مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ٢

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام0%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 571

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مؤلف: الشيخ عزيز الله العطاردي
تصنيف:

الصفحات: 571
المشاهدات: 70895
تحميل: 3346


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 571 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70895 / تحميل: 3346
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء 2

مؤلف:
العربية

ميمون ، أنبأنا محمّد بن عبد الوهاب ، أنبأنا معتمر بن سليمان ، عن قرّة بن خالد ، عن الحسن عن أنس ، أنه قال : لم تر عينى ـ أو لم تر عيناى ـ يوما مثل يوم أتى برأس الحسين فى طست إلى ابن زياد ، فجعل ينكت فاه ويقول : إن كان لصبيحا إن كان لقد خضب(١) .

٢٩ ـ باب ما جرى لأهل بيتهعليه‌السلام فى الكوفة

١ ـ الصدوق حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكل ،رحمه‌الله قال حدثنا على ابن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه عن محمّد بن سنان ، عن أبى الجارود ، زياد بن المنذر عن عبد الله بن الحسين عن أمه فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام قال دخلت الغانمة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة وفى رجلى خلخالان من ذهب فجعل رجل يفض الخلخالين من رجلى وهو يبكي فقلت ما يبكيك يا عدوّ الله فقال كيف لا أبكى وأنا أسلب ابنة رسول الله فقلت لا تسلبنى قال أخاف ان يجئ غيرى فيأخذه قالت وانتهبوا ما فى الابنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا(٢) .

٢ ـ عنه حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرحمه‌الله قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصرى ، قال أخبرنا محمّد بن زكريا قال : حدثنا أحمد بن محمّد بن يزيد ، قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنى حاجب عبيد الله بن زياد أنه لما جئ يرأس الحسين أمر فوضع بين يديه فى طست من ذهب وجعل يضرب بقضيب فى يده على ثناياه ويقول لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله فقال رجل من القوم مه فانى رأيت رسول الله يلثم حيث تضع قضيبك فقال يوم بيوم بدر.

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ٢٥٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٩٩.

٢٢١

ثمّ أمر بعلىّ بن الحسينعليه‌السلام فغلّ وحمل مع النسوة والسبايا الى السجن وكنت معهم فما مررنا بزقاق إلّا وجدناه ملاء رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون فحبسوا فى سجن وطبق عليهم ثم ان ابن زياد لعنه الله دعا بعلى بن الحسينعليه‌السلام والنسوة وأحضر رأس الحسينعليه‌السلام وكانت زينب ابنة علىعليه‌السلام فيهم فقال ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب احاديثكم.

فقالت زينبعليه‌السلام الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا انما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر قال كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت قالت كتب إليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده فغضب ابن زياد لعنه الله عليها وهمّ بها فسكن منه عمرو بن حريث فقالت زينب يا ابن زياد حسبك ما ارتكبت منا فلقد قتلت رجالنا وقطعت أصلنا وأبحت حريمنا وسبيت نساءنا وذرارينا فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت فامر ابن زياد بردهم ، الى السجن وبعث البشاير الى النواحى بقتل الحسين.

٣ ـ قال المفيد : سرّح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسينعليه‌السلام مع خولى بن يزيد الأصبحى وحميد بن مسلم الأزدى إلى عبيد الله بن زياد ، وأمر برءوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وكانوا اثنين وسبعين رأسا وسرّح بها مع شمر بن ذى الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج ، فأقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد وأقام بقيّة يومه واليوم الثّانى الى زوال الشّمس ثمّ نادى فى النّاس بالرّحيل وتوجّه الى الكوفة ومعه بنات الحسينعليه‌السلام وأخواته ومن كان معهنّ من النّساء والصّبيان وعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام فيهم وهو مريض بالذرب وقد اشفى.

