الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء0%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528
المشاهدات: 64204
تحميل: 3635

توضيحات:

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64204 / تحميل: 3635
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: 964-465-169-3
العربية

وهو على هذه الحال ، فأنكر عليه أشدّ الإنكار بعد أن علم أنّ الرّأس هو رأس الحسين ، وقال له فيما قال : هل سمعت يا يزيد! حديث كنسية الحافر؟

قال : وما هيّ؟.

قال الرّومي : عندنا مكان يقال بأنّ حمار عيسىعليه‌السلام مرّ به ، فبنينا فيه كنيسة الحافر(١) نسبة إلى حافر حمار عيسىعليه‌السلام ، ونحن نحجّ إلى المكان في كلّ عام ، ومن كلّ قطر ، ونهدي إليه النّذور ، ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، فأشهد أنّك على باطل ، فأمر يزيد بقتل الرّسول. فقام الرّومي إلى الرّأس فقبّله وتشهد الشّهادتين ، ثمّ أخذ ، وصلب على باب القصر!(٢) .

وقال الأستاذ العقّاد في كتاب «أبو الشّهداء» ، تحت عنوان الحرم المقدّس : «عرفت قديما باسم كور بابل ثمّ صحفّت إلى كربلاء ، فجعلها التّصحيف عرضة لتصحيف آخر يجمع بين الكرب والبلاء ، كما وسمها بعض الشّعراء.

ولم يكن لها ما تذكر به في أقرب جيرة لها فضلا عن أرجاء الدّنيا البعيدة منها فليس لها من موقعها ، ولا من تربتها ، ولا من حوادثها ما يغري أحدا

__________________

(١) بين عمّان والصّين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلّا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها. ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النّصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون إنّ هذا حافر حمار كان يركبه عيسى ، وقد زينوا حول الحقّة بالذّهب والدّيباج ، يقصدها في كلّ عام عالم من النّصارى ، ويطوفون حولها ، ويقبّلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني : ٨٠ ، نهج الإيمان لابن جبر : ٦١٠ ، الصّواعق المحرقة : ١١٩ ، مثير الأحزان : ٨٢ ، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : ٢٢٩ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١١١.

٨١

برؤيتها ، ثمّ يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها.

فلعلّ الزّمن كان خليقا أن يعبر بها سنة بعد سنة ، وعصرا بعد عصر دون أن يسمع لها اسم ، أو يحس لها بوجود وشاءت مصادفة من المصادفات أن يساق إليها ركب الحسين بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة أخرى ، فاقترن تأريخها منذ ذلك اليوم بتأريخ الإسلام كلّه. ومن حقّه أن يقترن بتأريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة تستحق بها التّنويه والتّخليد.

فهيّ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذّكرى ، ويزوره غير المسلمين للنّظر والمشاهدة ، ولكنّها لو أعطيت حقّها من التّنويه والتّخليد ، لحقّ لها أن تصبح مزارا لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة ، وحظّا من الفضيلة ، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك الّتي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها»(١) .

هذه شهادة حقّ من خبير منصف ، لقد اقترن تأريخ كربلاء بتأريخ الإسلام كلّه ، فما من كتاب في تأريخ العرب والمسلمين إلّا ولكربلاء منه الحظّ الأوفر ، كما ظهر أثرها في كتّاب الغرب ، ودواوين الشّعراء ، وما ذكرت على لسان ، أو في كتاب إلّا بالإكبار والتّعظيم ، ولو لا الحسين لم تكن شيئا مذكورا :

ما روضة إلّا تمنّت أنّها

لك مضجع ولخطّ قبرك موضع(٢)

__________________

(١) انظر ، كتاب «أبو الشّهداء الحسين بن عليّ» : ١١٢ ، طبعة القاهرة.

(٢) انظر ، معجم الأدباء لياقوت الحموي : ١١ / ١١٠.

٨٢

من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام (١)

__________________

(١) سمي زين العابدين لكثرة عبادته وهو الإمام الرّابع عليّ مذهب الإماميّة.

انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠٠ ، تهذيب التّهذيب للعسقلاني : ٧ / ٣٠٦ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤. ولد الإمام زين العابدين عليه‌السلام بالمدينة الشّريفة يوم الخميس خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين في أيّاما جدّه عليّ بن أبي طالب قبل وفاته بسنتين (انظر ، أخبار الدّول : ١٠٩ ، مطالب السّؤول : ٢ / ٤١ ، تأريخ الأئمّة لابن أبي ثلج : ٤).

