الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء0%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528
المشاهدات: 64220
تحميل: 3635

توضيحات:

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64220 / تحميل: 3635
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: 964-465-169-3
العربية

والفناء ، والبقاء ، والموت ، والحياة.

صنع لها النّبيّ زيّا جديدا لليلة عرسها وزفافها وكان لها زي قديم ، فإذا بسائلة في الباب تطلب زيّا قديما فقدّمت لها القديم ، ثمّ تذكرت قول الله :( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) (١) فدفعت إليها بالجديد.

روت عن النّبيّ كثيرا من الأحاديث ، وسمعته وهو يقول : «أنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللهعزوجل فيها خيرا إلّا أعطاه»(٢) .

ولكن فيها ملامح النّساء جميعا

بلغ العتاب يوما بين فاطمة وزوّجها عليّ ما يبلغه من خصومة بين الزّوجين ، عند ما علمت أن عليّا يزمع الزّواج على مألوف عادة قومة في الجمع بين زوّجتين وأكثر ويفعل ما أباح له الإسلام من تعدد الزّوجات قصدت أباها النّبيّ تروي القصّة قائلة : إنّ قومك يتحدثون أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا عليّ ناكح ابنة أبي جهل؟.

قال المسور : فقام النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته حين تشهد ، ثمّ قال : «أمّا بعد ، فإنّي أنكحت أبا العاص ابن الرّبيع فحدّثني فصدّقني ، وإنّ فاطمة بضعة منّي ، وإنّما أكره أن تفتنوها ، وإنّه والله لا تجتمع بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبدا». قال : فترك عليّ الخطبة»)(٣) .

__________________

(١) آل عمران : ٩٢.

(٢) انظر ، مسند أحمد : ٢ / ٢٣٠ ح ٧١٥١ و : ٢ / ٤٥٧ ح ٩٨٩٣ و ١٠٠٧٠ و ١٠٤٦٤ ، صحيح مسلم : ٢ / ٥٨٤ ح ٨٦٢ ، السّنن الكبرى : ٦ / ١٣٢ ح ١٠٣٠٧ و ١٩٣٠٨ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٦٦ و : ٥ / ٩٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٣ ح ١٧٤٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ١ / ٤٧٧ ح ٥٥١٠.

(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٤ / ١٩٠٣ ح ٢٤٤٩ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٦٤ ح ٣٥٢٣ ، صحيح ابن

٤٢١

ويعدل عليّ عن هذا الزّواج الجديد. وتموت فاطمة في سنّ الثّامنة والعشرين(١) وقبل أن تموت توصي زوّجها بالزّواج من بنت أختها(٢) ، وأن تدفن ليلا(٣) .

__________________

ـ حبّان : ١٥ / ٤٠٨ ح ٦٩٥٧ و ٧٠٦٠ ، مسند أبي عوانه : ٣ / ٧١ ح ٤٢٣٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٣٠٨ ح ١٤٥٧٧ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٦٤٤ ح ١٩٩٩ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ٧ / ٣٠١ ح ١٣٢٦٧ ـ ١٣٢٦٩ ، معتصر المختصر : ١ / ٣٠٧ ، مسند أحمد : ٤ / ٣٢٦ ح ١٨٩٣١ و ١٨٣٢ ، مسند أبي يعلى : ١٣ / ١٣٤ ح ٧١٨١ ، المعجم الكبير : ٢٠ / ١٨ ح ١٨ و ٢١ ، البيان والتّعريف : ١ / ٢٧٠ ، فتح الباري : ٩ / ٣٢٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٣٣ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٧٥٦ ح ١٣٢٩ ـ ١٣٣٤ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ١ / ٤٧ ح ٥٥.

(١) اختلف في وفاة الصّدّيقة على أقوال. انظر ، المناقب للخوارزمي : ١ / ٨٣ ، الإصابة : ٤ / ٣٨٠ ، مقاتل الطّالبيين : ٣١ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ١٨ ، الملل والنّحل : ١ / ٥٧ ، لسان الميزان : ١ / ٢٩٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٩٣ ، إثبات الوصية للمسعودي : ٢٣ ، الذّريّة الطّاهرة : ٢١٦ ، مروج الذّهب : ١ / ٤٠٣ ، المعارف : ١٤٢.

(٢) أمامة بنت أبي العاص بنت زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّجها بعد موت خالتها فاطمة البتول.