لمّا رحل ابن سعد خرج قوم من بنى أسد كانوا نزولا بالغاضريّة الى الحسينعليه‌السلام وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسينعليه‌السلام حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علىّ

٢٢٢

ابن الحسين الأصغر عند رجله وحفروا للشّهداء من أهل بيته وأصحابه الّذين صرعوا حوله ممّا يلى رجلى الحسينعليه‌السلام وجمعوهم فدفنوهم جميعا معا ودفنوا العبّاس بن علىّعليهما‌السلام فى موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة ، حيث قبره الآن ، ولمّا وصل رأس الحسينعليه‌السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسينعليه‌السلام وأهله.

جلس ابن زياد للنّاس فى قصر الأمارة وأذن للنّاس اذنا عاما وأمر باحضار الرّاس فوضع بين يديه وجعل ينظر إليه ويتبسّم وفى يده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان الى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو شيخ كبير فلمّا رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشّفتين فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليهما ما لا أحصيه ثمّ انتحب باكيا.

فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله ولو لا انّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار الى منزله وادخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فدخلت زينب اخت الحسينعليه‌السلام فى جملتهم متنكرة وعليها ارذل ثيابها فمضت حتّى جلست ناحية من القصر وحفّت بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه الّتي انحازت فجلست ناحية ومعها نسائها فلم تجبه زينب فأعاد ثانية يسأل عنها.

فقال له بعض إماؤها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل عليها ابن زياد ، فقال لها الحمد لله الّذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم فقالت زينبعليهما‌السلام : الحمد لله الّذي أكرمنا بنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وطهّرنا من الرجس تطهيرا إنمّا يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا ، والحمد لله ، فقال ابن زياد كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم

٢٢٣

وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّون إليه وتختصمون عنده فغضب ابن زياد واستشاط.

فقال عمرو بن حريث ايّها الأمير انّها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذمّ على خطائها فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرّقت زينبعليها‌السلام وبكت وقالت له لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان يشفك هذا فقد شفيت فقال لها ابن زياد هذه سجّاعة ولعمرى لقد كان أبوها سجّاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسّجاعة انّ لى عن السّجاعة لشغلا ولكن صدرى نفث لما قلت.

عرض عليه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال له من أنت فقال أنا علىّ بن الحسينعليه‌السلام ، فقال أليس قد قتل الله علىّ بن الحسين ، فقال له علىّعليه‌السلام قد كان لى أخ يسمّى عليّا قتله النّاس فقال ابن زياد بل الله قتله ، فقال على بن الحسينعليهما‌السلام الله يتوفّى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة وفيك بقيّة للرّد علىّ اذهبوا به ، فاضربوا عنقه فتعلّقت به زينب عمّته وقالت :

يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلنى معه فنظر ابن زياد إليها وإليه ثمّ قال عجبا للرّحم ، والله انّى لأظنّها ودّت انّى قتلتها معه دعوه فانّى أراه لما به ثمّ قام من مجلسه حتّى خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال : الحمد لله الّذي أظهر الحقّ وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذّاب ابن الكذّاب وشيعته(١) .

٤ ـ قال المفيد : أخبرنى أبو عبد الله محمّد بن عمران المرزبانى ، قال : حدثني أحمد بن محمّد الجوهرى ، قال : حدّثنا محمّد بن مهران ، قال : حدّثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقى ، عن عمر بن عبد الواحد ، عن إسماعيل بن راشد عن حذلم بن

__________________

(١) الارشاد : ٢٢٧.

٢٢٤

سيّر ، قال قدمت الكوفة فى المحرم سنة احدى وستين عند منصرف على بن الحسينعليه‌السلام بالنسوة من كربلاء ومعهم الأجناد يحيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم ، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطإ جعل نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن.

فسمعت على بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول بصوت ضئيل وقد نهكته العلة وفى عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه ألا إنّ هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا قال : ورأيت زينب بنت علىعليه‌السلام ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام قال وقد أومأت الى الناس أن اسكتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأصوات ، فقالت.