وكنيته المشهورة : أبو الحسن ، وقيل : أبو محمّد ، وقيل : أبو بكر (انظر ، بحر الأنساب : ٥٢ ، صبح الأعش : ١ / ٤٥٢ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ٢٧٧ ، بتحقّيقنا).

وألقابه كثيرة : أشهرها زين العابدين ، وسيّد العابدين ، والزّكي ، والأمين وذو الثّفثات (انظر ، ذخائر العقبى : ١٥١ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٦).

وصفته : أصفر قصير نحيف (انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٨٠ ، بتحقيقنا).

توفّي عليّ زين العابدين عليه‌السلام في ثاني عشر المحرّم (انظر ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، تأريخ الملوك للقرماني : ١١١) سنة أربع وتسعين من الهجرة ، وكان عمره إذ ذاك سبعا وخمسين سنة (انظر ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٥ ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، الصّواعق المحرقة لابن حجر : ١٢٠).

وله خمسة عشر ولدا (انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠١ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٨٦ ، النّجوم الزّاهرة : ١ / ٢٠٢). ما بين ذكر وأنثى ، أحد عشر ذكرا ، وأربع إناث ، وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الملقّب بالباقر ، أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ عمّ عليّ زين العابدين ، وزيد ، وعمر ، أمّهما أمّ ولد ، وعبد الله ، والحسن والحسين أمّها أمّ ولد ، والحسين الأصغر ، وعبد الرّحمن ، وسلمان أمّهم أمّ ولد. وعليّ وكان أصغر ولد عليّ بن الحسين ، وخديجة ، أمّهما أمّ ولد ، وفاطمة ، وعليّة ، وأمّ كلثوم ، أمّهن أمّ ولد.

٨٣

كان من أخلاق زين العابدين ، وما أخلاقه إلّا أخلاق أبيه الحسين ، وما أخلاق الحسين إلّا أخلاق أبيه عليّ ، وما أخلاق عليّ إلّا أخلاق ابن عمّه محمّد ، وما أخلاق محمّد إلّا أخلاق القرآن الّتي عبّر عنها الرّسول بقوله : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(١) . والّتي شهد الله بها لرسوله في محكم كتابه العزيز( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وكلّ واحد من أئمّة أهل البيت على خلق جدّه النّبيّ المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كان من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الإحسان لمن أساء إليه ؛ فقد روي أنّه كان له ابن عمّ يؤذيه ، فكان يأتيه الإمام ليلا ، ويعطيه الدّنانير ، وهو متستّر ، فيقول له : لكن عليّ بن الحسين لا يصلني ، لا جزاه الله خيرا ، فيسمع الإمام ذلك ويصبر ، فلمّا مات انقطعت عنه الدّنانير ، فعلم أنّ الّذي كان يعطيه ويصله هو الإمام زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

__________________

ـ فهولاء أولاده رضي الله عنهم أجمعين.

وفي بغية الطّالب : أن أولاد عليّ زين العابدين الذّكور عشرة فقط. والله أعلم (انظر ، بغية الطّالب في ذكر أولاد عليّ بن أبي طالب ، السّيّد محمّد بن طاهر بن حسين بن أبي الغيث الحسيني المعروف بابن بحر اليمني المتوفّى عام (١٠٨٦ ه‍). مخطوط ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٥٥ ، تأريخ أهل البيت : : ١٠٣ نقلا عن تأريخ ابن الخشّاب : ١٨٠ هامش رقم ٣٥ ، كشف الغمّة : ٢ / ٨١ ، تذكرة الخواصّ : ٣٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢١١).

(١) انظر ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٢١ ، السّنن الكبرى : ١٠ / ١٩٢ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٤٧٠ ، نظم درّر السّمطين : ٤٢ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٢٠ ح ٣١٩٦٩ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٢٠٩ ، كشف الخفاء : ١ / ٢١١ ح ٦٣٨ ، مكارم الأخلاق للطّبرسي : ٨ ، مكارم الأخلاق لابن أبي الدّنيا : ٦ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٩٢ ح ١١٦٤ ، تكملة حاشية ردّ المحتار : ١ / ٢٣٤.

(٢) القلم : ٤.

(٣) انظر ، تأريخ مختصر دمشق : ١٧ / ٢٤٠ و ٢٣٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٥٧ و ١٦٢ ، سير ـ

٨٤

وكان هشام بن إسماعيل(١) واليا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ، وكان أيّام ولايته يتعمّد الإساءة إلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ولمّا حكم الوليد بعد والده عبد الملك عزل هشاما ، وأمر أن يوقف في طريق عام ، ويعرض للنّاس ، كي يقتص منه كلّ من أساء إليه أيّام ولايته ، فكان الّذين يمرون به من الّذين ظلمهم ، وأساء إليهم يشتمونه ، ويضربونه ، ويطالبونه بردّ ظلامتهم ، وكان أخوف ما يخاف من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لكثرة ما أساء إليه.

