الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76165 / تحميل: 5682
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) .(١)

وسواء كان «الرّكون» هنا بمعنى الميل القلبي ، أو بمعنى الإعانة الظاهرية ، أو إظهار الرضا والمحبّة ، أو طلب الخير لهم هذه المعاني التي ذكرها المفسّرين «للركون» يجمعها مفهوم جامع لها ، وهو الاتكاء والاعتماد والتعلق وما إلى ذلك ، وهذا المفهوم شاهد حي على مقصودنا.

ونقرأ في هذا الصدد حديثا للإمام على بن الحسينعليه‌السلام مع «محمّد بن مسلم الزهري» الذي كان رجلا عالما ، إلّا أنّه كان يتعاطف ويتعاون مع الجهاز الأموي ولا سيما مع هشام بن عبد الملك ، يحذّره الإمام في حديثه هذا من إعانة الظالمين والركون إليهم ، وهو حديث مثير جدّا وقد جاء فيه : «أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، سلّما إلى ظلالتهم ، داعيا إلى عينهم سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم ، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك! فانظر لنفسك فإنّه لا ينظر إليها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسئول»(٢) .

والحقّ أنّ هذا المنطق البليغ المؤثر للإمامعليه‌السلام لكل عالم من وعّاظ السلاطين مرتبط بالظالمين راكن إليهم ، يمكن أن يبصّره بمصيره المشؤوم عاقبته المخزية.

ويذكر ابن عباس أن آية( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) من جملة الآيات التي تؤكّد على أن الركون للمجرمين ذنب عظيم ، وإعانة المؤمنين إطاعة لأمر الله سبحانه.

__________________

(١) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٢) تحف العقول ، ص ٦٦.

٢٠١

قالوا لبعض العلماء : إنّ فلانا أصبح كاتبا للظالم الفلاني ، ولا يكتب له إلّا الدخل والخرج. وحياته وحياة عائلته مرهونة بما يحصل عليه من مال لقاء هذا العمل ، وإلّا فسيقع هو وأسرته في فقر مدقع.

فكان جواب هذا العالم : أمّا سمع قول العبد الصالح «موسى»( رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) (١) .

* * *

__________________

(١) كان لنا بحثان مستوفيان في مجال إعانة الظالمين في ذيل الآية (٢) من سورة المائدة وذيل الآية (١١٢) من سورة هود ، فلا بأس بمراجعتهما.

٢٠٢

الآيات

( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) )

التّفسير

موسى يتوجّه إلى مدين خفية :

نواجه في هذه الآيات المقطع الرّابع من هذه القصّة ذات المحتوى الكبير.

حيث أن مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة ، والقرائن المتعددة تدلّ على

٢٠٣

أن القاتل من بني إسرائيل ، ولعل اسم موسىعليه‌السلام كان مذكورا من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم.

وبالطبع فإنّ هذا القتل لم يكن قتلا عاديا ، بل كان يعد شرارة لانفجار ثورة مقدمة للثورة ولا شك أن جهاز الحكومة لا يستطيع تجاوز هذه الحالة ببساطة ليعرّض أرواح الفرعونيين للقتل على أيدي عبيدهم من بني إسرائيل.

لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) (١) .

وهو على حال من الترقب والحذر ، فوجئ في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره( فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ) (٢) .

ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و( قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ) إذ تحدث كل يوم نزاعا ومشادة مع الآخرين ، وتخلق مشاكل ليس أوانها الآن ، إذ نحن نتوقع أن تصيبنا تبعات ما جرى بالأمس ، وأنت اليوم في صراع جديد أيضا!!

ولكنّه كان على كل حال مظلوما في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصرا في المقدمات أم لا) فعلى موسىعليه‌السلام أنّ يعينه وينصره ولا يتركه وحيدا في الميدان ،( فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ) ج صاح ذلك القبطي :( قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ) ويبدو من عملك هذا أنّك لست إنسانا منصفا( إِنْ

__________________

(١) كلمة «يترقب» مأخوذة من «الترقب» ، ومعناه الانتظار ، وموسى هنا في انتظار نتائج هذه الحادثة ، ومحل الجملة إعرابا ـ خبر بعد خبر ، وإن قيل أنها حال ، إلا أن هذا القول ضعيف.

(٢) كلمة «يستصرخ» مشتقة من مادة «الاستصراخ» ، ومعناها الإستغاثة ، ولكنها في الأصل تعني الصياح أو طلب الصياح من الآخر ، وهذا عادة ملازم للإعانة

٢٠٤

تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) (١) .

وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أن موسىعليه‌السلام كان في نيّته الإصلاح من قبل ، سواء في قصر فرعون أو خارجه ، ونقرأ في بعض الرّوايات أن موسىعليه‌السلام كانت له مشادات كلامية مع فرعون في هذا الصدد ، لذا فإن القبطي يقول لموسى : أنت كل يوم تريد أن تقتل إنسانا ، فأيّ إصلاح هذا الذي تريده أنت؟! في حين أن موسىعليه‌السلام لو كان يقتل هذا الجبار ، لكان يخطو خطوة أخرى في طريق الإصلاح

وعلى كل حال فإنّ موسى التفت إلى أن ما حدث بالأمس قد انتشر خبره ، ومن أجل أن لا تتسع دائرة المشاكل لموسى فإنّه أمسك عن قتل الفرعوني في هذا اليوم.

ومن جهة أخرى فإنّ الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحسّ فرعون ومن معه في القصر أن تكرار مثل هذه الحوادث ينذره بالخطر ، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى «مؤتمرهم» إلى أن يقتلوا موسى ، وكان في القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره بالمؤامرة وكما يقول القرآن الكريم :( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) .

ويبدو أنّ هذا الرجل هو «مؤمن آل فرعون» الذي كان يكتم إيمانه ويدعى «حزقيل» وكان من أسرة فرعون ، وكانت علاقته بفرعون وثيقة بحيث يشترك معه في مثل هذه الجلسات.

وكان هذا الرجل متألما من جرائم فرعون ، وينتظر أن تقوم ثورة «إلهية»

__________________

(١) يعتقد جماعة من المفسّرين أن هذه الجملة قالها الإسرائيلي لموسى ، لأنّه ظن أن موسى يريد قتله ، ولكن القرائن الكثيرة في الآية تنفي هذا الاحتمال!

٢٠٥

ضده فيشترك معها.

ويبدو أنّه كان له أمل كبير بموسىعليه‌السلام إذ كان يتوسم في وجهه رجلا ربّانيا صالحا ثوريّا ، ولذلك فحين أحسّ بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعة إليه وأنقذه من مخالب الخطر ، وسنرى بعدئذ أن هذا الرجل لم يكن في هذا الموقف فحسب سندا وظهيرا لموسى ، بل كان يعدّ عينا لبني إسرائيل في قصر فرعون في كثير من المواقف والأحداث.

أمّا موسىعليه‌السلام فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) .

وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شرّ القوم و( قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

فأنا أعلم يا ربّ أنّهم ظلمة ولا يرحمون ، وقد نهضت ـ دفاعا عن المحرومين ـ بوجه الظالمين ، ولم آل جهدا ووسعا في ردع الأشرار عن الإضرار بالطيبين ، فأسألك ـ يا ربّي العظيم ـ أن تدفع عنّي أذاهم وشرّهم.