انظر ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٢٣٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، الشّيخ العلّامة شرف الدّين أبي محمّد عمر بن شجاع الدّين العارف المتوفّى سنة (٦٤٦ ه‍) : ٢٢٩ ، بتحقيقنا ، تأريخ الطّبري : ٤ / ١١٨ ، الهداية الكبرى : ٤٠٧ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ المعارف : ٢١٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، دلائل الإمامة : ١٣٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تذكرة الخواصّ : ٥٧.

(٣) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٣٩ ، و : ٥ / ١٧٧ ، صحيح مسلم : ٢ / ٧٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٤٩ و ٥٠ ، و : ١٦ / ٢١٤ و ٢١٨ ، اسد الغابة : ٥ / ٥٢٤ ، الإستيعاب : ٢ / ٧٥١ ، مسند أحمد : ٦ / ٤٦١ ، الإصابة : ٤ / ٤٧٨ ، تأريخ الطّبري ٤ / ٤٧٤ ، المناقب للخوارزمي : ١ / ٨٤ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٣ ، روائع الحكم في أشعار الإمام عليّعليه‌السلام الدّيوان : ٩٢ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٨٨ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٩٨.

٤٢٢

ولمّا علم المسلمون بوفاتها وجدوا أربعين قبرا بناه عليّ حتّى لا يعرف قبرها أحد وهي الّتي لم يترك النّبيّ غيرها من الأولاد(١) .

ولقد تركت وصايا كثيرة تركتها لابنها الحسن دعاء يردّده : «الحمد لله الّذي لا ينسى من ذكره ، ولا يخيب من دعاه ، ولا يقطع رجاء من رجاه»(٢) .

الإمام عليّعليه‌السلام

وهذا عليّ بن أبي طالب قال عنه النّبيّ : «لقد كفاني أمري وهو ابن (١٢) سنة ، وضرب بين يدي بالسّيف وهو ابن (١٦) سنة. وقتل الأبطال وهو ابن (١٩) سنة. وفرّج همومي وهو ابن (٢٠) سنة ، ورفع باب خيبر وهو ابن (نيف وعشرين) سنة ، وكان لا يرفعه (٥٠) رجلا»(٣) .

اختلف عليّ عن الخلفاء بلقب الإمام. لم يبدأ أحدا يوما بقتال. ودخل عليه أحدهم يوما فوجد بين يديه لبنا حامضا وكسرة يابسة ، فقال الرّجل :

ـ لقد آذتني حموضة اللّبن يا أمير المؤمنين. أتأكل هذا.

فقال عليّ :

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ٤٤٨ ، البخاريّ : ٣ / ٣٨ ، صحيح مسلم : ١ / ٧٢ و : ٥ / ١٥٣ ، ابن كثير : ٥ / ٢٨٥ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٤ ، ابن الأثير : ٢ / ١٢٦ ، كفاية الطّالب : ٢٢٥ ، المسعوديّ : ٢ / ٤١٤ ، التّنبيه والأشراف : ٢٥٠ ، الصّواعق المحرقة : ١ / ١٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٤ ، والسّنن الكبرى : ٦ / ٣٠٠. كلّ هذه المصادر تتحدث بأنّه ـ أبو بكر ـ ، لم يصلّ عليها ، بل دفنت سرّا.

(٢) انظر ، مشارق الأنوار في آل البيت الأخيار ، لعبد الرّحمن بن حسن بن عمر الأجهوري المصري الأزهري المالكي (المتوفّى ١١٩٨ ه‍) : ٢٦٦ ، تأريخ مدينة دمشق ، ترجمة الإمام الحسنعليه‌السلام : ١٠.

(٣) انظر ، الأمالي للشّيخ الصّدوق : ٤٨٣ ، روضة الواعظين : ١٢٠ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٦ ، أمالي الشيخ الطوسي : ٤٣٩ ح ٤٠ ، دلائل الإمامة : ٧٠.

٤٢٣

ـ كان رسول الله يأكل أيبس من هذا وأخشن من هذا(١)

ومنذ اليوم الأوّل لخلافة عليّ هزل الولاة الّذين استباحوا الغنائم المحظورة وتمرغوا بالدّنيا وطمعوا وأطمعوا رعاياهم في بيت مال المسلمين وجنّب الصّحابة الطّامحين إلى الإمارة فتنة الولايات خوفا عليهم من غوايتها.

ويترك لولده الحسن وصيّتة :

(أوصيكما بتقوى الله ، وألّا تبغيا الدّنيا ، وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها ، زوي عنكما وقولا بالحقّ ، واعملا للأجر ، وكونا للظّالم خصما ، وللمظلوم عونا.

أوصيكما ، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام».

