لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام0%

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 198

  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15438 / تحميل: 3038
الحجم الحجم الحجم
لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

المؤلف: السيّد محسن الأمين العاملي

المحقق: السيد حسن الأمين

١
٢

٣

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

المحقق: السيد حسن الأمين

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة النشر

الإمام الأكبر ، المجتهد المجدّد ، العلّامة البارع ، المدقّق المحقق آية الله العظمى ، كلها ألقاب لم تفسر السيد محسن الأمين العاملي ، لقد كان من الألقاب أكبر وعلى الغيظ أعظم وأصبر ، على هذا استظلت العتمة السوداء تحت سماء جبل عامل والنجف والشام ومصر وفلسطين وغيرهم. لقد كان السيد تاريخا ليس بحجم الجغرافيا وكان محيطا زخارا ومنه البحار تغترف ، كان وكان كان الاسلام في عصره فما بالغنا بالصفات.

وكتابه هذا (رض) : لواعج الأشجان من أهمّ ما صنّف عن واقعة الطفّ وجهاد واستشهاد الامام الحسينعليه‌السلام حيث جاء الكتاب متناسقا في التسلسل التاريخي محقق الروايات والأحاديث منزها من الشوائب والأغراض النفسية والمذهبية. ونحن إذ نضع هذا الكتاب بين يدي القارىء الكريم نتوجه بعظيم الشكر للأستاذ الكبير السيد حسن

٥

الأمين نجل المؤلف لما بذله من جهد في تحقيق وإعادة إعداد هذا الكتاب حتى خرج بهذه الصورة والله من وراء القصد وهو وليّ التوفيق

محمد حسين بزي

٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فاتحة الكتاب

الحمد لله الذي جعل أعظم الناس بلاء الأنبياء وأوصياءهم ، ثم الأمثل فالأمثل من سائر طبقات الورى ، نحمده تعالى على ما بلى وأبلى وأخذ وأعطى ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله حجج الله على أهل الدنيا ، الذين امتحنوا بأعظم المصائب فصبروا على ما قدّر الله وقضى ، وبذلوا أنفسهم في سبيل الله وإحياء دينه بذل الأسخياء فرفعهم الله بذلك الى الدرجات العلى ، وضاعف الأجر لمن ذكر أو ذكر عنده مصابهم فبكى أو تباكى أو أبكى.

وبعد فيقول العبد الجاني المتمسك بالعروة الوثقى من ولاء أهل بيت النبي المجتبى صلى الله عليه وعليهم ما أظلم ليل فدجى ، وطلع فجر فأضاء : إني جامع في هذا الكتاب المسمّى (بلواعج الأشجان) خبر مقتل الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام سيد الشهداء ، وخامس أصحاب العبا ، وأحد ريحانتي الرسول المصطفى ، وشبلي الإمام المرتضى ، وقرتي عين البتول الزهراء ، وما يرتبط بذلك من أمور شتى ، على وجه لا يخل إيجازه

٧

عند ذوي النهى ، ولا يمل أطنابه من استمع أو تلى ، قضاء الحق المودة في القربى ، وتعرضا لمثوبته تعالى في الدار الأخرى ، وشفاعة رسوله وأوليائه في يوم الجزاء ، آخذا ذلك من الكتب الموثوق بها والروايات المعتمد عليها بين العلماء ، ورتبته على مقدمة وثلاثة مقاصد وخاتمة سائلا منه جلّ وعلا أن يجعله خالصا لوجهه وينفع به طول المدى ، ومنه تعالى نستمد التوفيق والهداية والعصمة وهو حسبنا وكفى.

٨

من فضائل الحسينعليه‌السلام

ولد الحسينعليه‌السلام بالمدينة في شعبان يوم الثالث منه ، وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث ، وقيل أربع من الهجرة ، وقيل في أواخر شهر ربيع الأول ، وقيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى.

ولما ولد جيء به إلى جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستبشر به وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وحنكه بريقه وتفل في فمه فلما كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وأمر أمّه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به وقال ابن عباس : كان رسول اللهعليه‌السلام يحبه ويحمله على كتفه ويقبل شفتيه وثناياه.

قالت أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب رأيت فيما يرى النائم كأن عضوا من أعضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سقط في بيتي وفي رواية في حجري ، فقلت : يا رسول الله رأيت حلما منكرا ، قال : وما هو؟ قلت :انه شديد ، قال : وما هو؟ فقصصته عليه فقال : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه ، فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكفلته أم الفضل ، قالت : فأتيت به يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبينا هو يقبله إذ بال على ثوبه فقرصته قرصة

٩

بكى منها ، فقال كالمغضب : مهلا يا أم الفضل آذيتني وأبكيت إبني فهذا ثوبي يغسل.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحسن والحسينعليهما‌السلام : هما ريحانتاي من الدنيا. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : الهمّ إني أحبهما فأحبهما.