ثمّ قرر موسىعليه‌السلام أن يتوجه إلى مدينة «مدين» التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز ، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة ولكنه شاب تربّى في نعمة ورفاه ويتجه إلى سفر لم يسبق له في عمره أن يسافر إليه ، فلا زاد ولا متاع ولا صديق ولا راحلة ولا دليل ، وكان قلقا خائفا على نفسه ، فلعل أصحاب فرعون سيدركونه قبل أن يصل إلى هدفه «مدين» ويأسرونه ثمّ يقتلونه فلا عجب أن يظل مضطرب البال!

أجل ، إن على موسىعليه‌السلام أن يجتاز مرحلة صعبة جدّا ، وأن يتخلص من الفخ الذي ضربه فرعون وجماعته حوله ليصطادوه ، ليستقرّ أخيرا إلى جانب المستضعفين ويشاطرهم آلامهم بأحاسيسه وعواطفه ، وأن يتهيأ لنهضة إلهية

٢٠٦

لصالحهم وضد المستكبرين.

إلّا أنّه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفد أبدا ، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه ، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (١) .

* * *

__________________

(١) «تلقاء» مصدر أو اسم مكان ، ومعناه هنا : الجهة والصوب الذي قصده.

٢٠٧

الآيات

( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) )

التّفسير

عمل صالح يفتح لموسى أبواب الخير :

نواجه هنا المقطع الخامس من هذه القصّة ، وهي قضيّة ورود موسىعليه‌السلام إلى مدينة مدين.

هذا الشاب الطاهر الذي لا يغش أحدا أمضى عدّة أيّام في الطريق ، الطريق التي لم يتعود المسير فيها من قبل أبدا ، ولم يكن له بها معرفة ، وكما يقول بعضهم : اضطر موسى إلى أن يمشي في هذا الطريق حافيا ، وقيل : إنّه قطع الطريق في

٢٠٨

ثمانية أيّام ، حتى لقي ما لقي من النصب والتعب ، وورمت قدماه من كثرة المشي.

وكان يقتات من نبات الأرض وأوراق الشجر دفعا لجوعه ، وليس له أمام مشاكل الطريق وأتعابه إلّا قلبه المطمئن بلطف الله الذي خلّصه من مخالب الفراعنة.

وبدأت معالم «مدين» تلوح له من بعيد شيئا فشيئا ، وأخذ قلبه يهدأ ويأنس لاقترابه من المدينة ، ولما اقترب ثمّ عرف بسرعة أنّهم أصحاب أغنام وأنعام يجتمعون حول الآبار ليسقوا أنعامهم وأغنامهم.

يقول القرآن في هذا الصدد :( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ ) (١) .

فحركه هذا المشهد حفنة من الشبان الغلاظ يملأون الماء ويسقون الأغنام ، ولا يفسحون المجال لأحد حتى يفرغوا من أمرهم بينما هناك امرأتان تجلسان في زاوية بعيدة عنهم ، وعليهم آثار العفّة والشرف ، جاء إليهما موسىعليه‌السلام ليسألهما عن سبب جلوسهما هناك و( قالَ ما خَطْبُكُما ) (٢) .

ولم لا تتقدمان وتسقيان الأغنام؟!

لم يرق لموسىعليه‌السلام أن يرى هذا الظلم ، وعدم العدالة وعدم رعاية المظلومين ، وهو يريد أن يدخل مدينة مدين ، فلم يتحمل ذلك كله ، فهو المدافع عن المحرومين ومن أجلهم ضرب قصر فرعون ونعمته عرض الحائط وخرج من وطنه ، فهو لا يستطيع أن يترك طريقته وسيرته وأن يسكت أمام الجائرين الذين لا ينصفون المظلوم!

فقالت البنتان : إنّهما تنتظران تفرق الناس وأن يسقي هؤلاء الرعاة اغنامهم :

__________________

(١) «تذودان» مشتقة من «ذود» على زنة «زرد» ومعناها المنع ، فهما إذا كانتا تذودان أغنامهما لئلا تختلط بالأغنام الأخرى.

(٢) ما خطبكما : أي ما شأنكما وما شغلكما هنا؟!

٢٠٩

( قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ ) (١) .

ومن أجل أن لا يسأل موسى : أليس لكما أب؟ ولماذا رضي بإرسال بناته للسقي مكانه ، أضافتا مكملتين كلامهما( وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فلا هو يستطيع أن يسقي الأغنام ، وليس عندنا أخ يعينه على الأمر فلا حيلة لنا إلّا أن نؤدي نحن هذا الدور.

فتأثر موسىعليه‌السلام من سماعه حديثهما بشدة. فأي أناس هؤلاء لا ينصفون المظلوم ، ولا هم لهم غير أنفسهم.

فتقدم وأخذ الدلو وألقاها في البئر يقال : إن هذه الدلو كان يجتمع عليها عدّة نفر ليخرجوها بعد امتلائها من الماء ، إلّا أن موسىعليه‌السلام استخرجها بقوته وشكيمته وهمّته بنفسه دون أن يعينه أحد( فَسَقى لَهُما ) أغنامهما.

ويقال : إنّ موسىعليه‌السلام حين اقترب من البئر لام الرعاء ، قال : أي أناس أنتم لا همّ لكم إلّا أنفسكم! وهاتان البنتان جالستان؟! ففسحوا له المجال وقالوا له : هلمّ واملأ الدلو ، وكانوا يعلمون أن هذه الدلو حين تمتلئ لا يستخرجها إلّا عشرة أنفار من البئر.

ولكن موسىعليه‌السلام بالرغم من تعب السير في الطريق والجوع ملأ الدلو وسحبها بنفسه وسقى أغنام المرأتان جميعها( ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

أجل إنّه متعب وجائع ، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة ، فهو غريب ، وفي الوقت ذاته كان مؤدبا وإذا دعا الله فلا يقول : ربّ إنّي أريد كذا وكذا ، بل يقول :( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) أي إنّه يكشف عن حاجته فحسب ، ويترك الباقي إلى لطف الله سبحانه.

لكن هلمّ إلى العمل الصالح ، فكم له من أثر محمود! وكم له من بركات

__________________

(١) «يصدر» مأخوذ من مادة «صدر» ومعناه الخروج من الماء ، «والرعاء» جمع راع ، وهو سائس الغنم.

٢١٠

عجيبة! خطوة نحو الله ملء دلو من أجل إنصاف المظلومين ، فتح لموسى فصلا جديدا ، وهيأ له. من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالا.

وبداية هذا الفصل عند ما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب : رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ، فقصتا عليه الخبر ، فأرسل خلفه( فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ ) فلم تزد على أن( قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) .

فلمع في قلبه إشراق من الأمل ، وكأنّه أحس بأنّ واقعة مهمّة تنتظره وسيواجه رجلا كبيرا! رجلا عارفا بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه ، هذا الرجل ينبغي أن يكون إنسانا نموذجيا ورجلا سماويا وإلهيّا ربّاه ما أروعها من فرصة.

أجل ، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب» النّبي الذي كان يدعو الناس لسنين طوال نحو الله ، كان مثلا لمن يعرف الحق ويطلب الحق ، واليوم إذ تعود بنتاه بسرعة يبحث عن السبب ، وحين يعرف الأمر يقرر أن يؤدي ما عليه من الحق لهذا الشاب كائنا من كان.