الله الله في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم.

والله الله في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم. ما زال يوصي بهم ، حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم.

والله الله في القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.

والله الله في الصّلاة ، فإنّها عمود دينكم.

والله الله في بيت ربّكم ، لا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا.

والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله.

وعليكم بالتّواصل والتّباذل ، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف

__________________

(١) انظر ، الغارات : ١ / ٨٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٠١ ، مكارم الأخلاق : ١٥٨.

٤٢٤

والنّهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.

ثمّ قال : يا بني عبد المطّلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا ، تقولون : «قتل أمير المؤمنين». ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي.

انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا بالرّجل ، فإنّي سمعت رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يقول : «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور»(١) .

وأوصى الإمام الحسن : «إنّي اوصيك يا حسن(٢) وكفى بك وصيّا بما أوصاني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا كان ذلك يا بنيّ فالزم بيتك وابك على خطيئتك ، ولا تكن الدّنيا أكبر همّك ، واوصيك يا بنيّ بالصّلاة عند وقتها ، والزّكاة في أهلها عند محلّها ، والصّمت عند الشّبهة ، والإقتصاد ، والعدل في الرّضا والغضب ، وحسن الجوار ، وإكرام الضّيف ، ورحمة المجهود ، وأصحاب البلاء ، وصلة الرّحم ، وحبّ المساكين ومجالستهم ، والتّواضع فإنّه أفضل العبادات ، وقصر الأمل ، وذكر الموت ، والزّهد في الدّنيا فإنّك رهن موت وغرض بلاء وطريح سقم.

وأوصيك بخشية الله تعالى في سرّ أمرك وعلانيتك ، وأنهاك عن التّسرّع بالقول والفعل ، وإذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به ، وإذا عرض شيء من أمر الدّنيا

__________________

(١) انظر ، نهج البلاغة : الرّسالة (٤٧) ، والحديث في مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٤٩ و : ٩ / ١٤٢ ، المعجم الكبير: ١ / ١٠٠ و : ١٢ / ٤٠٣ ح ١٣٤٨٥ و : ١٨ / ١٥٧ ح ٣٤٣ و ٣٤٥ ، البداية في تخريج أحاديث الدّراية : ٢ / ٣٨ ح ٤٩٨ ، نصب الرّاية : ٣ / ٢٢٤ ، السّير الكبير للشّيباني : ١ / ١١٠ و : ٣ / ١٠٢٩ ، تنزيه الأنبياء : ٢١٨ ، وهنالك أحاديث كثيرة تنهى عن المثلة كما جاء في مسند أحمد : ٤ / ٢٤٦ و ٤٤٠ و : ٥ / ١٢ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ١٨٣ ، السّنن الكبرى : ٩ / ٦٩.

(٢) انظر ، المعمّرون والوصايا للسّجستاني : ١٤٩ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٨٥ و ٦١ ، الأمالي للزّجاجي : ١١٢ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٢٥ ، ذخائر العقبى : ١١٦ ، المعارف : ٢ / ١٧٨.

٤٢٥

فتأنّه حتّى تصيب رشدك فيه ، وإيّاك ومواطن التّهمة والمجلس المظنون به السّوء ، فإنّ قرين السّوء يغير جليسه.

وكن لله يا بنيّ عاملا ، وعن الخنا زجورا ، وبالمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، وواخ الإخوان في الله ، وأحبّ الصّالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك ، وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله ، وإيّاك والجلوس في الطّرقات ، ودع المماراة ومجاورة من لا عقل له ولا علم.

واقتصد يا بنيّ في معيشتك ، واقتصد في عبادتك ، وعليك فيها بالأمر الدّائم الّذي تطيقه ، والزم الصّمت وبه تسلم ، وقدّم لنفسك تغنم ، وتعلّم الخير تعلم ، وكن ذاكرا لله تعالى على كلّ حال ، وارحم من أهلك الصّغير ، ووقّر منهم الكبير ، ولا تأكلنّ طعاما حتّى تتصدّق منه قبل أكله ، وعليك بالصّوم فإنّه زكاة البدن ، وجنّة لأهله.

وجاهد نفسك ، واحذر جليسك ، واجتنب عدوّك ، وعليك بمجالس الذكر ، وأكثر من الدّعاء فإنّي لم آلك يا بنيّ نصحا وهذا فراق بيني وبينك.