الحمد لله والصلاة على أبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة فما مثلكم إلا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم إلا الصلف النطف والصدر الشنف خوارون فى اللقاء عاجزون عن الاعداء ناكثون للبيعة مضيعون للذمة «فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون» أتبكون اى والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا.

فلقد فزتم بعارها وشنارها ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا فبسلل خاتم الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملا ذخيرتكم ومفزع نازلتكم وأمارة محجتكم ومدرجة حجتكم خذلتم وله قتلتم ألا ساء ما تزرون فتعسا ونكسا فلقد خاب السعى وتربت الأيدى وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم أتدرون أىّ كبد لمحمد فريتم وأىّ دم له سفكتم وأى كريمة له أصبتم لقد جئتم شيئا ادّا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا.

لقد أتيتم بها خرماء شوهاء طلاع الأرض والسماء أفعجبتم أن قطرت السماء

٢٢٥

دما ولعذاب الآخرة أخزى فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحضره البدار ولا يخاف عليه فوت الثار كلا ان ربك لبالمرصاد ، قال ثم سكتت فرأيت الناس حيارى قد ردّوا أيديهم فى أفواههم ورأيت شيخا قد اخضلت لحيته وهو يقول كهولهم خير الكهول ونساؤهم خير النساء اذا عدو انسل لا يخيب ولا يخزى(١)

٥ ـ قال الطبرسى : ثمّ نادى ابن سعد فى الناس بالرّحيل وتوجّه نحو الكوفة ومعه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من النساء والصبيان وعلىّ بن الحسين فيهم وهو مريض بالذّرب وقد أشفى ، فلما رحل ابن سعد خرج قوم من بنى أسد كانوا نزولا بالغاضريّة إلى الحسين وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسين حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علىّ بن الحسين الأصغر عند رجليه وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الّذين صرعوا حوله حفيرة ممّا يلى رجله فجمعوهم ودفنوهم جميعا معا ودفنوا العبّاس بن علىّ فى موضعه الّذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الآن.

لما وصل رأس الحسينعليه‌السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله جلس ابن زياد فى قصر الإمارة وأذن للنّاس إذنا عامّا وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله وهو شيخ كبير ، فقال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله ما لا أحصيه يترشفهما ثمّ انتحب باكيا ، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك أتبكى لقدرة الله ولو لا أنّك شيخ كبير وقد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك.

فنهض زيد بن أرقم وصار إلى منزله وادخل عيال الحسينعليه‌السلام على ابن زياد ، فدخلت زينب اخت الحسين فى جماعتهم. عليها أرذل ثيابها فمضت حتّى

__________________

(١) أمالي المفيد : ١٩٨.

٢٢٦

جلست ناحية من القصر وحفّت بها إماؤها ، فقال ابن زياد : من هذا الّتي انحازت ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب فأعادها ثانية وثالثة فقال له بعض إماؤها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله ، فأقبل عليها ابن زياد وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.

فقالت زينب : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّدعليه‌السلام وطهّرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم يوم القيامة فتحاجّون إليه وتختصمون عنده ، فغضب ابن زياد ، واستشاط فقال عمرو بن حريث : إنّها امرأة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله نفسى من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك ، فرقّت زينب وبكت وقالت :

لعمرى لقد قتلت كهلى وأبرت أهلى ، وقطعت فرعى فإن يشفيك هذا فقد اشتفيت ، فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ولعمرى لقد كان أبوها سجّاعا ، فقالت : ما للمرأة والسّجاعة وإن لى عن السجاعة لشغلا ولكن صدرى نفثت بما قلت. وعرض عليه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام فقال له : من أنت؟ قال : أنا علىّ بن الحسين قال : أليس قد قتل الله علىّ بن الحسين؟ فقال : كان لى أخ يسمّى عليّا فقتله النّاس ، قال ابن زياد : بل قتله الله ، فقال علىّ بن الحسينعليهما‌السلام :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) .