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسنانعليهما‌السلام على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار اليهم أن دعوهما ، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال من أحبني فليحب هذين ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي فكان إذا سجد جاء الحسينعليه‌السلام فركب ظهره فإذا رفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلاته. وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجثو للحسنينعليهما‌السلام فيركبان على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما وحملهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة على عاتقه فقال رجل : نعم الفرس لكما ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ونعم الفارسان هما.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب على المنبر فجاء الحسنانعليه‌السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : إنما أموالكم وأولادكم فتنة. وكان يخطب على المنبر إذ خرج الحسينعليه‌السلام فوطأ في ثوبه فسقط فبكى فنزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المنبر فضمه إليه وقال : قاتل الله الشيطان ان الولد لفتنة والذي نفسي بيده ما دريت اني نزلت عن منبري. ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان

١٠

الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب ، وكانت الزهراءعليها‌السلام ترقص الحسنعليه‌السلام وتقول :

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرسن

واعبد آلها ذا منن

ولا توال ذا الأحن

وقالت للحسينعليه‌السلام :

أنت شبيه بأبي

لست شبيها بعلي

وحج الحسنانعليهما‌السلام ماشيين فلم يمرا برجل راكب الّا نزل يمشي.فقال بعضهم لسعد : قد ثقل علينا المشي ولا نستحسن أن نركب وهذان السيدان يمشيان ، فرغب إليهما سعد في أن يركبا فقال الحسنعليه‌السلام لا نركب قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت الله الحرام على أقدامنا ولكننا نتنكب عن الطريق ، فأخذا جانبا من الناس ، وحج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا وأن النجائب لتقاد معه. وأقام بعد وفاة أخيه الحسنعليهما‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا وأجلس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسنعليه‌السلام على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى وأجلس عليا وفاطمةعليهما‌السلام بين يديه ثم لفّ عليهما كساءه أو ثوبه ، ثم قرأ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ثم قال : هؤلاء أهل بيتي حقا.

وكان إبن عباس مع علمه وجلالة قدره يمسك بركاب الحسنينعليهما‌السلام حتى يركبا ويقول : هما إبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم ، ونظرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الحسن والحسينعليهما‌السلام

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.

١١

فقال : من أحب هذين وآباهما وأمهما كانا معي في درجتي يوم القيامة.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جدّه محمد المصطفى ، وأبوه عليّ المرتضى ، وأمه فاطمة الزهراء ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، وعمه جعفر الطيار مع ملائكة السماء ، والبيت من هاشم أهل المكارم والعلى مع ما له في نفسه من الفضائل التي لا تحصى.

أتاه المجد من هنّا وهنّا

وكان له بمجتمع السيول

دخل الحسينعليه‌السلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول :وا غماه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : وما غمك يا أخي؟ قال : ديني وهو ستون ألف درهم ، فقال الحسينعليه‌السلام : هو علي ، قال : اني أخشى أن أموت ، فقال الحسينعليه‌السلام : لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته ، وكانعليه‌السلام يقول : شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عن الاعطاء.

ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسينعليه‌السلام فأعطاه الحسينعليه‌السلام أربعمائة دينار ، فقيل له انه شاعر فاسق ، فقالعليه‌السلام : إن خير مالك ما وقيت به عرضك وقد أثاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعب بن زهير وقال في العباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني ووفد أعرابي إلى المدينة فسأل عن إكرام الناس بها فدل على الحسينعليه‌السلام فدخل المسجد فوجده مصليا فوقف بإزائه وأنشأ يقول :

لم يخب الآن من رجاك ومن

حرك من دون بابك الحلقة

أنت جواد وأنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة

لو لا الذي كان من أوائلكم

كانت علينا الجحيم منطبقة

فسلّم الحسينعليه‌السلام وقال : يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء؟

١٢

قال : نعم أربعة آلاف دينار ، فقال : هاتها قد جاء من هو أحق بها منا ، ثم نزع بردته ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياء من الأعرابي وأنشأ.

خذها فإني إليك معتذر

وأعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا(١)

أمست سمانا عليك مندفقة

لكن ريب الزمان ذو غير

والكفّ مني قليلة النفقة

فأخذها الأعرابي وبكى ، فقال لعلّك استقللت ما أعطيناك ، قال : لا ولكن كيف يأكل التراب جودك ، وبعضهم يروي ذلك عن الحسنعليه‌السلام ، ووجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر فسألوا زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين وعلّم عبد الرحمن السلمي ولدا للحسينعليه‌السلام الحمد ، فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درّا ، فقيل له في ذلك فقال : وأين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه.

وأنشد الحسينعليه‌السلام :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها

على الناس طرا قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت

ولا البخل يبقيها إذا ما توّلت.

ومرّعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم ، ثم قال :قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم. ودخلت على الحسنعليه‌السلام جارية فحيّته بطاقة ريحان فقال لها : أنت حرة لوجه الله

__________________

(١) في البحار : لعل العصا كناية عن الامارة والحكم ، اي لو كان في سيرنا هذه الغداة ولاية وحكم او قوة ، وفيه ان ذكر السير والغداة حينئذ لا يبقى له مناسبة ، ويحتمل ان يراد بالسير واحد السيور التي تعد من الأدم ، فانه اذا كان عصا اي كان مشدودا بطرف عصا صار سوطا قابلا للضرب به فيصح ان تكون فيه كناية عن الحكم والقوة (منه).

١٣

تعالى ، فقيل له : تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ، قال : كذا ادّبنا الله قال الله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (١) وكان أحسن منها عتقها.

وقالعليه‌السلام صاحب الحاجة لم يكرّم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده ، وجاء أعرابي إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام فقال : يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن ادائها فقلت في نفسي أسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الحسينعليه‌السلام : يا أخا العرب أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وان أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وان أجبت عن الكل أعطيتك الكلّ ، فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل العلم والشرف؟ فقال الحسينعليه‌السلام : بلى سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فقال الأعرابي : سل عما بدا لك فإن أجبت والا تعلمت منك ولا قوة الّا بالله ، فقال الحسينعليه‌السلام : أي الأعمال أفضل؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله ، فقال الحسينعليه‌السلام : فما يزين المهلكة؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله ، فقال الحسينعليه‌السلام : فما النجاة من الرجل؟ فقال الأعرابي : علم معه حلم ، فقال : فإن أخطأه ذلك؟ فقال : مال معه مروءة ، فقال : فإن أخطأه ذلك؟ فقال : فقر معه صبر ، فقال الحسينعليه‌السلام : فإن أخطأه ذلك؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فانه أهل لذلك ، فضحك الحسينعليه‌السلام ورمى إليه بصرة فيها ألف دينار وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم وقال : يا أعرابي أعط الذهب إلى غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي ذلك وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٨٦.

١٤

وقيل للحسينعليه‌السلام : ما أعظم خوفك من ربّك؟ فقال لا يأمن يوم القيامة الّا من خاف الله في الدنيا. وجنى غلام له جناية توجب العقاب فأمر بضربه ، فقال : يا مولاي والكاظمين الغيظ ، قال : خلوا عنه ، فقال : يا مولاي والعافين عن الناس ، قال : قد عفوت عنك ، قال : يا مولاي والله يحب المحسنين ، قال : أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك.

١٥
١٦

من أدب الحسينعليه‌السلام

خطب الحسينعليه‌السلام فقال : أيها الناس نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ، واكسبوا الحمد بالنجاح ولا تكسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأته فأنه أجزل عطاء وأعظم أجرا ، واعلموا أن حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما ، واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار.

أيها الناس من جاد ساد ومن بخل رذل ، وان أجود الناس من أعطى من لا يرجوه ، وأن أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وأن أوصل الناس من وصل من قطعه ، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافاه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن ، أحسن الله إليه والله يحب المحسنين.

١٧

وخطبعليه‌السلام أيضا فقال : ان الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمه ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة. ومما ينسب إلى الحسينعليه‌السلام من الشعر قوله :

ذهب الذين أحبهم

وبقيت فيمن لا أحبه

فيمن أراه يسبني

ظهر المغيب ولا أسبه

يبغي فسادي ما استطا

ع وأمره مما أربه(١)

حنقا يدب إلى الضرا

ء وذاك مما لا أدبه

ويرى ذباب الشر من

حولي يطن ولا يذبه

وإذا خبا وغر الصدو

رفلا يزال به يشبه

أفلا يعيج بعقله

أفلا يثوب إليه لبه

أفلا يرى أن فعله

مما يسور إليه غبه

حسبي بربي كافيا

ما اختشي والبغي حسبه

ولقلّ من يبغى علي

ه فما كفاه الله ربه

وقولهعليه‌السلام :

إذا ما عضك الدهر

فلا تجنح إلى خلق

ولا تسأل سوى الله

تعالى قاسم الرزق

فلو عشت وطوفت

من الغرب إلى الشرق

لما صادفت من يقدر

أن يسعد أو يشقي

وقولهعليه‌السلام :

الله يعلم أن ما

بيدي يزيد لغيره

__________________

(١) رب الأمر واربه اصلحه (منه).

١٨

وبأنه لم يكتسب

ه بغيره وبميره(١)

لو أنصف النفس الخؤو

ن لقصرت من سيره

ولكان ذلك منه أد

نى شره من خيره

__________________

(١) يقال غار الرجل أهله غيرا ومارهم ميرا كلاهما من باب سار اذا أتاهم بالميرة بكسر الميم وهي الطعام ، فالغير والمير متحدان وزنا ومعنى (منه).

١٩
٢٠