقعت في العراق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا(١) تتكرّر هنا مرّة أخرى رغم اختلاف الظّروف وبعد القرون. فمسرحيّة الحسين تتعرّض الآن مثلما تعرّض الحسين نفسه في الماضي للتّنكر والإنكار! وهي توشك أن تلقى مصيره الدّامي ، مختنقة وسط حصاد قوى غريبة تسلك سلوكا غير مبرّر وغير مفهوم

* * *

وحتّى يكون القاريء على بينة من القصّة كلّها ، أضع أمامه هذه الوقائع الّتي ترسم صورة تسجيليّة لكلّ ما حدث حتّى الآن

في (٨ يوليو عام ١٩٧٠ م) طلب مؤلّف المسرحيّة عبد الرّحمن الشّرقاوي من الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف فحص المسرحيّة وإبداء الرّأي فيها ، حتّى يتسنى البدء في إخراجها للمسرح القومي

رأى الأزهر تقليد متّبع في الأعمال الّتي تتناول موضوعات أو شخصيّات لها مسحة دينيّة.

في (٤ أغسطس عام ١٩٧٠ م) جاءت موافقة الأزهر الشّريف على نصّ المسرحيّة مع بعض التّحفظات الّتي تتحدد في أن يؤدي الممثّل الّذي يقوم بدور الحسين دوره متّخذا شخصيّة الرّاوية عن الحسين لا شخصية الحسين نفسه ، أي أن يبدأ كلماته قائلا «قال الحسين ...» وأن تؤدي الممثّلة الّتي تقوم بدور

__________________

(١) نحن الآن في القرن الرّابع عشر الهجري. المحقق.

٤١٣

السّيّدة زينب دورها متّخذة هي أيضا شخصية الرّاوية عن السّيّدة زينب ، لا شخصية السّيّدة زينب نفسها ، أي أن تبدأ كلماتها قائلة «قالت زينب ...» وهكذا على طول الرّواية ، وذلك كلّه حتّى يمكن تخطي عقبة التّقليد السّائر بعدم ظهور الشّخصيّات الدّينيّة على المسرح أو على شاشة السّينما والتّليفزيون. وبالفعل وافق المؤلّف والمخرج على هذه التّحفظات واقتضى ذلك خروج «عبد الله غيث وأمينة رزق» في بداية العرض إلى مقدّمة الخشبة ليقولا لجمهور المشاهدين أنّهما لا «يمثلان» الشّخصيتين الكريمتين : الحسين والسّيّدة زينب وإنّما يرويان عنهما فقط.

في (١٢ نوفمبر عام ١٩٧١ م) وافقت الرّقابة على المصنّفات الفنّية. على النّص المسرحي المقدم لها بناء على موافقة الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف على عرض المسرحيّة في أغسطس عام (١٩٧٠ م) ، وأصبح الأمر واضحا بعد هذا كلّه ؛ أنّ الضّوء الأخضر مفتوح إمام عرض المسرحيّة من كلّ الجهات الّتي يعنيها الأمر ، وخاصّة جهات الأزهر ، بل أنّ الدّكتور أحمد إبراهيم مهنا مدير إدارة البحوث والنّشر بمجمع البحوث الإسلاميّة أرسل إلى المؤلّف خطابا في (٢١ أكتوبر عام ١٩٧١ م) يقول له فيه : «أرجو أن تلتزموا بما اتّفق عليه بشأن مسرحيّتكم ـ يقصد عدم ظهور الحسين وزينب إلّا كراويتين ـ وفقكم الله».

بعد ذلك ، عقد إجتماع ضمّ ثمانية أشخاص هم : الدّكتور مهنا ، والشّيخ عبد المهيمن ، والأستاذ عبد الحميد جودّة السّحار رئيس هيئة المسرح والسّينما ، وسيّد بدير مدير عام الهيئة ، وحمدي غيث مستشار قطّاع المسرح ، وكرم مطاوع مخرج المسرحيّة ، وعبد الرّحمن الشّرقاوي مؤلّفها ، وسعد أردش الّذي كان

٤١٤

يشرف وقتها على المسرح القومي. واتّفق في هذا الإجتماع على الإلتزام بالتّحفظات الّتي أبداها الأزهر ؛ كما اتّفق على ضم جزئي المسرحيّة «الحسين تائرا والحسين شهيدا» وتقديمهما معا بعد التّركيز والتّكثيف في عرض واحد.