ولكنّ الإمامعليه‌السلام جمع أهله وخاصّته ، وأوصاهم أن لا يتعرض له أحد منهم بما يكره ، وكان يمر به فيسلم عليه ، ويلطف به ، ويقول له : انظر ، إلى ما أعجزك من مال تطالب به ، فعندنا ما يسعدك فطب نفسا منّا ومن كلّ من يطيعنا(٢) . فقال هشام :( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) (٣) .

وبعد مذبحة كربلاء ثار أهل المدينة على الأمويّين وطردهم منها ، وأراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله وأولاده ، ويأمن عليهم عند من يحميهم من القتل ، والتّشريد ، فلم يقبلهم أحد ، فضمّهم الإمام زين العابدين إلى عياله ، وحماهم بكنفه ، وأحسن إليهم ، ودافع عنهم ، ولم يدع أحدا يصل إليهم بسوء(٤) .

__________________

ـ أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٩٧ ، الطّبقات الكبرى : ٢١٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٧٥.

(١) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٧ / ٣٠٦ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧١ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤.

(٢) انظر ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ٣٢٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣١٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٥٢٦ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٣٣ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢٢٠.

(٣) الأنعام : ١٢٤.

(٤) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٥٤ ، تهذيب الكمال : ٣ / ٤٥٤ ، كانت وقعة الحرّة سنة (٦٣ ه‍).

٨٥

والحكم والد مروان كان يؤذي الرّسول في مكّة ، ويستهزيء به ، ويخبر عنه المشركين ، وقد عفا النّبيّ عنه فيمن عفا من الأمويّين يوم الفتح(١) . وابنه مروان قاد الجيوش يوم الجمل(٢) مع عائشة ، وطلحة ، والزّبير لحرب أمير المؤمنين عليّ ، وعفا عنه بعد أن وقع أسيرا في قبضته ، فتركه لينضم إلى معاوية يحارب

__________________

(١) انظر ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ٢٣ ، السّيرة النّبويّة : ٢ / ٨٢ ، طبعة ٢ مصر ، شرح النّهج : ١ / ٦٦ و ٢٣٣ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٣٧ و : ٣٤٥ ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٦٥ و ٧٣ ، الطّبريّ : ٥ / ٨٠ و ٩٤ ، مسند أحمد : ٥ / ١٥٥ و ١٦٦ ، و : ٦ / ٤٥٧ ، كنز العمّال : ٦ / ١٧٠ ، العقد الفريد : ٣ / ٩١ ، المعارف لابن قتيبة : ٨٤ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٦٨ ، الإصابة : ٣ / ٦١٩ ، سنن البيهقيّ : ٨ / ٦١ ، الطّبقات لابن سعد : ٥ / ٨ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٢٨ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٨٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٣٤ ـ ٣٨.

(٢) ذكر قصّة الجمل ، وكلاب الحوأب ، الطّبري في تأريخه : ٣ / ٤٧٥ ، واسم جمل أمّ المؤمنين يسمّى «عسكرا» وكان عظيم الخلق شديدا ، فلمّا رأته أعجبها ، وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته ، وشدّته ، ويقول في أثناء كلامه «عسكر» فلمّا سمعت هذه اللّفظة استرجعت ، وقالت : ردّوه لا حاجة لي فيه ، وذكرت حين سئلت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر لها هذا الاسم ، ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره ، فلم يوجد لها ما يشبهه فغيّر لها بجلال غير جلاله ، وقيل لها : قد أصبنا لك أعظم منه خلقا ، وأشدّ منه قوّة ، واتيت به فرضيت!

انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٢٢٤ ، وفي : ٦ / ٢٢٧ (أنّ عائشة ركبت يوم الحرب الجمل المسمّى عسكرا في هودج قد البس الرّفوف ، ثمّ البس جلود النّمر ، ثمّ البس فوق ذلك دروع الحديد) ، في تأريخ ابن أعثم : ١٧٦ مثله ، وزاد الطّبريّ في تأريخه : ٥ / ٢١٢ ، وابن الأثير : ٣ / ٩٧ أنّ ضبّة ، والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل. وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل يفتّونه ـ يكسرونه بأصابعهم ـ ويشمّونه ويقولون : بعر جمل امّنا ريحه ريح المسك

مروج الذّهب : ٢ / ٣٦٦ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٧٨ ، وطبعة اوروبا : ١ / ٣١٢٧ ، ابن كثير في تأريخه : ٦ / ٢١٢ ، السّيوطي في خصائصه : ٢ / ١٣٧ ، والبيهقيّ ، والمستدرك : ٣ / ١١٩ ، والإصابة : ٦٢ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، مسند أحمد : ٦ / ٩٧ ، السّمعاني في ترجمة الحوأب في الأنساب ، والسّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، ومنتخب الكنز : ٥ / ٤٤٤.

٨٦

عليّا في صفّين(١) ، وبعد أن استتب الأمر لمعاوية ، ونصّب مروان واليا على المدينة جعل مروان يؤذي الإمام الحسن ، ويجرّعه الغيظ(٢) ، ثمّ كانت مجزرة الطّفّ ، وظهرت مخازي الأمويّين في أبشع صورها.

وبعد هذا كلّه لا يصفح الإمام زين العابدين عن أسواء اميّة ، ويتجاهلها فحسب ، بل أحسن إليهم ، وحمى لهم العيال والأطفال ، وضمّهم إلى أهله وأولاده ، ودفع عنهم السّوء والأذي ، هذا بعد أن ذبح الأمويون أخاه الرّضيع(٣) ، وأوطأوا الخيل صدر أبيه وظهره(٤) ، وأسروا الإمام زين العابدين مع عمّاته مكبّلا بالحديد ، وهو لما به من الأسقام والآلآم(٥) .

ويعجب كلّ من عرف هذه الحقيقة ، ويتساءل في حيرة وذهول : كيف فعل الإمام زين العابدين هذا الفعل مع من وقف ذاك الموقف معه ، ومع جدّه ، وأبيه ، وعمّه ، واخوته ، ونسائه؟! وهل هذا حلم وعقل ، أو إنسانيّة ورحمة؟!.

__________________

(١) انظر ، الاسيعاب : ٦٤ ـ ٦٧ ، وقعة صفّين : ٤٦٢ طبعة ٢ سنة ١٣٨٢ ه‍ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦١ و : ٢ / ٣٠١ ، تهذيب ابن عساكر : ٣ / ٢٢٠ ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٨٠ ، و : ٤ / ٢٠ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٤١ ، تأريخ دمشق : ٣ / ٢٢٢ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣٧١ ، مروج الذّهب بهامش ابن الأثير : ٦ / ٩٣ ، الجمهرة : ٢٢٨ و ٣٩١ ، اسد الغابة : ٣ / ٣٤٠ ، و : ١ / ١٨٠ ، ابن الأثير : ٣ / ١٥٣.

(٢) انظر ، المقاتل : ٤٣ ، أنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١١ و ١٧ : تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة الصّواعق المحرقة : ٨١ ، مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، وأسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، ابن شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢.

(٣) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، المعارف : ٢١٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٣٦٢ ، مقاتل الطّالبيين : ٩٤ ، الأغاني : ١٤ / ١٦٣ ، المسعودي في ينابيعه : ٣ / ٧٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٢.

(٤) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣١٤ ، والكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٤.

(٥) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، مقتل الخوارزمي : ٢ / ٦١.

٨٧

والجواب : أنّ هذا سمو وترفع عن كلّ ما في هذه الحياة. سمو عن طبائع البشر ، وانفعالات النّاس. وعمّا يشترك فيه أنا ، وأنت ، وغيرنا. أنّ هذا من صنع الإمامة ، والعصمة لا من صنعي وصنعك ، ولا من صنع الّذين يخطبون ويعظون.

لقد عفا محمّد عن أبي سفيان ، وزوّجته هند ، وعن وحشي وغيرهم ، عفا عنهم ، لأنّه مختار من الله لا من النّاس ، وعفا عليّ عن مروان وابن العاصّ ، لأنّه إمام بإرادة السّماء لا بإنتخاب أهل الأرض ، وفعل زين العابدين ما فعل ، لأنّه الإمام ابن الإمام أبي الأئمّة الأطهار القائمين بحجّة الله على جميع خلقه.