تحرك موسىعليه‌السلام ووصل منزل شعيب ، وطبقا لبعض الروايات ، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ، إلّا أن الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ، ولكن موسى لما عنده من عفة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب :(١)

دخل موسىعليه‌السلام منزل شعيبعليه‌السلام ، المنزل الذي يسطع منه نور النبوّة وتشع

__________________

(١) انظر : أبو الفتوح الرازي ـ ذيل الآيات.

٢١١

فيه الروحانية من كل مكان وإذا شيخ وقور يجلس ناحية من المنزل يرحب بقدوم موسىعليه‌السلام ، ويسأله :

من أين جئت؟! وما عملك؟! وما تصنع في هذه المدينة. وما مرادك وهدفك هنا؟!

ولم أراك وحيدا؟!

وأسئلة من هذا القبيل

يقول القرآن في هذا الصدد :( فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فأرضنا بعيدة عن سيطرتهم وسطوتهم ولا تصل أيديهم إلينا ، فلا تقلق ولا تشعر نفسك الوحشة ، فأنت في مكان آمن ولا تفكر بالغربة ، فكل شيء بلطف الله سيتيسر لك!

فالتفت موسى إلى أنّه وجد استاذا عظيما تنبع من جوانبه عيون العلم والمعرفة والتقوى ، وتغمر وجوده الروحانيّة ويمكن أن يروي ظمأه منه.

كما أحسّ شعيب أنّه عثر على تلميذ جدير ولائق ، وفيه استعداد لأن يتلقى علومه وينقل إليه تجارب العمر!

أجل كما أن موسى شعر باللذة حين وجد أستاذا عظيما كذلك أحس شعيب بالفرح والسرور حين عثر على تلميذ مثل موسى.

* * *

مسألتان

١ ـ أين كانت مدين؟!

«مدين» : اسم مدينة كان يقطنها «شعيب» وقبيلته ، هذه المدينة كانت تقع في شرق خليج العقبة [وشمال الحجاز وجنوب الشامات] وأهلها من أبناء إسماعيل

٢١٢

«الذبيح» ابن إبراهيم الخليلعليهما‌السلام ، وكانت لهم تجارة مع مصر وفلسطين ولبنان.

أمّا اليوم فيطلق على «مدين» اسم «معان».

كما أن بعضا من المفسّرين يعتقدون أن مدين اسم لجماعة كانت تعيش ما بين خليج العقبة وجبل سينا المعروف بطور سيناء ، وجاء اسمها في التوراة بـ «مديان» أيضا(١) .

كما يرى البعض : إنّ أساس تسمية هذه المدينة «بمدين» هو لأنّ أحد أبناء إبراهيم الخليل واسمه «مدين» كان يعيش في هذه المدينة(٢) .

وفي الوقت الحاضر يبدو في الخرائط الجغرافية للأردن أن إحدى مدنها في الجنوب الغربي منها ، واسمها «معان» تحمل الأوصاف ذاتها التي كانت في مدين وتنطبق عليها تماما.

٢ ـ دروس كثيرة توحي بالعبر :

في هذا القسم من قصّة موسىعليه‌السلام دروس كثيرة توحي بالعبر :

أـ إنّ أنبياء الله هم حماة المظلومين دائما ، فموسى سواء كان في مصر أو كان في مدين كان يسيئه أن يرى ظلما وتجاوزا على حقوق الآخرين ، وكان ينهض لنصرة المظلوم ولم لا يكون كذلك ، وأحد أهداف بعثة الأنبياء نصرة المظلوم.

ب ـ أداء عمل صغير لله له بركات كثيرة!

لم يفعل موسى سوى أنّه جلب دلوا من الماء وسقى الأغنام للبنتين ، ولم يكن له هدف سوى مرضاة الله الخالق سبحانه!

ولكن كم كان لهذا العمل الصغير من خير وبركة؟! لأنّه صار سببا لأن يصل

__________________

(١) راجع أعلام القرآن ، ص ٥٧٢.

(٢) راجع روح المعاني ، ج ٢٠ ، ص ٥١.

٢١٣

إلى منزل شعيب نبي الله ، وأن يتخلّص من الغربة ، وأن يجد مأوى يطمئن إليه ، وصار من نصيبه الأكل الهنيء والثياب والزوجة الصالحة ، وأهم من كل ذلك إنّه وصل إلى شعيب ، ذلك الشيخ الكبير الذي يتمتع بضمير حي وله دين سماوي ، فعاش معه عشر سنين وأصبح مهيأ لقيادة الأمة في ذلك الوقت

ج ـ إنّ رجال الله لا يتركون أي عمل سدى ـ وخاصّة ما يعمله المخلصون ـ دون أن يؤدوا أجره ولهذه السبب فإنّ شعيبا حين بلغه ما قدمه موسىعليه‌السلام من عمل ـ وهو شاب لم يكن معروفا لم يكن معروفا هناك ـ لم يقرّ حتى أرسل خلفه ليعطيه أجره.

د ـ وهذه المسألة تثير الانتباه ، وهي أن موسى كان يذكر الله دائما ، ويطلب منه العون في كل أمر ، يوكل حل مشاكله إليه.

فحين قتل القبطي وعرف أنّه «ترك الأولى» استغفر ربّه فورا و( قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) .

وحين خرج من مصر سأل الله أن يحفظه و( قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

وحين وصل أرض مدين( قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ! ) .

وحين سقى أغنام «شعيب» وتولى إلى الظل دعا ربّه( فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

وهذا الدعاء الأخير ـ خاصة ـ الذي دعا به في وقت تحوط فيه الأزمات وهو في أشدّ الحاجات ، دعا به وهو في غاية التأدب والخشوع ، ولم يسأل الله أن يحقق له ما يحتاج ، بل سأل المزيد وقال :( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

ه ـ لا ينبغي التصور أن موسىعليه‌السلام إنّما كان يذكر الله في الشدائد فحسب ، فهو لم ينس ذكر الله حتى حين كان في نعمة ورفاهية من العيش ، إذ كان يعيش في

٢١٤

قصر فرعون ـ لذلك ورد في الرّوايات «درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس موسى فقال : الحمد لله ربّ العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال : ما هذا الذي تقول؟ فوثب موسى على لحيته ـ وكان طويل اللحية ـ فهلبها أي قلعها ، فآلمه ألما شديدا ، فهم فرعون بقتله فقالت له امرأته ، هذا غلام حدث لا يدري ما يقول وقد لطمته بلطمه إيّاك. فقال فرعون : بلى يدري ...» إلخ(١) .

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٧.

٢١٥

الآيات

( قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) )

التّفسير

موسى في دار شعيب :

هذا هو المقطع السادس من قصّة حياة موسىعليه‌السلام المثيرة ، جاء موسى إلى منزل شعيب ، منزل قرويّ بسيط ، منزل نظيف ومليء بالروحيّة العالية ، وبعد أن قصّ عليه قصّته ، بادرت إحدى بنتي شعيب بالقول ـ وبعبارة موجزة ـ : إنّني أقترح أن تستأجره لحفظ الأغنام ورعايتها : وقالت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) .

هذه البنت التي تربّت في حجر النّبي الكبير ، ينبغي أن تتحدث بمثل هذا

٢١٦

الحديث الوجيز الكريم ، وأن تؤدي الكلام حقّه بأقلّ العبارات.