وبدأت بعدها بروفات المسرحيّة وأخذت الصّحف تنشر أنباء تتابع العمل في نموه واكتماله. ثمّ ظهرت في الصّحف والمجلّات ، وعلى جوانب الطّرقات ، الإعلانات الّتي تقول أنّ «ثأر الله» سوف تعرض على خشبة المسرح القومي هذا الأسبوع.

ولكن كانت هناك مفاجأة تنتظر الجميع. قيل : نحن لم نبد رأيا بعد في المسرحيّة! أيّة مسرحيّة؟ قيل أنّ ضم جزئي المسرحيّة وتركيزها في عرض واحد يحتاج إلى إعادة نظر ؛ ما الّذي يمكن أن يتغيّر في المسرحيّة لو عرضت في ساعة أو في سبع ساعات من وجهة نظر بعض الجهات في الأزهر الشّريف ...؟ أنّ تحفظاتها ملتزم بها سواء استغرق العرض ساعة أو عشر ساعات. أنّ مسألة الإقتصاد في الوقت والتّركيز في الفصول والتّكيّيف في المشاهد ، لأنّهم ـ بعد ذلك ـ سوى العاملين في المسرحيّة وجمهورها ونقّادها. أليس كذلك أيمكن أن تكون هذه قضية خلافية بحقّ؟ ومع ذلك فلقد أرسل لهم النّص المعد للعرض في (٩ ديسمبر عام ١٩٧١ م) أي منذ أكثر من شهرين ، وحتّى الآن لم يأت الرّد! رغم أنّ النّص الأصلي للمسرحيّة الّذي أرسل في عام (١٩٧١ م) لم تستغرق إلّا أقل من شهر واحد!.

ما ذا حدث إذن؟ ما ذا يجري خلف الكواليس؟ وأي جديد طرأ اليوم حتّى يحتاج الأمر لإعادة نظر ، وإعادة تقييم ، ومراجعة للموافقات السّابقة؟ وما الموقف الآن ، بعد أن ظهرت الإعلانات في الصّحف والمجلّات والطّرقات ،

٤١٥

واكتمل جهد فكري وفنّي كبير ، وانفق مال حلال من خزينة الدّولة.

لست أريد اليوم أن أتساءل عن الأساس الّذي يستند إليه أولئك الّذين يطالبون اليوم بإعادة النّظر ، أريد أن أسأل فحسب عن معنى الحرمان من عمل كبير هو بالتأكيد من أفضل الأعمال الّتي اتيح لمسرحنا أن يقدّمها ، ومن أكثره قيمة ، ومن أشدّها إستجابة للضّرورات الفكريّة ، والوطنيّة ، والرّوحيّة الّتي نواجهها الآن ؛ من الّذي يكسب من هذا الحرمان بحقّ؟ ومن الّذي يخسر في النّهاية؟ وباسم أيّة قيمة فكريّة ، أو دينيّة تحول جهة ما بين الجمهور وبين هذا العمل الّذي قال عنه بعض رجال الأزهر الشّريف أنفسهم مثل الأستاذ عبد الكريم الخطيب ، والشّيخ عبد الرّحيم فودة : أنّه خدمة كبيرة للقيم الإسلاميّة ، ويجب أن يعرض؟.

* * *

أنّ حرّيّة الفكر الّتي نصّ عليها الدّستور ، ليست مجرد عبارة مجردة ، ولكنّها ينبغي أن تكون فعلا وممارسة. وعلينا جميعا أن نحرص عليها ، وأن نناضل من أجلها ، فهي في النّهاية حجر الزّاوية في أي بناء إجتماعي ، وسياسي ، وثقافي متحضّر.