فلا بدع إذن أن يحسن الإمام زين العابدين لمن أساء إليه ، ولا عجب أن يفعل الأمويون ما فعلوا ، وإنّما العجب أن لا يحسن الإمام لمن أساء إليه ، وأن لا يسيء الأمويون إلى من أحسن إليهم ، وإلى النّاس أجمعين(١) ، وهذا هو جواب الشّاعر الّذي قال(٢) :

وعليك خزي يا اميّة دائم

يبقى كما في النّار دام بقاك

فلقد حملت من الآثام جهالة

ما عنه ضاق لمن وعاك وعاك

__________________

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢. فهذا أبو سفيان أشدّ عداوة لرّسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في محاربته ، وغزواته تشهد بذلك ، وإنّما أسلم على يد العبّاس الّذي منع النّاس من قتله ، وجاء به رديفا ، شرّفه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرّمه فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليّاعليه‌السلام ، وسمّوا الحسنعليه‌السلام ، وقتلوا الحسينعليه‌السلام ، وحملوا النّساء على الأقتاب حواسرا ، وقيّدوا بالحديد زين العابدينعليه‌السلام الّذي لمّا أوقفوه على مدرج جامع دمشق في محلّ عرض السّبايا.

(٢) انظر ، الدّر النّضيد : ٢٤٠ ، الغدير : ٦ / ٥٨١ ، القصيدة للشّيخ عليّ الشّفهيني الحلّي.

٨٨

هلّا صفحت عن الحسين ورهطه

صفح الوصي أبيه عن آباك؟

وعففّت يوم الطّفّ عفّة جدّه ال

مبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟

أفهل يد سلبت إماءك مثلما

سلبت كريمات الحسين يداك؟

أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا

كنسائه يوم الطّفوف نساك؟

٨٩
٩٠

حبّ الله والرّسول

( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) (١)

أنّ هذه الآية الكريمة نصّ صريح في صفات عمر بن سعد ، حتّى كأنّها نزلت فيه بالذّات. فلقد دعاه الحسين إلى أن يكون معه ، ويدع ابن زياد ، فقال ابن سعد : أخاف أن تهدم داري. وهذا مصداق قوله تعالى :( وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها ) : قال الحسين : أنا أبنيها لك.

قال ابن سعد : أخاف أن تؤخذ ضيعتي. وهذا ما دلّ عليه قوله سبحانه :( وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها ) .

قال الحسين : أنا أخلف عليك خيرا منها.

قال ابن سعد : أنّ لي بالكوفة عيالا أخاف عليهم ابن زياد. وهذا ما أشار إليه قولهعزوجل :( وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) التّوبة : ٢٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣١٢ و : ٤ / ٣٤١ ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٣ / ٢٨٣ و : ٤ / ٥٥٤ ، ـ

٩١

هذا هو مبدأ ابن سعد الّذي عليه يموت ويحيا : ضيعته ، وداره ، وأهله ، وعشيرته ، أمّا الدّين والضّمير ، أمّا الله ورسوله فألفاظ يجترها ما دامت تحفظ له الضّيعة والدّار ، والأبناء والأقارب. حارب ابن سعد حسينا بدافع المنفعة الشّخصيّة ، وحبّ الدّنيا ، وكلّ من آثر المال والأهل على طاعة الله ، والرّسول فإنّه على مبدأ ابن سعد ودينه ، وإن بكى على الحسين حتّى ابيّضت عيناه ، ولعن ابن سعد في اليوم ألف مرّة ، ما دام لا يفعل إلّا بنفس الباعث الّذي بعث ابن سعد على قتل الحسين.

قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والّذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وأبويه ، وأهله وولده ، والنّاس أجمعين»(١) .

وإذا عطفنا هذا الحديث الشّريف على الحديث الّذي رواه السّنّة والشّيعة :

__________________

ـ الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٤ / ٥٥٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ١٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٥ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٩.

(١) انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ٩ ، مسند أحمد : ٣ / ٢٠٧ و ٢٧٥ و ٢٧٨ ، مغني المحتاج لمحمّد بن الشّربيني : ٤ / ٢٢٢ ، صحيح مسلم : ١ / ٤٩ ، شرح صحيح مسلم : ٢ / ١٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٢٦ ، كشف القناع للبهوتي : ٥ / ٣٠ : الدّيباج على مسلم : ١ / ٦٠ ، منتخب مسند عبد بن حميد : ٣٥٥ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٥٣٤ و : ٧ / ٤٨١ ح ١١٧٤٤ و ١١٧٤٦ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ و : ٦ / ٢٣ ، صحيح ابن حبّان : ١ / ٤٠٦ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٣٥٥ ، مسند الشّاميّين : ٤ / ١٤ ح ٢٥٩٣ وص : ٩٢ ح ٣٣٣٨ ، كتاب الأربعون الصّغرى للبيهقي : ٨٥ ، كنز العمّال : ١ / ٣٧ ح ٧٠ و ٧١ وص : ٤١ ح ٩١ ، و : ١٢ / ١٨٣ ح ٣٤٥٨١ و ٣٤٥٨٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٦ / ٥٧١ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عيّاض : ١٨ ، سبل الهدى والرّشاد : ١٠ / ٤٧٦ و : ١١ / ٤٣٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٠٧ ، الإيمان لابن مندة : ١ / ٤٣٥ ، شعب الإيمان : ٢ / ١٣٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ١٥٣ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ ، السّنن الكبرى : ٧ / ٤٨١ و : ١٠ / ٣١٩ ، مسند أبي عوانة : ١ / ٣٣.