واوصيك بأخيك محمّد خيرا فإنّه شقيقك ابن أبيك وقد تعلم حبّي له. أمّا أخوك الحسين فإنّه شقيقك وابن امّك وأبيك ، ولا ازيد الوصاة بذلك ، أزيدك وصياته ، والله الخليفة عليكم ، وإيّاه أسأل أن يصلحكم ، وأن يكفّ الطّغاة والبغاة عنكم ، والصّبر الصّبر حتّى يقضي الله الأمر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم(١) .

ـ ثمّ قال للحسن : يا حسن أبصروا ضاربي ، أطعموه من طعامي ، واسقوه من

__________________

(١) انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٤٣٦.

٤٢٦

شرابي»(١) .

الحسنعليه‌السلام

كان يحضر مجلس جدّه النّبيّ فيحفظ الوحي يستمع إلى دعائه : «أللهمّ أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن تولّيت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرّ ما قضيت فإنّك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنّه لا يذل من واليت. تباركت ربّنا وتعاليت»(٢) .

ويستمع إلى نصيحة النّبيّ : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإنّ الشّر ريبة والخير طمأنية»(٣)

كان الحسن جريئا

وكان لا يرى للمال أهميّة سوى ما يردّ به جوع جائع ، أو يكسو به عاريا ، أو يغيث به ملهوفا أو يفي به دين غارم ورفض جميع مباهج الحياة وزهد في نعيمها(٤) . وردّد نصح النّاس فقال : «من لم يؤمن بقضاء الله وقدره خيره

__________________

(١) انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ٦٢٧ ، بتحقّيقنا) ، نور الأبصار للشّبلنجي : ١ / ٤١١ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٤٤ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٢٤٨ ح ١٧٤٦ ، مسند أحمد : ١ / ١٩٩ ح ١٧١٨ ، فتح العزيز : ٣ / ٤٢١ ـ ٤٣٠ و : ٤ / ٢٤٩ ، المغني : ١ / ٨٢١ ، الشّرح الكبير : ١ / ٧٥٧ ، سنن التّرمذي : ٢ / ٣٢٨ ح ٤٦٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٦٣ ح ١٤٢٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٣٧٢ ح ١١٧٨ ، سنن البيهقي : ٢ / ٤٩٨ ، تأريخ بغداد : ١٠ / ٢٨٤ ، تأريخ دمشق : ١٣ / ١٦٤.

(٣) انظر ، صحيح ابن خزيمة : ٤ / ٥٩ ح ٢٣٤٨ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٤٩٨ ح ٧٢٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ١٥ ح ٢١٦ ، المعجم الكبير : ٣ / ٧٦ ح ٢٧١١ و : ٢٢ / ٨١ ح ١٩٧.

(٤) انظر ، حياة الحيوان للدّميري : ١ / ١٦٥ ، حلية الأولياء : ٢ / ٣٧ ، المناقب لابن شهر آشوب : / ٣ ـ

٤٢٧

وشرّه فقد كفر ..»(١) .

ونصح الحكم فقال : «إنّ الحاكم المثالي هو من إذا خاف الله في السّر والعلانية وعدل عند الغضب والرّضا. وقصد في الفقر والغنى. ولم يأخذ الأموال غصبا. ولم يأكلّها إسرافا وتبذيرا»(٢) .

وآمن الحسن بالمساواة. وفي ذات يوم جاءته امرأتان تشكوان فقرهما ، فأعطاهما ، ولكن إحداهما سألته أن يزيدها ، ويفضلها على صاحبتها ، لأنّها هي عربية ، وصاحبتها من الموالي ، فأخذ قبضة من تراب ، ونظر فيه وقال : «إنّي نظرت في كتاب الله فلم أجد فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحق ، ولا أعلم أنّ الله فضل أحدا من النّاس على أحد إلّا بالطّاعة ، والتّقوى»(٣) .

وتنازل عن الإمارة لمعاوية ، وعقد معه صلحا(٤) وكان هذا الصّلح ، ثمّ

__________________

ـ ١٨٠ ، تأريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام الحسن) : ١٤٢ ، سنن البيهقي : ٤ / ٣٣١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٠ ، تأريخ الخلفاء : ٧٣.

(١) انظر ، فقه الإمام الرّضا : ٤٠٨ ، المعجم الكبير : ٢ / ٤٨ ح ٩٠٣.

(٢) انظر ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٧. ونسب القول إلى غير الإمام.

(٣) انظر ، الإمام جعفر بن محمّد الصّادق للجندي : ٣١٣. وقد نسبها إلى الإمام عليّ.