ونحن نناشدكم أيّها السّادة أن ترفعوا أيديكم عن هذا العمل الّذي يدافع عن أغلى وأعز ، وأبقى ما في تراثنا الماضي ، وحياتنا الرّاهنة أنّ الحسين العظيم لم يكن مجرّد شخصيّة دينيّة فقط ؛ ولكنّه كان أيضا رمزا إنسانيا نبيلا ينحني له المسلمون وغير المسلمين ، ويجسّد لهم كلّ معاني التّضحية الشّريفه في سبيل أسمى ما يدافع عنه الإنسان من قيم.

وهل هناك أسمى من قيم الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة؟.

أليست هذه بحقّ ، كلمة الله الحقيقيّة؟

٤١٦

يسأل ابنته في العيد

من أين لك هذا؟(١)

تحدّث التّأريخ عن بطولات عليّ بن أبي طالب ، وشجاعته ، وفدائيته ، وتضحياته ، كما تحدّث عن زهده ، وعلمه ، وبلاغته ، وتلك صفحة مشرقة من حياته يرويها التّأريخ عنه ، ونستشف منها عدله ، ويقظته ، وشدّته في الحفاظ على أموال الدّولة ، وتطبيق قانون «من أين لك هذا»؟.

فقد حدّث عليّ بن أبي رافع قائلا(٢) : كنت على بيت المال أيّام ولاية عليّ بن

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢ / ١ / ١٩٦٨ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) أبو رافع : هو مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز ، وصالح.

يعدّ في الطّبقة الأولى من الشّيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبد المطّلب ، فوهبه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإسلام العبّاس أعتقه.

هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه‌السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه‌السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه‌السلام ، لأنّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة.

انظر ، ترجمته في : طبقات ابن سعد : ٤ / ٧٣ ق ٤ ، اسد الغابة : ١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢١٢ ح ٢ ، و : ١٢ / ١٠٠ ، الإصابة : ١١ / ١٢٨ ، رجال النّجاشي : ٤ / ١ ، الكنى والألقاب : ١ / ١٧٤ ، تنقيح المقال : ٣ / ١٦ (باب الكنى) ، وتأسيس الشّيعة : ٣١٩ و ٣٤١ ، أعيان الشّيعة :

٤١٧

أبي طالب رضى الله عنه ، وكان في بيت المال عقد ، فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب تقول : بلغني أنّ في بيت المال عقد لؤلؤ ، واحبّ أن أستعيره لأتجمّل به في يوم عيد الأضحى ، فأرسلت إليها قائلا : العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ، فقبلت ، وردّت تقول : نعم ، العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ؛ فدفعتها إليها.

فلمّا رآه أمير المؤمنين في جيدها قال لها : من أين جاء إليك هذا العقد؟.

فقالت : استعرته من ابن أبي رافع لأتزيّن به يوم العيد ثمّ أردّه.

فبعث أمير المؤمنين إلى ابن أبي رافع وابتدره بقوله : يا ابن أبي رافع ، أتخون المسلمين؟.

قال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أخون المسلمين.

فقال : قد أعرت العقد الّذي في بيت المال بغير إذني ورضاي.

قال : يا أمير المؤمنين أنّها ابنتك.

فقال عليّ رضى الله عنه : ردّه من يومك ، وإيّاك أن تعود إلى مثل هذا ، فتلك عقوبتي ، وويل لابنتي(١) .

عليّ عمران

__________________

ـ ٢ / ٣٥٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٦ / ٣ ، الجرح والتّعديل : ٢ / ١٤٩ ، تأريخ ابن معين : ٧٠٤.

والرّاوي لهذه القصّة هو عليّ بن أبي رافع ، والّذي عدّه الشّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان كاتبا له ، ومن خواصّ أصحابه ، وله كتاب في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكتاب في من شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الجمل ، وصفّين ، والنّهروان من الصّحابة.