٩٢

«حسين منّي ، وأنا من حسين»(١) ، تكون النّتيجة الطّبيعيّة أنّ العبد لا يؤمن حتّى يكون الحسين أحبّ إليه من نفسه ر ، وأبويه وأهله ، وولده ، والنّاس أجمعين.

وقد وجد بين المسلمين من الرّجال ، والنّساء من أحبّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحبّ ، وفدوه بالأرواح ، والأولاد ، فلقد فرّ النّاس عنه يوم أحد ، وثبت معه الإمام عليّعليه‌السلام وأبو دجانة(٢) ، وسهل بن حنيف ، وعاصم بن ثابت ، ونسيبة بنت كعب المازنيّة ، وكانوا يتلقون الضّرب ، والطّعن عن الرّسول(٣) . وكانت نسيبة تخرج معه في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها مع من كان في أحد فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فقالت له : يا بني أين تفرّ عن الله ، والرّسول؟! فردّته وحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيفه ، وقتلت به قاتله ، فقال لها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بارك الله فيك يا نسيبة» ، وكانت تقي الرّسول بصدرها ، وثدييها حتّى أصابتها جراحات كثيرة(٤) .

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، الكافي : ٨ / ٣١٩ ح ٥٠٢ ، تحف العقول : ٣٤٥ ، شرح الأخبار : ٢ / ٤٧٣. وانظر ، ترجمته في سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢٤٣ رقم «٣٩» ، اسد الغابة : ٢ / ٣٥٢.

(٣) انظر ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٢ / ١٠٨ و ١٤٨ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٢٧ ، تأريخ الطّبريّ :٢ / ٢٠٣ ، الدّر المنثور : ٢ / ٨٠ و ٨٨ و ٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٠ و ٢٢ و ٢٤ و ٢٥ ، و : ١٣ / ٢٩٣ ، و : ١٤ / ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٤ / ٢٨ و ٢٩ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٣ / ٥٥ و ٥٨ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٤ / ٨٥ ، لباب الآداب : ١٧٩ ، تفسير الرّازي : ٩ / ٥٠ و ٦٧ ، كنز العمّال : ٢ / ٢٤٢ ، و : ١٠ / ٢٦٨ و ٢٦٩ ، حياة الصّحابة : ١ / ٢٧٢ ، و : ٣ / ٤٩٧ ، المغازي للواقدي : ٢ / ٦٠٩ و ٩٩٠ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٥٥ ، و : ٢ / ٤٦ و ٤٧ الطّبعة الأولى ، تأريخ الخميس : ١ / ٤١٣ و ٤٣١ طبعة آخر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٧ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١١٢.

(٤) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٤١٢ ، اسد الغابة : ١ / ٣٧٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٣١٨ ، تهذيب التّهذيب : ١٢ / ٤٢٢ ، الإصابة : ٨ / ٤٤١ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٦٥.

٩٣

وتجمّع النّاس مع الحسين ، وهو سائر في طريقه إلى العراق ، ولمّا جدّ الجدّ تفرقوا عنه ، كما تفرقوا عن جدّه من قبل ، ولم يبق معه إلّا صفوة الصّفوة من الّذين أحبّوا الله ، والرّسول وآله ، وآثروا الموت من أجلهم على الأهل والمال ، قال عابس بن أبي شبيب :

(«يا أبا عبد الله ، أما والله أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ، ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضّيم ، والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت(١) . السّلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هديك ، وهدي أبيك ، ثمّ مشى بالسّيف إلى المعركة».

فرآه رجل من جيش ابن سعد ، وكان قد شاهده في المغازي ، والحروب ، فنادى بأصحابه : «أيّها النّاس هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب فلا يبرز إليه أحد» ، فأخذ شبيب ينادي : ألا رجل ألا رجل ، فتحاماه العسكر ، فنادى ابن سعد : ارضخوه بالحجارة ، فرموه بها من كلّ جانب ، فالقى درعه ومغفره ، وشدّ عليهم ، فكان يطرد أمامه أكثر من مئتين»)(٢) .