(٤) أنّ الشّريعة الإسلاميّة الإنسانية تقوم على أسّس عديدة ، أهمها ، وأدقّها رعاية المصلحة ، ودفع المفسدة ، لأنّ أحكام الإسلام تبتني بكلامها على هذا الأساس ، وقد يكون في الحادثة ، أو الفعل مصلحة من جهة ، ومفسدة من جهة ثانية ، وعندها لا مفرّ من عملية الموازنة بين رعاية المصلحة ، ودفع المفسدة ، وتقديم الأهم على المهم ، فإن كان درء المفسدة أوجب تجاهلنا المصلحة ، وعقدنا الهدنة ، والمصالحة مع المفسدة إلى أن تحين الفرصة ، وتسنح ، والشّرط الأوّل فيمن يجري عملية الموازنة أن يكون من العارفين الحكماء.

واختلف المؤرّخون اختلافا كثيرا فيمن بدر لطلب الصّلح ، فابن خلدون في تأريخه : ٢ / ١٨٦ ذهب ـ

٤٢٨

استشهاد الحسين بعد ذلك من دعائم الإسلام ، ولو لا هما لما بقي للإسلام اسم.

الحسينعليه‌السلام

وهذا هو الحسين وتلك كلماته الباقية على مرّ الزّمن :

«لا تتكلّف ما لا تطيق. ولا تتعرض لما لا تدرك. ولا تعد بما لا تقدر عليه. ولا تنفق إلّا بقدر ما تستفيد. ولا تطلب من الجزاء إلّا بقدر ما صنعت ، ولا تفرح إلّا بما نلت من طاعة الله تعالى ، ولا تتناول إلّا ما رأيت نفسك أهلا له»(١) .

أقدم على الموت مقدّما نفسه وأولاده وأطفاله وأهل بيته للقتل ، وكان يردّد : «لست أخاف الموت. موت في عزّ خير من حياة في ذلّ»(٢) .

(وارتكب أحد عمّاله جناية توجب التّأديب ، فأمر بتأديبه ، فقال العامل :

قال الله تعالى( وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ) (٣) .

قال الحسين : خلّوا عنه كظمت غيظي.

__________________

ـ إلى أنّ المبادر لذلك هو الإمام الحسن رضى الله عنه ، والكامل لابن الأثير : ٣ / ٢٠٥ ، والفتوح : ٢ / ٢٩٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٩٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٥. مثل ذلك.

أمّا الفريق الآخر فقد ذكر أنّ معاوية هو الّذي طلب وبادر إلى الصّلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمّنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد ، كما ذكر الشّيخ المفيد في الإرشاد : ٢ / ١٣ ، وكشف الغمّة : ١٥٤ ، مقاتل الطّالبيّين : ٧٤ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠٦ ولكنّنا نعتقد أنّ معاوية هو الّذي طلب الصّلح ، وممّا يدل على ذلك خطاب الإمام الحسن رضى الله عنه الّذي ألقاه في المدائن.

جاء فيه : ألا وإنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عزّ ولا نصفه

(١) انظر ، أسرار الحكماء : ٩٠ ، أعيان الحكماء : ١ / ٦٢١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٦٧١ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٢٤ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٨١.

(٣) آل عمران : ١٣٤.

٤٢٩

قال العامل :( وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ ) (١) .

قال الحسين : عفوت عنك.

قال :( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) فأعتقه وأعطاه)(٣) .

وقفته في كربلاء ، وحربه معروفة عند ما قاتل جيوش الأمويّين قتل أمامه ولده وأهل بيته وأصحابه ، ولكنّه استمر يقاتل ، ومثله في هذه المواقف يسلّم ويستسلم ، ولكنّه وقف أمام ثلاثين ألف(٤) كالجراد المنتشر ، ينهزمون بسيفه ، وهو يقول : «لا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم»(٥) .

وفي كربلاء في يوم عاشوراء استشهد كلّ كبير وصغير من أبناء عليّ واستشهد الحسين ، وحمل قاتله الرّأس إلى زوّجته ـ زوّجة القاتل ، قائلا :

ـ جئتك بغني الدّهر هذا رأس الحسين معك في الدّار.

فقالت الزّوجة :

ـ ويّحك. جاء النّاس بالذّهب والفضّة وجئت برأس ابن بنت رسول الله.

والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت(٦) .

__________________

(١) آل عمران : ١٣٤.

(٢) آل عمران : ١٣٤.