ترى من أين عرفت هذه البنت أنّ هذا الشاب قويّ وأمين أيضا؟ مع أنّها لم تره الّا لأوّل مرّة على البئر ، ولم تتّضح لها سوابق حياته!

والجواب على هذا السؤال واضح وجليّ إذ لاحظت قوته وهو ينحيّ الرعاء عن البئر ويملأ القربة الثقيلة لوحده ويطالب بحق المظلوم ، وأمّا أمانته وصدقه فقد اتّضحا لها منذ أن سارت أمامه إلى بيت أبيها ، فطلب منها أن تتأخر ويتقدمها ، لئلا تضرب الريح ثيابها!.

أضف إلى ذلك من خلال نقله قصته لشعيب فقد اتّضحت قوته في دفعه القبطي عن الإسرائيلي وقتله إيّاه بضربة واحدة وأمانته وصدقه في عدم مساومته الجبابرة.

فرضي شعيبعليه‌السلام باقتراح ابنته ، وتوجه إلى موسى و( قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) ثمّ أضاف قائلا :( فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (١) .

وعلى كل حال ، فلا أريد إيذاءك( وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

فأنّا ألتزم بالعهد والميثاق وأفي بما نتعاقد عليه ، ولا أشدّد عليك في الأمور ، وأتعامل معك معاملة حسنة وصالحة إن شاء الله.

ومن خلال هذا الاقتراح هناك أسئلة كثيرة حول الزواج من ابنة شعيب والمهر وسائر الخصوصيات ، وسنبحث عنها في البحوث القادمة إن شاء الله.

واستجابة لهذا القرار والعقد الذي أنشأه شعيب مع موسى وافق موسى

__________________

(١) هذا المضمون نفسه ورد في رواية منقولة في تفسير علي بن إبراهيم ، فقال لها شعيب : أمّا قوته فقد عرفتنيه إنّه يستقى الدلو وحده ، فبم عرفت أمانته؟ فقالت : «إنّه لمّا قال لي تأخري عنّي ودليني على الطريق فإنّا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت أنّه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته».

٢١٧

و( قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ )

ثمّ أردف مضيفا بالقول :( أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ ) أي سواء قضيت عشر سنين أو ثماني سنين «حجج» فلا عدوان علي

ومن أجل استحكام العقد بينهما جعل موسىعليه‌السلام الله كفيلا وقال :( وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ! ) .

وبهذه البساطة أصبح موسى صهرا لشعيب على ابنته.

* * *

بحوث

١ ـ شرطان أساسيان للإدارة الصحيحة

في العبارة القصيرة التي وردت في الآيات المتقدمة على لسان بنت شعيب في شأن استئجار موسى ، كان من أهم الشروط وأكثرها أصالة شرطان لخّصا في «القوّة» و «الأمانة».

ومن البديهي أنّ القوّة المذكورة ـ آنفا ـ ليس المراد منها قوّة الجسم فحسب ، بل القدرة على تحمّل المسؤولية أيضا.

فالطبيب «القوي الأمين» هو الطبيب الذي له معرفة جيدة وكافية في عمله ، وله تسلّط عليه أيضا.

والمدير القوى هو الذي يعرف «أصول الإدارة» ويعرف الأهداف المطلوبة وله تسلط في وضع الخطط و «البرامج» ، وله سهم وافر في الابتكار وتنظيم الأعمال ويعبئ القوى في سبيل الوصول للهدف المعين.

وفي الوقت ذاته يكون مشفقا وناصحا وأمينا وصادقا في العمل.

والأشخاص الذين يقنعون في تحمل المسؤولية وجود الأمانة والطهارة فحسب ، هم مخطئون بمقدار خطأ من يعتمد على سمة التخصص والعلم فحسب.

٢١٨

فالمتخصصون الخونة والعلماء المنحرفون يضربون ضربتهم كما يضربها المخلصون الذين لا حظ لهم من الاطلاع والمهارة في العمل.

وإذا أردنا أن نخرّب دولة ما فينبغي أن نوكل الأمور إلى إحدى هاتين الطائفتين إلى مدراء خائنين لـ «الأمانة» ، إلى المخلصين الذين لاحظ لهم من العلم والإدارة والنتيجة واحدة.

إنّ منطق الإسلام هو أن يوكل كل عمل إلى شخص قوي أمين مقتدر ، ليصل نظام المجتمع إلى الكمال ، وإذا ما تأمّلنا في سبب زوال الحكومات في طول التأريخ ، وفكّرنا في الأمر ، وجدنا العامل الأصلي هو إيكال الأمر إلى إحدى هاتين الطائفتين اللتين تكلمنا عنهما آنفا.

ومن الطريف أنّ منهج الإسلام في جميع الأمور أنّه يقرن «العلم مع التقوى» جنبا إلى جنب.

فمرجع التقليد لا بدّ أن يكون «مجتهدا عادلا» والقاضي وكذلك القائد يجب أن يكون «مجتهدا عادلا» وبالطبع فإن شروطا أخرى ينبغي توفرها أيضا ، ولكن أساس هذه الشروط جميعا شرطان هما «العلم المقترن بالتقوى والعدل».

٢ ـ اسئلة عن زواج موسى من بنت شعيب!

ذكرنا ـ آنفا ـ أنّ الآيات المتقدمة تحمل بين ثنايها أسئلة متعددة ، وعلينا أن نجيب عليها ولو باختصار :

أـ هل يجوز من الناحية الشرعية والفقهية ، أن تكون الزوجة غير معلومة ، بل يقال عند إجراء صيغة العقد «أزوّجك إحدى البنتين مثلا»؟

والجواب : ليس من المعلوم أن العبارة السابقة( أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ ) ذكرت عند إجراء صيغة العقد بل الظاهر أنّه جرى كلام ومقدمات للعقد والزواج ، وبعد موافقة موسى على الزواج ، ثمّ تجري صيغة العقد على واحدة

٢١٩

بعينها.

ب ـ هل يمكن أن يكون المهر مجهولا ، أو مرددا بين النقصان والتمام؟!

والجواب : يفهم من لغة الآية أن المهر الواقعي كان ثماني سنوات خدمة أمّا السنتان الأخريان فموكلتان لرغبة موسى ، إن شاء أدّاهما ، وإلّا فلا!

ج ـ وهل يجوز أساسا أن يكون المهر «خدمة وعملا»؟!

وكيف يمكن الزواج من امرأة على هذا المهر والدخول بها ، والمهر بعد لم يتمّ ، ولا يمكن إتمامه في مكان واحد!

والجواب : إنّه لا دليل على عدم جواز مثل هذا المهر ، بل إطلاقات الأدلة على المهر في شريعتنا ـ أيضا ـ تشمل كل شيء ذي قيمة!

كما أنّه لا يلزم أداء المهر في مكان واحد ، بل يكفي أن يكون في ذمّة الرجل ، والمرأة مالكة له.

وأصل السلامة والاستصحاب يقضيان أنّ هذا الرجل يحيا مدّة ويستطيع أداء هذا المهر.

د ـ أساسا كيف يمكن جعل الخدمة للأب مهرا للبنت؟! فهل المرأة بضاعة تباع في مقابل الخدمة(١) ؟!