وما أشبه موقف أمّ وهب في كربلاء بموقف نسيبة في أحد ، قالت لابنها

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

٩٤

وهب : «قم يا بني! وانصر ابن بنت رسول الله. قال : أفعل يا أمّاه ، ولا أقصّر»(١) . وحمل على جيش الأعداء ، حتّى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمّه وامرأته ، وقال : يا أمّاه أرضيت؟

فقالت : كلّا ، إلّا أن تقتل بين يدي الحسين.

فقالت له امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.

فقالت أمّه : لا تقبل منها ، ارجع وقاتل ، فيكون رسول الله شفيعا لك يوم القيامة(٢) ، فرجع ، وهو يقول :

إنّي زعيم لك أم وهب

بالطّعن فيهم تارة والضّرب

إنّي امرء ذو مرّة وعصب

ولست بالخوار عند النّكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

ولم يزل حتّى قتل تسعة عشر فارسا ، وإثني عشر راجلا ، ثمّ قطعت يداه ، فأخذت أمّه عمودا ، وأقبلت نحوه ، وهي تقول : «فداك أبي وأمّي قاتل دون الطّيبين حرم الرّسول» ، وأراد أن يردّها إلى النّساء ، فأخذت بجانب ثوبه ، وقالت : لن أعود أموت معك. فقال لها الحسين :

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ و ٤٣٦ و ٤٣٨ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٦٠٢ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٧ ، العوالم : ٢٦٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٦٣ و ١٣٠ ، أمالي الشّيخ الصّدوق : ٣٢٥ ، روضة الواعظين : ١٨٧ ، لواعج الأشجان : ١٤٤.

(٢) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ١٢ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣١ ، العوالم : ٣٣٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، لواعج الأشجان : ١٣٨.

٩٥

ارجعي ، جزيتم من أهل بيت خيرا». فرجعت.

وقاتل وهزب حتّى قتل ، فذهبت امرأته تمسح الدّم عن وجهه ، فبصر بها شمر ، فأمر غلاما له ، فضربها بعمود كان معه على رأسها ، فشجّها وقتلها ، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسينعليه‌السلام (١) .

وكان غلام مع أمّه في كربلاء قتل أبوه في المعركة ، فقالت له أمّه : اخرج يا بني ، وقاتل بين يدي الحسين ، فخرج ، ولمّا رآه الحسين ، قال : هذا شاب قتل أبوه ، ولعلّ أمّه تكره خروجه. فقال الغلام : أمّي أمرتني بذلك؟ فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور البشير النّذير

عليّ ، وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضّحى

له غرّة مثل بدر منير

وقاتل حتّى قتل. فأخذت أمّه رأسه ، وقالت : أحسنت يا بني ، يا سرور قزلبي ، ويا قرّة عيني ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته ، وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيّدي ضعيفة

خاويّة بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشّريفة

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسينعليه‌السلام بصرفها ، ودعا لها(٢) .

أرأيت إلى هذه! أمّ لا ترضى عن ولدها ، وأعزّ من كبدها إلّا أن تراه مضرجا

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، وقعة الطّفّ : ٢١٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠ ، مثير الأحزان : ٤٢ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢١ و ٢٢.

٩٦

بدمائه جثّة بلا رأس! ولا عجب أنّه حبّ الله ورسوله وعترته ، وليس كمثل الله ورسوله وعترته شيء ، فكذلك حبّهم عند المؤمنين حقّا لا يعادله شيء ، حتّى الأرواح والأبناء.

بهذا الحبّ ، بهذا الإخلاص لأهل البيت ، بهذه التّضحية ، بهذه الرّوح وحدها يستعد المؤمنون الخلّص لما بعد الموت ، بهذا الزّهد في العاجل يقفون غدا مرفوعي الرّؤوس أمام جبّار السّموات والأرض.

لقد ترك أصحاب الحسين الدّنيا وما فيها لله وفي الله ، وضحوا بالأرواح ، والأزواج ، والأبناء ، والأموال في حبّ الحسين ، ومودّة القربى ، وإعلاء كلمة الحقّ ، فكانوا مع الحسين وجدّه في الآخرة ، كما كانوا معه في الدّنيا ، وحسن أولئك رفيقا.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللهعزوجل ، ويبغض أهل معصيته فإنّ فيك خيرا ، وإن كان يحبّ أهل معصية الله ، ويبغض أهل طاعته فليس فيك خير ، والله يبغضك والمرء مع من أحب»(١) .