(٣) انظر ، شعب الإيمان : ٦ / ٣١٧ ح ٨٣١٧ ، تأريخ دمشق : ٤١ / ٣٨٧ ، الدّر المنثور : ٢ / ٧٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٩٦ ، البداية والنّهاية : ٩ / ١٢٥ ، روضة الواعظين : ١٩٩ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٩٨ ، الإرشاد : ٢ / ١٤٧ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٩١ ، بتحقّيقنا).

(٤) تقدّمت تخريجاته.

(٥) تقدّمت تخريجاته.

(٦) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٣ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٨٠.

٤٣٠

ولقد كانت حركة الحسين عملية استشهاد كلّف الأيّام ضدّ طباعها.

عزّ عليه ـ على الحسين ـ النّصر العاجل وابتغى النّصر الآجل بعد موته ليحيي بذلك قضيّة مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة وقد رفض الحسين إلّا أن يصحب أهله ليشهدوا النّاس على ما يقترفه أعداؤه بما لا يبرّره دين ، ولا وازع من إنسانيّة ، فلا تضيع قضيّة مع دمه المراق في الصّحراء.

وإذا كان الحسين قد هزم في معركة حربيّة أو خسر قضيّة سيّاسيّة ، فلم يعرف التّأريخ هزيمة كان لها من الأثر لصالح المهزومين كما كان لدم الحسين ، فقد قامت ـ بعد وفاته ـ الثّوارات لتدك عرش بني اميّة.

أمّ العواجز

وتمضي صفحات الكتاب مع أهل البيت لتنتهي عند السّيّدة نفيسة الّتي لقّبت بنفسية الدّارين ، ونفيسة العلم ، ونفيسة المصريژين وأمّ العواجز ولأمّ العواجز حديث آخر يطول(١) .

__________________

(١) انظر ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٥٩ ـ ٢٧٦ ، بتحقّيقنا ، فوات الوفيّات : ٢ / ٣١٠ ، وفيّات الأعيان : ٢ / ١٦٩ ، خطط المبارك : ٥ / ١٣٥ ، عمدة الطّالب : ٢٤٩ ، لسان الميزان : ٢ / ٢٠٨ ، المجدي في أنساب الطّالبيين : ١٦ ، الأعلام للزّركلي : ٣ / ٦٧ ، كتاب الشّهاب للقضاعي : ١٣ ، درّر الأصداف في فضل السّادة الأشراف ، لعبد الجواد بن خضر الشّربيني ، المآثر النّفيسة في مناقب السّيّدة نفيسة ، لجمال الدّين محمد الرّومي ، طبعة الحجر : ٤٧.

٤٣١
٤٣٢

في طريق الشّام

القربان :

بعد أن قتل الحسين وقفت سيّدة الطّفّ عند جسده الشّريف ، ثمّ نظرت إلى السّماء ، وقالت :

«اللهمّ تقبل منّا هذا القليل من القربان»(١)

من أي معدن هذه الرّوح الّتي عرفت حقيقة الحسين وعظمته عندها وأبيها عليّ ، وأمّها فاطمة ، وأخيها الحسن ، ولكنّها تعرف أيضا عظمة الدّين ، الله وطاعته ومرضاته؟

أجل ، أنّها تعرف عظمة الحسين ، بل ترى فيه شخص جدّها محمّد ، وقد حاول الأمويون القضاء عليه ، فقدم آل الرّسول الحسين فداء له وأنّه يفدى بكلّ عظيم ، ويضحي في سبيله ، حتّى بالأنبياء والأوصياء فيحاة الحسين عظيمة وغالية ، كحياة جدّه وأبيه ، ولكنّ الدّين أغلى وأثمن ، وقد حاول الأمويون القضاء عليه ، فقدّم آل الرّسول الحسين فداء له.

وتضرعت سيّدة الطّفّ إلى الله سبحانه أن يتقبل هذا القربان القليل ، لأنّها لا

__________________

(١) «زينب الكبرى» للنّقدي عن كتاب «الطّراز المذهّب». (منهقدس‌سره ).

و : ٥٧ و ٩٦ ، الكبريت الأحمر : ٣ / ١٣.

٤٣٣

وأمّ كلثوم(١) ، وعرف عنها أنّها كانت رضوان الله عليها خير أمّ صالحة في رعاية زوّجها وأولادها ، كما عرفت عنها الشّجاعة النّادرة والجرأة العظيمة الّتي ظهرت بعد موقعة كربلاء وموقفها من يزيد.