والجواب : لا شكّ أن شعيبا كان يحرز رضا ابنته على مثل هذا المهر ، ولديه وكالة منها على هذا العقد ، وبتعبير آخر : إن المالك الأصلي لما في ذمّة موسى ، هي زوجته «بنت شعيب».

ولكن حيث أنّهم كانوا يعيشون في بيت واحد وفي غاية الصفاء والنقاء ، ولم تكن بينهم فرقة وانفصال «كما هي الحال بالنسبة إلى كثير من الأسر القروية

__________________

(١) قال المحقق الحلي في الشرائع «يصح العقد على منفعة كتعليم الصنعة والسورة من القرآن وكل عمل محلل ، وعلى إجارة الزوج نفسه مدّة معينة» ويضيف الفقيه الكبير الشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر بعد ذكر تلك العبارة قوله : «وفاقا للمشهور» (جواهر الكلام ، ج ٣١ ، ص ٤).

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

لحظات في نور أمّ هاشم(١)

هي ابنة الإمام عليّ كرّم الله وجهه ، ابنة السّيّدة فاطمة بنت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشقيقة السّبطين النّيرين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، رضي الله عنهم أجمعين(٢) .

كانت رضي الله عنها من خيرة نساء بيت النّبوّة ، اتّخذت طوال حياتها تقوى الله بضاعة لها ، ولسانها لا يفتر عن ذكر الله ، عرفت بكريمة الدّارسين ، وحسبت عند أهل العزم بأمّ العزائم ، وعند أهل الجود والكرم بأمّ هاشم ، وهي صاحبة الشّورى طوال حياتها.

ولدت رضي الله عنها سنة خمس من الهجرة النّبوّيّة ، فسرّ لمولدها أهل بيت النّبوّة ، ونشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة ، تربّت على مائدة الطّهر والشّرف والإباء وعزّة النّفس ، محوطة بكتاب الله الكريم وسنّة جدّها العظيم ، وكانت رضوان الله عليها على جانب عظيم من الجود والكرم ، تزوّجت رضي الله عنها بابن عمّها الإمام عبد الله بن جعفر الطّيّار ، وأعقبت منه محمّدا ، وعليّا ، وعبّاسا

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣ / ١ / ١٩٧٣ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٨١

تستكثر شيئا في سبيل الله وطاعته ، حتّى قتل أخيها ، وذبح أبنائها ، والسّير بها مسبيّة من بلد إلى بلد لقد قدم إبراهيم على ذبح ولده إسماعيل طاعة لله ، واستسلم الولد مختارا للذّبح امتثالا لأمر الله وهكذا سيّدة الطّفّ استسلمت لقضاء الله ، ورضيت به ، ولم تستكثر وتستعظم ما حلّ بها ، تماما كما استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله وإرادته.

شأن أهل البيت

ارتحل ابن سعد بجيشه من كربلاء في زوال اليوم الحادي عشر من المحرّم ، ومعه نساء الحسين وصبيته وجواريه ، وبعض نساء أصحابه الّذين استشهدوا معه ، وكانت النّساء عشرين امرأة ، والإمام زين العابدين ، وولده الإمام الباقر ، وكان له من العمر سنتان وشهور ، وثلاثة من أبناء الإمام الحسن ، وهم الحسن المعروف بالمثنى ، وزيد ، وعمر ، وطلبت النّسوة من جيش الطّغاة أن يمروا بهنّ على القتلى وحين نظرنّ إلى جسد الحسين صحنّ وبكينّ ، لطمنّ الخدود ، فاشتدّت الحال على الإمام السّجّاد ، وجاد بنفسه ، وقد انهكه المرض ، فقالت له سيّدة الطّفّ :

«مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي واخوتي؟ فو الله أنّ هذا لعهد من الله إلى جدّك وأبيك أنّ قبر أبيك سيكون علما لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور اللّيالي والأيّام ، وليجتهد أئمّة الكفر ، وأشياع الضّلال في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلّا علّوا»(١) .

__________________

(١) انظر ، كامل الزّيارات لابن قولوية : ٤٤٥ ، العوالم : ٣٦٢ ، البحار : ٢٨ / ٥٧ و : ٤٥ / ١٧٩.

٣٨٢

وإذا أخذت الإمام الرّقة والرّحمة على أبيه ، وهو على حاله تلك ، فقد حزن وبكى النّبيّ على ولده إبراهيم ، حتّى قال له بعض أصحابه :

ما هذا يا رسول الله؟.

فقال : أنّها الرّحمة الّتي جعلها في بني آدم ، وإنّما يرحم الله من عباده الرّحماء ثمّ قال: تدمع العين ، ويحزن القلب فلا نقول ما يسخط الرّب ؛ ولو لا أنّه قول صادق ، ووعد جامع ، وسبيل نأتيه ، وأنّ آخرنا سيتبع أوّلنا ؛ لوجدنا عليك أشدّ من وجدنا بك ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون»(١) .

وآل الرّسول هم أهل بيت النّبوّة والرّحمة ، يحزنون رحمة ، ويبكون رقّة ، ولا يقولون ما يسخط الرّب ، بل يرضون بقضائه ، ويستسلمون لمشيئته ؛ وقد جاء في مناجاة الإمام السّجّاد : «أللهمّ سهّل علينا ما نستصعب من حكمك وألهمنا الإنقياد لما أوردت علينا من مشيّتك حتّى لا نحبّ تأخير ما عجّلت ، ولا تعجيل ما أخّرت ، ولا نكره ما أحببت ، ولا نتخيّر ما كرهت واختم لنا بالّتي هي أحمد عاقبة ، وأكرم مصيرا ، إنّك تفيد الكريمة ، وتعطي الجسميّة ، وتفعل ما تريد ، وأنت على كلّ شيء قدير»(٢) . وبهذا ، بحسن العاقبة والمصير ، بشّرت السّيّدة ابن أخيها الإمام ، رغم ما هما عليه من الأسر والسّبي.

لقد تألّبت قريش على رسول الله ، واتّفقت على تكذيبه وإيذائه ، والقضاء

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٤ و ٨٥ ، كنز العمّال : ح ٤٠٤٧٩ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٤ / ٦٩ ، دعائم الإسلام : ١ / ٢٢٤ ، بدائع الصّنائع : ١ / ٣١٠ ، المغني : ٢ / ٤١١ ، المحلّى : ٥ / ١٤٦ ، مسند أحمد : ٣ / ١٩٤ ، صحيح مسلم : ٧ / ٧٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٠٧ ، سنن أبي داود : ٢ / ٦٤ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ٤٣ ، المصنّف : ٣ / ٢٦٧ ، الإحكام للإمام يحيى الهادي : ١٥٠ ، ذخائر العقبى : ١ / ٢٢٤.

(٢) انظر ، الصّحيفة السّجاديّة : ٤٢٢ ، الدّعاء الثّالث والثّلاثون ، دعاؤه في الإستخارة. بتحقّيقنا.

٣٨٣

على دعوته بكلّ وسيلة فأغرت به سفهاءها ، يرشقونه بالأحجار ، ويضعون في طريقه ر الأشواك ، ويلقون عليه الأوساخ ، وهو في الصّلاة ، وعذّبت أتباعه ، حتّى الموت ، وكان لا يملك دفاعا عنهم ولا عن نفسه ، ومع ذلك كلّه يقول لأنصار دين الله : «سترثون أرض الملوك والجبابرة وتأخذون أموالهم ، وتفترشون نساءهم»(١) .