فغضب ابن زياد وقال : لك جرأة على جوابى وفيك بقيّة للرّدّ علىّ اذهبوا واضربوا عنقه ، فتعلّقت به زينب عمّته فقالت : يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلنى معه ، فنظر ابن زياد إليها ساعة وقال : عجبا للرّحم والله لأظنّها ودّت انّى قتلتها معه ، دعوه فإنّى أراه لما به مشغول ،

٢٢٧

ثمّ قام من مجلسه ، ولما أصبح ابن زياد بعث برأس الحسينعليه‌السلام فدير به فى سكك الكوفة وقبائلها.

فروى عن زيد بن أرقم أنّه قال : مرّ به علىّ وهو على رمح وأنا فى غرفة فلمّا حاذانى سمعته يقرأ :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) فقفّ والله شعرى وناديت : رأسك يا ابن رسول الله أعجب وأعجب ، فلما فرغ القوم من الطواف به ردّوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رءوس أصحابه وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فقال يزيد : قد كنت اقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أنّى كنت صاحبه لعفوت عنه؟!(١)

٦ ـ قال ابن شهرآشوب : من كلام لزينب بنت علىعليه‌السلام يا أهل الكوفة ويا أهل الختر والختل والخذل والمكر ، فلا رقأت الدّمعة ولا هدأت الزّفرة إنمّا مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، هل فيكم إلا الصّلف والعجب والشّنف والكذب وملق الاماء وغمز الاعداء كمرعى على دمنة أو كقصّة على ملحودة ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب انتم خالدون حتّى انتهى كلامها الى قولها ألا ساء ما قدّمتم لانفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم.

فتعسا تعسا ونكسا نكسا لقد خاب السّعى وتبّت الأيدى وخسرت الصّفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذّلة والمسكنة ، أتدرون ويلكم أىّ كبد لمحمّد فريتم وأىّ عهد نكثتم وأىّ كريمة أبرزتم واىّ دم له سفكتم( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ) لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع الارض والسّماء أفعجبتم ان تمطر السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى و

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٤٦.

٢٢٨

هم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل فانّهعزوجل لا يحقره البدار ولا يخشى عليه فوت ثار كلّا انّ ربّك لناولهم بالمرصاد ثمّ انشات تقول :

ما ذا تقولون ان قال النبيّ لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى

منهم أسارى وقتلى ضرّجوا بدم

ان كان هذا جزائى إذ نصحت لكم

ان تخلفونى بسوء في ذوى رحمى(١)

٧ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى ولما انفصل عمر بن سعد لعنه الله عن كربلا خرج قوم من بنى أسد فصلّوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هى الآن عليه ، وسار ابن سعد بالسبى ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع اهلها للنظر إليهنّ ، قال الراوى : فاشرفت امرأة من الكوفيات فقالت من أىّ الاسارى أنتنّ ، فقلن نحن أسارى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنّ ملاء وأزرا ومقانع وأعطتهن فتغطّين ، قال الراوى وكان مع النساء على بن الحسينعليه‌السلام قد نهكنه العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان قد واسى عمه وامامه فى الصبر على ضرب السيوف وطعن الرّماح وقد اثخن بالجراح(٢) .

٨ ـ روى مصنّف كتاب المصابيح أن الحسن المثنى قتل بين يدى عمّه الحسينعليه‌السلام فى ذلك اليوم سبعة عشر نفسا واصابه ثمانية عشر جراحة فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله الى الكوفة وداواه حتى برأ وحمله الى المدينة وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولد الحسن السبطعليهم‌السلام فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون فقال على بن الحسينعليهما‌السلام تنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا.

٩ ـ عنه قال بشير بن خزيم الأسدي ونظرت الى زينب بنت علىّ يومئذ ولم أر خفرة والله أنطق منها كانها تفرع من لسان أمير المؤمنين على بن ابى طالبعليه‌السلام

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٢٦

(٢) اللهوف : ٦٣.

٢٢٩

وقد أومأت الى الناس ان اسكتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت الحمد لله والصلاة على أبى محمّد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا اهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم.