فلقد خاطرت السّيّدة زينب بحياتها لمّا ذهب أخوها الإمام الشّهيد أبي عبد الله الحسين إلى العراق ، وصاحبته إلى تلك البلاد واشتغلت بتضميد الجرحى ، والسّهر عليهم ، وإعانة أهل من قتل من جيش أخيها ، وجاهدت في سبيل الله حقّ الجهاد إلى أن استشهد الحسين وكثير من أهل بيته ، فحزنت ، لكنّها صبرت صبر أيوب ، وأخذت تخاطب الظّالمين ، والقتلة الكافرين بأعنف وأغلظ الأقوال قائلة : ماذا تقولون إذا قال النّبيّ لكم وطالبكم بدم أخي الحسين؟

وماذا يكون الجواب إذا سألكم جدّي رسول الله عن رحمه وضياع حقّ آل بيت النّبوّة على يد يزيد قبّحه الله.

وكانت رضي الله عنها عنيفة في قولها لابن زياد ممّا جعل بعض الكافرين من أصحاب ابن زياد والموالين ليزيد أن يهجم على خبائها ويقتل الإمام عليّ زين العابدين ابن أخيها الحسين والّذي أبقى به الله نسل النّبوّة إلى يومنا هذا وحتّى قيام السّاعة ، فصرخت في وجهه صرخة شديدة قائلة :

والله لا يقتل حتّى أقتل قبله فألقى الله في قلب ذلك الغادر الرّعب ، وسقط السّيف من يده ولم يتعرض لهما بسوء ورجع خاسرا(٢) .

بعد ذلك رحلت ومن معها من السّادة الأطهار إلى الشّام ، ولمّا مثلت في

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

٤٣٤

مجلس يزيد وظهر عليه الحقد وما أبداه من الشّماتة وما تفوّه به من ألفاظ ، قالت له السّيّدة زينب : صدق الله يا يزيد :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) (١) أظننت أننا غلبنا وسقنا كالأسارى هوانا من الله لنا ، وأنت جذل فرح حين رأيت الدّنيا مستوثقة لك ، فالله أكبر وأملك :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ) (٢)

ثمّ رحلت بعد ذلك إلى المدينة ، ثمّ إلى القاهرة ، إلى أن توفّيت سنة (٦٢) ودفنت في مسجدها المعروف(٣) .

حسين البتنوني

__________________

(١) الرّوم : ١٠.

(٢) آل عمران : ١٧٨. انظر ، أخبار الزّينبيّات : ٨٦ ، بلاغات النّساء : ٢١ ، الحدائق الوردية : ١ / ١٢٩ ، الإحتجاج : ٢ / ٣٧ ، أعلام النّساء : ٢ / ٥٠٤ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٦٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٧٩ ، العوالم : ٢٠٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٦٠.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

٤٣٥
٤٣٦

كتاب للإمام جعفر الصّادق

في ألف صفحة

أنّ جابر بن حيّان الّذي اعترفت أوربا أنّ الكيمياء هي صنعة جابر ، حتّى أطلقوا عليها اسم «كيمياء جابر» هذا العبقري الّذي أسّس علم الكيمياء ونظريّاته الحديثة ينسب كلّ مواهبه العلميّة إلى التّعاليم المحمّديّة ، وله نظريّة تربط بين الدّين والعلم ، ويقول المستشرق الأوربي «كراوس» في دائرة المعارف عن نظرية جابر بن حيّان الّتي يربط بها بين الدّين والعلم وحتميّة ذلك فيقول : «يربط جابر بين نظريّات العلم الطّبيعي وعلم الأديان ويسمّي أستاذه جعفر الصّادق معدن الحكمة»

وكان النّاس في بغداد أيّام العبّاسيّين يهرعون إلى جعفر الصّادق ليتفقهوا في الدّين وفي علوم الإسلام وكان جابر بن حيّان ينسب كلّ معارفه في علم الكيمياء إلى الإلهام المحمّدي ، فيقول عن ذلك وهو يتحدّث عن كتبه العلميّة :

«تأخذ من كتبي علم النّبيّ وعليّ وسيّدي «جعفر الصّادق» وما بينهم من أولاد»

وجعفر الصّادق حفيد رسول الله كان من علماء الكيمياء ، وله كتاب في هذا العلم يقع في ألف صفحة كما تقول دائرة المعارف.

٤٣٧

أي أنّ جابر بن حيّان عبقري الكيمياء في التّأريخ البشري كلّه والّذي أسقط نظريّة «ارسطو» في تكوين «الفلزّات» ، ينسب هذا العلم الخطير إلى الإلهام المحمّدي

وهو يرى أنّ مزج علوم الدّين بعلوم الدّنيا يجعل الإنسان متوحدا في مسيرته الكونيّة ولا مفرّ من ذلك ، لأنّ العلم في يد الجهّال ، كما يقول جابر بن حيّان ، فيه خراب العالم والجهّال هم الكفرة!!.