عجبا لقلبي وهو يألف حبّكم

لم لا يذوب بحرقة الأرزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت إلى

ماء الفرات فلم تسل في الماء

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٧ / ١١٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٤٣ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٢١ ، المحاسن : ١ / ٢٦٣ ح ٣٣١ ، علل الشّرائع : ١ / ١١٧ ح ١٦ ، مصادقة الإخوان : ٥٠ ح ٣ ، بحار الكافي : ٢ / ١٢٦ ح ١١ ، بحار الأنوار : ٦٦ / ٢٤٧ ، ينابيع المودّة : ١٨٨ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم الحسنيّ ، الشّافعيّ ، السّمهوديّ ، المدنيّ : ٢٦٧ بتحقّيقنا.

٩٧
٩٨

عداء في الله

وما كلّ جدّ في الرّجال محمّد

ولا كلّ أمّ في النّساء بتول(١)

أجل ، ولا كلّ أب كعليّ ، ولا كلّ آخ كالحسن ، ولا كلّ أخت كزينب ، ولا كل ابن كزين العابدين ، ولا كلّ أصحاب كحبيب ، وزهير ، وبرير ، ولا كلّ شهيد كالحسين ، ويقف يزيد في الموقف المعاكس المناقض في نسبه وأخلاقه وأصحابه ، فلا سكّير وشرّير كيزيد ، ولا أحد أخبث من أبيه معاوية ، ولا عدوّ لله ورسوله أعدى من جدّه أبي سفيان ، ولا آكلة لأكباد الشّهداء ، كجدّته هند ، ولا أصحاب أكثر لؤما وجرما من ابن زياد ، وشمر ، وابن سعد.

قال الإمام الصّادق بقوله : «نحن وآل أبي سفيان تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله. وقالوا كذب الله»(٢) . فالعداء ، إذن ، بين الصّدق والكذب ، وبين الكفر الّذي يتمثّل بالأمويّين ، وبين الإيمان الّذي يتجسّم بأهل البيت ، وقد حاول معاوية أن يجمع الحقّ والباطل ، ويجري المصالحة بين الرّحمن والشّيطان ، فكتب إلى

__________________

(١) من قصيدة الشّيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي من شعراء الشّيعة في القرن الثّامن كما جاء في الغدير : ٦ / ٣٩٨ و : ١١ / ٢١٠.

(٢) انظر ، مجمع الزّوائد : ٧ / ٢٣٩ ، مسند البزّار : ٢ / ١٩١ ح ٥٧١ ، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم : ٣١٨ ، معاني الأخبار : ٢٤٦ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٤٦ ، المعيار والموازنة : ١٤٥.

٩٩

مروان بن الحكم ، وكان على المدينة ، أن يخطب بنت زينب بنت أمير المؤمنين ، وأبوها عبد الله بن جعفر ، أن يخطبها لابنه يزيد ، فكلّم مروان أباها عبد الله ، فقال له : أنّ أمرها إلى سيّدنا الحسين خالها ، فذهب مروان إلى الحسين ، وقال له : أنّ معاوية أمرني أن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع قضاء دينه ، وصلح ما بين هذين الحيّين ، وأن من يغبطكم بيزيد أكثر من يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقى الغمام!

فقال الحسين : الحمد لله الّذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، أمّا قولك يا مروان مهرها حكم أبيها ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله في بناته ونسائه ، وهو أربعمئة وثمانون درهما ، وأمّا قولك عن قضاء دين أبيها فمتى كان نساؤنا يقضينّ عنّا الدّيون؟! وأمّا صلح ما بين الحيّين فنحن عاديناكم في الله ، فلا نصالحكم للدّنيا ، وأمّا قولك كيف يستمهر يزيد فقد استمهر(١) النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قولك يزيد كفؤ من لا كفؤ له فمن كان كفؤه قبل اليوم فهو كفؤه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ، أمّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فإنّما ذاك وجه رسول الله ، وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل ، ثمّ أشهد الحسين من حضر على أنّه زوّج ابنة شقيقته ، وكانت تدعى أمّ كلثوم ، من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب.

أراد يزيد ابن آكلة الأكباد الزّواج من بنت العقيلة زينب بنت عليّ وفاطمة ،

__________________

(١) استمهر ، أي دفع المهر.

وجعل المهر أربعمئة وثمانين درهما ، ونحلها ضيعة له ، وكانت غلتها ثمانية آلآف دينار.

١٠٠