الأهل فيكم الا الصلف والنطف والصدر الشنف وملق الاماء وغمز الأعداء او كمرعى على دمنة أو كفصة لمن على ملحودة «ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفى العذاب أنتم خالدون» أتبكون وتنتحبون اى والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا

فلقد خاب السعى وتبت الأيدى وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أىّ كيد لرسول الله فريتم وأىّ كريمة له أبرزتم واىّ دم له سفكتم وأىّ حرمة له انتهكتم ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الارض أو ملاء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فانّه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار وإنّ ربكم لبالمرصاد(١)

١٠ ـ عنه قال الراوى فو الله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم فى أفواههم ورأيت شيخا واقفا الى جنبى يبكى حتى اخضلّت لحيته وهو يقول بأبى أنتم وأمى كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسائكم

__________________

(١) اللهوف : ٦٤.

٢٣٠

خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبرى.(١) .

١١ ـ عنه روى زيد بن موسى قال حدثني أبى عن جدّىعليهم‌السلام قال خطبت فاطمة الصغرى بعد آن وردت من كربلاء فقالت الحمد لله عدد الرمل والحصا وزنة العرش الى الثرى أحمده وأو من به وأتوكّل عليه وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ اولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا تراب.

اللهم انّى أعوذ بك أن أفترى عليك الكذب أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه على بن ابى طالبعليه‌السلام المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس فى بيت من بيوت الله فيه معشر مسلمة بالسنتهم تعسا لرءوسهم ما دفعت عنه ضيما فى حياته ولا عند مماته حتى قبضته إليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم وعذل عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا.

لم يزل ناصحا لك ولرسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبضته إليك زاهدا فى الدنيا غير حريص عليها راغبا فى الآخرة مجاهدا لك فى سبيلك رضيته فاخترته فهديته الى صراط مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء فانا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء حكمته على الأرض فى بلاده لعبادة أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير ، ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كأننا أولاد ترك وكابل كما قتلتم جدّنا بالامس وسيوفكم تقطر من دمائنا

__________________

(١) اللهوف : ٦٥.

٢٣١

أهل البيت لحقد متقدم لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم على افتراء الله ومكر مكرتم والله خير الماكرين.

فلا تدعونكم أنفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة فى كتاب من قبل أن نبرئها ان ذلك على الله يسير( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكان قد حلّ بكم وتواثرت من السماء نقمات فيسحتكم بعذاب ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون فى العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم وأية نفس نزعت الى قتالنا أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فانتم لا تهتدون فتبا لكم يا أهل الكوفة أى تراث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلكم ، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه على بن أبى طالب جدّى وبنيه وعترته الطيبين الاخيار فافتخر بذلك مفتخر وقال :

نحن قتلنا عليا وبنى على

بسيوف هندية ورماح

وسبينا نسائهم سبى ترك

ونطحناهم فأى نطاح

بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهّرهم الله وأذهب عنهم الرجس فاكظم واقع كما أقعى ابوك فانما لكلّ امرئ ما كسب وما قدمت يداه أحسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله

فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا

وبحرك ساج ما يوارى الدعا مصا

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل الله له

٢٣٢

نورا فما له من نور(١)

١٢ ـ عنه ، قال وخطبت أمّ كلثوم بنت علىّعليه‌السلام فى ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نسائه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا ويلكم أتدرون أىّ دواه دهتكم وأى وزر على ظهوركم حملتم وأىّ دماء سفكتموها وأىّ كريمة أصبتموها وأىّ صبية سلبتموها وأىّ اموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا ان حزب الله هم الفائزون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت :

قتلتم أخى صبرا فويل لأمكم

ستجزون نارا حرّها يتوقد

سفكتم دماء حرم الله سفكها

وحرمها القرآن ثم محمد

ألا فابشروا بالنار انكم غدا

لفى سقر حقا يقينا تخلدوا

وانى لا بكى فى حياتى على أخى

على خير من بعد النبيّ سيولد

(٢) بدمع غريز مستهل مكفكف

على الخد مني دائما ليس يجمد

قال الراوي فضج الناس بالبكاء والنوح ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رءوسهنّ وخمشن وجوههن وضربن خدودهنّ ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ونتفوا لحاهم فلم ير باكية وباك اكثر من ذلك اليوم.