وروح الحضارة الإسلاميّة تتبلور في شعار الأمل أمام الباحث في العلوم.

وجابر بن حيّان ينصح تلاميذه وهم من العلماء أيضا بأنّ الأمل هو طريق العلم وكان يردّد هذه الآية :

( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) (١) .

وكان جابر بن حيّان يعتقد أنّ الوحي مستمر بعد رسول الله ، لكن في الخفاء ، ويأتي هذا الوحي بالعلوم إلى الأئمّة ، ومنهم إلى الرّعيّة.

عليّ الدّالي

__________________

(١) يوسف : ٨٧.

٤٣٨

معنى الإحتفال بمولد السّيّدة

المثال لعظمة الفداء وسيّادة الحبّ

والدّاعية إلى وحدة الصّفوف(١)

تحتفل مصر الآن بمولد السّيّدة الطّاهرة زينب ابنة الإمام عليّ رضي الله عنهما ، وحفيدة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من ابنتة فاطمة الزّهراء أنّ مئات الألوف من النّاس يفدون إلى الحي الزّينبي للمشاركة في هذا الإحتفال. يقودهم إليه حبّ النّبيّ وعترته فالسّيّدة زينب بضعة منه وعطر من سيرته وقبس من نوره وهم يعلمون جميعا أنّ الأحجار ، والأعتاب ، والأضرحة لا تنفع أحدا ولا تعطي شيئا ولكنّهم يعودون جميعا ومعهم فضل من دعاء صالح وقبضة من أثر دعوة النّبيّ الباقية الخالدة إلى الحبّ وليس إلى البغض وإلى السّلام وليس إلى الخصام وإلى الوحدة وليس إلى الفرقة دعوته إلى طهارة القلب وأمانة الإيمان وسماحة الإسلام

كانت أسرة الرّسول في مكّة ـ قبل بعثتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ جديرة بأن تطوقها السّعادة ،

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢٥ / ٧ / ١٩٧٢ م). (منهقدس‌سره ).

٤٣٩

وأن ترفرف عليها السّكينة ، وأن تتجافاها الهموم ، وأن يتطامن لها الزّمن ، فقد كان الزّوجان صالحين ، قد غنيا بتجارة رابحة ، وهما يتفيآن ظلال بيت الله ، ويحلّان من قريش سدنة البيت في أرفع محل ومكّة حافلة بكلّ عجيب من السّلع والرّفاهات ، والأخبار

ولكنّ الله الّذي رزق محمّدا وخديجة طفليهما القاسم وعبد الله يستردهما إليه في سنّي الطّفولة ، بعد أن ملأ البيت سرورا وحبورا ، في مجتمع كان الفتيان فيه يشغلون مكان الطّلائع ، فماذا كان يعني ذلك بالنّسبة للزّوجين السّعيدين المتوافقين؟ ما ذا كان يعني أن يذهب الأبناء دائما ـ حتّى فيما بعد عند ما جاء مع الشّبيه إبراهيم ـ وأن يبقى البنات الوديعات البارّات؟.

أليس هذا السّؤال ممّا يرد بالبال ترى لو أنّ الله كان قد أطال في أعمار القاسم ، وإبراهيم حتّى غدوا «رجالا» يشاركون بعد أبيهم في السّعي ، وفي الرّأي ، وفي الجهاد عن الدّين والجماعة ، أما كان تأريخ المسلمين في أهم منعطفاته قد تغيير إلى قرون طويلة؟.

سؤال هل سأله أحد؟ وهل أجاب عنه أحد؟ وهل وصل إلى حكمته أحد؟. وإذا كنّا نسأله لأنفسنا اليوم ـ تفكيرا بصوت مسموع ـ ونحن نكتب بمناسبة مولد السّيّدة الطّاهرة المطهّرة «زينب» إحدى شهيرات أسباط الرّسول أفلا يقودنا هذا إلى تلمس الحكمة ـ إن إستطعنا ـ في أن تكون سبطية أسباط الرّسول ـ على غير المألوف ـ من طريق بناته ، وليس من طريق أبنائه؟ ألم يكن هذا بنفسه مطعنا لبعض المشركين عليه ، ولبعض المستشرقين والحاقدين أيضا؟ فلما ذا لا يكون ذلك لحكمة ، وكرامة ، ورحمة أرادها الله

٤٤٠