وقالت سيّدة الطّفّ ، وهي أسيرة مسبيّة ، ورجالها جثث بلا رؤوس ، قالت : (المستقبل لذكرنا ، والعظمة لرجالنا ، والحياة لآثارنا ، والعلو لأعتابنا ، والولاء لنا وحدنا ، وجابهت يزيد بهذه الحقيقة ، وهو في عرشه ، وهي أسيرة في مجلسه ، وصرخت فيه قائلة : فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تمّيت وحينا ، ولا يدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند ، وأيّامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد)(٢) .

وصدقت نبوءة السّيّدة ، فولاؤهم تدين به الملايّين ، وتعاليمهم تدرّس في الجامعات ، والمدارس من مئات السّنين ، ومناقبهم تعلن على المنابر ليل نهار ، وقبورهم ، كالأعلام على رؤوس الجبال ، يحجّ إليها النّاس من كلّ فجّ عميق.

أنّ الأمويّين والعبّاسيّين ، ومعهم الإنس ، والجنّ لا يستطيعون أن يمحوا ذكر أهل البيت إلّا إذا استطاعوا أن يطفئوا نور الله ، واسم محمّد ابن عبد الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره بمحمّد وأهل بيت محمّد ، ولو كره المشركون.

__________________

(١) انظر ، قريب من هذا في الكامل لابن الأثير : ٢ / ٥٧ ، ذخائر العقبى : ١٤٧ ، الإستيعاب : ٣ / ١٠٩٥ ـ ١٠٩٦ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٠٣.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٣٨٤

تكريت

عن كتاب «المنتخب» أنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن ، وشبث ابن ربعي ، وعمرو بن الحجّاج ، وضم إليهم ألف فارس ، وأمرهم بإيصال السّبايا والرّؤوس إلى الشّام(١) .

وقال أبو مخنف ، مرّ هؤلاء في طريقهم بمدينة تكريت ، وكان فيها عدد من النّصارى ، فلمّا حاولوا أن يدخلوها إجتمع القسيسون والرّهبان في الكنائس ، وضربوا النّواقيس حزنا على الحسين ، وقالوا : إنّا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيّهم ، فلم يجرؤوا على دخول المدينة ، وباتوا ليلتهم في البريّة.

وهكذا كانوا يقابلون بالجفاء والإعراض كلّما مرّوا بدير من الأديرة ، أو بلد من بلدان النّصارى(٢) .

لينا

وحين دخلوا مدينة «لينا» ، وكانت عامرة بالنّاس ، تظاهر أهلها رجالا ونساء ، وشيبا وشبانا ، وهتفوا بالصّلاة على الحسين وجدّه وأبيه ، ولعن الأمويّين وأشياعهم وأتباعهم ، وصرخوا في وجوه الطّغاة : يا قتلة أولاد الأنبياء اخرجوا من بلدنا.

جهينة

وأرادوا الدّخول إلى «جهينة» فبلغهم أنّ أهلها تجمعوا وتحالفوا على قتالهم

__________________

(١) انظر ، المنتخب للطّريحي : ٣١١ ، و : ٣٠٥ طبعة آخر. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣. (منهقدس‌سره ).

٣٨٥

إذا وطئوا أرض بلدهم ، فعدلوا عنها ، ولم يدخلوها.

معرة النّعمان

ودخلوا معرّة النّعمان فاستقبلهم أهلها بالتّرحاب ، وقدّموا لهم الطّعام والشّراب ، والمعرّة هذه هي بلدة الشّاعر الشّهير أبي العلاء الّذي قال :

أليس قريشكم قتلت حسينا

وصار على خلافتكم يزيد

وقال(١) :

وعلى الأفق من دماء الشّهيدي

ن عليّ ونجله شاهدان

كفر طاب

وأتوا حصن «كفر طاب» ، فأغلق أهلها الأبواب في وجوهم ، فطلبوا منهم الماء. فقال أهل الحصن : والله لا نسقيكم قطرة ، وأنتم منعتم الحسين وأصحابه من الماء.

حمص

ولمّا دخلوا حمص تظاهر أهلها ، وهتفوا : أكفرا بعد إيمان ، وضلالا بعد هدى؟ وقتلوا منهم رشقا بالحجارة (٢٦) فارسا.

بطبك

قال صاحب كتاب «الدّمعة السّاكبة» : حين دخل جيش الشّرك إلى بعلبك ،

__________________

(١) انظر ، ديوان المعرّي : ١٢٦ ، سقط الزّند : ١ / ٤٤١ ، دررّ السّمط في خبر السّبط : ٩٣.

٣٨٦

ومعهم السّبايا والأطفال ، زيّنت المدينة ، ونشرت الأعلام ، ودقّت الدّفوف ، وضربت البوقات ، وقدّموا للطّغاة الطّعام ، والشّراب ، والحلوى(١) .

__________________

(١) انظر ، الدّمعة السّاكبة في المصيبة الرّاتبة ، والمناقب الثّاقبة ، والمثالب العائبة ، محمّد باقر بن عبد الكريم الدّمشقي : ٤ / ٢٢١.

٣٨٧
٣٨٨

أدب الشّيعة

الشّيخ عبد الحسيب طه حميدة عالم مصري من علماء الأزهر ومدرّس في كلّية اللّغة العربيّة. ألّف كتابا اسماه «أدب الشّيعة إلى نهاية القرن الثّاني الهجري». أثبت فيه بالأرقام أنّ أدب الشّيعة صميم في عروبته ، عنيف في ثورته ، وأنّه قد تظاهرت على إبرازه العاطفة ، والإحساس ، والعقيدة ، وأنّه لذلك كان جديرا بالحياة ، وأنّ الشّيعة قد تعرضوا للأذى في سبيل عقيدتهم وحرّيّتهم ، فلم يزدادوا إلّا تمسكا بالحرّيّة والعقيدة.

وكشف المؤلّف عن أسرار وجهات في أدب الشّيعة لم يسبقه أحد إلى شرحها وتبسيطها ـ فيما أعلم ـ وجرى قلمه بالعلم والحقّ في كلّ ما سطّره عن حقيقة هذا الأدب وأغراضه وصلته بالحياة ، كمحاربته للظّلم والطّغيان ، ولكنّه ـ يا للأسف ـ قد انحرف به القلم عن غير قصد إلى الأخطاء والأغلاط ، وهو يتحدث عن عقيدة الشّيعة ، وخلط بين الفرق المحقّة النّاجية ، وبين الفرق المغالية البائدة ، فكان في حديثه هذا كغيره من الّذين نسبوا إلى الشّيعة أشياء لا يعلمونها ، والّذي أوقع الشّيخ في الخلط والإشتباه اعتماده على «ولهوسن» و «دوزي» ، و «فان فلوتن» وغيرهم من المستشرقين والمفترين(١) ، وكان عليه أن يعتمد على كتب

__________________

(١) انظر ، الفصل الثّالث من كتاب «أدب الشّيعة» بخاصّة : ٧٥ الطّبعة الأولى. (منهقدس‌سره ).

٣٨٩

العقائد عند الشّيعة أنفسهم ، ككتاب شرح التّجريد للعلّامة الحلّيّ ، وأوائل المقالات للمفيد ، والعقائد للصّدوق ، ومع الشّيعة الإماميّة للمؤلّف ، وغيره كثير.