ثم ان زين العابدينعليه‌السلام أو ماء الى الناس ان اسكتوا فقام قائما فحمد الله واثنى عليه وذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم صلّى عليه ، ثم قال أيها الناس من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فانا أعرّفه بنفسى أنا على بن الحسين بن على بن ابى طالبعليهم‌السلام ، أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته ، وانتهب ماله وسبى عياله أنا ابن المذبوح

__________________

(١) اللهوف : ٦٥.

(٢) كذا فى الاصل.

٢٣٣

بشطّ الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا ، أيها الناس فانشدكم الله هل تعلمون انكم كتبتم الى أبى وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه فتبا لما قدمتم لانفسكم وسوءة لرأيكم بأية عين تنظرون الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اذ يقول لكم قتلتم عترتى وانتهكتم حرمتى فلستم من امتى.

قال الراوى فارتفعت الاصوات من كل ناحية ويقول يعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقالعليه‌السلام رحم الله أمرا قبل نصيحتى وحفظ وصيتي فى الله وفى رسوله وأهل بيته فان لنا فى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أسوة حسنة فقالوا بأجمعهم نحن كلّنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك زاهدين فيك ولا راغبين عنك فمرنا بأمرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لناخذن يزيد لعنه الله ونبرأ ممن ظلمك.

فقالعليه‌السلام هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا الىّ كما أتيتم الى آبائى من قبل كلا وربّ الراقصات فان الجرح لما يندمل قتل أبى صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته ومعه ولم ينسى ثكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثكل أبى وبنى أبى وجده بين لهاتى ومرارته بين حناجرى وحلقى وغصصه تجرى من فراش صدرى ومسئلتى ان تكونوا لا لنا ولا علينا ثم قال :

لا غرو إن قتل الحسين فشيخه

قد كان خيرا من حسين وأكرم

فلا تفرحوا يا اهل كوفان بالذى

اصيب حسين كان ذلك أعظم

قتيل بشط النهر روحى فدائه

جزاء الذي أرداه نار جهنم

٢٣٤

ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا يوم لنا ولا يوم علينا(١)

١٣ ـ عنه قال الراوى ثم ان ابن زياد جلس فى القصر للناس واذن اذنا عاما وجيء برأس الحسينعليه‌السلام فوضع بين يديه وادخل نساء الحسينعليه‌السلام وصبيانه إليه فجلست زينب بنت علىعليه‌السلام متنكرة فسأل عنها فقيل زينب بنت علىعليه‌السلام فأقبل إليها فقال الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم.

فقالت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك فقالت ما رأيت إلّا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن يكون الفلج يومئذ هبلتك امك يا ابن مرجانة.

قال الراوى فغضب ابن زياد وكانه همّ بها فقال له عمرو بن حريث انها امراة والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها فقال لها ابن زياد لقد شفى الله قلبى من طاغتيك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك فقالت لعمرى لقد قتلت كهلى وقطعت فرعى واجتثثت أصلى فان كان هذا شفاك فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمرى لقد كان أبوك شاعرا سجاعا فقالت يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة ، ثم التفت ابن زياد الى على بن الحسينعليهما‌السلام فقال من هذا فقيل على بن الحسين فقال أليس قد قتل الله على بن الحسين.

فقال علىعليه‌السلام قد كان لى أخ يقال له علىّ بن الحسين قتله الناس ، فقال بل الله قتله فقال على( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) فقال ابن زياد ألك جرأة على جوابى اذهبوا به فاضربوا عنقه فسمعت به عمته زينب فقالت يا ابن زياد انك لم تبق منّا أحدا فان كنت عزمت على قتله فاقتلنى معه ،

__________________

(١) اللهوف : ٦٦.