انظر ، رجال النّجاشي : ٣ ، رجال البرقي : ٤ ، رجال الطّوسي : ٤٧ ، اسد الغابة : ٢ / ١٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٥.

(١) انظر ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ ، وسائل الشّيعة : ٢٨ / ٢٩٢ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٧٥ ، حلية الأبرار : ٢ / ٢٨٦ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٣٣٨ ح ٢٢.

٤١٨

أهل البيت

بقلم : محسن محمّد

تلاشى الزّمن اختفت القرون الّتي تفصل بيني وبينهم وأحسست كأنّي أقف أمامهم في بيت النّبوّة.

هؤلاء هم «أهل البيت» فاطمة الزّهراء ـ ابنة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجها عليّ ـ ابن عمّ الرّسول ـ وأولادهما الحسن والحسين وأحفادهما(١) .

ولقد زرت مكّة والمدينة ، ووقفت بكربلاء وعبرت الطّريق إلى النّجف والكوفة وتمثّلت لي في كلّ لحظة مواقفهم بطولاتهم استشهادهم.

ولقد سرح بي الفكر فيما رأيت من بقايا آثارهم وأنا أقرأ آخر وأحدث ما كتب عنهم قد جمعهم المؤلّف في كتاب واحد وروى قصصّ حياتهم وآراءهم وحكاياتهم ومواقفهما البطوليّة والإنسانيّة معا ووصاياهم لأهلهم وللنّاس ، ولا يوجد سطر في هذا الكتاب الجديد ـ أكثر من (٦٠٠) صحفة ، إلّا وقد عزّزه الكاتب الباحث المحقّق بدليل تأريخي يؤيد وجهة نظره وبمرجع عربي أو أجنبي وبوقائع ثابتة ومحدّدة وينتهي الكاتب إلى

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٤١٩

النّتيجة الّتي ينتهي إليها وتحس في نهاية المطاف بأنّه لا توجد نهاية أخرى أو نتيجة أخرى غير تلك الّتي وصل إليها الكاتب توفيق أبو علم وكيل وزارة العدل ورئيس مجلس إدارة مسجد السّيّدة نفسية وهي واحدة من أهل البيت.

فالكتاب خلاصة حبّ طويل وشفافيّة استغرقت العمر كلّه وكلّ صفحة من الكتاب تجعلك تشعر بأنّ الكاتب يريد أن ينقل إليك الحبّ الكبير الّذي عاشه ، ووهبه لأهل البيت.

أصغر البنات

هذه هي السّيّدة فاطمة الزّهراء أصغر بنات الرّسول وأحبّهنّ إليه.

أمّها السّيّدة خديجة الّتي جاءها النّبيّ من غار حرّاء بعد نزول الوحي خائفا متردّدا غريب النّظرات فإذا بها تردّ إليه السّكينة ، والأمن ، وتسبغ عليه ودّ الحبيبة ، وإخلاص الزّوجة ، وحنان الأمّهات.

تعلّمت من أمّها أعظم الدّروس فكانت ـ فاطمة ـ تضمّد جراح أبيها ـ النّبيّ ـ في غزوة احد وتقوم وحدها بعمل البيت لا يعينها أحد ، عاشت على الكفاف لا تكذب ولا تشكو ، وكانت تردّد دائما قول أبيها : «طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا قنع به»(١) . تركت الإعتراض والسّخط. وأعرضت عن طيبات الدّنيا ، واستوى عندها الفقر ، والغنى ، والرّاحة ، والعناء ، والصّحة ، والمرض ،

__________________

(١) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٦ و : ٤ / ٥٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٩٠ ح ٩٨ و : ٤ / ١٣٦ ح ٧١٤٤ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٧٦ ح ٢٣٤٩ ، مسند أحمد : ٦ / ١٩ ح ٢٣٩٨٩ ، المعجم الكبير : ١٨ / ٣٠٥ ح ٧٨٦ و ٧٨٧ ، كشف الخفاء : ١ / ١٧٨ ح ٤٧٣ و : ٢ / ٦٢ ح ١٦٨١.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528