ومهما يكن ، فنحن نحيي المؤلّف ، ونمنح ثقتنا الكاملة ، وتقديرنا البالغ لكلّ ما جاء في الكتاب ، ما عدا الفصل الثّالث ، وما يتّصل به من نسبة الغلو ، والرّجعة ، والتّناسخ ، والسّبئيّة(١) وما إلى ذاك ، إلى عقيدة الشّيعة بوجه عامّ ، نقول هذا مع الإعتراف بأنّ المؤلّف لم يتعمّد الإساءة إلى الشّيعة ، كيف؟ وقد اعترف لهم بالفضل في أشياء كثيرة وإنّما نلاحظ عليه اعتماده في حديثه عن عقيدة التّشيّع على غبي جاهل ، أو دسّاس خائن ، وإهماله المصادر الشّيعيّة الصّحيحة.

ومهما يكن ، فإنّ الغرض من هذا الفصل أن نذكر فيه مقتطفات من أقوال المؤلّف ، تصور أدب الشّيعة ، والأهداف الّتي يرمي إليها ، بخاصّة فيما يتعلق بحادثة كربلاء ، قال :

«أنّ أدب الشّيعة أخذ من لغة الآباء لغته وألفاظه ، ومن القرآن والحديث أسلوبه وحججه ، ومن عقليات العراق وحضارته معانيه وأخيلته ، ثمّ استخدم ذلك في أغراضه الشّيعيّة : حبّ آل الرّسول ، والإخلاص لقرابته ، والإحتجاج لحقّهم في الخلافة ، ومنافحة خصومهم من أمويّين وزبيريّين ، وخوارج وعبّاسيّين ، ورثاء قتلاهم ، ومدح عقيدتهم.

وكانت حادثة كربلاء الملطّخة بدماء الحسين وآل بيت الرّسول حدّا فاصلا بين طورين من أطوار هذا الأدب الخصب ، كان حبّا صادقا ، ومدحا خالصا ،

__________________

(١) ألّف السّيّد مرتضى العسكري كتابا أسماه «عبد الله بن سبأ» عرض فيه الأدلّة القاطعة على أنّ ابن سبأ اسطورة لا وجود له أبدا. (منهقدس‌سره ).

٣٩٠

وموازنة جريئة ، وحجاجا عربيّا صريحا ، مؤسّسا على نظرة العربي الّذي هذّبه الإسلام للرّياسة ، وبيت الرّياسة ، فأسبق النّاس إلى الإسلام ، وأمسهم رحما بالرّسول ، وأشدّهم جهادا للعدوّ وبلاء في نصرة الدّين ، أحقّ النّاس بخلافة المسلمين وزعامتهم ، وذلك كلّه قد إجتمع لعليّ ابن أبي طالب ، لفضله ، وسبقه ر ، وقرابته ، وجهاده.

كانت حادثة كربلاء ، تلك الحادثة المروّعة المشئومة ، فاتحة طور جديد من أطوار هذا الأدب الشّيعي كما كانت ذات أثر عميق في النّفوس الإسلاميّة ، والعقائد الشّيعيّة ، والحياة السّياسيّة ؛ والواقع أنّ قتل الحسين على هذه الصّورة الغادرة ، والحسين هو من هو دينا ومكانة بين المسلمين لا بدّ أن يلهب المشاعر ، ويرهف الأحاسيس ، ويطلق الألسن ، ويترك في النّفس الإسلاميّة أثرا حزينا داميا ، ويجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

نعم. ولا بدّ أن ينكر النّاس هذا التّنكيل الجائر ، والتّمثيل الشّائن بعترة الرّسول ، وسلالته ، وفلذّات كبده ، وقرّة عينه ، ويروا فيه إذاية له ، وكفرانا بحقّه ، وتعرضا لغضبه(١) :

ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم اسارى وقتلى ضرّجوا بدم

__________________

(١) اختلف في نسبت هذه الأبيات ، انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٥٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٩٤ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، اللهوف لابن طاووس : ٩٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٨ ، و : ٤ / ٣٥٧ طبعة آخر ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ٢١٢ ، مجمع الزّوائد للهيثمي : ٩ / ٢٠٠ ، كفاية الطّالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي : ٤٤١ ، تأريخ ابن عساكر : ٤ / ٣٤٢ ، ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطّبري : ١٥٠.

٣٩١

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فبهذا وأمثاله قامت النّائحات في العواصم الإسلاميّة يندبنّ الحسين ، ويبكينّ مصرعه ، وبهذا وأمثاله انطلقت الألسن الشّاعرة ترثي ابن بنت الرّسول ، وتصور أسف النّبيّ في قبره ، وحزنه على سبطه ، واحتجاجه على أمّته ، وتلقي على بني حرب سوء فعلهم ، وقبح ضلالتهم ، وجور سلطانهم ، وتسجل ، في صراحة وعنف ، مروقهم عن الدّين وإنتهاكهم لحرم الله.

وهال النّاس هذا الحادث الجلل ، حتّى الأمويّين أنفسهم ، فأقضّ المضاجع ، وأذهل العقول ، وارتسم في الأذهان ، وصار شغل الجماهير ، وحديث النّوادي.

ومكث النّاس شهرين أو ثلاثة كأنّما تلطّخ الحوائط بالدّماء ساعة تطلع الشّمس ، حتّى ترتفع ، ورأى من حمل رأس الحسين نورا يسطع مثل العمود إلى الرّأس وطيرا بيضاء ترفرف حوله ، ورأى ابن عبّاس النّبيّ في اللّيلة الّتي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة ، وهو يجمع فيها دماء. فسأله : ما هذا يا رسول الله؟

قال : دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى.

وأمثال هذا كثير ، نراه في الطّبري ، وابن الأثير ، والأغاني ، والعقد الفريد ، وصبح الأعشى(١) .

ومهما يكن من شيء ، فقد صبغت حادثة الحسين ، ولا تزال تصبغ أدب الشّيعة بالحزن العميق ، والرّثاء النّائح ، والمدح المبتهل ، والعصبية الحاقدة ، وأمدته بمدد زاخر من المعاني والأخيلة والعواطف ، فعززت مادته ، واتّسع

__________________

(١) وابن حجر ، والثّعلبي ، وأبو نعيم ، وسبط ابن الجوزي ، والبيهقي ، وابن سيرين ، وابن القفطي ، والتّرمذي ، وغيرهم. (منهقدس‌سره ).

٣٩٢

مجال القول فيه ، وغدونا أمام أدب تبعثه عاطفتان بارزتان : عاطفة الحزن ، وعاطفة الغضب ، تصدره الأولى حزينا باكيا ، وتبعثه الثّانية قويّا ثائرا.

والعاطفة أقوى دعائم الأدب ، فإذا أثيرت وهاجت ، وكان بجانبها لسان طلق ، وبيان ناصع ، ونفس شاعرة متوثبة ، فهناك الأدب الحي ، والقول السّاحر ، وكذلك كان الشّيعة. تجمعت لهم كلّ عناصر الأدب : لسان وعاطفة ، وفواجع من شأنها أن تستنزف الدّم ، وتذيب القلب ، وتنطق الأخرس ، فقالوا ، وبكوا : قالوا في الحقّ وطلبه ، والإرث وغصبه.