٢٣٥

فقال علىعليه‌السلام لعمته اسكتى يا عمة حتى اكلمه ثم أقبلعليه‌السلام فقال أبا القتل تهدّدنى يا ابن زياد ما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.

ثم أمر ابن زياد بعلى بن الحسينعليه‌السلام وأهله فحملوا الى دار جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت علىعليه‌السلام لا يدخلنّ عربية إلّا أم ولد أو مملوكة فانهن سبين كما سبينا ثم أمر ابن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فطيف به فى سكك الكوفة ويحقّ لى ان أتمثل هنا بابيات لبعض ذوى العقول يرثى بها قتيلا من آل الرسول :

رأس ابن بنت محمّد ووصيه

للناظرين على قناة يرفع

والمسلمون بمنظر وبمسمع

لا منكر منهم ولا متفجع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصمّ رزءك كل اذن تسمع

أيقظت أجفانا وكنت لها كرى

وانمت عينا لم تكن بك تهجع

ما روضة إلّا تمنت أنها

لك حفرة ولخط قبرك مضجع(١)

١٤ ـ قال الفتال : ارسل ابن زياد لعنه الله الى أمّ كلثوم بنت الحسين صلوات الله عليه فقال : الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترين ما فعل لله بكم فقالتعليها‌السلام يا ابن زياد لئن قرّت عينك بقتل الحسينعليه‌السلام فطالما قرّت عين جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله به وكان يقبّله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه يا ابن زياد أعدّ لجده جوابا فانّه خصمك غدا(٢) .

قال حاجب عبيد الله بن زياد لعنهم الله لما جئ برأس الحسينعليه‌السلام امر فوضع بين يديه فى طشت من ذهب وجعل يضرب بقضيب فى يده على ثناياه ، ويقول لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله فقال رجل من القوم مه فانّى رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثم حيث تضع قضيبك فقال يوم بيوم بدر ثم أمر بعلىّ بن الحسينعليه‌السلام فغلّ وحمل مع السّبايا والنّسوة الى السّجن وكنت معهم فما مررنا بزقاق الّا

__________________

(١) اللهوف : ٦٩.

(٢) روضة الواعظين : ١٦٣.

٢٣٦

وجدناه ملأن رجالا ونساء يضربون وجوههم ويبكون فحبسوا فى سجن وضيّق عليهم.

ثم انّ ابن زياد لعنه الله دعا بعلىّ بن الحسينعليهما‌السلام والنّسوة وأحضر رأس الحسين صلوات الله عليه وكانت زينب ابنة علىّ فيهم فقال ابن زياد لعنه الله : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحاديثكم فقالت زينبعليها‌السلام : الحمد لله الّذي اكرمنا بمحمّد وطهّرنا تطهيرا انما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر قال : كيف رأيت صنع الله بكم أهل البيت قال : كتب عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم ، فيتحاكمون عنده فغضب ابن زياد لعنه الله وهمّ بها فسكّن منه عمرو بن حريث.

فقالت زينب يا ابن زياد وحسبك ما ارتكبت منّا فلقد قتلت رجالنا وقطعت أملنا وأبحت حريمنا وسبيت نساءنا وذرارينا فان كان ذلك للاشتفاء فقد اشتفيت ، فأمر ابن زياد بردّهم الى السّجن وبعث البشاير الى النّواحى بقتل الحسين(١) .

١٥ ـ قال الدينورى : أمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه فى المحامل المستورة على الإبل. وكانت بين وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين قتل الحسين خمسون عاما.

قالوا : ولما أدخل رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فوضع بين يديه جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانة ثنايا الحسين ، وعنده زيد بن أرقم ، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : مه ، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا ، فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلثمها ، ثم خنقته العبرة ، فبكى. فقال له ابن زياد : ممّ تبكى؟ أبكى الله عينيك ، والله لو لا أنك شيخ قد خرفت لضربت عنقك.