وبكوا على حقّ ضاع ، ودام أريق ، وحرمات انتهكت ، وبيوت دمّرت ، وجثث كريمة على الله والنّاس مثّل بها أبشع تمثيل ، وافتتان أموي أثيم في الفتك بالطّالبيّين وشيعتهم ، فقتل ، وصلب ، وإحراق ، وتذرية ، وهم يقابلون ذلك بالشّجاعة ، والصّبر ، والإحتساب.

وكانت القصائد الباكية ، والخطب الرّائعة ، والأقوال الدّامية(١) صدى لهذه الدّماء المسفوحة ، والجثث المطروحة ، تبعث ذكرها في كلّ قلب حزنا ، فيبعث الحزن أدبا ، يصور الآلآم ، ويعلن الفضائل ، ويستميل القلوب ، ويسجل العقائد ، ويشرح القضية الشّيعيّة ، ويحتج لها في صراحة وعنف ، فيتناولها من أطرافها ، متفننا في كلّ ذلك ، فمفاضلة جريئة ، ومعارضة شديدة ، ومناقشة فقهية ، ودعاية حزبيّة».

نقلنا هذه المقتطفات ، وهي قليل من كثير :

أوّلا : لأنّها تتّصل اتّصالا وثيقا بموضوع الكتاب.

__________________

(١) والمؤلّفات الّتي ملأت المكاتب في الفضائل والمناقب.

٣٩٣

ثانيا : لأنّها من شيخ أزهري.

ثالثا : لننبّه إلى هذا الكتاب القيم الّذي لم يؤلّف مثله في موضوعه ، والّذي يجب أن يقرأه كلّ عالم ، وكاتب ، وطالب والغريب أن يكون مجهولا لدى كثير من الشّيعة ، وهو فيهم ولهم ، وقد مضى على تأليفه أكثر من ست سنوات.

وإذا دلّ جهلنا بهذا الكتاب وما إليه على كلّ شيء فإنّما يدل على أننا بعيدون عن الحياة كلّ البعد ، بعيدون ، حتّى عن تأريخنا ، وأنفسنا وواقعنا لقد أدرنا ظهورنا إلى المطابع ، وما تخرجه من كتب وصحف ، تصور حياة النّاس ، كلّ النّاس ، واستقبلنا بوجوهنا المادّة ، فلا نفكّر إلّا بها ، ولا نفتح أعيننا إلّا عليها ، ولا نمد أيدينا إلّا إليها ، ولا نستطعم شيئا سواها ، ومن أجلها نبغض ونحب ، ونقف على الأبواب نطبّل ونزمّر للزّعماء وأبناء الدّنيا. ومع ذلك أعلم النّاس ، وأحسن النّاس ، وأشرف من في الكون

٣٩٤

قبر السّيّدة

انتقلت السّيّدة إلى جوار ربّها ورحمته في (١٥ رجب سنة ٦٥ ه‍». فعاشت بعد أخيها الحسين (٤ سنوات و ٦ أشهر ، و ٥ أيّام). وقيل : أنّها أوّل من لحق به من أهل بيته(١) .

واختلفوا في قبرها على ثلاثة أقوال(٢) :

القول الأوّل : أنّها دفنت في مدينة جدّها رسول الله ، ومال إلى ذلك المرحوم السّيّد محسن الأمين ، مستدلا بأنّه قد ثبت دخولها إلى المدينة ، ولم يثبت خروجها ، فنبقي ما كان على ما كان وكأنّه عليه الرّحمة يتمسك بالإستصحاب لإثبات دفنها بالمدينة وبديهة أنّ الأخذ بالإستصحاب هنا لا

__________________

(١) انظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(٢) انظر ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٣٥٨ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٥ و ٨٦.

٣٩٥

يعتمد على أساس(١) .

لأنّ موضوع الإستصحاب أن نعلم بوجود الشّيء ، ثمّ نشك في ارتفاعه ، بحيث يكون المعلوم هو المشكوك بالذات. كما لو فرض أن علمنا بدفن الجثمان الشّريف في المدينة قطعا ، ثمّ شكّكنا : هل نقل إلى بلد آخر ، أو بقي حيث كان. فنستحصب. ونبقي ما كان على ما كان. لإتحاد الموضوع. أمّا إذا علمنا بدخولها إلى المدينة. ثمّ شكّكنا في محل قبرها فلا يمكن الإستصحاب بحال. لأنّ الدّخول إلى المدينة شزيء ، والقبر شيء آخر وإثبات اللّازم بإستصحاب الملزوم باطل. كما تقرّر في علم الأصول.

ثمّ لو كان قبرها في المدينة لعرف واشتهر. وكان مزارا للمؤمنين كغيره من قبور الصّالحات والصّالحين.

القول الثّاني : أنّها دفنت في قرية بضواحي دمشق. أي في المقام المعروف بقبر السّت ولم ينقل هذا القول عن أحد من ثقاب المنقدمين.

القول الثّالث : أنّها دفنت في مصر. ونقل هذا عن جماعة منهم العبيدلي ، وابن عساكر الدّمشقي ، وابن طولون ، وغيرهم(٢) .

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣٣ / ٢٧٠. (منهقدس‌سره ). انظر ، تأريخ المدارس : ٢ / ٣٤١ ، محاسن الشّام : ٢٢١ ، رحلة الشّام : ١٣ ، الرّوض الغنّاء في دمشق الفيحاء : ١٣١ ، منتخبات لتواريخ دمشق : ٣ / ٤٢٦.

(٢) انظر ، مشارق الأنوار في آل البيت الأخيار ، لعبد الرّحمن بن حسن بن عمر الأجهوري : ٢٦٠ ، الإشراف على فضل الأشراف ، إبراهيم الحسنيّ الشّافعيّ السّمهوديّ المدنيّ : ١٨٦ ، بتحقّيقنا ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٢٥ و ٨٦.

٣٩٦

ويلاحظ أنّ علماءنا الّذين عليهم الإعتماد ، كالكليني ، والصّدوق ، والمفيد ، والطّوسي ، والحلّي لم يتعرضوا لمكان قبرها ، حتّى نرجّح بقولهم كلّا أو بعضا أحد الأقوال الثّلاثة ، فلم يبق إلّا الشّهرة بين النّاس. ولكن الشّهرة عند أهل الشّام تعارضها الشّهرة عند أهل مصر.

وهكذا لا يمكن الجزم بشيء وليس من شكّ أنّ زيارة المشهد المشهور بالشّام ، والجامع المعروف بمصر بقصد التّقرب إلى الله سبحانه تعظيما لأهل البيت الّذين قرّبهم الله ، ورفع درجاتهم ومنازلهم ، حسنة وراجحة ، لأنّ الغرض إعلان الفضائل ، وتعظيم الشّعائر ، والمكان وسيلة لا غاية ، وقد جاء في الحديث : «نيّة المرء خير من عمله»(١) .

__________________

(١) انظر ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ١٤٨ و ١٤٩ ، اصول الكافي : ٢ / ٦٩ ح ٢ ، المحاسن : ١ / ٢٦٠ ح ٣١٥ ، أمالي الطّوسي : ٢ / ٦٩ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٦ / ٣٧٩ ، هدية العارفين : ١ / ١٥٦.

٣٩٧
٣٩٨

مقالات في أهل البيت

٣٩٩
٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528