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٦٣

٢٣٧

قالوا : وكانت الرءوس قد تقدم بها شمر بن ذى الجوشن أمام عمر بن سعد ، قالوا : واجتمع أهل الغاضريّة فدفنوا أجساد القوم ، وروى عن حميد بن مسلم قال : كان عمر بن سعد لى صديقا ، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين ، فسألته عن حاله ، فقال : لا تسأل عن حالى ، فإنه ما رجع غائب إلى منزله بشر مما رجعت به ، قطعت القرابة القربية ، وارتكبت الأمر العظيم.(١)

١٦ ـ روى ابو منصور الطبرسى : عن زيد بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال : خطبت فاطمة الصغرىعليها‌السلام بعد ان ردّت من كربلاء فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش الى الثرى ، أحمده واومن به وأتوكل عليه ، وأشهد ان لا إله الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ اولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل ولا تراث ، اللهم انى أعوذ بك ان أفترى عليك الكذب ، وأن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيه على بن أبى طالبعليه‌السلام .

المسلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ، كما قتل ولده بالأمس فى بيت من بيوت الله وبها معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم! ما دفعت عنه ضيما فى حياته ولا عند مماته ، حتى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيب الضريبة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته يا ربّ للإسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك صلواتك عليه وآله حتى قبضته إليك ، زاهدا فى الدنيا غير حريص عليها ، راغبا فى الآخرة مجاهدا لك فى سبيلك ، رضيته فاخترته ، وهديته الى طريق مستقيم.

أما بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، إنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته فى الأرض فى بلاده لعباده ، أكرمنا الله

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٥٩.

٢٣٨

بكرامته ، وفضّلنا بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كثير من خلقه تفضيلا ، فكذبتمونا ، وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد الترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم ، قرت بذلك عيونكم ، وفرحت به قلوبكم ، اجتراء منكم على الله ، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين.

فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا ، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة فى كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحبّ كل مختال فخور ، تبا لكم! فانتظروا اللّعنة والعذاب ، فكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلدون فى العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين.

ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ، أو أية نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأية رجل ، مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا؟! قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فانتم لا تهتدون ، تبا لكم يا أهل الكوفة! كم تراث لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبلكم ، وذحوله لديكم ، ثم غدرتم بأخيه على بن أبى طالبعليه‌السلام جدّى ، وبنيه عترة النبيّ الطيبين الأخيار وافتخر بذلك مفتخر فقال :

نحن قتلنا عليا وبنى

علىّ بسيوف هندية ورماح

وسبينا نساءهم سبى ترك

ونطحناهم فأىّ نطاح

فقالت : بفيك أيها القائل الكثكث ولك الأثلب افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وطهّرهم ، وأذهب عنهم الرجس ، فاكظم واقع كما أقعى أبوك ، وإنما لكل امرئ ما قدّمت يداه ، حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا الله.

فما ذنبنا ان جاش دهر بحورنا

وبحرك ساج لا يوارى الدعامصا

٢٣٩

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا : حسبك يا بنت الطّيّبين! فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام(١) .

١٧ ـ عنه باسناده عن خديم بن شريك الأسدي قال : لما أتى على بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء وكان مريضا ، واذا نساء اهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدينعليه‌السلام ـ بصوت ضئيل وقد نهكته العلة ـ ان هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ، فأومأت زينب بنت على بن أبى طالبعليهما‌السلام الى الناس بالسكوت.

قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط انطق منها ، كأنها تنطق وتفرغ على لسان علىعليه‌السلام ، وقد أشارت الى الناس بان انصتوا فارتدّت الانفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت ـ بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، والخذل أفلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة ، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم هل فيكم إلّا الصلف والعجب ، والشنف ، والكذب ، وملق الاماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفى العذاب انتم خالدون.

أتبكون اخى؟ أجل والله فابكوا فانكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فقد أبليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ولن ترحضوها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم ، وآسى كلمكم ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم ومنار محجتكم ، ألا ساء ما قدمت لكم

__________________

(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٧.

٢٤٠